دروس الشيخ حمد الحمد

حمد الحمد

دليل الطالب_كتاب البيع [6]

دليل الطالب_كتاب البيع [6] من أنواع البيوع بيع الأصول والثمار، وهو بيع الأرض دون الشجر أو العكس، ومن أنواع البيع بيع السلم وهو رخصة لفقده بعض الشروط، وهي من البيوع التي ضبط الشرع أحكامها كما بين الفقهاء ذلك.

بيع الأصول والثمار

بيع الأصول والثمار

ما يدخل في بيع الدار

ما يدخل في بيع الدار قال المؤلف رحمه الله: [باب بيع الأصول والثمار]. الأصول: جمع أصل، وهو ما يتفرع عنه غيره، مثل الشجر يتفرع عنه الثمر، وكالدار يتفرع عنها ما فيها من بناء ونحوه، والأرض يتفرع عنها ما فيها من غرس أو بناء. والثمار: جمع ثمر كالتمر. يقول: [من باع أو وهب أو رهن أو وقف داراً، أو أقر أو أوصى بها؛ تناول أرضها وبناءها وفناءها إن كان، ومتصلاً بها لمصلحتها كالسلالم والرفوف المسمرة، والأبواب المنصوبة، والخوابي المدفونة، وما فيها من شجر وعرش، لا كنزاً وحجراً مدفونين، ولا منفصل كحبل ودلو وبكرة وفرش ومفتاح]. باع زيد داره لعمرو، والدار فيها غرس شجر وفيها أثاث ودواليب وفرش ومفاتيح وأقفال وسلالم، فما الذي يدخل في هذا فيكون للمشتري، وما الذي لا يدخل في البيع فيكون للبائع؟ الصحيح أن مرجع ذلك إلى العرف؛ لأن العرف محكم والعادة محكمة، فالذي أعرفه أنا عن العرف هنا أن الأثاث مثلاً لا يدخل، فمن باع داراً أخذ أثاثه؛ لكن إذا كانت الدواليب مسمورة فإنها في غالب الأماكن تدخل، مثل: دواليب المطبخ التي قد سمرت -أي ربطت بالجدار بالمسامير- لكن الدواليب التي لم تربط بالمسامير كغرفة النوم لا تدخل. إذاً: نرجع في ذلك إلى العرف. والمفتاح هل يدخل أو لا يدخل؟ نرجع في ذلك إلى العرف، وهذا يختلف باختلاف البلاد. والمؤلف هنا قال: (ما اتصل بها لمصلحتها). يعني: ما كان متصلاً بالبيت لمصلحته مثل السلالم والرفوف المسمرة، والمقصود السلالم التي تسمر كالسلم الذي يوصل به إلى السطح، وأما إذا كان السلم منفصلاً كالسلم الذي يصلح به الكهرب ونحو ذلك؛ فهذا لا يدخل، إذاً: الصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف. وقوله: (الخوابي المدفونة)، يعني الخزانات التي تدفن في الأرض للماء ونحوه، هذا يدخل في البيت، لكن الكنز لا يدخل لأن الكنز مودع في الأرض.

ما يدخل في بيع الأرض ونحوها

ما يدخل في بيع الأرض ونحوها قال: [وإن كان المباع ونحوه أرضاً دخل ما فيها من غراس وبناء]. قال: أبيع لك هذه الأرض التي مساحتها كذا، نقول: يدخل في ذلك ما في الأرض من غرس كأشجار، وما فيها من بناء فيها كغرفة أو أكثر. فإذا باع رجل أرضاً دخل في ذلك ما فيها من بناء وما فيها من غرس. قال: [لا ما فيها من زرع لا يحصد إلا مرة كبر وشعير وبصل ونحوه، ويبقى للبائع إلى وقت أخذه بلا أجرة ما لم يشترطه المشتري لنفسه]. إن باعه أرضاً فيها زرع، من الأرز أو البر أو الشعير، فإن الزرع يكون للبائع لا للمشتري، ويلزم المشتري بتركه حتى يأتي أول وقت الحصاد؛ لأن الزرع مما ينقل فهو كالمودع في الأرض. قال: [وإن كان يجز مرة بعد أخرى كرطبة وبقول، أو تكرر ثمرته كقثاء وباذنجان؛ فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الأولى للبائع، وعليه قطعهما في الحال]. إن اشتريت أرضاً وفيها حوض برسيم أو فيها باذنجان، فإن الأصل يكون للمشتري، لكن الجزة الظاهرة تكون للبائع، كذلك اللقطة الأولى الظاهرة في الباذنجان تكون للبائع، لكن الأصول للمشتري، لأنه أصبح كالشجر يتكرر سنة أو سنتين أو ثلاثاً، كما يكون هذا في البرسيم. قوله: (وعليه قطعهما في الحال) أي: عليه أن يقطع هذه الجزة وأن يلقط اللقطة الظاهرة في الحال، حتى لا يتجدد شيء مما يكون من ملك المشتري، لأن الأصل للمشتري والجزة الظاهرة للبائع، فإذا تركها أسبوعاً مثلاً تجدد، فيدخل ملك البائع على ملك المشتري، ولذا يؤمر بقطعها بالحال.

حكم بيع الشجر وما يتبعه من ثمر

حكم بيع الشجر وما يتبعه من ثمر قال: [فصل]، هذا الفصل في بيع الشجر وما يتبعه من ثمر. إذا باع الشجر الآن هل الثمر يتبع البائع أو يتبع المشتري؟ هذا رجل باع نخلاً، أو باع شجر زيتون أو باع شجر عنب أو باع شجر مشمش، فلمن يكون الثمر؟ إن كان نخلاً قد تشقق فيكون الثمر للبائع، وإن كان ورداً قد خرج من أكمامه فيكون للبائع، وإن كان مشمشاً قد خرج من نوره أو عنباً قد ظهرت ثمرته فتكون هذه الثمرة للبائع. وإن كان لم يتشقق ولم يظهر من نوره ولم يخرج من أكمامه في الورد ولم يظهر الثمر في العنب فيكون للمشتري. قال: [وإذا بيع شجر النخل بعد تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكاً إلى أول وقت أخذه]. وذلك لما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع). وهنا النبي عليه الصلاة والسلام قد علق الحكم بالتأبير لا بالتشقق، والتأبير هو فعل المكلف، وهذا الصحيح هنا، وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد، وأن الحكم في النخل مرتبط بالتأبير. يعني: بعت نخلاً قد أبرتها فنقول: إن ثمرتها لك أيها البائع، وإذا بعتها قبل أن تؤبرها فنقول: إن ثمرتها للمشتري. قال: [وكذا إن بيع شجر ما ظهر من عنب وتين وتوت ورمان وجوز]. هذه إذا ظهرت ثمرتها فتكون الثمرة للبائع، وإذا لم تظهر تكون للمشتري، وليس فيها تأبير ولا تشقق. [أو ظهر من نوره كمشمش وتفاح وسفرجل ولوز]. إذا خرج من نوره فالثمرة للبائع، وإذا لم تخرج فللمشتري. قال: [أو خرج من أكمامه كورد]. يعني إذا خرج من وعائه مثل الورد فيكون للبائع، وإذا لم يخرج فإنه يكون للمشتري، ولذا قال: [وما بيع قبل ذلك فللمشتري]، كما تقدم. [ولا تدخل الأرض تبعاً للشجر فإن باد لم يملك غرس مكانه]. هذا كرجل اشترى عشر نخلات ولم يشتر أرضها. رجل عنده مائة نخلة فأتيت أنت واشتريت منه عشر نخلات في مكانها تقول: أسقيها وهي في مكانها، فبادت، فليس لك أن تغرس مكانها؛ لأن الأرض ليست لك، إنما بقيت هذه النخلات في هذه الأرض لأنك اشتريتها في مكانها، فإذا بادت فليس لك أن تغرس مكانها.

حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه

حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه [فصل]. هذا الفصل في حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه. قال: [ولا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها]. لأن النبي عليه الصلاة والسلام: (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) متفق عليه. وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل له: ما زهوها؟ قال: أن تحمار أو تصفار). قال: [لغير مالك الأصل]. إذا استأجرت البستان فالثمر لك، فإذا بعته ولم يبد صلاحه قلنا: لا يجوز أن تبيعه، فإن بعته على مالك الشجر نفسه فلا بأس بذلك، لأنه يحصل التسليم بذلك، أي: لأنك سلمت الثمر لنفس مالك الشجر، بخلاف ما لو بعته على شخص آخر. قال: [ولا بيع الزرع قبل اشتداد حبه]، لما جاء في السنن ومسند أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام (نهى عن بيع الحب حتى يشتد) يعني: حتى ييبس ويقوى، (وعن بيع العنب حتى يسود). قال: [لغير مالك الأرض]، أي: لكن لو بعت الزرع قبل أن يشتد لمالك الأرض جاز. استأجرت أرضاً فزرعتها، وقبل أن يشتد الحب بعته لمالك الأرض، فيصح هنا لحصول التسليم بذلك.

ما يحصل به صلاح الثمرة

ما يحصل به صلاح الثمرة قال: [وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها الذي بالبستان]. عندك بستان فيه نخل من أنواع شتى، منها نخل الخلاص، ومنها غير ذلك، فبدا صلاح شجرة واحدة من الخلاص، يعني: أن البلح أصبح لونه أصفر ولو حبة واحدة أو حبتين في هذه النخلة، نقول: إن هذه النخلة قد بدا صلاحها وإن جميع النخل الذي من هذا النوع (الخلاص) قد بدا صلاحه. لكن لو كان فيه نوع آخر مثل السكري لا نحكم بصلاحه، حتى يبدو الصلاح ولو في شجرة واحدة من أشجاره، ولذا قال: (وصلاح بعض ثمر شجرة صلاح لجميع نوعها الذي بالبستان). قال: [فصلاح البلح أن يحمر أو يصفر]. البلح صالحه أن يحمر أو يصفر، فما دام أخضر فلا يعد صلاحاً. قال: [والعنب أن يتموه بالماء الحلو]. يصبح كأنه وعاء قد ملئ بالماء. [وبقية الفواكه طيب أكلها وظهور نضجها]، لأنها ليس فيها تلوين فيكون بطيب نضجها. [وما يظهر فما بعد فم]، يعني لقطة إثر لقطة [كالقثاء والخيار أن يؤكل عادة]، يعني يتهيأ للأكل.

حكم الجوائح

حكم الجوائح [وما تلف من الثمرة قبل أخذها فمن ضمان البائع ما لم تبع مع أصلها أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته]. إذا اشتريت ثمراً قد بدا صلاحه ولكن قبل أن تجده تلف بآفة سماوية، كما لو حصل برد على البستان وتلف هذا الثمر الذي اشتريته، فنقول للبائع: رد إليه ثمنه. فيرد إليك الثمن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام (أمر بوضع الجوائح)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن بعت من أخيك بيعاً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق)، رواه الإمام مسلم في صحيحه. إذاً: إذا حصل تلف بآفة سماوية فإنك ترجع إليه أيها المشتري بالثمن، (ما لم تبع مع أصلها)، فإذا بيعت مع أصلها فقد حصل التسليم التام. أي: إذا بعت ثمرة لم يبدو صلاحها أو بدا صلاحها مع الشجرة فلا نقول هنا: إنها لو حصلت آفة فإنه يضمن البائع، لأنه قد باع الشجر وما فيها. قوله: (أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته). هذا رجل اشترى ثمراً قد بدا صلاحه، ثم إنه تأخر، فالناس جدوا وهو لم يجد ولم يأخذ هذا الثمر فأصابته آفة، فلا نقول: الضمان على البائع هنا؛ بل الضمان على المشتري؛ لأن المشتري قد فرط.

أحكام السلم

أحكام السلم

تعريف السلم ودليل مشروعيته

تعريف السلم ودليل مشروعيته قال: [باب السلم]. السلم هو: تعجيل الثمن وتأخير المثمن. هذا رجل له مزرعة أو له بستان ويحتاج إلى دراهم، فقال للتاجر أعطني أيها التاجر عشرة آلاف ريال الآن، وأعطيك بعد سنة ألف كيلو من التمر، فهذا يسمى بالسلم ويسمى بالسلف، وهذا جائز، وهو بديل عن الربا، قال عليه الصلاة والسلام: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم). الأصل أن المثمن يعجل والثمن إما أن يعجل وإما أن يؤخر، لكن هنا يقع العكس، فالثمن يؤخذ مقدماً والسلعة (المثمن) يؤخذ مؤخراً، فهذا يسمى بالسلم. إذا كنت تحتاج إلى دراهم فقلت: يا فلان أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك بعد سنة مثلاً مائة صاع من القمح، أو مائة صاع من الشعير نوعه كذا، فهذا يسمى بالسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم). قال: [ينعقد بكل ما يدل عليه وبلفظ البيع]. يعني: ينعقد السلم بكل لفظ يدل عليه مثل: أسلمتك، أسلفتك، بعتك، فيصح بكل لفظ دل عليه.

شروط السلم

شروط السلم

الشرط الأول انضباط صفات المسلم فيه

الشرط الأول انضباط صفات المسلم فيه قال: [وشروطه سبعة: أحدها: انضباط صفات المسلم فيه: كالمكيل والموزون والمذروع والمعدود من الحيوان ولو آدميا]. يعني ولو كان عبداً رقيقاً. إذاً: الشرط الأول: أن تنضبط صفات المثمن الذي يسلم بعد سنة، ويسمى المسلم فيه. المثمن الذي يسلم بعد سنة مثلما ذكرنا في المثال المتقدم مائة كيلو من التمر، أو ألف صاع من البر، هذا يسمى المسلم فيه، فلابد أن تنضبط صفاته. قوله: (كالمكيل) المكيل منضبط، والموزون منضبط، والمذروع بالأذرع منضبط، والمعدود من الحيوانات منضبط، تقول: أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك مثلاً ألف شاة من النوع الفلاني بعد سنة، فهذا شيء منضبط. قال: [فلا يصح في المعدود من الفواكه] قالوا: لأن الفواكه تختلف كبراً وصغراً في الحجم. الآن الفواكه يجري فيها الوزن، لكن كانت في القديم تعد عداً، فيقولون: إنها تختلف في حجمها صغراً وكبراً، فيحصل بذلك خلاف ونزاع عند التسليم. قال: [ولا فيما لا ينضبط كالبقول]. البقول مثل الجرجير ونحوه، هذه تكون حزماً، فالحزم تختلف كبراً وصغراً فيحدث خلاف، [والجلود]، كذلك الجلود تختلف، [والروس والأكارع والبيض والأواني المختلفة روسا وأوساطاً كالقماقم ونحوها]. إذاً الشرط الأول: أن يكون المسلم فيه بصفات منضبطة كالمكيل والموزون ونحوه.

الشرط الثاني ذكر جنس المسلم فيه ونوعه بما يختلف به الثمن

الشرط الثاني ذكر جنس المسلم فيه ونوعه بما يختلف به الثمن [الثاني: ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن]. أي: أن يذكر جنسه ويذكر نوعه، يقول: هذا تمر فالتمر جنس، ونوعه الخلاص مثلاً، لكن لو قال: أعطيك شيئاً لم يصح هذا، ولابد أن يذكر الجنس كالتمر وأن يذكر النوع كالخلاص مثلاً. أن يذكر الجنس كالبر أو كالأرز، ويذكر النوع أيضاً لأن الأرز أنواع والبر أنواع، فلابد أن يذكر جنسه ونوعه، (بالصفات التي يختلف بها الثمن) يعني: التي تؤثر على الثمن، لأن التمر مثلاً فيه نوع يساوي عشرة ونوع يساوي ثلاثين، ونوع لا يساوي إلا ريالاً واحداً، فلابد أن يبين له الجنس والنوع. قال: [ويجوز أن يأخذ دون ما وصف له ومن غير نوعه من جنسه]. التاجر هذا لو أنه قال: أعطيك تمراً من الخلاص، فلما حلت السنة لم يعطه من الخلاص بل أعطاه من تمر دونه، فرضي التاجر، فلا شيء في ذلك لأنه رضي بإسقاط حقه، لكن إذا لم يرض فلابد أن يأتيه بالنوع الذي اشترطه.

الشرطان الثالث والرابع معرفة القدر بالمعيار الشرعي وأن يكون في الذمة

الشرطان الثالث والرابع معرفة القدر بالمعيار الشرعي وأن يكون في الذمة قال: [الثالث: معرفة قدره بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيل وزناً ولا في موزون كيلاً]. إذاً: الموزونات توزن والمكيلات تكال. [الرابع: أن يكون في الذمة]. يعني: يقول في ذمتي لك ألف صاع مثلاً من التمر وصفها كذا وكذا، هذا بيع في الذمة، ولا يكون معيناً فلا يقول: أعطيك هذا التمر الذي في المستودع؛ لأنه قد يتلف. ولا يقول: أعطني الآن مائة ألف ريال وهذه الدار لك بعد سنة. إذاً: لا يجوز أن يكون معيناً، ولابد أن يكون في الذمة. قال: [إلى أجل معلوم له وقع في العادة كشهر ونحوه]، لابد أن يكون الأجل معلوماً لا مجهولاً؛ لأن الأجل لو كان مجهولاً ترتب على ذلك نزاع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم). فلابد إذاً أن يكون معلوماً، وأن يكون الزمن له نفع ووقع على الثمن في العادة، مثل الشهر والشهرين ونحو ذلك.

الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه مما يوجد غالبا عند الأجل

الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه مما يوجد غالباً عند الأجل [الخامس: أن يكون مما يوجد غالباً عند حلول الأجل]. قال: أعطيك بعد سنة مثلاً براً، فلابد أن يكون هذا هو وقت الحصاد للبر، أو أعطيك بعد سنة مثلاً تمراً، فلابد أن يكون هذا وقت جداد التمر. ولا يقول: أعطيك بعد ستة أشهر تمراً، ويكون التمر غير موجود بعد ستة أشهر مثلاً، أو يكون قليلاً ونادراً في الأسواق، بل لابد أن يكون هذا وقته، وهذا باتفاق العلماء، وذلك من أجل أن يقدر على التسليم؛ لأنه إذا وضع زمناً لا يوجد فيه الثمر فإنه لا يقدر على التسليم.

الشرط السادس معرفة قدر رأس المال وانضباطه

الشرط السادس معرفة قدر رأس المال وانضباطه [السادس: معرفة قدر رأس مال السلم وانضباطه]. يعني الثمن الذي عجل في المجلس لابد أن يعرف قدره، كمائة ألف ريال، وقد يكون من غير الدراهم، يقول: أعطيك الآن مائة صاع من البر بذوراً -مثلاً- وتعطيني ألف صاع من الشعير بعد سنة، فلابد أن يكون رأس مال السلم منضبطاً حتى إذا فسخ فإنا نعلم الثمن.

الشرط السابع أن يقبض رأس المال في مجلس العقد

الشرط السابع أن يقبض رأس المال في مجلس العقد قال: [فلا تكفي مشاهدته ولا يصح بما لا ينضبط]. [السابع: أن يقبضه قبل التفرق من مجلس العقد]. لابد أن يكون القبض لرأس مال السلم في مجلس العقد، لأنه إذا لم يقبض في مجلس العقد كان بيع دين بدين. إذاً: المائة ألف ريال تقبض في مجلس العقد ولا تؤخر، وهذا هو مذهب جماهير العلماء.

أحكام الوفاء بالمسلم فيه

أحكام الوفاء بالمسلم فيه

مكان الوفاء في عقد السلم

مكان الوفاء في عقد السلم قال: [ولا يشترط ذكر مكان الوفاء لأنه يجب مكان العقد]، يعني: أنت الآن أخذت منه مائة ألف ريال على أن تعطيه مائة طن من القمح، فيكون مكان التسليم هو مكان العقد، ولذا قال هنا: (ولا يشترط ذكر مكان الوفاء لأنه يجب مكان العقد). قال: [ما لم يعقد ببرية ونحوها فيشترط]، كسفينة أو على طائرة، فلابد أن نذكر مكان الوفاء. نحن الآن في البر أو في مفازة من الأرض، فلابد أن يبين مكان الوفاء.

حكم الكفيل والرهن عن المسلم فيه

حكم الكفيل والرهن عن المسلم فيه قال: [ولا يصح أخذ رهن أو كفيل بمسلم فيه]. لو قال: أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك مائة طن من القمح بعد سنة، فقال: لا مانع من ذلك لكن أريد كفيلاً، قالوا: لا يصح أخذ كفيل به. أو قال التاجر: ليس عندي مانع لكن أعطني رهناً، قالوا: لا يصح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، رواه أبو داود. قالوا: فإذا كان هناك كفيل فقد لا يسدد الفقير ذلك فيؤخذ من الكفيل، أو يباع الرهن ويؤخذ منه حقه؛ لكن الحديث ضعيف، فيه عطية العوفي، ولذا فالراجح وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام أنه يصح أخذ كفيل الحكم أو رهن به.

الحكم إذا تعذر حصول المسلم فيه

الحكم إذا تعذر حصول المسلم فيه قال: [وإن تعذر حصوله خير رب السلم بين صبر أو فسخ ويرجع برأس ماله أو بدله إن تعذر]. إن تعذر حصول هذه الأطنان من البر في وقتها، كأن قال: أعطني مائة ألف ريال وأعطيك مائة طن من الأرز بعد سنة، ثم حصلت حروب أو غير ذلك فلم يوجد الأرز في الوقت المذكور بحيث تعذر أو ندر، فماذا نقول للتاجر الذي أسلم ودفع الدراهم؟ نقول: أنت مخير، فإما أن تصبر سنة أخرى أو سنتين حتى يتوفر ذلك، أو تفسخ وتأخذ رأس مالك، ولا يزيد على رأس المال، بل يأخذ رأس ماله الذي دفع أو بدله إن تعذر رأس المال. قال: [ومن أراد قضاء دين عن غيره فأبى ربه لم يلزم قبوله]. قالوا: لما في ذلك من المنة. هذا رجل اقترضت منه دراهم قدرها مثلاً ألف ريال، فجاء صاحب لك وقال: أيها التاجر أنت تريد من صاحبي فلان ألف ريال؟ قال: نعم، قال: خذ هذه الألف مني أنا وفاءً عنه، فلا يلزم المقرض بالقبول، وله أن يقول: أنا لا آخذ منك، وإنما آخذ حقي ممن أقرضته، لما في ذلك من المنة على التاجر، لأن هذا الرجل قد يمن عليه ويقول: أنا أوصلت حقك إليك، لكن لو قال: أنا وكيل عنه فهذه ألف ريال، فإنه يأخذ لأنه وكيل عنه. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب البيع [7]

دليل الطالب_كتاب البيع [7] القرض عقد إرفاق يصح في كل ما يصح بيعه، ويثبت حالاً ولو أجله، ولا يجوز أن يجر للمقرض نفعاً، وفيه أحكام وتفصيلات أخرى لابد للمسلم من معرفتها. والرهن من العقود الشرعية يتم به توثيق الدين، وهذا العقد تترتب عليه آثار وأحكام متعلقة بالراهن والمرتهن والرهن، لا يجوز لمسلم تعاطي هذا العقد حتى يعرف هذه الأحكام.

أحكام القرض

أحكام القرض

تعريف القرض وما يصح به عقد القرض وما يلزم به

تعريف القرض وما يصح به عقد القرض وما يلزم به قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القرض]. القرض هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. وهو مندوب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقتها مرة)، رواه ابن ماجه وغيره. يعني: إذا أقرضت عشرة آلاف ريال فكما لو تصدقت بنصفها، وإذا أقرضت هذا المبلغ مرة أخرى فكأنك تصدقت به كله، وهذا فيه فضل القرض. قال: [يصح بكل عين يصح بيعها]. بعض الناس يظن أن القرض في الدراهم والريالات فقط، فذكر أن كل ما يصح بيعه يصح قرضه، فلو أنه أقرضك صاعاً من تمر فإنك ترد له صاعاً من تمر. ويكون بين الجيران أن تستقرض المرأة كيلواً من الأرز أو تستقرض كذا من الخضروات التي نقصت في بيتها وتردها من الغد، فهذا قرض. [إلا بني آدم]، يعني العبد والأمة فلا يجوز إقراضهما، قالوا: لأن ذلك لم ينقل. [ويشترط علم قدره ووصفه]. القرض لابد أن يعلم قدره وأن يعلم وصفه لرفع الجهالة، فلابد أن يعلم أنه أقرضه مثلاً مائة صاع من البر، أو مائة ريال قطري، وأن يعلم وصفه أيضاً كأن يعلم أنه أقرضه مائة صاع من الأرز الجيد أو من الأرز الرديء. قال: [وكون مقرض يصح تبرعه]. أي: أن يكون المقرض ممن يصح تبرعه، فالصبي لا يقرض والمجنون لا يقرض ولا يصح قرضه، والسفيه لا يصح قرضه، لأنه لابد أن يكون القرض ممن يصح تبرعه وهو جائز التصرف، وجائز التصرف هو المكلف الرشيد. لو أن صبياً ورث من أبيه فاقترض منه أحد من الناس، فهل نقول: إن هذا القرض يصح؟ لا، ونقول: رد إلى هذا الصبي حقه، لأنه لابد أن يكون القرض من جائز التصرف. قال: [ويتم العقد بالقبول]، فإذا قبل المستقرض تم العقد. أقرضتك عشرة آلاف ريال فقلت: إني قبلت، تم العقد، لكن هل يلزم؟ قال: [ويملك ويلزم بالقبض]، فلو أنك قلت: يا فلان، أقرضتك عشرة آلاف ريال، فقال: قبلت! ولم تقبضه إياها، فلك أن ترجع عن وعدك. إذاً: القرض لا يلزم إلا بالقبض. قلت: يا فلان، أقرضتك عشرة آلاف ريال ردها إلي بعد سنة، سأذهب إلى الصندوق وآتيك بها، ثم إنه بدا له أن يرجع؛ فله ذلك، لأنه لا يلزم إلا بالقبض.

حكم التأجيل في القرض

حكم التأجيل في القرض قال: [ويثبت له البدل حالاً]، يعني: ولو أجله. إذاً القرض لا يتأجل بتأجيله، اقترضت من رجل عشرة آلاف ريال إلى رمضان من السنة القادمة، وبعد أسبوع قال: أعطني حقي أو بعد شهر قال: أعطني حقي، فإن له ذلك لا يتأجل بتأجيله. والقول الثاني في المسألة وهو الراجح وهو مذهب مالك واختيار ابن القيم الجوزية وشيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً أنه يتأجل بتأجيله، لأن الله جل وعلا يقول: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المسلمون على شروطهم). فالصحيح أنه يتأجل بتأجيله، فإذا وضعت له سنة ليأتيك بحقك فليس لك أن تطالبه قبل ذلك، كأن تطالبه بعد شهر أو شهرين، بل حتى تمضي السنة، لأنك شرطت ذلك على نفسك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المسلمون على شروطهم). هذا في القرض لكن البيع يتأجل قطعاً، اشتريت سيارة بثلاثين ألفاً إلى سنة، فهذا بيع وليس له أن يطالبك قبل حلول الأجل لأنه تاجر باعها لك بزيادة في ثمنها، أما المقرض فهو محسن، أعطاك المائة بمائة ولم يستفد منك شيئاً؛ لكن الصحيح كما تقدم أن القرض كذلك يتأجل بتأجيله.

كيفية قضاء القرض

كيفية قضاء القرض قال: [فإن كان متقوماً فقيمته وقت القرض، وإن كان مثلياً فمثله ما لم يكن معيباً]. القرض إن كان من المثليات يرد مثلياً، المثلي هو الذي له مثل، مثل عشرة آصع من الأرز لها مثل، فهذا يرد لك المثل. اقترضت هذه المرأة أو هذا الرجل من جاره عشرة آصع من الأرز إلى شهر، فإذا مضى شهر رد له عشرة آصع من الأرز، لأنه مثلي. وإن كان ليس بمثلي قال: يا فلان إن عندنا وليمة ونحتاج إلى القدور، نريد أن نقترض منك قدوراً -قرضاً استعارة- فقال: نريد قرضاً لأننا قد نتلفها أو قد تفسد، فالقدر متقدم وليس بمثلي، فنقول: كم ثمن القدر يوم القرض، قالوا: إن ثمنه يوم القرض خمسمائة ريال مثلاً، فيرد ذلك إذا حل الأجل. لأن القدور ليست من المثليات وإنما هي من المقومات. قوله: (ما لم يكن معيباً). يعني ما لم يكن فيه عيب، أي: فلا ترد له الأرز وقد ابتل لأن البلل عيب. قال: [أو فلوساً ونحوها فيحرمها السلطان فله القيمة]. إذا اقترضت فلوساً ثم إن هذه الفلوس حرمها السلطان بأن منع التعامل بها، أو لنفرض أن بلداً انتهت وأصبحت هذه العملة لا قيمة لها، فنقول: رد له القيمة يوم القرض. اقترض منه مثلاً ألف درهم أو ألف جنيه أو ألف دولار، ثم إن هذه الدولة انتهت فانتهت هذه العملة، نقول: كم كانت قيمتها مثلاً من الذهب في وقت القرض، قال: إن قيمة هذا النقد مثلاً عشرة جرامات من الذهب، فنقول: أعطه عشرة جرامات من الذهب.

حكم شرط الرهن والكفيل في القرض وحكم قرض الماء

حكم شرط الرهن والكفيل في القرض وحكم قرض الماء قال: [ويجوز شرط رهن وضمين فيه]. إذا قال: أنا لا أقرضك إلا أن تأتيني برهن يوثق حقي، فلا مانع، أو قال: لا أقرضك إلا بكفيل، فلا مانع. قال: [ويجوز قرض الماء كيلاً]. الماء قد يقرض؛ لأن الماء إذا حيز بالقوارير ونحوها جاز بيعه، إنما يمنع بيعه ما دام في البئر، أما إذا حيز فيجوز بيعه، ويجوز قرضه، فإذا استقرضت جالوناً من الماء، فإنه إذا جاء الموعد ملأته من الذين يبيعون الماء ورددته له. فالماء يكال بالآصع، واليوم يقاس باللتر. [والخبز والخمير عدداً]. اقترضت منه كيساً من الخبز فيه عشر خبزات مثلاً، فترد له من الغد مثل ذلك. [ورده عدداً بلا قصد زيادة]؛ لأنه قد يكون هذا أكبر من هذا، فهذا غير مقصود.

حكم الزيادة على القرض عند القضاء

حكم الزيادة على القرض عند القضاء [وكل قرض جر نفعاً فحرام، كأن يسكنه داره، أو يعيره دابته، أو يقضيه خيراً منه]، يعني: بشرط كأن يقول: أنا أريد أن أقترض منك مائة ألف ريال، وأدعك تسكن داري مجاناً، فهذا قرض جر نفعاً. أو أستقرض منك مائة ألف ريال وأترك سيارتي معك، كأن يقول شخص: أنا أريد السفر مدة شهرين، فأريد أن تقرضني عشرة آلاف أحتاجها في السفر وخذ سيارتي تركبها مدة هذين الشهرين، فهذا قرض جر نفعاً. أو يقضيه خيراً منه كأن يقول: أعطني شاة هزيلة وأقضيك شاة سمينة، فهذا لا يجوز. وقد جاء في البخاري عن عبد الله بن سلام معلقاً أنه قال: إنك بأرض الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل دين فأهدى لك حمل تبن أو حمل قت أو حمل شعير فلا تأخذ منه شيئاً فإنه ربا. ويروى: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، وهو لا يصح حديثاً لكن أهل العلم قد أجمعوا عليه، وأن كل قرض جر نفعاً فهو ربا. قال: [فإن فعل ذلك بلا شرط أو قضى خيراً منه بلا مواطأة جاز]. إن فعل ذلك بلا شرط أو قضى خيراً منه بلا مواطأة جاز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين: (خيركم أحسنكم قضاءً). اقترضت من رجل مائة ألف على أن تردها مائة ألف، فلما حل الأجل قلت: يا فلان، أنا اقترضت منك مائة ألف ريال، فهذا حقك وهذه زيادة مني؛ برضا بلا شرط، فيجوز هذا ولا حرج في ذلك.

حكم رد القرض في غير بلده

حكم رد القرض في غير بلده قال: [ومتى بذل المقترض ما عليه بغير بلد القرض ولا مؤنة لحمله لزم ربه قبوله مع أمن البلد والطريق]. أقرضت رجلاً شيئاً في الدوحة ووجدته في مكة فأعطاك القرض الذي استقرضه منك، هل يلزمك القبول؟ نقول: إن كان لا مؤنة في حمله مثل دراهم حيث لا يلحقك ضرر أن تأخذها في مكة، فيلزمك القبول أيها المقرض. وإن كان يترتب على ذلك مؤنة فلا يلزمك القبول. فمثلاً: اقترض منك عشرة أكياس من الأرز وردها لك في مكة، تقول: أنا هذا يحتاج إلى مؤنة حمل، فإذا أخذتها بالطيارة أخذوا مني أجرة، والسيارة ليس فيها مكان ويشق علي حملها، إذاً لا أقبلها منك إلا في البلدة التي أخذتها مني فيها وهي الدوحة.

أحكام الرهن

أحكام الرهن

تعريف الرهن

تعريف الرهن قال: [باب الرهن]. الرهن: هو توثيق دين بعين. هذا التاجر استقرضت منه عشرة آلاف ريال، فقال: أنا لا مانع عندي من أن أقرضك، لكني أطلب أن تضع عندي رهناً يوثق حقي، حتى إذا لم تأتني بالحق بعته بإذنك وأخذت حقي وتركت لك الباقي. فإذا اقترضت منه عشرة آلاف ريال ووضعت عنده حلياً من الذهب فقلت: هذا الحلي رهن عندك، أو هذه داري رهن عندك، أو هذه أرضي رهن عندك؛ فهذا يسمى بالرهن، قال الله جل وعلا: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283].

شروط صحة الرهن

شروط صحة الرهن قال: [يصح بشروط خمسة]، أي: الرهن يصح بشروط خمسة. [كونه منجزاً]، هذا هو الشرط الأول، وهو ألا يعلق الرهن، فلا تقول: أقرضني وأرهنك إذا جاء رمضان، أو أرهنك بعد ثلاثة أشهر، لأن الرهن لابد أن يكون منجزاً لا معلقاً، هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: [وكونه مع الحق أو بعده]، أي لا يكون قبله، فلا تقول: يا فلان خذ هذا الحلي رهناً وفكر لعلك تقرضني! ثم بعد أسبوع يقول: خذ هذا قرضاً، مع كونه قد قبض الرهن قبل القرض، قالوا: هذا لا يصح. أو قلت: يا فلان، إن هذه الدار رهن عندك على أن تقرضني، قال: إن شاء الله سأقرضك -كوعد- ثم بعد أسبوع أقرضك والرهن سابق، قالوا: لا يكون هذا، لأن الرهن يكون مع الحق أو بعده. مثاله مع الحق أن يقول: خذ هذا القرض وأعطني رهناً معه. ومثاله بعده: أن تستقرض منه مائة ألف ريال ثم بعد أسبوع تقول: يا فلان، أنا استقرضت منك مائة ألف ريال فخذ هذا رهناً عندك حتى تطمئن وترتاح. أو هو يقول: يا فلان أنا أقرضتك قبل شهر فلماذا لا تضع رهناً عندي؟ فتقول: خذ هذا رهناً عندك، إذاً يصح معه ويصح بعده لا قبله، هذا الشرط الثاني. الشرط الثالث: [وكونه ممن يصح بيعه]، لابد أن يكون الذي رهن جائز التصرف، وهو المكلف الرسمي. الشرط الرابع: [وكونه ملكه أو مأذوناً له في رهنه]، يعني: أن يكون ملكاً له، أو أن يؤذن له في الرهن، فلا ترهن شيئاً لا تملكه، ولم يؤذن لك في رهنه. ومثال ما أذن لك: أن تأخذ حلي امرأتك بإذنها لتجعله رهناً، أو تأخذ سيارة أخيك بإذنه لتجعلها رهناً. الشرط الخامس: [وكونه معلوماً جنسه وقدره وصفته]، لابد من أن يعلم هذا الرهن، فلو أتى بكيس وقال: هذا الذي داخل هذا الكيس رهن عندك ولا تفك الكيس، والحال أنه لا يدرى ما في هذا الكيس، هل هو تراب أم ذهب، فهذا لا يصح، لأنه لابد أن يكون معلوماً.

ما صح بيعه صح رهنه وما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه غالبا

ما صح بيعه صح رهنه وما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه غالباً قال: [وكل ما صح بيعه صح رهنه إلا المصحف]. كل ما يصح بيعه يصح رهنه، لأن المقصود من الرهن استيفاء الحق، إذاً: لابد أن يصح بيعه، إلا المصحف لأن المصحف في المذهب لا يجوز بيعه. قال: [وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه]، أي: كل ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، [إلا الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع قبل اشتداد حبه]. الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز بيعها لكن يجوز رهنها، قالوا: لأنه إنما حرم بيع الثمر قبل بدو الصلاح خشية العاهة والتلف بالآفات، أما هنا فهو رهن وليس ببيع، وكذلك الزرع قبل أن يشتد. قال: [والقن دون رحمه المحرم]. لا يجوز -في الأصل- أن تبيع عبداً وتفرق بينه وبين رحمه المحرم، كأن تبيع الأم دون ولدها أو تبيع الوالد دون ولده، أو الأخ دون أخيه، لأنه لا يجوز أن تفرق بين ذوي رحم محرم، وهم من لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى حرم تناكحهما. لكن العبد وابن عمه يجوز التفريق بينهما؛ لأنه لو كان هذا ذكراً والآخر أنثى جاز النكاح بينهما، فذكر المؤلف هنا أن القن يجوز أن ترهنه دون رحمه، لأن الرهن ليس ببيع، أي: لم يتم البيع بعد، وإنما هو رهن، ولكن إذا جاء البيع فلابد أن تبيعهما جميعاً أو أن تدفع الثمن. قال: [ولا يصح رهن مال اليتيم للفاسق]، لأن الفاسق قد يتصرف فيه بإهلاكه أو بجحوده.

ما يلزم به الرهن وحكم كسب الرهن ونماؤه وتلفه وغلاقه

ما يلزم به الرهن وحكم كسب الرهن ونماؤه وتلفه وغلاقه قال: [فصل: وللراهن الرجوع في الرهن ما لم يقبضه المرتهن، فإن قبضه لزم]. إذاً: الرهن لا يلزم إلا بالقبض، لقوله جل وعلا: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]. قالوا: [ولم يصح تصرفه فيه بلا إذن المرتهن]. ليس للراهن أن يبيع الرهن، وليس له أن يتصرف فيه إلا بإذن المرتهن. يعني: التاجر الذي أخذ الرهن عنده يسمى بالمرتهن، فلو تصرف الراهن في الرهن لفوت حق المرتهن. مثلاً: الرجل الذي وضع حلياً رهناً عند تاجر ليس له أن يبيع هذا الحلي، لأنه إذا باعه فقد فوت حق المرتهن، [إلا بالعتق] قالوا: لأن الشارع متشوف للعتق، فله أن يعتق عبده المرهون، لكن لابد أن توضع قيمة هذا العبد رهناً مكانه، ولذا قال: [وعليه قيمته مكانه تكون رهناً].

أحكام كسب الرهن ونماؤه وضمانه وتلف بعضه

أحكام كسب الرهن ونماؤه وضمانه وتلف بعضه قال: [وكسب الرهن ونماؤه رهن]، الرهن إذا كان له نتاج مثل الأغنام فإن هذا النتاج يكون رهناً تبعاً لأصله، والنتاج هو ما ولد من هذه الأغنام. كذلك إذا كسب العبد المرهون فكسبه يكون رهناً تبعاً له. يعني: هذا رجل قال: يا فلان أنا أقترض منك عشرة آلاف ريال وهذا عبدي رهن عندك، والعبد يتكسب كل يوم، فالمال الذي يتكسبه العبد يجمع عند المرتهن، ولا يأخذه المرتهن ملكاً له، وإنما يجمعه كرهن عنده لأن الكسب تبع لهذا العبد، والعبد رهن فكان كسبه تبعاً له. قال: [وهو]، أي الرهن [أمانة بيد المرتهن لا يضمنه إلا بالتفريط]. المرتهن إذا تلف الرهن عنده لا يضمن، لأن يده يد أمانة، إلا أن يفرط، كأن أعطيته حلياً رهناً فوضعه في درج الدكان ثم خرج وترك الدكان مفتوحاً فجاء سارق وسرق هذا الحلي، فإنه يضمن لأنه فرط. [ويقبل قوله بيمينه في تلفه وأنه لم يفرط]، لأنه أمين. فإذا قال: إنه قد تلف مني بلا تفريط فنقول له: احلف أن هذا قد تلف منك بلا تفريط، فإن حلف أنه تلف بلا تفريط لم يضمن. إذاً: لابد من يمينه، ولا يكفي أن يقول: أنا لم أفرط. قال: [وإن تلف بعض الرهن فباقيه رهن بجميع الحق]. أخذت عشرة آلاف ريال وتركت عنده مائة رأس من الغنم رهناً، فمات نصفها، فالباقي يكون هو الرهن، ولا ينفك منه شيء حتى يقضي الدين كله باتفاق العلماء. وضعت عنده مائة رأس من الغنم واقترضت منه عشرة آلاف ريال، فسددت تسعة آلاف ريال، أو ستة آلاف ريال، فلا تقول: رد إلي من الرهن بقدر ذلك، بل يبقى الرهن كله رهناً حتى لا يبقى عليك درهم، فلو بقي ريال واحد فالرهن باق. إذاً: يبقى الرهن باتفاق العلماء حتى يوفي الدين كاملاً، فإذا وفي بالدين تماماً انفك الرهن.

حكم اشتراط الغلق في الرهن وما يتعلق بذلك

حكم اشتراط الغلق في الرهن وما يتعلق بذلك قال: [وإذا حل أجل الدين وكان الراهن قد شرط للمرتهن أنه إن لم يأته بحقه عند الحلول وإلا فالرهن له لم يصح الشرط]. هذا رجل اقترض ألف ريال، ووضع عند التاجر هاتفاً جوالاً يساوي مثلاً ألف ريال، قال: خذ هذا الجوال عندك، وإذا حل الأجل ولم آتك بألف ريال فالجوال لك، فيقول هنا: إن هذا الشرط لا يصح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه)، رواه الدارقطني. إذاً: ماذا يستفيد المرتهن من الرهن؟ يستفيد أنه إذا حل الأجل فإنا ننظر: فإن كان الراهن قد أذن له بالبيع باع وأخذ حقه وترك الباقي لصاحبه. وإن كان لم يأذن له بالبيع يخبره ليأتي ويبيع، فيقول المرتهن: أيها الراهن هذه أغنامك تعال فبعها وأعطني حقي وخذ الباقي لك. فإن أبى الراهن شكاه المرتهن إلى القاضي فيقول له القاضي: بع وأعط الرجل حقه، فإن قال: هذه أغنامي ولن أبيعها ولن أوفيه حقه الآن لأنه ليس عندي شيء، فإن القاضي يحبسه ويعزره على البيع. فإذا أبى بعد الحبس والتعزير فإن القاضي يبيع ويعطي المرتهن حقه والباقي يعطيه للراهن. ولذا قال: [بل يلزمه الوفاء، أو يأذن للمرتهن في بيع الرهن، أو يبيعه هو بنفسه ليوفيه حقه، فإن أبى حبس أو عزر]، يعني أدب، أي: أدبه القاضي، [فإن أصر باعه الحاكم]، يعني يبيعه القاضي ويعطيه حقه.

حكم الانتفاع بالرهن مقابل النفقة والإنفاق عليه بلا إذن

حكم الانتفاع بالرهن مقابل النفقة والإنفاق عليه بلا إذن قال: [فصل: وللمرتهن ركوب الرهن وحلبه بقدر نفقته بلا إذن الراهن ولو حاضراً]. إذا رهنت وقلت: يا فلان هذه ناقتي رهن عندك أو هذه بقرتي رهن عندك، فله أن يركب هذه الناقة وله أن يشرب لبنها، وله كذلك أن يشرب من لبن البقرة بشرط أن ينفق عليها، أي يعلفها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً)، يعني مقابل النفقة، (ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة). قال: [وله الانتفاع به مجاناً بإذن الراهن]، لو كان الراهن يقول: أنا سآتي بالنفقة، هذه دابتي وأنا أحضر علفها، وقد أذنت لك بأن تشرب لبنها، فلا بأس بذلك، إلا أن يكون الدين قرضاً؛ لأنه إذا كان قرضاً فيكون قرضاً جر نفعاً، لكن هذا لو كان في بيع، كأن باعه سيارة إلى سنة فإنه يجوز أن ينتفع بها مجاناً. قال: [لكن يصير مضموناً عليه بالانتفاع]، هناك قلنا إن المرتهن لا يضمن؛ لكن هنا لما أصبح ينتفع به فإنه يضمن لأنه ينتفع. قال: [ومؤنة الرهن وأجرة مخزنه وأجرة رده من إباقه على مالكه]. أجرة رده من إباقه: يعني من هروبه، فالعبد إذا هرب فأجرة الرد على المالك. والمالك هو الذي يتحمل النفقة، ويتحمل أجرة المخزن إذا كان الرهن يحتاج إلى حفظ في مخازن، لأن هذا ملكه فيجب أن ينفق عليه، ولا تكون النفقة على المرتهن، إلا إذا كان المرتهن ينفق ليركب أو ليشرب كما تقدم. قال: [وإن أنفق المرتهن على الرهن بلا إذن الراهن مع قدرته على استئذانه فمتبرع]. هذا المرتهن وضعت عنده مائة رأس من الغنم رهناً، فصار يشتري لها أعلافاً ويشتري لها ما تحتاج إليه، نقول: هذا الرجل يعد متبرعاً ليس له الحق في الرجوع إلا أن يستأذن الراهن، أو يكون الراهن بعيداً لا يقدر على استئذانه، كأنه انقطعت أخباره وقد ترك عنده هذه الأغنام فنقول: أنفق عليها ولك أن تنوي الرجوع. إذاً: المرتهن التاجر إذا أنفق على الرهن من حيوان ونحوه، فله أن يطالب بحقه من النفقة، إلا إذا لم يستأذن الراهن مع قدرته على الاستئذان فليس له أن يطالب.

حكم البينة على من ادعى رد العين مع إنكار المالك

حكم البينة على من ادعى رد العين مع إنكار المالك قال: [فصل، من قبض العين لحظ نفسه كمرتهن وأجير ومستأجر ومشتر وبائع وغاصب وملتقط ومقترض ومضارب، وادعى الرد للمالك فأنكره لم يقبل قوله إلا ببينة]. لأن هذه العين قد قبضها لحظ نفسه، فالمستأجر إذا استأجر منك سيارة، فهو قد قبضها لحظ نفسه، فإذا ادعى الرد وأنكرت فقلت: إنك لم ترد إلي، فإنه يُطالَبُ بالبينة؛ لأن الأصل عدم الرد، إذاً: لابد من بينة. قال: [وكذا مودع ووكيل ووصى ودلال بجعل إذا ادعى الرد]. مثال المودع: إذا وضعت أمانة عند رجل، وقال: أنا أحفظ أمانتك بشرط أن تدفع لي ألف ريال. أو وكيل: كأن وكلت رجلاً بمبلغ مقابل وكالته أن يحمل هذا الدين ويسدده فلاناً فلم يجده وادعى أنه رده لك. وكذلك الوصي والدلال، وهو الذي يعرض السلع للبيع، فإذا كان ذلك مقابل جعل وادعى أنه رد إليك حقك، فنطالبه بالبينة ولا تكفي يمينه؛ لأن هذا الشيء كان عنده لحظ نفسه، وهو أنه يستفيد جعلاً. قال: [وبلا جعل يقبل قوله بيمينه]، إذا كان الدلال يحرج مجاناً ووضعت عنده شيء يحرج عليه وقلت له: بعه وأعطني حقي، فلما أتيت قال: أنا رددته لك، فترافعتما إلى القاضي، فإن القاضي يطالبه باليمين فقط، لأنه لا يأخذ جعلاً على دلالته، أما إذا كان يأخذ جعلاً فإنه يطالبه بالبينة. وبهذا ننتهي من هذا المنهج ونختم هذه الدروس، سائلين الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الدين والقرض

الفرق بين الدين والقرض Q ما الفرق بين الدين والقرض؟ A في القرض يدفع لك ما يستفيد شيئاً، مائة ألف ريال بمائة ألف ريال، أما الدين فيبيع لك سيارة تساوي أربعين ألف بخمسين ألفاً إلى سنة، فهذا بيع. أنت الآن تحتاج إلى هذا الكتاب، والكتاب يساوي عشرة ريالات، فيبيعه لك هذا الرجل بخمسة عشر ريالاً إلى سنة، هذا بيع. أما في القرض فلا يستفيد المقرض، لأن المقرض محسن، يعطيك عشرة آلاف ريال ويأخذ منك عشرة آلاف ريال.

حكم المطالبة بالقرض قبل الأجل

حكم المطالبة بالقرض قبل الأجل Q ذكرت أن القرض إلى أجل يصح، فهل معناه أنه لا تجوز المطالبة قبل الأجل؟ A يجوز أن يطالبه قبل الأجل، نحن لا نقول إنه لا يجوز، لكن نقول: المقترض لا يلزم بالسداد.

حكم القروض مع الفائدة لبناء البيوت

حكم القروض مع الفائدة لبناء البيوت Q هل ما يؤخذ من قروض من البنوك بغرض بناء البيوت لأجل السكن فقط لا للتجارة، وذلك مع اشتراط زيادة لأجل التقسيط؛ هل يعد ربا؟ A نعم، إن كان قرضاً فهو ربا، يعطيك البنك مائة ألف ويأخذ مائة وعشرة حتى لو كان لبناء بيت هذا يعد ربا.

حكم شراء السيارات من البنوك الإسلامية بالتأجيل

حكم شراء السيارات من البنوك الإسلامية بالتأجيل Q ما حكم شراء سيارة من بنك إسلامي؟ A الآن شراء السيارات من البنوك الإسلامية إذا كان على طريق المرابحة والبنك يملك السيارة فلا بأس.

حكم الانتفاع بالرهن في البيع والقرض

حكم الانتفاع بالرهن في البيع والقرض Q هل يجوز للمرتهن أن يتصرف بالشيء المرهون؛ كأن يترهن سيارة، فهل يجوز قيادة السيارة، ولا يكون قرضاً جر نفعاً؟ A يجوز أن يقود السيارة إذا أذنت له مجاناً. وأما: هل هذا من القرض الذي يجر نفعاً فنقول: إذا كان الذي بينك وبينه قرض فلا يجوز ذلك، وإذا كان الذي بينك وبينه ثمن مبيع فيجوز، كما لو اشتريت منه بيتاً يساوي خمسمائة ألف إلى سنة بستمائة ألف، فهذا جائز.

دليل الطالب_كتاب الخلع

دليل الطالب_كتاب الخلع مما يقع به التفريق بين الزوجين الخلع، لكنه يقع بطلب من المرأة عند كراهتها لبيت الزوجية، فتبذل للزوج عوضاً على أن يخالعها، وهو فسخ لا ينقص به عدد الطلاق؛ لكن إذا تحققت شروطه.

تعريف الخلع ودلائل مشروعيته

تعريف الخلع ودلائل مشروعيته بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: نتدارس في هذه الدورة المباركة إن شاء الله تعالى كتاب الخلع وكتاب الطلاق وما يتيسر من كتب لها تعلق بهذه المسائل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الدروس في هذه الدورة مباركة على من حضرها وحاضر فيها ونظم وأعان، إنه مجيب الدعاء. ونسأل الله جل وعلا أن يفقهنا وإياكم في دينه وأن يبصرنا في شريعته إنه سميع الدعاء. قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الدليل: [كتاب الخلع]. الخلع هو: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها أو من غيرها، فهو فراق من قبل الزوج بعوض، فتدفع هذه المرأة عوضاً لزوجها أو يدفع عنها هذا العوض أجنبي. وسمي خلعاً؛ لأن المرأة لباس للرجل، وهو لباس لها، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، فإذا فارقته بعوض تدفعه فكأنها خلعت ثوبها الذي لبسته، أي أنه سمي بالخلع لأن المرأة تفارق هذا الزوج الذي هو لباس لها. والأصل في الخلع قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه، فإنها أتت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إني لا أنقم على ثابت في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام)، يعني: أكره أن أسيء عشرته، وسوء العشرة من المرأة من الكفر الأصغر، فهي تكره الكفر في الإسلام. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أتردين إليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: خذ الحديقة وطلقها تطليقة) متفق عليه. وفي النسائي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرها أن تعتد بحيضة). وفي ابن ماجة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ولا يزداد)، يعني: على الحديقة التي هي مهر لها. هذا الحديث هو الأصل في باب الخلع. وكذلك قول الله جل وعلا: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].

حكم الخلع

حكم الخلع

حكم طلب المرأة للخلع

حكم طلب المرأة للخلع الخلع إنما يباح للمرأة إذا كان في خلق الزوج أو في خلقه -أي: في صورته الظاهرة- ما يجعل المرأة لا تقدر على أن تقيم حياتها معه، فيكون في خُلُقه أو في خَلْقه ما تكره معه المرأة عشرة الرجل، فإذا كرهت المرأة خُلق زوجها أو خَلقه أو دينه أو كرهته لكبر سنه أو لضعفه أو لنحو ذلك جاز لها الخلع، لحديث امرأة ثابت المتقدم. فإن كانت الحال مستقيمة لكن المرأة امرأة ذواقة ولا تصبر على الحياة الزوجية، فهنا قال الفقهاء: يكره لها الخلع، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، رواه أحمد والأربعة. الفقهاء في المشهور في مذهب أحمد وغيره قالوا: إذا كانت الحال مستقيمة يكره الخلع، وقال بعض العلماء وهو اختيار الموفق وقول ابن المنذر: بل يحرم للحديث. وهذا أصح. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: (المختلعات هن المنافقات)، فإذا كانت المرأة من هذا النوع لا تصبر على الارتباط بالزوج، وليس هناك ما يدعو للطلاق لا في خلقه ولا في دينه ولا في أي أمر آخر يقتضي أن تكرهه المرأة، لكنها تريد أن تغير زوجها وأن تنتقل من عصمة زوج إلى عصمة آخر تذوقاً، فإن الصحيح أن ذلك لا يجوز لما تقدم تقريره، وهو اختيار الموفق وقول ابن المنذر رحمه الله تعالى.

حكم إجابة الزوج المرأة للخلع

حكم إجابة الزوج المرأة للخلع إذا طلبت المرأة الخلع فقالت: أريد أن أدفع لك عوضاً على أن تفارقني وكان هناك ما يبيح لها الخلع مما تقدم ذكره، فيستحب للزوج في المشهور في المذهب أن يجيبها فيخلعها، وعلى ذلك فالقاضي لا يلزمه؛ لأن الأمر إنما هو للاستحباب. وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: في موضع -فهو أحد القولين له رحمه الله- أن ذلك يجب، وألزم به بعض حكام الشام من الحنابلة، وهذا هو الأظهر، وهو ظاهر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (خذ الحديقة وطلقها تطليقة)، وظاهر الأمر الوجوب؛ ولأن في ذلك دفع ضرر عنها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، فالذي يترجح أنه يجب قبول الخلع، أي: يجب أن يجيبها الزوج إلى ذلك، فإن خالع وإلا فإن القاضي يلزمه، وذلك إذا تبين للقاضي أن هناك ما يبيح لها ذلك، وأما إذا كانت المرأة تطلبه وليس لها ما يبيح ذلك فإن ذلك يحرم كما تقدم تقريره.

شروط الخلع

شروط الخلع

أن يقع الخلع من زوج يصح طلاقه

أن يقع الخلع من زوج يصح طلاقه قال: [وشروطه سبعة: الأول: أن يقع من زوج يصح طلاقه]، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن ماجة وغيره: (الطلاق لمن أخذ بالساق)، وهو المميز الذي يعقل الطلاق، فإذا كان مميزاً وهو من تم له سبع سنين ويعقل الطلاق بأن يعرف ما الذي يترتب على الطلاق من فراق المرأة، فهذا هو الذي يصح طلاقه، وكذلك يصح خلعه من باب الأولى؛ لأن الخلع بعوض، فله فيه مصلحة، بخلاف الطلاق فإنه فراق بلا عوض.

أن يكون الخلع على عوض

أن يكون الخلع على عوض ثم قال: [الثاني: أن يكون على عوض]، هذا هو الشرط الثاني: أن يكون على عوض، فإن كان الخلع على غير عوض فلا يصح، لو قالت المرأة: اخلعني يا فلان بمائة ألف فقال: خلعتك مجاناً، نقول: هذا ليس بخلع، إذا أردت فطلق وقل: أنت طالق، أما الخلع فلابد أن يكون بعوض، وعلى ذلك فلا يصح الخلع مجاناً. قال: لكن لو قال: خلعتك وقد نوى به الطلاق، فهذا طلاق. قال: [ولو مجهولاً]، أي: ولو كان العوض مجهولاً؛ لأن الخلع فيه إسقاط للحق، فاغتفر فيه كعقود التبرعات. وعلى ذلك لو قالت المرأة: طلقني ولك ما في هذه الحقيبة، وقد يكون فيها مائة ألف، وقد يكون فيها ألف، وقد لا يكون فيها إلا عشرة دراهم، وقد يكون فيها قطعة ذهب، فإذا طلقها على ما في هذه الحقيبة جاز. ولذا قال المؤلف: (ولو كان مجهولاً)، فيغتفر فيه هذا لأنه من باب الإسقاط، فهو يسقط حقه، فلم يشترط العلم به بخلاف البيع. قال: [ممن يصح تبرعه من أجنبي وزوجة]، أي: لابد أن يدفع هذا العوض ممن يصح تبرعه، فإذا كانت الزوجة لا يصح تبرعها فلا يصح دفعها للخلع، وعلى ذلك فالثمن مردود والخلع باطل، كما لو كانت المرأة صبية غير مكلفة، أو كانت غير رشيدة أو كانت المرأة محجوراً عليها. تزوج امرأة عمرها مثلاً عشر سنوات، ولم تبلغ بعد، أو قد بلغت لكنها ليست رشيدة، فقالت له: طلقني، فقال: أعطيني الذهب وأطلقك، فدفعت له حليها وخلعها، لم يصح ذلك، لأنها غير مكلفة، وكذلك إذا كانت مكلفة وليست رشيدة؛ لأن تبرعها لا يصح، فكذلك دفعها لعوض الخلع. وكذلك الأجنبي، فلو قال أخوها: أنا أدفع العوض وكان ابن عشر سنين مثلاً ولم يبلغ بعد، أو بلغ لكنه غير رشيد أو كان محجوراً عليه، لم يصح، فمن لا يصح تبرعه لا يصح دفعه للعوض. قال: [لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح]، وهذا كرجل خلع امرأته ودفعت له العوض لكن ذلك ثمرة عضلها، والإضرار بها، فقد ضار بالمرأة وعضلها ومنعها حقوقها، كالنفقة أو المبيت عندها، أو أساء عشرتها فضربها يريد أن تطلب منه الخلع، ليأخذ الثمن الذي أعطاها إياه، فهذا لا يجوز، قال تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:19]. وعلى ذلك فالثمن مردود والخلع باطل والزوجية على حالها. والحاصل أنه إذا خلعها بعد أن ضار بها وعضلها لتدفع له شيئاً مما آتاها، فدفعت لتتخلص من هذا الظلم وهذا العذاب الذي لحقها، فهنا نقول: الخلع باطل، والمرأة لا تزال في ذمته وليست بائناً منه والثمن مردود. فإن ظلمها لا لتفتدي منه؛ لكنها افتدت منه، صح في المشهور من المذهب. هذا رجل ظلم امرأته وآذاها وبخسها حقها من مبيت أو نفقة أو غير ذلك، فأرادت المرأة أن تتخلص من هذا الظلم، فقالت: خذ ما دفعته وطلقني، ولم يكن قد نوى بهذا العضل والمضارة لكن هذا هو طبعه، أو أنه قد حصل منه ظلم لكراهيته لها، لكنه لم يكن ينوي أن يأخذ منها مهره، فما الحكم؟ قال المؤلف هنا: (لكن لو عضلها ظلماً لتختلع لم يصح) ومفهومه أنه لو عضلها ظلماً لا لتختلع فاختلعت فالمشهور في المذهب أن الخلع يصح، والثمن لا يرد، لكنه آثم لظلمه. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه المسألة كتلك، وذلك لأن هذا الخلع هو ثمرة هذا الظلم، فالظلم سبب للخلع، وهذا هو الراجح. إذاً: إن عضلها لتفتدي منه فافتدت فالخلع باطل والثمن مردود، فإن عضلها لا لتفتدي لكنها افتدت فعلى قولين: القول الأول: أن الخلع يصح، ولكنه آثم لظلمه. والقول الثاني وهو الراجح: أن الخلع باطل والثمن مردود، ونقول له: إما أن تحسن عشرتها وإما أن تطلقها، وهذا هو القول الراجح؛ لأن هذا الخلع سببه الظلم، وعلى ذلك فلا يحل له أن يأخذ هذا المال؛ لأن هذا المال الذي أخذه سببه هذا الظلم الذي حصل منه.

أن يقع الخلع منجزا

أن يقع الخلع منجزاً قال: [الثالث: أن يقع منجزاً]، لو قال: يا فلانة إن دفعت لي عشرة آلاف ريال فقد خالعتك، فهذا خلع معلق؛ لأن معناه: إن دفعت لي عشرة آلاف ولو بعد شهر أو سنة فقد خالعتك، قال الفقهاء: لا يصح ذلك، وعلى ذلك فإذا دفعت له المبلغ فله أن يخالعها وله أن لا يخالعها. والقول الثاني في المسألة وهو الراجح: أن الخلع يصح معلقاً، لأنه لا دليل على المنع من ذلك، فإذا قال: يا فلانة إن دفعت لي كذا وكذا فقد خالعتك، فإذا دفعت إليه فإنها تكون مختلعة، وعلى ذلك فلا يشترط التنجيز، بل يجوز التعليق.

أن يقع الخلع على جميع الزوجة

أن يقع الخلع على جميع الزوجة قال: [الرابع: أن يقع على جميع الزوجة]، فلا يصح أن يقع الخلع على بعضها، يعني: لو قال: خالعت نصفك، لم يصح، لأن المرأة لا تتبعض حلاً وحرمة.

ألا يقع الخلع حيلة لإسقاط يمين الطلاق

ألا يقع الخلع حيلة لإسقاط يمين الطلاق قال: [الخامس: أن لا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق]، هذا رجل حلف فقال: يا فلانة إن سافرت إلى البلد الفلانية فأنت طالق، فضاق عليه الأمر وهو يريدها أن تسافر، فاحتال بالخلع، فقال: أعطيني عشرة ريالات وتكونين مختلعة مني ثم سافري، ثم بعد ذلك أعقد عليك،، فهذه حيلة يريد بها أن تفعل ما حلف هو ألا تفعله، ولكن تفعله حال كونها بائناً منه، هذه حيلة باطلة والحيلة لا تحل ما حرم الله، وذلك لأن هذا الخلع ليس المقصود منه فراق المرأة بل المقصود منه الإبقاء عليها، والخلع إنما يقصد منه الفراق، ومسألة الحلف بالطلاق يأتي الكلام عليها إن شاء الله؛ لكن هذه المسألة تبنى على مذهب الجمهور من أن يمين الطلاق يقع بها الطلاق، ويأتي اختيار شيخ الإسلام وطائفة من أهل العلم من أن يمين الطلاق إذا كان لا يقصد منها الطلاق وإنما يقصد منها المنع أو الحث أو التأكيد، فإنها يمين فيها الكفارة.

ألا يقع الخلع بلفظ الطلاق

ألا يقع الخلع بلفظ الطلاق قال: [السادس: أن لا يقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له]، كأن يقول: خالعتك، فلو دفعت له الدراهم وقال: طلقتك، فالمشهور في المذهب أنها تحسب طلقة، والخلع كما سيأتي فسخ لا ينقص به عدد الطلاق، لكن إذا كان بلفظ الطلاق فإنه يحتسب من الطلاق. دفعت له الدراهم وقال: أنت طالق، ثم بدا له أن ينكحها، فنكحها بولي وشاهدي عدل وتوفرت شروط النكاح وتوفرت أركانه، فإنها تحسب عليه طلقة ويبقى له طلقتان، وعن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية أن الخلع ولو كان بلفظ الطلاق فهو خلع لا ينقص به عدد الطلاق، وهذا هو الراجح وذلك لأن الخلع فسخ، وهو طلاق مقيد لأنه مقيد بعوض، وليس هو الطلاق المطلق الذي لا عوض فيه، ففرق بين هذا وهذا، ولذا فإن الله جل وعلا قال في كتابه الكريم: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة:230]. فالخلع ليس بطلاق لأن الخلع لو كان طلاقاً لكان قد طلقها أربعاً، فقال الله جل وعلا: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة:230] ففرق الشارع بين الطلاق وبين الخلع. والعبرة بالمعاني والمقاصد، لا بالألفاظ والمباني، فهذا طلاق على عوض وليس هو الطلاق المطلق الذي لا عوض فيه، وعلى ذلك فالصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ورواية عن الإمام أحمد أن الخلع فسخ لا ينقص به عدد الطلاق وإن كان بلفظ الطلاق. ويدل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمرأة كما في الحديث المتقدم: (أتردين إليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: خذ الحديقة وطلقها تطليقة)، وقال في النسائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد بحيضة)، والطلاق عدته ثلاث حيض اتفاقاً، وقد قال: (طلقها تطليقة). فدل ذلك على أن الخلع ولو كان لفظ الطلاق فهو فسخ، ولذا فإن المرأة تعتد بحيضة كما سيأتي تقريره إن شاء الله في كتاب العدد.

ألا ينوي بالخلع الطلاق

ألا ينوي بالخلع الطلاق ثم قال رحمه الله: [السابع: أن لا ينوي به الطلاق]، فإن قال: خالعتك ونوى به الطلاق فهو طلاق، هذا كله على المشهور في المذهب، والصحيح أنه لو نوى به الطلاق، بل ولو كان بلفظ الطلاق فهو فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق.

الخلع فسخ لا ينقض عدد الطلاق

الخلع فسخ لا ينقض عدد الطلاق قال: [فمتى توفرت الشروط كان فسخاً بائناً لا ينقص به عدد الطلاق]، إذا كان الخلع بلفظ الخلع ولم ينو به الطلاق فهو فسخ تبين به المرأة بينونة صغرى ولا ينقص به عدد الطلاق، وهذه مسألة تحتاج إلى توضيح، وأوضح هذا بذكر أن المسألة لها صور: الصورة الأولى: قال: يا فلانة أعطيني المهر الذي دفعته لك وأخالعك، فقالت: هذا هو المهر، فقال: قد خالعتك، فما الحكم؟ نقول: تبين منه المرأة بينونة صغرى، ومعنى ذلك أنها لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد وولي وغير ذلك من الشروط والأركان، ولا نقول: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. لو أنه خطبها بعد ذلك ورضيت به وصلح أمرهما وعقد عليها برضاها، ولم يكن قد طلقها قبل ذلك، فإنه يبقى له من الطلاق ثلاث، هذا هو المشهور في المذهب. نأتي إلى الصورة الثانية: إذا قال: يا فلانة أعطيني الدراهم التي دفعتها مهراً لك وأطلقك أو أخالعك، فقالت: خذ هذه الدراهم، فقال: أنت طالق، فعلى القول الثاني وهو الراجح في هذه المسألة أن حكمها كالمسألة السابقة ولا فرق، هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. أما المشهور في المذهب فقالوا: إن هذه تحسب عليه طلقة، وتبين منه بينونة صغرى، فإذا عقد عليها بعد ذلك بعقد جديد فنقول: أنت في رصيدك طلقة وبقي لك طلقتان.

صيغ الخلع

صيغ الخلع قال: [وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية]، فإذا قال: خالعتك، فهذه صيغة صريحة، وأبنتك صيغة صريحة فلا تحتاج إلى نية. قال: [وهي: خلعت وفسخت وفاديت]، وهذه الألفاظ التي ذكرها المؤلف على المشهور في المذهب كلها ألفاظ صريحة لا تحتاج إلى نية، لأن اللفظ الصريح يغني عن النية. قال: [والكناية باريتك وأبرأتك وأبنتك]، فأبنتك هنا عندهم تحتمل الخلع وتحتمل الطلاق، وإذا قلنا على الراجح أنه لا فرق وأنه ولو كان بلفظ الطلاق فلا فرق بين (أبنتك) و (خالعتك). هنا المشهور في المذهب في قوله (أبرأتك) أنه: لابد من نية لأنها تحتمل الخلع وتحتمل غيره. قال: [فمع سؤال الخلع وبذل العوض يصح بلا نية]؛ لأن هذه قرينة، كون المرأة تسأله الخلع وتدفع له عوضاً فهذه قرينة تكفي عن النية، قال: [وإلا فلابد منها]، أي: النية. إذاً: إذا كان اللفظ صريحاً فيكفي، وإذا كان اللفظ ليس بصريح فلابد من نية الخلع، فإذا قال: أبنتك فلابد أن يكون قد نوى في قلبه الخلع. ويكفي عن النية هنا قرينة الحال، فسؤال المرأة الخلع قرينة حال، ودفعها للعوض قرينة حال. قال: [ويصح بكل لغة من أهلها كالطلاق]، لأن لفظ الخلع ليس من الألفاظ التي نتعبد بها، بل يصح الطلاق بكل لغة، وكذلك الخلع. ومن الفروق بين الخلع والطلاق أن الطلاق منه ما هو بدعي ومنه ما هو سني، ومن البدعي طلاق المرأة حال حيضها، وطلاق المرأة حال طهرها الذي جومعت فيه، وأما الخلع فإن هذا لا يكره، فإن هاتين الحالتين لا يكره فيهما الخلع، فله أن يخلع المرأة وهي حائض وله أن يخلعها في طهر قد جامعها فيه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل المرأة المختلعة هل هي حائض أم طاهر، وهل هي في طهر قد جومعت فيه أم لا، كما أرشد ابن عمر رضي الله عنه في طلاقه إلى ذلك. ولأن المرأة المختلعة تريد أن تدفع الضرر عن نفسها وهي لا تطيق هذا الزوج ولا تقدر أن تتربص حتى تطهر من حيضها لكراهيتها له، وقد تكون الحال تقتضي ذلك، لأن مسائل الخلع قد يدخل فيها الشفعاء أو غيرهم، وعلى ذلك فدفع الضرر عن المرأة يناسب أن يكون الحكم في الخلع في هاتين المسألتين ليس كالحكم في الطلاق، وعلى ذلك فلا يكره أن يخلعها في حال حيضها ولا في طهر قد جامعها فيه، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الطلاق [1]

دليل الطالب_كتاب الطلاق [1] من أعظم الأبواب الفقهية التي يجب أن يتعلم المسلم أحكامها أبواب الطلاق، فيتفقه في معنى الطلاق وأحكامه من وجوب وكراهة وسنة وإباحة وحرمة، ومن يقع طلاقه ومن لا يقع طلاقه، وغير ذلك من الأحكام فلا يقع في إشكال من غير علم.

تعريف الطلاق وبيان ما يحل منه وما يحرم

تعريف الطلاق وبيان ما يحل منه وما يحرم

تعريف الطلاق

تعريف الطلاق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الطلاق]. الطلاق في اللغة هو التخلية. وفي الاصطلاح: هو حل عقد النكاح أو بعضه. فإذا طلقها ثلاثاً فقد حل عقد النكاح كله، وإذا طلقها واحدة أو اثنتين فقد حل بعضه.

الطلاق المباح والمسنون والواجب

الطلاق المباح والمسنون والواجب قال المؤلف: [يباح لسوء عشرة الزوجة]، أي: يباح للحاجة، فالطلاق مباح عند الحاجة، فإذا كانت المرأة سيئة العشرة جاز له أن يطلقها. قال: [ويسن إن تركت الصلاة ونحوها]، إن تركت الصلاة فيسن طلاقها، وهناك رواية عن الإمام أحمد أنه يجب الطلاق. فإذا كانت المرأة لا تصلي بالكلية فالصحيح أن الطلاق واجب إذا لم يستطع تقويمها، وأما إذا كانت لا تترك الصلاة بالكلية لكن تصلي وتترك، أو تفرط في بعض الواجبات الشرعية الأخرى فإن طلاقها يسن، إلا أن يخشى أن تفسد عليه دينه، فيجب ليحفظ على نفسه دينه. إذاً: إن كانت المرأة تاركة للصلاة بالكلية فإنه يجب فراقها، وإن كانت تترك بعض الصلوات أحياناً أو كانت تفرط في بعض الواجبات الشرعية، فيستحب طلاقها إذا لم يقدر على تقويمها. وإن كان يخشى على دينه لأن بعض النساء تفسد عليه دينه وتوقعه في المحرمات بتزيينها في نفسه ويخشى أن تفتنه في دينه فهي امرأة فاسقة فيجب طلاقها سداً للذريعة.

الطلاق المكروه والمحرم

الطلاق المكروه والمحرم قال: [ويكره من غير حاجة]، إذا لم يكن هناك حاجة للطلاق، بأن لم يكن له مبرر، فإنه يكره، وهذا هو قول الجمهور، لما روى أبو داود في سننه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، وهذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، والصواب أنه مرسل كما رجح ذلك أبو حاتم والدارقطني والبيهقي. وعند البزار: (لا تطلق المرأة إلا من ريبة، فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات)، لكن الحديث إسناده ضعيف أيضاً. ولأن الطلاق تفوت به المصالح. وقال الأحناف وهو رواية عن الإمام أحمد: بل يحرم الطلاق بلا حاجة، وهذا أصح. وذلك لأن طلاق المرأة أشد من إتلاف المال، وإتلاف المال بلا فائدة حرام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته، فإذا كان إتلاف المال حرام عبثاً بلا حاجة، فأولى من ذلك طلاق المرأة لأن فيه إزالة ملكه لبضعها، ويترتب على ذلك تفويت مصالح شرعية كثيرة فهو أولى من إتلاف المال بالتحريم. قال: [ويحرم في الحيض ونحوه] كما سيأتي.

حكم طلاق المولي بعد التربص

حكم طلاق المولي بعد التربص قال: [ويجب على المولي بعد التربص]، إذا حلف ألا يطأ امرأته فإنه يتربص أربعة أشهر، ونقول له: إما أن تفيء وإما أن تطلق، فإن أبى الفيئة وجب عليه الطلاق. وعلى ذلك فالأحكام الخمسة كلها ثبتت في الطلاق، فيباح في أحوال، ويستحب في أحوال، ويجب في أحوال، ويحرم في أحوال، ويكره في أحوال.

حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة

حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة وهل يجب أن يطلق المرأة إذا أمره أحد والديه بذلك؟ المشهور في المذهب الحنبلي أنه لا يجب عليه أن يطلق إذا أمره أبوه أو أمرته أمه بذلك، وعن الإمام أحمد أنه إن أمره أبوه بذلك وجب أن يطلق إذا كان أبوه معروفاً بتحريه للعدل، وليس بمتبع لهواه في هذه المسألة، وهو يراعي المصلحة لابنه، ويدل على ذلك ما رواه الخمسة إلا النسائي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كانت لي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها فأبيت، فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: طلقها)، فإذا كان الأب معروفاً بتحري العدل ومراعاة المصلحة ويعرف ابنه فيه ذلك فإنه يجب أن يطيع أباه. فالأب قد يخفي عنه بعض الشيء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت ومالك لأبيك)، ويقول: (الولد كسب أبيه)، وأما الأم فلا، لأن الأم ليست كالأب في مراعاة مصلحة الابن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وليس تطليقه لامرأته من برها، وذلك لأن الطاعة بالمعروف وليس من المعروف أمره بتطليق امرأته، بل ذلك من المنكر. قال: [قيل: وعلى من يعلم بفجور زوجته] إذا كان يعلم بفجور زوجته وجب أن يطلقها، وهو رواية عن أحمد واختار هذا شيخ الإسلام والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وهذا هو الراجح لئلا يكون ديوثاً، فإذا علم أن المرأة فاجرة، بمعنى أنها تأتي الفاحشة؛ فإنه يجب أن يطلقها.

من يقع طلاقه ومن لا يقع طلاقه

من يقع طلاقه ومن لا يقع طلاقه

حكم طلاق المميز

حكم طلاق المميز قال: [ويقع طلاق المميز إن عقل الطلاق]. المميز هو ابن سبع سنين، فإن كان يعقل الطلاق، أي: يعرف ما الذي يترتب على الطلاق من فراق المرأة، وأنها إن انقضت عدتها فلا تحل له، وإن كان الطلاق ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن كان الطلاق لواحدة أو اثنتين وخرجت من عدتها فلا تحل له إلا بعقد وفيه مهر؛ فإذا كان يعقل ذلك فإن طلاقه يقع، وإن كان هذا الصبي المميز لا يعقل الطلاق ولا يعرف ماذا يترتب عليه، كأن يطلقها ثم إذا جاء من الغد قال: أريد فلانة، قالوا: أنت طلقتها، قال: ما عرفت أن الطلاق يترتب عليه ذلك، فإذا كان لا يعقل فإنه لا يقع طلاقه، وأما إذا كان يعقل الطلاق فإن طلاقه يقع. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن ماجه وغيره: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق). وقال علي رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة: (اكتموا الصبيان الطلاق)، وهذا مفهومه أنه يقع طلاقهم، ولذا أمر علي رضي الله عنه أن يكتموه لئلا تدرج ألسنتهم عليه فيقع. وقال الجمهور إنه لا يقع إلا طلاق المكلف البالغ العاقل، واستدلوا بحديث (رفع القلم عن ثلاثة). والذي يترجح هو الأول لما تقدم من الأدلة، وأما حديث (رفع القلم) فمعناه: رفع الإثم، فلا إثم، وهذا فيما يتعلق في حقوق الله فحسب، وأما الطلاق فله تعلق بحقوق الآدميين، لأن حق المرأة يتعلق بذلك.

حكم طلاق السكران

حكم طلاق السكران قال: [وطلاق السكران بمائع]. إذا طلق الرجل امرأته وهو سكران، فهل يقع طلاقه؟ قال المؤلف هنا: يقع الطلاق، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، واستدلوا بما روى الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه)، وقد صح ذلك عن علي رضي الله عنه موقوفاً عليه كما عند البخاري معلقاً، وأما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي فإن إسناده ضعيف. قالوا: ولأن في ذلك عقوبة له، فيؤاخذ بأقواله التي منها طلاقه عقوبة له. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب طائفة من التابعين ورواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية قالوا: لا يقع طلاق السكران. واستدلوا بما ثبت عن عثمان رضي الله عنه في البخاري معلقاً ووصله ابن أبي شيبة أنه قال رضي الله عنه: (ليس لسكران ولا لمجنون طلاق). وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (طلاق السكران والمستكره غير جائز)، أي غير ماض، رواه البخاري معلقاً. ولا نعلم لـ عثمان وابن عباس مخالفاً، أما أثر علي المتقدم فهو عام، وأما هذان الأثران فهما خاصان في هذه المسألة، وهذا هو القول الراجح. وأما قولهم إنه يعاقب، فنقول: الشرع عاقبه بالحد، فيجلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وأما فراق امرأته فلا، والذي يدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أقر ماعز رضي الله عنه بالزنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنكه كما في صحيح مسلم بأن يشم فمه ليعرف هل شرب الخمر أم لا، ومفهوم هذا أنه لو شمت منه رائحة الخمر لم يقبل إقراره على نفسه بالزنا، فدل ذلك على أن أقواله لا يؤاخذ عليها إلا ما يتعلق بحقوق الآدميين من قذف أو نحو ذلك. ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، رواه أبو داود وغيره، والإغلاق هو أن ينسد عليه باب القصد، والسكران قد انسد عليه باب القصد فلا يقصد الطلاق، أو قصده ضعيف جداً، ولذا فإن الصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ورواية عن الإمام أحمد وهو قول بعض السلف وهو قول عثمان وابن عباس أن طلاق السكران لا يقع.

حكم طلاق النائم والموسوس

حكم طلاق النائم والموسوس قال: [ولا يقع ممن نام]، لو هذى وهو نائم بالطلاق فإن الطلاق لا يقع. قال: [أو زال عقله بجنون أو إغماء]، كذلك، ومثله من شرب دواءً فسكر ولم يكن يعلم أن هذا الدواء يسكر فهذا أولى من المسألة المتقدمة فيما ترجح، وهذا أيضاً حتى على مذهب الحنابلة. إذا أخذ مخدراً في الدواء فذهب عقله أو أكره على الشرب فطلق فإنه لا يقع طلاقه في المشهور في المذهب أيضاً. كذلك من يغلبه الوسواس في الطلاق، فبعض الناس -نسأل الله العافية- يبتلى بالوسواس في الطلاق ويطلق ويطلق ويطلق ويدخله الوسواس فيهذي وهو يمشي وحده، فهذا لا يقع طلاقه. يعني: بعض الناس عنده مرض، وهو مرض الوسوسة في الطهارة أحياناً وفي مسائل أخرى، ومنها الوسوسة بالطلاق، ولذا اتفق العلماء على أن طلاق الموسوس في الطلاق لا يقع.

حكم طلاق المكره

حكم طلاق المكره قال: [ولا ممن أكرهه قادر ظلماً بعقوبة أو تهديد له أو لولده]، تقدم أثر ابن عباس أن المكره لا يقع طلاقه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). أي: أكرهه قادر -لا عاجز- وهو يغلب على ظنه أو يخشى منه أن يوقع فيه ما هدده به. قوله: (ظلماً) فإن أكره بحق كالذي يولي ويحلف أن لا يطأ امرأته وتمضي أربعة أشهر فهذا يجبر على الطلاق إذا لم يعد، وإكراهه بحق. قوله: (أو تهديد له أو لولده) أي: إذا هدد هو أو هدد ولده، كأن قالوا: إذا لم تطلق فلانة فإنا نقتل ابنك أو نختطف ابنك أو ابنتك، فطلق فلا يقع طلاقه. قال ابن رجب رحمه الله: ويتوجه أنه يلحق بهذا كل من يشق عليه مشقة عظيمة أذاه من ولد أو والد أو زوج أو صديق. فإذا هدد هذا الرجل بأنه إما أن يطلق امرأته وإما أن يؤذى هو أو يؤذى أحد يشق عليه مشقة شديدة أذاه، كأن قالوا له: نقتل أباك، أو نقتل أمك، أو نقتل عمك أو خالك، أو نقتل صديقك، أو نقتل زوجتك؛ فإذا كان بحيث يؤذيه أذى شديداً أن يؤذى هذا الذي هدد به فطلق؛ فإن طلاقه لا يقع.

حكم طلاق المسحور

حكم طلاق المسحور ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن من سحر ليطلق فإن طلاقه لا يقع، قال صاحب الإنصاف: وهذا من أعظم الإكراه. بعض الناس يسحر حتى إنه يشم من امرأته رائحة كريهة ويراها على صورة كريهة ويكرهها ولا يطيقها ويتألم لمقاربتها فيريد أن يزيل عنه هذا الأثر الناتج عن السحر فيطلق، فهذا إكراه. فإذا علم من نفسه أنه مسحور أثناء الطلاق والناس يعرفون ذلك فإن طلاقه لا يقع، فيدين، ويكون الأمر في ذمته؛ لأن الأمر عظيم يترتب عليه استحلال الفروج.

حكم طلاق الغضبان

حكم طلاق الغضبان وهنا مسألة في طلاق الغضبان: هل يقع طلاق الغضبان أم لا؟ طلاق الغضبان على ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يكون في مبادئ الغضب، أي في أول الغضب، فهذا قصده تام وتصوره تام أيضاً ويملك نفسه على جهة التمام، فيقع طلاقه بلا خلاف، وأكثر الطلاق من هذا النوع. النوع الثاني: أن يكون في نهاية الغضب بحيث إنه كالمجنون لا يدري ما يقول، فهذا لا يقع طلاقه بالاتفاق، لأنه كالمجنون، حتى إنه يقول كلاماً عند غضبه، فتسأله: هل قلت هذه الكلمة؟ يقول: لا أذكر أني قلتها، فقد يسب ويلعن ويتكلم بكلام كثير ولا يدري ما الذي قاله إذا أفاق من صولة الغضب. النوع الثالث: وهو الغضب المتوسط بين هذا وهذا، وهذا هو محل الاجتهاد، فذهب الجمهور إلى أن الطلاق يقع، قالوا: لأنه يدري ما يقول فوقع طلاقه، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية أن طلاق الغضبان غضباً متوسطاً لا يقع. ما هي صورة هذا الغضب المتوسط؟ الغضب المتوسط هو الذي يكون فيه القصد ناقصاً والتصور ليس بتام، يعني أن الأمور تكاد تنعمي في نظره وأصبح لا يكاد يعقل ولكنه يعقل، إلا أنه أصبح هذا الغضب يغلي في قلبه حتى إن الغضب يصبح كالمتصرف فيه يسكته وينطقه، ولذا قال الله جل وعلا: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف:154]، فالغضب هو الذي سكت، فأصبح هذا الغضب كالمخلوق الآخر في بدنه ينطق على لسانه ويسكت، فإذا وصل إلى هذه الحال حتى إنه إذا قال هذه الكلمة وأطفأ ما في قلبه ندم سريعاً على كلمته التي أخرجها، فهذا هو الغضب المتوسط. فهذا يقول الجمهور أنه يقع معه الطلاق، وشيخ الإسلام وتلميذه يقولون: إن الطلاق لا يقع، والراجح القول الثاني في هذه المسألة، ومما يدل على ذلك الحديث المتقدم الذي رواه أبو داود وغيره، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)، والإغلاق هو انسداد باب القصد. قال أحمد والشافعي وأبو داود: الإغلاق هو الغضب. وقال أبو عبيدة: الإغلاق هو الإكراه. وكلاهما إغلاق، فالإكراه إغلاق، والغضب إغلاق، والسكر أيضاً إغلاق؛ لأن باب القصد ينغلق وينسد كما تقدم شرحه وإيضاحه. أيضاً: مما يدل على أن طلاق الغضبان لا يقع، قول ابن عباس رضي الله عنه: الطلاق عن وطر. رواه البخاري معلقاً، أي: عن قصد، وهذا ليس له قصد في الطلاق، وإنما قصده أن يطفئ غضبه، حتى إن بعضهم يقول: أنا لو مكنني أبنائي من ضربها لاكتفيت بضربها ولم أطلقها، وذلك أن بعضهم يحجبه أبناؤه عندما يغضب فيطلق يريد أن يطفئ هذا الغضب الذي في نفسه، وهو لا يشعر الشعور التام، ومثل هذا على الصحيح كما تقدم لا يقع معه الطلاق، وهو اختيار طائفة كثيرة من محققي العلماء.

حكم التوكيل في الطلاق

حكم التوكيل في الطلاق قال: [فصل] في التوكيل في الطلاق. [ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه وأن يتوكل عن غيره]. من صح طلاقه صح توكيله، وعلى ذلك فالصبي المميز يصح أن يوكل، لو وكل أباه في الطلاق أو وكل أمه أو وكل أخاه الأكبر فإن ذلك يصح. فالتوكيل في الطلاق كسائر التوكيلات، فهو كالتوكيل في البيع وغير ذلك فله أن يوكل كأن يكتب وكالة في طلاق امرأته. قال: [وللوكيل أن يطلق متى شاء، ما لم يحد له حداً]. هذا زيد وكل عمراً في طلاق امرأته، فللوكيل -وهو عمرو- أن يطلق متى شاء ولو بعد شهر أو شهرين أو سنة ما لم يعزله عن الوكالة، فإذا عزله عن الوكالة وقال: لا وكالة الآن أو كان في كلامه ما يدل على أنه يريد الطلاق في ذلك اليوم أو في أثناء تلك المشكلة، كأن قال: اذهب إلى أهل زوجتي فإن بيني وبين ابنتهم مشكلة، وأنت وكيل عني، فإذا رأيت الطلاق فطلق، فانحلت المشكلة انتهت الوكالة. لكن إذا لم يحدد له حداً ولم يكن هناك قرينة تدل فإنه لا حد زمني للوكالة حتى يفسخ، فإذا فسخ الوكالة لم يصح الطلاق بعده. فإن قال: وكلت فلاناً لطلاق امرأتي، ثم إن فلاناً طلق بعد أسبوع مثلاً ثم إنه ادعى أنه رجع في الوكالة فقال: أنا رجعت في الوكالة قبل الطلاق بيوم، فإنه طلق يوم الخميس وأنا رجعت يوم الأربعاء، فهل يجب أن يأتي ببينة تدل على رجوعه أم لا؟ على قولين: فالراجح وهو اختيار شيخ الإسلام وهو وجه في المذهب خلافاً للمشهور فيه أنه لابد من بينة كسائر الوكالات. إذاً: إذا طلق الوكيل فادعى الزوج أنه رجع نقول: لابد من بينة، فتشهد على أنك قد رجعت عن الوكالة. قال: [ويملك طلقة واحدة]، الوكيل يملك طلقة واحدة، لأن الطلقة الواحدة هي السنة، [ما لم يجعل له أكثر]، إذا قال: أنت وكيل عني في الطلاق؛ إن شئت فواحدة، وإن شئت فاثنتين وإن شئت فثلاثاً؛ فله أن يطلق اثنتين وله أن يطلق ثلاثاً بحسب المصلحة. قال: [وإن قال لها طلقي نفسك كان لها ذلك متى شاءت]، سألته الطلاق فقال: يا فلانة طلقي نفسك متى ما شئت، فيصح هذا، أي: يصح أن يوكل امرأته في طلاقها. قوله: (كان لها ذلك متى شاءت)، إلا إذا حدد ذلك بزمن، أو كان هناك قرينة تدل على أنه أراد في ذلك اليوم أو في حالة تلك المشكلة التي حصلت. قال: [وتملك الثلاث إن قال لها: طلاقك أو أمرك بيدك، أو وكلتك في طلاقك]، لأن قوله: (طلاقك) هذا مفرد مضاف، والمفرد المضاف يفيد العموم، فإذا قال: طلاقك بيدك، أو قال: أمرك بيدك؛ فلها أن تطلق نفسها بالثلاث. قال: [ويبطل التوكيل بالرجوع وبالوطء]، الوطء قرينة تدل على الرجوع، وأما الرجوع بالتوكيل فهذا واضح، فإذا رجع وقال: رجعت عن الوكالة فإنه يكفي، وإذا وطأ المرأة فكذلك، فالوطء دليل على رجوعه عن طلاقها.

دليل الطالب_كتاب الطلاق [2]

دليل الطالب_كتاب الطلاق [2] ينقسم الطلاق من حيث السنة والبدعة إلى طلاق سني وطلاق بدعي، وطلاق لا سني ولا بدعي، والعلماء متفقون على وقوع الطلاق غير البدعي، كما أنهم يقولون إن الطلاق البدعي حرام، لكنهم مختلفون في وقوعه، وفي بعض صوره.

سنة الطلاق وبدعته

سنة الطلاق وبدعته

الطلاق السني

الطلاق السني قال: [باب سنة الطلاق وبدعته: السنة لمن أراد طلاق زوجته أن يطلقها واحدة في طهر لم يطأها فيه]. طلاق السنة أن يطلق المرأة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، قال جل وعلا: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، قال ابن مسعود وابن عباس كما في مصنف عبد الرزاق: طاهراً من غير جماع. وقال ابن مسعود أيضاً كما في المسائل: طلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع. وفي الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عمر: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر) من هذا الحيض، (ثم تحيض). إذاً في الطهر الذي بين الحيضة التي طلقها والحيضة الثانية ليس له أن يطلقها، (حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء فليمسكها بعد وإن شاء فليطلق، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء). في هذا الحديث من الفوائد أمره بالمراجعة، وهذا الأمر هل هو للاستحباب أو للوجوب. قال الحنابلة: للاستحباب، فإذا طلق الرجل المرأة وهي حائض فإنه يستحب له أن يراجعها. وقال: المالكية ورواية عن أحمد: بل يجب عليه أن يراجعها، وهذا أصح، وأنه تجب المراجعة لقوله: (مره فليراجعها). وفيه أن الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة التي طلقها فيها بدعي. فإذا طلقها وهي حائض نقول: راجعها الآن وهي حائض، قال: راجعتها وقد طهرت ولم أجامعها فهل أطلقها؟ نقول: لا تطلقها حتى تحيض ثم تطهر.

حكم طلاق الحائض أو في طهر قد جامعها فيه

حكم طلاق الحائض أو في طهر قد جامعها فيه قلنا: إن الطلاق في السنة هو طلاق المرأة وهي طاهر حال كونه لم يجامعها في طهرها، فإذا طلق الرجل المرأة وهي حائض فهل يقع الطلاق؟ وإذا طلقها وهي طاهر وقد جامعها في هذا الطهر فهل يقع هذا الطلاق؟ المذاهب الأربعة والذي عليه أئمة الدعوة أن الطلاق يقع، واستدلوا بما جاء في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (فحسبت علي بتطليقة)، ولذا بوب الإمام البخاري على هذا بما يفيد أن طلاق الحائض يقع. وفي الطيالسي عنه صلى الله عليه وسلم قال له: (هي واحدة)، وعند الدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم قال: (أن يحتسب تلك التطليقة التي طلقها أول مرة). وفي الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه سئل فقيل له: وهل احتسبت تلك طلقة؟ قال: فمه، ما لي لا أحتسبها، أرأيت إن عجزت أو استحمقت، وهذا يدل على أن ابن عمر احتسبها، وهو الراوي لهذا الحديث والراوي أعلم بما روى، وهذا هو الصحيح. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية وهو قول أهل الظاهر، قالوا: إن طلاق الحائض لا يقع، وطلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه لا يقع، لأن هذا كله طلاق بدعي. واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود من رواية أبي الزبير عن ابن عمر وفيه أنه قال: ولم يرها شيئاً. وأجيب عن هذا بأن قوله: (لم يرها شيئاً) يعني: لم يرها شيئاً مستقيماً مأذوناً فيه شرعاً. وأجيب بجواب آخر وهو أصح من الجواب الذي قبله، قالوا: إن هذه اللفظة منكرة، ولذا قال الخطابي رحمه الله: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير شيئاً أنكر من هذا. وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى عن هذه الجملة: منكرة، ولم يروها غير أبي الزبير، فقال أبو داود رحمه الله تعالى: والأحاديث كلها تخالف ما قال أبو الزبير. إذاً: هذه الرواية منكرة، وعلى ذلك فالصحيح أن طلاق الحائض يقع، وكذلك طلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه.

حكم الطلاق ثلاثا

حكم الطلاق ثلاثاً قال: [فإن طلقها ثلاثاً ولو بكلمات فحرام]، الطلاق المأذون فيه شرعاً أن يطلق المرأة طلقة ثم يراجعها في العدة، أو يعقد عليها عقداً جديداً إذا خرجت من عدتها، ثم يطلق ثم يراجع إن كانت في العدة، وإن خرجت من العدة فيعقد عقداً جديداً، ثم يطلق؛ هذا الطلاق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى. إذاً: الطلاق المشروع هو الذي يكون بعد رجعة أو بعد عقد آخر، وأما الطلاق الذي على خلاف ذلك فإنه على خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا طلقها بكلمة واحدة في مجلس فقال: أنت طالق بالثلاث، فهذا طلاق محرم. وإذا طلقها في مجلس واحد لكن بكلمات، فقال: يا فلانة أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، لا يريد التأكيد وإنما يريد تعدد الطلاق، أو قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، فالطلاق متعدد وفي مجلس واحد. وقد يكون في مجالس متعددة، يقول: يا فلانة أنت طالق، ثم تذهب إلى أهلها ويتصل بها ويقول: أنت أيضاً طالق، ثم بعد ذلك يقول: أنت طالق، ولا يتخلل ذلك رجعة؛ فهذا كله طلاق محرم. وقد جاء في النسائي من حديث محمود بن لبيد أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر له أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بكلمة، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)؟ إذاً: طلاق الثلاث إما في مجلس أو في مجالس متعددة دون أن يتخلل ذلك رجعة أو عقد، فهذا محرم لا يجوز، وبقي هل يقع ثلاثاً أم يقع واحدة؟ قال الجمهور وهذا الذي عليه المذاهب الأربعة: يقع ثلاثاً، قالوا: وهذا هو الذي عليه عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان الطلاق في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر وسنتين من عهد عمر طلاق الثلاث واحدة فلما استعجل الناس الطلاق -يعني كثر هذا- قال عمر: أرى لو أمضيناه عليهم، فأمضاه رضي الله تعالى عنه)، إذاً: هو من باب التعزير، كما أنه عزر شارب الخمر بثمانين جلدة فأخذت به المذاهب الأربعة وكان يحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين. فهنا عمر رضي الله عنه رأى التعزير بذلك، ورأى أن الناس يأثمون بتعديدهم الطلاق بالثلاث فيعزرون بإيقاعه عليهم، وعملت بهذا المذاهب الأربعة. والقول الثاني في المسألة، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد، وطائفة من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية، واختاره أيضاً الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ محمد بن عثيمين قالوا: بل طلاق الثلاث واحدة بكل حال، ولا تقع الثانية حتى يراجعها أو يعقد عقداً جديداً. وتوسط الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بين القولين فقال: إذا طلقها بكلمة واحدة بالثلاث فإنها تحسب واحدة، وأما إذا عدد الطلاق، سواء كان في مجلس أو في مجالس ولم يكن الطلاق بكلمة واحدة، يعني لم يقل: أنت طالق ثلاثاً أو أنت طالق بالثلاث، بل قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق، فهي ثلاث. أما إذا قال: أنت طالق طالق طالق، ونوى بالتكرار الإفهام أو نوى التأكيد فلا يقع إلا واحدة، وما ذكره الشيخ رحمه الله وسط بين القولين، وفيه قوة. ومما يدل على ما ذهب إليه أهل القول الثاني أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد بإسناد جيد سأله أبو ركانة أنه طلق امرأته ثلاثاً، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (هي واحدة). فالذي يترجح أنه إذا طلقها بالثلاث بكلمة واحدة فنقول هي واحدة، وأما إذا طلقها في مجلس أو في مجالس بكلمات متعددة ونوى تكرار الطلاق ولم ينو الإفهام أو التأكيد في محله، فإن الطلاق يقع متعدداً كما أوقعه على نفسه.

الطلاق الذي لا يوصف بسنة ولا بدعة

الطلاق الذي لا يوصف بسنة ولا بدعة قال المؤلف رحمه الله: (ولا سنة ولا بدعة لمن لم يدخل بها). هذا رجل عقد على امرأة ولم يدخل بها فلم تحصل خلوة بعد العقد، فالمؤلف هنا يقول: ليس هناك في حقها ما يسمى طلاق سنة، فلو طلقها وهي حائض أو طلقها وهي طاهر فلا فرق. وإذا طلقها واحدة أو ثلاثاً فلا فرق، فليس هناك سنة ولا بدعة، أما من جهة الزمن فهذا واضح، وأن المرأة التي لم يدخل بها لا فرق بين طلاقها في حال حيضها أو طهرها؛ لأنها غير مدخول بها، فلا يتصور أن تكون في حال طهر لم تجامع فيه، لأنه لم يدخل بها أصلاً، وقد تقدم أن طلاقة السنة هو أن يطلقها طاهراً من غير جماع، وهذه لم يدخل بها، وعلى ذلك إن طلقها حائضاً فلا بأس أو طلقها طاهراً فلا بأس، هذا من جهة الزمن. وأما من جهة العدد فظاهر كلام المؤلف وهو المذهب أن الأمر كذلك وأن له أن يطلقها اثنتين أو ثلاثاً، ومعلوم أنها تبين منه بينونة صغرى بواحدة، لأن غير المدخول بها لا عدة لها، فإذا عقد على امرأة وقال: هي طالق، بانت منه بينونة صغرى، ولابد من عقد جديد. بقي الآن هل له أن يطلقها ثلاثاً؟ ظاهر كلام المؤلف أن له ذلك، وأنه لا بدعة من جهة العدد، واختار الموفق وهو رواية عن الإمام أحمد: أن طلاقها ثلاثاً طلاق بدعي لا يجوز، وهذا هو الصحيح، لأن كونها غير مدخول بها ليس بمؤثر.

طلاق الصغيرة والآيسة والحامل

طلاق الصغيرة والآيسة والحامل قال: [ولا لصغيرة]. الصغيرة لا تحيض، وعلى ذلك فلا يتصور طلاق بدعي من جهة الزمن، لكن من جهة العدد يتصور، ولذا فالصحيح هنا كذلك أنه ليس له أن يطلقها ثلاثاً، وإذا أراد أن يطلقها فإنه يطلقها واحدة. قال: [وآيسة]. التي يئست من الحيض هل يتصور أن تطلق في طهر لم تجامع فيه؟ لا يتصور هذا لأنها لا تحيض، وعلى ذلك فلا يتصور النهي عن طلاقها حال حيضها لأنها لا تحيض، لكن من جهة العدد يتصور، ولذا فالصحيح أنه يحرم أن يطلقها ثلاثاً كغير اليائسة. قال: [وحامل]. الحامل لا تحيض، ولذا فإن طلاق الحامل طلاق سنة، سواء طلقها في أول الحمل أو في وسطه أو في آخره، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم في حديث ابن عمر المتقدم: (ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً). بعض العامة يعتقد أن الحامل لا يقع طلاقها، وهذا لا أصل له لا في السنة ولا في كلام أهل العلم، بل الحامل طلاقها طلاق سنة، لكن من جهة العدد هل يتصور العدد في حقها؟ نعم، يتصور، وعلى ذلك فلا يجوز له أن يطلقها ثلاثاً، وطلاقها ثلاثاً طلاق بدعة.

حكم الطلاق والخلع زمن البدعة بسؤال الزوجة

حكم الطلاق والخلع زمن البدعة بسؤال الزوجة ثم قال: [ويباح الطلاق والخلع بسؤالها زمن البدعة]. إذا سألت المرأة زوجها الطلاق وكانت حائضاً أو كانت طاهراً قد جامعها في هذا الطهر، فهل يجيبها إلى ذلك؟ قال المؤلف: له أن يجيبها، وذلك لأن النهي عن طلاقها حال حيضها إنما هو لحقها، وقد رضيت بإسقاطه عندما سألته الطلاق حال الحيض. وعلى ذلك فهل النهي عن طلاق الحائض لحق المرأة أو لحق الله؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لحق المرأة، ولذا فإن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق حال حيضها أو حال طهرها طهراً قد جومعت فيه، فإنه يجيبها إلى ذلك ولا حرج عليه؛ لأنها هي التي سألته فأسقطت حقها بسؤالها. والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب: أن النهي عن ذلك حق لله جل وعلا، وعلى ذلك فلا تملك المرأة إسقاطه، فإذا سألته وهي حائض لم يجبها، وهذا أظهر، وهنا هل العلة من النهي أن طلاق الحائض هو التيسير عليها لئلا تطول عدتها فقط أم لعلة أخرى؟ من أهل العلم من يقول: إن العلة -يعني: الحكمة- من النهي عن الطلاق حال الحيض لئلا تطول العدة على المرأة، لأنه إذا طلقها وهي حائض فلا تحسب هذه الحيضة وتنتظر حتى تأتي الحيضة الأخرى، فتكون هذه الحيضة الأخرى هي أول أقرائها، وعلى ذلك فتطول عدتها. وقال بعض العلماء: بل هناك حكمة أخرى، وهي: أن المرأة في حال الحيض يعافها في الغالب الرجل فيسهل عليه طلاقها، وكذلك إذا جامعها وطابت نفسه منها في طهرها يسهل عليه أيضاً طلاقها. فإذا كانت المرأة طاهراً ولم يجامعها فإنه يكره طلاقها، فلا يقدم على الطلاق إلا وهو كاره لها لا رغبة له بها. والصحيح: أن الحكمة هذه وهذه، وما يخفى أيضاً علينا، وعلى ذلك فالذي يترجح أن النهي عن طلاق الحائض إنما هو لحق الله سبحانه وتعالى، ويدل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستفصل من ابن عمر رضي الله عنه لما طلق امرأته، ولو كان إذنها معتبراً ومؤثراً لسأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل أسقطت حقها ورضيت؟ فإن كانت قد أسقطت حقها أجازه وإن لم تسقط حقها لم يجز. وعلى ذلك فنقول: الراجح أنه لا يجوز له أن يطلقها وإن كانت هي التي تسأله. قوله: (والخلع): أما الخلع فهو ظاهر كما تقدم، وذلك لأن المرأة إنما خلعت نفسها وبذلت مهرها أو شيئاً منه دفعاً للضرر عنها، ولذا فإن المرأة يجوز أن تخلع وهي حائض وأن تخلع في طهر قد جومعت فيه، وذلك لأن الخلع يقصد منه دفع الضرر عنها، وفي تربصها حتى تطهر من حيض ولا تجامع فيه مشقة عليها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الطلاق البدعي

حكم الطلاق البدعي Q هل يقع الطلاق البدعي؟ A الصحيح أنه يقع الطلاق البدعي، ولذا حسبها ابن عمر رضي الله عنه على نفسه، وجاء في الأحاديث أن الذي حسبها عليه هو النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم من طلق امرأته حائضا فأخبر أنه لا يقع ثم تغيرت الفتوى

حكم من طلق امرأته حائضاً فأخبر أنه لا يقع ثم تغيرت الفتوى Q ما حكم من طلق امرأته وهي حائض فاستفتى فقيل له: لا يقع ذلك، ثم تبين له أن الراجح وقوعه؟ A إذا كان قد مشى على فتيا إما تقليداً أو اجتهاداً ثم تبين له بعد ذلك خلاف هذا فإن ما مضى فله ذلك ولا يرجع فيه، هذا رجل يقول: طلقت امرأتي وهي حائض وكنت أرى أن طلاق الحائض لا يقع، أو استفيت وقيل لي: إن طلاق الحائض لا يقع، انتهى الأمر، حتى لو تبين له في المستقبل كأن أصبح من الأئمة المجتهدين، أو سأل علماء آخرين وأصبح يميل إلى فتواهم فلا ينقض هذا ما تقدم.

حكم الإشهاد في الرجعة

حكم الإشهاد في الرجعة Q ما حكم الإشهاد في الرجعة؟ A الشهود سنة فلا يشترط أن يشهد، وإنما يستحب له أن يشهد، إذا راجعها فقال: راجعت فلانة أو وطئها فالوطء يعتبر مراجعة، أي أن المراجعة تحصل بالقول أو بالفعل الذي يدل عليه، وسيأتي هذا إن شاء الله.

حكم الطلاق عن طريق الهاتف أو الرسالة المكتوبة ونحوها

حكم الطلاق عن طريق الهاتف أو الرسالة المكتوبة ونحوها Q ما حكم الطلاق عن طريق الهاتف أو عن طريق فاكس أو جواب بريدي، أو عن طريق إرسال صديق يبلغها الطلاق؟ A نعم. يقع الطلاق ولو كان برسالة من الجوال، لكن لو أنكر وقال: هذه زورت علي فيقبل قوله، لكن لو كتبه وأقر أنه قد كتبه فإن الطلاق يقع.

حكم تقليد القول بعدم وقوع الطلاق في الحيض

حكم تقليد القول بعدم وقوع الطلاق في الحيض Q مر لنا أن ابن تيمية يقول: لا يقع طلاق الحائض، فما هو الصحيح في ذلك؟ A تقدم أن الصحيح وهو المذهب وعليه المذاهب الأربعة أن طلاق الحائض يقع، وهذا هو الصحيح، وطائفة من العلماء يرون أنه لا يقع، فمن أخذ بفتياهم اعتقاداً في فضلهم في علمهم -لا في شخصهم- فإنه لا حرج عليه.

حكم من أعطى شخصا شيئا ينتفع به في حياته ثم ينتقل إلى غيره

حكم من أعطى شخصاً شيئاً ينتفع به في حياته ثم ينتقل إلى غيره Q ما الحكم فيما لو أعطى شخص عيناً لشخص آخر ينتفع بها في حياته، ثم بعد ذلك ترد العين لينتفع بها آخرين؟ A لا بأس بأن تعطي أحداً شيئاً لينتفع به فإذا مات انتقل إلى غيره لينتفع به وهكذا، ولكن إذا مات صاحب هذه السلعة فإنها تنتقل إلى الورثة إلا إذا كان قد أوصى أو وقف.

حكم طلاق الموسوس

حكم طلاق الموسوس Q ما حكم طلاق الموسوس؟ A أنا جاءني بعضهم من هذا النوع، فمن حبه للمرأة ومن شدة تعلقه بها ومن كونه يخشى أن يفارقها يأتيه مثل المرض فيوسوس، فكلما سمع كلمة طلاق بأذنه أو مر عليه كتاب فيه طلاق قال: أنا ما أدري طلقت امرأتي أو لا. كان شخص يسألني فجاء مرة إلى الدرس وقال: أنا أشكل علي شيء بعدما حضرت الدرس، قلت: ما هو؟ قال: إني تصفحت فهرس كتاب الزاد فوجدت الطلاق مكرراً في الفهرس فخشيت أني كررت هذه الكلمة وأني طلقت امرأتي فهذا مرض وهو الذي يسميه الأطباء بالوسواس القهري، فهذا لا يقع طلاقه، لأنه موسوس.

حكم الحلف بالحرام وقت الغضب

حكم الحلف بالحرام وقت الغضب Q ما حكم من أقسم فقال: علي الحرام في ديني لن أفعل كذا وهو لا يعي لفظه؟ A حلف الغضبان تثبت فيه الكفارة، فإذا حلف وهو غضبان فإن عليه الكفارة، فيطعم عشرة مساكين، فإذا حرم وهو يريد أن يمنع نفسه فإن عليه كفارة يمين، ويأتي شرح هذا إن شاء الله في موضعه.

حكم اليمين بالطلاق

حكم اليمين بالطلاق Q ما حكم من يحلف بالطلاق على شيء ثم يقع فيه؟ A هذا يقول أنه قال مثلاً: إن شربت الدخان فامرأتي طالق، أو بعضهم يقول: إن نمت عن صلاة الصبح فامرأتي طالق ثم حصل ذلك، وكان يريد أن يمنع نفسه فقط فيسأل: إن كان قصده فقط منع نفسه أو يريد أن يحث نفسه على فعل فقط ولم يقصد طلاق المرأة، فإن المرأة لا تطلق وعليه كفارة يمين.

حكم مراجعة المطلقة الرجعية بعد انقضاء العدة

حكم مراجعة المطلقة الرجعية بعد انقضاء العدة Q ما حكم من طلق امرأته للمرة الأولى ثم تركها بدون مراجعة حتى انقضت عدتها؟ A إذا طلق امرأته وكانت الطلقة واحدة وتركها حتى انقضت عدتها ملكت المرأة نفسها، لكن له أن يعقد عليها عقداً جديداً برضاها وبسائر الشروط الأخرى، ولها مهر ولابد من ولي وشاهدين وغيرها من الشروط والأركان، يعني أنه زواج جديد.

دليل الطالب_كتاب الطلاق [3]

دليل الطالب_كتاب الطلاق [3] الطلاق لا يقع بالقلب ما لم يتلفظ الزوج القادر على اللفظ، وألفاظ الطلاق منها الصريح ومنها الكناية، والأحكام تختلف باختلافها كما تختلف باختلاف الأحوال التي صدرت فيها.

ألفاظ الطلاق الصريحة

ألفاظ الطلاق الصريحة

لفظ الطلاق وما تصرف منه

لفظ الطلاق وما تصرف منه ثم قال المؤلف رحمه الله: [باب صريح الطلاق وكنايته]. الألفاظ الصريحة في الطلاق وفي غيره هي التي لا تحتمل غير المراد. وأما الكناية فهي التي تحتمل المراد وتحتمل غيره. فإذا قال: أنت طالق، فهذا صريح لا يحتمل إلا الطلاق، وإذا قال: اذهبي إلى أهلك، فهذه كناية قد يريد بها الطلاق وقد يريد بها غيره، وقوله: غطي وجهك، قد يريد بذلك الطلاق وقد يريد به غيره. إذاً: الصريح هو الذي لا يحتمل غير المراد، فصريح الطلاق هو الذي لا يحتمل إلا الطلاق، وكناية الطلاق هي التي تحتمل الطلاق وتحتمل غيره. هنا الحنابلة عندهم صريح الطلاق من جهة اللفظ هو لفظ الطلاق وما تصرف منه، ولذا قال المؤلف: [صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو لفظ الطلاق وما تصرف منه]، كطالق وطلقتك ومطلقة، [غير أمر] مثل: اطلقي، [وغير مضارع]، مثل: تطلقين. اطلقي: هذا أمر والأمر لا يتوجه إلى المرأة في الطلاق. وتطلقين: هذا في المستقبل. [ومطلِّقة: اسم فاعل]، إذا قال: أنت مطلقة -اسم فاعل- فهذا ليس من صريح الطلاق. وقال الشافعية: بل صريح الطلاق هو الطلاق وما تصرف منه، وكذلك الفراق، وكذلك السراح. لأن الله ذكر التسريح وذكر الفراق في القرآن، وهي: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130]، {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]. وقال شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: صريح الطلاق وكنايته يرجع فيه إلى العرف فما كان صريحاً في العرف فهو من صريحه، وما كان كناية في العرف فهو من كنايته، والناس يختلفون في هذا بحسب لغاتهم ولهجاتهم وأعرافهم، وهذا هو الراجح. في بعض البلاد إذا قال لها: تغشي، فهي كلمة تفيد الطلاق عندهم ولا تحتمل غيره، وبعض البلاد تحتمله وتحتمل غيره، وهكذا. وعلى ذلك فنرجع في هذه المسألة إلى العرف، فما عد في العرف صريحاً فهو صريح، وما عد في العرف كناية فهو كناية. بقي الآن أن نعرف ما الذي يترتب على معرفتنا أن هذا من صريح الطلاق وأن هذا من كنايته؟ قال المؤلف: صريحه لا يحتاج إلى نية. فإذا قال: أنت طالق، لا نسأله عن نيته، فهذا اللفظ يكفي، فلا تشترط فيه النية. ولذا قال المؤلف: [فإذا قال لزوجته: أنت طالق طلقت هازلاً كان أو لاعباً أو لم ينو]. لأنه لا عبرة بنيته من جهة الحكم. وقال هنا: (هازلاً كان أو لاعباً). لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الخمسة إلا النسائي: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة)، فحتى لو كان هازلاً فإن الطلاق يقع. إذاً: إذا قال: أنت طالق، طلقت منه ولو لم ينو، هذا في الحكم، وذلك لأن القاضي يحكم بنحو ما يسمع، فما ظهر له حكم به، فعندما يقول لامرأته: أنت طالق، فهذه العبارة صريحة في الطلاق لا تحتمل غيره، وهو على ذلك يحكم بنحو ما يسمع. لكن إذا لم يترافاعا إلى القاضي وقال: أنا عندما قلت لها: أنت طالق، إنما أردت أن أقول: أنت طالق من زوج سابق، أو أردت أن أقول: أنت طاهر فسبق ذلك على لساني، فيدين فيما بينه وبين الله، فنقول: أنت الذي تكلمت بهذا اللفظ والأمر في ذمتك فيما بينك وبين الله جل وعلا. إذاً: فيما بينه وبين الله يدين، لكن في الحكم لو أن المرأة قالت: إنه طلقني، وذهبت إلى القاضي وأقر أنه قال: أنت طالق، فلا يقبل القاضي منه ذلك، فالقاضي يحكم بصريح هذه العبارة، لكن في باب الفتيا يدين فيما بينه وبين الله جل وعلا.

حكم من سئل عن الطلاق فأقر وهو كاذب

حكم من سئل عن الطلاق فأقر وهو كاذب قال: [حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم. يريد الكذب بذلك]. لو قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، طلقت، لأنه معلوم أن المذكور في السؤال كالمعاد في الجواب، فكأنه قال: نعم طلقتها، وعلى ذلك فتطلق امرأته، أي أن هذا صريح أيضاً. قال: [ومن قال: حلفت بالطلاق. وأراد الكذب ثم فعل ما حلف عليه وقع الطلاق حكماً، ودين]. قال: أنا حلفت بالطلاق أن امرأتي لا تذهب إلى السوق، وهو كاذب، فذهبت المرأة إلى السوق ثم إن المرأة قالت: فلان قال لي: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا ذهبت إلى السوق، وذلك من أجل إيقاع الطلاق، فقال: أنا أكذب، فهنا يقول: وقع الطلاق حكماً، لأنه قد أقر على نفسه قبل ذلك فيؤاخذ بإقراره في الحكم عند القاضي، لكن فيما بينه وبين الله جل وعلا يدين. أي: إن قال: أنا كاذب في هذه اليمين وما حلفت، لكني أردت أن أمنعها فقلت: يا فلانة اعلمي أني قد حلفت قبل قليل أنك إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، وأنا في الواقع لم أحلف؛ لكنها ذهبت تريد إيقاع الطلاق، فقال: أنا ما حلفت وإنما كذبت لأمنعك. فمن جهة الحكم يقع الطلاق، وفيما بينه وبين الله يدين، يعني: إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يجعل هذا ديناً ويقال له: اتق الله، وأنت أعرف هل أنت صادق أم كاذب؟ هذا كله على الكلام بوقوع الحلف بالطلاق، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله في موضعه.

حكم من قال علي الطلاق أو يلزمني الطلاق

حكم من قال علي الطلاق أو يلزمني الطلاق قال: [وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق فصريح]. إذا قال: علي الطلاق، فهذا صريح. وإذا قال: يلزمه الطلاق، فهذا صريح، وعلى ذلك فلا يحتاج إلى نية. قال: [منجزاً أو معلقاً]. (منجزاً) كما لو قال: ليلزمني الطلاق، يعني الآن، ومعلقاً كما إذا قال: إن فعلت كذا فعلي الطلاق، فهذا معلق، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في درس قادم في مسألة الحلف بالطلاق. قال: [أو محلوفاً به].

حكم من قال علي الحرام

حكم من قال علي الحرام قال: [وإن قال: علي الحرام إن نوى امرأته فظهار]. هذا الرجل قال: علي الحرام، ونوى تحريم المرأة، فالحكم أنه ظهار، فيعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفصل في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام، بين التنجيز وبين التعليق، فإذا قال: أنت علي حرام منجزاً، فهذا ظهار، وعليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. وإن كان معلقاً كأن قال: يا فلانة إن حصل كذا فأنت علي حرام، فهذا فيه تفصيل أيضاً، فإن كان يريد إيقاع التحريم فإن عليه كفارة الظهار، فلو قال: إذا دخل رمضان فأنت علي حرام، فدخل رمضان نقول: إن جامعتها في رمضان فعليك كفارة الظهار، ولذا يجب أن تجتنبها في رمضان، وإن كان يريد الحلف فقط، أي: يريد أن يمنع نفسه من شيء أو يحث نفسه على شيء، فإن فيها كفارة اليمين. بعض الناس يريد أن يمنع نفسه من شيء فيقول: إن شربت الدخان فامرأتي علي حرام، أو يقول: إن ذهبت يا فلانة إلى السوق فأنت علي حرام، يريد أن يمنع امرأته فقط، فهذا عليه كفارة يمين، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه في تحريم المرأة، قال: هي يمين يكفرها. رواه مسلم. وفي النسائي أنه قال: (أعتق رقبة) وهذا دال على التفصيل المتقدم. إذاً إذا قال: أنت علي حرام منجزاً بذلك فعليه كفارة ظهار، وإن قال: أنت علي حرام إن حصل كذا أو إن فعلت كذا فنسأله عن نيته: فإن كان يريد إيقاع التحريم فهذا ظهار، وإن كان لا يريد إيقاع التحريم وإنما يريد المنع أو الحبس أو التأكيد فهي يمين فيها الكفارة، قال: [وإلا فلغو]. هذا رجل قال: علي الحرام، إن أراد امرأته قلنا: هذا ظهار، وإن لم يرد امرأته فهذا لا يطلق، لأنه لم يحرم شيئاً بعينه، فلم يحرم العسل، ولم يحرم اللحم، وعلى ذلك فهو لغو، إذاً: إذا قال: علي الحرام فإن أراد امرأته فهو ظهار وإن لم يرد امرأته فهو لغو لأنه لم يعين شيئاً مباحاً حرمه على نفسه.

حكم من طلق زوجته ثم شرك ضرتها

حكم من طلق زوجته ثم شرك ضرتها قال: [ومن طلق زوجة له ثم قال عقبها لضرتها: شركتك، أو أنت شريكتها، أو مثلها، وقع عليهما]. قال لفلانة من نسائه: أنت طالق، فقالت ضرتها: اتق الله لماذا تطلقها؟ فقال: وأنت شريكتها، يعني: شريكتها في الطلاق، ولذا قال: (ثم قال لضرتها: شركتك، أنت شريكتها أو مثلها وقع عليهما)، أي أن هذا من صريح الطلاق، ولا يحتاج إلى نية.

حكم من قال امرأتي طالق وله أكثر من زوجة

حكم من قال امرأتي طالق وله أكثر من زوجة ثم قال: [وإن قال: علي الطلاق، أو امرأتي طالق ومعه أكثر من امرأة]. هذا رجل قال: علي الطلاق، أو قال لامرأته: طالق، ومعه امرأتان أو ثلاث أو أربع. قال: [فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها]. لو قال: أنا عندما قلت: امرأتي طالق كنت أعني فلانة، فينصرف إلى فلانة. قال: [وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة]. عنده أربع، فقال: امرأتي طالق، فقلنا: أي نسائك؟ قال: أنا لم أعين واحدة، فلم أعين فلانة ولا فلانة ولا فلانة، لكني أريد واحدة، فتخرج بالقرعة، أي: توضع قرعة ومن خرجت قرعتها طلقت. قال: [وإن لم ينو شيئاً طلق الكل]. لأن هذا مفرد مضاف، والمفرد المضاف يفيد العموم، فنقول: إذاً كل امرأة لك فهي طالق.

حكم من طلق بقلبه

حكم من طلق بقلبه قال: [ومن طلق في قلبه لم يقع طلاقه]. إذا طلق بقلبه ولم يتلفظ بلسانه فإن الطلاق لا يقع، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم). قال أهل العلم: ومثل ذلك لو حرك بيده ولم يتلفظ، ومثل ذلك لو أشار إشارة وليس بأخرس، أما إشارة الأخرس فإنها يعتد بها، لكن لو أشار بالطلاق بحركة بيده فإن الطلاق لا يقع حتى يتلفظ، أو كتب هكذا في الهواء فإن المرأة لا تطلق. قال: [فإن تلفظ به أو حرك لسانه وقع، ولو لم يسمعه]. ما دام أنه حرك لسانه ونطق بالطلاق ولو لم يسمعه بأذنه فإن المرأة تطلق؛ لأنه نطق به وتكلم.

حكم الطلاق بالكتابة

حكم الطلاق بالكتابة قال: [ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع]. وهذا كالذي يكتبه الآن برسالة جوال، أو يكتبه بورقة، فإنه يقع، فالكتابة تقوم مقام اللفظ، أي أن الكتابة صريحة في الطلاق، لأنها تتكون من حروف تكتب. [فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي، قبل حكماً]، لو قال: أنا ما أردت إلا أن أجود خطي أو لم أرد إلا غم أهلي، قبل ذلك حكماً، يعني: عند القاضي. أما قوله: تجويد خطي فهذا احتمال، لأن بعض الناس قد يقع منه ذلك، وقد تكون هناك قرينة تدل على كذبه، كما لو كتب فقال: باسم الله، أنا يا فلان ابن فلان قد طلقت، فنقول: هذا ليس موضع تجريب الخط، لكن بعض الناس عندما تكون عنده ورقة يكتب هنا وهنا عبارات، وربما يكتب هذه الكلمة، فهذا إذا كان من هذا النوع فإن هذا يقبل حكماً. وأما إذا كتبها محررة كعادة الناس في كتابة الطلاق فالذي يظهر لي أن هذا من صريح الطلاق. قوله: (أو غم أهلي)، إذا قال: أنا ما أردت إلا أن تصل إليهم هذه الرسالة في الجوال ويقع في قلبهم غم، فكنت أريد أن أؤدبهم ولا أريد الطلاق، وهذا أيضاً لا يقبل، ولذا قال في الكافي: إن ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه يقع، وهذا هو الصحيح، لأن هذا صريح في الطلاق.

كنايات الطلاق

كنايات الطلاق قال: [فصل: في كنايات الطلاق]. تقدم الكلام في صريحه، وهنا الكلام في كناية الطلاق، قال المؤلف: [وكنايته لابد فيها من نية الطلاق]. يقول: اخرجي إلى أهلك، اذهبي إلى أهلك، غطي وجهك، ويكون نوى في قلبه الطلاق، لكن لو كانت نيته: اذهبي إلى أهلك مؤدبة أو مهانة لم يقع به الطلاق. قال: [وهي قسمان: ظاهرة وخفية، فالظاهرة يقع بها الثلاث]. الكناية نوعان: كناية ظاهرة وكناية خفية، الكناية الظاهرة يقع بها الطلاق الثلاث، وهذا على القول بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، وأما على القول بأن طلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة كما هو الصحيح، فلا فرق بين النوعين. قال: [والخفية يقع بها واحدة ما لم ينو أكثر]. فإذا نوى أكثر وقع أكثر بحسب نيته. الآن يذكر لنا أمثلة على الظاهرة، قال المؤلف: [فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي]. هذه كلها من ألفاظ الكناية الظاهرة، وهذه يقع بها الثلاث عند من يقول بالثلاث، وعند من يقول: إن الثلاث واحدة هي واحدة. قال: [والخفية اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم]. هذه كلها كنايات خفية تقع بها واحدة. إذاً: الكناية تشترط فيها النية، فلا يقع الطلاق بالكناية إلا مع النية، ولكن هنا المؤلف يقول: [ولا تشترط النية في حال الخصومة والغضب، وإذا سألته طلاقها]. هذا رجل في حال الغضب أتى بكناية، أو المرأة سألته الطلاق فقال لها: أنت مخلاة، أنت برية، أنت بتة، أو كان في حال خصومة بينه وبينها، فلا يحتاج هذا إلى نية؛ لأن قرينة الحال تكفي عن النية، فالغضب قرينة حال، والخصومة قرينة حال، وسؤالها الطلاق قرينة حال. فإذا أتى بلفظ من ألفاظ الكناية في غضب أو في خصومة أو عند سؤالها فهذا يكفي عن النية، فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين ولم يقبل حكماً. هذا رجل اشتكته المرأة وقالت: إن زوجي قال: أنت برية، أو قال: حبلك على غاربك فقلنا: متى قال هذا؟ قالت: عندما سألته الطلاق، أو قالت: صار بيني وبينه خصومة فقال: حبلك على غاربك، فإن القاضي يحكم بالطلاق. لو قال: أنا لا أريد الطلاق، فنقول له: حال الخصومة أو حال الغضب أو سؤال المرأة للطلاق، يكفي عن النية، أما إذا لم يترافعا إلى القاضي فإنه يدين فيما بينه وبين الله، ولذا قال المؤلف: [فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، ودين ولم يقبل حكماً]. يعني: في جهة الدين يدين ويرجع الأمر إلى ذمته، وأما من جهة الحكم فإن القاضي يحكم بالظاهر، والظاهر أنه طلاق، لأنه في حال خصومة أو غضب أو عند سؤالها الطلاق. إذاً: خلصنا مما تقدم أن صريح الطلاق لا تشترط فيه نية ولا قرينة حال، وأما كناية الطلاق فإنه تشترط فيه النية أو قرينة الحال من غضب أو خصومة أو سؤال المرأة.

الأسئلة

الأسئلة

معنى الحلف بالطلاق وحكمه في الإثم وعدمه

معنى الحلف بالطلاق وحكمه في الإثم وعدمه Q هل الحلف بالطلاق يعد من الشرك الأكبر أو الأصغر؟ A ليس المقصود بالحلف بالطلاق أن يقول: والطلاق، كما يقول مثلاً: والنبي. بل معنى الحلف بالطلاق أنه أجرى الطلاق مجرى اليمين، بمعنى أنه علق الطلاق على شيء ليمنع نفسه أو يحثها أو يؤكد الأمر؛ لأن اليمين يقصد منه التأكيد ويقصد منه الحث ويقصد منه المنع، فهذا جعل الطلاق له فائدة اليمين فقط. فإذا قال: يا فلانة إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، يريد من ذلك أن يمنعها كما يمنعها بقوله: والله لا تذهبين إلى السوق، فهذا حلف بالطلاق. وذلك لأن الحلف إنما يكون بالشيء المعظم، والطلاق ليس بمعظم، والذي يعظم هو النكاح بخلاف الطلاق؛ لكنه جعل فائدة اليمين وثمرة اليمين في الطلاق، لأنه عندما يقول: يا فلانة إن فعلت كذا فأنت طالق فإنه يريد أن يمنعها من الشيء كما يمنعها منه باليمين. وهذا مثل ما يقع بالنذر، بعض الناس يقول مثلاً: إن شربت الدخان فعلي صدقة ألف ريال، إن نمت عن صلاة الصبح تصدقت بمائة ريال، فهذا له حكم اليمين عند أهل العلم، ومثله تحريم الشيء، كما إذا قال: العسل علي حرام، اللحم علي حرام، طعام فلان علي حرام، فهذا له حكم اليمين. ولذا قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] إلى أن قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2].

حكم محادثة المرأة المخالعة لزوجها المخالع عن طريق الهاتف

حكم محادثة المرأة المخالعة لزوجها المخالع عن طريق الهاتف Q هذه تقول: إنها امرأة قد خلعت من زوجها ولها منه أبناء، فهل لها أن تكلمه بالهاتف لبعض مصالح الأبناء؟ A إذا كان الكلام ليس فيه خضوع بالقول فلا حرج عليها في ذلك ولها أن تتكلم معه بقدر الحاجة فقط؛ لأنه أجنبي عنها، فتتكلم معه بقدر حاجتها في حق أبنائها أو ما يتعلق بمجيء الأبناء إليها أو نحو ذلك.

إيذاء المرأة بالطلاق

إيذاء المرأة بالطلاق Q وهذه تقول: ألا تعتقدون أن إدخال الطلاق في كل مناسبة من قبل الرجال فيه تعد على حق المرأة؟ A نعم، نعتقد ذلك، والرجل لا يؤذي المرأة فيهددها في كل حال وعند كل مشكلة بهذه الكلمة، وقد يحملها الشيطان على أن تقول: طلقني ويحصل بينهم ما هو كالتحدي، فيفتح على نفسه باب شر فيطلق، فنقول: لا ينبغي للمسلم أن يكثر من ذلك، بل الطلاق يستخدمه العاقل في وقته الذي شرعه الله جل وعلا ولا يؤذي المرأة به.

معنى أن الرجل يدين فيما بينه وبين الله إذا لم يقصد الطلاق بلفظه

معنى أن الرجل يدين فيما بينه وبين الله إذا لم يقصد الطلاق بلفظه Q ما معنى قول المؤلف في مواضع عدة إن الرجل يدين؟ A نبين المعنى بمثال: فهذا رجل اتصل ببعض المشايخ من أهل الفتيا، وقال: أنا يا شيخ قلت لامرأتي: أنت طالق، لكن هذا سبق لسان ولم أرد الطلاق، بل أردت أن أقول كلمة أخرى فخرجت هذه الكلمة على لساني من غير إرادة لها. فيقول له هذا المفتي: اتق الله فيما تقول، إن كنت صادقاً فالمرأة لا تزال في ذمتك ولا يقع الطلاق، وإن كنت كاذباً فيما تقول فالمرأة تطلق، والأمر راجع إليك، هذا معنى أن يدين. لكن لو أن المرأة قالت: أنا لا أرضى بهذا الكلام، وكانت تريد الطلاق، فذهبت إلى القاضي، فالقاضي يحكم بنحو ما سمع، فيقول له: هل قلت يا فلان أنت طالق؟ فإن قال: نعم، وأردت به كذا لم يسمع القاضي هذا لأنه خلاف الظاهر، فيحكم بالطلاق. فهناك شيء يكون في الحكم عند القاضي وهناك شيء يكون في الفتيا.

معنى ألفاظ الكناية في الطلاق

معنى ألفاظ الكناية في الطلاق Q الرجاء شرح ألفاظ الكناية؟ A الكناية ألفاظ تحتمل الطلاق وتحتمل غير الطلاق، نحكم بأنها طلاق إذا نوى بها الطلاق، وكذلك إذا كان هناك قرينة حال فنحكم بناء على القرينة، مثل حال غضب أو حال خصومة، يعني: لو أن رجل قال لامرأته: قد خليتك، وكان ذلك القول حال غضب أو حال خصومة، ثم قال: أنا لم أنو الطلاق، نقول: هذه القرينة كافية.

الفرق بين الطلاق قبل الدخول وبعده

الفرق بين الطلاق قبل الدخول وبعده Q ما الفرق بين الطلاق قبل الخلوة بالزوجة وبعد الخلوة بها؟ A إذا خلا الرجل بالمرأة تعلقت أحكام تزيد على الأحكام المتعلقة بمجرد العقد، منها أن الصداق يكون كاملاً ومنها مسألة الطلاق، فلو طلقها بعد الدخول بها فلها عدة ولو طلقها قبل الدخول فلا عدة لها، والدخول يحصل بمجرد الخلوة. بعض الناس يعقد على امرأة فيذهب إليها في بيتها ويجلس معها وحدها وفي غرفة ويقفل الباب، فهذه خلوة، بعض الناس يظن أن الحكم لا يثبت حتى يبنى بها في ليلة العرس، والصحيح أنه بمجرد أن يخلو بها في غرفة أو في مكان يخصهما فهذه الخلوة تترتب عليها الأحكام.

حكم من قال أنت طالق لو ذهبت إلى فلانة ثم ذهبت

حكم من قال أنت طالق لو ذهبت إلى فلانة ثم ذهبت Q ما الحكم لو أرادت امرأة أن تذهب إلى إحدى جاراتها وحاول زوجها منعها ولكنها لم تمتنع، فأراد تهديدها وقال لها: أنت تكونين طالقاً لو ذهبت إليها! ولكنها ذهبت؟ A هذا هو الحلف بالطلاق، فيسأل عن نيته: فإن كان قد يريد طلاقها وفراقها طلقت، وإذا كان يريد أن يمنعها فقط ولا يريد الطلاق فلا تطلق.

حكم الطلاق في الغضب

حكم الطلاق في الغضب Q ما حكم الطلاق في الغضب؟ وإذا كان لا يقع فما معنى عدم اعتبار النية في كناية الغضبان؟ A تقدم أنه إن كان الغضب متناهياً بحيث لا يشعر، أو كان يخف معه الشعور وهو المتوسط؛ فالطلاق لا يقع. ثم إن الغاضب قد يتكلم بصريح وقد يتكلم بكناية، فإذا تكلم بكناية يقع، لأن كونه غضبان يدل على أنه أراد الطلاق، ثم ننظر هل غضبه شديد أو لا، فهذه مسألة أخرى.

حكم الطلاق قبل النكاح

حكم الطلاق قبل النكاح Q إذا عمم شخص جميع النساء بالطلاق أو خصص، مثل أن يقول: إن تزوجت أي امرأة فهي طالق، فهل يقع الطلاق؟ A هذا رجل قال له أبوه: تزوج فلانة، قال: إن تزوجتها فهي طالق، أو قال: أيما امرأة تزوجتها فهي طالق، فلا يقع شيء، لأن هذا طلاق قبل النكاح، والطلاق إنما يكون بعد النكاح.

حكم طلاق الهازل والمخطئ

حكم طلاق الهازل والمخطئ Q هل يقع طلاق الهازل والمخطئ؟ A طلاق الهازل يقع، لأنه لا هزل في الطلاق. والمخطئ إذا كان نطقه بالطلاق سبق لسان كمن يريد أن ينطق بكلمة فسبق على لسانه كلمة الطلاق، فهذا يقع طلاقه في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله فإن قال: أنا لا أريد الطلاق فإن ذلك يقبل منه.

حكم من شبه زوجته بظهر أخته

حكم من شبه زوجته بظهر أخته Q رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أختي، فما الحكم؟ A هذا ظهار، فإن وطأها فعليه أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، ويأتي شرح الظهار إن شاء الله تعالى.

اختلاف الأقوال في المذهب في المسألة الواحدة

اختلاف الأقوال في المذهب في المسألة الواحدة Q كيف يكون في المسألة الواحدة قولان مختلفان في مذهب واحد كمذهب الإمام أحمد؟ A الحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف مدارس دخل فيها مئات العلماء بل ألوف العلماء ويخرجون على مذهب الإمام وينظرون إلى قواعد الإمام، فقد يكون في المذهب أكثر من قول، وقد يكون عن الإمام نفسه أكثر من قول. الشافعي مثلاً له قول في العراق وله قول في مصر، وكذلك غيره من الأئمة، فالإمام قد يظل سنين يفتي بشيء ثم يتبين له خلافه، وقد يفتي في المسألة لأنه يرى أن هناك خلافاً بين هذه المسألة وهذه المسألة لكن أتباعه يظنون أنها مسألة واحدة فيظنون أن له قولين وإنما له قول واحد، فهذا أمر معروف في المدارس الفقهية في مذهب أحمد وغيره. وتقدم شرح التفريق بين الرواية وبين الوجه، وأن الرواية ما نسب إلى الإمام، وأن الوجه ما ينسب إلى أصحاب الإمام.

معنى قول الزوج أنت بتة

معنى قول الزوج أنت بتة Q ما المقصود بقول الرجل لزوجته: أنت بتة وبتلة؟ A ( بتة) بمعنى أنه انتهى ما بيني وبينك، أي انقطع ما بيني وبينك.

حكم طاعة الولد والده في تطليق زوجته

حكم طاعة الولد والده في تطليق زوجته Q قال له أبوه: طلقها، فإني سمعت الناس يقولون فيها كذا، وهو يعلم أن أباه صاحب هوى، فهل يطيع أباه في ذلك؟ A إذا كان أبوه ممن يعرف بتحري العدل فإنه يطيعه ويطلق، وكذلك إذا عرف أن أباه يتقي الله جل وعلا ولا يأمره بالطلاق إلا إذا كان قد رأى بعض الأمور المريبة وأنه يسمع من الناس كذا، وكذلك إذا سمع من غير أبيه بعض الكلام. فإذا كان هناك قرائن تدل على أن أباه في هذه المسألة ليس بمتبع للهوى وأنه يتحرى العدل في هذه المسألة، والعادة أن الأب لا يحرص على أن يفرق بين زوجة ابنه وابنه، بل هو حريص على الوفاق، فإنه يطيع أباه. وأما إذا كان الأب عنده عجلة ويصدق الناس، وقد تكون هذه المرأة مظلومة، فالواجب عليه التثبت، ولذا فإنا نقول لهذا الرجل: الواجب عليك أن تتثبت عما ذكر في هذه المرأة، ولا تستعجل في الطلاق، فالمرأة قد تكون مظلومة بكلام الناس، فلا تستعجل في الطلاق فتفرق بين نفسك وبين امرأتك. لاسيما إذا كان أبوه صاحب هوى.

دليل الطالب_كتاب الطلاق [4]

دليل الطالب_كتاب الطلاق [4] يختلف عدد الطلقات في حق الحر عنه في حق العبد، كما يختلف عدد الطلاق باعتبارات أخرى كاللفظ والعطف والتأكيد والاستثناء والتقييد بزمن ماض أو مستقبل، وكذلك تعليق الطلاق بشرط محض أو بقصد الحث أو المنع.

ما يختلف به عدد الطلاق

ما يختلف به عدد الطلاق

اختلاف عدد الطلاق باعتبار الحرية والعبودية

اختلاف عدد الطلاق باعتبار الحرية والعبودية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يختلف به عدد الطلاق]. وهذا الباب فيه أن عدد الطلاق يختلف باعتبار حرية الرجل أو عبوديته، فإذا كان حراً فله ثلاث طلقات، وإن كان عبداً فله طلقتان، وهذا بإجماع العلماء. وقد صح عن عمر رضي الله عنه كما في الدارقطني أنه قال: ينكح العبد اثنتين ويطلق اثنتين، وتعتد الأمة بحيضتين، ولا يعلم له مخالف، وجاء ذلك مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما في الترمذي ولا يصح، لكن فيه قول عمر وقول غيره من الصحابة ولا يعلم لهم مخالف. قال المؤلف: [يملك الحر والمبعض ثلاث طلقات]. المبعض هو الذي بعضه حر وبعضه عبد، فبعضه ما زال مملوكاً، حيث لم يعتق كله وإنما أعتق بعضه، فإذا كان قد أعتق بعضه وبقي بعضه فإنه يملك ثلاثاً كالحر؛ لأن الطلاق لا يتبعض، أي: ليس هناك طلقة ونصف بل إما أن تكون هناك طلقتان أو ثلاث، [والعبد طلقتين].

مسائل يقع الطلاق فيها بائنا

مسائل يقع الطلاق فيها بائناً قال المؤلف رحمه الله: [ويقع الطلاق بائناً في أربع مسائل]. يقع الطلاق بائناً إما بينونة كبرى بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وإما بينونة صغرى، والبينونة الصغرى لابد فيها من عقد، وذلك لأن الطلاق قد يكون رجعياً وقد يكون بائناً. فإذا طلق زيد امرأته طلقة واحدة وهي لا تزال في عدتها، فهذا الطلاق رجعي، أي أن له أن يراجعها بلا عقد ولا مهر ولا رضا. والطلاق البائن هي أن لا تحل له المرأة إلا بعقد أو بشرط أشد، وهو أنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا طلقها واحدة وفرغت من عدتها أو طلقها اثنتين وفرغت من عدتها، فلا تحل له حتى يعقد عليها عقداً جديداً برضاها وغير ذلك من الشروط والأركان. وإن كان قد طلقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فقال هنا: (ويقع الطلاق بائناً في أربع مسائل): ثم ذكرها فقال: [إذا كان على عوض]، وهذا هو الخلع كما تقدم، فإذا كان على عوض فإن فيه البينونة، وهي هنا بينونة صغرى، وعلى ذلك فإذا خلع المرأة فله أن يعقد عليها برضاها مع تحقيق بقية الشروط المطلوبة للنكاح. قال: [أو قبل الدخول]. هذا رجل عقد على امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها، فهل تبين منه بطلقة واحدة؟ A تبين منه لأنها لا عدة لها، والبينونة هنا بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد جديد. قال: [أو في نكاح فاسد]. إذا كان النكاح فاسداً فهو النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي، فإذا طلق من نكح امرأة بلا ولي فإنها تبين منه، فلابد من عقد. وهذا القول ينبني على صحة الطلاق، والذي يترجح أن طلاق المرأة التي نكحت بنكاح فاسد كالنكاح بلا ولي فيه تفصيل، إن كان يعتقد صحته كالحنفي فهو طلاق معتبر فتحسب طلقة واحدة وإن كان لا يعتقد صحته ويرى أنه فاسد كبقية المذاهب فنقول: لا تحتسب طلقة لأن هذا نكاح فاسد، والطلاق إنما ينبني على نكاح صحيح. وهذا القول رواية عن أحمد وقول أبي الخطاب واختيار شيخ الإسلام. إذاً من نكح امرأة بلا ولي وهو يعتقد فساد ذلك، وأنه لا يحل إلا بولي فنقول له: إن الطلاق ليس بمعتبر لكن يفرق بينك وبينها، وتعقد عليها عقداً جديداً بولي، وأما إن كان يعتقد الصحة كالحنفي فإن النكاح صحيح والطلاق المترتب عليه صحيح. قال: [أو بالثلاث]. إذا طلقها بالثلاث فتبين منه بينونة كبرى، وتقدم شرح هذا في درس سابق.

الألفاظ التي يقع بها الطلاق ثلاثا

الألفاظ التي يقع بها الطلاق ثلاثاً قال: [ويقع ثلاثاً إذا قال: أنت طالق بلا رجعة، أو البتة أو بائناً]. هذا هو طلاق الثلاث، ولكن تقدم أن الراجح أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة إنما يقع واحدة. قال: [وإن قال: أنت الطلاق، أو أنت طالق، وقع واحدة]. لأن هذا لا يفيد عدداً. قال: [وإن نوى ثلاثا وقع ما نواه]. لأن اللفظ يحتمل ذلك. فإذا قال: أنت الطلاق ونوى الثلاث فاللفظ هنا يحتمل ذلك فيقع ثلاثاً، وهذا كله على القول بأن طلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع ثلاثاً، والراجح أنه واحدة. قال: [ويقع ثلاثاً إذا قال: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو عدد الحصى ونحوه، أو قال لها: يا مائة طالق]. هذا كله يقع ثلاثاً، وكل ما يذكره المؤلف هنا ينبني على القول بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً؛ لكن الراجح أنه واحدة. قال: [وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو ملء الدنيا أو مثل الجبل أو على سائر المذاهب؛ وقع واحدة]، لأن هذا لا يرجع إلى العدد وإنما يرجع إلى الكيف، وعلى ذلك فيكون واحدة. قال المؤلف: [ما لم ينو أكثر]. وكل ما ذكره المؤلف هنا إنما ينبني على القول بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، لكن على القول الآخر: لا يفرق بين هذه المسائل وكلها واحدة.

تبعيض الطلاق

تبعيض الطلاق قال: [فصل] أي في تبعيض الطلاق؛ لأن الناس منهم من عنده عبث في الطلاق، فما يذكره الفقهاء هذا ينبني على وقوع ذلك عند الناس. يقول هنا: [والطلاق لا يتبعض بل جزء الطلقة كهي]. الطلاق لا يتبعض، فلا يوجد نصف طلقة ولا ربع طلقة، وعلى ذلك فلو طلق جزء طلقة فهي طلقة. لو قال: طلقتك ربع طلقة، نقول: هذه طلقة، لأن الطلاق لا يتبعض في الشرع، كما أن المرأة لا تتبعض حلاً وحرمة، وعلى ذلك فلو طلقها نصف طلقة طلقت طلقة كاملة، وهذا باتفاق العلماء. قال: [وإن طلق بعض زوجته طلقت كلها]. بأن قال لها: نصفك طالق، أو ربعك طالق، أو خمسك طالق، فتطلق كلها لأن المرأة لا تتبعض. [وإن طلق جزءاً منها لا ينفصل: كيدها وأذنها وأنفها طلقت]؛ وذلك لأن هذا الجزء لا ينفصل مع سلامتها، بل ينفصل بعطب. وعلى ذلك فلو قال: يدك طالق، رجلك طالق، وجهك طالق؛ طلقت كلها، لأن هذه الأعضاء لا تنفصل من المرأة مع سلامتها وإنما تنفصل بعطل، ولا يمكن أن تتبعض هذه المرأة كما تقدم حلاً وحرمة. قال: [وإن طلق جزءاً ينفصل: كشعرها وظفرها وسنها لم تطلق]. إذا قال: سنك طالق، أسنانك طالقة، أو قال لها: شعرك طالق، فإن المرأة لا تطلق، لأن هذه الأشياء تنفصل مع السلامة.

اختلاف الطلاق بالعطف والتأكيد

اختلاف الطلاق بالعطف والتأكيد قال: [فصل] أي: في ألفاظ الطلاق. قال: [وإذا قال: أنت طالق لا بل أنت طالق؛ فواحدة]؛ لأن المثبت هنا هو المنفي بعينه، فهي واحدة. [وإن قال: أنت طالق طالق طالق؛ فواحدة ما لم ينو أكثر]، لعدم ما يقتضي المغايرة، بخلاف ما لو قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق. هنا يقول: أنت طالق طالق طالق، فهذه واحدة. لكن لو نوى في قوله: أنت طالق طالق طالق تعديده، كأن نوى في قلبه أنها ثلاث فإنها تكون ثلاثاً لأن اللفظ يحتمل ذلك، وهذا عند من يوقع الثلاث. قال: [وأنت طالق أنت طالق: وقع اثنتان]، لأن اللفظ هنا يقتضي ذلك. قال: [إلا أن ينوي تأكيداً متصلاً أو إفهاماً]. هذا رجل قال لامرأته: أنت طالق أنت طالق، وقال: أنا نويت إفهامها أني طلقتك، أو نويت التأكيد، وكان اللفظ الثاني قد اتصل باللفظ الأول، لأن التأكيد لابد أن يتصل، فيصح. لكن لو قال لها اليوم: أنت طالق، ثم بعد أسبوع قال لها: أنت طالق وقال: نويت التأكيد، فهذا لا يقبل، ولذا قال: (إلا أن ينوي تأكيداً متصلاً أو إفهاماً). قال: [وأنت طالق فطالق أو: ثم طالق فثنتان في المدخول بها]. لو قال: أنت طالق ثم طالق، أو قال: أنت طالق فطالق، وقع اثنتان في المدخول بها، لكن إن لم تكن مدخولاً بها تقع واحدة لأنه لما قال: أنت طالق بانت فقوله: ثم أنت طالق وردت بعد البينونة. قال: [وأنت طالق وطالق وطالق؛ فثلاث معاً ولو غير مدخول بها]، لأن الواو تفيد الجمع، ولا تفيد الترتيب. فإذا قال: أنت طالق وطالق وطالق، فهو كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً، لأنه جمع. ولذا إذا كانت غير مدخول بها تقع ثلاثاً فتبين منه بينونة كبرى، لأنه أتى بلفظ فيه جمع، وهذا كله ينبني -كما تقدم- على القول بوقوع الطلاق بكلمة واحدة أو بكلمات ثلاثاً، وتقدم كلام أهل العلم واختلافهم في هذه المسألة.

الاستثناء في الطلاق

الاستثناء في الطلاق قال: [فصل] أي: في الاستثناء في الطلاق. [ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات]. أهل الأصول في أصح القولين وهو الذي أخذ به الحنابلة، قالوا: إنه يصح استثناء النصف فأقل، ولا يصح استثناء الأكثر ولا استثناء الكل. فلو قال رجل: لفلان علي مائة ألف إلا مائة ألف، لم يصح هذا الاستثناء، فتلزمه مائة ألف، ولو قال: لفلان علي مائة ألف إلا تسعين ألفاً لم يصح ولزمه مائة ألف. فإن قال لفلان: علي مائة ألف إلا خمسين ألفاً صح، ومائة ألف إلا أربعين صح. إذاً: يصح استثناء الأقل ويصح استثناء النصف، وأما استثناء الأكثر واستثناء الكل فلا يصح، ولذا قال المؤلف هنا: (ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات). ثم قال: [فلو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طلقت ثنتين]. وهذا كلها بناء على وقوع الطلاق الثلاث ثلاثاً. قال: [وأنت طالق أربعاً إلا اثنتين، يقع ثنتان] أي: يقع من الطلاق اثنتان، لأن الاستثناء هنا بالنصف. قال: [وشرط في الاستثناء اتصال معتاد لفظاً]. لابد أن يتصل، فلو قال: أنت طالق اثنتين إلا واحدة، فهذا متصل في العادة. لكن لو قال: أنت طالق اثنتين وسكت أو تكلم بكلام وقيل له: يا فلان! لماذا تطلق زوجتك اثنتين وقد طلقتها واحدة قبل ذلك فتبين منك؟ فقال: إلا واحدة، فهل يصح؟ A لا يصح هذا الاستثناء. إذاً: لابد أن يتصل في العادة لفظاً بأن يأتي متوالياً، يقول: أنت طالق اثنتين إلا واحدة. قال: [أو حكماً كانقطاعه بعطاس ونحوه]، يقول: أنت طالق اثنتين فيعطس أو يسعل ثم يقول: إلا واحدة، فيصح لأنه متصل حكماً. إذاً: لابد أن يتصل اتصالاً معتاداً إما لفظاً وإما حكماً. وهناك شرط أيضاً لابد منه، وهو أنه لابد أن يكون قد نوى الاستثناء قبل كمال المستثنى منه. فهذا رجل قال: يا فلانة أنت طالق اثنتين ولم ينو إلا اثنتين فبدا له الاستثناء وقال: مباشرة إلا واحدة، فإنه يقع اثنتان، ولو أنه نوى في قلبه قبل أن يكمل النطق بالمستثنى منه أنه يستثني فإنه يصح الاستثناء، وذلك لأن الاستثناء يصرف الكلام عن مقتضاه، فإن مقتضى قوله: (أنت طالق اثنتين) أنها تطلق اثنتين، فالاستثناء يصرفه من اثنتين إلى واحدة، فلابد أن ينوي قبل كمال المستثنى منه، أي لابد أن يكون في قلبه نية الاستثناء. لكن لو نوى الاستثناء بعدما فرغ فإنها تقع طلقتان.

اختلاف عدد الطلاق بتقييده بالزمن

اختلاف عدد الطلاق بتقييده بالزمن ثم قال: [فصل في طلاق الزمن. إذا قال: أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك ونوى وقوعه إذاً وقع وإلا فلا]. إذا قال: يا فلانة أنت طالق أمس لا يقع، وذلك لأن المكلف إنما ينشئ في الحاضر وفي المستقبل ولا ينشئ كلاماً في الماضي. ولو قال لها: أنت طالق قبل شهر وهو يريد إنشاء، فنقول: أنت إنما تنشئ كلاماً في الحاضر وفي المستقبل، وأما أن تنشئ كلاماً في الماضي فلا. لكن إن نوى أنه يخبر أنه قد طلقها أمس، وقال: أنا أردت أني قد طلقتها أمس أو طلقتها قبل شهر فنقول: يقع، لأن هذا خبر. وإذا كان ينشئ ويريد إيقاعه الآن، يعني: إني أوقعه الآن استناداً إلى وقوعه أمس فإنه يقع. ولذا قال المؤلف: (ونوى وقوعه إذاً)، يعني الآن (وقع) لأنه يوقعه الآن استناداً إلى وقوعه أمس. قال: (وإلا) يعني: وإلا ينوي وقوعه (فلا)، لأن العبد ليس له كلام ينشئه في الماضي. ومثل هذا الكلام أيضاً عبث. إذاً: إذا كان ينشئ فنقول: لا يصح الطلاق في السابق، لأن الطلاق في السابق ليس إليك أيها المكلف إنشاؤه، وإن كان يريد استمرار ذلك إلى الحاضر يعني يقول: أنت طالق اليوم استناداً إلى طلاقك أمس فهذا يقع. وإذا كان يريد أن يخبر فننظر إلى خبره: فإن كان خبراً صادقاً طلقت، وإن كان خبراً كاذباً لم تطلق. قوله: (أو قبل أن أتزوجك). الطلاق قبل النكاح لا يصح، ولذا قال الله جل وعلا: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:49] فالطلاق إنما يكون بعد النكاح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك)، رواه الترمذي وغيره. لو أن رجلاً قال: إن نكحت فلانة فهي طالق، فلا يقع شيء، أو قال: يا فلانة أنت طالق قبل أن أتزوجك، فإنه لا يقع. قال: [وأنت طالق اليوم إذا جاء غد فلغو]، لأن غداً لا يجيء اليوم، أي: كيف تكون طالقاً اليوم إذا جاء غد، والغد لا يجيء اليوم، ولذا قال المؤلف، هذا لغو، وهذا كما تقدم عبث. قال: [وأنت طالق غداً أو يوم كذا وقع بأولهما]. قال: يا فلانة أنت تريدين الطلاق؟ قالت: نعم، قال: أنت طالق غداً، فإنها تطلق بأوله، فإذا قال المؤذن: الله أكبر لصلاة الصبح طلقت، لأن هذا مقتضى كلامه. قوله: (أو يوم كذا) كأن قال: أنت تريدين الطلاق وأنا سأسافر في يوم كذا فأنت طالق في يوم كذا -لليوم الذي يسافر فيه- فتطلق في أول جزء منه. يعني: إذا قال المؤذن الله أكبر لصلاة الفجر طلقت. قال: [ولا يقبل حكماً إن قال: أردت آخرهما]، قال: طلقتك يا فلانة غداً، فلما جاء الغد أتى إليها يجامعها مثلاً وكان الطلاق بائناً، فقالت: أنت طلقتني وقلت: أنت طالق غداً، قال: أردت في آخر النهار، فلا يقبل منه حكماً -يعني في القضاء- لكن فيما بينه وبين الله جل وعلا إن كان قد نوى ذلك قُبِل، لأن اللفظ يحتمل ذلك. قال: [وأنت طالق في غد]، أي: أتى بفي التي تفيد الظرفية، [أو في رجب، يقع بأولهما]، فقوله: أنت طالق في رجب يقع في أول رجب، وأنت طالق في غد يقع في أول اليوم. قال: [فإن قال: أردت آخرهما قبل حكماً]، أي: هنا يقبل حكماً. إذا قال: أنت طالق غداً لم يقبل منه حكماً إن قال: أردت آخر النهار، ولكن إن قال: أنت طالق في غد قبل حكماً، والفرق أن الكلام هنا يحتمل، ويحتمل أن يكون في أوله وفي آخره وفي وسطه، فلما كان الأمر كذلك قبل منه هذا القول حكماً. قال: [وأنت طالق كل يوم؛ فواحدة]، لأنها إذا طلقت اليوم فهي طالق غد وبعد غد إلا أن يراجعها. قال: [وأنت طالق في كل يوم، فتطلق في كل يوم واحدة]، فهناك فرق بينها وبين العبارة السابقة، ففي كل يوم طلقة. قال: [وأنت طالق إذا مضى شهر: فتطلق بمضي ثلاثين يوماً]. لأن الشهر ثلاثون يوماً، أو تسع وعشرون يوماً، لكن عندما يطلق في وسط الشهر -ومثل ذلك أيضاً الذي يصوم شهرين متتابعين ويبدأ من وسط الشهر، فهذا يصوم ستين يوماً- ومثل ذلك هنا؛ لأن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً فيؤمر بذلك من باب الاحتياط. [وإذا مضى الشهر فبمضيه]. هم الآن في نصف رجب قال: أنت طالق إذا مضى الشهر، فتطلق إذا مضى هذا الشهر الذي هم فيه، فإذا خرج رجب طلقت. [وكذلك إذا مضت سنة أو السنة]. أي: كذلك إذا قال: أنت طالق مضى سنة، فنحسب سنة كاملة، أو قال: إذا مضت السنة فإذا خرجت هذه السنة التي هم فيها.

تعليق الطلاق

تعليق الطلاق

انقسام تعليق الطلاق إلى شرط محض ويمين الطلاق

انقسام تعليق الطلاق إلى شرط محض ويمين الطلاق قال رحمه الله: [باب تعليق الطلاق]. هذا الباب من المسائل المهمة، وتتعلق بمسألة يكثر وقوعها على ألسنة الناس، وهي مسألة تعليق الطلاق بالشروط، يقول مثلاً: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، إن دخلت الدار فأنت طالق، إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق، فما حكم ذلك؟ و A أن تعليق الطلاق بالشروط على قسمين: القسم الأول: تعليق الطلاق بشرط محض. القسم الثاني: تعليق الطلاق بشرط يجري مجرى اليمين، وهو الذي يسمى بالحلف بالطلاق. القسم الأول أن يعلق الطلاق بشرط محض يقصد منه إيقاع الطلاق عند حصوله، مثال هذا: قال: يا فلانة إن دخل رمضان فأنت طالق، هنا علق الطلاق بشرط محض، لا تعلق له باليمين هنا، أي: ليس فيه معنى الحث ولا معنى الحض ولا معنى المنع ولا التأكيد، فإذا دخل رمضان طلقت. هذا رجل آخر يريد أن يطلق ويبحث عن عذر، فقال: يا فلانة إن دخلت إلى دار أبيك فأنت طالق، يريد أن تدخل إلى دار أبيها فتطلق، فهذا شرط محض، لأنه يريد إيقاع الطلاق، فإذا حصل هذا الشرط طلقت، وهذا لا خلاف بين أهل العلم أن الطلاق يقع؛ ولذا جاء عن ابن عمر رضي الله عنه كما في البخاري في رجل قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق البتة، قال: إذا دخلت الدار فقد بانت. القسم الثاني: وهو محل الخلاف بين العلماء، وهو ما يسمى بالحلف بالطلاق، ويسميه بعض الناس بيمين الطلاق، هو أن يعلق الطلاق بشرط وهو لا يقصد إيقاع الطلاق عند حصول هذا الشرط، وإنما يقصد الحث لنفسه أو لامرأته أو لغيرهما أو المنع لنفسه أو لامرأته أو لغيرهما، فهو يقصد الحث أو المنع. مثال هذا: قال: يا فلانة، إن ذهبت إلى بيت فلان فأنت طالق، يريد منعها من الذهاب، ولا يقصد أن الطلاق يقع. وقد يريد منع نفسه، كبعض الناس يقول: إن أنا فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق. وقد يكون لبعض الناس، فيقول: يا فلان إن لم تدخل وتتعشى عندنا الليلة وتبيت فامرأتي طالق، وهذا يحصل عند بعض أهل البادية. أو يقصد الحث: يا فلانة إن لم تطبخي عشاء لضيوفي الليلة فأنت طالق، يريد حثها، إن أنا لم أفعل كذا فامرأتي طالق، يريد حث نفسه. وهناك فرق بين هذه وبين المسألة السابقة، وجمهور العلماء قالوا: يقع فيها الطلاق، فإذا ذهبت المرأة للسوق طلقت وإذا خالف هو فإنه كذلك تطلق امرأته. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وهو قول طائفة من السلف وطائفة من الخلف، قالوا: هي يمين فيها كفارة. واستدلوا أولاً بأنه لا خلاف بين الفقهاء بأن هذه يمين، فالفقهاء بالاتفاق يسمون هذه المسألة بالحلف بالطلاق، ويسمونها بيمين الطلاق، قال شيخ الإسلام: فلا خلاف بين أهل العلم من الفقهاء أن هذه يمين، فدخلت في عموم قوله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]. قال أيضاً: ولأن العبرة بالمقاصد وبالمعاني، فهذه يمين قصد منها الحث أو المنع كما يقصد باليمين التي هي حلف بالله الحث أو المنع، فلا فرق بين الصورتين، والعبرة إنما هي بالمعاني والمقاصد لا بالمباني. قال أيضاً: وقد جاء في سنن البيهقي عن أبي رافع أن مولاته قالت: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية وعبيدي أحرار كلهم ومالي كله صدقة في سبيل الله وأمشي على قدمي إلى بيت الله إن لم تطلق امرأتك. قال: فسألت ابن عمر وابن عباس وعائشة وحفصة وأم سلمة فقالوا: هي يمين تكفرها، وهذا يدل على ما تقدم، لأنه ما دام أن ما ذكرته من الصدقة ومن النذر اعتبر يميناً فأولى من ذلك الطلاق الذي لا يحبه الله، فالصدقة التي يحبها الله لم يلزمها الصحابة بإخراجها، والعتق الذي يتشوف إليه الشارع لم يلزمها الصحابة به فالطلاق الذي هو بغيض إلى الرحمن أولى. وعلى ذلك فالصحيح أن ذلك فيه كفارة يمين، وعلى ذلك فيطعم عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. بعض الناس يقول: هل الحلف بالطلاق شرك؟ نقول: هذا لا يدخل في هذا الباب، فهو لا يعظم الطلاق وإنما جرى مجرى اليمين كالنذر الذي له حكم اليمين؛ لأن الحلف إنما يكون بالمعظم لكنه يجري مجرى اليمين فلا يدخل ذلك في الشرك.

تعليق الطلاق على وجود مستحيل أو عدمه وكذلك غير المستحيل

تعليق الطلاق على وجود مستحيل أو عدمه وكذلك غير المستحيل قال: [إذا علق الطلاق على وجود فعل مستحيل كإن صعدت السماء فأنت طالق، لم تطلق]. قالت: طلقني. فقال: أنت طالق إن قبلت النجوم، فهذا لا يمكن، وعلى ذلك فلا تطلق، لأن هذا أمر مستحيل يعلم عدم حصوله. قال: [وإن علقه على عدم وجوده كإن لم تصعدي فأنت طالق، طلقت في الحال]. قال: إذا لم تقبلي النجوم فأنت طالق. تطلق؛ لأنه يعلم أنها لا تقدر على ذلك. [وإن علقه على غير المستحيل لم تطلق إلا باليأس مما علق عليه الطلاق]. إذا علقه على أمر ليس بمستحيل، كما لو قال: أنت طالق إن لم أشتر من زيد بيته، لم تطلق إلا باليأس، فلو مات زيد قبل أن يشتري بيته طلقت، لأنه علم اليأس. قال: [ما لم يكن هناك نية أو قرينة تدل على الفور أو يقيد بزمن، فيعمل بذلك]. إذا كان في نيته اليوم، أي: أنت طالق إن لم أشتر من زيد بيته، وهو يعني اليوم أو هذا الأسبوع أو هذا الشهر، فمضى ذلك ولم يشتر، فإنها تطلق. لكن هذا إذا كان يريد حث نفسه فقط على الشراء أو لتأكيد الشراء فإنها يمين يكفرها. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زواج الصبي المميز

حكم زواج الصبي المميز Q يقول هذا السائل: ذكرتم أن طلاق المميز دون سن التكليف يقع إذا كان يعقل؟ فهل يوجد زواج لمميز دون سن التكليف؟ A نعم يوجد، فيصح أن يتزوج وهو صبي مميز، ولا بأس في ذلك ولا حرج، فيعقد له أبوه.

حكم جمع طلقتين بلفظ

حكم جمع طلقتين بلفظ Q هل يستوي حكم جمع الطلاق بلفظ سواء الثلاث أو الثنتان؟ A نعم، بل حتى من أتى بالثنتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن رجلاً قد طلق امرأته ثلاثاً في مجلس، غضب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)، حتى قال رجل: (يا رسول الله ألا أقتله)، لما رأوا من غضب النبي عليه الصلاة والسلام. الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، كان الذي يأتي يقول: إني طلقت ثلاثاً، يقول: اقرب مني، وكان الشيخ أعمى، فإذا قرب ضربه، وغضب على هذا؛ لأن هذا فيه لعب بكتاب الله جل وعلا.

متى يبدأ اليوم الشرعي

متى يبدأ اليوم الشرعي Q المساء يبدأ من الظهر واليوم يبدأ من نصف الليل، والمؤلف خالف هذا عندما ذكر أحكام الطلاق؟ A الشرع واللغة أن اليوم يبدأ من جهة النهار من أذان الفجر، ويبدأ اليوم كاملاً من أذان المغرب، فنحن الليلة قد مضى لنا يوم الثلاثاء، ولذا نحن نقول: نحن في ليلة الأربعاء، ولذا إذا أذن المغرب في يوم الثلاثين من شعبان نقول: دخل رمضان، ولو اعتمر رجل في تلك الليلة فهي عمرة في رمضان.

حكم من علق طلاق امرأته على فعل شيء ثم أذن لها فيه

حكم من علق طلاق امرأته على فعل شيء ثم أذن لها فيه Q تقول هذه السائلة: زوجي حلف يميناً إن ذهبت إلى التحفيظ أو المحاضرة فهي طالق، تقول: إنها جلست يومين وفي اليوم الثالث استأذنت منه فسمح لها بالذهاب، فهل يقع الطلاق أم لا؟ A كونه يأذن هذا لا يؤثر، إلا إذا قال: إن ذهبت إلى السوق بغير إذني فأنت طالق، فإن استأذنت فلا شيء، لكن إذا قال: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق وسكت ثم قال: أذنت لك، فالإذن هنا لا أثر له، ولذا فهذه المرأة تسأله عن نيته، فإن كانت نيته المنع فقط -وهذا الذي يظهر من حاله- فهذا فيه كفارة يمين.

حكم الطلاق الثلاث

حكم الطلاق الثلاث Q أريد تفصيلاً في مسألة الطلاق الثلاث، هل تقع واحدة عن ثلاث؟ وما رأي شيخ الإسلام في ذلك؟ A شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ محمد بن عثيمين وطائفة من أهل العلم، يرون أن الطلاق لا يقع إلا واحدة، إلا إذا كان بعد رجعة أو عقد جديد، بمعنى: قال: يا فلانة أنت طالق ثم راجعها، ثم قال: أنت طالق ثم راجعها، ثم قال: أنت طالق، فهذه ثلاث. أو قال: أنت طالق وتركها حتى تخرج من العدة، ثم عقد ثم قال: أنت طالق، ثم تركها حتى تخرج من العدة، ثم عقد ثم قال: أنت طالق، إذاً: لابد أن يتخلل ذلك إما رجعة وإما عقد حتى تحسب ثلاثاً، أما طلاق الثلاث في مجلس واحد بلفظ فهو واحدة، وهذا هو مذهب شيخ الإسلام الذي تسأل عنه السائلة، وهو أيضاً اختيار ابن القيم واختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي واختيار الشيخ محمد بن عثيمين. والجمهور يقول: لو قال: أنت طالق ثلاثاً فهي ثلاث، وإذا قال: أنت طالق طالق طالق فإنها تقع ثلاثاً إذا نوى التعدد سواء كان في مجلس أو في مجالس متعددة، قال: يا فلانة أنت طالق ومن الغد قال: أنت طالق، وبعد غد قال: أنت طالق، فتقع ثلاثاً هذا قول الجمهور، وعليه المذاهب الأربعة. الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يأخذ بقول الجمهور في بعض المسائل وبقول شيخ الإسلام في بعض المسائل، فيقول: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثاً بكلمة واحدة، فهي طلقة واحدة، أما إذا قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق فهي ثلاث، أي أن الشيخ عبد العزيز لا يشترط الرجعة، فيقول: لو قال: أنت طالق وقبل أن يراجعها قال: أنت طالق وقبل أن يراجعها أنت طالق، فيرى أنه يتعدد الطلاق. هذه أقوال أهل العلم في هذه المسألة.

حكم تعليق الطلاق بشرط ثم التراجع عنه بعد ذلك

حكم تعليق الطلاق بشرط ثم التراجع عنه بعد ذلك Q إذا علق الطلاق على شرط محض كأن يقول الرجل لزوجته: إذا ذهبت إلى بيت أبيك فأنت طالق، ونوى الطلاق فإنها تطلق إذا ذهبت، فإن لم تذهب المرأة وبعدها بمدة سامحها الزوج وتركها تذهب إلى بيت أبيها، وتخلى عن يمينه، فهل يجوز ذلك أم لا؟ A لا تزال هذه اليمين، لأن الرجل إذا علق الأمر على شيء مستقبل ليس له أن يسقطه، فإذا قال: يا فلانة إن جاء رمضان فأنت طالق، فهذا شرط محض، أو قال: إن دخلت دار أبيك فأنت طالق، يريد أن تذهب ليطلقها، فليس له أن يقول: رجعت، فقد ثبت الأمر، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا.

حكم نكاح التحليل

حكم نكاح التحليل Q ما حكم نكاح المحلل في الشرع؟ A المحلل لا يجوز له هذا الفعل وإن نكح الرجل المرأة بنية تحليلها فإنها لا تحل، فنكاح المحلل باطل ووجوده كعدمه، لكن إن كان قصده التمتع بالمرأة وهو يقول: أنا أرغب بالنكاح وقد أبقيها وقد لا أبقيها، فتمتع بها ثم طلقها فهذا أمر جائز، أما إذا كان يريد فقط أن يحلها لا رغبة في النكاح فإنها لا تحل كما تقدم شرحه في الدورة السابقة.

حكم قول الرجل علي الطلاق أن تأكلوا

حكم قول الرجل علي الطلاق أن تأكلوا Q ذكر الطلاق في الحث كقوله: علي الطلاق أن تأكلوا؟ A إذا كان يريد الحث فقط فهذه فيها كفارة يمين، ولا يقع الطلاق.

حكم الحلف بالطلاق بقصد الحث أو المنع

حكم الحلف بالطلاق بقصد الحث أو المنع Q ذكر الطلاق في وجود الحث على منكر، كقوله: امرأتي طالق إن شربت الخمر، وكقوله: امرأتي طالق إن شربت الدخان، وكقوله: امرأتي طالق إن ذهبت لبيت أبيها؟ A إذا كان يريد الحث فقط فهذا فيه كفارة يمين كما تقدم إيضاحه. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الطلاق [5]

دليل الطالب_كتاب الطلاق [5] شرع الله الطلاق لحل عقد النكاح عند الحاجة إلى ذلك، وشرع الرجعة بعد الطلقة الأولى والثانية في العدة مراعاة للزوجين إذا راجعا أنفسهما، وقد يكون الطلاق محرماً أو بدعياً وقد يكون واجباً، وقد يقع الطلاق على وجوه مختلفة كالطلاق المعلق بشرط أو نحوه، والأحكام المتعلقة بذلك كثيرة لا ينبغي الجهل بها.

حكم تقدم الشرط أو تأخره وقطع التعليق بكلام أو سكوت

حكم تقدم الشرط أو تأخره وقطع التعليق بكلام أو سكوت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ويصح التعليق مع تقدم الشرط وتأخره، كإن قمت فأنت طالق، أو أنت طالق إن قمت]. يصح أن يقدم التعليق ويصح أن يؤخر فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار، فإذا قدم التعليق أو أخر لم يؤثر ذلك في الحكم. [ويشترط لصحة التعليق أن ينويه قبل فراغ التلفظ بالطلاق]، لأن التعليق كالاستثناء يصرف الكلام السابق عن مقتضاه. فلو أن رجلاً قال لامرأته: (أنت طالق) ولم ينو التعليق بشرط، ثم قال: (إن قمت) فلا يصح التعليق كما تقدم في الاستثناء أنه لو قال: (أنت طالق ثلاثاً) ولم ينو الاستثناء ثم قال: (إلا واحدة)، ولم يكن نوى قبل تمام المستثنى منه الاستثناء أنه لا يصح، فكذلك التعليق. ولذا لو أن هذا الباب فتح لكان من طلق امرأته فبدا له أن يرجع أتى بشرط فقال لها مثلاً: بعد غضب يا فلانة أنت طالق طالق طالق فندم وقال: إن ذهبت إلى المستشفى هذه الليلة، فماذا نقول؟ نقول: لا يصح هذا؛ لأن هذا الاستثناء أو التعليق قد أتى ولم تكن نويته عند الكلام السابق. لكن لو قال لها: أنت طالق وقد نوى أثناء قوله: أنت طالق أن يعلق ذلك بشرط كأن يقول: إن قمت، فهذا يصح. قال: [وأن يكون متصلاً لفظاً أو حكماً] كالاستثناء، أي أن الشرط هنا كالاستثناء، مثال ما يكون متصلاً لفظاً قوله: أنت طالق إن قمت، أو حكماً: أنت طالق فيعطس ويقول: إن قمت، فهذا متصل حكماً. قال: [فلا يضر لو عطس ونحوه أو قطعه بكلام منتظم]، لو أتى بكلام ينتظم مع كلامه السابق [كقوله: أنت طالق يا زانية إن قمت]، فهذا كلام منتظم. [ويضر إن قطعه بسكوت أو كلام غير منتظم كقوله: سبحان الله]، أي كقوله: أنت طالق سبحان الله إن قمت، أتى الآن بكلام غير منتظم مع كلامه السابق، فهذا التعليق لا يعتبر، فنقول: قد طلقت، لأن الكلام لم يتصل، بل هناك فاصل بين كلامك السابق وبين التعليق. قال: [وتطلق في الحال].

حكم تعليق الطلاق بالإذن ثم الرجوع فيه

حكم تعليق الطلاق بالإذن ثم الرجوع فيه قال: [فصل في مسائل متفرقة: إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق: فأذن لها ولم تعلم أو علمت وخرجت، ثم خرجت ثانياً بلا إذنه طلقت]. الإذن كما هو معلوم في اللغة هو الإعلام، وعلى ذلك فلا يعتبر إذناً إلا بعد الإعلام، فلو أن رجلاً منع ابنه من شيء، ثم بدا له أن يأذن له ولم يعلمه، وإنما تشاور مع بعض الناس وقال: أذنت لابني ولكنه لم يعلمه بعد، فلا يعد هذا إذناً حتى يعلمه. فإذا قال رجل لامرأته: أنت طالق إن خرجت بغير إذني، فأذن ولم يعلمها، فإذا خرجت فهي طالق. وهذا كله ينبني على ما تقدم من الكلام في الحلف بالطلاق، وتقدم أن الراجح أن عليه كفارة يمين إذا كان لا يريد الطلاق وإنما يريد منعها، أو حثها على الفعل فقط، وتقدم شرح هذا في درس سابق. إذاً: إذا خرجت قبل أن يعلمها فإنها تطلق على ما ذكر المؤلف، هذا رجل قال لأمه: إني قد أذنت لامرأتي أن تذهب حيث كنت قد منعتها إلا بإذني، ولكنه لم يعلمها بذلك، فخرجت ولم تعلم بإذنه فإنها تطلق كما تقدم. فقوله: [أو علمت وخرجت ثم خرجت ثانياً بلا إذنه طلقت]. كما لو قال: يا فلانة، إن خرجت إلى المكان الفلاني بلا إذني فأنت طالق، فأذن لها فخرجت، ثم خرجت بعد ذلك مرة أخرى بلا إذن، فإنها كذلك تطلق؛ لأنها قد خالفت فكان حانثاً في يمينه، لأن قوله: يا فلانة إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، ليس لمرة واحدة ولا لمرتين ولا لثلاث، فلا تخرج إلا بإذنه. قال: [ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت]. إذاً: هذا هو المخرج من هذه اليمين، وهو أن يقول لها: يا فلانة كنت قد قلت لك ألا تخرجي إلا بإذني فإن خرجت بلا إذني فأنت طالق، وإني الآن أذنت لك أن تخرجي كلما شئت، وعلى ذلك فلا يحنث في يمينه. قال: [وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق فمات فلان وخرجت لم تطلق]. قال: يا فلانة أنا مسافر، فإن خرجت بغير إذن أبي أو بغير إذن أمي أو بغير إذن أبيك أو بغير إذن أمك فأنت طالق، فخرجت بلا إذن فإنها تطلق. لكن إن مات من اشترط إذنه فخرجت لم تطلق؛ لأن الميت لا إذن له. [وإن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت له ثم بدا لها غيره طلقت]. قال: يا فلانة إن خرجت إلى غير المستشفى فأنت طالق، فمرضت فخرجت إلى المستشفى وإلى موضع آخر، فتكون قد خالفت، وعلى ذلك فقد حنث في يمينه.

تعليق الطلاق بمشيئة الله أو بمشيئة غيره

تعليق الطلاق بمشيئة الله أو بمشيئة غيره قال: [وزوجتي طالق أو عبدي حر إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله]. هذا رجل قال: زوجتي إلا طالق إلا أن يشاء الله، تطلق لأنه علق رفع طلاقه بأمر نجهله، وقد أثبت الطلاق بقوله: هي طالق، وعلى ذلك فتطلق. فإن قال: أنت طالق إن شاء الله، فهل تطلق؟ قال المؤلف: تطلق، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إذا قال: إن شاء الله لا تحقيقاً ولا تبركاً وتأكيداً وإنما قال ذلك تعليقاً فإنها لا تطلق، وعلى ذلك فإذا قال: أنت طالق إن شاء الله تحقيقاً طلقت، وإذا قال: أنت طالق إن شاء الله تأكيداً طلقت. وإذا قال: أنت طالق إن شاء الله بنية التعليق بمشيئة الله فإنها لا تطلق، وذلك أن مشيئة الله للطلاق لا تعلم إلا بوقوعه، وقد علقه بمشيئة الله، بخلاف ما إذا قال: إلا أن يشاء الله، فإنه هناك أثبته وعلق رفعه، أما هنا فإنه علق الطلاق نفسه ولم يعلق رفعه على المشيئة. وعلى ذلك فإذا قال: أنت طالق إن شاء الله ونوى بقلبه التعليق لم تطلق، وإن نوى بقلبه التحقيق أو التأكيد طلقت. وكذلك إذا قال عبدي حر فهي كالطلاق في التعليق على مشيئة الله. [وإن قال: إن شاء فلان فتعليق لم يقع إلا أن يشاء]. قال: أنت طالق إن شاء زيد فإذا شاء زيد الطلاق وقع، وإذا لم يشأه لم يقع. [وإن قال: إلا أن يشاء فموقوف، فإن أبى المشيئة أو جن أو مات وقع الطلاق إذاً]، لأنه أوقع الطلاق وعلقه بقوله: إلا أن يشاء، فلو مات هذا فإن الطلاق يقع، وهذا تقدم عند قوله: أنت طالق إلا أن يشاء الله؛ لأنه علق رفعه، وهنا علق رفعه بقوله: إلا أن يشاء زيد، فإذا مات زيد أو أبى المشيئة قال: ما أقول شيء في هذا، أو كذلك جن؛ فإن الطلاق يقع.

تعليق الطلاق برؤية الهلال

تعليق الطلاق برؤية الهلال [وأنت طالق إن رأيت الهلال عياناً فرأته في أول أو ثاني أو ثالث ليلة وقع]، لأن الهلال إنما يكون في الليالي الثلاث الأولى، فإذا رأته في رابع ليلة فليس بهلال. قال: [وبعدها لم يقع]، لأنه يكون قمراً بعد الثلاث ولا يكون هلالاً.

إتيان الفعل المعلق عليه الطلاق مع الإكراه ونحوه

إتيان الفعل المعلق عليه الطلاق مع الإكراه ونحوه قال: [أو أنت طالق إن فعلت كذا، أو إن فعلت أنا كذا، ففعلته أو فعله مكرهاً] لم يقع. قال: يا فلانة، إن خرجت من الدار فأنت طالق، فخرجت مكرهة حيث أتاها من حملها قهراً وأخرجها، فلا يقع الطلاق. أو قال: إن ذهبت إلى المستشفى فأنت طالق، فأغمي عليها وأخذت إلى المستشفى فلا تطلق لأنها مكرهة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). قال: [أو مجنوناً أو مغمى عليه أو نائماً لم يقع]، لأنه مغطى على عقله في هذه الأحوال؛ وعليه فإذا فعل الشيء الذي نهى نفسه عنه وعلق الطلاق عليه فعله وهو نائم أو مجنون أو مغمى عليه فإنه لا يحنث. قال: [وإن فعلته أو فعله ناسياً أو جاهلاً وقع]. هذا رجل قال: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، فنسيت يمينه فخرجت، أو ذهبت إلى موضع تجهل أنه من السوق لكنه من السوق، فهل يقع؟ قال المؤلف: يقع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحم الله الجميع أن الطلاق أيضاً لا يقع في هذه الصورة فلا يحنث في يمينه، وذلك لأن الحنث في اليمين إنما يكون بمخالفة اليمين مع التعمد، وهذه لا تعد مخالفة ولا تعد عاصية له لأنها إنما فعلت ذلك إما جهلاً وإما نسياناً، وهذا هو الراجح. وعلى ذلك فمن فعل ناسياً أو جاهلاً فإنه لا يحنث، كسائر الأيمان.

أحكام الشك في الطلاق

أحكام الشك في الطلاق قال المؤلف رحمه الله: [فصل] أي: في الشك في الطلاق. قال: [ولا يقع الطلاق بالشك فيه أو فيما علق عليه]. بعض الناس يقول: أنا لا أدري هل طلقت امرأتي طلقة واحدة أم لا؟ عنده شك، فلا تقع عليه طلقة. أو قال: أنا لا أدري هل قلت لامرأتي: يا فلانة لا تذهبي إلى السوق أو أني قلت لها: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق. فهنا نقول: اليقين لا يزول بالشك، والأصل براءة الذمة. وعلى ذلك فإذا شك هل طلق امرأته أم لا لم يحسب عليه شيء، أو شك هل حلف عليها بالطلاق أم لا؟ فمع الشك تكون ذمته بريئة لأن اليقين لا يزول بالشك. وهل يقال له: احسب طلقة تورعاً؟ ذهب إليه بعض العلماء، والصواب كما قال ابن القيم رحمه الله أنه لا يقال ذلك، لأن الورع لا يكون فيما هو بغيض إلى الرحمن وهو الطلاق. قال: [فمن حلف لا يأكل تمرة مثلاً فاشتبهت بغيرها وأكل الجميع إلا واحدة لم يحنث]، للشك. هذا رجل أخذ بيده تمرة، فحصل بينه وبين امرأته كلام وقال: علي الطلاق أني ما آكل هذه التمرة، ثم رماها بين أخواتها من التمر، ثم تراضيا فأكل التمر إلا واحدة، وهو لا يدري هل هذه الواحدة هي التي حلف أن لا يؤكلها أم هي غيرها؟ فنقول: لا يقع الطلاق، لأن اليقين لا يزول بالشك. قال: [ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين وهو الأقل]. هذا رجل يقول: ما أدري هل طلقت زوجتي اثنتين أو واحدة؟ نقول له: هي واحدة؛ لأن اليقين هو الأقل. قال: [ومن أوقع بزوجته كلمة وشك هل هي طلاق أو ظهار لم يلزمه شيء]. هذا رجل قال: أنا لا أدري هل قلت لامرأتي: إن فعلت كذا فأنت طالق أو قلت لها: إن فعلت كذا فأنت علي كظهر أمي؟ إذاً هو قد شك بين الطلاق والظهار، فالأصل عدمهما جميعاً، والأصل براءة ذمته، فلا طلاق ولا ظهار للشك.

أحكام الرجعة

أحكام الرجعة

تعريف الرجعة وشروطها

تعريف الرجعة وشروطها قال: [باب الرجعة]. الأصل في الرجعة قول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] (وبعولتهن) أي أزواجهن. قال: [وهي إعادة زوجته المطلقة]. أي: طلاقاً غير بائن، [إلى ما كانت عليه]، أي قبل الطلاق، [بغير عقد]. هذا رجل طلق امرأته طلقة واحدة، وهي لم تنقض عدتها بعد، فأعادها بلا عقد، فهذه هي الرجعة. فالرجعة إذاً هي إعادة المرأة المطلقة طلاقاً غير بائن بلا عقد. ولا يشترط رضاها ولا كذلك إعلامها ولا قبول وليها باتفاق العلماء، لقوله جل وعلا: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] وعلى ذلك فإذا طلق الرجل امرأته طلقة واحدة فله أن يراجعها أذنت أم لم تأذن وأذن وليها أم يأذن، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى وهو قول الجمهور: أن له أن يردها مطلقاً؛ لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنه لا يمكن من مراجعتها إلا أن يكون مريداً للإصلاح، وهو أن يمسكها بمعروف، لأن الله جل وعلا يقول: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228]، وهذا هو الصواب. وعلى ذلك فإذا كان لا يريد الإصلاح وإنما يريد إهانتها وإذلالها وأذاها وتعليقها فإنه يأثم، فبعض الناس كلما أرادت أن تنقضي عدتها راجعها ثم طلقها لتطول عليها العدة، فهذا لا يجوز ويأثم، لأنه لا يريد الإصلاح وإنما يريد الأذى والمضارة بها. ثم قال رحمه الله: [من شرطها] أي الرجعة، [أن يكون الطلاق غير بائن]، فإذا كان الطلاق بائناً فليس له أن يراجع، ولابد من عقد جديد. [وأن تكون في العدة] كما تقدم شرحه، ولذا قال الله جل وعلا: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] (في ذلك) أي: في العدة، فالمشار إليه هو العدة.

حكم الرجعة بعد انقطاع الحيضة الثالثة قبل الاغتسال

حكم الرجعة بعد انقطاع الحيضة الثالثة قبل الاغتسال ثم قال: [وتصح الرجعة بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة حيث لم تغتسل]. إذا طلق امرأته طلقة واحدة فعدتها ثلاث حيض، فإذا طلقها وهي حائض لم تحسب هذه الحيضة، بل تحسب التي بعدها، لأنه لابد من حيضة كاملة، ثم حيضة، ثم حيضة. فإذا انقطع الدم فهل له أن يراجعها؟ قال: له أن يراجعها حيث لم تغتسل. هذا رجل طلق امرأته ثلاثاً فطهرت من الحيض الساعة السابعة صباحاً وأخرت الغسل رجاء أن يصل إليه الخبر حتى يراجعها، وأخرت صلاة الظهر إلى الساعة الثانية فاغتسلت في الساعة الثانية، فليس له حق في مراجعتها بعد أن اغتسلت، والمشهور في المذهب أنها لو فرطت فأخرت الغسل مدة طويلة إلى الغد أو بعد الغد أو بعد أسبوع، فإنها تأثم لكن له أن يراجعها. واختار الموفق ابن قدامة رحمه الله: أن هذا يقيد بحيث لم يلزمها الغسل، فإذا طهرت الساعة السابعة فلها أن تؤخر الغسل ما لم تخش فوات الظهر. إذاً: الراجح أن له أن يراجعها إذا لم تغتسل وحيث لم يلزمها الغسل، فإذا تأخرت حتى لزمها الغسل فلا عبرة بالوقت الزائد بعد ذلك. فإن قيل: أليس ظاهر القرآن أنها إذا انقطع عنها الدم فليس له أن يراجعها، لأن الله جل وعلا يقول: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228]؟ ف A أن آثار الصحابة رضي الله عنهم كـ عمر وعلي وابن مسعود كما في مصنف عبد الرزاق ولا يعلم لهم مخالف دلت على جواز مراجعتها إذا انقطع عنها الدم ولم تغتسل، وآثار الصحابة تقيد إطلاقات النصوص وتخصص عمومها.

حكم الرجعة قبل وضع ولد متأخر

حكم الرجعة قبل وضع ولد متأخر قال: [وتصح قبل وضع ولد متأخر]. إذا كانت حاملاً بتوأم، فإن عدتها تنقضي بوضع الولد الثاني، لأنها لا يصدق عليها أنها وضعت حملها حتى تضع الولد الثاني لأن الثاني بعض حملها، فإذا وضعته فإنها تنقضي عدتها بمجرد الوضع.

ما تحصل به الرجعة

ما تحصل به الرجعة

حصول الرجعة بالقول والفعل

حصول الرجعة بالقول والفعل قال: [وألفاظها: راجعتها ورجعتها وارتجعتها وأمسكتها ورددتها ونحوه]. هذه كلها من ألفاظ الرجعة، وكل لفظ يدل على الرجعة في العرف فإن الرجعة تصح به. [ولا تشترط هذه الألفاظ بل تحصل رجعتها بوطئها]، فإذا وطئ المرأة زوجها، فإنه يعد هذا الوطء مراجعة لها؛ لأن الوطء ظاهر في رغبته بها، أي أن الوطء لا يحل له إلا إذا قصد به المراجعة. وذلك أن المرأة تجلس في بيته كما في قوله جل وعلا: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1] وتتزين له وتستشرف له، لكن ليس له أن يطأها، فإذا وطأها فوطؤها مراجعة لها. وقال بعض العلماء كـ شيخ الإسلام: إنما يكون الوطء مراجعة مع النية، فإذا نوى بالوطء الرجعة كان ذلك رجعة وإلا فلا، والراجح الأول، وأن من وطأ فقد راجع نوى أم لم ينو، لأن هذا ظاهر في رغبته بها. فإن كان دون الوطء كقبلة أو مس فإن هذا لا يعد رجعة، فإن الرجعة إنما تكون بالوطء أو بالقول الدال عليها.

حكم اشتراط الإشهاد في الرجعة

حكم اشتراط الإشهاد في الرجعة ولا يشترط عند جمهور العلماء أن يشهد وإنما يستحب، لأن إذنها وقبول وليها ليس بشرط فلم يشترط الإشهاد، وقد جاء في سنن أبي داود أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال لرجل طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد؛ قال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد). وقد قال جل وعلا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] وهذا محمول عند جمهور العلماء على الاستحباب كالإشهاد على البيع.

حكم الرجعة بلفظ النكاح والزواج

حكم الرجعة بلفظ النكاح والزواج قال: [لا بنكحتها أو تزوجتها]، إذا قال: نكحتها أو تزوجتها، قهذا لا يعد رجعة. والذي يترجح وهو قول ابن حامد: أنه يعد رجعة، لأنه إذا ثبت به النكاح فأولى من ذلك أن تثبت به الرجعة.

ما تعود عليه المرتجعة من الطلاق بعد البينونة

ما تعود عليه المرتجعة من الطلاق بعد البينونة قال: [ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة ولم يرتجعها بانت ولم تحل له إلا بعقد جديد]، لأن الله جل وعلا قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228]. [وتعود على ما بقي من طلاقها]. هذا رجل طلق امرأته طلقة واحدة ثم تركها حتى انقضت عدتها ثم عقد عليها عقداً جديداً، فإنها تعود ومعها طلقتها السابقة، ويبقى له طلقتان، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. فإن طلقها طلقة واحدة فانقضت عدتها ثم تزوجت زوجاً آخر، ثم طلقها الزوج الآخر ثم راجعها زوجها الأول، أي: عقد عليها عقداً جديداً؛ رجعت كذلك بطلقتها وبقي له طلقتان عند جمهور العلماء، وعليه أكابر الصحابة، كما قال الإمام أحمد، وقد ثبت أن عمر في مصنف عبد الرزاق. وقال الأحناف: بل تعود ولا يحسب عليها طلاق سابق، وعلى ذلك فيبقى له ثلاث طلقات، قالوا: لأن المرأة إذا تزوجها زوج آخر وقد طلقت ثلاثاً فإنها تعود من غير أن يحسب عليها شيء من الطلاق السابق، فهنا كذلك. وقال الجمهور وهو الراجح: بين المسألتين فرق، فالزوج هناك مؤثر لأنها لم تحل له حتى تنكح، وهنا وجود الزوج كعدمه، لأنها تحل له ولو لم تنكح، أي: أن نكاحها ليس شرطاً في رجوعها إليه. قالوا: ولأنه لو شرطنا ذلك لعادت بثلاث، والتي تعود بثلاث لا تحل، بخلاف التي قد طلقت طلقة واحدة أو طلقتين فإنها تعود وقد بقي لها طلقة أو قد بقي لها طلقتان. وعلى ذلك فالصحيح: أن المرأة إذا طلقها زوجها طلقة أو طلقتين ثم نكحت فإنها ترجع ويحسب الطلاق السابق، وهذا هو قول الجمهور، وإذا عادت بعقد فقط من غير أن تنكح فلا خلاف بين أهل العلم في أنها ترجع والطلاق السابق محسوب عليها. أما إذا نكحت زوجاً آخر حيث تم طلاق السابق ثلاثاً، فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أنها تعود من غير أن يحسب عليها شيء من الطلاق.

مراجعة المرأة بعد البينونة الكبرى

مراجعة المرأة بعد البينونة الكبرى قال: [فصل: وإذا طلق الحر ثلاثاً أو طلق العبد اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً] أي: لابد من نكاح صحيح لا نكاح فاسد؛ لأن الله جل وعلا يقول: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] وعلى ذلك فلو أنها نكحت نكاحاً بلا ولي لم تحل للزوج الأول، لأنه نكاح فاسد. قال: [ويطأها في قبلها مع الانتشار]، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)، والعسيلة هي حلاوة الجماع، والحديث في الصحيحين. وعلى ذلك فإذا تزوجها زوج آخر فلا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني، يعني: حتى يجامعها. وقوله: [مع الانتشار]، أي: مع انتشار الذكر، لأن الذكر إذا لم يكن منتشراً لم يكن قد ذاق عسيلتها. قال: [ولو مجنوناً]، أي: ولو كان الزوج الثاني مجنوناً، [أو نائماً] استدخلت ذكره في فرجها وهو نائم لكن ذكره منتشر. قال: [أو مغمى عليه وأدخلت ذكره في فرجها]، وكان منتشراً كما تقدم، [أو لم يبلغ عشراً] أي: ولو كان دون عشر سنين، لكنه جامعها، [أو لم ينزل] لأن العسيلة تنال ولو لم ينزل، فتحصل لذة النكاح ولو لم ينزل، فلا يشترط الإنزال حتى تحل للزوج الأول. قال: [ويكفي تغييب الحشفة]، وهي أعلى الذكر، [أو قدرها من مجبوب]، يعني مجبوب الحشفة فيكفي قدر الحشفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل). قال: [ويحصل التحليل بذلك]، لكن لابد أن لا يكون قد نوى التحليل كما تقدم. إذاً: إذا وطئها فغيب حشفته وكان ذكره منتشراً ولو كان صغيراً أو مجنوناً فإنها بذلك تحل للأول إن طلقها هذا الثاني. قال: [ما لم يكن وطؤها في حال الحيض أو النفاس أو الإحرام أو في صوم الفرض]. لو كان قد عقد عليها لكنه وطئها في رمضان أو وطئها وهي حائض أو وطئها في حال النفاس، قالوا: هذا وطأ محرم، فلا تحل به للثاني. والصحيح وهو من مذهب الأحناف والشافعية واختيار الموفق أنه يحصل به التحليل؛ لأنه حصل المقصود فقد ذاق عسيلتها، وأما كونه يأثم فهذا أمر آخر. وعلى ذلك فلو وطأها في حال حيضها أو طأها في حال صيام فرض فإنها تحلل للأول لكنهما يأثمان، أي: تأثم هي إن كانت قد رضيت ويأثم الزوج الثاني إن كان يعلم وهو مكلف. قال: [فلو طلقها الثاني وادعت أنه وطئها وكذبها فالقول قوله في تنصيف المهر]. لو أن امرأة طلقها زوجها ثم عقد عليها آخر، ثم طلقها الآخر، فادعت هي أنه وطئها، فكذبها وقال: ما وطئت، فإنها تحل للأول لأن القول قولها في ذلك، لكن في باب تنصيف المهر فالقول قول هذا الزوج حتى لا يظلم، فتعطى نصف المهر، وأما ما يتعلق بالوطء فيقبل قولها في الوطء وبذلك تحل للأول. ولذا قال المؤلف: [فلو طلقها الثاني وادعت أنه وطئها وكذبها فالقول قوله هو في تنصيف المهر]؛ لأنه هو الغارم. قال: [وقولها في إباحتها للأول]، فتباح للأول. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم رجوع البائن إلى الأول إذا جامعها الثاني في حالة جنون

حكم رجوع البائن إلى الأول إذا جامعها الثاني في حالة جنون Q ذكر ثم أنه يكفي في المطلقة ثلاثاً أن يجامعها الزوج الثاني ولو مجنوناً حتى تحل للأول، نرجو التوضيح؟ A المجنون مثل غيره يتمتع والمغمى عليه حصل له ذوق العسيلة، لأن المقصود بالذوق هنا الجماع نفسه، وقد يكون الإنسان مريضاً أو قد يطأ المرأة وقتاً يسيراً ثم ينزع قبل ما يتمتع فيطلق عليه أنه جامع. فالجماع نفسه مظنة اللذة، فقد لا يتلذذ الإنسان لكونه مريضاً أو لكونه مشغول البال، ومع ذلك يحصل التحليل.

حكم الرجعة بالقبلة والمس

حكم الرجعة بالقبلة والمس Q إذا طلق زوجته ثم قبلها في العدة أو مسها فذلك دليل على رغبته فيها، فلماذا لا يعد رجعة؟ A بعض العلماء يقول: إنه لو قبل أو مس بنية الرجوع رجعت، لكن الصحيح أنه لابد من وطأ أو قول.

حكم الرجعة إذا خلت عن الشهود

حكم الرجعة إذا خلت عن الشهود Q ما حكم الرجعة إذا لم يشهد عليها؟ وكذلك الطلاق؟ A الرجعة صحيحة ولو لم يشهد لكن الإشهاد فيه حفظ للحقوق، وكذلك الإشهاد على الطلاق فيه حفظ للحقوق.

حكم إعلام الزوجة بالرجعة

حكم إعلام الزوجة بالرجعة Q إذا راجع الرجل زوجته في عدتها وهي عند أهلها ولم يعلمها بذلك حتى انتهت عدتها، فهل تصح الرجعة؟ A لا يشترط الإعلام، يعني: هذا الرجل قال: أنا لا أريد أني أخبر المرأة بالمراجعة، أنا سأكتب هذا وأشهد ثم أتركها عند أهلها لعل الله يصلحها لي، فكتب: أنا فلان ابن فلان قد راجعت زوجتي فلانة في تاريخ كذا وكذا والشاهد فلان وفلان، فحتى لو فوجئ بأن المرأة قد خرجت من عدتها وقالوا: أنت لم ترجع؛ قال: هذا ما يدل على أني أرجعت، فهذا لا بأس فيه ولا حرج.

حكم امتناع المرأة من فراش الزوج السكير

حكم امتناع المرأة من فراش الزوج السكير Q امرأة زوجها شارب للخمر لكنه يصلي ويصوم، وهو ينام في غرفة وهي في غرفة منذ ستة أشهر، فهل تأثم إن مكنته من نفسها؟ A بل يجب عليها أن تمكنه من نفسها إلا إذا كان هجره يفيده، كأن كان امتناعها يبعده عن الحرام ويجعله يتقي الله فإنها تجتنبه لعل الله أن يهديه، وإلا فإنها تمكنه لأنه زوجها ولم يكفر بشربه الخمر فتمكنه من نفسها. والخلاصة أنه إن كان اجتنابها له يؤثر فيه ويقربه إلى الخير فإنها تجتنبه، وأما إذا كان يزيد في شره وقد يذهب يبحث عن نساء ويقع في الحرام أيضاً فإنه ليس لها أن تمنع نفسها منه.

امتناع المطلقة من جماع زوجها في العدة

امتناع المطلقة من جماع زوجها في العدة Q إذا أراد الزوج وطء زوجته المطلقة في العدة لكنها امتنعت عنه، فما حكم ذلك؛ هل ترجع أو لا، وهل تأثم بذلك؟ A يكون الأمر سهلاً، يقول: راجعتك ويطأ، فإذا أراد أن يطأ فقالت: لا، حتى تراجعني، فيقول: راجعتك ويطأ، فالأمر سهل. وهي تأثم إذا أراد أن يطأها فيجب أن تمكنه من نفسها، لأن وطؤها مراجعة لها.

حكم حصول الرجعة بوطء النائم

حكم حصول الرجعة بوطء النائم Q إذا وقع على امرأة مطلقة وهو نائم فهل هذه تعتبر رجعة؟ A ما دام أنه نائم فلا تعتبر هذه رجعة، وهي لا تنام عنده وإنما تكون معه في البيت، أما الرجعة بالوطء فلا تكون إلا من مستيقظ لأن النائم لا عقل معه.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q ما حكم الزواج بنية الطلاق؟ A تقدم شرح هذا في الدورة السابقة وتفصيل كلام أهل العلم، والذي يترجح هو جواز هذا، وهذا قول الجمهور، وأن له أن ينكح بنية الطلاق، بحيث إنه إن أعجبته تركها وإن لم تعجبه طلقها؛ لكن في الغالب تكون نيته أن يطلق. فإن كان ذلك من باب الغش، بمعنى أن أهلها لا يرضيهم هذا، وهي لا يرضيها هذا، وظنت أنه إنما أخذها يريد أن يبقيها فإنه يأثم بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا). وأما إذا كان لا يكرهون هذا كما يقع هذا من علية القوم، حيث كان سادات المسلمين قديماً من الأمراء والملوك يحصل منهم هذا -أي: يأيأي: ينكحون ويطلقون- والناس لا يكرهون هذا، ويعرفون أن الخليفة أو الأمير أو الملك ينكح، وخير لها أن تبقى ولو ليلة عنده، ولا يكرهون هذا، فمثل هذا ليس بغش كما قال شيخ الإسلام، وأما إذا كانوا يكرهون فإن هذا من الغش والغش حرام. ولكن كثيراً من الناس أصبحوا يتساهلون في هذا الباب حتى إنه ربما نكح المرأة وهي في عدتها، ففي بعض البلاد تخرج من زوج إلى زوج قبل أن تنقضي عدتها، وبعضهن اتخذت هذا طريقاً للكسب، فهذا أمر آخر.

حكم الشك بين الطلاق والظهار

حكم الشك بين الطلاق والظهار Q يقول: لقد قلنا: إن الزوج إن شك هل قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أم قال: فأنت علي كظهر أمي، فلا يكون طلاقاً ولا ظهاراً للشك، أليس اليقين هو الأقل فلماذا لا نأخذ بالأقل ونقول: إنه قال أنت علي كظهر أمي حيث إنه أقل من الطلاق؟ A عندما نقول: الأقل، فالأقل هو من الشيء نفسه إما ثلاث أو اثنتان، فنقول: الأقل اثنتان، لكن هذا شيء وهذا شيء آخر، فالطلاق شيء والظهار شيء آخر، والأصل براءة ذمته من الظهار وبراءة ذمته من الطلاق.

معنى القرء المذكور في القرآن

معنى القرء المذكور في القرآن Q ما معنى الأقراء في قوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]؟ A الصحيح أن الأقراء هنا هن الحيض، لا الأطهار. وفيها قولان لأهل العلم، فمنهم من يقول إنها الأطهار، ومنهم من يقول إنها الحيض كما سيأتي إن شاء الله في باب العدد، والراجح أنها ثلاث حيضات.

الاعتداد بقول الإمام أبي حنيفة في النكاح بلا ولي مع مخالفة الحديث

الاعتداد بقول الإمام أبي حنيفة في النكاح بلا ولي مع مخالفة الحديث Q يقول: ذكرتم أن الطلاق يقع بائناً في أربع مسائل ومنها النكاح الفاسد وهو النكاح بلا ولي، فإذا كان قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله مخالفاً للحديث الصحيح فلماذا يعتد به؟ A هذه من المسائل التي فيها خلاف بين العلماء وهي النكاح بلا ولي، فهو رحمه الله يستدل ببعض الأدلة وإن كان الصواب مع الجمهور، لكن نحن نقول: إن النكاح بلا ولي ليس بنكاح فاسد بالنسبة للأحناف الذين يرون ذلك، وأما لو نكح امرأة بلا ولي وهو يرى أنه لابد من الولي في النكاح فإن نكاحه فاسد، لأن الأمر يرجع إلى اعتقاده، كالذي يأكل لحم الجزور وهو لا يرى أنه ناقض ويصلي إماماً بمأمومين يرون أنه ناقض، فهذا لا يؤثر؛ لأن هذا يرجع إلى اعتقاده، فهم يتعاملون معه بناءً على اعتقاده، ونحن كذلك نتعامل مع الأحناف الذين يرون النكاح بلا ولي بناءً على اعتقادهم. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الإيلاء

دليل الطالب_كتاب الإيلاء قد يقع من الرجل أن يحلف ألا يطأ زوجته أربعة أشهر أو أكثر، أو يمتنع من ذلك بغير يمين، وهذا هو الإيلاء، وقد يظاهر من زوجته فيشبهها بأمه أو إحدى محارمه، وهذا هو الظهار. وقد ذكر الله حكم الإيلاء والظهار في القرآن الكريم، ولذلك ينبغي على المسلم تجنب ذلك والتعرف على أحكامه.

أحكام الإيلاء

أحكام الإيلاء

تعريف الإيلاء وحكمه

تعريف الإيلاء وحكمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الإيلاء]. الإيلاء: هو الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر. وهو من آلى الرجل إذا حلف، ومنه الألية يعني اليمين. فإذا قال رجل لامرأته: والله لا أطؤك سنة، فقد حلف أن لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، أو قال: والله لا أطؤك ستة أشهر، فهذا هو الإيلاء. قال جل وعلا: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]. فإن حلف أربعة أشهر فقط أو أقل منها فهذا ليس بإيلاء، أي: لا يترتب عليه حكم الإيلاء، ولكن هل يجوز أم لا يجوز، إن كان ذلك يضر بالمرأة فإنه لا يجوز، وقد تقدم أنه يجب على الزوج أن يطأ امرأته بقدر كفايتها، بحيث لا يضر ببدنه ولا بمعاشه، وذلك لأن المرأة يجب على زوجها أن يعاشرها بالمعروف، ومن ذلك أن يطأها بقدر كفايتها بحيث لا يضر نفسه ولا معاشه، وقد آلى النبي عليه الصلاة والسلام من نسائه شهراً، كما في الصحيحين. قال: [وهو حرام]. الإيلاء حرام [كالظهار] لأنه ترك واجب، وهو الوطء.

من يصح إيلاؤه ومن لا يصح إيلاؤه

من يصح إيلاؤه ومن لا يصح إيلاؤه قال المؤلف: [ويصح من زوج يصح طلاقه]، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة:226] فيصح من الزوج. أما السيد لو آلى من أمته فهذا لا يعد إيلاءً، يعني: ليس له حكم الإيلاء. وكل زوج يصح طلاقه يصح إيلاؤه، وعلى ذلك فالصبي المميز يصح إيلاؤه، ولكن ليست عليه كفارة لأن الصبي الذي لم يبلغ الحلم لا كفارة عليه. فإذا حلف ابن عشر سنين مثلاً وهو لم يبلغ، ألا يفعل ففعل فلا كفارة عليه، لأن قلم التكليف لم يجر عليه. قال: [سوى عاجز عن الوطء إما لمرض لا يرجى برؤه أو لجب -بفتح الجيم- كامل أو شلل]، إذا امتنع عن الوطء بسبب العجز فلا يكون هذا إيلاءً. أو امتنع لمرض لا يرجى برؤه، كما لو أصيب بالسرطان مثلاً فلم يجامع امرأته أكثر من أربعة أشهر، فلا يعد هذا إيلاءً، لأنه إنما امتنع لعجزه. وكذلك إذا جب ذكره فلم يبق له ذكر فهذا امتناع للعجز لا لليمين. كذلك الامتناع بسبب الشلل لأن الامتناع هنا ليس لليمين، وإنما هو للعجز.

صفة الحلف في الإيلاء

صفة الحلف في الإيلاء قال: [فإذا حلف الزوج بالله تعالى أو بصفة من صفاته أنه لا يطأ زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر صار مؤليا]، كما تقدم شرحه، لأن الله جل وعلا يقول: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]. إذاً: إذا حلف بالله أو بشيء من صفاته، وقال جمهور العلماء وهو رواية عن أحمد: كذلك إذا حلف بالطلاق، أو حلف بالعتق أو حلف بنذر، لأنها أيمان، فلو قال: يا فلانة إن وطئتك قبل سنة فأنت طالق، فهذا إيلاء لأنه حلف بالطلاق. أو قال: يا فلانة إن وطئتك لأقل من سنة فعبيدي أحرار، فهذا حلف بالعتق. أو قال: يا فلانة إن وطئتك لأقل من سنة فعلي صيام شهر، فهذا حلف بالنذر، وكل هذا يعد إيلاءً؛ لأنها كلها أيمان. كذلك إذا امتنع عن وطئها بلا يمين وهو المشهور في المذهب، فإذا امتنع وحرم وطأها وقال: لن أطأك فامتنع عن وطئها بلا يمين فله حكم اليمين؛ لأن المقصود دفع الضرر عنها، فإذا هجر فراشها وامتنع عن وطئها، فإن كان ذلك لأكثر من أربعة أشهر فإنه يخير بين الفيء وبين الطلاق لدفع الضرر عنها. إذاً: سواء كان هذا الامتناع بيمين كيمين طلاق أو يمين عتق أو كان حالفاً بالله أو امتنع بلا يمين، لأن المقصود هو دفع الضرر عنها.

ما يحكم به على المولي

ما يحكم به على المولي قال المؤلف: [ويؤجل له الحاكم إن سألت زوجته ذلك أربعة أشهر من حين يمينه]، لأن هذا حقها، فإذا ذهبت المرأة إلى القاضي وقالت: أيها القاضي إن زوجي قد امتنع عن وطئي، أو إن زوجي قد حلف ألا يطأني، أو إن زوجي قد حلف بالطلاق أن لا يطأني، فما الحكم؟ يؤجل له القاضي أربعة أشهر من اليوم الذي حلف فيه، فإذا قالت: إنه حلف قبل شهرين، فإنه يبقى شهران، لأن الله سبحانه وتعالى قد حدد المدة، فلا تفتقر إلى ضرب حاكم لها. [ثم يخير بعدها بين أن يكفر ويطأ]، فيقال له: إما أن تكفر عن يمينك وإما أن تطأ، قال: [أو يطلق]، قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]. إذاً: إذا فاء فعليه الكفارة، وإن عزم الطلاق فلا كفارة عليه لأنه لم يحنث في يمينه، قال: [فإن امتنع من ذلك]، فقال: لا أطلق ولا أطأ، [طلق عليه الحاكم] أي القاضي. قال الحنابلة في المشهور عندهم: يطلق واحدة أو ثلاثاً أو يفسخ، يعني إن شاء القاضي طلق واحدة، وإن شاء القاضي طلق ثلاثاً، وإن شاء القاضي فسخ نكاحهما. والذي يترجح أنه يطلق واحدة، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لأن الطلاق الثلاث منهي عنه، والنص في الطلاق لا في الفسخ، {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]. وعلى ذلك فيطلق عليه القاضي واحدة. وذكر القاضي أن المنصوص عن الإمام أحمد أنها طلقة بائنة، وهذا هو الصواب، وعلى ذلك يطلق القاضي واحدة ولكن فيها بينونة، وهي بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد جديد، وبهذا يدفع الضرر عن هذه المرأة.

تعريف الظهار وحكمه

تعريف الظهار وحكمه

تعريف الظهار

تعريف الظهار قال المؤلف رحمه الله: [كتاب الظهار]. الظهار مأخوذ من قوله: أنت علي كظهر أمي، لأن المرأة كالظهر للرجل لأن الظهر يركب، فالمرأة كالظهر للرجل. قال جل وعلا في كتابه الكريم: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] وعلى ذلك فالظهار حرام، فهو منكر من القول وزور. قال المؤلف: [وهو أن يشبه امرأته]، يعني الزوج يشبه امرأته [أو عضواً منها]، كفرجها أو يدها، وقلنا في درس سابق إن المرأة لا تتبعض حلاً وحرمة، فإذا حرم بعضها حرم كلها، [بمن يحرم عليه من رجل أو امرأة أو بعضو منه، فمن قال لزوجته: أنت أو يدك علي كظهر أو كيد أمي أو كظهر أو يد زيد، أو أنت علي كفلانة الأجنبية، أو أنت علي حرام، أو قال: الحل علي حرام، أو ما أحل الله لي حرام، صار مظاهراً]. إذا حرم امرأته فقال: أنت علي حرام، أو فراشك علي -يعني جماعها- حرام، أو شبهها بمن تحرم عليه، فقال: أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر فلانة -أخته- ونحو ذلك ممن يحرم عليه، كما لو قال: أنت علي كظهر أمك أو كظهر زيد، فهذا تحريم للمرأة. إذاً: لا يشترط لفظ: أنت علي كظهر أمي، بل لو قال: أنت علي حرام، أو أنت علي كفلانة -أخته- فإن ذلك ظهار.

حكم ظهار المرأة

حكم ظهار المرأة فإن كانت المرأة هي التي شبهته، فقالت: يا فلان، أنت علي كظهر أبي، أو قالت: أنت علي حرام، فما الحكم؟ A هذا ليس بظهار، لأن الظهار إنما يكون من الرجل الذي يملك طلاق المرأة، ولذا قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]. ولكن ماذا يجب على المرأة؟ الجواب: من أهل العلم من قال: عليها كفارة ظهار كالحنابلة في المشهور عندهم. ومنهم من قال: لا شيء عليها، لا كفارة ظهار ولا كفارة يمين، وهو قول الجمهور. ومنهم -وهو رواية عن الإمام أحمد وقول عطاء - من قال: عليها كفارة يمين، وهذا هو الراجح. إذاً: المرأة إذا حرمت زوجها عليها، فقالت: أنت علي حرام، أو جماعك علي حرام، فإن عليها كفارة يمين، لقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] إلى أن قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]. هذا هو الراجح، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

حكم قول الرجل أنت علي كأمي أو علي الظهار ونحو ذلك

حكم قول الرجل أنت علي كأمي أو علي الظهار ونحو ذلك قال: [وإن قال: أنت علي كأمي، أو مثل أمي وأطلق فظهار]، لأنه شبهها بأمه. قال: [وإن نوى في الكرامة ونحوها فلا]، اختلفت هي وأخته أو اختلفت هي وأمه، فبين لها قدرها لئلا تظن أنه ينحاز مع أمه أو مع أخواته، فقال: أنت كأمي أو أنت كأختي، يعني في الكرامة، فلا يعد هذا ظهاراً. قال: [وأنت أمي أو مثل أمي]، هذا كما تقدم لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى، أو كان هناك قرينة. فلو أن رجلاً غضب على امرأته وأساء إليها بكلام وبينه وبينها خصومة وقال: أنت كأمي، أثناء الخصومة ثم ادعى أنه يريد أنها كأمه في الكرامة لم يقبل هذا، لأن الخصومة تدل على أنه أراد الظهار. [أو علي الظهار أو يلزمني]، يعني الظهار، [ليس بظهار إلا مع نية أو قرينة]. إذا قال: علي الظهار، أو يلزمني الظهار فإنما يكون ظهاراً إذا نوى، فإذا لم ينو فله كما تقدم لو قال: علي الحرام في مسألة سابقة؛ لأنه هنا لم يعين شيئاً معيناً. هنا قوله: علي الظهار، ما هو الذي حرمه على نفسه وجعله كظهر أمه، هل هو ما نهاه الله عنه من الفجور، أم هو ما لو يوطأ من حيوان أو غيره، هو لم يحرم على نفسه شيئاً معيناً، وعلى ذلك فإذا قال: علي الظهار أو يلزمني الظهار، فإنما يكون ظهاراً بالنية أو القرينة. قال: [أو أنت علي كالميتة أو الدم أو الخنزير يقع ما نواه من طلاق وظهار ويمين]، إذا قال: أنت علي كالميتة أو الدم أو قال: أنت علي كالخنزير فنرجع إلى نيته، فإن قال: نويت الطلاق، فيكون طلاقاً، وإن قال: نويت الظهار فيكون ظهاراً. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لو قال: أنت علي حرام وقال: أريد الطلاق أنه لا يكون طلاقاً، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لأن هذا اللفظ لا يحتمل الطلاق وإنما يحتمل الظهار، وهذا هو الصحيح، وهنا كذلك، فإذا قال: أنت علي كالميتة أو الدم نقول: هذا ظهار ولا يعد طلاقاً، ولو قال: أريد الطلاق أو نويت الطلاق، لأن هذا اللفظ لا يحتمل الطلاق. قال: [فإن لم ينو شيئاً فظهار]. إذا قال: أنت علي حرام أو قال: أنت علي كالميتة والخنزير، فإن هذا يعد ظهاراً إذا لم ينو شيئاً. إذاً: إذا قال: أنت علي كالميتة أو قال: أنت علي حرام، فنقول: هذا ظهار إذا نوى الظهار، وإذا لم ينو شيئاً فهو كذلك ظهار لأن اللفظ دال على ذلك. فإن قال: نويت الطلاق فعلى قولين: المشهور في المذهب أنه يكون طلاقاً والراجح أنه لا يكون طلاقاً بل هو ظهار، وعلى ذلك فتحريم المرأة ظهار على كل حال، وكذلك إذا قال: أنت علي كالميتة والخنزير، فهذا ظهار على كل حال على الصحيح.

من يصح ظهاره

من يصح ظهاره ثم قال رحمه الله: [فصل؛ ويصح الظهار من كل من يصح طلاقه]، كل زوج يصح طلاقه فإن ظهاره يصح، وعلى ذلك فالمميز يصح طلاقه، ويصح ظهاره. وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله: بل لا يصح ظهار المميز. لو أن ابن ثمان سنين زوجه أبوه فظاهر وقال: أنت علي كظهر أمي، فالمشهور في المذهب أن هذا ظهار، وإن لم تكن عليه كفارة. والقول الثاني وهو الراجح وهو اختيار الموفق أنه لا ظهار على الصبي المميز، وذلك لأن الله قال في كتابه الكريم: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] والمميز لا يصدق عليه ذلك، لأنه لم يجر عليه قلم التكليف. ولأن الظهار يمين واليمين لا تقع من غير المكلف. قال: [منجزاً]. لو قال: أنت علي كظهر أمي، فهذا ظهار منجز. قال: [أو معلقاً]، كأن قال: يا فلانة إن خرجت من الدار فأنت علي كظهر أمي. [أو محلوفاً به]، كأن قال: يا فلانة إن ذهبت إلى السوق فأنت علي كظهر أمي، فهذا محلوف به لأنه يريد منعها. إذاً الظهار كالطلاق، فكما أن الطلاق يقع منجزاً ومعلقاً ومحلوفاً به، فالظهار كذلك يقع منجزاً ومعلقاً ومحلوفاً به.

حكم الظهار من الأجنبية

حكم الظهار من الأجنبية قال: [فإن نجزه لأجنبية أو علقه بتزويجها أو قال لها: أنت علي حرام ونوى أبداً، صح ظهاراً، لا إن أطلق أو نوى إذاً]، تقدم أن طلاق الأجنبية لا يقع، لو أن رجلاً قال: إن نكحت فلانة فهي طالق لم يقع. لأن الله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:49] فالطلاق لا يقع إلا بعد النكاح لأنه حل عقد النكاح، أما الظهار فإنه يقع، لأن الظهار يمين مغلظة. ولذا قال المؤلف: (فإن نجزه لأجنبية) أي: قيل له: تزوج فلانة، فقال: فلانة علي كظهر أمي، أو قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، فهذا ظهار، لأن الظهار يمين، فصح قبل النكاح، لكن قال: (أو قال لها: أنت علي حرام ونوى أبداً صح ظهاراً). إذا خاطب امرأة أو قال له أهله: تزوج فلانة فقال: فلانة علي حرام، فإن أراد الآن لم تؤثر هذه النية، لأنها الآن هي كذلك حرام عليه، لكن إذا أراد بقوله: فلانة علي حرام، أن ذلك أبداً فهذا ظهار. ولذا قال المؤلف: أو قال لها أنت علي حرام ونوى أبداً صح ظهاراً. قوله: (لا إن أطلق)، أي: إذا لم ينو ولا الآن. قوله: (أو نوى إذاً) يعني نوى الآن. فإذاً إذا أطلق أو نوى الآن فلا يكون هذا ظهاراً؛ لكن إذا نوى أبداً فهو ظهار. إذاً: إذا قال فلانة علي حرام، ونوى أنها حرام عليه أبداً فهذا ظهار، أو قال: فلانة علي كظهر أمي، أو قال: إن تزوجتها فهي علي كظهر أمي، فهذا كله ظهار، وعلى ذلك فإذا نكحها فعليه كفارة الظهار.

حكم الظهار المؤقت

حكم الظهار المؤقت قال: [ويصح الظهار مؤقتاً]. هذا رجل لما دخلت عليه العشر أراد أن يمنع نفسه من امرأته، فقال: يا فلانة أنت علي كظهر أمي في هذه العشر الأواخر من رمضان، فهذا ظهار مؤقت، فإن حافظ على يمينه فلم يطأها في العشر فلا شيء عليه، وإن وطئها في العشر فعليه كفارة الظهار. وقد جاء في سنن الترمذي -والحديث صحيح- أن سلمة بن صخر رضي الله عنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان، فأصابها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، وهذا ظهار مؤقت. لو قال: يا فلانة أنت علي كظهر أمي هذه الليلة، فإذا وطئها هذه الليلة فعليه كفارة ظهار، وإذا وطئها في الليلة المقبلة أو في الغد فلا شيء عليه. قال: [كأنت علي كظهر أمي شهر رمضان. فإن وطئ فيه فمظاهر وإلا فلا].

ما يحرم على المظاهر

ما يحرم على المظاهر قال: [وإذا صح الظهار حرم على المظاهر الوطء ودواعيه قبل التكفير]. هذا رجل قال: يا فلانة أنت علي كظهر أمي، فهذا ظهار، فيحرم عليه أن يطأ، ويحرم عليه ما دون الوطء من قبلة أو مس ونحو ذلك حتى يكفر، قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس في الترمذي وغيره في قصة المظاهر، قال: (فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به)، ولذا قال الله جل وعلا: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3]. إذاً: إذا ظاهر رجل امرأته قلنا له: ليس لك أن تقربها لا بوطء ولا بقبلة ولا نحو ذلك حتى تكفر كفارة الظهار. قال: [فإن وطئ ثبتت الكفارة في ذمته]، والوطء هو العود المذكور في قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:3] وذلك عند جمهور العلماء، ولذا قال المؤلف: [فإن وطئ ثبتت الكفارة في ذمته]، لقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:3] قال: [ولو مجنوناً]، بأن ظاهر وهو عاقل ثم جن ووطئ. لكن لو ظاهر وهو مجنون، لم يكن عليه شيء لأن القلم مرفوع عنه. قال: [ثم لا يطأ حتى يكفر]، لما تقدم. قال: [وإن مات أحدهما قبل الوطء فلا كفارة]. هذا رجل قال: يا فلانة أنت علي كظهر أمي، ثم مات قبل أن يطأها، فليس عليه كفارة تخرج من تركته، لأن الكفارة لا تجب إلا بالعود، والعود هو الوطء، فالكفارة تكون قبل الوطء، لكنها لا تتعلق بالذمة إلا بالوطء.

كفارة الظهار

كفارة الظهار

كفارة الظهار على الترتيب فيبدأ بعتق رقبة مؤمنة

كفارة الظهار على الترتيب فيبدأ بعتق رقبة مؤمنة قال: [فصل: والكفارة فيه على الترتيب: عتق رقبة]، قال جل وعلا: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3]. وهي على الترتيب لأن الله جل وعلا رتبها في القرآن، فالواجب عليه [عتق رقبة مؤمنة] لأن الله قيد الرقبة في كفارة القتل بالإيمان، فالقيد الذي هناك يقيد به الإطلاق الذي هنا، لأن الحكم متحد. فهنا قال الله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] فأطلق ولم يقيد ذلك بالإيمان؛ لكن الإيمان قيد في تحرير الرقبة في كفارة القتل والحكم متحد، فالقياس يقتضي أن تقيد هذه الآية كذلك. وأيضاً: لقول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (أعتقها فإنها مؤمنة). قال: [سالمة من العيوب المضرة في العمل]. يعني: تضر بالعمل ضرراً بيناً، لأن المقصود أن يعمل هذا العبد الذي حررناه أو هذه الأمة التي حررناها، لكن لو أنه أعتق عبداً أشل لا يعمل، فيكون قد تخلص منه ومن النفقة عليه، فلابد أن يعتق رقبة تقدر على العمل. قال: [ولا يجزئ عتق الأخرس والأصم] لما تقدم من أن هذا نقص. قال: [ولا الجنين] لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا.

التكفير بالصوم إذا عدمت الرقبة

التكفير بالصوم إذا عدمت الرقبة قال: [فإن لم يجد صام شهرين متتابعين]، وينهى عن الجماع في مدة هذين الشهرين، لقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3]. لكن لو جامع في الليل فلا يلزمه الاستئناف في أصح القولين وهو قول الشافعية. والحنابلة يرون أنه يستأنف، والصحيح أنه لا يستأنف كالإطعام، أي: كما أنهم في الإطعام يقولون: لو أطعم اليوم عشرة وغداً عشرة وجامع بين ذلك فليس عليه الاستئناف، فكذلك هنا في الجماع، ولأن في ذلك مشقة. فإذاً نقول: ينهى عن الجماع في الشهرين المتتابعين، لكن لو جامع فأصح القولين وهو مذهب الشافعية أنه لا يؤمر باستئناف الشهرين من جديد. وقوله: [صيام شهرين متتابعين]، أي: لا يقطع ذلك إلا في يوم عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق، والمرأة تقطع ذلك لأيام عادتها. وإذا تخلل ذلك شهر رمضان فلا بأس، فلو صام شعبان ثم جاء بعد ذلك رمضان ويوم العيد فإنه يصوم ثاني أيام شوال ويكمل ثلاثين يوماً، وله أن يفطر كما هو المشهور في المذهب فيما يبيح الفطر في رمضان، فإذا سافر فله الفطر وإذا مرض فله الفطر، لأن هذا جائز في رمضان فأولى من ذلك في هذا الصيام الذي هو دون رمضان، وهذا هو الصحيح. قال: [ويلزمه تبييت النية من الليل]، لأن هذا صيام واجب.

التكفير بالإطعام عند العجز عن الصيام

التكفير بالإطعام عند العجز عن الصيام قال: [فإن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم ستين مسكيناً]، ولابد من هذا العدد لأن الله نص على ذلك. قال: [لكل مسكين مد بر]، يعني ربع صاع من البر، والأرز مثل البر، وهو يساوي ثلاثة أرباع الكيلو، لأن الصاع ثلاثة كيلو جرامات. قال: [أو نصف صاع من غيره]، يعني: من تمر ونحو ذلك. قال: [ولا يجزئ الخبز ولا غير ما يجزئ في الفطرة]، يقول: الخبز لا يجزئ، وكل ما لا يجزئ في الفطرة وهي الخمسة المذكورة في الحديث. والصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم أن ما عد طعاماً في العرف فيصح أن يتصدق به، وعلى ذلك فلو وضع في الخبز لحماً أو إداماً فإنه يجزئ؛ لأن هذا طعام في العرف، والله جل وعلا قال: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:4] وهذا إطعام، هذا هو الصحيح. وعن الإمام أحمد وهو مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه لو صنع طعاماً يكفي ستين مسكيناً فإنه يكفي، كما لو أتى بصحون فيها أرز مطبوخ أو فيها ثريد وجمع ستين مسكيناً فأشبعهم، فإن ذلك يجزئ، ويدل على ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الدارقطني لما أفطر شهراً من رمضان لكبر سنه أتى بجفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكيناً فأشبعهم. قال: [ولا يجزئ العتق والصوم والإطعام إلا بالنية]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فلابد أن يعتق بنية أن ذلك كفارة ظهار، ولابد أن يصوم بنية أن ذلك كفارة ظهار، ولابد أن يطعم بنية أن ذلك كفارة ظهار، لأن هذه عبادة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الطلاق والظهار من حيث الوقوع قبل النكاح

الفرق بين الطلاق والظهار من حيث الوقوع قبل النكاح السؤال يقول: كيف نوفق بين أنه لا طلاق لأجنبية قبل النكاح وبين قول المؤلف: (أنت علي حرام ونوى به أبداً صح الظهار)؟ A الظهار يمين، فإذا قال: فلانة علي كظهر أمي إن نكحتها، أو أنت علي حرام ونوى أنها حرام أبداً فهذه يمين الظهار، وأما الطلاق فليس بيمين، فلا طلاق قبل النكاح، لو قال: فلانة طالق، وكان هذا قبل النكاح، فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح، أما الظهار فإن الظهار يمين، واليمين تقع على الأمر المستقبل الذي لم يقع بعد.

حكم الجماع يوم العيد المتخلل لصيام الكفارة عن الظهار

حكم الجماع يوم العيد المتخلل لصيام الكفارة عن الظهار Q يقول: إذا حصل أن كان بين أيام صيام الكفارة عيد، فهل له الجماع؟ A ليس له الجماع.

حكم الغياب عن الزوجة مدة الإيلاء

حكم الغياب عن الزوجة مدة الإيلاء Q إذا سافر الرجل فغاب عن زوجته أكثر من أربعة أشهر فهل يعد مولياً كالممتنع عن الجماع بغير يمين؟ A إذا سافر الزوج ثم ترك وطأها لسفره، فهذا باب آخر؛ لأن هذا يحتاج إلى السفر لأمر معاشه، لكن إذا كان قد حلف وسافر فهذا إيلاء، أما إذا ترك وطأها للسفر وهو يحتاج إلى هذا السفر في أمر معاشه فهذا لا حرج عليه؛ لأنه يضره أن يمتنع عن السفر من أجل وطئها، وذلك لأن الإيلاء حلف، أما السفر فلا يعد إيلاءً، أيه.

حكم مدة الاعتكاف في الإيلاء

حكم مدة الاعتكاف في الإيلاء Q إذا سافر الرجل أو اعتكف بعد الإيلاء، فهل تحسب المدة في الإيلاء؟ A لأنه عذر من جهته هو، فلو أنه سافر بعد الإيلاء أو اعتكف فإن هذا يحسب، لكن لو كان عذر من جهتها هي كأن كانت مسافرة فلا يحسب ويستأنف من جديد.

حكم الإيلاء المؤقت

حكم الإيلاء المؤقت Q هل يجوز الإيلاء المؤقت؟ A هو قد يؤقت الإيلاء كأن يقول: والله لا وطئتك شهراً، فإذا تركها شهراً فلم يطأها فلا شيء عليه، إلا أن يضرها ذلك، فإن مضى الشهر فلا كفارة عليه.

حكم الطلاق قبل الدخول

حكم الطلاق قبل الدخول Q تقول: ما هي عدة المطلقة قبل الدخول، وهل يجب أن يعطيها كل المهر أو النصف؟ A المطلقة قبل الدخول لا عدة لها، وتعطى نصف المهر نعم.

عدة المختلعة

عدة المختلعة Q وما هي عدة الختلعة بعد الدخول؟ A بعض العلماء يرى أن عدتها ثلاث حيض، والصحيح أن عدتها حيضة واحدة. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب اللعان

دليل الطالب_كتاب اللعان قد يحصل أن يقذف الرجل زوجته بالزنا، فإذا لم يأت ببينه على ما قال أمر بالملاعنة وإلا حد أو عزر، والفقهاء يذكرون أحكام اللعان وصفته وما يترتب عليه، نسأل الله العافية.

تعريف اللعان ومشروعيته

تعريف اللعان ومشروعيته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب اللعان]. اللعان مشتق من اللعن، وذلك لأن الملاعن يلعن نفسه في الخامسة إن كان من الكاذبين. وأما تعريفه في اصطلاح الفقهاء فيأتي في كلام المؤلف رحمه الله تعالى. قال: [إذا رمى الزوج زوجته بالزنا فعليه حد القذف أو التعزير]. قال: إن فلانة زانية، أو إن الحمل الذي في بطنها من الحرام، فإن هذا الزوج يقام عليه الحد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: (البينة وإلا حد في ظهرك)، فإذا قذفها فإنه يحد حد القذف. قال هنا المؤلف: [أو التعزير]، هذا إذا كانت غير محصنة، كأن تكون كتابية كما سيأتي هذا في حد القذف. فيعزره القاضي إما بجلد كأن يجلده عشرة أسواط أو أن يحبسه بما يراه القاضي رادعاً. قال: [إلا أن يقيم البينة]، فإذا أقام بينة فأتى بالشهود الأربعة فإنه يسلم من الحد، وكذلك إذا أقرت المرأة أنها زانية. هذا كله ليس بحثنا في هذا الدرس، وإنما هو كالمقدمة، وهذا كله يأتي شرحه في حد الزنا وفي القذف، لكن قال هنا: [أو يلاعن]. قال: أنا ما عندي بينة والمرأة لم تقر، نقول له: نقيم عليك الحد إلا أن تلاعن، فإذا لاعن درأ عن نفسه الحد، هذا كله إذا كان المرأة تطالب بحقها. قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6 - 9]. وعلى ذلك فاللعان لا يكون إلا بين الزوجين، فلو أن رجلاً قذف أجنبية ليست زوجة له، فالملاعنة لا تدرأ عنه الحد، فالحد إنما يدرأ عن الزوج للملاعنة، وذلك لأن الرجل يبعد أن يقف أمام رءوس الأشهاد ويرمي امرأته بالزنا ويلاعنها إلا وهو صادق.

صفة اللعان

صفة اللعان قال: [وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ويشير إليها]، يقول ذلك عند القاضي لأنها دعوى، وهل ما يقوله شهادات أو أيمان؟ الصحيح وهو قول الجمهور أنها أيمان مؤكدة بالشهادة، ولذا قال الله جل وعلا: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6] فقوله: (بالله) هذا قسم. فإذاً هي أيمان مؤكدة بالشهادة، والشهادة تأتي بمعنى اليمين، ومنه قول الله جل وعلا: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]. ثم قال بعد ذلك: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16]. والذي يترتب على ذلك أن من صحت يمينه صح لعانه، وعلى ذلك يصح لعان الفاسق لأن يمينه تصح، ولذا فإذا حلف الفاسق فعليه الكفارة، وليس معناه أنها تقبل عند القاضي، فهذا كلام آخر، على أن يمينه أيضاً تقبل عند القاضي، إذا لم يأتي الخصم بالبينة. ولا يصح لعان الصبي المميز، لأن يمينه لا تصح، فالصبي المميز لو حلف فقال: والله لا أفعل كذا ثم فعل فليس عليه كفارة لأنه غير مكلف. ويلاعن الزوج أولاً قبل المرأة؛ لأن الله عز وجل قد بدأ به، ولأنه هو المدعي، ولأن جانبه أقوى لأن الغالب أنه هو الصادق، فيبعد أن يرمي امرأته بالفاحشة على رءوس الأشهاد ويلاعنها على ذلك إلا وهو صادق. ولذا فإنه يبدأ به أولاً، فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويشير إليها إن كانت حاضرة أو يسميها بما تتميز به. قال: [ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين]، والمستحب أن يعظه القاضي ويذكره، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الملاعن ووعظه وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يعني: تحمل أن تجلد ثمانين جلدة ولا ترم هذه المرأة بالزنا إن كنت تعلم أنك كاذب، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم دعا المرأة ووعظها كذلك. وفي سنن أبي داود والنسائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول: إنها موجبة)، يعني: توجب اللعن. قال: [ثم تقول الزوجة أربعاً: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين]، تقول هذا في الخامسة، وهنا عبر بالغضب، لأن الغالب أنها كاذبة في هذا المقام؛ لأن الرجل يبعد أن يرميها على رءوس الأشهاد ويلحق بنفسه عاراً إلا وهو صادق، والغضب إنما يكون ممن يعلم الحق ويعمل بخلافه أو يقول بخلافه. قال: [ويسن تلاعنهما قياماً]، يعني: يقوم وتقوم، كما جاء هذا في البخاري، [بحضرة جماعة] أي: يحضر جماعة. قال: [وأن لا ينقص عن أربعة]، وقد جاء في البخاري عن سهل بن سعد في قصة الملاعنة قال: (كنت مع الناس عند النبي عليه الصلاة والسلام). وجاء أن ذلك كان في المسجد كما ثبت أيضاً في البخاري من حديث سهل بن سعد، فيستحب أن يكون في المسجد، ويستحب أن يكون قياماً، وأن يحضر ذلك جماعة من الناس. والمؤلف قال هنا: [أن لا ينقص عن أربعة رجال]، ليشهدوا على المرأة إذا أقرت به. قال: [وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة]، وتقدم شرح هذا.

شروط اللعان

شروط اللعان ثم قال: [فصل. وشروط اللعان ثلاثة: أحدها: كونه بين زوجين مكلفين]، لأن الله جل وعلا قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور:6]. وقوله: (مكلفين) لأن اليمين إنما تصح من المكلف، وعلى ذلك فإذا رمى امرأته وهي صبية لم تبلغ ومثلها يوطأ كبنت تسع سنين، فإذا طلبت فإنه يتربص بها حتى تبلغ وتكون الملاعنة بعد البلوغ. قال: [الثاني: أن يتقدمه قذفها بالزنا]. ولو كان ذلك في دبر. فإذا قذفها بالزنا كان اللعان، فلا لعان من غير قذف بالزنا. وعلى ذلك لو قال الرجل: أنا لا أتهمها بالزنا، لكن هذا الولد ليس مني، فقد تكون وطئت بشبهة أو هي مكرهة فلا لعان، وليس له أن ينفي هذا الولد، وعلى ذلك فلا يكون اللعان إلا بقذف سابق بأن يقذفها بالزنا، وهذا هو ظاهر الأدلة. قال: [الثالث أن تكذبه]، فلو صدقته وقالت: إنها زانية، فلا لعان، ويقام عليها الحد. [ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان]، لو أنها رجعت أثناء وقوفها أمام الناس وخافت حين وعظت وذكرت فأقرت، فلا يستمر اللعان.

الأحكام التي تثبت باللعان

الأحكام التي تثبت باللعان قال: [ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكام]. إذا ثبت التلاعن فما الذي يترتب على ذلك من الأحكام؟ قال: [الأول: سقوط الحد أو التعزير]، فالرجل يكون بذلك قد درأ العذاب عن نفسه، فلا يقام عليه حد ولا تعزير. [الثاني: الفرقة ولو بلا فعل حاكم]، فيفرق بينهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (لا سبيل لك عليها). وفي صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالرجل، فشهد أربع شهادات، ثم ثنى بالمرأة، ثم فرق بينهما). وفي سنن أبي داود: (مضت السنة أن المتلاعنين يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً). فإذاً لا يجتمعان أبداً، فلا يقول بعد ذلك: أريد أن أعقد عليها أو أنكحها. أما إذا أقرت أثناء ذلك فيقام عليها الحد وحدها، فإن كانت محصنة فحدها الرجم، وإن كانت غير محصنة فإنها تعزر. وقوله: (الفرقة ولو بلا فعل حاكم)، يعني لا ننتظر إلى أن يحكم الحاكم بالفرقة، بل لا سبيل له عليها. ولذا قال: [الثالث: التحريم المؤبد]، فلا تحل له أبداً. ثم قال: [الرابع: انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحاً كأشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي]. إذاً: لا ينتفي الولد بمجرد اللعان حتى ينفيه، فإذا نفاه انتفى، وإذا لم ينفه لم ينتف. إذاً: إذا نفاه صريحاً وقال: ما هذا ولدي، فإن الولد ينتفي، لكن إذا لم يتعرض له بنفي فإنه لا ينفى. وهل يشترط أن يكون اللعان لنفي الولد عند الوضع أم يصح وهي حامل؟ قولان: أصحهما أنه يصح اللعان وهي حامل، ولا يشترط أن ينتظر في اللعان حتى تضع. وذلك لأن الرجل في قصة الملاعنة قد أنكر حملها كما في البخاري وكانت الملاعنة وهي حامل. فإن قيل: إنه ليس بمستيقن، فقد يكون هذا الحمل ريحاً؟ ف A أنا لا نبني على الظن، ولذا فإن الحامل تفطر في رمضان، إذا خافت على نفسها وعلى ولدها، وهذا بناء على الظن، ويؤخر عنها الحد وهي حامل بناء على الظن. إذاً: لا ينتظر حتى تضع، فلو نفاه وهي حامل صح النفي. هذا رجل رمى امرأته بالزنا ولم ينف الولد، وهنا يأبى الولد ودعي لولده بالصلاح مثلاً فقال: آمين ونحو ذلك، ثم أراد أن ينفيه بعد ذلك، فلا يقبل. كذلك أيضاً: لا يتراخى في النفي، وذلك لأنه خيار لدفع الضرر، فلابد أن يكون فوراً؛ لأن تراخيه دليل رضاه. فلابد أن ينفيه فوراً إلا أن يكون غائباً أو لم يعلم بالحمل، أما إذا علم بالحمل وتراخى ولم ينفه فليس له أن ينفيه بعد ذلك، لأنه خيار شرع لدفع الضرر فكان على الفور كخيار الشفعة. إذا شهد الرجل أربع شهادات بالله ثم لعن نفسه في الخامسة إنه لمن الصادقين، ثم إن المرأة قيل لها: احلفي فأبت أن تحلف، فما الحكم؟ المشهور في المذهب أنه يخلى سبيلها، والقول الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام وهو مذهب المالكية قالوا: بل لا يخلى سبيلها وإنما يقام عليها الحد، وهذا هو الراجح. لأن الله جل وعلا قال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:8] فظاهر هذه الآية أنها إن لم تشهد فإن العذاب لا يدرأ عنها، وعلى ذلك فلا يخلى سبيلها إذا لم تلاعن ونكلت، بل يقام عليها الحد.

ما يلحق من النسب

ما يلحق من النسب قال: [فصل فيما يلحق من النسب]، أي: فيما يلحق من نسب الولد. [إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة]، يعني بعد ستة أشهر من العقد، فإنه ينسب له لقوله جل وعلا: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15]، وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] فبقي للحمل ستة أشهر، فهذا هو أقل الحمل، وهذا هو قول علي رضي الله عنه وجماعة من الصحابة، ولا يعلم له مخالف. وعلى ذلك فلو أن رجلاً عقد على امرأة فأتت بولد من ستة أشهر فإنه ينسب إليه. وإذا أتت به لخمسة أشهر فلا ينسب إليه. قال: [منذ أمكن اجتماعه بها]، فإذا عقد أمكن الاجتماع، وعلى ذلك ولو لم يدخل بها. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره أيضاً ابن القيم ووالد شيخ الإسلام وهو قول طائفة من الحنابلة، قالوا: لا يلحق به إلا أن يبني بها، فإذا بنى بها فنحسب ستة أشهر من البناء. قالوا: لأنها لا تكون فراشاً له بمجرد العقد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الولد للفراش)، والمعقود عليها ليست فراشاً لا لغة ولا عرفاً، وإنما تكون فراشاً إذا بنى بها، فإذا دخل بها ثم أتت به لستة أشهر ثبت الحكم. هذا رجل عقد على امرأة وبعد ثلاثة أشهر بنى بها، يعني أعلن النكاح ودخل بها تلك الليلة، فأتت به بعد ثلاثة أشهر من البناء، فعلى هذا القول لا ينسب. وعلى القول الثاني ينسب. لكن لو علم أنه كان يخلو بها منذ العقد في غرفة واحدة كما يحصل في بعض البلاد، فإنه ينسب إليه. قالوا: وأكثر مدة للحمل أربع سنين، قالوا: لأنه وقع ذلك كما ذكره الإمام مالك رحمه الله عن نساء بني عجلان، وأن امرأة محمد بن عجلان وضعت لأربع سنين، وعلى ذلك لو أنه طلق المرأة فأتت بولد لأربع سنين فإنه ينسب إليه، أما إذا وضعت بعد خمس سنين فلا. لكن لو أخبرته بأن عدتها قد انقضت، فقد علم أنها ليست حاملاً وأنها مستبرأة، وحينئذٍ لا ينسب إليه، وهذا كله مراعاة لحفظ النسب. قال: [ولو مع غيبته فوق أربع سنين] يعني وكان يخفى سيره فلا يدرى به إذا أتى، بعض الناس يقول: أنا غائب مسافر؛ لكن المسافر يمكن يأتي بالطائرة يوماً ويجامع المرأة ويرجع، لكن إذا كان لا يخفى مسيره ويعلم قطعاً أنه لم يأت ولم يجتمع بها، كأن وكل أباه أن يعقد له على امرأة في بلده وعلم أنه لم يسافر إليها حيث إن الجوازات ليس فيها ختوم، فأتت بولد فهل ينسب إليه؟ A لا ينسب إليه لأن مسيره لا يخفى. قال: [حتى ولو كان ابن عشر لحقه نسبه]، هذا عمره عشر سنوات ودخل في الحادية عشرة، فإنه عند أهل العلم يمكن أن يطأ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، رواه أبو داود. قالوا: ابن عشر قد يطأ، ولذا لا يجامع أخته في الفراش، بل يجب أن يفرق بينهما لأنه قد يطأ. وعلى ذلك فلو عقد ابن عشر سنين على امرأة فأتت بولد لستة أشهر فإنه ينسب إليه. والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وهو قول أبي بكر من الحنابلة قالوا: لا ينسب إليه حتى يبلغ، لأن الولد لا يكون إلا من الماء فإذا كان ينزل فإن الولد ينسب إليه وإلا فلا، وهذا هو الصحيح. وإن كان العمل بالمذهب احتياطاً للنسب أولى. قال: [ومع هذا لا يحكم ببلوغه]، هذا ابن عشر سنين عقد له على امرأة فأتت لستة أشهر بولد، فإنه ينسب إليه على المذهب، ولكن لو زنا فلا يقام عليه الحد لأنه لم يحكم ببلوغه؛ لأن الأصل عدم البلوغ. إذاً إنما ألحق به الولد احتياطاً للنسب لئلا يضيع هذا الولد. قال: [ولا يلزمه كل المهر]، لو طلق، وذلك لأنه لم يدخل بها ولم يبن بها، إلا إن ثبت أنه قد دخل بها فإن في ذلك المهر كاملاً. قال: [ولا يثبت به عدة ولا رجعة]، لا يثبت به عدة لأنه إنما ألحق به الولد من باب الاحتياط للنسب فقط. الرجل لو طلق المرأة بعد العقد وقبل الدخول فليس له عليها عدة وليس له رجعة، وإنما ألحقنا به الولد من باب الاحتياط للنسب، أما الأحكام الأخرى فهي باقية. قال: [وإن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها]، فلا ينسب، ولذا قال في آخر الكلام: (لم يلحقه نسبه). قال: [أو علم أنه لم يجتمع بها]، أي: تيقنا أنه لم يجتمع بها، كأن يكون محبوساً أو يكون مسافراً ولا يخفى مسيره، فإنه لا ينسب إليه. [كما لو تزوجها بحضرة جماعة ثم أبانها في المجلس]، فهذا لا يلحق به، [أو مات]، كذلك [لم يلحقه] أي: نسبه.

ما يلحق به نسب ولد الأمة

ما يلحق به نسب ولد الأمة قال: [فصل فيما يلحق به نسب ولد الأمة]. هذا في حكم نسب ولد الأمة. قال: [ومن ثبت أو أقر أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه ثم ولدت لنصف سنة لحقه]. هذا رجل عنده أمة مملوكة، فأقر أنه وطأها فالحكم أن الولد ينسب إليه ويلحق به إذا أتت به لستة أشهر فأكثر، لكن لو أتت به لأقل من ستة أشهر فلا ينسب إليه. قال هنا: (في الفرج أو دونه)، أي: في الفرج أنزل أم لم ينزل ولو عجز، وبعض الناس قد يعزل لكن الماء قد يأتي إلى الرحم، ولذا جاء في صحيح مسلم (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي جارية وأنا أعزل عنها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه لا يمنع مما أراد الله شيئاً). وقال كما عند الشافعي: (لا تأتيني أمة قد اعترف سيدها أنه يطؤها إلا ونسبت الولد إليه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، قال ذلك لما بلغه أن رجالاً يطئون ولائدهم ثم يعزلون، رواه الشافعي بإسناد صحيح. لكن إذا كان دون الفرج، فنقول: هذا فيه تفصيل على الصحيح، فإذا كان قد أنزل فيلحق به وإن كان دون الفرج، لأنه قد يسيل ويدخل في الرحم، والواجب هو الاحتياط للنسب. وأما إذا كان لم ينزل فالصحيح أنه لا يلحق به، وهو رواية عن الإمام أحمد. هذا رجل أتى جاريته بين فخذيها ولم ينزل فنقول: لا ينسب إليه الولد، وذلك لأن ذلك ليس مظنة للولد، لكن لو أنزل كان ذلك مظنة للولد، أما حيث لم ينزل فلا توجد مظنة، وعلى ذلك فلا يلحق به. قال: [ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها فولدت لدون نصف سنة لحقه]. هذا رجل أقر أنه وطأ أمته فلانة، فباعها وأتت بولد بعد خمسة أشهر فلمن يكون؟ يكون له فيلحق به -يعني بالبائع- وعلى ذلك فالبيع باطل، ولذا قال المؤلف: [والبيع باطل]، لأن الجمهور يرون أن بيع أم الولد لا يصح، لأنها قد أتت بولد منه فلا يصح بيعها، إذاً: ترد إليه وهو يرد الثمن. قال: [ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري]، باعه وبعد نصف سنة فأكثر من البيع أتت بولد فإنه يكون للمشتري.

ما يتبع الولد فيه أمه وما يتبع فيه أباه

ما يتبع الولد فيه أمه وما يتبع فيه أباه قال: [ويتبع الولد أباه في النسب]، لقوله جل وعلا: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] ولا يتبع أمه، ولذا يقال: فلان ابن فلان ولا ينسب إلى أمه. [وأمه في الحرية وكذا في الرق]. هذا رجل تزوج أمة، أي أنها ليست ملكاً له وإنما هي ملك غيره فنكحها فأتت بولد، فهل الولد حر أم رقيق؟ A رقيق؛ لأنه يتبع أمه وأمه أمة، ولا يتبع أباه، ولذا قال: وأمه في الحرية وكذا في الرق. ولو أن حرة تزوجت عبداً فأتت بولد فإن الولد يكون حراً. قال: [إلا مع شرط]. هذا رجل علم أن لفلان أمة فخطبها وتزوجها، وشرط أن يكون أولاده منها أحراراً، فإن هذا الشرط يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلمون على شروطهم) فإن لم يشترط فيكونون عبيداً لسيد الأمة. قال: [أو غرور]، أي: إذا شرط أن تكون حرة فزوج أمة فإن أولاده يكونون أحراراً. قال: [ويتبع في الدين خيرهما]، فولد المسلم يكون مسلماً وإن كانت أمه كتابية. وإذا كان العكس فكذلك، أي: لو كان أبوه مثلاً كتابياً نصرانياً أو يهودياً وأمه كانت وثنية أو بوذية فإنه يتبع الكتابي لأن دينه خير. قال: [وفي النجاسة وتحريم النكاح والذكاة والأكل أخبثهما]. في الحكم في النجاسة يتبع الأخبث، فلو تولد البغل من حمار أهلي وفرس فحكمه من جهة النجاسة والطهارة أنه نجس وحرام، لأنه يتبع الحمار الأهلي، والحمار الأهلي نجس. كذلك أيضاً في تحريم النكاح، فإذا كان الأب كتابياً وكانت الأم بوذية وأتيا ببنت وكانت البنت كتابية، فلا يحل نكاحها؛ لأن أحد والديها ليس بكتابي، ولذا فالمشهور في المذهب أن الكتابية لا تحل إلا إذا كان أبواها كتابيين، والصحيح خلافه، وأنه ما دام أنها كتابية يهودية أو نصرانية فإنها تحل ولو كان والداها أو أحدهما ليس بكتابي. وكذلك في الذكاة يتبع الأخبث، فإذا كان هذا يقول إنه نصراني، فالنصراني تحل ذبيحته، ولكن لو كانت أمه مجوسية فهل تحل ذكاته؟ قالوا: لا تحل، والصحيح أنها تحل، لأنه كتابي. إذاً: الصحيح أنه لا يشترط في النكاح وفي حل الذبيحة أن يكون الكتابي من أبوين كتابيين. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم ابن الأمة

حكم ابن الأمة Q هل يكون ابن الأمة حراً؟ A لا يكون حراً، ولهذا نهى الشارع عن نكاح الإماء، فلا يجوز أن تنكح الأمة المملوكة إلا أن تكون لا تقدر على مهر حرة ولا تجد ثمناً تشتري به أمة.

حكم قذف المرأة زوجها

حكم قذف المرأة زوجها Q إذا قذفت المرأة زوجها فهل تلاعن؟ A المرأة ما تلاعن في الأصل، يعني: لو قذفته المرأة يقام عليها الحد إذا رفع الأمر إلى الحاكم.

الرد على من يطعن في الإسلام بإقرار الرق

الرد على من يطعن في الإسلام بإقرار الرق Q كيف نرد على من يقول: إن في دين الإسلام عنصرية وتفرقة مثل حرة وأمة وعبد وسيد وبيع وشراء؟ A الحمد لله أن هذا وارد في القرآن والسنة، ونحن لا ننكر ما جاء في القرآن والسنة، فأمر العبيد والإماء كان موجوداً، ولكن سبب الرق في الأصل هو الكفر، فيسترق الكافر ويخدم المسلمين وهذا خير من قتله، وفيه أيضاً حاجة للمسلمين. وهذا كما تقدم سببه الكفر بالله جل وعلا، لكن يستمر هذا الرق حتى لو أسلم فإنه يبقى رقيقاً. والناس الآن يحتاجون إلى الخدم الأجانب حيث لم يوجد الأرقاء، ولكن مع ذلك لا نسيء إليهم بل نحسن، فنحن مأمورون بالإحسان إلى العبيد والإماء، وأن لا نثقل عليهم في العمل، وأن لا يسب ولا يشتم ولا يهان. ثم إن هذا ليس خاصاً بشريعة الإسلام، بل هذا عام في الأمم كلها من ذوات الأديان وغيرها.

نسب ابن الملاعنة

نسب ابن الملاعنة Q من يلاعن زوجته وينفي الولد فلمن ينسب الولد بعد نفي نسبه؟ وكيف يكتب نسبه في الجواز مثلاً؟ A إذا نفى الولد ينسب لأمه. وأما كتابة اسمه فقد جرى الناس على أن يكتب فلان ابن عبد الله بن عبد الرحمن ونحو ذلك؛ لكنه شرعاً ينسب لأمه، ويرثها وترثه.

حكم امرأة وضعت بعد سنتين من غياب زوجها

حكم امرأة وضعت بعد سنتين من غياب زوجها Q رجل ترك زوجته بسبب السفر منذ عامين وشهرين، ومنذ أيام أخبرته زوجته أنها وضعت وأقسمت أنها لم يمسها رجل منذ سفره، وهي عفيفة وهو غير مصدق، فما الحل؟ وما وضع هذه الطفلة؟ وهل يمكن أن يمكث الحمل أكثر من تسعة أشهر، خاصة أنه قد سمعنا أن الشافعي ولد بعد حمل عامين؟ A هذا درسنا اليوم، هذا يقول: إنه ترك زوجته وسافر فوضعت بعد سنتين وشهرين، وقد قلنا: إن أكثر الحمل أربع سنين، وأنا أعرف نساء أتين بالولد بعد سنتين، والناس يقولون: ارتفع الحمل، يعرفون أن فلانة حملت لشهر أو لشهرين، ثم يرتفع الحمل، ثم بعد ذلك يبين الحمل، فهذا يقع، والغالب أن الحمل تسعة أشهر، لكن قد يكون ستة أشهر فقط وقد يكون سبعة أشهر وقد يكون ثمانية أشهر وقد يكون لأربع سنين، وعلى ذلك فعلى هذا الرجل أن يتقي الله جل وعلا، وأن يقبل منها ذلك، وأن ينسب الولد إلى نفسه.

تهديد المرأة بالطلاق

تهديد المرأة بالطلاق Q هل من مروءة الرجل أن يهدد المرأة بالطلاق؟ مثل قول: أنت طالق إذا رأيت الهلال عيناً؟ وبعض الرجال يستغل معرفته بأمور الطلاق ويهدد المرأة؟ A هذا أمر لا يجوز، فالمرأة لا تؤذى بمثل هذا، قال تعالى: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229] وليس من الإمساك بالمعروف أن يكثر من تهديدها بالطلاق فيقول: إن فعلت كذا فأنت كذا، يريد أن يؤذيها، هذا أمر لا يجوز. الفقهاء عندما يذكرون هذه المسائل يريدون أن يتفقه الإنسان في دينه لأن هذه الأمور قد تقع، فهذا الطالب قد يكون مفتياً فيسأل، وقد يكون قاضياً فيحكم، وليس المقصود أن هذه الأمور ينبغي أن يفعلها الناس وأنها أمر لا بأس به ولا يكره، بل المقصود أن هذه الأمور إذا وقعت فهذا هو حكمها.

حكمة ذكر الغضب للمرأة واللعن للرجل في اللعان

حكمة ذكر الغضب للمرأة واللعن للرجل في اللعان Q تقول: لماذا ذكر الله اللعن في الرجل والغضب بالنسبة للمرأة؟ A الغضب هنا أعظم؛ لأن المرأة قد تكون تعلم من نفسها ذلك وتكذب، ومن علم الحق ولم يقل به فإنه يغضب عليه، ويكون من الأمة المغضوب عليها.

حكم الولد إذا اعترفت أمه أنه ليس من أبيه

حكم الولد إذا اعترفت أمه أنه ليس من أبيه Q إذا أنجبت امرأة متزوجة ولداً واعترفت بعد بأن هذا الولد ليس لزوجها وإنما زنت برجل آخر وكان زوجها لا يستطيع الإنجاب، فلمن يلحق هذا الولد؟ A لا يحلق بهذا الرجل ويكون كاللقيط الذي ليس له نسب.

حكم من وجد زوجه تزني فقتلها وقتل الفاعل بها

حكم من وجد زوجه تزني فقتلها وقتل الفاعل بها Q إذا وجد رجل زوجته تعمل الفاحشة وقتل زوجته والفاعل بها، فهل يقتص منه، وهل عليه شيء عند الله؟ ثم أشار إلى قصة سعد رضي الله عنه. A إذا قتل الرجل هذه المرأة وهي تزني وقتل الفاعل سواء كان الفاعل محصناً أو غير محصن، فإن ذمته بريئة فيما بينه وبين الله، ولكن القاضي يحكم بالقصاص؛ لأن هذا الأمر الذي يدعيه أمر خفي الله أعلم به، ولأنه لو فتح هذا الباب لأتى رجل بآخر يريد قتله إلى بيته واحتال عليه وقتله، وقال: هذا وجدته يعتدي على أهلي، ولذا فإنه فيما بينه وبين الله ذمته بريئة ولكن القاضي يحكم بالقصاص، إلا أن يأتي ببينة، ولو أتى بأربعة شهود على الزنا فالقاتل يعزر تعزيراً بسجن أو نحوه ولا يقتله، ويأتي هذا إن شاء الله في الكلام على القصاص.

الجمع بين أقل مدة الحمل وأكثرها

الجمع بين أقل مدة الحمل وأكثرها Q كيف يمكن الجمع بين الرأي القائل بأن أكثر الحمل أربع سنين وبين قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15]؟ A قلنا إن الغالب في الحمل تسعة أشهر، وأقله ستة أشهر، وأكثره أربع سنين، فالتسعة أشهر هذه هي الغالبة، وأما أقله -ستة أشهر- فلهذه الآية الكريمة، وأكثره أربع سنين للواقع -أي: الوقوع عندهم- يقولون: إن هذا قد وقع، ويقولون: هذا أكثر ما بلغنا، وهذا لا يرجع فيه إلى نص. أي أن أولئك يقولون: قد تحمل لسنتين تقول: من أين لكم الدليل، قالوا: الوقوع. أي أن هذا حصل واقعاً، فهناك نساء يعرفن بالعفة والصلاح والتقوى أتين بولد لأكثر من سنة أو سنتين. ثم إن الواجب الاحتياط للنسب حتى لا يظلم هذا الولد في نسبه ولا تظلم هذه المرأة برميها بالفاحشة.

معنى أن تلد الأمة ربتها

معنى أن تلد الأمة ربتها Q ما معنى أن تلد الأمة ربتها؟ A من أهل العلم من قال: هذا عندما تنتشر الإماء وتأتي الأمة من سيدها بولد فتكون هي أمة ويكون هذا الولد ابناً لهذا السيد، فقد يأمر أمه وينهاها كما يأمر السيد أمته. ومن أهل العلم من قال: هذا لانتشار العقوق كما في هذا الزمان، بحيث إن الأم تكون كالأمة تطبخ وتغسل وتنظف البيت ونحو ذلك، وتأمرها ابنتها كما تأمر الخادمة فتقول: افعلي ولا تفعلي، وكلا الأمرين من علامات الساعة، نسأل الله العافية. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب العدة [1]

دليل الطالب_كتاب العدة [1] إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بموت أو طلاق أو خلع فإنه يترتب على ذلك وجوب العدة، وهذه العدة تختلف باختلاف حال الزوجة ونوع الفرقة، فإن الزوجة قد تكون حاملاً وقد تكون غير حامل، وغير الحامل قد تكون ذات حيض وقد تكون آيسة أو صغيرة، والعدة تختلف بحسب ذلك.

تعريف العدة

تعريف العدة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب العدة]. قال: [وهي تربص من فارقت زوجها بوفاة أو حياة]. وسميت عدة لأنها تعد بالأشهر أو بالأقراء أو تحسب بوضع الحمل. وقولهم: (من فارقت زوجها بوفاة) أي: المتوفى عنهان (أو حياة) أي: المطلقة والمختلعة والمفسوخة. فإذاً: هذا الكتاب في بيان عدة من فارقها زوجها بوفاة أو في حياة.

عدة المتوفى عنها زوجها

عدة المتوفى عنها زوجها قال: [فالمفارقة بالوفاة تعتد مطلقاً]، يعني سواء دخل بها أم لم يدخل بها، كبيراً كان الزوج أو صغيراً، لعموم قوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]. وروى الخمسة أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل توفي عن امرأة لم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً، فقال رضي الله عنه: (عليها العدة ولها الميراث، ولها صداق نسائها من غير وكس ولا شطط، فقام معقل بن سنان وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد قضى لامرأة منا بمثل ما قضيت). قال: [فإن كانت حاملاً من الميت فعدتها حتى تضع كل الحمل]، لأنها قد تكون حاملاً بأكثر من ولد، فعدتها حتى تضع كل الحمل، قال جل وعلا: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]. وما هو الحمل الذي إذا وضعته المرأة تنقضي عدتها من الوفاة وكذلك المطلقة؟ A إذا وضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان ولو بوجه خفي. والأطوار كما تعلمون ثلاثة: الطور الأول: طور النطفة، ويكون أربعين يوماً. ثم العلقة: وتكون أربعين يوماً. ثم المضغة: والمضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة، فإذا وضعته في الأربعين الأولى لم تنقض عدتها، وإذا وضعته في الأربعين الثانية كأن ولدت لسبعين يوماً لم تنقض عدتها. فإذا وضعته بعد مضي ثمانين يوماً فهل تنقضي عدتها؟ الجواب: فيه تفصيل، فإن كان قد تبين فيه خلق الإنسان، بمعنى أنا نرى فيه صورة يد أو رجل، أو صورة وجه أو عين، أو ما يتبين فيه خلق الإنسان ولو بوجه خفي، فتنقضي بذلك عدتها. إذاً: لا تنقضي عدة المرأة بوضع ما لا يتبين فيه خلق الإنسان، وإنما تنقضي بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان، وذلك لا يكون إلا بعد مضي ثمانين يوماً، فإذا مضت الثمانون يوماً نظرنا: فإن تبين فيه خلق الإنسان انقضت عدتها به، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان لم تنقض عدتها به. وعلى ذلك فلو أن امرأة أخبرت أن زوجها قد توفي بحادث فجزعت ورمت ما في بطنها، فنظرنا فوجدنا أن هذا الذي قد وضعته قد تبين فيه خلق الإنسان، فإن عدتها تنقضي بذلك. وهذه امرأة أخرى توفي زوجها وهو يريد أن يذهب بها إلى المستشفى فمات ودخلت هي المستشفى فوضعت في نفس الليلة فإنها تنقضي عدتها، ولذا جاء في صحيح البخاري وأصله في الصحيحين: (أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فاستأذنت النبي عليه الصلاة والسلام أن تنكح فأذن لها). قال: [فإن كانت حاملاً من الميت فعدتها حتى تضع كل الحمل]، أي: إذا كانت حاملاً من غيره بأن تزوجها فولدت لخمسة أشهر، فلا تنقضي عدتها إذا وضعت الحمل، لأنا علمنا أن هذا الولد ليس منه، لأنها وضعته لخمسة أشهر؛ قالوا: وتحسب له العدة بعد الوضع، فيحسب لها أربعة أشهر وعشراً بعد أن تفرغ من عدة صاحب الحمل. أي: فإذا وضعت هذا الحمل الذي ليس من زوجها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشراً. قال: [وإن لم تكن حاملاً فإن كانت حرة فعدتها أربعة أشهر وعشر ليال بأيامها]، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] العدد هنا مذكر وعشراً، وإذا ذكر العدد فإن المعدود مؤنث، يعني وعشر ليال، لكن النهار يتبع الليل، وهذا كما قال الله جل وعلا عن نبيه زكريا: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم:10] وفي آية أخرى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة:196] وعلى ذلك فنقول: التأنيث هنا قد جرى مجرى الغالب، فالعرب يؤنثون ويريدون دخول الأيام. يقول: سافرت سبع ليال، يريد: سبع ليال بأيامها، وعلى ذلك تنقضي العدة بغروب الشمس من اليوم العاشر، وكيف يكون الحساب؟ إذا قدر أن زوجها توفي في أول يوم من الشهر، أو في أول ليلة منه، فنحسب أربعة أشهر ثم نحسب عشر ليال بأيامها، فإذا توفي مثلاً ليلة دخول رمضان بعد غروب الشمس، نقول: عدتها رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة وعشرة أيام من محرم، فإذا غربت الشمس من اليوم العاشر من محرم قلنا: إن العدة قد انتهت. فإن كان قد توفي في أثناء الشهر كما لو توفي في اليوم الخامس أو اليوم العاشر أو اليوم الثاني أو الثالث أو توفي في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان فكيف يكون الحساب؟ يكون الحساب بأن نحسب ما أدركه من رمضان، فإذا قالت المرأة: إنها أدركت من رمضان عشرة أيام نقول: إنها اعتدت من رمضان عشرة أيام ونضيف إليها عشرين يوماً فنحسب الشهر كاملاً، فإذا اعتدت عشرة أيام من محرم أضفنا إلى ذلك ما نكمل به ثلاثين يوماً من الشهر الذي أدركت بعضه، فإذا غربت الشمس انقضت عدتها. قال: [وعدة الأمة نصفها]، الأمة عدتها على نصف الحرة كما أن طلاقها على نصف الحرة، وهذا هو مذهب عامة أهل العلم،

عدة المفارقة التي تحيض

عدة المفارقة التي تحيض قال: [والمفارقة في الحياة]، هذه المعتدة الثانية، وهي المفارقة في الحياة بطلاق أو خلع أو فسخ. قال: [لا تعتد إلا إن خلا بها] أي: ولو لم يطأها، وهذا هو قضاء الخلفاء الراشدين كما تقدم هذا في كتاب الصداق. فإذا خلا بها فإنها تعتد منه، فإذا عقد ولم يخل بها فإنها لا تعتد. إذاً: لا يشترط الوطء، بل إذا خلا بأن أغلق الباب أو أرخى الستار فإنها تعتد ولو لم يطأ، ولو كانت حائضاً أو محرمة. والصداق أيضاً يكمل كما تقدم شرح هذا في كتاب الصداق، وهو مذهب جمهور العلماء وعليه آثار الصحابة. قال: [أو وطئها وكان ممن يطأ مثله ويوطأ مثلها، وهو ابن عشر وبنت تسع]. ابن عشر سنين هو الذي يطأ مثله كما تقدم، وبنت تسع هي التي يوطأ مثلها، قالوا: فلو أن ابن تسع سنين وطأ بنت ثمان لم يثبت الحكم بهذا الوطء، لأنه لا يثبت هذا الحكم إلا إذا كان هو ممن يطأ مثله وكانت هي ممن يوطأ مثلها. إذاً: إذا خلا بها ثبتت العدة وإن وطئها فهذا أولى، ولكن إذا كان هو ممن يطأ مثله وهي ممن يوطأ مثلها، بأن تكون هي بنت تسع ويكون هو ابن عشر. قال: [وعدتها إن كانت حاملاً بوضع الحمل]. كل حامل عدتها بوضع الحمل؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]. هذا رجل تزوج امرأة وخلا بها ثم طلقها، فعدتها بوضع الحمل، فإن طلقها قبل أن يخلو بها فليس لها عدة، ولذا قال الله جل وعلا: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] وقلنا: إن الصحابة قد أقاموا الخلوة مقام الوطء؛ لأن الخلوة مظنة الوطء. ثم قال: [وإن لم تكن حاملاً فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض إن كانت حرة، وحيضتان إن كانت أمة]. إذا لم تكن هذه المطلقة حاملاً فإن عدتها إن كانت تحيض بثلاث حيض، قال جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228].

خلاف الفقهاء في معنى القرء

خلاف الفقهاء في معنى القرء واختلف أهل العلم في تفسير القرؤ، فقال: الحنابلة والأحناف: القرؤ هو الحيض، وعلى ذلك فإذا طلق المرأة وهي حائض فتعتد بثلاث حيض، حيضة ثم حيضة ثم حيضة، فإذا اغتسلت من الحيضة انقضت عدتها. وقال المالكية الشافعية: القرؤ هو الطهر، وعلى ذلك فإذا طلقها وهي طاهر فهذا الطهر قرؤ واحد، فإذا حاضت فطهرت فهذا القرؤ الثاني، فإذا حاضت فطهرت فهذا القرؤ الثالث، فإذا حاضت فقد انقضت عدتها، وعلى ذلك فلن تحيض إلا حيضتين، وبالحيضة الثالثة تكون قد انقضت عدتها فيجوز أن يعقد عليها. استدل أهل القول الثاني وهم المالكية والشافعية بقول الله جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] قالوا: هنا أنث العدد والعدد إذا أنث فالمعدود مذكر، لأنه قال: (ثلاثة قروء) قالوا: والطهر هو المذكر لا الحيضة. ثانياً: قالوا: إن الله جل وعلا قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: في عدتهن؛ قالوا: والطلاق إنما يكون في حال الطهر لأن حال الحيض ليس وقت طلاق في الشرع. والقول الأول وهو قول الأحناف والحنابلة هو الراجح، واستدلوا بأدلة؛ منها ما جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتركي الصلاة أيام أقرائك) يعني أيام حيضك. قالوا: ولأن الله جل وعلا قال: (ثلاثة قروء) وعلى حساب المالكية والشافعية يصح أن تنقضي عدتها بطهرين وبضع طهر. فهذه امرأة طاهر بقي لحيضها ثلاثة أيام فطلقها زوجها، فهذه الثلاثة أيام تحسب طهراً، ثم تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وعلى ذلك صارت عدتها طهرين وبعض طهر. قالوا: وأما على قولنا: فإنا نقول: ثلاث حيضات، والثلاثة نص، وعلى ذلك فما ذهب إليه الحنابلة والأحناف هو الراجح كما تقدم؛ لأن العدد نص في المعدود. قالوا: وأما قوله جل وعلا: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فقد جاء عن ابن عمر كما عند ابن المنذر قال: طلقوهن قبل عدتهن، قالوا: فاللام هنا للاستقبال، أي: طلقوهن مستقبلات عدتهن، وذلك لأن العدة سببها الطلاق فيكون الطلاق سابقاً لها، يعني: طلقوهن طلاقاً سابقاً للعدة. وعلى ذلك فالقرء هو الحيض، فإذا حاضت المرأة ثلاث حيض فإنها بذلك تنقضي عدتها. ثم قال رحمه الله: [وحيضتان إن كانت أمة]، صح ذلك عن عمر وابن مسعود كما في مصنف عبد الرزاق، وصح كذلك عن ابن عمر، ولا يعلم لهم مخالف. فالأمة عدتها حيضتان والحرة عدتها ثلاث حيض. إذاً: أول المعتدات هي المتوفى عنها زوجها، والثانية هي المطلقة التي فارقها زوجها في حال الحياة وهي تحيض، وعدتها ثلاث حيض، وتقدم لكم أن الراجح أنها إن كانت مختلعة فعدتها حيضة، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، وهو قول إسحاق ورواية عن الإمام أحمد، وقد جاء في النسائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المختلعة أن تعتد بحيضة) وهكذا كل مفسوخة. إذاً: المعتدة الثانية هي المفارقة في حال الحياة؛ فإن كانت مفارقة بطلاق فتعتد بثلاث حيض، وإن كانت مفارقة بخلع أو فسخ فقولان، المذهب أنها تعتد بثلاث، والراجح أنها تعتد بحيضة.

عدة المفارقة التي لا تحيض

عدة المفارقة التي لا تحيض ثم قال: [وإن لم تكن تحيض]، وهذه المعتدة الثالثة، [بأن كانت صغيرة أو بالغة ولم تر حيضاً]، أي: بلغت بالإنزال أو بنبات الشعر الخشن حول القبل، لكنها لم تحض، [ولا نفاساً، أو كانت آيسة وهي من بلغت خمسين سنة، فعدتها ثلاثة أشهر إن كانت حرة]، قال جل وعلا: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4]. فإذاً: هذه المرأة التي لم تحض لكونها صغيرة السن أو هي كبيرة ولكن لم يأتها حيض، أو كانت يائسة، عدتها ثلاثة أشهر. وسن اليأس في المشهور في المذهب خمسون سنة، وعن الإمام أحمد أنه ستون سنة. واختار شيخ الإسلام وهو الراجح أنه ليس له حد، بل متى انقطعت عنها العادة ويئست منها فهي يائسة، أي أن بعض البلاد قد تيأس بنت الأربعين، وفي بعض البلاد تيأس بنت الخمسين، وبعضها قد لا تيأس وإن كانت بنت ستين، فهذا يختلف باختلاف البلدان واختلاف الطبائع والأعراق، وعلى ذلك فنقول: سن اليأس لا حد لأكثره. قال: [وشهران إن كانت أمة]. فالشهر يقابل الحيضة، والأمة عدتها حيضتان وعلى ذلك فعدتها شهران. إذاً: المعتدة الأولى هي المتوفى عنها زوجها، والمعتدة الثانية هي التي فارقها زوجها وهي تحيض، والثالثة هي التي فارقها زوجها وهي لا تحيض لصغر أو يأس.

عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس ولم تعلم ما رفعه

عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس ولم تعلم ما رفعه ثم الآن الرابعة: قال: [ومن كانت تحيض ثم ارتفع حيضها قبل أن تبلغ سن الإياس ولم تعلم ما رفعه فتتربص تسعة أشهر ثم تعتد عدة آيسة]. هذه المعتدة الرابعة، وهي من كانت تحيض ثم إن الحيض قد ارتفع ولم تبلغ سن اليأس، ولم تعلم ما الذي رفعه، فما الحكم؟ قال: تتربص تسعة أشهر، وهي مدة الحمل، فإذا مضت تسعة أشهر غلب على ظننا أن رحمها بريء، لأن مدة الحمل في الغالب تسعة أشهر، ثم ثلاثة أشهر لأنها لا تحيض، وعلى ذلك فتكون عدتها سنة، وهذا هو قضاء عمر رضي الله عنه كما قال ابن المنذر وغيره، قضى بحضور المهاجرين والأنصار ولا يعلم مخالف.

عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس وهي تعلم ما رفعه

عدة المرأة التي ارتفع حيضها قبل الإياس وهي تعلم ما رفعه قال: [وإن علمت ما رفعه من مرض أو رضاع أو نحوه] أي: وإن كانت تعلم ما الذي رفعه كالتي ترضع فيمكث عنها الحيض مدة الرضاع، فقد ترضع سنتين فلا يأتيها الحيض طول السنتين، [فلا تزال متربصة حتى يعود الحيض فتعتد به، أو تصير آيسة فتعتد كآيسة]. التي قبلها وهي النوع الرابع لا تعلم ما الذي رفعه، أما هنا فهي تعلم أن الذي رفعه الرضاع، أو تعلم أن الذي رفعه المرض فما الحكم؟ قالوا: هذه تنتظر حتى يأتيها الحيض، ولو بعد سنين، فإذا لم يأتها الحيض فتنتظر حتى تيأس، وهذا القول لا شك أن فيه عسراً ومشقة. والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله قالوا: إذا كانت يغلب على ظنها أنه يرتفع لأنها تعلم ما الذي رفعه كالتي ترضع وتعلم أنها إذا توقفت عن الرضاع عاد إليها الحيض فهذه تنتظر حتى يأتيها الحيض وتحيض لأنها من اللائي يحضن. وإن كانت المرأة بخلاف ذلك بمعنى أنها مريضة مرضاً لا يرجى برؤه ويغلب على ظنها أن الحيض لا يأتيها كامرأة بنت عشرين سنة وارتفع عنها الحيض بسبب مرض أو كالتي استؤصل رحمها فهذه تعتد سنة، تسعة أشهر ثم ثلاثة أشهر، كالمسألة التي قبلها، وهذا هو الراجح.

عدة امرأة المفقود

عدة امرأة المفقود المعتدة السادسة ولم يذكرها المؤلف هي: امرأة المفقود، فامرأة المفقود إذا مضت المدة التي وضعها القاضي تتربص بعده ثلاث حيض، أي: إذا حكم فقال: هذا المفقود نتربص به أربع سنين، فإذا مضت هذه المدة حكمنا بوفاته وأمرناها أن تتربص ثلاث حيض، وإن كانت يائسة أمرناها أن تتربص ثلاثة أشهر. فإذاً هذه عدد المعتدات ست، المعتدة الأولى: المفارقة بوفاة. المعتدة الثانية: المفارقة في حال الحياة وهي تحيض. الثالثة: المفارقة في حال الحياة وهي لا تحيض لصغر أو يأس. الرابعة: هي التي كانت تحيض ثم ارتفع عنها الحيض ولا تعلم ما الذي رفعه. الخامسة: هي التي كانت تحيض ثم ارتفع عنها الحيض وتعلم سببه؛ فهذه تنتظر حتى يأتيها الحيض وإن كان يغلب على ظنها أنه لا يأتيها فقلنا إن الراجح إنها تتربص سنة. السادسة: امرأة المفقود: تتربص بعد الحكم بوفاته ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض وثلاث حيض إن كانت تحيض. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم اليائسة التي تنزل الحيض بدواء

حكم اليائسة التي تنزل الحيض بدواء Q ما حكم امرأة يائسة ولكن عمدت إلى إنزال الدورة الشهرية بالدواء حتى تحمل بالتلقيح الصناعي الخارجي، فإذا وضعت هل تكون نفساء وينطبق عليها حكم النفاس؟ A نعم، إذا وضعت فنزل معها دم فإنها تكون نفساء، فما دام أن الحيض ينزل فإن الحكم يثبت شرعاً ولو كان بدواء.

مبنى العدد على براءة الرحم واحترام العقد

مبنى العدد على براءة الرحم واحترام العقد Q هل فقه العدة مبني على المدة أم على براءة الرحم؟ A الأصل يقصد منه في الأصل براءة الرحم، وله مقصد آخر وهو احترام عقد النكاح، فإن بينها وبين هذا الزوج نكاح وميثاق غليظ، فروعي ذلك فأمرت المرأة أن تتربص بعد الوفاة أو الطلاق هذه المدة؛ لأن براءة الرحم تعلم بحيضة واحدة، ولذا فإن المختلعة لما طالبها زوجها بالمهر وأفسد ما بينه وبينها كانت عدتها حيضة فقط من أجل براءة الرحم؛ لكن المطلقة تعتد بثلاث حيض مراعاة لحق الزوج وإلا فإن الرحم تعلم براءته بحيضة واحدة. ولا عدة لمن لم يدخل بها، أما إذا دخل بها فإن عليها العدة وإن لم توطأ، وعدة الأمة نصف عدة الحرة كما تقدم شرحه، لكن الحيضة لا تتنصف فلا يمكن أن نقول: حيضة ونصف.

حكم الإفتاء في مسائل الطلاق

حكم الإفتاء في مسائل الطلاق Q أيفتي أحد إذا سئل في مسائل وقوع الطلاق إلى آخر ذلك؛ لأن بعض الأشخاص حين يسألني عن الحكم يعتمد على قولي رغم أني أخبره بأن من الأفضل والأولى أن يراجع دار الإفتاء؟ A مثل هذه المسائل يرجع فيها إلى أهل العلم لأن أهل العلم يستفصلون ويعرفون حال الشخص، فالشخص الذي ليس عنده علم أو لم يتمكن ويتأصل التأصيل العلمي المطلوب فإنه لا يفتي؛ لأن الأمر يحتاج إلى استفصال.

حكم الدم الخارج بعد السقط الذي عمره ثلاثة أشهر

حكم الدم الخارج بعد السقط الذي عمره ثلاثة أشهر Q ما حكم من حملت في مدة ثلاثة أشهر ثم أقر الأطباء موت الجنين في بطنها وتحتاج لإخراجه ببعض الأدوية هل الدم الذي يخرج بعد ذلك له حكم النفاس؟ A إذا نزل منها ما يتبين فيه خلق الإنسان -وقلنا إن هذا لا يكون إلا بعد ثمانين يوماً- فهذا له حكم النفاس، لكن لو أسقطت بعد أربعين يوماً فليس له حكم النفاس. وأما إذا أتت به لسبعين يوماً أو أتت به لثمانين لكن لم يتبين فيه خلق الإنسان فإن هذا يكون دم فساد فتتوضأ لكل صلاة.

حكم إنزال دم الحيض بالعقاقير

حكم إنزال دم الحيض بالعقاقير Q وجد الآن من العقاقير التي إذا تناولتها المرأة نزل عليها دم كدم الحيض تأخذه من أيست ومن ارتفع عنها الحيض، فهل لو نزل هذا الدم بسبب الدواء يعتبر حيضاً؟ A إذا كان يأتيها الحيض كأيام الحيض فيعتبر حيضاً، وأما إذا كان ينطلق دم ويقف فلا. أما إذا كان تأتيها كالعادة السابقة فهذا يدل على أن هناك مرضاً والدم منحبس فالدواء يطلقه، وأما إذا كانت يائسة حقاً فإنه لا يمكن أن يأتي الدواء بهذا الدم إلا زمناً يسيراً أو بدم يأتيها في يوم واحد، وأما من تأتيها العادة مستمرة سبعة أيام أو ستة أيام فإن هذا لا يكون إلا إذا كان هناك مرض ويكون هذا الدواء قد أزال هذا المرض. ولذا قالت السائلة هنا: ولقد سألت بعض الطبيبات فقالت: هذا الحيض ليس بطبيعي، وما دام ليس بطبيعي فهذا ليس بشيء.

مدة العدة في حق من تحيض في الشهر مرتين

مدة العدة في حق من تحيض في الشهر مرتين Q إذا كانت المرأة تحيض في الشهر مرتين أي أنها تحيض آخر الشهر مع أوله فهل أيضاً تعتد ثلاث حيضات؟ A إذا كانت تحيض في الشهر مرتين فنعم، حتى لو حاضت في الشهر ثلاث مرات فإنها تحسب ثلاث حيض.

حكم الرجوع إلى التصوير التلفزيوني لمعرفة براءة الرحم بدل العدة

حكم الرجوع إلى التصوير التلفزيوني لمعرفة براءة الرحم بدل العدة Q هذا يسأل فيما إذا كان يمكن الرجوع إلى التصوير التلفزيوني في معرفة براءة الرحم، يقول: فلم ينتظر لسنة والآن يمكن أن يعرف بالتصوير التلفزيوني؟ A أقول: لا يعتد بهذا لأنه في الحقيقة ليس بيقين، وباب العدد يترتب عليه إباحة الفروج، ويبنى في مدته على الاحتياط، فهذا يحتاج إلى رأي مجمعات، وأما الأصل فإنا لا نرى أن هذا يعتد به بناءً على رأي آحاد، وذلك لأن المسألة يترتب عليها حل الفروج.

حكم من وعد الزوجة الأولى بأن يهديها سيارة ثم أراد الوفاء بعد أن تزوج الثانية

حكم من وعد الزوجة الأولى بأن يهديها سيارة ثم أراد الوفاء بعد أن تزوج الثانية Q رجل متزوج من امرأة ووعدها أن يهديها سيارة، ثم تزوج بأخرى قبل أن يشتري لها سيارة، والآن يريد أن يهدي للأولى سيارة، فهل يلزمه أن يشتري للثانية سيارة كما يشتري للأولى، أم أنه وعد قبل الزواج فيفي بوعده؟ A الآن يجب عليه العدل بين الزوجتين.

ما ترده المختلعة للزوج المخالع

ما ترده المختلعة للزوج المخالع Q نرجو التوضيح هل العوض الذي تدفعه المختلعة هو المهر فقط، أم كل ما أعطاها لها زوجها من هدايا، أم حتى يرضى الزوج؟ A حتى يرضى الزوج، فلو رضي باليسير فلا بأس، أي: فلو كان يكفيه مائة ريال فلا بأس، ولا يجب أن ترد له كل ما دفع، بل ما تراضيا عليه.

عدة من انقطع حيضها بسبب إبر منع الحمل

عدة من انقطع حيضها بسبب إبر منع الحمل Q المرأة التي طلقها زوجها وقد كانت تأخذ إبر منع الحمل التي تجعلها لا تحيض أبداً، فكيف تكون عدتها؟ A تنقطع عن هذه الإبر ويعود إليها الحيض، فما دام أنها تعلم السبب الذي رفعه وهي هذه الإبر، فإذا توقفت عن الإبر عاد إليها الحيض فتحيض ثلاث حيض.

عدة من تضطرب حيضتها فتعالجها بالعقاقير

عدة من تضطرب حيضتها فتعالجها بالعقاقير Q ما حكم امرأة لديها اضطراب في الحيض فتعالج بالهرمونات فتنتظم لديها الدورة بالعلاج الشهري حتى لو تجاوز الخمسين أو ستين أو أكثر، فما عدتها في هذه الحالة؟ A إذا كان يأتيها الحيض ولو كل ستة أشهر مرة، فهذا حيض تعتد به، وأما إذا كان لا يأتيها كأن انقطع عنها إلا قطرات يسيرة ولكن العادة قد انقطعت عنها فهذه عدتها ثلاثة أشهر.

حكم زوجة المفقود إذا تزوجت ثم عاد زوجها

حكم زوجة المفقود إذا تزوجت ثم عاد زوجها Q هذه امرأة كان زوجها مفقوداً، ثم إن هذا الزوج المفقود حكم بأنه مفقود، فانتظرت ثلاث حيض فطهرت فتزوجت، فما الحكم إذا قدم وحضر؟ A إذا حضر قبل الدخول بها فله حكم، وإذا حضر بعد الدخول فله حكم. فإذا عاد المفقود ولم يدخل بها زوجها الثاني فإن هذا المفقود يأخذ امرأته، ويكون نكاح الثاني باطلاً، وترد إلى الزوج الثاني المهر الذي أخذته منه. وإذا عاد الأول بعد أن دخل بها الثاني فالحكم هنا أننا نخير المفقود فنقول: هل تريد امرأتك أم تريد المهر الذي دفعته؟ فإن قال: أريد الصداق الذي دفعته فنقول للزوج الثاني: ادفع له المهر الذي دفعه لامرأته، وإن قال: أنا أريد امرأتي فنقول له: خذ امرأتك، والزوج الثاني إذا قال: أنا دفعت مهراً فنقول: لها المهر بما استحللت من فرجها.

حكم استنزال الحيض بالعقاقير لاستعجال العدة

حكم استنزال الحيض بالعقاقير لاستعجال العدة Q لو أن امرأة تحايلت وشربت حبوب إنزال الحيض قبل موعدها لتستعجل العدة، فما الحكم؟ A الأمر واسع، فما دام أنه نزلت معها العادة فهذا صحيح، لكن الإشكال إنما هو في العادة الثالثة، لو كان يغلب في ظنها أن زوجها قد يعيدها إليه وقد علم أنها حاضت حيضتين وهي الآن طاهر وقد مضى ثلاثة عشر يوماً لطهرها، وهي تعرف أن زوجها يحسب أنه بقي لها مثلاً خمسة عشر يوماً فأكلت لتستعجل فهذه مسألة أخرى، فلو ثبت هذا فقد يقال: إنه لو علم أنها استعجلت الثالثة قبل أوانها المعتاد لتفوت نفسها على زوجها فهنا يقوى القول بهذا، وإن كان المسألة فيها نظر وتردد؛ لأن الزوج كان في سعة من أول الوقت، لكن لما كان هذا الوقت ملكاً له وهي تعجلت بإسقاط حقه فيقوى أن يقال: إن له الرجوع، والله أعلم.

مدة حداد المتوفى عنها إذا وضعت الحمل بعد ليال

مدة حداد المتوفى عنها إذا وضعت الحمل بعد ليال Q إذا وضعت المتوفى عنها زوجها الحمل بعد موت زوجها بعد ليال، فهل ينقضي زمن الحداد؟ A الحداد تبع للعدة، فإذا وضعت حملها انتهى الحداد وإذا كان غير حامل تعتد أربعة أشهر وعشراً وتحد أربعة أشهر وعشراً، وإذا كان الحمل تسعة أشهر كان حدادها تسعة أشهر، وإن كان الحمل شهراً كان حدادها شهراً.

دليل الطالب_كتاب العدة [2]

دليل الطالب_كتاب العدة [2] قد تترتب العدد على الوطء بنكاح فاسد أو وطء الأجنبي بشبهة ونحو ذلك، ومن الأحكام التي تنضم إلى العدد أحكام الإحداد في حق المتوفى عنها زوجها، ومن الأحكام أيضاً استبراء الإماء المترتب على حصول الملك أو زواله، وقد بين الفقهاء الأحكام المتعلقة بذلك.

عدة غير النكاح الصحيح

عدة غير النكاح الصحيح

حكم من وطئت بشبهة أو نكاح فاسد وهي في العدة

حكم من وطئت بشبهة أو نكاح فاسد وهي في العدة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل]. هذا الفصل في عدة النكاح غير الصحيح، يعني في عدة المرأة إذا زني بها أو عقد عليها عقداً فاسداً أو وطئت في شبهة، فهذا الفصل إذاً داخل في كتاب العدد. قال رحمه الله: [وإن وطئ الأجنبي بشبهة]، كأن يطأ امرأة يظنها زوجته. [أو نكاح فاسد] ولا يعتقد صحته، كما لو نكح امرأة بلا ولي وهو يعتقد أنه لابد من الولي، أما إن كان حنفياً يعتقد صحة النكاح بلا ولي فإن هذا النكاح نكاح صحيح في اعتقاده. [أو زنا من هي في عدتها أتمت عدة الأول]. أولاً: ما هي عدة المزني بها، وما هي عدة من نكحت في نكاح فاسد لا تعتقد صحته، ومن وطئت بشبهة؟ المشهور في المذهب أن عدتها ثلاث حيض كالمطلقة. والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: أن عدتها حيضة؛ لأن المقصود استبراء رحمها، وهذا يحصل بحيضة، فإذا اعتدت بحيضة علمنا أن رحمها بريء. وأما الآية وهو قوله جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فهذا في المطلقات اللاتي هن أزواج، وأما المزني بها فليست بزوجة، وكذلك من نكحت بعقد فاسد، وكذلك من وطئت بشبهة. وقياساً على المختلعة على الصحيح؛ فقد تقدم أن الصحيح أن عدتها حيضة، كما جاء هذا في سنن النسائي. هذا رجل وطئ امرأة بشبهة كما قال المؤلف: (وطئ أجنبي امرأة بشبهة أو نكاح فاسد أو زنا من هي في عدتها)، فما الحكم؟ قال: تتم عدتها من الأول. هذه امرأة قد طلقها زوجها فهي تعتد منه بثلاث حيضات، ثم إنه زني بها، أو وطئها رجل يظنها امرأته، أو عقد عليها ووطئت فالحكم أن تتم عدة الأول، فنقول: كم حضت قبل أن يطأك هذا الذي قد وطئك؟ قالت: كنت قد حضت حيضتين، فنقول لها: بقي حيضة وبذلك تتمين عدة الأول، ثم تعتدين للثاني ثلاث حيضات على المذهب، وقلنا: إن الراجح أنها تعتد بحيضة واحدة. ونكاح المرأة في عدتها محرم وباطل، فإذا نكحها في عدتها ووطئها فرقنا بينهما وأمرناها أن تتم عدة الأول [ثم تعتد للثاني]، وهل يجوز أن ينكحها في عدتها منه أم لا؟ قولان: أصحهما وهو مذهب الشافعية واختيار الموفق خلافاً للمشهور في المذهب أن له ذلك، لأن العدة له هو، فالعدة لحقه، وما دام أن العدة له فلا مانع أن ينكحها ويطأها. أوضح هذا بمثال: طلق زيد أسماء فلما كانت في عدتها وقد حاضت ثلاث حيض وقبل أن تغتسل عقد عليها عمرو ووطئها، فهذا نكاح فاسد فنفرق بينهما، فإذا اغتسلت تشرع في عدة الثاني، وهي حيضة واحدة، فإن قال الثاني: أنا أريد أن أنكحها وهذه العدة لي، فالمشهور في المذهب أن ذلك لا يصح، والقول الثاني: أنه يصح لأن العدة له، وهذا هو الراجح وهو اختيار الموفق. مثال آخر: نكح رجل امرأة بعد أن حاضت حيضة واحدة من عدتها من الأول، فنفرق بينهما لأن نكاح المعتدة باطل، ويبقى لها من عدتها من الأول حيضتان، فإذا حاضت حيضتين شرعت في عدتها من الزوج الثاني، فإذا أراد الثاني أن ينكحها نقول: هذه عدته، فالصحيح أن ذلك لا بأس به خلافاً للمشهور في المذهب. وهذه المسألة وهي أن تعتد للأول ثم تعتد للثاني، دل عليها قول علي رضي الله عنه في موطأ مالك وقول عمر كما في البيهقي ولا يعلم لهما مخالف.

عدة المرأة إذا وطئها من أبانها في العدة

عدة المرأة إذا وطئها من أبانها في العدة قال: [وإن وطئها عمداً من أبانها فكالأجنبي]، هذا طلق امرأة بالثلاث فبانت منه، فحاضت حيضة أو حيضتين ثم إنه وطئها، فهذا زنا. وماذا تفعل إذاً؟ تنتهي من عدتها الأولى ثم تبتدئ عدة ثانية للزنا، وذلك لأن عدتها هنا من وطئين وطأ مباح يلحق به الولد، ووطأ حرام لا يلحق به الولد. إذاً يكون هذا كالأجنبي، فهي كالمسألة السابقة. فنقول: إذا انتهيت من عدتك الأولى فاعتدي عدة ثانية وهي عدة المزني بها، وتقدم أن الراجح أن عدة المزني بها حيضة. قال: [وبشبهة استأنفت العدة من أولها] هناك وطئها بزنا وهنا بشبهة. طلقها طلاقاً بائناً وبعد أن حاضت حيضتين وطئها بشبهة، فتستأنف العدة من جديد، نقول: بقي لك ثلاث حيض، إذاً: تداخلت العدتان، وإنما تداخلتا لأن الوطء الأول يلحق به الولد والوطء الثاني يلحق به الولد، بخلاف الزاني فإن الزاني لا يلحق به الولد.

تتعدد العدة بتعدد الواطئ بشبهة لا بالزنا

تتعدد العدة بتعدد الواطئ بشبهة لا بالزنا ثم قال: [وتتعدد العدة بتعدد الواطئ بالشبهة]، لو أن امرأة وطئها أكثر من واحد وطء شبهة فلكل واحد منهم عدة؛ لأن كل وطء منها يلحق منه الولد، فلما كان الأمر كذلك تعددت العدة. وعلى ذلك فلو أن امرأة وطئها زيد وطء شبهة، ووطئها عمرو وطء شبهة فإنها تعتد بعدتين. قال: [لا بالزنا]، فلو أن امرأة زنا بها رجلان أو ثلاثة فإنها تعتد عدة واحدة، وهي على المذهب ثلاث حيض وعلى الراجح حيضة، ولا تتعد بتعدد الزناة، لأن وطء الزاني لا يلحق به الولد، فلو تعدد لم يؤثر. إذاً إذا تعدد وطأ من وطئ بشبهة فإن العدة تتعدد، وأما في الزنا فإنها لا تتعدد. والشبهة مثل أن يظنها امرأته، وقد كان هذا يقع في القديم، حيث يكون الناس في ليل وقد تبيت عنده امرأة مع زوجها وقد تكون المرأة ليست كاملة العقل، فيأتي إليها يظن أنها امرأته ويطؤها، وكان وضع الناس في القديم ليس كوضعهم الآن، حيث يكمل اليوم الرجل الحديث مع المرأة ويأنس بها في الكلام، أما في القديم فكان الرجل ربما يأتي ويطأ المرأة ويقوم منها ولا يتكلم بشيء من الكلام، وهذا لا يزال يقع في بعض الجهات وفي البادية. والفقهاء كما ذكرت لكم مراراً يذكرون المسألة التي تقع وإن قل وقوعها؛ لأنهم يعلمون من قد يكون قاضياً أو مفتياً، أما الذي يريد أن يتعلم بعض المسائل فإنه يدرس الفقه الميسر المبسط، وأما هذه التفاصيل فإنه يتعلمها من يحتاج الناس إليه في قضاء أو إفتاء أو تدريس.

حكم وطء الزوج زوجته المعتدة عن وطء شبهة ونحوه

حكم وطء الزوج زوجته المعتدة عن وطء شبهة ونحوه قال: [ويحرم على زوج الموطوءة بشبهة أو زنا أن يطأها في الفرج ما دامت في العدة]. لو أن امرأة زني بها وهي ذات زوج أو وطئت بشبهة فإن زوجها لا يطؤها حتى تنتهي من عدتها، وقلنا: إن الصحيح أن العدة حيضة، وعلى ذلك فلو أن امرأة أكرهت على الزنا فزني بها فزوجها لا يطؤها حتى تحيض حيضة ليعلم براءة رحمها من الزنا.

أحكام الإحداد

أحكام الإحداد

وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها في العدة

وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها في العدة قال: [فصل في الإحداد، ويجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بنكاح صحيح ما دامت في العدة]، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر)، وفي رواية (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، فلا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت أخذت نبذة من قسط أو أظفار). فالحداد هو اجتناب المرأة ما يدعو إلى جماعها ويرغب بالنظر إليها من الزينة والطيب والحلي. والزينة سواء كانت في البدن كالكحل الأسود أو المكياج أو الورس على الشفتين، أو كانت زينة في الثوب بأن يكون الثوب مصبوغاً صبغة تدعو إلى جماعها وترغب في النظر إليها كأن تكون صبغة زينة. فإن كانت صبغة مهنة أي كثوب مهنة جعلت فيه صبغة ليتحمل الثوب الدنس والوسخ، مثل الثوب الأسود أو الثوب الذي فيه شيء من التشجير لكنه باهت ليس فيه لمعان وإنما تلبسه النساء عند العمل في بيوتهن، فهذا النوع من الثياب لا حرج على المرأة أن تلبسه. أما ثوب الزينة فإنها تنهى عنه مثل الثوب الأحمر أو الأصفر، أو ما فيه تشجير بين فيه نضرة وزينة أو يكون عليه شيء من الحلي أو الجواهر. وكذلك الطيب، فليس للمرأة أن تتطيب لا بزعفران ولا بغيره، وليس لها أن تستعمل البخور ولا أن تدهن بشيء من الأدهان التي فيها طيب. فإذا وضعت المرأة المحدة ما تضعه النساء عند الطهر من الحيض -كقسط أو أظفار- ليذهب رائحة الحيض، فإن ذلك لا بأس به ولا حرج.

حكم الإحداد على البائن من حي والرجعية

حكم الإحداد على البائن من حي والرجعية قال: [ويجوز للبائن] من حي. هذه امرأة طلقها زوجها بالثلاث، فلا يجب أن تحد، بل لها أن تحد ولا يستحب ذلك لها، إذاً: لها أن تجتنب الطيب والزينة في ثيابها حتى تنقضي عدتها وتطهر وتغتسل من الحيضة الثالثة. ومثل ذلك أيضاً المطلقة الرجعية، فلها أن تجتنب الزينة حتى تنقضي عدتها. أما المتوفى عنها فلها حكم آخر، فليس كلامنا الآن في المتوفى عنها. فالمتوفى عنها وقد أبانها لا يجب أن تحد. هذا رجل طلق امرأته اليوم بالثلاث وتوفي غداً، هل تحد؟ لا. ورجل طلق امرأته طلقة واحدة ثم مات من الغد فإنها تحد وجوباً، وتنتقل عدتها من الحيض إلى أربعة أشهر وعشراً؛ لأن الرجعية زوجة لكن البائنة ليست بزوجة. إذاً: كلام المؤلف هنا إنما هو في البائن من حي، فالرجل طلق امرأته طلاقاً بائناً ولا زال حياً فاجتنبت الزينة حتى تنقضي عدتها، فلا بأس بذلك.

ما يجب على المحدة اجتنابه من الزينة والطيب

ما يجب على المحدة اجتنابه من الزينة والطيب قال: [والإحداد ترك الزينة والطيب كالزعفران] لأن الزعفران طيب والناس يضعونه في القهوة بحيث إنه إذا شرب القهوة ظهرت من فيه رائحة الزعفران، وعلى ذلك فالمحدة تمنع من شرب القهوة التي طبخت بالزعفران. قال: [ولبس الحلي]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في أبي داود والنسائي: (ولا تلبس الحلي)، لأن الحلي زينة، [ولو خاتماً] لكن هل تختضب؟ يأتي ذكر هذا بعد ذلك. قال: [ولبس الملون من الثياب كالأحمر والأصفر والأخضر]، تقدم شرح هذا. قال: [والتحسين بالحناء]، أي: ليس لها أن تختضب وهي محدة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في النسائي: (ولا تختضب). وقد جاء في سنن أبي داود من حديث أم سلمة بإسناد لا بأس به (أنها اكتحلت بالصبر لما توفي زوجها أبو سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه يشب الوجه -يعني: يزيد في نضرة الوجه- فلا تضعيه إلا بالليل وانزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قالت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: امتشطي بالسدر). إذاً: لا تمتشط بالخضاب ولا تمتشط بالطيب، لكنها تمتشط بالسدر أو بالشامبو غير المطيب. قال: [والاسفيذاج]، هذا كالحمرة عندنا، فهو شيء كانت المرأة تضعه على وجهها، ذكروا أنه يعمل من الرصاص فتضعه المرأة على وجهها مثل المكياج. قال: [والاكتحال بالأسود]، فلا تكتحل بالأسود كما تقدم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصحيحين: (ولا تكتحل)، فلا تضع في عينيها الكحل الأسود. قال: [والادهان بالمطيب وتحمير الوجه وحفه]، لأن تحمير الوجه وحفه من الزينة، وأما الادهان بالمطيب فقد تقدم أنها لا تمس طيباً.

حكم مكث المحدة في المنزل الذي مات فيه زوجها

حكم مكث المحدة في المنزل الذي مات فيه زوجها قال: [وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات فيه زوجها]، لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد والسنن الأربع لـ فريعة بنت مالك رضي الله عنها: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)، وهو حديث صحيح. وهنا إذا مات الزوج وله ورثة والمرأة في هذا البيت الذي انتقل إلى ملكية الورثة فهل لهم أن يخرجوها من هذا البيت قبل أن تنقضي العدة، أم يجب عليهم أن يتركوها فيه؟ وإذا كان البيت مستأجراً فهل يؤخذ من رأس تركته أجرة أربعة أشهر وعشر أم لا؟ قولان لأهل العلم: فالجمهور قالوا: إنه لا يجب على الورثة أن يبقوها في هذا البيت إن كان ملكاً، وإن كان مستأجراً فلا تؤخذ الأجرة من التركة إلا برضاهم. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية ورواية عن أحمد وقول في مذهب الشافعي قالوا: يجب أن تترك في هذا البيت إن كان ملكاً، وإن كان البيت مستأجراً خصم الأجر من التركة على جميع الورثة. قالوا: لقول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240] قالوا: والنسخ إنما ورد في المدة من السنة إلى أربعة أشهر وعشر، أما النهي عن إخراجهن فإنه لا يزال غير منسوخ، وهذا هو الراجح. فالراجح أن البيت إن كان ملكاً للميت وانتقل إلى ورثته فإن الورثة يتركونها فيه، وإن كان البيت مستأجراً وله تركة فإن هذه الأجرة تخصم من التركة قبل قسمة الإرث. والمشهور في المذهب أن ذلك لا يجب على الورثة، وعلى هذا القول هل يجب على المرأة أن تدفع الأجرة؟ A لا، قالوا: إنما الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن، فإذا كان هناك بيت مكثت، وإن لم يكن هناك بيت ذهبت إلى أهلها. قال: [ما لم يتعذر]، أي: مكثها في البيت. قلنا: إن المحدة يجب أن تمكث في البيت، فإذا تعذر مكثها في البيت كأن يكون المكان مما يأتيه اللصوص وليس آمناً، أو أخرجت منه قهراً، فإنها تعتد حيث شاءت؛ في بيت أبيها أو بيت أمها أو بيت أخيها أو بيت أبنائها.

حكم انقضاء عدة المتوفى عنها إذا لم تجتنب الزينة أو لم تمكث في بيت الزوج

حكم انقضاء عدة المتوفى عنها إذا لم تجتنب الزينة أو لم تمكث في بيت الزوج قال: [وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت]. قلنا: إن عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر، فلو أن المرأة لم تمكث في البيت هذه المدة، أو أن المرأة لم تجتنب طيباً ولا زينة فإن عدتها تنقضي لأربعة أشهر وعشر، لكنها تأثم إذا تركت الإحداد أو تركت المكث في البيت. ولو أن امرأة لم تعلم أن زوجها توفي إلا بعد أربعة أشهر وعشر، فإنها تحل للأزواج لأنها عدتها قد انقضت. امرأة توفي زوجها وكتم ذلك عليها لكونها مريضة وأرادوا أن يدفعوا عنها الضر فأخفوا عنها، ثم إنها علمت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام أن زوجها قد توفي، نقول: انقضت عدتها وحلت للأزواج؛ لأن النية ليست بشرط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، ولذا تصح عدة الصغيرة وعدة المجنونة. والمرأة المحدة لا تخرج في الليل إلا لضرورة، كأن تكون مريضة فتذهب لتعالج، وفي النهار لا تخرج إلا لحاجة، كأن تذهب لتشتري أغراضاً لها أو أن تكون معلمة تدرس. وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة أن ابن عمر رضي الله عنه رخص للمتوفى عنها أن تذهب إلى أهلها في بياض النهار. وفي ابن أبي شيبة: أن النساء اشتكين إلى ابن مسعود رضي الله عنه الوحشة فرخص لهن أن يجتمعن في بيت إحداهن إلى الليل. وعلى ذلك فلها أن تخرج في النهار لحاجة مثل امرأة لها غنم فتريد أن تنظر إلى أغنامها وما تحتاج إليه، أو يكون لها بستان أو نخل فتنظر إليه، أو تذهب لتشتري أغراضاً لها، أو تجد وحشة وضيق صدر فتخرج لتزور جارة أو قريبة، أو تكون معلمة تعمل ولا يكون هذا فيه اختلاط محرم، فلا حرج عليها في الخروج في النهار فقط، وأما في الليل فلا تخرج إلا لضرورة.

مواضع وجوب استبراء الإماء

مواضع وجوب استبراء الإماء

الموضع الأول إذا انتقل الملك

الموضع الأول إذا انتقل الملك ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استبراء الإماء]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب استبراء الإماء وهو واجب في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا ملك الرجل ولو طفلاً أمة يوطأ مثلها؛ حتى ولو ملكها من أنثى، أو كان بائعها قد استبرأها، أو باع أو وهب أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره]، فهنا لابد من الاستبراء [حيث انتقل الملك]. واستبراء الأمة هو تربصها مدة يعلم بها استبراء الرحم، وهذه المدة هي حيضة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض). وعلى ذلك فلو أن رجلاً اشترى من السوق أمة حاملاً فلا يطأها حتى تضع، وإن كانت هذه الأمة غير حامل فلابد أن يستبرئها بحيضة لكن هنا قال: (ولو ملكها من أنثى)، أي فلو اشترى زيد أمة من أنثى -والأنثى لا تطأ- قالوا: لابد أن يستبرئها. أو اشتراها من صبي لا يطأ مثله كابن سبع سنين، قالوا: لابد أن يستبرئها. واختار شيخ الإسلام وهو رواية عن أحمد أنه إذا ملكها من أنثى أو ملكها ممن لا يطأ مثله فلا يجب استبراؤها؛ لأن براءة الرحم معلومة هنا، لأن هذه أنثى لا تطأ وهذا صبي لا يطأ، وعلى ذلك لو اشترى أمة من صبي لا يطأ أو من أنثى فلا يجب الاستبراء على الصحيح. كذلك قال: (أو كان بائعها قد استبرأها)، أي: فلو ذهبت إلى السوق واشتريت أمة فقال لك البائع: اعلم أني قد استبرأتها، حيث حاضت عندي حيضة ولم أطأها، قالوا: فيجب أن يستبرئها، والصحيح أنه إذا كان ثقة فلا يجب الاستبراء. قال: (أو وهب أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره، حيث انتقل الملك)، أي: فإذا وهبها ثم أعيدت إليه أو باعها في المجلس ثم فسخ؛ قالوا: فلابد أن يستبرئها. وهل هذا يحتاج إلى استبراء؟ فالصحيح أن هذا لا يحتاج إلى استبراء. قال: [لم يحل استمتاعه بها ولو بالقبلة حتى يستبرئها]، إذا اشترى أمة فليس له أن يطأ حتى يستبرئ بحيضة، قال: وليس له أن يستمتع بها ولو بقبلة. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار ابن قيم الجوزية وهو رواية عن أحمد قال: يجوز أن يقبل وأن يباشر وإنما ينهى عن الوطء، وهذا هو الصحيح. إذاً: فالصحيح أن من اشترى أمة فله أن يقبلها وله أن يباشرها وله أن يستمتع بها فيما دون الفرج، أما الفرج فليس له أن يستمتع به حتى يستبرئ بحيضة.

إذا ملك أمة ووطئها ثم أراد بيعها أو تزويجها

إذا ملك أمة ووطئها ثم أراد بيعها أو تزويجها قال: [الثاني: إذا ملك أمة ووطئها ثم أراد أن يزوجها أو يبيعها قبل الاستبراء فيحرم، فلو خالف صح البيع دون النكاح]. هل للسيد أن يزوج أمته وقد وطئها قبل أن يستبرئها بحيضة؟ لا. فإذا أراد أن يزوجها فلابد أن يستبرئها بحيضة. قال: [وإن لم يطأها جاز]، هذا الرجل عنده أمة، ولم يطأ هذه الأمة، فله أن يزوجها قبل الاستبراء؛ لأنه لا يطأ.

إذا أعتقت الأمة قبل أن تستبرأ

إذا أعتقت الأمة قبل أن تستبرأ قال: [الثالث: إذا أعتق أمته أو أم ولده أو مات عنها، لزمها استبراء نفسها إن لم تستبرأ قبل]. الرجل إذا أعتق أمته فقال: أنت حرة، فالواجب عليها أن تستبرئ نفسها بحيضة إذا كان يطؤها قبل أن تنكح. وهذه كلها مسائل واضحة، والمقصود أن الأمة لا توطأ حتى تستبرئ بحيضة، وإن كانت حاملاً فحتى تضع.

ما يحصل به استبراء الإماء

ما يحصل به استبراء الإماء قال: [فصل] هذا الفصل فيما يحصل به الاستبراء. قال: [واستبراء الحامل بوضع الحمل]، الحامل استبراؤها بوضع حملها، لقوله: (لا توطأ حامل حتى تضع). [ومن تحيض بحيضة]، لقوله في الحديث: (ولا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض). قال: [والآيسة والصغيرة والبالغة التي لم تر حيضاً بشهر]، إذا كانت الأمة آيسة أو كانت صغيرة لا تحيض فتستبرئ بشهر، لأن الحيضة يقابلها شهر. وعن الإمام أحمد رحمه الله: أنها لابد أن تستبرئ بثلاثة أشهر؛ لأن المرأة لا يعلم براءة رحمها من حيث الأشهر إلا بثلاثة، والشهر الواحد لا يكفي والشهران لا يكفيان، وهذا هو الراجح. قال: [والمرتفع حيضها ولم تدر ما رفعه]، تقدم أن عدة المرتفع حيضها ولم تدر ما رفعه سنة، وهنا قال: [بعشرة أشهر]، وذلك لأن تسعة للحمل وشهراً واحداً للأمة، لأن مدة استبراء الأمة عندهم شهر. قال: [والعالمة ما رفعه بخمسين سنة وشهر]؛ لأن اليأس عندهم بخمسين سنة وتستبرأ بشهر، وهذا معناه أن يكمل عمرها. قال: [ولا يكون الاستبراء إلا بعد تمام ملك الأمة كلها ولو لم يقبضها]، أي: يكون الاستبراء بعد تملكها، فإذا تم البيع يكون الاستبراء. قال: [وإن ملكها حائضاً لم يكتف بتلك الحيضة]، أي: هذا رجل ملك أمة وهي حائض فلا يكتفي بهذه الحيضة، حتى تحيض حيضة كاملة عنده. قال: [وإن ملك من تلزمها عدة اكتفى بها]، إذا ملك أمة وعليها عدة ثلاث حيض مثلاً، فإنه يكتفي بهذه العدة عن الاستبراء لأنه يحصل بذلك العلم ببراءة الرحم. قال: [وإن ادعت الأمة الموروثة تحريمها على الوارث بوطء مورثه] إلى أن قال: (صدقت). هذا رجل مات وعنده أمة فقالت هذه الأمة: إن أباكم كان يطؤني، فإنها تصدق لأن هذا الأمر يعلم من جهتها. قال: [أو ادعت المشتراة]، أي: اشترى أمة وادعت [أن لها زوجاً صدقت]؛ لأن هذا يعلم من جهتها. وهذه المسائل مع عدم وجود الرق ليست موجودة ولذا أخذناها على جهة الاختصار. ونقف عند هذا القدر والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

المقصود بالخضاب الذي تمنع منه المرأة المحدة

المقصود بالخضاب الذي تمنع منه المرأة المحدة Q ما المقصود بالخضاب؟ A الخضاب معروف، وهو مادة توضع على الشعر تلونه.

حكم أخذ المرأة المحدة من شعر وجهها

حكم أخذ المرأة المحدة من شعر وجهها Q بعض النساء يظهر بوجهها الشعر مما يستدعي حلقه، فما الحكم في عدة الوفاة؟ A لا، ما دام أنها في عدة الوفاة فليس لها أن تأخذ من شعر وجهها.

حكمة تحريم القهوة المزعفرة على المحدة

حكمة تحريم القهوة المزعفرة على المحدة Q ما الحكمة من عدم شرب المعتدة القهوة المطيبة بالزعفران، خاصة وأن أكثر الأطعمة تزين بهذه المادة؟ A لأن الزعفران طيب، فإذا شربت القهوة التي فيها الزعفران ورائحة الزعفران لا تزال موجودة، فهذا هو الذي ينهى عنه، لكن لو طبخ الرز بالزعفران وذهبت الرائحة فبقي اللون الأصفر فقط بحيث إن الذي يأكل لقمة الأرز لا يجد رائحة الزعفران، فهذا لا بأس به، لأنه الرائحة قد ذهبت. إذاً: إذا طبخ الزعفران حتى ذهبت رائحته فلا بأس، وأما إذا كانت هناك رائحة باقية كالقهوة فإن ذلك لا يجوز.

العدة للزوج فقط

العدة للزوج فقط Q هل شروط العدة تكون فقط للزوج أم للوالد والوالدة والأخ والأخت؟ A العدة فقط للزوج.

حكم خروج المحدة إلى حفل الزفاف بدون زينة

حكم خروج المحدة إلى حفل الزفاف بدون زينة Q تقول: هل تستطيع المرأة المعتدة الذهاب إلى الأعراس دون زينة أم تأثم؟ A إذا كان قصدها المعتدة من وفاة فالمرأة المحدة لا يجوز لها أن تذهب إلى الأعراس ولو بلا زينة، لأن ذهابها إلى الأعراس يكون في الليل والعرس ليس ضرورة. لكن إن قالت المرأة: أنا أخشى على نفسي في البيت وأهلي كلهم سيذهبون، أو تكون المرأة أحياناً مصابة بمرض نفسي بعد وفاة زوجها، وأهلها يقولون: لا نستطيع أن نتركها في البيت وحدها ولا يوجد من يجلس معها، فتذهب معهم لكن تكون في طرف ولا تتزين. فإذا كان يخشى عليها من الجلوس في البيت فإنها تذهب لدفع الضرر عنها.

حكم لبس الثوب الأخضر للمحدة

حكم لبس الثوب الأخضر للمحدة Q بعض النساء ترتدي لباساً أخضر في العدة؟ A ليس لهذا أصل، فليس هناك لون محدد للمحدة -أخضر أو غيره- بل تلبس الثوب الذي ليس بثوب زينة، بل هو ثوب مهنة وليس بثوب زينة.

حكم نفي الرجل لنسب ابنه وطلب التحليل الطبي في ذلك

حكم نفي الرجل لنسب ابنه وطلب التحليل الطبي في ذلك Q رجل ادعى أن ابنه ليس منه ونفى نسبه منه، وطلب إجراء بعض التحاليل الخاصة بالدم وكانت نتيجة التحاليل تثبت عدم نسبته إليه لكن الطبيب كتم ذلك، فما حكم هذا الفعل؟ وهل التحاليل تعتبر شرعاً؟ A مثل هذه المسائل يرجع فيها إلى القضاء، ونفيه لولده لا يصح كما تقدم إلا إذا كان يرمي المرأة بالزنا، فإذا قذف المرأة بالزنا فله أن ينفي الولد وله أن لا ينفيه، فإذا نفى الولد من غير أن يقذف المرأة بالزنا فالصحيح أن هذا لا يصح، وهذا كله من باب الاحتياط للنسل. وهذه التحاليل الطبية غير متيقنة -أي ليست يقينية- ولذا فإن مثل هذا لا يرجع إليه في مثل هذه المسائل، فالنسب أمره عظيم، فلا ينفى الشخص عن فراش أبيه إلا بعد أن يلاعن، فإذا لاعن قاذفاً المرأة بالزنا فله بعد ذلك أن ينفي الولد.

حقيقة الذهب الأبيض وحكم زكاته

حقيقة الذهب الأبيض وحكم زكاته Q تسأل عن الذهب الأبيض، وأنه قد ذكر أن الذهب الأبيض عبارة عن ذهب أصفر لكنه طلي بمادة فضية قد تنكشف عنه مع مرور الوقت، أما البلاتين فهو معدن مختلف عن الذهب؟ A لو فرض أن الذهب الأبيض كما ذكرت هذه السائلة أنه أحمر لكنه طلي بفضة فهذا تجب فيه الزكاة؛ لكن الذي أعلمه أن الذهب الأبيض نوع آخر من المجوهرات وليس هو الذهب الأصفر، لكن لو قدر أن الذهب الأصفر طلي بمادة أخرى لكنه ذهب فإن هذا الذهب تجب فيه الزكاة.

حكم من أسقطت بعد خمسة وسبعين يوما ولم تصل حتى انقطع الدم

حكم من أسقطت بعد خمسة وسبعين يوماً ولم تصل حتى انقطع الدم Q ما حكم الشرع في امرأة أسقطت ولها خمسة وسبعون يوماً ولم تصل، فهل عليها القضاء؟ A هذا لا يعد نفاساً، فإذا أسقطت لثمانين يوماً فقط أو أقل من الثمانين، أو أسقطت فوق الثمانين ولم يتبين فيه خلق الإنسان فهذا دم فساد؛ وعلى ذلك فتتوضأ وتصلي، فهذه المرأة الواجب عليها أن تصلي، وعلى ذلك فعليها القضاء لأنها فرطت في السؤال.

حكم القهوة المزعفرة للمحدة إذا لم تبق لها رائحة

حكم القهوة المزعفرة للمحدة إذا لم تبق لها رائحة Q يقال إن الزعفران إذا طبخ مع القهوة ذهب ريحه، فهل تمتنع عنه المعتدة وكذا المحرم؟ A لو قدر أن رائحته قد ذهبت فلم تبق فيه رائحة فنعم؛ لكن القهوة في العادة تطبخ طبخاً يسيراً فتبقى الرائحة تنبعث من الفم، أما لو قدر أنه طبخ طبخاً تاماً بحيث لم تبق له رائحة فالحكم يزول مع علته وجوداً وعدماً. فإذا لم تكن هناك رائحة فلا حرج.

حكم الهيل وماء الورد في حق المحدة

حكم الهيل وماء الورد في حق المحدة Q ما حكم الهيل وماء الورد في حق المحدة؟ A ماء الورد والهيل هذا ليس من الأطياب.

حكم أخذ المرأة شعر وجهها

حكم أخذ المرأة شعر وجهها Q تسأل هنا عن حكم حف الوجه، يعني أخذ الشعر منه؟ A أخذ شعر المرأة من وجهها سوى الحاجبين جائز، وكلامنا هنا في المحدة وأما غير المحدة فلها أن تأخذ الشعر من جميع جسدها إلا الحاجبين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النمص كما في الصحيحين ولعن النامصة، وأما غير الحاجب كما لو نبت لها شارب أو نبتت لها لحية، أو الشعر الذي يكون على الساقين؛ فكل ذلك يجوز للمرأة أن تأخذه لأن في ذلك زينة لها.

حكم انقضاء العدة مع بقاء كدرة أو صفرة

حكم انقضاء العدة مع بقاء كدرة أو صفرة Q تقول: إذا اعتادت المرأة على أن لا ترى الطهر المتيقن من الحيض إلا بعد أربعة أيام أو خمسة أيام متصلة من الكدرة أو الصفرة المحتبسة، بمعنى أنه كلما احشتت بالكرسف وجدت أثرها فلا ترى النقاء التام عند الحشو، فهل يكون انقضاء عدتها بانقطاع الدم أم برؤية الجفاف والنقاء؟ A لا يكون انقضاء العدة إلا برؤية الجفاف والنقاء، فإذا أدخلت القطنة فخرجت القطنة نظيفة ليس فيها شيء فهذه قد طهرت، فإذا رأت ذلك لم يضرها بعد ذلك صفرة ولا كدرة، وأما قبل ذلك فالصفرة والكدرة من الطهر من الحيض. وعلى ذلك فنقول: المرأة إذا أخذت القطنة فوضعتها وخرجت القطنة نظيفة ليس فيها أي شيء ثم خرج بعد ذلك صفرة فهذا لا يضر، أما إذا كانت الكدرة متصلة بالعادة ولم تر نقاءً تاماً فهذه لا تزال في حيض.

حكم إزالة شعر الإبطين بالليزر

حكم إزالة شعر الإبطين بالليزر Q ما حكم إزالة المرأة شعر إبطيها بالليزر؟ A إذا أخذت المرأة الشعر من الإبطين أو نحو ذلك بالليزر وكان ذلك لا يضرها فلا بأس بذلك، والأفضل أن تنتفه نتفاً.

انتهاء عهد الرق

انتهاء عهد الرق Q بالنسبة للعبيد والإماء هل انتهى وقتهم؟ A نعم، وهذا من جهة النظام الدولي الذي منع فيه الرق.

حكم الزواج العرفي

حكم الزواج العرفي Q ما حكم الثيب إذا زوجت نفسها بما يسمى بالزواج العرفي؟ A لا يصح الزواج لثيب ولا لبكر إلا بولي.

حكم طلاق المرأة لزوجها

حكم طلاق المرأة لزوجها Q المرأة التي في يدها العصمة من بداية الزواج فطلقت زوجها هل يقع الطلاق أم لا؟ A المرأة ليس بيدها عصمة شرعاً، وإذا طلقت الزوج فإن الطلاق لا يقع، لأن المرأة لا يمكن أن تكون بيدها عصمة، لكن للمرأة أن تشترط أنه إذا نكح عليها مثلاً فلها أن تفسخ نفسها فسخاً عند القاضي، وأما أن تطلق فلا. وفي النسائي يقول: (الطلاق لمن أخذ بالساق)، وهو الزوج. وقد تبين بهذا انه لم يقع الطلاق، وعلى ذلك فلا يجوز لها أن تتزوج بآخر حتى يطلقها زوجها الأول، لكن لو وكلها الزوج الأول في الطلاق فهذا باب آخر، كما لو أن الزوج نفسه قال بعد العقد: يا فلانة أمرك بيدك، فقد وكل المرأة وله أن يفسخ الوكالة. أما إذا قلنا: إن العصمة بيدها فمعناه أنها هي التي تملك العصمة وليس هو الذي يملك، أما الوكالة فهو الذي يملك وهو قد وكلها عن نفسه وله أن يفسخ هذه الوكالة متى شاء، أما كون العصمة بيدها فهذا يخالف الشرع، لأن هذا معناه أن المرأة هي التي تملك الطلاق وليس له أن يفسخ ذلك منها، فيبقى لها أن تطلقه متى شاءت وهذا أمر يخالف الشرع. والحمد لله رب العالمين.

دليل الطالب_كتاب الرضاع

دليل الطالب_كتاب الرضاع من الأبواب الفقهية التي ينبغي الاهتمام بها باب الرضاع، حيث يترتب على ذلك تحريم النكاح وثبوت المحرمية، وقد اعتنى الفقهاء بذلك وبينوا الأحكام المختلفة المتعلقة بذلك.

أحكام الرضاع

أحكام الرضاع

من يكره استرضاعها

من يكره استرضاعها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الرضاع]. الرضاع أو الرضاع -بفتح الراء وكسرها- وهو مص الثدي. وأما في اصطلاح الفقهاء فهو: مص لبن قد ثاب عن حمل أو شربه أو نحو ذلك في الحولين. هذا هو تعريفه في الاصطلاح ويتضح هذا إن شاء الله من كلام المؤلف. يقول رحمه الله: [يكره استرضاع الفاجرة والكافرة وسيئة الخلق والجذماء والبرصاء]. قالوا: لأن الرضاع يؤثر في الطباع، فقد يؤثر في هذا المرتضع، وقد جاء في أبي داود مرسلاً: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تسترضع الحمقاء)، لكن الحديث مرسل، والمرسل قسم من أقسام الحديث الضعيف، وقد روي عن عمر كما في البيهقي أن الرضاع يشبه، فيشبه هذا المرتضع أمه بالرضاع في خلقها، ولذا فإن الوالد يختار المرضعة حسنة الخلق السليمة من العيوب.

ما يترتب على الرضاع المحرم

ما يترتب على الرضاع المحرم قال: [وإذا أرضعت المرأة طفلاً بلبن حمل لاحق بالواطئ صار ذلك الطفل ولدهما]. إذا رضع هذا الطفل من امرأة، وتوفر في هذا الرضاع الشروط التي تجعله رضاعاً محرماً فماذا يترتب على ذلك؟ A يكون المرتضع وأولاده أولاداً لهذه المرضعة ولمن ثاب الحمل منه وهو الفحل. أوضح هذا بمثال: ارتضع زيد من أسماء زوجة عمرو خمس رضعات معلومات توفرت فيها الشروط، فنقول لزيد: إن أسماء أمك وإن عمراً أبوك. فإن قال: وهل يتأثر أبي؟ نقول: لا يتأثر أبوك من النسب وله أن ينكح هذه المرضعة، وكذلك أمه من النسب لا تتأثر. فإذا قال: وإخواني هل يتأثرون؟ نقول: لا يتأثرون فلأخيك أن ينكح أمك من الرضاع، والعم والخال كلهم لا يتأثرون، والذي يتأثر إنما هو هذا المرتضع وأولاده فقط فيصبح كأحد أبناء المرضعة ويصبح كأحد أبناء زوجها، وأولاده كذلك، وعلى ذلك فأختها تكون خالته من الرضاع، وأمها تكون جدته من الرضاع، وعمتها تكون عمة له من الرضاع، يعني يكون كأحد أبنائها تماماً، وكذلك كأحد أبناء صاحب اللبن وهو الزوج. أما الحواشي للرضيع من الإخوة والأخوات فلا يتأثرون، لكن أبناء المرضعة يكونون إخوانه وبناتها أخواته. إذاً: إذا رضع هذا الطفل فإنه يدخل في هذه الأسرة فيكون مثل أحد أبنائها، ننظر إلى أحد أبناء هذه المرضعة، نقول مثلاً بكر، فنقول: أنت يا زيد أصبحت كبكر، فالذي يحرم على بكر يحرم عليك، وصلات بكر صلات لك. أما إخوانه هو وأخواته فلا يتأثرون، أما أولاده فيتأثرون ويكونون كأولاد بكر من الذكور والإناث. إذاً: إذا ارتضع الطفل فإنه يتأثر هو ويتأثر أولاده دون الحواشي والأصول، والأصول كالأب والأم والجد والجدة. قال هنا: (بلبن حمل) هذا قيد، فإذا كان اللبن لم ينشأ من حمل فالمشهور في المذهب أن هذا اللبن لا يحرم، فلو أن بكراً خرج في ثديها لبن فأرضعت به طفلاً فإن هذا اللبن لا يحرم، قالوا: إنما هو رطوبة، هذا هو المشهور في المذهب. وقال الجمهور وهو رواية عن الإمام أحمد: بل يحرم لأنه لبن، فقد أرضعته من لبنها فكانت أماً له، والله جل وعلا يقول: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] فهذه قد أرضعته. والذي يحكم في هذا هم الأطباء، فإن قال لنا الأطباء: إن البكر قد يكون فيها لبن وإن هذا اللبن ينشزالعظم وينبت اللحم فهو نافع له يغذيه، فنقول: هذا لبن محرم؛ لأن الحكم يدور مع النشز وجوداً وعدماً، فأصبحت أماً له. وإن كان ذلك مجرد رطوبة فقط لا ينشز عظماً ولا ينبت لحماً فليس بلبن نافع له، فنقول: هذا ليس بشيء. قال رحمه الله: (بلبن حمل لاحق بالواطئ)، إذا تزوج المرأة فحملت وساب لبن من حملها فهذا الزوج يكون أباً لهذا الطفل، لأن النسب يلحقه في النكاح. ولو نكح بنكاح فاسد يعتقد صحته لحق به الولد وعلى ذلك فالرضاع كذلك. وإذا زنا رجل بامرأة فحملت وولدت وكان منها لبن فارتضع منه فإنها تكون أماً لهذا المرتضع، أما الزاني فلا يكون أباً؛ لأن الولد من جهة النسب لا ينسب إليه فأولى من ذلك الرضاع. ولذا قال المؤلف هنا: (لاحق بالواطئ). قال: [وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما، وأولاد كل منهما من الآخر أو غيره إخوته وأخواته، وقس على ذلك]، هذا تقدم شرحه. فإن كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما هذا الطفل ثلاث رضعات والثانية أرضعته رضعتين -وقد قلنا: إن لبن الفحل مؤثر وينسب إليه- فالآن يكون هذا أباً للرضيع، وزوجتاه لا تكونان بذلك أمين من الرضاع، لأن كل واحدة لم ترضعه خمساً، وعلى ذلك فكل واحدة منهما تكون زوجة أبيه من الرضاع، فتكون محرمة عليه، لأن الرجل أبوه من الرضاع وهذه زوجة أب، وزوجة الأب من الرضاع محرمة عند جمهور العلماء، وعلى ذلك فلا تحتجب عنه. والرضاع لا يوجب نفقة ولا يوجب ولاية ولا ترد به الشهادة في حق الأصول والفروع، وإنما هو تحريم في النكاح وما يترتب على ذلك من دخوله على المرأة وعدم احتجابها منه فقط، ولذا لا ينفق الأب على أولاده من الرضاع ولا ينفق الرضيع على أمه من الرضاع، وإذا فعل ذلك فإنما هو من الإحسان فقط ولا يجب ذلك. ولا تثبت بذلك ولاية النكاح فلا يقول: أنا وليها في النكاح لأني أبوها من الرضاع. إذاً الذي يترتب على ذلك هو تحريم النكاح فقط، فتكون هذه محرمة عليه لأنها أمه من الرضاع، ويترتب على ذلك دخوله عليها وجواز سفره بها وجواز خلوته بها ونظره إليها. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتحريم الرضاع في النكاح وثبوت المحرمية كالنسب]، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وقال الله جل وعلا: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23].

عدد الرضعات المؤثرة في التحريم

عدد الرضعات المؤثرة في التحريم قال: [بشرط أن يرتضع خمس رضعات]، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي عليه الصلاة والسلام وهن فيما يقرأ من القرآن)، لكن الآيتين منسوختان لفظاً ونسخ حكم العشر أيضاً، وأما آية الخمس رضعات فنسخ لفظها وبقي حكمها، وكان من الناس من لم يعرف بنسخ التلاوة فكان يتلوها، ولذا قالت: (فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يتلى من القرآن). وهذا المذكور هو مذهب الشافعية والحنابلة، قالوا: إن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمساً، فإذا رضع خمس رضعات معلومات ثبت التحريم. وقال المالكية والأحناف: يحرم الرضاع ولو مرة، فإذا ارتضع الطفل من المرأة ولو مرة حرمت، قالوا: لإطلاقات الأدلة: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23]. ولما ثبت في الصحيحين: (أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فأتت امرأة وقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها قال: كيف وقد قيل؟ فنكحت زوجاً آخر). قالوا: فهذه إطلاقات تدل على أن الرضاع يحرم ولو مرة. وقال الظاهرية: بل التحريم يثبت بثلاث رضعات، لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في صحيح مسلم: (لا تحرم المصة والمصتان)، من حديث عائشة. ومن حديث أم الفضل: (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان). قالوا: فهذا يدل على أن الرضاع يحرم بالثلاث. والجواب أن نقول: أما ردنا على الظاهرية فنقول: هذا مفهوم، وعندنا منطوق بأنه يحرم من الرضاع خمس رضعات كحديث عائشة: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس) والمنطوق عند أهل الأصول يقدم على المفهوم. وأما ما استدل به الأحناف والمالكية فنقول: هذه نصوص مطلقة وأحاديثنا مقيدة، والواجب هو تقييد إطلاقات النصوص، ولأن الأصل هو الحل: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]. فإذا قلنا تحرم المصة الواحدة أو الرضعة الواحدة فإن هذا فيه تحريم غير متيقن، والله يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]. وعلى ذلك فنقول: إن الصحيح أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات كما في حديث عائشة رضي الله عنها، وقال هنا: [في العامين] لقوله جل وعلا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]. وفي الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً والصواب وقفه أنه قال: (لا رضاع إلا في الحولين).

حكم رضاع الكبير

حكم رضاع الكبير وقال أهل الظاهر: بل رضاع الكبير يحرم ولو كان ابن خمس عشرة سنة أو ابن عشرين سنة، واستدلوا بما ثبت في صحيح مسلم أن سهلة بنت سهل زوج أبي حذيفة قالت: (يا رسول الله إن سالماً قد بلغ مبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإني أرى في نفس أبي حذيفة شيئاً)، في رواية: (أنه ذو لحية)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أرضعيه تحرمي عليه). أهل العلم لهم في هذا الحديث ثلاثة مسالك: أهل الظاهر قالوا بظاهره. والجمهور قالوا: هذه واقعة عين خاصة بـ سالم، ولذا جاء في صحيح مسلم أن عائشة كانت تقول بذلك رضي الله عنها قال: وأبت سائر نساء النبي عليه الصلاة والسلام ذلك وقلن: إنما هي رخصة أرخصها النبي عليه الصلاة والسلام لـ سالم خاصة. واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الجوزية أن ذلك خاص بـ سالم ومن كان مثل سالم، وعلى ذلك فالخصوصية خصوصية وصف لا خصوصية عين، فمن كان وصفه كوصف سالم فله حكم سالم، وهذا هو الأصل، وأن الشرع لا يخصص أحداً دون أحد. وعلى ذلك فلو أن امرأة ربت لقيطاً فلما بلغ فإذا به يحرم عليها، فما هو الحل؟ A الحل أن ترضعه، فهي لا تصبر عنه حيث أصبح كابنها، وهو لا يصبر عنها حيث أصبحت كأمه فقد ربته، وعلى ذلك فالصحيح أنها خصوصية وصف، هذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية. إذاً: الرضاع المحرم هو ما كان في الحولين هذا هو الأصل، وعلى ذلك فلو ارتضع ابن ثلاث سنين أو ابن سنتين وأيام فهل يؤثر ذلك؟ لا يؤثر، لكن إذا كان كحال سالم كلقيط أو نحو ذلك فإن له هذا الحكم، ورضاعه وإن كان كبيراً يؤثر. ثم قال رحمه الله: [فلو ارتضع بقية الخمس بعد العامين بلحظة لم تثبت الحرمة] لأن الرضاع قد خرج بعضه عن الحولين. إذاً لابد أن يرتضع هذا الطفل خمس رضعات معلومات، فيكون هذا في الحولين، فلو أرضعته أربعاً في الحولين وواحدة بعد الحولين، لم تحرم عليه.

ضابط الرضعة الكاملة

ضابط الرضعة الكاملة قال: [ومتى امتص الثدي ثم قطع ولو قهراً ثم امتص ثانياً فرضعة ثانية]، الآن أريد أن أعرف ما هي الرضعة حتى نحسب خمس رضعات، قالوا: لو امتص الثدي الأيمن مثلاً ثم إن المرأة نزعت منه هذا الثدي قهراً لأنه أتعبها مثلاً ثم ألقمته الثدي الآخر، فهذه رضعة وهذه رضعة. ولو أنه ارتضع من ثديها ثم عطس ثم عاد قالوا: فهذه رضعة ثانية، هذا هو المشهور في مذهب الحنابلة. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية ووجه في مذهب أحمد واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ محمد بن عثيمين وطائفة من أهل العلم قالوا: الرضعة إنما تحسب إذا كانت كاملة، والرضعة الكاملة هي التي يترك فيها الثدي باختياره، ويدل على ذلك العرف، فأنت عندما تتعشى ربما تعطس وترفع يدك من طعام إلى طعام ومن إناء إلى إناء وكل ذلك يسمى وجبة، فكذلك هذا الطفل إذا انتقل من ثدي إلى ثدي أو عطس أو نحو ذلك فهذا كله رضعة؛ لكن لو عاد بعد ربع ساعة فهذه رضعة ثانية؛ لأن الطفل قد يرتضع بعد ربع ساعة أو بعد نصف ساعة أو بعد ساعة، فربما يجلس يوماً واحداً عند امرأة وترضعه خمس رضعات، كأن تتركه أمه وتذهب إلى المستشفى يوماً وترضعه هذه المرأة خمس رضعات، يرتضع ثم يترك باختياره ثم يعود ويرتضع ثم يترك باختياره وهكذا. إذاً إذا تركه للتنفس أو لعطاس أو لينتقل من ثدي إلى ثدي إما قهراً أو باختياره فالذي يظهر أن ذلك كله رضعة واحدة.

حكم السعوط والوجور واللبن المشوب بالماء

حكم السعوط والوجور واللبن المشوب بالماء ثم قال: [والسعوط في الأنف والوجور في الفم] هذا كله رضاع. والوجور أن يصب في فيه صباً. والسعوط في أنفه، كأن يضعوا أنبوباً ويصب لبن هذه المرأة من أنفه، فهذا يسمى رضاعاً، لأن هذا ينشز العظم وينبت اللحم. [أو أكل ما جبن]، كما لو وضع كهيئة جبن فأكله فكذلك، [أو خلط بالماء]، كأن وضع في الكوب فأعطي هذا الطفل فلم يشرب، فوضع فيه شيء من الماء وبقي لونه وطعمه ورائحته، ولذا قال المؤلف: [وصفاته باقية] فإنه يحرم. إذاً: اللبن المشوب بالماء إذا كانت صفات اللبن باقية فإنه يحرم، ولذا قال: [كالرضاع في الحرمة]. إذاً: لا يشترط أن يمص الثدي بل لو شرب أو استعط أو جبن له أو زيد عليه شيء من ماء بحيث إنه لا تزال صفاته باقية فإن ذلك كله يعد رضاعاً.

الشك في الرضاع

الشك في الرضاع ثم قال: [وإن شك في الرضاع أو عدد الرضعات بنى على اليقين]، هذا الرجل يقول: أنا شك هل أرضعته فلانة أم لا؟ وأنت يا فلانة هل أرضعته؟ قالت: ما أدري، فلا يثبت الرضاع ويثبت التحريم، لأن اليقين لا يزول بالشك. أو شك في عدد الرضعات فقال: لا أدري هل أرضعته أربعاً أم خمساً. وأنت يا فلانة كم أرضعته؟ قالت: لا أدري، هل أرضعته أربعاً أم خمساً، فليس هذا الرضاع محرماً لأن اليقين لا يزول بالشك. إذاً: إذا حصل شك في عدد الرضعات أو في أصل الرضاع فلا تحريم لأن اليقين لا يزول بالشك. قال: [وإن شهدت به مرضية ثبت التحريم]، إذا شهدت به ولو امرأة واحدة وهذه المرأة مرضية فإن التحريم يثبت ولو كانت هي المرضعة، ولذا تقدم لكم في حديث عقبة بن الحارث أن المرأة قالت: (إني أرضعت عقبة والتي تزوج، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها). وهذا هو الصواب وهو المشهور في المذهب، ولذا قال الشعبي: كان السلف يفرقون بين الرجل والمرأة في الرضاع بشهادة المرأة الواحدة، ولأن الغالب أن الرضاع إنما تشهد به واحدة، وهي المرضعة.

حكم من حرمت عليه بنت امرأة أو رجل

حكم من حرمت عليه بنت امرأة أو رجل قال: [وإن شهدت به مرضية ثبت التحريم، قال: ومن حرمت عليه بنت امرأة كأمه وجدته وأخته]، الآن بنت أمك حرام عليك لأنها أختك، وبنت جدتك حرام لأنها إما خالة وإما عمة، وبنت أختك حرام عليك يقول: فإذا أرضعت أمه أو جدته أو أخته أو أي امرأة أرضعت طفلة فإنها تحرم عليه لأن بنتها تحرم عليه، [إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه أبداً]. هذا رجل له امرأة وزار صاحباً له فولدت امرأته بنتاً وأهدى له هدية وقال هذا الرجل: إن أحببت أن أزوجك هذه البنت زوجتك إياها، فقال: رضيت، قال: إذاً هذه زوجتك وإذا كبرت فخذها، فأصبحت هذه الطفلة زوجة له، فعلمت الزوجة الأخرى فأرسلت أمه فأرضعتها فما حكم هذه البنت الآن؟ أصبحت أختاً له من الرضاع، فإن أرضعتها زوجته حرمتا جميعاً، أما الصغيرة فهي ابنته من الرضاع، وأما الكبيرة فتكون أم زوجته من الرضاع. قال: [ومن حرمت عليه بنت رجل كأبيه وجده وأخيه وابنه إذا أرضعت زوجته بلبنه طفلة حرمتها عليه أبداً]، وهذا واضح أيضاً. الآن بنت أبيك حرام عليك لأنها أختك، فإذا أرضعت امرأة أبيك طفلة فتكون هذه الطفلة أختاً لك من الرضاع، وهذا يعود إلى المسألة التي تقدم شرحها، وأن الذي يتأثر بالرضاع هو المرتضع وأولاده دون الحواشي. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم خروج المرأة مع الأخ لها في الرضاع إذا خشيت الفتنة

حكم خروج المرأة مع الأخ لها في الرضاع إذا خشيت الفتنة Q ما حكم خروج المرأة مع الأخ لها من الرضاع إذا كانا في سن الشباب؟ A إن خروج المرأة مع الأخ لها في الرضاع الأصل جوازه لأنه محرم لها، ولكن إذا لم يؤمن عليهما لكونه شاباً وهي شابة فهذا باب آخر. وقد يمنع الرجل أبناءه من الخلوة بزوجته، كأن يتزوج امرأة عمرها ست عشرة سنة أو خمس عشرة سنة، ويكون له ابن شاب عمره عشرون سنة ولا يأمن عليها فلا يجعله يسافر بها وهو محرم لها، وهذه المسألة راجعة إلى خشية الفتنة، فإذا خاف الفتنة فإنه يمنع من ذلك، ولذا كثير من الناس يقول: ابني لا أطمأن أن يسافر بأخته التي في سنه لأنه في السفر قد يطمع بها وقد يحسن الشيطان لهما الفساد، فهذا أمر يرجع إلى فساد الزمان أو صلاح الزمان وفساد الناس أو نحو ذلك، أما في الأصل فهي محرم له.

اشتراط الإشباع في الرضاع

اشتراط الإشباع في الرضاع Q هل يشترط الإشباع في الرضاع؟ A يعني كل رضعة وجبة. الإشباع هذا أمر يختلف قد يكون مريضاً لا يشبع، يعني لا نشترط نحن أن تكون مشبعة فقد يكون مريضاً فارتضع رغبته وحاجته ثم ترك.

حكم شرب الرجل من لبن زوجته

حكم شرب الرجل من لبن زوجته Q ما حكم من شرب لبن زوجته باستمرار من حيث تحريم المصاهرة والشرب، بمعنى هل يعتبر هذا اللبن مباحاً في حقه؟ وماذا إذا كان الزوج صغيراً؟ A إذا شرب لبن امرأته فهذا لا يؤثر ما دام أنه زوج بالغ؛ لكن لو كان طفلاً صغيراً في الحولين فإنه يؤثر.

الشك في عدد الرضعات

الشك في عدد الرضعات Q تقول: أذكر أن أختي أرضعت ابناً لي ولم أتذكر كم رضعة لكن أذكر أنها أجلسته على حجرها فترة طويلة تلاعبه وترضعه فما حكم ذلك وقد يكون أرضعته أكثر من مرة؟ A ما دام أن هناك شكاً منك فراجعي الأخت فإن قالت: أنا لا أدري وأنت كذلك، فالأصل هو الحل.

حكم قول المرضعة إنها أرضعت الطفل مرات كثيرة

حكم قول المرضعة إنها أرضعت الطفل مرات كثيرة Q تقول: وكذلك زوجة خالي أرضعته، والذي أتذكره أنها مرة واحدة، لكن هذه المرأة قالت: إنها أرضعته مرات كثيرة؟ A إذا كانت المرأة تقول: إنها أرضعته مرات كثيرة فإنها تسأل عن عدد المرات الكثيرة، فإن قالت: إنها خمس رضعات أو ست أو سبع فيرجع إليها في هذا.

حكم شرب الطفل حليب المرأة من كوب ونحوه

حكم شرب الطفل حليب المرأة من كوب ونحوه Q في هذا الزمن توجد أدوات لاستخراج حليب الثدي، فهل إذا استخرجنا هذا الحليب أو شربه طفل ابن سنة من الكوب فهل تكون رضعة؟ A إذا كان فيه نفع الحليب تماماً، وهو أن ينبت اللحم وينشز العظم، فإن التحريم يثبت، وأما إذا كان مجرد رطوبة فلا يثبت به التحريم.

حكم استئذان الأب في إرضاع الابن

حكم استئذان الأب في إرضاع الابن Q هل يجب استئذان الأب في إرضاع ابن من أي امرأة من صديقاتي وأخواتي وأخوات لي ثقات؟ A الأولى بل يقوى وجوب ذلك إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فالأظهر وجوب استئذان الأب في إرضاع ابنه، إلا أن تكون هناك حاجة داعية كأن يخشى على الطفل، كأن دخلت مثلاً مستشفى ووضعت الطفل عند امرأة فالحاجة حينئذٍ داعية، أو تأخرت مثلاً عند الطبيب وتركت الطفل مع امرأة في الخارج فأخذ يبكي فأرضعته فهذه حاجة؛ لكن مثل هذه الحاجة تندفع بدون خمس، أما إرضاعه خمس رضعات فلا ترضعيه إلا بإذن أبيه.

دليل الطالب_كتاب النفقات

دليل الطالب_كتاب النفقات عقد النكاح عقد محترم في الإسلام، وقد رتب عليه الشرع حقوقاً للزوجة على زوجها، فيجب عليه النفقة والكسوة والسكنى بالمعروف، ولا يسقط ذلك إلا في حالات مستثناة كالنشوز. وكذلك تجب النفقة على السيد لمماليكه وأن يعاملهم بالرفق والمعروف، كما يجب على المرء الإحسان إلى أقاربه الفقراء والنفقة عليهم بالمعروف، وفي ذلك تفاصيل للفقهاء بحسب الأدلة الواردة في ذلك.

ما يجب على الزوج من النفقة

ما يجب على الزوج من النفقة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب النفقات]. النفقة: هي إعطاء من يجب أن يمونه قوته وكسوته ومسكنه وما يتبع ذلك. والنفقة في اللغة هي الدراهم. وأما في الاصطلاح فهي: إعطاء من يمونه كفايته من المسكن والكسوة والقوت وما يتبع ذلك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب على الزوج ما لا غنى لزوجته عنه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بالمعروف]، قال جل وعلا: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7] وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). وقال كما في صحيح مسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وفي أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: (ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت). فيجب على الزوج ما لا غنى لزوجته عنه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بالمعروف، يعني بالعرف. قال: [ويعتبر الحاكم ذلك إن تنازعا بحالهما]، يعني: إذا تراضيا على النفقة فلهما ذلك، حتى لو كان غنياً فأعطاها نفقة المتوسط أو نفقة الفقير وقد رضيت فهذا إليها، وإلا فإن الأصل أنه ينفق من سعته إذا وسع الله عليه، وإذا ضيق عليه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. وقوله: (ويعتبر الحاكم ذلك إن تنازعا بحالهما)، يعني: ينظر إلى حال الزوج وينظر إلى حال الزوجة فيعتبر ذلك بحال الزوجين جميعاً، فلو قدر أن الزوج غني والزوجة فقيرة في الأصل، فالواجب عليه أن يعطيها نفقة متوسط، لأن الاعتبار بحال الزوجين. ولو قدر العكس فكذلك، ولو قدر أنهما متوسطان فنفقة متوسط. إذاً: ينظر إلى حال الزوج وينظر إلى حال الزوجة. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية وهو قول في المذهب وهو الراجح: أن الاعتبار بحال الزوج، فإن كان غنياً فنفقة غني، وإن كان متوسطاً فنفقة متوسط، وإن كان فقيراً فنفقة فقير، لقوله جل وعلا: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] فاعتبر الله جل وعلا حال الزوج. وهنا تفاصيل يذكرها الفقهاء والصحيح في هذه التفاصيل أنا نرجع إلى العرف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بذلك فقال عليه الصلاة والسلام: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فما تلبسه المرأة وما تأكله وما تتزين به ونفقة العلاج كل ذلك يرجع إلى العرف، فإن حكم به العرف حكمنا به، فمرجع ذلك إلى العرف. قال المؤلف هنا: [وعليه مؤنة نظافتها من دهن وسدر وثمن ماء الشرب والطهارة من الحدث والخبث وغسل الثياب]، هذه عليه لأن العرف يحكم بذلك، لكن ما تتزين به المرأة وتتجمل به من كحل أو غير ذلك قالوا: لا يجب، والصحيح أنه يجب للعرف. قال: [وعليه لها خادم إن كانت ممن يخدم مثلها]، أي: إن كانت المرأة ممن يخدم مثلها في العادة فيجب أن يأتي لها بخادم تخدمها، لأن هذا هو العرف، وذلك إذا كان مثلها يخدم، فإن كان مثلها لا يخدم فلا، كأن كانت في الأصل فقيرة لا يخدم مثلها، العرف عندنا هنا لا ينظر إلى أصلها، وإنما ينظر إلى حالها وإلى حال زوجها، فلو كان زوجها ثرياً مثله يأتي بالخدم قالوا: يجب هنا في العرف، ولو كانت شابة لا ولد لها فالعرف في غالب البلاد لا يقضي بالخادمة، لكن إذا كانت أم أولاد فإن العرف في بعض البلاد يقضي لها بالخادم، إذاً: نرجع إلى العرف.

وقت دفع نفقة الزوجة وكسوتها

وقت دفع نفقة الزوجة وكسوتها قال: [فصل: والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم]. الواجب عليه أن يعطيها في أول كل يوم طعامها، هذا في العرف القديم، يعني إذا كان الصباح أخذ لها حفنة من أرز أو حفنة -مثلاً- من طحين وقال: هذا طعام هذا اليوم؛ لكن العرف الآن ليس على هذا. قال: [ويجوز دفع عوضه إن تراضيا]، إن قال: أعطيك يا فلانة كل شهر خمسمائة ريال، وتكون هذه هي النفقة فرضيت فلا بأس، وإن قالت: لابد أن تأتي بالطعام فلها ذلك، لأن الواجب أن يطعمها لا أن يعطيها دراهم تشتري بها الطعام. قال: [ولا يملك الحاكم أن يفرض عوض القوت دراهم إلا بتراضيهما]، إن ترافعا إلى القاضي فالقاضي لا يفرض دراهم إلا بالتراضي؛ لأن لها أن تقول: أنا لا أقبل الدراهم وإنما أريد أن يؤتى لي بالطعام، لأن ذلك يحتاج إلى مؤنة. قال: [وفرضه ليس بلازم]؛ لأنه فرض غير واجب. قال: [وتجب لها الكسوة في أول كل عام]، أي: في أول كل عام يعطيها الكسوة السنوية، لكن الصحيح أن هذا يرجع إلى العرف، فقد تتعدد الكسوة باختلاف البلدان غنى وفقراً، عسراً ويسراً. وعلى ذلك نقول: يرجع هذا إلى العرف لما تقدم، فالقاعدة هي الرجوع إلى العرف. قال: [وتملكها بالقبض فلا بدل لما سرق أو بلي]، لو سرق منها أو بلي لم يلزمه أن يأتي لها ببدل، والصحيح في العرف أنه يلزمه ذلك. قال: [وإن انقضى العام والكسوة باقية فعليه كسوة للعام الجديد، وإن مات أو ماتت قبل انقضائه رجع عليها بقسط ما بقي] إذا أعطاها كسوة للعام من أوله فماتت بعد ستة أشهر أو مات بعد ستة أشهر وكانت الكسوة تسوى مائة فإنه يرجع بخمسمائة؛ لكن العرف يخالف هذا. قال: [وإن أكلت معه عادة أو كساها بلا إذن سقطت]، هذه عادة الناس، فعادة الناس أن المرأة تأكل وتكسى من غير أن يقول: هذه كسوتك وتقول: رضيت، أو يقول: هذا قوتك وتقول: رضيت، فالعادة أنها تأكل معه في بيته وتلبس مما يأتي لها من الثياب. ثم قال: هنا إذا غاب الزوج عن زوجته مدة، ولم ينفق عليها فهل لها أن ترجع بالنفقة، أم تسقط نفقة الزوجة بمضي الزمان؟ A لا تسقط نفقة الزوجة بمضي الزمان، وهذه من الفروق بين نفقة الأقارب كالولد ونفقة الزوجة، فنفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمن، ونفقة الأقارب تسقط بمضي الزمن، ولذا جاء في سنن البيهقي أن عمر رضي الله عنه بعث إلى أمراء الأجناد في أناس تركوا نساءهم بأن يأخذوهم على أن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. فالمرأة لها أن تطالب زوجها بنفقة ما مضى، فإذا تركها سنة لا ينفق عليها ثم جاء يقول: أنت الآن أكلت وشربت والحمد لله، فإنا نقول: لها أن تطالب بالنفقة، فهذا حق لها، ولذا تجب في حال عسره ويسره، فنفقة الزوجة على الخصوص دون نفقة الأقارب لا تسقط بمضي الزمان.

ما يسقط نفقة الزوجة وما لا يسقطها

ما يسقط نفقة الزوجة وما لا يسقطها قال: [فصل، والرجعية مطلقاً] إلى أن قال: كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن، لأن الرجعية زوجة، ولذا قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:228] فهو بعل لها، فبمقتضى الزوجية يجب أن ينفق، ولذا قال الله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1] فبيته بيتها، وعلى ذلك إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً فلها النفقة ولها الكسوة ولها السكنى، ولذا جاء في المسائل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما النفقة والسكنى لمن تملك الرجعة). إذاً الرجعية إنما يسقط قسمها في المبيت فقط، وأما نفقتها وكسوتها وسكناها فلا تسقط. قال: [والبائن والناشز الحامل]. أي: البائن الحامل، فإذا طلق امرأته بالثلاث بانت منه بينونة كبرى، فلا ينفق عليها لأنها ليست بزوجة ولذا لا ترث ولا تورث، ولكن إن كانت حاملاً فإنه ينفق عليها. قال الله جل وعلا: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود: (لك النفقة إن كنت حاملاً)، قال ذلك للبائن. وجاء في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاثاً فلم يجعل لها النبي عليه الصلاة والسلام سكنى ولا نفقة. إذاً: البائن التي طلقها بالثلاث لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً، فإذا كانت حاملاً فإنه ينفق عليها حتى تضع حملها، وهل النفقة للحمل أو النفقة لها هي من أجل الحمل، المشهور في المذهب أن النفقة للحمل، لأنها وجدت بوجوده وتنتفي بانتفائه. والقول الثاني وهو رواية عن أحمد: أن النفقة لها هي من أجل الحمل، قالوا: بدليل أنها تجب في حال العسر واليسر، قالوا: فدل أنها لها. واختار شيخ الإسلام أنها لها وللحمل جميعاً، فقال: هي للحمل ولها. ويترتب على الخلاف أنا إذا قلنا إنها للحمل فإنها تسقط بمضي الزمن، وإذا قلنا لها من أجل الحمل فلا تسقط بمضي الزمن. وشيخ الإسلام يقول بالأمرين جميعاً، وهذا هو الصحيح، لأن النفقة للحمل فتنتفي بانتفائه وتوجد بوجوده ولها من أجل هذا الحمل. وعلى ذلك فنقول: النفقة للحمل ولها، ولذا تجب النفقة في حال العسر واليسر على الحامل، ولا تسقط بمضي الزمان، فهي للحمل لأنها إنما وجبت لوجوده، وتجب لها من أجل حملها، ولذا لا تسقط بمضي الزمان. والناشز كذلك إن كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها، فالمرأة إذا عصت أو نشزت فلا نفقة لها، وإن كانت حاملاً فلها النفقة. لو أن المرأة خرجت من بيت زوجها بلا رضاه إلى أهلها ومكثت عند أهلها ناشزاً فلا ينفق عليها، فإن كانت حاملاً وجب أن ينفق. قال: [والمتوفى عنها زوجها حاملا]، كذلك المتوفى عنها زوجها يؤخذ من تركته وينفق عليها، وتقتسم معهم الباقي؛ لكن يؤخذ من أصل التركة ما يكفيها نفقة وكسوة وسكنى، لأنها حامل. قال: [كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن]، فالرجعية مطلقاً والبائن الحامل والناشز الحامل والمتوفى عنها إذا كانت حاملاً هن كالزوجة في النفقة والكسوة والمسكن. قال: [ولا شيء لغير الحامل منهن]، أي: من الثلاث.

حكم نفقة الزوجة إذا سافرت لحاجتها أو لنزهة أو زيارة

حكم نفقة الزوجة إذا سافرت لحاجتها أو لنزهة أو زيارة قال: [ولا لمن سافرت لحاجتها أو لنزهة أو زيارة ولو بإذن الزوج]، يقول: إذا سافرت المرأة لتزور أهلها فلا نفقة لها ولو بإذنه، وإن زارت أهلها في البلد ولو بغير سفر، أو حجت تطوعاً أو نحو ذلك، وكذلك حج الفرض، قال: فلا نفقة لها. والصحيح وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن لها النفقة إلا أن تكون ناشزاً أو عاصية، فالنفقة بمقتضى الزوجية. وهم قالوا: لأنه لا يستمتع بها في هذه الحال لأمر من جهتها، وإذا سافرت ولو بإذنه انقطع استمتاعه عنها؛ لكن نقول: إن النفقة إنما تجب بمقتضى الزوجية، ولا يسقط حقها من النفقة إلا إذا نشزت أو عصت. وعلى ذلك فإذا استأذنته لحج تطوع أو حجت فرضاً ولو بلا إذنه -لأن الفرض لا يحتاج إلى إذن- أو سافرت إلى أهلها أو ذهبت لنزهة، إن كان ذلك بإذنه فيجب أن ينفق، لكن لو زارت أو سافرت إلى أهلها بلا إذنه فهذه عاصية. قال: لكن إذا كان سفرها لأهلها بمقتضى العرف والعادة -لأن العادة أنهم يسمحون لنسائهم أن يسافرن في السنة مرة- فيجب أن يأذن لها، وإن سافرت ولو بلا إذنه لم يسقط حقها من النفقة لأن هذا السفر حق لها وليس له أن يمنعها؛ لكن عليها أن تطيب خاطره وأن لا تذهب إلا بإذنه، وقد تقدم أن هذه الأمور ترجع إلى العرف.

حكم اختلاف الزوجين في أخذ النفقة والنشوز

حكم اختلاف الزوجين في أخذ النفقة والنشوز قال: [وإن ادعى نشوزها أو أنها أخذت نفقتها وأنكرت فقولها بيمينها]، إن ذهبت إلى القاضي تطالب بالنفقة، فقال: لقد أخذت النفقة، فعليها اليمين، وعلى ذلك فالقول قولها وتحلف، فإذا حلفت أعطاها نفقة ما مضى. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام قالوا: إن القول قول الزوج لأن العرف يشهد بذلك، فسكوت المرأة عن المطالبة فيما مضى والناس ينفقون على زوجاتهم من غير أن يأتوا ببينة تشهد بذلك، أي أنه لا أحد يأتي ببينة ويقول: انظر فأنا أنفق على امرأتي، فكونها ساكتة في بيته وليس لها ما تنفق منه يدل على أنها تأكل من بيته، وعلى ذلك فالقول قوله لكن بيمينه، فنقول له: القول قولك أنت لكن احلف أنك كنت تنفق عليها، وذلك لأن دلالة الحال أقوى من الأصل. أي أنه تعارض عندنا في هذه المسألة الأصل ودلالة الحال، فالأصل عدم النفقة، ولذا قال الفقهاء إن اليمين على الزوجة لأن الأصل معها، والآخرون قالوا: دلالة الحال أن المرأة ما دام في بيت زوجها فإنه ينفق عليها، ودلالة الحال أقوى من الأصل.

حكم إعسار الزوج بالنفقة أو غيابه دون ترك النفقة

حكم إعسار الزوج بالنفقة أو غيابه دون ترك النفقة قال: [ومتى أعسر بنفقة المعسر]، يعني أصبح لا يستطيع أن ينفق عليها حتى نفقة المعسرين، فإذا أعسر بنفقة المعسر، [أو كسوته أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يوماً دون يوم، أو غاب الموسر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها]، أي فليس عنده طريق أخرى تأكل منه، فلا تستطيع أن تذهب إلى البقالة أو التموينات فتقول: اكتبوا على زوجي حتى يأتي، قال: [فلها الفسخ فوراً ومتراخي]. هذا رجل أصبح لا يقدر أن ينفق على امرأته حتى نفقة المعسر، أو يقدر يوماً ويعجز يوماً، أو هو قادر لكنه سافر ولم تقدر على الاستدانة عليه، قالوا: فلها الفسخ، واستدلوا بما روى الدارقطني عن سعيد بن المسيب: أنه قال فيمن لا يقدر على أن ينفق على امرأته: يفارقها، فقيل له: سنة؟ قال: سنة. ومراسيل سعيد بن المسيب عند أهل العلم يحتج بها، هذا هو المذهب. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الأحناف ورواية عن أحمد واختيار ابن قيم الجوزية واختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قالوا: بل ليس لها أن تفسخ، ولا يمكنها القاضي من الفسخ إلا أن تكون مضطرة إلى ذلك، أي في ضرورة. المذهب يقولون: حتى لو كانت المرأة غنية، أو كان هناك من ينفق عليها، كما لو قال أبوها: أنا أنفق، أو كانت هي موظفة أو لها مال إرث؛ يقول: فلها أن تفسخ ما دام أنه عجز عن نفقة المعسر أو سافر ولم يترك لها نفقة ولم تتمكن من الاستدانة، أي أن لها الفسخ مطلقاً. أما أهل القول الثاني فقالوا: إنه ليس لها الفسخ إلا إذا دفعتها إلى ذلك الضرورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، فإذا خشيت على نفسها الضرر حيث لم يكن عندها شيء تنفق منه، فليس هناك مال قد ورثته ولا وظيفة ولا غير ذلك، فما دام أنها تخشى على نفسها الضرر فلها أن تفسخ. قالوا: لأن العسر كان كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والعسر واليسر مطيتان يركبهما ابن آدم، فلو مكنا كل امرأة من أن تفسخ نفسها من وزجها إذا أعسر لكثر ذلك، وإنما نمكنها فقط إذا خشيت الضرر على نفسها فندفع عنها الضرر بذلك، وهذا هو الصحيح. ثم قال رحمه الله: [ولا يصح بلا حاكم]، الفسخ هنا لا يصح بلا حاكم لأنه مختلف فيه، فلابد من حاكم، فلا تمكن المرأة من أن تفسخ نفسها وتذهب إلى أهلها وتنتظر الأزواج وتقول: أنا قد فسخت نفسي، بل لابد أن يحكم بذلك القاضي، [فيفسخ بطلبها أو تفسخ بأمره]، إذاً: لابد من أن يكون هناك فسخ مبني على أمر القاضي.

حكم أخذ النفقة من مال الزوج إذا امتنع عنها

حكم أخذ النفقة من مال الزوج إذا امتنع عنها قال: [وإن امتنع الموسر من النفقة أو الكسوة وقدرت على ماله فلها الأخذ منه بلا إذنه بقدر كفايتها وكفاية ولدها الصغير]، هذه تسمى بمسألة الظفر. هذه امرأة لا ينفق عليها زوجها حيث إنه شحيح عليها، فلها أن تأخذ من مال زوجها ما تنفق به على نفسها وعلى أولادها بالمعروف يعني ما يكفيهم عرفاً. لا نقول: خذي بقدر ما تأكلين وتشربين، بل نقول: حتى الكسوة وإن كان زوجك غنياً تأخذين مالاً يكفي لكسوة سنة تناسب غنى زوجك إلى آخر ذلك. وهذه تسمى بمسألة الظفر عند أهل العلم، ومسألة الظفر هي أن يكون لك حق واضح ظاهر على شخص وليس بحق خفي، فإذا ظفرت بحقك من خصمك فلا حرج عليك، وذلك إذا كان السبب ظاهراً، كما لو نزلت ضيفاً على أحد في مكان ليس فيه مطاعم -كما كان الناس في القديم يمرون في الطرق أو في القرى الصغيرة- فإذا نزلت ضيفاً عليه فلم يقرك فلك أن تأخذ قراك، وكذلك الولد إذا كان أبوه لا ينفق عليه فله أن يأخذ نفقته؛ لأن السبب هنا سبب ظاهر. فإن كان السبب خفياً فلا، فمثلاً: هذا رجل أعطاك عشرة آلاف أمانة وكنت قد أقرضته قبل ذلك خمسة آلاف ريال وجحدها ولا بينة لك عليه، فليس لك أن تأخذ، لأنه ليس لك بينة، وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك). لكن إن كان لك شهود يشهدون أنك قد أقرضته خمسة آلاف ريال أو كان مقراً بذلك فأخذت حقك فهذا سبب ظاهر. إذاً: إذا كان السبب ظاهراً فلك أن تظفر بحقك، وإن كان السبب خفياً فلا. مثال الخفي أيضاً: ما يأخذه بعض الناس من بيت المال، فإذا استطاع البعض أن يأخذ شيئاً زائداً على بعض البنود أخذ وقال: هذا حقنا من بيت المال، فنقول: لا، هذا سبب خفي وليس بسبب ظاهر، فلا يجوز ذلك.

أحكام نفقة الأقارب والمماليك

أحكام نفقة الأقارب والمماليك

شروط وجوب النفقة على الأقارب

شروط وجوب النفقة على الأقارب ثم قال رحمه الله: [باب نفقة الأقارب والمماليك. يجب على القريب نفقة أقاربه وكسوتهم وسكناهم بالمعروف بثلاثة شروط] يعني تجب بثلاثة شروط: قال جل وعلا: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83] وقال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26]. وفي الحديث: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). فنفقة الأقارب تجب بثلاثة شروط، والأقارب قد يكونون أصولاً وقد يكونون فروعاً وقد يكونون حواشي، فالأصول كالأب، والفروع كالابن، والحواشي كالأخ والأخت والعم والخال، هؤلاء هم الأقارب. يقول: [تجب بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب]. لأن هذه النفقة إنما تجب من باب المواساة، فإذا كان غنياً فإنه لا تجب مواساته، وإذا كان قادراً على التكسب لكنه يؤثر الكسل ولا يريد أن يتكسب فلا يجب أن تنفق عليه. أي: إذا كان له حرفة ويستطيع أن يعمل ولكن يؤثر الكسل وليس له عذر، أما لو كان له عذر كأن كان كممنوعاً من العمل فهذا عذر. إذاً: الشرط الأول أن يكون الأقارب فقراء لا مال لهم ولا كسب. الثاني: [أن يكون المنفق غنيا]، هذا الذي نطالبه بالنفقة يشترط أن يكون غنياً [إما بماله أو كسبه]، يعني يكون عنده مال أو كسب كوظيفة أو حرفة، فالموظف الذي يأخذ راتبه في كل شهر له كسب وكذلك من له حرفة. قال: [وأن يفضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته]، لابد أن يفضل ذلك عن كفاية نفسه وزوجته؛ لأن الزوجة لا تدخل في النفقة على الأقارب ولذا تقدم أن الأقارب هم الأصول والفروع والحواشي. إذاً: أن يكون فاضلاً عما ذكر؛ لأنه إذا كان فقيراً فهو يحتاج إلى المواساة. قال: [الثالث: أن يكون وارثاً لهم بفرض أو تعصيب إلا الأصول والفروع فتجب لهم وعليهم مطلقا]. الأصول كما تقدم هم الأب والأم وإن علوا، فالجد والجدة أصول، والفروع الأولاد، فيقول: تجب النفقة على الأصول والفروع -وهما عمودا النسب- بلا شرط إرث، فإذا كنت غنياً وهم فقراء فيجب أن تنفق على أصولك وعلى فروعك. وأما الحواشي فيشترط أن تكون وارثاً لهم، فالحواشي كالأخ. فلو كان لأخيك أبناء فإنك لا ترثه وعليه فلا يجب أن تنفق عليه. وإذا كان أخوك ليس له أبناء وإنما له زوجة فقط فإنك ترثه لو مات، وعلى ذلك فتنفق عليه. إذاً الحواشي لا يجب أن تنفق عليهم إلا إذا كنت وارثاً لهم بحيث إن هذا القريب لو مات ورثته. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه وهو مذهب الأحناف قالوا: بل ينفق على الأقارب مطلقاً سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا وارثين. قالوا: وأما قوله جل وعلا: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] فإنما دلت على أن الإرث سبب للنفقة ولم تمنع أن يكون هناك سبب آخر وهو الرحم والقرابة، قال الله جل وعلا: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26]. وعلى ذلك فالراجح أنه يجب أن ينفق على الحواشي، سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا وارثين، هذا هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. أما المشهور في مذهب الحنابلة فقالوا: إن الحواشي لا ينفق عليهم إلا إذا كان وارثاً.

نفقة الأقارب على قدر إرثهم

نفقة الأقارب على قدر إرثهم قال: [وإذا كان للفقير ورثة دون الأب فنفقته على قدر إرثهم]. هذا فقير ولا يقدر على العمل وليس عنده مال وأبوه غني ولو كان هذا الابن كبيراً فيجب على أبيه أن ينفق عليه هذا لا خلاف فيه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فنفقة الولد واجبة على الأب. لكن إن لم يكن له أب فقال هنا: فنفقته على قدر إرثه، مثلاً: هذا الرجل فقير وله أم وأخ فالأم ترث الثلث، والأخ يأخذ الباقي تعصيباً، قالوا: فيكون ثلث النفقة على الأم، وعلى الأخ الباقي. إذاً: إذا وجدنا شخصاً فقيراً فأردنا أن نضع له نفقة على أقاربه، فإننا ننظر لو مات من يرثه ثم نوجب النفقة على الورثة بقدر ذلك، فإذا كان يكفيه في الشهر ألف ريال في المثال السابق فعلى الأم الثلث وعلى الأخ الباقي، وهكذا في غير هذه المسألة. قال: [ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه]، ففي المسألة التي تقدمت أم وأخ، فلو كانت الأم معسرة والأخ غني فإنما يجب على الأخ الثلثان فقط، إذاً: يأخذ هذا الفقير ثلثي نفقته فقط لأن الأم معسرة. والقول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله قالوا: بل إذا كان أحد الورثة موسراً وكان الآخرون معسرين فعلى الموسر الكل، وهذا هو الصحيح لأنها تجب للمواساة، فكانت المواساة واجبة بقدر حاجته.

حكم الإجبار على الكسب لأجل النفقة

حكم الإجبار على الكسب لأجل النفقة ثم قال المؤلف رحمه الله: [ومن قدر على الكسب أجبر لنفقة من تجب عليه من قريب وزوجة]. هذا رجل له أم وهو قاعد عن الكسب لا يعمل، وإنما يطعم عند الناس وقد رضي لنفسه بهذا، فيلزمه شرعاً بالعمل والكسب لينفق على أمه.

ترتيب الأقارب في استحقاق النفقة

ترتيب الأقارب في استحقاق النفقة قال: [ومن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه]. هذه مسألة نادرة، يعني: لو أن رجلاً ليس عنده إلا قوت يسير كصاع من الطعام، فإن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه كما جاء في الحديث: (ابدأ بنفسك). [فزوجته] أي أن الزوجة بعد النفس، قالوا: لأن حق الزوجة لا يسقط بالعسر ولا باليسر فهي محبوسة عليه، لا لأنها أفضل من أمه وأولى بالبر من أمه وأبيه، ولكن لأنها محبوسة عليه وتجب نفقتها في العسر واليسر. قال: [فرقيقه]، الرقيق كذلك محبوس عليه وتجب نفقته في العسر واليسر. قال: [فولده]، قالوا: لأن النص جاء بالنفقة على الولد: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). قال: [فأبيه فأمه]، والراجح أن الأم تقدم على الأب، ولذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من أحق الناس بصحابتي؟ -وفي لفظ: من أبر- قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أباك، ثم أدناك فأدناك). وفي أبي داود والترمذي: (ثم الأقرب فالأقرب). قال: [فولد ابنه]، ولد الابن أولى من الجد، ولذا قال: [فولد ابنه فجده، فأخيه، ثم الأقرب فالأقرب]، إذاً يبدأ بالأقرب ثم الأقرب، لكن هذه المسألة كما تقدم نادرة.

حكم أخذ النفقة المستحقة من مال المنفق وإنفاق الأجنبي بنية الرجوع

حكم أخذ النفقة المستحقة من مال المنفق وإنفاق الأجنبي بنية الرجوع قال: [ولمستحق النفقة أن يأخذ ما يكفيه من مال من تجب عليه بلا إذنه]، هذه مسألة الظفر كما تقدم في حق الزوجة، أي أن الولد له أن يأخذ من مال أبيه ما يكفيه بالمعروف إذا كان الأب لا ينفق. قال: [وحيث امتنع منها زوج أو قريب وأنفق أجنبي بنية الرجوع رجع]. هذا رجل غضب على أهله فتركهم فأنفق الجار على زوجة جاره وعلى أولاد جاره ولم ينو التبرع وإنما نوى الرجوع، فله الرجوع لأن هذا كالدين. فإن نوى التبرع، وقال: هؤلاء ليس لهم أحد ينفق عليهم وأنا أريد ثواب الله فأنفق عليهم ونوى أنه تبرع فليس له الرجوع. إذاً: له الرجوع إن نوى الرجوع، فإن نوى التبرع فليس له الرجوع. قال: [ولا نفقة مع اختلاف الدين إلا بالولاء]، لأن اختلاف الدين يمنع من التوارث، فمنع من النفقة. وقوله: (إلا بالولاء)، فالولاء له حكم آخر، فيجب للعتيق أن ينفق عليه معتقه وإن اختلف دينهما، لأن التوارث يثبت حتى مع اختلاف الدين كما تقدم شرحه في الفرائض.

حكم النفقة على المماليك وإعفافهم

حكم النفقة على المماليك وإعفافهم قال: [فصل، وعلى السيد نفقة مملوكه وكسوته ومسكنه]. هذه النفقة على المملوك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق). قال: [وتزويجه إن طلب]، لقول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] فإذا طلب أن يزوج زوجناه. فإن قال السيد: أنا لا أستطيع أن أزوجه، نقول: بعه. أو قال: أنا أريد عبداً لا زوجة له فنقول: إذاً بعه إما أن تزوجه وإما أن تبيعه، ولا تحبسه. قال: [وله أن يسافر بعبده المزوج]، لأن هذا لحاجته، [وأن يستخدمه نهاراً] ويتركه ليلاً لزوجته. قال: [وعليه إعفاف أمته]، إذا كان له أمة فعليه أن يعفها [إما بوطئها] أي: بأن يطأها هو، [أو تزويجها] بأن يزوجها، [أو بيعها]، إذا كان له أمة فلابد أن يعفها بأن يطأها هو أو يبيعها أو يزوجها.

تحريم الإساءة إلى المملوك

تحريم الإساءة إلى المملوك قال: [ويحرم أن يضربه على وجهه]، لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب الوجه وتقبيحه، كما في صحيح مسلم. قال: [أو يشتم أبويه ولو كافرين]، لأن هذا يؤذيه، وهذا كله من الإحسان إلى الرقيق. قال: [أو يكلفه من العمل ما لا يطيق]، للحديث المتقدم. قال: [ويجب أن يريحه وقت القيلولة ووقت النوم والصلاة المفروضة]، لأن العرف جار بذلك، وإذا لم يرحه فقد شق عليه. [وتسن مداواته إن مرض]، إذا مرض استحب له أن يداويه لإزالة الضرر عنه، والصحيح أنه يجب إذا كان يخشى عليه فيجب أن يداويه. [وأن يطعمه من طعامه]، قال عليه الصلاة والسلام: (إخوانكم خولكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم من العمل إلا ما يطيقون، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم).

تأديب المملوك والزوجة والولد

تأديب المملوك والزوجة والولد قال: [وله تقييده إن خاف عليه]، أي: إن خاف عليه الإباق فله أن يقيده، [وتأديبه] أي: وله أن يؤدبه بالضرب غير المبرح ونحوه، [ولا يصح نفله إن أبق]، إذا أبق العبد فإن صلاته النافلة لا تقبل كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة). قال: [وللإنسان تأديب زوجته وولده ولو مكلفا بضرب غير مبرح]. له أن يؤدب زوجته كما تقدم في الدورة السابقة، وله أن يؤدب ولده، لكن الضرب يكون غير مبرح. قال: [ولا يلزمه بيع رقيقه مع قيامه بحقوقه]، إذا كان عنده عبد أو أمة وقد قام بحقوقهم فهو ينفق عليهم ويطعمهم ويحسن إليهم، فلا يلزم ببيعه والحالة هذه، إنما يلزم ببيعه إذا كان يسيء إليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

أحكام النفقة على البهائم

أحكام النفقة على البهائم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل، وعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها]. هذا الفصل من كتاب النفقة في نفقة البهيمة، فعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها، قال عليه الصلاة والسلام: (دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، متفق عليه. وعلى ذلك فيجب أن يطعم هذه البهيمة وأن يسقيها، وإذا احتاجت إلى دواء فيجب أن يداويها. قال: [فإن امتنع أجبر]، أي: إن امتنع فإنه يجبر على ذلك، لأن هذا واجب عليه، [فإن أبى أو عجز]، أي: قال: ما عندي مال أشتري به علفاً لهذه البهيمة، [فإنه يجبر على بيعها]، فنقول: خذها إلى السوق وبعها. [أو إجارتها إن كانت مما يؤجر] فإنه يؤجرها، كأن تكون بقرة لدياس الحبوب، أو أن تكون ناقة تركب فيؤجرها، [أو ذبحها إن كانت تؤكل]، إن كانت شاة نقول: اذبحها وكلها ولا تعذب هذا الحيوان بالجوع. إذاً: يخير بين هذه الثلاث: فإما أن يبيعها أو يؤجرها أو يذبحها إن كانت مما يؤكل، فإن كانت مما لا يؤكل فإنها لا تذبح، بل يخير بين بيعها أو إجارتها. قال: [ويحرم لعنها]، لعن البهيمة حرام، ولذا جاء في صحيح مسلم أن امرأة لعنت ناقتها في سفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا ما عليها واتركوها فإنها ملعونة)، والأشبه عندي والله أعلم أن ذلك من باب التعزير المالي، يعني: يعزر هذا المالك بأن يتركها لأنه لعنها. قال: [وتحميلها مشقا]، لا يجوز أن تحملها ما يشق عليها، فإذا كان الحمار يحتمل كذا وكذا من الحمل فلا تحمله ما يشق عليه، لأن ذلك إضرار به، والإضرار محرم. قال: [وحلبها ما يضر ولدها]، لأنه لا ضرر ولا ضرار، فإذا كان هذا يضر بولدها فليس لك أن تحلبها بما يضر ولدها لأن هذا تعذيب للولد. قال: [وضربها في وجهها ووسمها فيه]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه، ونهى عليه الصلاة والسلام عن وسم الوجه كما جاء في صحيح مسلم، فعلى ذلك فالذين يسمون الإبل أن يسموها على العنق أو على الفخذ أو على اليد، وليس لهم أن يسموها على الوجه فإن ذلك محرم. قال: [وذبحها إن كانت لا تؤكل]، أي: ليس له أن يذبحها إن كانت لا تؤكل، لأن في ذلك تعذيباً لها وإضاعة للمال، وأما إذا كانت تؤكل فإنه يذبحها. قال: [ويجوز استعمالها في غير ما خلقت له]، يقول: لك أن تستعملها في غير ما خلقت له إذا كان ذلك لا يعذبها ولا يشق عليها ولا حرج في ذلك، فلو أنه ركب مثلاً بقرة وكان ضعيف البنية ولا يضرها فلا حرج في ذلك. إذاً: إذا كان بحيث لا يضرها فله أن يستعملها في غير ما خلقت له، فلو استخدم الإبل في دياس الحقول فلا بأس بذلك ولا حرج.

الأسئلة

الأسئلة

حكم طلب الزوجة الطلاق من زوج عقيم لا يوفيها نفقتها

حكم طلب الزوجة الطلاق من زوج عقيم لا يوفيها نفقتها Q زوج عقيم لم يخبر زوجته بذلك ومع ذلك لم يوفها حقها من نفقة، فإذا طلبت منه الزوجة الطلاق هل في ذلك إثم؟ A ليس عليها إثم في ذلك، فما دام أنه عقيم ولم يخبرها بذلك فلها الفسخ على الصحيح.

حكم الأخذ من مال الزوج بدون إذنه وقد أخذ من مالها

حكم الأخذ من مال الزوج بدون إذنه وقد أخذ من مالها Q إذا تزوجت أرملة لها أيتام من رجل وعدها بتربية أبنائها ولم يفعل، وهي تعمل وتكسب وهو يأخذ من مالها ولا بد لها مما أخذ منها، فإذا وجدت أو أخذت من ماله دون علمه باعتباره مما أخذه منها؟ A إذا كان قد أخذ منها هذا المال وكان هذا ثابتاً يقر به ولا ينكره فلها أن تأخذ. أما ما يتعلق بالنفقة فلها أن تأخذ من النفقة وإن كانت موظفة، وعلى ذلك فلها أن تأخذ من ماله ما تنفق به على نفسها دون أولادها، أما الأولاد الذين هم أولادها هي وليسوا أولاده فالنفقة عليها هي إلا إذا كان شرط ذلك على نفسه.

حكم نظر الخاطب إلى المخطوبة وهي في العدة جاهلا بذلك

حكم نظر الخاطب إلى المخطوبة وهي في العدة جاهلاً بذلك Q من كانت في عدة طلاق رجعي وهي في بلد وزوجها في بلد آخر وهي لا ترغب في الرجعة، وفي آخر العدة تقدم لها خاطب وهو لا يدري أنها في عدة، وهي لا تدري أن في ذلك إثماً، فهل عليها شيء إذا تمت بينهما المشاهدة؟ A ما دام أنهم على جهل فلا حرج عليها لأنها جاهلة، وإلا فإن الخطبة لا تجوز في حال عدتها، ولكن ما دام أنها جاهلة فلا حرج عليها في ذلك، وأما العقد فلا يصح إلا بعد انتهاء العدة.

حكم طاعة الأب في عدم الإنفاق على الأم

حكم طاعة الأب في عدم الإنفاق على الأم Q هل يجوز للأب أن يأمر ابنه بأن لا ينفق على أمه وحيث إن نفقة الأب غير كافية؟ A عليه أن يطيع أباه ولا يعصي أمه، فالأب يأمره أن لا ينفق على أمه ويقول: أنا أنفق عليها لكن لا يعطيها الكفاية، فنقول لهذا الرجل: أحسن صحبة أمك وأعطها ما تحتاج إليها ولو خفية من غير علم الأب.

حكم أخذ الأب مال ابنته المتزوجة

حكم أخذ الأب مال ابنته المتزوجة Q هل يجوز للأب أن يأخذ من مال ابنته المتزوجة لحديث: (أنت ومالك لأبيك)، مع العلم أن الأب حالته ميسورة وهو موظف؟ A نعم، له ذلك إذا كان ما يأخذه فاضلاً عن حاجة البنت، بأن كانت حالة البنت مستقرة وعندها حاجياتها وهي في بيت ملك ولها مال زائد فللأب أن يأخذه، وأما إذا كان يأخذ مما تحتاج إليه فليس له ذلك.

حكم دفع الزكاة إلى الإخوة والأخوات

حكم دفع الزكاة إلى الإخوة والأخوات Q هل يجوز إعطاء الإخوان من زكاة الأموال والأخوات المتزوجات إن كانوا فقراء؟ A هذه مسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من يرى أن الإخوان لا يعطون من الزكاة، لأن النفقة تجب عليهم، ومنهم كـ شيخ الإسلام من يقول: إنه يجوز أن يعطوا من الزكاة، لأن النفقة لم تجب أصالة وإنما وجبت من باب الإحسان إليهم ولما بينه وبينهم من القرابة، وهذا أصح.

حكم إعانة الزوجة زوجها في النفقة

حكم إعانة الزوجة زوجها في النفقة Q هل يجب على المرأة التي تعمل في وظيفة ما أن تساعد زوجها في نفقة البيت والأولاد، وكان ذلك عن رضا وتفاهم بين الزوجين؟ A لا يجب في الأصل؛ لكن إن أحسنت بذلك فهذا أمر حسن، وإلا فالأصل أنه لا يجب عليها.

حكم زيارة الزوجة لأهلها بغير إذن الزوج

حكم زيارة الزوجة لأهلها بغير إذن الزوج Q هل العرف في العشرة الزوجية بين الزوجين مقدم على موافقة ورضا الزوج، أي هل يرجع إلى العرف في زيارة المرأة لأهلها، سواء كان ذلك يحتاج إلى سفر أم لا، وإذا لم يأذن بذلك الزوج فما العمل؟ هل تزورهم بغير إذنه وهل تأثم بذلك؟ A هي لا تأثم، لأن العرف يقضي بذلك، ولكن لا ننصحها أن تذهب إلا بإذنه، فتطيب خاطره لئلا تفسد حياتها، وأهلها هناك يمكن أن ترسل إليهم رسالة أو تتصل بهم.

حكم تكاليف علاج الزوجة

حكم تكاليف علاج الزوجة Q لو كانت الزوجة تحتاج لنفقة ومال من أجل العلاج للحمل، فقد رزقت بطفلين وزوجها يمتنع عن إعطائها ذلك العلاج، ثم احتاجت لعلاج وزوجها يمتنع ويقول: إن الأموال التي تنفق في العلاج تكفي مهراً لزوجة ثانية؟ A يجب عليه أن يعالجها، وهذا هو العرف، فعلاج المرأة واجب في العرف على الصحيح. أما أن يقول: إن الأموال التي تنفق في العلاج تكفي مهراً لزوجة ثانية، فهذا لاشك أنه ليس من الإحسان للمرأة، فالإنسان لا يحاسب المرأة فيما يدفعه من حقوق عليه، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تبذل ما عليك من حق طيبة به نفسك، كما أن المرأة يجب أن تبذل ما عليها من حقوق طيبة بها نفسها.

من يؤخذ بقوله من المفتين

من يؤخذ بقوله من المفتين Q يقول: نحضر مثلاً دروساً مختلفة أو نسمع فتاوى، وكل عالم يقول: هذا الراجح، فبماذا نأخذ؟ A هذا الراجح عنده هو، أما أنت فإن كنت مجتهداً فاختر لنفسك، وأما إن كنت مقلداً فإنك تقلد الأوثق في نفسك وتأخذ بفتواه.

حكم أخذ الزوج راتب زوجته بغير رضاها

حكم أخذ الزوج راتب زوجته بغير رضاها Q امرأة تعمل في وظيفة وزوجها يجبرها أن تعطيه الراتب أو يلزمها بسداد ديون له بغير رضا منها، فماذا تفعل إن امتنعت وكان ذلك سبباً لغضبه؟ A نقول: تصبر وتحتسب، أما هو فلا يجوز له ذلك، لكن صلاح بيتها واستقامة البيت وبقاؤها عند الأولاد خير لها من هذا المال؛ لكن الزوج لا يجوز له أن يأخذ من ماله امرأته إلا بإذنها.

حكم نفقة الزوجة إذا مكثت في بيت أبيها دون إذن الزوج

حكم نفقة الزوجة إذا مكثت في بيت أبيها دون إذن الزوج Q إذا غضبت المرأة من زوجها وذهبت إلى أبيها وجلست فوق الشهرين وزوجها يذهب إلى بيت أبيها ثم يأخذ الولد ويمشي ولم يعطها نفقة؟ A المرأة إذا غضبت على زوجها فخرجت بلا حق، فإنه لا نفقة لها، لأنها ناشز.

حكم أخذ الأب مال ولده بدون رضاه

حكم أخذ الأب مال ولده بدون رضاه Q يقول: إن أباه قد أخذ بيته الذي يسكن فيه، مع العلم أن للوالد بيتاً وله راتب ولا يحمل مسئولية، وأنا هنا في الغربة أعيل عائلة مكونة من زوجة وست بنات إلى آخر ذلك، وأراعي الوالد بما تيسر لكن لا يرضى بما أعطيه ويقول: إن عطاءه كل شهر واجب، وبالنظر إلى ظروف الوالد فإنه في يسر من أمره؟ A تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت ومالك لأبيك)، لكن هذا في الشيء الفاضل، فإذا كان الشخص له بيت وله سيارة تكفيه فليس للوالد أن يأخذ بيته ولا سيارته، لكن إن كان له فائض كأن كان له بيتان وسيارتان فللأب أن يأخذ البيت الآخر وله أن يأخذ السيارة الأخرى.

حكم نفقة الزوجة إذا خرجت من بيتها بطلب من أبيها مكرهة

حكم نفقة الزوجة إذا خرجت من بيتها بطلب من أبيها مكرهة Q إذا طلب الأب من ابنته أن تضع الحمل عندهم في البيت وأصر عليها في ذلك فذهبت معه دون إذن الزوج، فهل تكون بذلك ناشزاً وهل لها النفقة؟ A هذه مكرهة، فالذي يترجح لي أن لها النفقة لأن والدها أكرهها أن تذهب إلى بيته وهي تخشى من أبيها، فما دام أن الأب قد أخذها مكرهة فإن النفقة لا تسقط لأنها معذورة. وأما إذا أخذها بلا إكراه ولم يرض بذلك الزوج فإنها تعد ناشزاً ولا تجب لها النفقة، لكن الأولى للزوج أن ينفق عليها من باب الإحسان، وينبغي له أن يوسع صدره وأن يتسامح، وما دام أن الأب يرغب أن تكون ابنته عنده أثناء الولادة فليجعلها عنده فالأمر واسع. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الحضانة

دليل الطالب_كتاب الحضانة قد يفترق الأبوان بموت أو غيره فيحتاج الطفل إلى من يعتني به ويوفر له ما يصلحه في مختلف نواحي الحياة، وهذا ما يسمى بالحضانة، وإذا كان الفراق بين الأبوين بطلاق ونحوه فقد يتنازعانه ويرى كل منهما أنه أحق به. والشارع الحكيم قد حدد حق الحضانة ورتب أهلها ترتيباً يتناسب مع مصلحة الطفل ديناً ودنيا.

أحكام الحضانة

أحكام الحضانة قال المصنف رحمه الله: [باب الحضانة] الحضانة: من الحضن. والحضن في اللغة هو الصدر. وأما في الاصطلاح فقد ذكرها المؤلف بقوله: [وهي حفظ الطفل غالباً عما يضره والقيام بمصالحه]، أي: أن تحفظه عما يضره، وأن تقوم بمصالحه، كحفظه عند خروجه إلى الشارع وهو ابن ثلاث أو أربع سنين من السيارات. وكذلك يحفظه من خلطة أهل السوء في الشوارع. والقيام بمصالحه بأن يعلمه ما يحتاج إليه في دينه ودنياه. إذاً: فالحضانة هي القيام بما يحفظ الطفل عما يضره غالباً والقيام بمصالحه. ولذا قال المؤلف: [كغسل رأسه وثيابه ودهنه وتكحيله وربطه في المهد ونحوه وتحريكه لينام]، هذه كلها أمثلة، لأن ما يصلحه سواء كان في دينه أو كان في دنياه مثل تنظيم الأكل في إطعامه ما يقوي بدنه ويناسبه، فهذا كله داخل في الحضانة.

تقديم الأم في الحضانة وإن طلبت الأجرة

تقديم الأم في الحضانة وإن طلبت الأجرة قال: [والأحق به الأم]، إذا طلق رجل امرأته فتكون الحضانة عند الأم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وأبو داود: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، فدل على أن الأحق بالحضانة هي الأم. قال: [ولو بأجرة مثلها مع وجود متبرعة]، أي: حتى لو طلبت الأم أجرة من الأب الذي طلقها على تربية أولاده وحضانتهم فالحق لها، ولها أن تطالب الأب كما أنها إذا أرضعت فلها أن تطالب بأجرة الرضاعة، قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] فدل ذلك على أن للأم أن تطالب بأجرة ولو وجدت متبرعة. لو قالت أخته أو أمه: أنا أربي هذا الطفل وأقوم بحضانته متبرعة، نقول: الأم أحق. وهذه من المسائل التي يجهلها كثير من الناس، أعني: أن للأم أن تطالب الأب بالأجرة على حضانتها لأولادها، فتطالبه بأن يعطيها أجرة بالمعروف على رعايتها لأطفالها، ولذا قال المؤلف هنا: [ولو بأجرة مثلها]، يعني: بالأجرة التي تأخذها مثلها بالمعروف.

ترتيب استحقاق الحضانة بعد الأم

ترتيب استحقاق الحضانة بعد الأم قال: [ثم أمهاتها القربى فالقربى]، الأحق بعد الأم أمهاتها. قال: [ثم الأب ثم الجد ثم أمهاته، ثم الأخت لأبويه ثم لأم ثم لأب]، إذاً: الأخت لأم تقدم على الأخت لأب. قال: [ثم الخالة لأبوين ثم لأم ثم لأب، ثم العمات كذلك]، فالخالة تقدم على العمة، [ثم خالات أمه ثم خالات أبيه ثم عمات أبيه، ثم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب]. حاصل ما تقدم أن جهة الأمومة مقدمة عند الحنابلة على جهة الأبوة، وعلى ذلك فتقدم أم الأم على أم الأب، وتقدم الخالة على العمة. فهم يقدمون جهة الأمومة على جهة الأبوة استدلالاً بالحديث المتقدم: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، قالوا: فقدم الأم على الأب، فدل على أن جهة الأمومة مقدمة على جهة الأبوة. القول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد واختاره ابن قيم الجوزية قالوا: بل جهة الأبوة مقدمة على جهة الأمومة، وذلك لأن جهة الأبوة يلحقها العار إذا حصل منه ما يخل بالشرف، ولأن النسب إليهم فهم أحرص على هذه البنت التي تنتسب إليهم وأحرص على هذا الولد الذي ينتسب إليهم. والعمة أحرص من الخالة في الأصل لأن هذا ينسب إلى أخيها، وأم الأب كذلك، قالوا: فجهة الأبوة مقدمة على جهة الأمومة. قالوا: وأما حديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، فلا يدل على أن جهة الأمومة مقدمة على جهة الأبوة بإطلاق، وإنما فيه أن الأم تقدم على الأب فقط، وليس فيه أن كل من كان من جهة الأم يقدم على من يساويه من جهة الأب، وهذا هو الصواب. فالراجح أن جهة الأبوة تقدم إلا أن الأم تقدم على الأب. وقد أطال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في ذكر اضطراب أهل القول الأول، وعلى ذلك فنقول: جهة الأبوة مقدمة على جهة الأمومة.

ما يمنع الحضانة

ما يمنع الحضانة

الرق

الرق قال هنا: [ولا حضانة لمن فيه رق]، لأنه مشغول بحق سيده، ولذا فإن الأم إذا انشغلت بحق زوجها فلا حضانة لها إلا ما سيأتي استثناؤه كما تقدم. فالرقيق وهو العبد أو الأمة لا حضانة له. وهل الحضانة حق له أو حق عليه؟ قولان في مذهب أحمد ومالك، والصحيح وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد وهو اختيار ابن القيم أن الحضانة حق له وليست حقاً عليه، ويدل على ذلك الحديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، فدل على أن الحضانة حق لها، وعلى ذلك فللأم أن تقول: أنا لا أريد الحضانة، ولكن بشرط أن لا يستمر هذا التنازل حتى يضيع الولد. إذاً نقول: الحق لها لكن بشرط أن لا يستمر هذا التنازل حتى يضيع الولد، لكن ما دام أن الأب يريد الحضانة فلها أن تترك الحضانة له، فإن كان لا يريد الحضانة فهي التي تحضنه. وعلى ذلك فلو أن الأم تركت حضانة الطفل وكذلك الأب لكن أب الأب -وهو يصلح للحضانة- قد احتضن هذا الطفل، فلا بأس بذلك، لكن لو كان بحيث يضيع فلا؛ لأن المقصود من الحضانة هي حفظه من الضياع، ودفع الهلكة عنه لدينه ودنياه.

الفسق والكفر

الفسق والكفر قال: [ولا لفاسق]، الفاسق لا حضانة له، وذلك لأن المقصود من الحضانة تربيته وإصلاحه، والفاسق لا يقوم بذلك هو في نفسه، فإذا كان لم يصلح نفسه ولم يقومها فإن حضانته لأولاده كذلك، لذا فإن الحضانة لا تكون للفاسق، هذا هو قول جمهور العلماء. واختار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو كذلك اختيار ابن قيم الجوزية أن الوالد الفاسق له الحضانة، وذلك لأن الوالد له شفقة على أولاده وإن كان فاسقاً، ولذا تجد الآباء الذين ابتلوا مثلاً بالمسكرات أو ابتلوا بالوقوع في الفواحش أو شرب الدخان يشتد نهيهم لأبنائهم عن هذا، ولا يرضون لأبنائهم أن يقعوا في مثل ما وقعوا فيه؛ لأن لهم شفقة على أبنائهم لكنهم مع جلسائهم يحرصون على نقيض ذلك، فالفاسق يحب أن يوقع من يجالسه في ذلك، لكن أبناءه يبعدهم عن هذا. لكن هناك بعض أنواع الفسق مثل الذي يشرب الخمر في بيته ويجتمع عنده الناس، فهذا قطعاً لا يصلح للحضانة، وعلى ذلك فالذي يقرر هذا هو القاضي. فالصحيح أن القاضي ينظر إلى هذا، فنقول له: إن الأصل أن الفاسق لا حضانة له، لكن إن رأى القاضي أن هذا الأب يصلح لأنه يرى أن له شفقة على أبنائه وهو حريص على تربيتهم، كبعض الفساق حيث يتابع أبناءه في حلق التحفيظ ويتابعهم في المسجد أكثر من متابعة بعض أهل الخير، وعلى ذلك فنقول: الفاسق لا حضانة له، لكن إن رأى القاضي إبقاء الحضانة للأم أو كذلك للأب وإن كانوا فساقاً لأن المصلحة تقتضي ذلك، فلا بأس بذلك، لاسيما إذا كان الفسق موجوداً عند الطرفين. والمقصود من الحضانة هو أن ننظر إلى الموضع المناسب لتربية هذا الطفل، فقد تكون الأم فيها خير، وقد يكون الأب عنده فسق لكنه يحفظ الابن من أمور كثيرة من الشر، بينما الأم قد لا تستطيع أن تمنع الشر عن الولد لما فيها من العاطفة، وقد يكون الأمر بضد ذلك، فيرى القاضي أن الأم فيها خير وحريصة وقوية، فهذه أمور يقررها القاضي، بالنظر إلى حال هذا وحال هذا. وقد يرى القاضي أن هذا الابن فيه شقاء وفيه رغبة في أمور كثيرة من الشر، ويرى أن وجوده عند أبيه يحفظه أكثر من أمه؛ فهذه أمور كما تقدم يرجحها القاضي بالنظر إلى هذا، لكن الأصل عندنا أن الفاسق ليس له حضانة. قال: [ولا لكافر على مسلم]، كذلك لا حضانة لكافر على مسلم؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141].

زواج الأم بأجنبي

زواج الأم بأجنبي قال: [ولا لمتزوجة بأجنبي]، يعني: بأجنبي من المحضون، فالمرأة إذا نكحت أجنبياً ليس من قرابة الولد تسقط حضانتها، فإن نكحت قريباً له كأن تنكح ابن عم هذا الطفل لم تسقط حضانتها لأن ابن العم حريص على تربية هذا الطفل. ولذا قال المؤلف هنا: (ولا لمتزوجة بأجنبي)، فإن كان غير قريب للطفل أو كان من جهة أخواله فإنه يعد أجنبياً، فالمراد بقوله هنا: (بأجنبي) يعني: ليس من قرابته الذي ينسب هو وإياه إلى أب واحد، كابن العم، أو كما لو تزوجت عمه، فإذا تزوجت عمه لم تسقط الحضانة، فإن تزوجت ذا رحم كما لو تزوجت ابن خاله أو ابن خالته فإنها تسقط. وقال صاحب الفروع: ويتوجه أنها لا تسقط، وما هو ببعيد. إذاً: المشهور في المذهب أن المرأة إذا تزوجت من هو من ذوي رحمه وليس من عصبته فإن الحضانة تسقط، ووجه صاحب الفروع أنها لا تسقط، فإن تزوجت من ليس بذي رحم ولا بذي تعصيب، فإنها تسقط. إذاً: الحضانة تسقط إذا نكحت المرأة أجنبياً، ليس من ذوي رحمه على الصحيح وليس من ذوي قرابته وهم العصبة، الدليل ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخالة بمنزلة الأم)، والخالة في قصة هذا الحديث هي أسماء بنت عميس، فإن بنت حمزة لما استشهد رضي الله عنه اختلف فيها علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة، فـ علي بن أبي طالب ابن عمها وجعفر ابن عمها وزيد بن حارثة أخ لـ حمزة من الرضاع، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بها لـ جعفر بن أبي طالب لأن تحته أسماء وأسماء خالة لبنت حمزة وقال: (الخالة بمنزلة الأم). فهنا هذه الخالة وهي أسماء كانت متزوجة، وهذا الذي قد تزوجته ليس بأجنبي بل هو ابن عم لبنت حمزة. وعلى ذلك فنقول: إن حضانة المرأة لا تسقط إلا إذا تزوجت أجنبياً، يعني: ليس من ذوي عصبته كأبناء العم، فإن تزوجت من أبناء الخال فقولان: المذهب أنها تسقط، والقول الثاني: أنها لا تسقط، ووجهه صاحب الفروع.

الحكم إذا رضي الزوج الأجنبي بالحضانة

الحكم إذا رضي الزوج الأجنبي بالحضانة وفي قوله: (ولا لمتزوجة بأجنبي)، إذا رضي الأجنبي، فقال للمرأة: أنا راض بتربية أولادك وليس عندي مانع أن تقومي بذلك، فهل تسقط حضانتها؟ المشهور في المذهب أنها تسقط لحديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي). وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو اختيار ابن قيم الجوزية: إنه إذا رضي الزوج ولو كان أجنبياً فأسقط حقه وأذن لها فلا حرج، وهذا أقرب لأن الحق لهذا الأجنبي فإذا أسقطه فإن الحضانة تبقى عنده. قال ابن سعدي رحمه الله: وهذا هو قياس المذهب في سائر الحقوق، فإذاً: هو حق له رضي بإسقاطه، أي: رضي أن تقوم هذه الأم بحضانة أولادها. وهذه المسائل كما تقدم لكم يرجع فيها إلى رأي القاضي، فقد يرى القاضي أن هذا الزوج ممن يصلح للتربية ويعين المرأة على تربية أولادها وفيه خير، فيبقي الأولاد عنده لأن هذا أنفع لهم. وقد يرى بخلاف ذلك فينقل الحضانة.

الأحق بالحضانة إذا أراد أحد الأبوين السفر

الأحق بالحضانة إذا أراد أحد الأبوين السفر قال هنا: [وإن أراد أحد الأبوين السفر ويرجع فالمقيم أحق بالحضانة]. لو أرادت الأم أن تسافر سياحة مدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر وكانت الحضانة عندها، فنقول: أثناء السفر يكون الأولاد عند أبيهم، لأن هذا أصلح للأبناء. قال: [وإن كان لسكنى وهي مسافة قصر فالأب أحق]، لو قالت الأم: أنا أريد أسافر إلى بلدي، والأب يريد أن يجلس في البلد، فالمشهور في المذهب أن الحضانة تكون للأب، ولو أراد الأب أن يسافر ليسكن في تلك البلد فالحضانة كذلك تكون تبعاً له. إذاً: إذا أراد أحدهما أن يسافر سفراً يستقر فيه، وكان هذا السفر مسافة قصر -يعني: ثمانين كيلاً فأكثر- فإذاً: سيكون الأم في بلد والأب في بلد، فتكون الحضانة للأب، قالوا: لأن الأب هو الذي يحفظ نسبه وهو الذي يربيه. وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أن الحضانة تبقى للأم وإن سافر الأب للسكنى أو سافرت هي للسكنى، وذلك لعموم حديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، وهذا أصح لعموم هذا الحديث، إلا أن يرى القاضي أن مصلحة الابن في سفره مع أبيه للسكنى أو في بقائه مع أبيه حيث تسافر الأم للسكنى. وهذا يختلف، فقد تكون الأم من بلد فيه فسق ولا يستطيع الوالد أن يربي أولاده في تلك البلد، فنحكم بأن تكون الحضانة في البلد التي فيها محافظة على الابن سواء كانت بلد الأم أو بلد الأب لأن المقصود هو صلاحه. قال: [ودونها] أي: دون مسافة القصر، [فالأم أحق].

حضانة الصبي إذا بلغ سبع سنين

حضانة الصبي إذا بلغ سبع سنين قال: [وإذا بلغ الصبي سبع سنين]، هذا في الصبي لا في البنت، [عاقلا خير بين أبويه]، لما ثبت في الترمذي وغيره: (أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن زوجي يريد أن يأخذ ابني بعد أن نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه). هذا فيه أن الغلام يخير، والتخيير هنا للتشهي عند أهل العلم، يعني: لو قال بعد أسبوع: أريد أن أكون عند أبي، وبعد فترة قال: لا، أريد أن أرجع إلى أمي؛ فإنه يخير بالتشهي. قال: [فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا]، يعني: إذا اختار الأب كان عنده ليلاً ونهاراً. قال: [ولا يمنع من زيارة أمه ولا هي من زيارته]؛ لأن هذا قطيعة رحم، فلا يمنع من زيارة أمه ولا تمنع الأم من زيارته. [وإن اختار أمه كان عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً ليعلمه ويؤدبه]؛ لأن وقت النهار هو وقت تربية الابن، فإن كان الأب صاحب مزرعة أو صاحب دكان أو نحو ذلك جلس عند أبيه وعلمه ورباه.

حضانة الأنثى إذا بلغت سبع سنين

حضانة الأنثى إذا بلغت سبع سنين قال: [وإذا بلغت الأنثى سبعاً كانت عند أبيها وجوباً إلى أن تتزوج]. انتهينا من الغلام وقلنا عن الغلام: إنه يخير، أما البنت فقالوا: والبنت إذا تم لها سبع سنين كانت في حضانة أبيها، قالوا: لأن الأب يغار على عرضه ويحرص على تربيتها ويبعد بينها وبين الشر وطرقه، وكذلك أيضاً لتخطب منه، لأن البنت إنما تخطب من أبيها. والقول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور: بل تكون عند الأم؛ لأن الأم هي أصلح لتربيتها وتعليمها شئون النساء وأصلح لها في أمور كثيرة فتعلمها الطبخ والخياطة، وتعلمها حقوق الزوج وبعض الأمور الخفية عند النساء؛ فالأم أصلح لها. وهذا هو الراجح لعموم حديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، وهذا حديث عام، واختاره أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. وكما تقدم أن القاضي لو رأى أن الأب أولى فهذه مسألة ترجع إلى نظر القاضي، فينظر إلى أهل المرأة التي تعيش عندهم أو إلى بيتها أو مجتمعها وكذلك إلى مجتمع الأب، فينظر ما هو الأصلح. فقد يكون الأب متزوجاً وتكون هذه الضرة لأمها تؤذيها وتسيء إليها وقد تفسدها وتسيء معاملتها، هذا ينظر فيه إلى حال هذا وحال هذا. إذاً: القاعدة عندنا في هذا الباب أن المقصود صلاح الولد وتربيته، فعندنا مسائل قد تقدم ترجيحها، ولكن عندما يرى القاضي العمل بخلاف ذلك للمصلحة فإن المقصود هو مصلحة الطفل. قال: [ويمنعها ومن يقوم مقامه من الانفراد] يعني: أن الأب يمنع البنت من الانفراد، وكذلك من يقوم مقام الأب يمنعها من الانفراد خشية عليها، يعني: فلا تترك في البيت وحدها خشية عليها. قال: [ولا تمنع الأم من زيارتها ولا هي من زيارة أمها إن لم يخف الفساد]، أما إذا خاف عليها الفساد فإنه يمنعها من زيارة أمها، كما إذا كان البيت الذي فيه الأم بيتاً سيئاً وفيه فحش فله أن يمنعها؛ لكن تأتي الأم لتزورها.

حضانة المجنون

حضانة المجنون قال: [والمجنون ولو أنثى عند أمه مطلقاً]، لأن الأم أعرف بما يصلحه، فالمجنون يحتاج إلى عناية وإلى متابعة ذكراً كان أو أنثى والأم أحرص عليه من غيرها. قال: [ولا يترك المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه]، فالمحضون لا يترك بيد من لا يصونه ولا يصلحه وإن كان أباه أو كانت أمه لما تقدم ترجيحه. وبهذا ننتهي من هذا المنهج، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

نفقة الطفل المحضون إذا اختار أمه

نفقة الطفل المحضون إذا اختار أمه Q هل تسقط النفقة إذا اختار أمه؟ A الغلام إذا خير لا تسقط النفقة بل تجب، لأن النفقة باب آخر، لكن الأب لو كانت له الحضانة كأن تزوجت المرأة أجنبياً فكانت الحضانة للأب، فقالت المرأة: تنازل لي عن الحضانة والنفقة علي، فتراضيا على ذلك؛ فلا بأس.

الصوم ليلة الثلاثين من شعبان

الصوم ليلة الثلاثين من شعبان Q في صفحة كذا فهمت أننا نصوم ليلة الثلاثين من شعبان فهل هذا صحيح؟ A في مسألة ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان هناك في الليل غيم أو سحاب أو غبار فهل يصبح الناس صائمين؟ على أقوال: فالمشهور في المذهب أنهم يصبحون صائمين وجوباً احتياطاً. والقول الثاني وهو الراجح: أنه ينهى عن ذلك، وهذا هو يوم الشك.

معنى قول المؤلف في مفطرات الصوم (جومع إن طاوع)

معنى قول المؤلف في مفطرات الصوم (جومع إن طاوع) Q يقول المؤلف في المفطرات: (جومع إن طاوع) لماذا عبر بجومع؟ A لأنهم يرون أن الفطر بالجماع في الدبر أو في القبل، فالذي يجامع قد يكون ذكراً في اللواط نسأل الله العافية، أو في الزنا، أو أن يجامع امرأته في قبل أو في دبر.

معنى: (لأنه لم يأمر امرأة المواقع بكفارة)

معنى: (لأنه لم يأمر امرأة المواقع بكفارة) Q ما معنى (لأنه لم يأمر امرأة المواقع بكفارة)؟ A الإسلام لم يأمر امرأة من جامع امرأته في رمضان في حديث أبي هريرة بالكفارة، وإنما أمر الرجل، فمن أهل العلم من قال: إن ذلك يعني أن على الاثنين كفارة واحدة، ومن أهل العلم وهو الصحيح من قال: بل عليها كفارة وعليه كفارة، وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا يعلم بالقياس، فالنساء شقائق الرجال، ولأن المرأة قد تكون معذورة بأن تكون مكرهة أو تكون طاهراً من حيضها في ذلك اليوم.

حكم حضانة الطفل إذا أراد السفر مع أبيه أو أمه

حكم حضانة الطفل إذا أراد السفر مع أبيه أو أمه Q تقول: إن أراد أحد الأبوين السفر وأراد الابن السفر مع المسافر فما الحكم، هل يسافر مع المسافر أم يقيم مع المقيم؟ A هذا لا يرجع إلى اختياره إلا أن يكون غلاماً فوق سبع، وإلا فإن القاضي يأمر ببقائه مع من هو في البلد، إلا إذا تراضيا على ذلك. لو كانت المرأة ستسافر مع أهلها شهراً وتأخذ أولادها معها والأب راض بذلك فلا بأس، لكن إن قال: أثناء الشهر يبقى أولادي عندي لأنك ستسافرين للنزهة وأريد أبنائي أن يبقوا عندي، فله ذلك.

حكم من وطئ مطلقته المبانة في العدة

حكم من وطئ مطلقته المبانة في العدة Q قال المؤلف في العدة: (إن وطئها عمداً من أبانها كالأجنبي وبشبهة استأنفت العدة من أولها)، فما الفرق بين العدتين وما معنى (استأنفت)؟ A ( استأنفت) يعني بدأت من جديد، يقال: استأنف الشيء يعني بدأه من جديد. وقوله: (إذا كان قد وطئها عمداً من أبانها) الذي أبانها قد وطئها عمداً فيقولون: هنا تكون عدة واحدة، وإن كان هذا الشخص قد طلقها ثلاثاً ثم وطئها بشبهة فالوطء بشبهة جعله كالأجنبي فتكون لها عدتان كما تقدم شرحه.

عدة المرأة النفساء

عدة المرأة النفساء Q إذا طلقت المرأة في أول يوم من نفاسها فكم تكون عدتها؟ A تكون عدتها ثلاث حيض، إذا طهرت من النفاس فإنها تحسب ثلاث حيض، ولا يجوز طلاق النفساء كطلاق الحائض، فإذا انتهت من النفاس تحسب ثلاث حيض ولا تحسب النفاس.

أولوية الأم في الحضانة مع الفسق

أولوية الأم في الحضانة مع الفسق Q لقد قلنا: إن الأم أحق بالحضانة للطفل وذلك لحديث (أنت أحق به ما لم تنكحي) فهل الأم أولى سواء كانت صالحة أو فاسقة والأب فاسق؟ A إذا كانت هي صالحة فهذا واضح، وإن كانت فاسقة والأب فاسق فقد استويا، فهي أحق على القول بأن الوالد تصح حضانته وإن كان فاسقاً؛ لكن الفسق يختلف فإذا رأى القاضي أن فسق الأم أشد يخشى منه ضياع الولد وأن فسق الأب أخف؛ فهذا أمر يقرره القاضي.

أجرة الرضاع للأم

أجرة الرضاع للأم Q هل الأم فرض عليها أن تأخذ أجرة الرضاع سواء طلقها زوجها أم لم يطلقها؟ A من العلماء من يرى أن الأم لها أن تأخذ أجرة الرضاع مطلقاً حتى لو كانت في ذمته، والصحيح أنها إن كانت في ذمته فإنها لا تأخذ أجرة، لأن الله يقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233] وهذا خبر بمعنى الأمر، يعني: أرضعن أيتها الوالدات أولادكن، وأما إذا لم تكن تحته وقد طلقها وأبانها فإن لها أن تطالب بالأجرة.

حكم من جامع زوجته في رمضان وهو مسافر

حكم من جامع زوجته في رمضان وهو مسافر Q ما حكم من جامع زوجته في نهار رمضان وهما على سفر ولم ينويا الإفطار؟ A هذا يكون فطراً، فلا حرج عليهما، هذا رجل نوى الصيام في السفر ثم جامع امرأته وهو مسافر فلا حرج عليه في ذلك لأنه مسافر، وعلى ذلك فيكون قد أفطر بالجماع، وهو مثل الفطر بالأكل والشرب.

عدة الحامل

عدة الحامل Q هل تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل ولو بعد الطلاق بأيام؟ A أي نعم، تقدم أن المرأة إذا طلقت طلاقاً بائناً أو طلاقاً رجعياً فعدتها إذا وضعت حملها، حتى لو ما بقي لوضعها إلا ليلة واحدة.

اختيار الابن بين الأبوين لا يعد عقوقا

اختيار الابن بين الأبوين لا يعد عقوقاً Q هل الاختيار بين الأبوين يدخل الابن أو الابنة في العقوق؟ A لو اختار أمه على أبيه فلا يدخل هذا في العقوق، وليس للأب أن يظلمه لأنه اختار أمه، بل يتعامل معه على أنه طفل. أما أن يختار الابن الأم وعند ذلك يقول له الأب: إني غير راض عنك، فهذا غلط وهو من الجهل، فإذا اختار أمه قال له الأب: هذا عقوق وغضب، وربما بعضهم يتبرأ منه وبعضهم يحرمه النفقة، وهذا كله من الظلم.

حكم من حلف بالطلاق لا يطأ امرأته قبل أربعة أشهر ثم وطئها

حكم من حلف بالطلاق لا يطأ امرأته قبل أربعة أشهر ثم وطئها Q إذا حلف الرجل بالطلاق أن لا يطأ زوجته قبل أربعة أشهر فوطئها قبل هذه الأشهر الأربعة، فهل يقع الطلاق دون إيلاء وما هو الواجب عليه؟ A إذا كانت نيته منع نفسه فقط ولا يريد الطلاق فقال: والله لا أطؤك قبل أربعة أشهر فإن وطئتك قبل أربعة أشهر فأنت طالق، فهذا عليه كفارة يمين فقط إذا وطئها، وأما إذا كان يريد عذراً للطلاق يقول: أنت تجملت أمامي فإن وطئتك الليلة فأنت طالق ثم بعد ذلك وطئها فهذا يقع طلاقه.

حكم من حلف بالطلاق كاذبا

حكم من حلف بالطلاق كاذباً Q قوله: (رجل حلف بالطلاق وأراد الكذب وقع الطلاق حكماً ودين عند الله)، فهل يقع الطلاق عند الله؟ A إذا كان الله يعلم أنه كاذب فإن الطلاق لا يقع، وهذا معنى أنه يدين، فإذا قال: أنا حلفت عليك بالطلاق وأراد الكذب، فهو يعلم أنه كاذب وأنه لم يحلف، فلا يقع طلاقه فيما بينه وبين الله، وأما عند القاضي فتقدم أنه يحكم بذلك لأن القاضي يحكم بالظاهر، وأما الله جل وعلا فيحكم بالسرائر لأنه يعلم الباطن، وإذا كان الباطن مؤثراً كما في هذه المسألة فإن الله جل وعلا يحكم به. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دليل الطالب_كتاب الجنايات [1]

دليل الطالب_كتاب الجنايات [1] أعظم الأمور حرمة بعد الشرك بالله الدماء، وقد عقد الفقهاء في كتب الفقه أبواباً وفصولاً تبين أحكام الجنايات، وفي هذه الأبواب يذكرون أقسام القتل وما يترتب على كل قسم من جزاء دنيوي أو أخروي.

القسم الأول من أقسام القتل: العمد العدوان

القسم الأول من أقسام القتل: العمد العدوان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأشكر -أولاً- القائمين على هذه الدورة في إدارة الدعوة والإرشاد في دولة قطر على هذا الجهد المبارك في التنظيم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا في ميزان حسناتهم، وأن يزيدهم براً وخيراً إنه مجيب الدعاء. وبين أيدينا كتاب الدليل للشيخ مرعي رحمه الله تعالى، وكنا قد تدارسنا في دورات سابقة هذا الكتاب، وقد وقفنا عند كتاب الجنايات. والجنايات: جمع جناية، وهي في اللغة: التعدي على البدن أو المال أو العرض، فالسرقة جناية، والزنا جناية، هذا في اللغة. وأما في الاصطلاح فهي كما قال المؤلف: [وهي التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالاً]. فالذي يوجب القصاص أو يوجب المال مما هو من قبيل التعدي على البدن فهو الجناية، هذا في اصطلاح الفقهاء. إذاً: هذا الكتاب يجمع المسائل التي توجب القصاص أو توجب المال مما هي من التعدي على البدن.

تعريف القتل العمد العدوان وبيان اختصاص القصاص به

تعريف القتل العمد العدوان وبيان اختصاص القصاص به قال المصنف رحمه الله: [والقتل ثلاثة أقسام: أحدها: العمد العدوان، ويختص القصاص به، أو الدية، فالولي مخير، وهو أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً، فيقتله بما يغلب على الظن موته به]. ذكر المصنف رحمه الله أن القتل على ثلاثة أقسام: القسم الأول: العمد العدوان، وهذا القسم الأول هو الذي يختص به القصاص، فلا قود في غير العمد العدوان. ومتى يكون القتل عمداً عدواناً موجباً للقصاص؟ قال المؤلف: [وهو أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به] أي: أن يقصد الجاني من يعلمه آدميا لا حيواناً كصيد، معصوماً لا حربياً. إذاً: العمد هو قصد الجاني من يعلم أنه آدمي، وأنه معصوم الدم، بما يقتل غالباً، لا بما لا يقتل غالباً. وما يقتل غالباً هو كالسكين أو البندقية، أو أن يخنقه، أو أن يرميه في البحر بحيث لا يقدر أن يخلص نفسه، أو أن يرميه في نار، أو أن يسحره بما يقتل غالباً، أو أن يرميه بمثقل كحجر كبير، فهذا كله مما يقتل غالباً. نعم قد يسلم المرء إذا رمي بالمسدس، أو رمي بالحجر الكبير، أو خنق، أو إذا رمي في البحر، لكن الغالب عدم السلامة وأن هذه الأشياء تقتل. إذاً: الضابط أنه يقتل في الغالب.

ضابط القتل العمد العدوان

ضابط القتل العمد العدوان وعلى ذلك يكون عندنا أمران في قتل العمد (العدوان): الأمر الأول: أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً، وعلى ذلك فلو قصد صيداً أو قصد هدفاً يتعلم به الرماية، أو قصد آدمياً لكن هذا الآدمي ليس بمعصوم، فهذا القتل ليس بعمد، وعلى ذلك فلا يوجب القصاص. الأمر الثاني: أن يكون ذلك بما يقتل في الغالب، وعلى ذلك فلو ضربه بيده في غير مقتل، أو ضربه بعصاً، أو رماه بحجرٍ صغيرة لا تقتل غالباً، فلا يكون ذلك عمداً عدواناً، وإن مات به. هذا هو قتل العمد، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء:92] إلى أن قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93]. وفي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً وستر الله عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له). وهذا الحديث المتفق عليه يدل على أن قاتل النفس تقبل توبته وإن كان القتل عمداً، ولا خلاف بين السلف في هذا، ولذا قال: (ومن أصاب من ذلك شيئاً وستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) فدخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].

الحقوق المتعلقة بالقتل

الحقوق المتعلقة بالقتل واعلم أن القتل تتعلق به حقوق ثلاثة: الحق الأول: حق الله جل وعلا، فهذا القاتل قد تعدى حدود الله بإتيانه ما نهى الله عنه من قتل النفس المعصومة، وهذا الحق يزول بالتوبة أو المغفرة؛ لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فهو غافر الذنب وقابل التوب، أي: غافر الذنب وإن لم يتب صاحبه. وقابل التوب، فمن تاب ولو كان مشركاً فإن الله عز وجل يقبل توبته، وكونه غافر الذنب يعني: أنه يغفر الذنب الذي يكون دون الشرك، وإن لم يتب صاحبه؛ لأن ذلك تحت المشيئة إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له، هذا هو الحق الأول. الحق الثاني: حق المقتول، وحق المقتول إذا تاب القاتل يكون برفعة درجته في الآخرة، فيرفع الله درجة هذا القتيل، ويكفر عنه سيئاته. وإذا لم يتب القاتل فإن المقتول يأخذ من حسناته، أو يضع هذا القتيل من سيئاته إلى سيئات هذا القاتل. الحق الثالث: وهو حق الأولياء، وحقهم يكون بالقود أو الدية، قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيحين: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعطى أو يقاد) يعني: إما أن يعطى الدية أو يقاد له من القاتل، فيكون له القصاص، فهو بخير النظرين، إن شاء أخذ الدية، وإن شاء اقتص من قاتل وليه. هذه الحقوق الثلاثة كلها تترتب على قتل النفس التي حرم الله.

حق التخيير بين القصاص والدية في القتل العمد واستحباب العفو

حق التخيير بين القصاص والدية في القتل العمد واستحباب العفو إذاً: العمد كما تقدم يكون بأن يقصد الجاني آدمياً معصوماً بما يقتله غالباً، وهو يوجب القصاص، وقد ذكر هنا أن الولي مخير؛ للحديث المتقدم، وظاهره أن الخيار للولي ولو اختار المقتول قبل موته القصاص، واختار شيخ الإسلام تحتم القصاص إذا اختاره المقتول، وهو قوي، فهذا رجل قتل، وقبل أن تخرج روحه قال: أنا لا أرخص في قبول الدية، ولا أقبل إلا القصاص من قاتلي، فيتحتم على ذلك القتل؛ وذلك لأنه أولى بحقه من أوليائه. قال: [وعفوه مجاناً أفضل]، أي: إن عفا الولي عفواً مطلقاً فقال: لا قصاص ولا دية، فهذا هو الأفضل، قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237]. وقد روى الخمسة إلا الترمذي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ما أتي بشيء من القصاص إلا أمر فيه بالعفو). فالعفو أفضل، ولكن ليس كل عفو في القود، أو في قتل النفس أفضل، إنما يكون أفضل كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان متضمناً للعدل؛ لأنه لا يكون إحساناً إلا مع العدل، فإذا ترتب عليه ظلم وترتب عليه ضرر فإن العفو لا يكون من الإحسان بل هو من الإساءة فلا يؤمر به. هذا رجل قد صارت النفوس عنده رخيصة، وقد قتل سابقاً، ثم إنه اعتدى الآن وقتل نفساً أخرى، فإذا عفي عنه فقد يعتدي مرة ثالثة ويقتل، فهذا الأفضل ألا يعفى عنه، وليس من الإحسان، ولا من العدل أن يعفى عنه. كذلك: إذا ترتب على ذلك ظلم في المجتمع، كما يحصل في بعض القبائل، فيقولون: إنا إذا عفونا فإنا نقطع أن من أبنائنا من لا يرضى بهذا العفو، وقد يعتدي بالقتل ويزيد، ويقولون: إن حقنا لا يحفظ إلا بذلك، فإذا علم ذلك ورأينا المصلحة في ترك العفو، فإن العفو حينئذ لا يكون مستحباً ولا يكون مأموراً به. إذاً: إنما يكون العفو مستحباً تبعاً للمصلحة؛ لأنه لا يكون إحساناً إلا مع العدل، لكن إذا ترتب عليه ظلم ورخصت معه الدماء وكثر الاعتداء، وقد يؤدي إلى حروب بين القبائل أو نحوها؛ فإن هذا لا يؤمر به.

قتل الجماعة بالواحد

قتل الجماعة بالواحد

شرط قتل الجماعة بالواحد

شرط قتل الجماعة بالواحد قال المصنف رحمه الله: [فلو تعمد جماعة قتل واحدٍ قتلوا جميعاً إن صلح فعل كل واحد منهم للقتل]. أي: لو اجتمع زيد وعمرو وبكر على قتل فلان؛ فإنهم يقتلون به جميعاً ولو كانوا مائة، وذلك في حالتين: الحالة الأولى: أن يصلح فعل كل واحدٍ منهم للقتل، يعني: إذا نظرنا إلى فعل زيدٍ منفرداً رأيناه صالحاً للقتل، وإذا نظرنا إلى فعل عمرو وحده منفرداً رأينا أنه يكفي في القتل العمد العدوان، وإذا نظرنا إلى فعل بكر وحده رأيناه كذلك، فهذا يوجب القصاص على الثلاثة. اجتمع ثلاثة ومعهم سلاح فرموه، هذا رماه في رأسه، وهذا رماه في قلبه، وهذا رماه في بطنه، فهنا نجد أن فعل كل واحدٍ منهم يصلح للقتل لو انفرد، وعلى ذلك فيقتلون جميعاً. فإن كان فعل كل واحدٍ منهم لا يصلح للقتل لم يقتل أحدٌ منهم، كما لو اجتمعوا عليه بالسياط، هذا ضربه سوطاً وهذا سوطين، وهذا ثلاثة، وهذا أربعة؛ حتى جلدوه ألوف السياط حتى مات، فهنا فعل كل واحد منهم لا يصلح للقتل، فلا يقتل أحد منهم به. وإن كان فعل بعضهم يصلح قتل به، كما لو أن أحدهم قطع يديه، والآخر أجهز عليه فقتله، فيقتل به الآخر، وأما الأول فإن في فعله الدية. الحالة الثانية: أن يكون فعل كل واحد منهم منفرداً لا يصلح للقتل، لكن كان هناك تمالؤ على قتله، بأن كانوا قاصدين بهذا الفعل القتل، فإنهم يقتلون به، وهذا لا يعرف إلا ببينة أو إقرار. فمثلاً: اجتمع عشرة رجال فقالوا: نحن نريد قتل فلان، ولو قتلناه بسيوفنا لقتلنا به، إذاً: ماذا نفعل؟ قالوا: نقتله بأحجار صغيرة، فكل واحد منا يأخذ كذا من الأحجار التي لا تصلح بمفردها للقتل، أي أنه إذا نظر القاضي إلى فعله منفرداً فإنه لا يحكم عليه بالقتل، ولكنهم يريدون قتل الرجل، فقد تمالئوا على ذلك، فإنهم يقتلون به، وإنما يعرف ذلك بإقرارهم أو ببينة. ونحن نقول هنا بالقصاص؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى رد ودفع القصاص. وقد جاء في البخاري: أن عمر رضي الله عنه قتل سبعة من أهل صنعاء برجل، قال رضي الله عنه: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به). أما الدية فهي واحدة، إذا عفا الولي، ولا نوجب على كل واحد منهم دية، وإنما هي دية واحدة. لكن إن قال: لا أعفو حتى يدفع لي كل واحد من الجناة دية، وتراضوا على ذلك، فهذا صلح عن الدم، والصلح عن الدم يجوز لو بأكثر من الدية. فلو قتل زيد عمراً وثبت القصاص، ثم إن الولي قال: أنا لا أعفو إلا بكذا وكذا من المال، وذكر أضعاف الدية، ورضي القاتل، فلا بأس بذلك، وهو صلح عن الدم، وهو جائز. وأما قتل الخطأ فالدية فيه محددة من الشرع كما سيأتي تقريره، فلا يزاد فيها.

حكم من جرحوا المقتول جراحات مختلفة

حكم من جرحوا المقتول جراحات مختلفة قال المصنف رحمه الله: [وإن جرح واحد منهم جرحاً والآخر مائة فسواء]. يعني: لو أن أحدهما جرحه جرحاً قاتلاً واحداً، والآخر جرحه مائة جرح قاتل، هذا فعله يصلح للقتل، وهذا فعله يصلح للقتل، لكن أحدهما أشد، لأن هذا أخذ السكين فطعنه مرة واحدة، وهذا أخذ السكين وطعنه مائة مرة؛ فإنه لا فرق، هذا عليه القود وهذا عليه القود.

حكم من قطع سلعة خطرة من شخص فمات من ذلك

حكم من قطع سلعة خطرة من شخص فمات من ذلك قال المصنف رحمه الله: [ومن قطع أو بط سلعة خطرة من مكلفٍ بلا إذنه، أو من غير مكلفٍ بلا إذن وليه فمات، فعليه القود]. من قطع أو بط -أي: شرط- سلعة خطرة. يعني: يكون هناك مثل القرحة الظاهرة تجتمع زائدة في موضع، فيأتي شخص ويشرطها، فمثلاً: وجد قطعة متدلية في بطن شخص أو في يده أو نحو ذلك فقطعها فمات، فما الحكم؟ قال هنا: إن كان هذا الميت مكلفاً وقد شرط منه هذا بلا إذنه؛ فإن عليه القود إلا أن يرضى الولي بالدية أو يعفو مجاناً، وإن كان من غير مكلف بلا إذن وليه فكذلك. إذاً: المكلف لا بد من إذنه في شرط هذه، وأما غير المكلف فلا بد من إذن وليه.

القسم الثاني من أقسام القتل: شبه العمد

القسم الثاني من أقسام القتل: شبه العمد

ضوابط القتل شبه العمد

ضوابط القتل شبه العمد قال المصنف رحمه الله: [الثاني: شبه العمد، وهو أن يقصده بجناية لا تقتل غالباً، ولم يجرحه بها]. هذا شبه العمد، جاء في سنن أبي داود وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا إن دية الخطأ شبه العمد قتيل العصا والسوط مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها). وجاء في الصحيحين: (أن امرأتين من هذيل اقتتلتا، فضربت إحداهما الأخرى بحجر في بطنها فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي عليه الصلاة والسلام في الجنين بغرة عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على العاقلة). هذا شبه عمد، فما هو ضابطه؟ قال المؤلف هنا: [أن يقصده بجناية لا تقتل غالباً]. إذاً: قصد الجناية مشترك بين العمد وشبه العمد، فقد قصد الجناية، ولم يكن قد ظن المجني عليه صيداً أو ظنه هدفاً، بل قصد الاعتداء على هذا الشخص، فهذا محل الاشتراك بين قتل العمد وشبه العمد، لكن هنا ذكر أنه قصده بما لا يقتل غالباً كالعصا والسوط، فإن العصا والسوط لا يقتلان غالباً، أو أن يغرز إبرة في يده، أو أن يلكزه في بطنه بيده، ونحو ذلك، فهذا لا يقتل في الغالب. لكن إن كان هذا الشخص مما يقتله هذا في الغالب، أو كان الموضع موضعاً قاتلاً في الغالب، كما لو ضربه بعصا في مكان من الرأس هو مقتل، فهذا يقتل غالباً، نعم العصا لا يقتل في الغالب، لكن هذا الموضع إذا ضرب بالعصا يقتل في الغالب. لو غرز إبرة في قلبه فذلك يقتل غالباً، مع أن الإبرة في الأصل لا تقتل غالباً لو غرزت في موضع آخر. أما في هذا الموضع فإنها تقتل غالباً. جلد مائة سوط لا يقتل غالباً، لكن لو كان مريضاً شديد المرض فإن هذه تقتله غالباً. إذاً: ننظر إلى الآلة والفعل، وننظر كذلك إلى الموضع أو الشخص، لنعرف هل هذا يقتل غالباً أو لا يقتل غالباً؛ فإذا كان لا يقتل غالباً وقد تعمد الجناية فإن هذا يكون شبه عمدٍ، وقتل شبه العمد كما تقدم لا قصاص فيه، لكن الدية فيه مغلظة أغلظ من قتل الخطأ، ولذا جاء في الحديث: (أن فيه مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها).

حكم الجرح بما لا يقتل غالبا

حكم الجرح بما لا يقتل غالباً وقول المؤلف: [ولم يجرحه بها] هذا قيد، ومعناه: أنه لو جرحه بما لا يقتل غالباً فإن هذا عمد، فلو أخذ إبرة أو مشرطاً لا يقتل في الغالب، لكن خرج منه دم، ولو كان الجرح يسيراً فمات، فمقتضى المتن أن هذا يكون عمداً. إذاً: الجرح هنا ولو كان يسيراً مؤثراً، واختار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله أن العبرة بكون فعله لا يقتل غالباً سواء جرح أم لم يجرح، وهذا أصح؛ لأن المؤثر هو كون هذا لا يقتل غالباً، أما كونه يجرح أو لا يجرح فهذا ليس بمؤثر خلافاً للمشهور في المذهب. قال المصنف رحمه الله: [فإن جرحه ولو جرحاً صغيراً قتل به]. يعني: غرز فيه شيئاً حاداً لا يقتل غالباً فخرج دم ومات فإنه يقتل به؛ لأن هذا وإن كان لا يقتل غالباً لكنه جرح، والراجح كما تقدم: أن الضابط هو كونه لا يقتل غالباً سواء جرح أم لم يجرح.

القسم الثالث من أقسام القتل: القتل الخطأ

القسم الثالث من أقسام القتل: القتل الخطأ قال المصنف رحمه الله: [الثالث: الخطأ، وهو أن يفعل ما يجوز له فعله من دق أو رمي صيد أو نحوه، فيبين آدمياً معصوماً، ففي القسمين الأخيرين الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته]. النوع الثالث: قتل الخطأ، وهو: أن يفعل ما له فعله، يعني: ما يجوز له فعله، كأن يرمي صيداً، أو يقصد هدفاً يتمرن به على الرمي، فهو يفعل ما يجوز له فعله، ولم يقصد الجناية. إذاً: الفرق بين هذا القسم والقسمين اللذين قبله هو قصد الجناية، فهنا قاتل الخطأ لم يقصد الجناية، وأما قاتل العمد وقاتل شبه العمد فإنه قد قصد الجناية. فقاتل الخطأ إنما أراد هدفاً أو أراد صيداً ونحو ذلك، أو كان يقود سيارته ولا يقصد الجناية، لكن لو حرف السيارة قاصداً الاعتداء على أحد من المشاة فإن هذا قصد في الجناية. إذاً: قتل الخطأ ليس فيه قصد للجناية، ولذا قال: (أن يفعل ما يجوز له فعله من دق لشيء) أي: يريد أن يدق شيئاً، أو يرمي صيداً ونحو ذلك، أو ينقلب وهو نائم، كالأم تنقلب على وليدها وهي نائمة، فهذا هو قتل الخطأ، وهذا لا قصاص فيه، والدية فيه مخففة. إذاً: ضابط قتل الخطأ هو: أن لا يقصد الجناية، بل يفعل ما يجوز له فعله، لكن فعله هذا يقتل إنساناً. وقول المؤلف هنا: [أن يفعل ما يجوز له فعله] يفهم منه: أنه إذا فعل ما لا يجوز فعله، وإن لم يقصد الجناية؛ فإنه لا يكون قتل خطأ، ويتضح هذا بمثالين: المثال الأول: رجل قصد أن يرمي شاة أو ناقة لمعصوم، فليس له أن يفعل ذلك، فمثلاً هذا رجل له مزرعة، فأتت الإبل لتدخل مزرعته، فأخذ سلاحه ورمى هذه الإبل، فليس له أن يفعل ذلك، ولكنه فعل فأصاب الراعي. المثال الثاني: هذا رجل بينه وبين زيد من الناس مشكلة، فرفع السلاح يريد أن يقتله، ثم إن هذا الذي يراد قتله لم تصبه هذه الرصاصة، وإنما أصابت شخصاً آخر فقتلته. فهو لم يقصد القتل بعينه، وإنما قصد الآخر، لكنه ليس له أن يفعل ذلك. ففي المثالين جميعاً يكون قتله قتل عمدٍ، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد كما في المنتهى. وفي الإقناع أن هذا خطأ في المثالين جميعاً، والذي يترجح لي التفصيل، أما في قصد الحيوان، فالذي يقوى أنه يكون قتل خطأ، وأما في قصد الآدمي فإنه يكون عمداً؛ لأنه قصد قتل نفسٍ فأصاب غيرها، وهذا نظير هذا. وقول المؤلف: [ففي القسمين الأخيرين الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته]، معناه أن الكفارة على القاتل في القسمين الأخيرين، يعني: في شبه العمد، وفي قتل الخطأ، وإن كان القاتل صبياً. وعمد الصبي والمجنون يعد خطأً، وعلى ذلك فتكون الكفارة في ماليهما. أما الدية فتكون على العاقلة، ويأتي شرح العاقلة إن شاء الله، فلا يؤخذ من ماله، وإنما يؤخذ من عاقلته، فمن قتل شبه عمدٍ أخذت الدية من عاقلته كما تقدم في قصة الهذليتين، وكذلك من قتل خطأً فلا تؤخذ من ماله، وإنما تؤخذ من عاقلته، وأما من قتل عمداً فإنها تؤخذ من ماله.

أحكام الآمر والمأمور بالقتل

أحكام الآمر والمأمور بالقتل

حكم من أمر غيره بقتله

حكم من أمر غيره بقتله قال المصنف رحمه الله: [ومن قال لإنسان: اقتلني أو اجرحني فقتله أو جرحه لم يلزمه شيء]. هذا رجل قال لآخر: يا فلان! اقتلني. أو قال: اجرحني، وهناك بينة تشهد بذلك، أو إقرار من المجني عليه قبل موته، كأن قال: أنا الذي أمرته، فهنا يقول: إنه لا يقتل به، كما لو أمره أن يحرق ماله، أو أن يرمي متاعه في البحر؛ فإنه لا يضمن، فكذلك هنا لا يضمن النفس؛ لأن هذا قد أذن له بقتل نفسه، وظاهره: ولا كفارة عليه، وهو المذهب. وقال بعض الفقهاء من الحنابلة: بل عليه الكفارة مع الإثم، وهذا هو الراجح؛ لأنه لا يجوز له أن يطيعه في ذلك، لكن هل يقتل به؟ لا يقتل به. فلو أن رجلاً قال لآخر: اقتلني، أو اجرحني، فلا ضمان عليه؛ لأن هذا قد أذن له، لكنه يأثم؛ لأن الإنسان لا يملك نفسه حتى يأذن بالقتل، ولذا نقول: إن هذا القاتل يأثم وعليه الكفارة، لكن ليس عليه قصاص ولا دية؛ لأن هذا قد أذن له في قتل نفسه.

حكم من دفع لغير مكلف آلة قتل ولم يأمره بالقتل أو أمره

حكم من دفع لغير مكلف آلة قتل ولم يأمره بالقتل أو أمره قال المصنف رحمه الله: [وكذا لو دفع لغير مكلف آلة قتل ولم يأمره به]. يقول: لو دفع لغير مكلف آلة قتل كأن يعطيه بندقية، أو يعطيه مسدساً، ولم يأمره بالقتل، كأن حصلت مشاجرة بين أطفال، فأتى الأب وأعطى ابنه المسدس، ولم يقل له: اقتله به. لكن إن كان هناك ما يدل على أنه أراد منه القتل فهذا أمر له في الحقيقة، فكأنه يقول: اقتله به، فهو آمر، لكن إذا أعطاه المسدس ولم تكن هناك قرينة أمر، ولم يأمره بالقتل صراحة؛ فإنه لا يقتل بذلك. أما الصبي فعمده -كما تقدم- خطأ. فإن أمره بالقتل فعليه القصاص، وذلك كما لو قال للصبي: خذ هذا المسدس واقتل فلاناً، فهذا الصبي غير مكلف، وكذلك لو كان مجنوناً، ولا فرق في الصبي بين أن يكون صبياً غير مميز أو صبياً مميزاً دون البلوغ؛ فإن الآمر هو الذي يقتل بذلك، ما دام المأمور غير مكلف؛ لأنه يكون كالآلة. إذاً: إذا دفع لصبي أو لمجنون سلاحاً ولم يأمره بالقتل، ولم تكن هناك قرينة أمر؛ فإنا لا نثبت القود في ذلك، وإن كان أمر هذا الصبي، أو أمر هذا المجنون بالقتل؛ فإنه يقتل بذلك. يعني: يثبت القصاص.

حكم من أمر مكلفا بالقتل

حكم من أمر مكلفاً بالقتل أما إن كان المأمور مكلفاً، فلا يقتل الآمر، ومثال ذلك لو أنه قال لمكلف: يا فلان! اقتل فلاناً، فقتله، فإنه لا يقتل الآمر به، بل يقتل هذا المكلف المأمور؛ لأنه المباشر. لكن إن كان قد أكرهه فقال: إن لم تقتل زيداً قتلتك، فهذا إكراه، فيقتل المكره والمكره جميعاً، هذا هو المشهور في المذهب. أما المكرَه فلأنه ليس له أن يفدي نفسه بقتل غيره؛ لأن هذا قتل، فكيف تريد أن تأمن من القتل وتوقع غيرك به. وأما المكرِه فلأنه متسبب كالمباشر في القوة؛ أي: لأن قوة الإكراه تجعله كالمباشر. إذاً: هناك فرق بين الإكراه وبين الأمر المجرد من الإكراه، فننظر في الأمر: إن كان قد توجه إلى غير مكلفٍ قتلنا الآمر، وإن كان قد توجه إلى مكلفٍ من غير إكراه قتلنا المكلف، وأما الإكراه فنقتل المكره والمكره جميعاً. كذلك: إذا أمر بالقتل من يجهل تحريم القتل، كما لو أمر حديث عهدٍ بالإسلام وهو يجهل تحريم القتل، فيقتل الآمر. كذلك السلطان إذا كان ظالماً فأمر بالقتل، وهذا القاتل يجهل أن السلطان ظالم؛ فإن السلطان يُقتل، وأما إذا كان القاتل لا يجهل، بل يعلم أنه ظالم فإنه يقتل هذا المأمور. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الجنايات [2]

دليل الطالب_كتاب الجنايات [2] إذا حدث القتل عمداً عدواناً فقد وجب القصاص من الجاني، ولكن لا بد من مراعاة شروط وجوب القصاص، وشروط استيفائه، وآداب ذلك، وما يستحقه من يخالف ذلك أو يفتات على الإمام في إقامة الحد.

شروط وجوب القصاص في النفس

شروط وجوب القصاص في النفس

الشرط الأول تكليف القاتل

الشرط الأول تكليف القاتل الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: شروط القصاص في النفس. وهي أربعة: أحدها: تكليف القاتل. هذه الشروط هي شروط وجوب القود، فلا بد أن تتوفر هذه الشروط ليجب القصاص]. قال المؤلف رحمه الله: [أحدها تكليف القاتل، فلا قصاص على صغير ومجنونٍ، بل الكفارة في مالهما والدية على عاقلتهما. الثاني: عصمة المقتول، فلا كفارة ولا دية على قاتل حربي أو مرتد أو زانٍ محصن ولو أنه مثله]. الأول: تكليف القاتل بأن يكون القاتل مكلفاً، فقد جاء في سنن البيهقي وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق) وتقدم في الدرس السابق أن أهل العلم قد اتفقوا على أن عمد الصبي والمجنون خطأ، وعلى ذلك فإذا كان القاتل صبياً لم يبلغ، سواء كان مميزاً وهو من تم له سبع سنين، أو كان دون التمييز فلا يقتل. ومثل ذلك أيضاً: من ذهب عقله بأمر مباح كمخدر لعلاج. وأما إذا كان قد سكر فقتل فلا خلاف بين أهل العلم في أنه يقتص منه، فالقود يثبت على السكران بلا خلاف بين أهل العلم. إذاً: لا بد من تكليف القاتل، فإذا كان القاتل غير مكلف لم يقتص منه، ولذا قال الفقهاء عمد الصبي والمجنون خطأ. قال: [بل الكفارة في مالهما]، إذا قتل صبي أو مجنون، أو من ذهب عقله بغير سكر؛ فإن الكفارة في ماله، فعليه أن يحرر رقبة، ويكون هذا في ماله، لا في مال عاقلته. قال: [والدية على عاقلتهما]: ويأتي شرح العاقلة إن شاء الله تعالى. فهذا هو الشرط الأول من شروط وجوب القود.

الشرط الثاني عصمة المقتول

الشرط الثاني عصمة المقتول [وأما الشرط الثاني: فهو عصمة المقتول]، أي أن المجني عليه المعتدى عليه بالقتل لا بد أن يكون معصوم الدم، لا مهدراً؛ فإذا كان مهدر الدم فإنه لا يقتص في هذه الحال من قاتله. وقد ذكر المؤلف لهذا أمثلة فقال: [فلا كفارة ولا دية على قاتل حربي]. دخل حربي إلى بلدنا بلا أمان من الحاكم، فإذا قتله أحد لم يقتل به؛ لأن هذا الحربي الذي يحاربنا دمه هدر، وهذا واضح. قال: [ومرتد]. فإذا قتل المرتد قبل توبته فإن قاتله لا يقتل به، فلو أن رجلاً سب الله، أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام فقتله رجل لم يقتل به، لكن ليسلم دمه لا بد أن يأتي ببينة تثبت أن هذا الرجل قد ارتد عن الدين. ومع ذلك لو أتى بالبينة فإن الحاكم يعزره، وذلك لأنه افتأت عليه، لأن إقامة الحدود للإمام، وليس لآحاد الناس أن يقيموا الحدود، ولا أن يقتلوا المرتدين، وعلى ذلك فإنه يعزر بما يراه الحاكم لكنه لا يقتل؛ وذلك لأن المقتول ليس بمعصوم الدم. كذلك: لو قتل زانياً محصناً، ولذا قال المؤلف: [أو زانٍ محصن]: هذا رجل أتى إلى زانٍ محصنٍ فقتله، ثم أتى ببينة تشهد له أن هذا زانٍ محصن، يعني: أتى بشهود أربعة شهدوا أنهم رأوا أن الميل في المكحلة، فلما أُتي بالقاتل إلى القاضي قال: أنا قتلت هذا الزاني المحصن، وعندي بينة، فلا يقتل به، ولكن يعزره الإمام بما يراه، أي: يعاقبه بحبس أو جلد ليرتدع عن هذا الفعل؛ لأن هذا افتيات على حق الإمام، فالإمام أو نائبه هم الذين يقيمون الحدود. لكن لو قتله بعد توبته، مثل رجل قتل آخر وقال: إنه قد زنا وهو محصن، وأتى ببينة تشهد على ذلك، لكن هذا الزنا قد حصل قبل سنة مثلاً، وهذا المقتول قد ظهرت توبته، وعرفت استقامته، والله جل وعلا يقول: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34]، وهذا قد تاب قبل أن يقدر عليه، وعلى ذلك فهذا يكون قد قتل معصوم الدم؛ لأن هذا الزاني قد ظهرت توبته. قال: [ولو أنه مثله] فلو أن امرأة زنى بها رجل ولما رأت البينة تشهد قتلت هذا الزاني، والبينة شهدت بأنه زان، فلا تقتل به، ولكن إن كانت محصنة وشهدت عليها البينة رجمت، وإن لم تكن محصنة فإنها تجلد حد الزنا، ويأتي إن شاء الله تعالى.

الشرط الثالث المكافأة

الشرط الثالث المكافأة قال المؤلف رحمه الله: [الثالث: المكافأة؛ بأن لا يفضل القاتل المقتول حال الجناية بالإسلام أو الحرية أو الملك، فلا يقتل المسلم ولو عبداً بالكافر ولو حراً، ولا الحر ولو ذمياً بالعبد ولو مسلماً، ولا المكاتب بعبده ولو كان ذا رحم محرمٍ له، ويقتل الحر المسلم ولو ذكراً بالحر المسلم ولو أنثى، والرقيق كذلك، وبمن هو أعلى منه، والذمي كذلك]. هذا هو الشرط الثالث لوجوب القصاص، وهو المكافأة، وعرف المكافأة بقوله: بألا يفضل القاتل المقتول حال الجناية بالإسلام، أو الحرية أو الملك. إذاً: لا بد أن يكون المقتول مكافئاً للقاتل، فلو كان دونه فيما ذكره المؤلف، يعني: في الإسلام، أو في الحرية، أو في الملك؛ فإنه لا يقتل به. إذا كان دونه في الإسلام بأن كان المقتول ذمياً؛ فإنه لا يقتل به هذا المسلم؛ لأنه لا يكافئه، وقد جاء في البخاري في صحيفة علي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يقتل مسلم بكافر). وذهب الأحناف إلى أن المسلم يقتل بالكافر الذمي، واستدلوا بما روى الدارقطني أن النبي عليه الصلاة والسلام أقاد مسلماً بذمي، وقال: (أنا أحق من وفى بذمته)؛ لكن الحديث مرسل ضعيف، وعلى ذلك فالراجح ما ذهب إليه الجمهور، وأن المسلم لا يقتل بالكافر الذمي. وقول المؤلف هنا: [حال الجناية]، معناه أن العبرة بحال الجناية، فلو أن ذمياً قتل ذمياً فإنا نقتله به؛ لأنه يكافئه، ولكن لو أن هذا الذمي القاتل أسلم قبل أن يقتص منه، فهل نقول: لا نقتله؛ لأنه حال الاستيفاء مسلم، أو نقول: نقتله؛ لأنه حال الجناية كافر؟ A ننظر إلى حال الجناية، فهو حال الجناية كافر ذمي قتل كافراً ذمياً، وعلى ذلك فيقتل به وإن أسلم بعد ذلك، وذلك لأن العبرة بحال الجناية؛ لأن العقوبة قد وجبت لوجود سببها وهو القتل، فكان العبرة بحال الجناية.

حكم قتل الحر بالعبد

حكم قتل الحر بالعبد وكذلك ألا يكون دونه بالحرية، وعلى ذلك فلا يقتل الحر بالعبد، فلو أن حراً قتل عبداً مملوكاً فإنه لا يقتل به، وفي ذلك الدية كما سيأتي إن شاء الله، لكنه لا يقتل به، واستدلوا بما جاء في مسند أحمد أنه من السنة -أي: من سنة النبي عليه الصلاة والسلام-: (أن الحر لا يقتل بالعبد)، فمن السنة أن لا يقتل الحر بالعبد، والحديث فيه جابر الجعفي وهو ضعيف الحديث. والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب الأحناف أن الحر يقتل بالعبد، قالوا: لما جاء في مسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم)، وهذا مؤمن. وفي سنن الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه) رواه الترمذي وحسنه، وهو كما قال. ومما استدل به أهل القول الأول قول الله جل وعلا: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [البقرة:178]. والجواب على الاستدلال بهذه الآية الكريمة أن نقول: إن هذه الآية نزلت في قول بعض العرب ترفعاً وكبراً: العبد منا نقتل به الحر من غيرنا، والأنثى منا نقتل بها الذكر من غيرنا، فنزلت: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [البقرة:178]. ويدل على هذا أن أهل العلم قد أجمعوا على أن الذكر يقتل بالأنثى، والله يقول هنا: {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [البقرة:178]، ولا قائل بأن الذكر لا يقتل بالأنثى، فكذلك الحر بالعبد، وتقدم حديث الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه).

حكم قتل المكاتب بعبده

حكم قتل المكاتب بعبده قال: [والملك]: ما المراد بالملك؟ الملك: هو أن يقتل المكاتب عبده، فالمكاتب عبد، وقتل عبداً، والأصل أن العبد يقتل بالعبد، لكنه هنا يفضله بالملك فلا يقتل به، وإلا فإن المكاتب عبد مثله، ولذا جاء في الحديث: (المكاتب قن وإن بقي عليه درهم). والمراد بالمكاتب هو الذي حصل بينه وبين سيده عقد يدفع هذا العبد بموجبه لسيده أقساطاً سنوية، فإذا اكتملت هذه الأقساط أصبح هذا العبد حراً. يعني: يأتي العبد إلى سيده ويقول: أنا أريد أن أشتري نفسي منك، بأن أدفع لك أقساطاً سنوية أو شهرية، فإذا دفع هذه الأقساط كلها أصبح حراً. هذا هو المكاتب. والمكاتب يملك لأنه لا يمكنه أن يحرر نفسه ويدفع هذه الأقساط إلا إذا كان يصح بيعه وشراؤه ويملك، فإذا عجز أصبح هو وما ملك ملكاً لسيده. فالمكاتب إذا ملك عبداً أصبح يبيع ويشتري بالعبيد وهو عبد، ثم إنه قتل عبداً له، فهو لا يفضله في الحرية؛ لأنه عبد مثله، بالملك. والقول الثاني وهو قول داود: أنه يقتل به، للحديث المتقدم: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه)، ولذا فالراجح أنه يقتل به. وعلى ذلك فكل المؤمنين تتكافأ دماؤهم، كما قال صلى الله عليه وسلم، فيقتل الحر بالعبد، ويقتل المكاتب بعبده، كما أن الذكر يقتل بالأنثى، وقد جاء في سنن النسائي بإسناد صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يقتل الذكر بالأنثى).

حكم قتل المسلم بالذمي إذا قتله غيلة

حكم قتل المسلم بالذمي إذا قتله غيلة إذاً: الشرط الثالث هو المكافأة، والمكافأة تكون أولاً بالإسلام، فلا يقتل مسلم بكافر، وعلى ذلك فلا يقتل المسلم بالذمي، وهذا تقدم دليله، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر). فإن كان قد قتله غيلة، يعني: على غفلة وعلى حين غرة من حيث يأمن هذا الذمي، فهل يقتل به أم لا؟ فليس هذا من القتل الذي يحصل مثلاً بمشاجرة أو نحوها، بل يأتي إليه في طريق ومعه نقود فيقتله ويأخذ نقوده، وكالذين يفجرون البيوت التي يسكنها أهل الذمة ونحو ذلك، فهذه حرابة، والله جل وعلا يقول في كتابه الكريم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة:33] فإذا قتلوا قتلوا، وهؤلاء قد قتلوا، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو مذهب المالكية، وهو أن المسلم يقتل بالذمي إن قتله على حين غرة وعلى غفلة، وهذا هو قتل الخديعة، فإذا قتله خديعة وغيلة فإنه يقتل به خلافاً للمشهور في المذهب. قال هنا: [فلا يقتل المسلم ولو عبداً بالكافر ولو حراً]: لو أن عبداً مسلماً قتل كافراً لم يقتل به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقتل مسلم بكافر) وهذا العبد مسلم، فلا يقتل بالكافر ولو كان هذا الكافر سيداً من سادات قومه. قال: [ولا الحر ولو ذمياً بالعبد]: يقول: الحر لا يقتل بالعبد، ولو كان هذا الحر القاتل ذمياً، والعبد المقتول مسلماً، وتقدم أن الراجح خلاف ذلك، وأن الحر يقتل بالعبد. قال: [ولو كان العبد مسلماً]: يعني: لو أن رجلاً من أهل الذمة قتل عبداً مسلماً، فإنه لا يقتل به، وهذا ضعيف، وقد تقدم أن الراجح أن الحر يقتل بالعبد مطلقاً، كيف والحر هنا دون العبد؟ فإنه أعظم منه؛ لأنه أرفع منه بالإسلام، والإسلام أرفع من الحرية. قال: [ولا يقتل المكاتب بعبده]، تقدم شرح هذا. [ولو كان ذا رحمٍ محرمٍ له]: يعني: لو قتل المكاتب عبده الذي هو عمه مثلاً، أو الذي هو خاله، فإنه لا يقتل به، والصحيح كما تقدم أنه يقتل به؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل عبده قتلناه). قال: [ويقتل الحر المسلم ولو ذكراً بالحر المسلم ولو أنثى]، تقدم شرح هذا، [والرقيق كذلك]. قال: [وبمن هو أعلى منه]: وهذا واضح، والذمي كذلك يقتل بمن هو أعلى منه، يعني: يقتل الكافر بالمسلم، ويقتل العبد بالحر، وتقتل الأنثى بالذكر؛ لأنه أعلى منه، فإذا كان يقتل بمن يكافئه فأولى من ذلك أن يقتل بمن هو أعلى منه، وهذا كله تقدم شرحه وإيضاحه.

الشرط الرابع ألا يكون القاتل والدا للمقتول

الشرط الرابع ألا يكون القاتل والداً للمقتول قال المؤلف رحمه الله: [الرابع: أن يكون المقتول ليس بولدٍ للقاتل، فلا يقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت بالولد، ولا بولد الولد وإن سفل]. يذكر المؤلف هنا الشرط الرابع لوجوب القصاص في النفس، وهو: [أن يكون المقتول ليس بولد للقاتل]، وذلك لما جاء في سنن البيهقي، والمنتقى لـ ابن الجارود، وهو أيضاً في الترمذي من حديث عمر، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يقاد والد بولده) والحديث هنا رواه البيهقي وابن الجارود بإسناد جيد، أما حديث عمر في الترمذي فإن فيه اضطراباً. والحديث مشهور عند أهل العلم، متلقى بالقبول، وفيه أن الوالد لا يقتل بولده. والوالد يعني الأم والأب فلا يقتلون بولدهم؛ لأن الوالد سبب وجود الولد، فلا يكون الولد سبباً لعدمه، وعلى ذلك فلا يقتل الوالد بالولد. قال هنا: [فلا يقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت بالولد، ولا بولد الولد وإن سفل]. يعني: الجد لا يقتل كذلك بولد ابنه، ولا بولد ابنته؛ لأنه والد.

يورث القصاص على قدر الميراث

يورث القصاص على قدر الميراث قال المصنف رحمه الله: [ويورث القصاص على قدر الميراث، فمتى ورث القاتل أو ولده شيئاً من القصاص فلا قصاص]. القصاص يورث على قدر الميراث، وذلك لأن الذين لهم حق في القصاص هم الورثة، فننظر من هم ورثة المقتول، فورثته هم أولياء الدم، فإذا عفا أحدهم عن القاتل أسقط الحق في القصاص وعتق القاتل فلم يقتص منه، وهذا هو قول جمهور العلماء. وقد جاء في سنن أبي داود وغيره: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل له قتيل فأهله بين خيارتين) قوله: (فأهله) يعني: ورثته؛ لأن الأهل هم الورثة. وفي مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قد قتل آخر، فعفت زوجة المقتول، وكانت أختاً للقاتل، فقال عمر رضي الله عنه: الله أكبر قد عتق القتيل، وهذا الأثر إسناده صحيح، وبه قال الجمهور. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العصبة فقط هم الذين لهم حق القصاص، وهم الذين يرثون الدم؛ لأن العار يلحقهم، والصحيح خلافه، وهو قول الجمهور كما تقدم، وأثر عمر رضي الله عنه لا يعلم له مخالف فكان حجة. إذاً: الورثة هم الذين يرثون الدم. قال هنا: [ويورث القصاص على قدر الميراث، فمتى ورث القاتل أو ولده شيئاً من القصاص فلا قصاص]: القاتل قد يدخل في الورثة، مثال هذا: رجل قتل أخا زوجته، فكانت هذه الزوجة من ورثة دم أخيها القتيل، ثم إن الزوجة ماتت فيرثها زوجها، فأصبح القاتل من ورثة الدم. وإذا كان لها ولد كأن يكون مثلاً قد طلقها؛ لكن لها ولد منه، فأصبح ولدها من ورثتها، وهي من ورثة الدم فلا قصاص؛ لأن القصاص لا يتبعض، يعني: لا يمكن أن نقتص من بعضه، ولذا سيأتي إن شاء الله أنه إذا عفا أحد الورثة سقط القصاص، فلو كان ورثة الدم عشرة، فأسقط واحد من هؤلاء العشرة القصاص؛ فإن الدم يعصم، ولا يقتل هذا القاتل؛ لأن القصاص لا يتبعض، فإذا عفا بعضهم سقط حق بقيتهم في القصاص.

شروط استيفاء القصاص

شروط استيفاء القصاص

معنى استيفاء القصاص

معنى استيفاء القصاص قال المؤلف رحمه الله: [باب: شروط استيفاء القصاص، وهي ثلاثة:]. استيفاء القصاص هو فعل مجني عليه أو وليه بالجاني مثل فعله أو شبهه. المجني عليه عندما تقطع يده أو ولي الدم عندما يقتل موليه فإن الدم له، لأنه ولي الدم، فإذا اقتص فهذا يسمى استيفاء، مثال ذلك: رجل قتل له ولد فاختار القصاص هو وبقية الورثة، فاقتصوا من القاتل بالسيف مثلاً، فهذا الفعل يسمى استيفاء. كذلك من قطعت يده فاختار القود بأن تقطع يد من جنى عليه، فهذا يسمى بالاستيفاء. إذاً: هو فعل مجني عليه أو وليه بالجاني مثل فعله أو شبهه، فالفعل بالجاني من المجني عليه أو من ولي الدم مثلما فعل، أو شبهه، يسمى استيفاء.

الشرط الأول تكليف المستحق

الشرط الأول تكليف المستحق قال المصنف رحمه الله: [أحدها: تكليف المستحق؛ فإن كان صغيراً أو مجنوناً حبس الجاني إلى تكليفه، فإن احتاج لنفقة فلولي المجنون فقط العفو إلى الدية]. يقول: [أحدها: تكليف المستحق]، أي: الذي يستحق القصاص، فلا بد أن يكون المستحق الذي يريد أن يستوفي القصاص مكلفاً، فلو أن رجلاً قتل وله أولاد، وكان أولاده غير مكلفين، فما الحكم؟ ننتظر حتى يبلغ الصبي منهم، وإذا كان فيهم مجنون فننتظر حتى يعقل هذا المجنون، فيحبس هذا الجاني ولا يكفل؛ لأن الكفالة هنا لا يمكن الاستيفاء بها، لأنه لا يمكن أن يقتص من الكفيل. وعلى ذلك فيحبس القاتل حتى يبلغ الصبي وحتى يعقل المجنون؛ وذلك لأن الاستيفاء حق لهم، ويراد من الاستيفاء التشفي. يعني: أن يزول ما في الصدر من الغل. لو كان بعضهم صبياً وبعضهم بالغاً فسيأتي الحكم إن شاء الله، لكن ذكر المصنف هنا: أنه احتاج لنفقة فلولي المجنون فقط العفو إلى الدية، يعني أنه إذا كان المجنون محتاجاً إلى النفقة فلوليه أن يعفو لينفق عليه من هذه الدية.

الشرط الثاني اتفاق المستحقين على الاستيفاء

الشرط الثاني اتفاق المستحقين على الاستيفاء قال المصنف رحمه الله: [الثاني: اتفاق المستحقين على استيفائه؛ فلا ينفرد به بعضهم. وينتظر قدوم الغائب، وتكليف غير المكلف]. الشرط الثاني لاستيفاء القصاص: اتفاق المستحقين: فلو أن بعضهم اختار القصاص، وبعضهم اختار الدية، فلا قصاص، لأن القصاص لا يتبعض، فلا يمكن أن نقتص من بعضه بناءً على اختيار بعض الورثة، ولذا لا بد من الاتفاق. ولا ينفرد أحدهم بالقصاص؛ لأنه إذا انفرد فقد استوفى حق غيره؛ لأن القصاص ليس حقه فقط، بل له ولغيره. قوله: [وينتظر قدوم الغائب وتكليف غير المكلف]. أي: ينتظر قدوم الغائب من المستحقين وإن بعدت غيبته، فلو كان أحد ورثة الدم غائباً فننتظر حتى يأتي؛ لأن له حقاً، فلا نضيع عليه حقه. قوله: [وتكليف غير المكلف]: أي: ينتظر تكليف غير المكلف، فلو قتل رجل وله أبناء بعضهم بالغون وبعضهم غير بالغين، فينتظر حتى يبلغ غير المكلف. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية والأحناف، ورواية عن الإمام أحمد: أنا نكتفي بالكبار العاقلين، فإذا كان الورثة فيهم كبار عاقلون فإنا نكتفي بهم، وذلك لأن الله جل وعلا قال: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33]، والولي هو المكلف، ولا يصلح أن يكون غير المكلف ولياً، وعلى ذلك فأولياء الدم هم المكلفون يعني: البالغون العاقلون، وهذا هو الراجح. فالراجح: أنه إن كان بعضهم مكلفاً، وبعضهم غير مكلف فاختار المكلفون باتفاقهم أنه يقتص منه؛ فإنه يقتص منه. قال المصنف رحمه الله: [ومن مات من المستحقين فوارثه كهو]. تقدم أن للدم ورثة، فإذا مات أحد هؤلاء الورثة قام ورثته مقامه، مثلاً حصرنا ورثة هذا المجني عليه، ثم إنه قبل أن يقتص من الجاني مات أحد هؤلاء الورثة، فندخل ورثة هذا الميت في أولياء الدم. قال المصنف رحمه الله: [وإن عفا بعضهم ولو زوج أو زوجة أو أقر بعفو شريكه سقط القصاص]. إن عفا بعضهم ولو زوجاً أو زوجة فإن القصاص يسقط كما تقدم في أثر عمر رضي الله عنه؛ وذلك لأن القصاص لا يتبعض، يعني: لا يمكن أن نوافق بعضهم في القصاص، وأن نوافق بعضهم في تركه. وقوله: [أو أقر بعفوٍ شريكه سقط القصاص]. أي: لو قال أحد ورثة الدم: أنا لم أعف، لكنه أقر بأن شريكه في الدم قد عفا، كأن قال: أنا أقر أن أخي فلاناً -وهو من ورثة الدم- قد عفا، لأنه أتاه فلان وفلان من وجهاء الناس وطلبوا منه العفو فعفا، لكن أنا لا أعفو، فهذا الإقرار يؤخذ به؛ لأن هذا كالإقرار على النفس.

الشرط الثالث أن يؤمن تعدي القصاص إلى الغير

الشرط الثالث أن يؤمن تعدي القصاص إلى الغير قال المصنف رحمه الله: [الثالث: أن يؤمن في استيفائه تعديه إلى الغير، فلو لزم القصاص حاملاً لم تقتل حتى تضع]. قال تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء:33]، فلا بد في الاستيفاء أن يؤمن الحيف والظلم، لئلا يسرف، ولذا قال: [فلو لزم القصاص حاملاً لم تقتل حتى تضع]. ويأتي الكلام أيضاً على الأمن من الحيف في الأطراف، وهنا لا يسرف في القتل بأن يصل ذلك إلى غير القاتل فيتضرر بذلك غير قاتله. قال: [فلو لزم القصاص حاملاً لم تقتل حتى تضع، ثم إن وجد من يرضعه قتلت، وإلا فلا حتى ترضعه حولين]. يعني: لو لزم القصاص حاملاً لم تقتل حتى تضع، وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقيه اللبأ، قالوا: لأن الوليد لا يستغني عن هذا اللبأ، ثم إن وجدت مرضعة، أو كان هناك طريق لإرضاعه قتلت، وإلا فإنها تترك حتى ترضعه الحولين، وكذلك في الحدود. إذاً: هذا هو الشرط الثالث، وهو أن يؤمن باستيفائه من أن يتعدى القتل أن يتعدى الضرر إلى غير الجاني.

آداب استيفاء القصاص

آداب استيفاء القصاص

ألا يستوفيه بلا حضرة السلطان أو نائبه

ألا يستوفيه بلا حضرة السلطان أو نائبه قال المصنف رحمه الله: [فصل: ويحرم استيفاء القصاص بلا حضرة السلطان أو نائبه ويقع الموقع]. أي: يحرم أن يستوفى القصاص بغير حضور السلطان أو من ينيب السلطان؛ وذلك خشية الحيف فيه، فقد يقطع أطرافه مثلاً، أو يفقأ عينه، أو يفعل به ما لا يجوز. فلا بد من حضور السلطان وإذا استوفى أحد من الناس حقه من غير حضور السلطان أو نائبه فإنه يعزر، وأمراء المناطق مثلاً ينوبون فهم من نواب السلطان، والقضاة كذلك من نواب السلطان، فلا بد أن يكون هناك نائب للسلطان، يعني: أن تحضر جهة رسمية معتمدة من السلطان. هذا إذا أراد أن يستوفي بنفسه هو، يقول: أنا أقتل قاتل أخي، أنا آخذ السيف وأقتله، وكذلك إذا أتى بوكيل له، فلا بد أن يحضر السلطان. ويستحب أن يقيم السلطان من يستوفي القصاص ويدفع له رزقاً من بيت المال، أي: يكون له راتب من بيت المال، فهذا الذي يقتل الجناة المعتدين على النفوس، أو يقطع الأطراف ينبغي أن يكون موظفاً من قبل السلطان، وهذا من المصالح العامة. لكن إن أحب ولي الدم أن يقتص هو بنفسه فله ذلك، وإن وضع وكيلاً فله ذلك، لكن لا بد أن يكون هذا بحضرة السلطان أو من ينيبه السلطان. قال: [ويقع الموقع]: يعني: أن القصاص يقع الموقع، لكن للإمام أن يعزره إذا استوفى بغير حضرته.

ألا يقتل الجاني بغير السيف ولا يقطع بغير السكين

ألا يقتل الجاني بغير السيف ولا يقطع بغير السكين قال المصنف رحمه الله: [ويحرم قتل الجاني بغير السيف وقطع طرفه بغير السكين لئلا يحيف]. يحرم قتل الجاني بغير السيف، هذا هو المشهور في المذهب، وفيه حديث ابن ماجة: (أنه لا حد إلا بالسيف)، أو (لا قتل إلا بالسيف)، لكن الحديث لا يصح. واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية وهو مذهب المالكية والشافعية: أن القصاص يجوز أن يكون بمثل الجناية، قال شيخ الإسلام: وهو الأشبه بالكتاب والسنة والعدل. أما الكتاب فقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]. وأما السنة فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أن يرض رأس اليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، والحديث في الصحيحين. وأما العدل فظاهر. لكن يستثنى من ذلك إذا كانت طريقة القتل أو طريقة الجناية لا تجوز شرعاً، كأن يحرقه بالنار، فلا يعذب بالنار إلا الله جل وعلا، أو كانت بفاحشة كزنا أو لواط، أو نحو ذلك، وأما إذا لم يكن ذلك مخالفاً للشرع، فإن الاستيفاء يجوز أن يكون بمثله، فإذا رمي وليهم من شاهق فلهم أن يرموا هذا القاتل من شاهق، وإذا رماه إلى البحر فلهم أن يرموه إلى البحر ونحو ذلك، هذا هو العدل. ويحرم قطع طرفه -أي: الجاني- بغير السكين؛ لئلا يحيف؛ لأنه قد تحصل زيادة وظلم وجور. قال المصنف رحمه الله: [وإن بطش ولي المقتول بالجاني فظن أنه قتله فلم يكن وداواه أهله حتى برئ؛ فإن شاء الولي دفع دية فعله وقتله وإلا تركه]. يقول: [إن بطش ولي المقتول بالجاني فظن أنه قتله فلم يكن -يعني: قتله- وداواه أهله حتى برئ]، أي: أراد أن يستوفي بنفسه، فضربه بالسيف أو بطش به بغير ذلك، وظن أنه قد مات، فلما تفرق الناس أخذه أهله وداووه، وبرئ من هذه الجناية التي أريد به الاستيفاء، فما الحكم؟ قال هنا: فإن شاء ولي الدم الذي استوفى بهذه الطريقة دفع دية فعله، فنقول له: أنت تريد الآن أن تقتله، فأنت بالخيار: إما أن تدفع دية فعلك حين بطشت به ولم تقتله، فمثلاً كان قد ترتب على ذلك قطع طرف له، أو نحو ذلك، فأنت مخير بين أن تدفع دية فعلك وتقتل، وبين أن تتركه ولا تتعرض له. وذكر صاحب الفروع أن عمر وعلياً ويعلى بن أمية قد قضوا بذلك فيما ذكره الإمام أحمد رحمه الله تعالى. إذاً: إن شاء اقتص بعد أن يدفع دية فعله، وإن شاء تركه، فهو بالخيار بين الأمرين. وهنا مسألة: إذا قتل أحد أولياء الدم الجاني قبل أن يتفقوا على القصاص، فمثلاً: قتل زيد وله أربعة أبناء، وقبل أن يتفقوا على القصاص قتل أحدهم قاتل أبيه، والآخرون لم يقولوا بعد بالقصاص فهل يقتل به؟ A لا يقتل به، وذلك لأن دم هذا القاتل لم تثبت عصمته حتى يتفقوا أو يأخذ بعضهم بالدية، فإذا قال بعضهم بالدية عصم دمه، وعلى ذلك: فلو أن بعضهم اختار الدية، وقال: أريد الدية، ثم إن بعضهم قتله بعد اختيار بعضهم الدية؛ فإنه يكون قد قتل معصوم الدم، فيكون أولياء الجاني الأول مخيرين بين القصاص والدية. وكذلك أيضاً: لبقية الورثة أن يطالبوه بالدية؛ لأنه فوتها عليهم، فيقولون: نحن كنا مخيرين بين الدية والدم، ثم إنك قد قتلته، ونحن على حقنا فنريد الدية، فلهم أن يأخذوا الدية باستثناء نصيبه هو. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الجنايات [3]

دليل الطالب_كتاب الجنايات [3] من العدل في الشريعة القصاص فيما دون النفس من الأعضاء كالأيدي والأرجل، ولكن ذلك لا يتم إلا بشروط لابد من تحققها لتتحقق المساواة والمماثلة.

القصاص فيما دون النفس

القصاص فيما دون النفس

القصاص في الأطراف والجروح كالقصاص في النفس

القصاص في الأطراف والجروح كالقصاص في النفس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: شروط القصاص فيما دون النفس]: يعني: من الأطراف والجروح. قال: [من أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها]؛ لأن ما دون النفس فرع عن النفس، وعلى ذلك فكما أن الوالد لا يؤخذ بولده في النفس فلا يؤخذ به في الطرف، ولا في الجرح، فلا يقاد لا في النفس ولا فيما دون النفس من والد لولده، وكما أن المسلم لا يقتل بالكافر فكذلك لا يؤخذ طرفه ولا يجرح بطرف الكافر وجرحه، وكما أن الأنثى تقتل بالذكر، والذكر يقتل بالأنثى، فكذلك في القود فيما دون النفس، وكما أن العبد يؤخذ بالحر في النفس، فكذلك يؤخذ به في الطرف والجراح وهكذا. إذاً: مسألة الطرف والجرح فرع عن مسألة النفس، ولذا قال: من أخذ بغيره في النفس أخذ به فيما دونها، قال الله جل وعلا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45].

حكم القصاص في اللطمة والعصا والمال المتلف

حكم القصاص في اللطمة والعصا والمال المتلف أهل العلم في المشهور وهو قول جمهورهم لا يرون القصاص في اللطمة والعصا والمال، فمن لطم فإن من لطمه يعزر، ومن ضرب بالعصا، فإن من ضربه بالعصا يعزر، ومن أتلف مال غيره فليس لغيره أن يتلف ماله، بل يعزره الحاكم بما يراه. وقال ابن المنذر وجماعة من أهل الحديث، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية قالوا: بل القصاص في ذلك، فمن لطم فله أن يقتص بلطم من لطمه، ومن ضرب بالعصا فله أن يقتص ممن ضربه بالعصا بأن يضربه بعصا مثلها، ومن أحرق متاعه فله أن يقتص بإحراق متاعه، فمثلاً لو أحرق سيارته فله أن يقتص بإحراق سيارته التي تساويها في القيمة وهكذا. واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وفي البخاري: أن عمر رضي الله عنه أقاد من الدرة، وعلي رضي الله عنه أقاد من ثلاثة أسواط.

الجمع بين النهي عن إضاعة المال وجواز القصاص في المال

الجمع بين النهي عن إضاعة المال وجواز القصاص في المال قال: [فإن قيل: إن الشارع قد نهى عن إضاعة المال فكيف يؤذن لهذا المجني على ماله أن يقتص من المعتدي بمثل ذلك؟ ف A إذا ثبت القصاص في الجرح وفي الطرف وفيه إتلاف لشيء من أعضاء الآدمي، فأولى من ذلك أن يقتص بإتلاف ماله، ولأن التشفي مقصود للشارع]، يعني: أن يزول ما في القلب من الغيظ، ولا يزول ذلك إلا بأخذه حقه بمثل ما فعل به، وهذا كذلك يقال في اللطمة ويقال في العصا. ولأن المماثلة والعدل في ذلك أقرب من التعزير؛ لأن التعزير قد يكون بالحبس، وقد يكون بسياطٍ كثيرة، وهذا أقرب إلى المماثلة، فإذا أذنا له -أي: للمجني عليه- بأن يلطم الجاني الذي لطمه فهذا أقرب للمماثلة من أن نعزره بالحبس مثلاً، وإذا أذنا له بأن يضربه بالدرة أو أن يضربه بالعصا بعدد ما ضربه بعصاً يماثله؛ فإن المماثلة أقرب، نعم قد يكون هذا أشد، لكن المماثلة أقرب من تعزيره بحبس أو نحو ذلك، وهذا القول هو الراجح. وأما المشهور عند الفقهاء فإنهم لا يرون القصاص إلا في النفس وفي الطرف وفي الجرح، وأما ما سوى ذلك فلا قصاص. قال: [ومن لا فلا]، فمن أخذ بغيره في النفس أخذ به في ما دونها، فكما أن الرجل يقتل بالأنثى فإن طرف الرجل يؤخذ بطرف الأنثى، وجرح الرجل يؤخذ بجرح الأنثى، وما لا فلا، فكما أن الذمي لا يؤخذ به المسلم في النفس فلا يقتل المسلم بالذمي، فكذلك لا يؤخذ طرف المسلم بطرف الذمي، ولا يجرح مسلم جرح ذمياً، بل في ذلك الدية كما سيأتي شرحه إن شاء الله.

شروط القصاص فيما دون النفس

شروط القصاص فيما دون النفس

من شروط القصاص العدوان

من شروط القصاص العدوان قال: [وشروطه أربعة، أحدها: العمد (العدوان)]، فلا قصاص في غيره؛ لأن النفس كما تقدم لا قود فيها في الخطأ، ولا في شبه العمد، وإنما القصاص في النفس يكون في العمد العدوان، فكذلك فيما يتعلق في الطرف وفي الجرح، مثل الحوادث مثلاً في السيارات لو حصل حادث فانقطعت يد الذي حصل الخطأ عليه، فهل نقوم بقطع طرف الآخر؟ لا. إنما في ذلك الدية كما سيأتي إن شاء الله.

من شروط القصاص إمكان الاستيفاء بلا حيف

من شروط القصاص إمكان الاستيفاء بلا حيف قال: [الثاني: إمكان الاستيفاء بلا حيف]، يعني: بلا ظلم ولا جور، فلا بد من إمكان الاستيفاء، فإذا لم يمكن الاستيفاء إلا بحيف فلا؛ لأنه تعذر الاستيفاء مع العدل، فالاستيفاء هنا فيه جور، والجور والظلم حرام، وعلى ذلك فلا استيفاء مع حيف، ولذا قال هنا: [إمكان الاستيفاء بلا حيف؛ بأن يكون القطع من مفصل]، أما إذا كان القطع ليس من مفصل فإن الواجب في ذلك الدية، هذا هو المشهور في المذهب، فلو قطعت يده مثلاً من نصف الذراع هنا، أو من نصف العضد، أو قطعت رجله من نصف الساق، فهنا يتعذر الاستيفاء، وذلك لأن الحيف هنا محتمل، فيمكن أن تسري الجناية فتتلف قدمه كله، بل قد تأتي على نفسه. أما إذا كان من مفصل مثل الرسغ أو المرفق ونحو ذلك، أو الركبة، أو كذلك الكعبين، فلا بأس به، وعلى ذلك فالاستيفاء ممكن وغير متعذر مع العدل.

حكم طلب المجني عليه الاستيفاء من موضع دون موضع الجناية

حكم طلب المجني عليه الاستيفاء من موضع دون موضع الجناية فإن قيل: هل يجوز للمجني عليه أن يستوفي من موضع دون هذا الموضع، ويكون من مفصل؟ مثلاً إذا قال المجني عليه: أنا لا أقبل الدية، أنا أريد أن تأخذوا لي منه من المفصل الذي دون هذا الجرح، فإذا كان مثلاً بتر قدمه من الساق، فيقول: خذوا لي منه من الكعبين، فهل له ذلك؟ فيه قولان لأهل العلم: فقال الجمهور وهو المشهور في المذهب: إنه لا يستوفى له من هذا الموضع، يعني: من هذا المفصل الذي دون الموضع الذي كانت فيه الجناية؛ لعدم المماثلة. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعي وقول في مذهب أحمد: أن له ذلك، وهذا هو الراجح؛ وذلك لأنه طلب دون حقه. ثم ما زاد هل له أن يطلب عليه أرشاً وجهان، والراجح أن له ذلك، يعني: له أن يطلب الأرش على القدر الزائد؛ وذلك لأنه حيث تعذر الاستيفاء ثبت الأرش، وعلى ذلك فلو قطع يده من هنا من نصف الذراع مثلاً فاقتص من الرسغ وطلب أرشاً على القدر الزائد يقدره أهل الخبرة فله ذلك، هذا هو الراجح في هذه المسألة. قال: [بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد كمارن للأنف، وهو ما لان منه]، مارن الأنف هو ما لان من الأنف؛ فإذا حصل قطع المارن، ووصل القطع إلى قصبة الأنف، فهل يمكن الاستيفاء بلا حيف؟ يمكن الاستيفاء بلا حيف، وعلى ذلك فيثبت القود، ولا ننتقل إلى الدية لإمكان الاستيفاء بلا حيف.

حكم القصاص في الجائفة وقطع القصبة وقطع بعض الساعد

حكم القصاص في الجائفة وقطع القصبة وقطع بعض الساعد قال: [فلا قصاص في جائفة، والجائفة: هي الجرح الذي لا ينتهي إلى عظم بل يكون إلى الباطن، كالجرح في البطن لا ينتهي إلى عظم]، فالجرح الذي لا ينتهي إلى عظم لا قصاص فيه؛ لأنه لا يؤمن الحيف. [ولا في قطع القصبة، أي: قصبة الأنف]، كذلك إذا قطع قصبة الأنف فلا نأمن الحيف عند الاستيفاء. قال: [أو قطع بعض ساعد، أو ساق، أو عضد، أو ورك]، وتقدم أن له أن يأخذ ما دون ذلك من المفصل، وما زاد فله الأرش، تقدم أن ذلك هو الراجح.

حكم من اقتص في الجائفة بقدر حقه ولم تسر جناية

حكم من اقتص في الجائفة بقدر حقه ولم تسر جناية قال: [فإن خالف فاقتص بقدر حقه، ولم يسر]، يعني: لو أن المجني عليه أخذ سيفاً وقطع الجاني من نفس الموضع الذي جني عليه فيه، ولم تسر الجناية، أي: لم يلحق الجاني ظلم ولا حيف، [وقع الموقع أجزأ ذلك]، ولم يلزمه شيء؛ لأنه حقه، إنما منعناه من ذلك خشية الحيف، وحيث لم يحصل حيفٌ فإنه لا يؤاخذ على ذلك، ولم يلزمه شيء، يعني: لم يلزمه الضمان. يعني: لو أن رجلاً اعتدى على آخر فقطع قدمه من نصف الساق، ثم إنه هو قطع قدم هذا من نصف الساق، ولم تسر الجناية؛ فإنا لا نؤاخذه ووقعت موقعها؛ لأنا كنا نخشى الحيف، فلما لم تسر الجناية أمنا الحيف فلم نؤاخذه.

لابد من المساواة في الاسم في القصاص

لابد من المساواة في الاسم في القصاص قال: [الثالث: المساواة في الاسم]، هذا هو الشرط الثالث، فالعين بالعين، فلا تؤخذ العين بالأنف، ولا تؤخذ الرجل باليد، بل لا بد من المساواة في الاسم، ولذا قال الله جل وعلا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] نعم. فإذا كان الاسم غير متحد فلا قصاص، ولذا قال: [فلا تقطع اليد بالرجل وعكسه]؛ لعدم المساواة، [وكذلك في الموضع]، فلا تقطع اليمين بالشمال، وعكسه، أي: لا تقطع كذلك الشمال باليمين. ولو أن رجلاً قطع اليد اليمنى من آخر وأثناء القصاص أخرج الجاني يده اليسرى فقطعت، فلا دية ولا قود، وهذا هو المشهور في المذهب، وذلك لأن القصاص قد حصل، والاختلاف يسير، ولكن يعزره الحاكم بما يراه.

من شروط القصاص في الأعضاء مراعاة الصحة والكمال

من شروط القصاص في الأعضاء مراعاة الصحة والكمال قال: [الرابع: مراعاة الصحة والكمال، فلا تؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها]، فإذا كان الجاني قد قطع اليد اليمنى وهي ناقصة فيها مثلاً أربع أصابع، ويده كاملة فلا نأخذها بتلك الناقصة؛ لعدم المماثلة، كذلك في الأظافر، فإذا كان فيها عيب في الأظافر فهي ناقصة؛ فلا تؤخذ بها الكاملة، وذلك لعدم استوائهما في الكمال، فلا تؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها، [ولا عين صحيحة بقائمة]، لا تؤخذ العين الصحيحة بالعين القائمة، والعين القائمة هي التي يكون فيها بياض وسواد، ويكون بياضها وسوادها صافيين، لكن هذه العين لا ترى، من رآها ظن أنها ترى؛ لأن السواد في موضعه والبياض في موضعه، ولكن لا رؤية؛ فإذا لطمها شخص فأتلفها، لا تؤخذ بها عينه الصحيحة؛ لعدم الاستواء. قال: [ولا صحيح بأشل]، فإذا قطع صحيح يد أشل، فلا نأخذ يده الصحيحة؛ لعدم الاستواء. قال: [ولا صحيح بأشل من يد ورجل وأصبع وذكر]، فإذا كان الذكر الذي قطع أشل فلا نأخذ به ذكراً صحيحاً. يعني: إذا كان الجاني ذكره صحيحاً والآخر ذكره أشل فلا يؤخذ هذا بهذا، وإنما في ذلك الدية. قال: [ولا ذكر فحلٍ بذكر خصي]، إذا كان هذا ذكره فحل، وهذا ذكره خصي، فلا يؤخذ هذا بهذا؛ وذلك لعدم المماثلة، أو كان هذا ذكره صحيحاً وفحلاً، والآخر عنيناً لا يطأ، فلا يؤخذ هذا بهذا، أي: لا نأخذ الصحيح السليم بغير الصحيح. قال: [ويؤخذ مارن صحيح بمارن أشل]، المارن يعني به: مارن الأنف، فيؤخذ الصحيح بالأشل؛ قالوا: لأن الرائحة في الدماغ وليست في الموضع من العضو. فلو أن رجلاً لا يشم جنى عليه جانٍ فأخذ مارن أنفه بسكين، وهذا يشم -أي: الجاني- فهل نأخذ مارنه؟ نأخذه؛ لأن الرائحة-يعني: الشم- ليست في المارن، وإنما هي في الدماغ. قال: [كذلك وأذن صحيحة بأذن شلاء]، فالأذن الصحيحة السمع ليس فيها، وإنما هو في الدماغ، فلو أن رجلاً لا يسمع قطع أذنه شخص يسمع هل نأخذ أذن هذا بأذن هذا؟ نعم. وذلك لما تقدم؛ لأن السمع في الدماغ، لكن العكس هل يؤخذ؟ العكس يؤخذ، فلو أن رجلاً أشل قطع يداً صحيحة، فللآخر أن يأخذ يده وإن كانت شلاء، ولو أن رجلاً يده مقطوعة الأصابع قطع يداً صحيحة فللآخر أن يأخذ اليد؛ لأنها أنقص، وهذا كقتل العبد بالحر. وعلى ذلك فالعكس فيه القصاص، يعني: إذا كان عضو الجاني أنقص أخذ، وإذا كان عضوه أكمل لم يؤخذ. يعني: إذا كان الجاني عضوه أكمل من عضو المجني عليه بأن كان عضوه صحيحاً كاملاً؛ فإنا لا نأخذه، وإذا كان عضو الجاني أنقص من عضو المجني عليه فإنا نأخذه؛ وذلك لأن هذا من جنس قتل العبد بالحر، وقد تقدم لكم أن المكافأة شرط في القصاص، فلا يقتل الحر بالعبد، لكن العبد يقتل بالحر، وإن كان كما تقدم الراجح أن الجميع يقتلون، فيقتل الحر بالعبد، ويقتل العبد بالحر، وقد تقدم الكلام على هذا، لكن هذا على ما قرره الجمهور، ولأنه لا ظلم في ذلك، وأما إذا أخذنا اليد الكاملة باليد الناقصة فهذا ظلم، لكن إذا أخذنا اليد الناقصة باليد الكاملة لم يكن في ذلك ظلم.

يشترط في جواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم

يشترط في جواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم قال: [ويشترط لجواز القصاص في الجروح انتهاؤها إلى عظم]، هذا في الجروح، يقول: يشترط أن تنتهي إلى عظم؛ لأنها إذا لم تنته إلى عظم لم نأمن الحيف. قال: [كجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم]، هذه كلها تنتهي إلى عظم، فنقيس المساحة في الموضع الذي حصل فيه الجرح طولاً وعرضاً، ثم نأخذ بقدره، ولا عبرة بكثافة اللحم، وإنما نرجع إلى السطح، ننظر إلى السطح فنقيسه طولاً وعرضاً حتى نصل إلى العظم. قال: [وكالموضحة، الموضحة: هي الجرح في الرأس أو الوجه التي تصل إلى العظم]، هذه تسمى بالموضحة، وهي الجرح الذي يكون في الوجه أو في الرأس فقط، ويصل هذا الجرح إلى العظم، وهذا فيه القصاص؛ لأنه ينتهي إلى عظم.

وجوب القصاص في الهاشمة والمنقلة والمأمومة

وجوب القصاص في الهاشمة والمنقلة والمأمومة [لا كالهاشمة والمنقلة والمأمومة، فهذه لا يجب فيها القصاص] الهاشمة: هي الجرح الذي يهشم العظم في الرأس وفي الوجه، أي: أنها زادت على الموضحة، فالموضحة أوضحت العظم ووصلت إلى العظم، وأما الهاشمة فإنها تهشم العظم، والمنقلة تنقل العظم من موضعه، وأما المأمومة فهي التي تصل إلى جلد الدماغ، يعني: لا تخترق الدماغ وإنما تصل إلى جلد الدماغ. فالهاشمة لا قصاص فيها، وكذلك المنقلة، وكذلك المأمومة، ولكن يكون القصاص في الموضحة، فإذا كانت هاشمة فله أن يأخذ بجرحه إلى العظم فقط، ويأخذ أرشاً على ما زاد، والموضحة فيها خمس من الإبل، والهاشمة فيها عشر من الإبل، فإذا جرحه هاشمة فله أن يأخذ موضحة يعني: حتى يصل إلى العظم، ويأخذ خمس من الإبل، وهو الفرق. إذاً: فالهاشمة والمنقلة والمأمومة هذه لا قصاص فيها على هيئتها، وإنما القصاص يكون فيما دونها وهي الموضحة، ويأخذ الفرق، ففي الهاشمة يأخذ خمساً من الإبل، وفي المنقلة يأخذ عشراً من الإبل، يعني: يأخذ الموضحة ويأخذ عشراً من الإبل، وفي المأمومة يأخذ ثمانية وعشرين من الإبل وثلثاً من بعير، ويأتي الكلام على هذا في الديات إن شاء الله. إذاً: له أن يأخذ الموضحة والفرق، فننظر الفرق بين الموضحة وبين المأمومة، والفرق بين الموضحة وبين المنقلة، والفرق بين الموضحة وبين الهاشمة في الدية فيأخذه، وهذا هو العدل، وهو المشهور في المذهب.

حكم سراية القصاص

حكم سراية القصاص قال: [وسراية القصاص هدر] أي: مهدورة؛ [وذلك لأن هذا الفعل مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فيه فليس بمضمون]، فإذا قطع رجل يده من المرفق فقطع هو هذه اليد من المرفق، وكان ذلك بحضور السلطان كما تقدم أو نائبه، فهذا فعل مأذون فيه، فلو سرت حتى أتلفت نفسه، أو أتلفت ما بقي من يده فلا ضمان؛ لأن هذا فعل مأذون فيه، وما ترتب على الفعل المأذون فيه فليس بمضمون، لكن إذا كان القصاص غير مأذون فيه كأن يكون القصاص في حال مرض الجاني، فلا يؤمن الحيف، فهذا فعل غير مأذون فيه، ففيه الضمان.

حكم سراية الجناية

حكم سراية الجناية قال: [وسراية الجناية مضمونة]، إذا قطع يده من المرفق ثم سرت الجناية حتى أتلفت نفسه، ففي ذلك الضمان؛ وذلك لأن الجاني فعله غير مأذون فيه، وعلى ذلك فالسراية تتبع هذه الجناية، فتكون مضمونة؛ لأن هذا الفعل غير مأذون فيه، وما دام أن هذا الفعل غير مأذون فيه فهو مضمون، ما لم يقتص ربها قبل برئه وإلا فهدر أيضاً، فإذا اقتص قبل أن يبرأ فهدر، مثلاً رجل قطع يداً من المرفق، والجرح لم يبرأ بعد، فطالب هذا المجني عليه بالقصاص واستعجل قبل أن يبرأ فأخذ بالقود واقتص من الجاني، وقطعت يده من المرفق، ثم إن الجرح سرى حتى أتلف يده كلها، أو أتلف نفسه، فلا ضمان. وقد جاء في مسند أحمد والحديث حسن: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ)، ولأن هذا قد استعجل هذا الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه، وعلى ذلك فنقول له: انتظر حتى يبرأ، فإن أبى وطالب بالقصاص فنقول: ما بعد القصاص هدر، فما دام أنك أخذت بالقصاص فما يحصل من سراية بعد ذلك فهي هدر. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم القصاص من الجاني إذا كان به مرض يمنع برء القصاص

حكم القصاص من الجاني إذا كان به مرض يمنع برء القصاص Q هل يقتص من الجاني إذا كان به مرض يمنع برءه بعد القصاص كمرض السكري مثلاً؟ A قبل أن يكون القصاص من الجاني يجب أن يراجع الطبيب حتى يعرف، فإذا قال الطبيب: لا يؤمن الحيف؛ لأن هذا مريض كما ذكرت بالسكري أو غيره، وقد لا يندمل جرحه، فلا قصاص.

تفسير القود والعاقلة

تفسير القود والعاقلة Q ما هو القود؟ ومن هي العاقلة؟ A القود هي القصاص، والعاقلة هي العصبة، وسيأتي إن شاء الله شرح العاقلة، والعصبة هم الذين يتحملون الدية، فعندما يأتي إنسان ويقتل خطأً لا يتحمل هو الدية لوحده، وإنما تتحمل الدية معه عاقلته وعصبته، وسيأتي إن شاء الله.

لا قصاص في الجناية المأذون فيها من المجني عليه

لا قصاص في الجناية المأذون فيها من المجني عليه Q في بعض الألعاب الفائز يقوم بضرب المهزوم بالسياط، فإذا جنى عليه هل في ذلك القصاص؟ A هذا ما يجوز، يعني: أنهم مثلاً يلعبون لعبة ثم إن الفائز يضرب الآخر بالسياط، هذا لا يجوز، لكن هذا الذي جني عليه أذن لذلك، فنقول: لا قصاص، وقد تقدم لكم لو أن شخصاً أذن لآخر أن يتلف شيئاً من أعضائه فلا قصاص، لكن فيه إثم، كذلك هذا الذي يأذن لأحد أن يضربه بعد اللعب، فهذا لا يجوز، لكن لا قصاص فيه.

دليل الطالب_كتاب الديات [1]

دليل الطالب_كتاب الديات [1] الدية مال يؤديه الجاني أو عاقلته بدلاً عما جنى عليه الجاني من نفس أو عضو، وقد حدد الشرع الدية في كل جناية بما يناسبها وفرضها على الجاني في ماله إن جنى عمداً، وعلى العاقلة فيما سوى العمد.

أحكام الديات

أحكام الديات

حكم من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو بسبب

حكم من أتلف إنساناً أو جزءاً منه بمباشرة أو بسبب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الديات. من أتلف إنساناً أو جزءاً منه بمباشرة أو سبب، إن كان عمداً فالدية في ماله، وإن كان غير عمدٍ فعلى عاقلته]. الديات: جمع دية، وهي المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب الجناية، فالمال الذي يؤدى إلى المجني عليه الذي لم يهلك بهذه الجناية، أو المؤدى إلى أوليائه يسمى دية. قال: [من أتلف إنساناً أو جزءاً منه] كيده، أو رجله، أتلف إنساناً أي: قتله، [أو جزءاً منه بمباشرة]، كأن يضربه بمثقل كحجر كبير، أو أن يطعنه بسكين، فهذه مباشرة، [أو سبب] كأن يحفر بئراً في طريقه، فهذا متسبب، وعلى ذلك فالجاني قد يكون مباشراً، وقد يكون متسبباً. قال: [إن كان عمداً فالدية في ماله]، فالعاقلة لا تتحمل العمد، وإنما يكون العمد في ماله، فمن قتل عمداً أو جرح عمداً فالدية في ماله؛ لأن هذا هو الأصل، فالأصل أن ضمان المتلَف على المتلِف في ماله، وعلى ذلك فمن قتل عمداً، أو قطع عمداً، أو جرح عمداً فالدية تكون في ماله؛ لأن الأصل في ضمان المتلفات أنها تكون على المتلِف. وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يجني جانٍ إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده)، وقال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، وتجب الدية حالة، يعني: لا تؤجل، هذا كله في العمد. قال: [وإن كان غير عمدٍ] يعني: كان خطأً أو شبه عمد، [فعلى عاقلته]، يعني: عصبته، ويأتي الكلام في العاقلة إن شاء الله، وتقدم ما يدل على ذلك في قصة المرأتين الهذليتين اللتين اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على العاقلة، إذا كان هذا في شبه العمد وفيه قصد الجناية، لكن فيما لا يقتل غالباً كما تقدم، فأولى من ذلك الخطأ. إذاً: لا يكون في ماله هو، وإنما يكون في مال عاقلته، ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله، فإن تعذر ذلك ففي بيت المال، ولا يذهب دم المسلم هدراً، بل يكون هذا في بيت المال. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يكون على الجاني، فإذا تعذر الأخذ من العاقلة فإنا نرجع إلى الجاني؛ لأن هذا هو الأصل، فالأصل أن الضمان عليه؛ لأن هذا أثر فعله، لكنه من باب التخفيف وجبت على العاقلة، فإذا تعذر رجعنا إلى الجاني نفسه، وهذا أصح.

حكم تأجيل دية الخطأ وشبه العمد ثلاث سنين

حكم تأجيل دية الخطأ وشبه العمد ثلاث سنين واعلم أن دية الخطأ ودية شبه العمد تؤجل ثلاث سنين، ويكون أول قسط من مضي حول على حين الوجوب، ويقسطها القاضي ثلاث سنين على العاقلة كما تقدم، إلا إذا تعذر ذلك فعلى الأصح أنها تكون على الجاني، وتؤجل ثلاث سنين. ويكون هذا كما تقدم بعد مضي حول من الوجوب، وتجب الدية بالموت، فإذا كان تأريخ الموت مثلاً في واحد محرم، فتجب الدية في واحد محرم من السنة التي بعدها، وإذا كان في الطرف أو الجرح فيكون الوجوب من اندمال الجرح، ويكون هذا هو حين الوجوب، فإذا جرحه في واحد محرم، وصارت الجناية واندمل الجرح في اليوم العاشر فيكون الوجوب هو في اليوم العاشر من محرم، ويكون القسط الأول في اليوم العاشر من محرم من السنة التي بعدها. وأما إذا لم تسر الجناية فيكون هذا من يوم القطع، أو يوم الجرح، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، يعني: أن تأجيل الدية في الخطأ وشبه العمد يكون ثلاث سنين، وهو مروي عن علي وابن مسعود، وهو مروي عن عمر وعلي كما في سنن البيهقي، وإن كان في كل سند ضعف، لكن العمل على هذا عند أهل العلم. لكن إن رأى القاضي التعجيل كمنصوص أحمد واختيار شيخ الإسلام فله ذلك، يعني: إذا رأى أن تكون حالة كأن يكون المجني عليه -هذا في الطرف وفي الجرح- فقيراً، أو يكون أولياؤه فقراء -هذا في النفس- ويكون الجاني غنياً، وعاقلته كذلك يكونون أغنياء، فإذا رأى القاضي التعجيل فله ذلك؛ لأن المقصود التخفيف على العاقلة، فإذا كانت مصلحة الأولياء في قتل النفس، أو الجاني في قطع الطرف والجرح في التعجيل، وكان الآخر غنياً فإن القاضي يعجل إذا كانت العاقلة غنية قادرة على تحضير المبلغ، وعدم تأخيره وتأجيله، وكان الطرف الآخر محتاجاً.

حكم من حفر بئرا قصيرة فعمقها آخر، فهلك فيها إنسان

حكم من حفر بئراً قصيرة فعمقها آخر، فهلك فيها إنسان قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن حفر تعدياً بئراً قصيرة فعمقها آخر فضمان ثالث بينهما]. أي: من أتى إلى موضع -على سبيل التعدي- وحفر فيه بئراً، حفر متراً مثلاً، ثم عمقه آخر، فعلى من الضمان؟ هل الضمان على المعمق فقط أو على من حفر وعمق؟ يكون الضمان على الجميع؛ لأن كليهما متسبب، هذا إذا كان على سبيل التعدي.

حكم من وضع سكينا في بئر فوقع فيها رجل فهلك

حكم من وضع سكيناً في بئر فوقع فيها رجل فهلك قال: [وإن وضع ثالث سكيناً فأثلاثاً]. يعني: إن أتى رجل فحفر متراً، ثم جاء الآخر فعمق، ثم أتى ثالث فوضع داخل البئر سكيناً، فوقع رجل عليها فمات، فيكون الثلاثة مشتركين في قتله، وعلى ذلك فالدية تكون أثلاثاً؛ لأن الجميع متسبب.

حكم من وضع حجرا فعثر فيها إنسان فهلك

حكم من وضع حجراً فعثر فيها إنسان فهلك قال: [وإن وضع واحد حجراً تعدياً فعثر فيه إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر كالدافع]. قوله: [إن وضع واحد حجراً أمام البئر]، أي: وكان هذا الحجر مما يحصل بسببه التعثر، أو وضع شيئاً يزلق أمام البئر، فتعثر إنسان، فلا يكون الضمان على حافر البئر، وإنما يكون على الذي وضع هذا الحجر أمام هذا الشخص فتعثر فيه؛ لأن هذا يكون كالدافع له، فهو كأنه دفعه فأسقطه في البئر، فكان أولى من الذي حفر.

حكم ما إذا تجاذب حران مكلفان حبلا فانقطع فسقطا ميتين

حكم ما إذا تجاذب حران مكلفان حبلاً فانقطع فسقطا ميتين قال: [وإن تجاذب حران مكلفان حبلاً فانقطع فسقطا ميتين فعلى عاقلة كلٍّ دية الآخر، وإن اصطدما فكذلك]. قوله: [إن تجاذب حران مكلفان حبلاً فانقطع هذا الحبل، فسقطا ميتين]، أي: كان أحدهما هنا والآخر هناك وبينهما حبل، فأخذا يجذبان هذا الحبل؛ هذا يجذب الحبل إليه، وهذا يجذب الحبل إليه، [فسقطا ميتين، فعلى عاقلة كلٍّ دية الآخر]، فنقول للعاقلتين: عليكم أنتم دية هذا، وعليكم أنتم دية الآخر. وذلك لأن كليهما قد حصل منه خطأ، فهذا أخطأ وهذا أخطأ، وقال بعض أهل العلم -وهو القول الثاني في المسألة، وهو قول طائفة من الحنابلة-: بل هذا له نصف دية، وهذا له نصف دية، فتدفع عاقلة هذا نصف الدية، وتدفع عاقلة هذا نصف الدية، قالوا: لأن القتل حصل بسبب فعله هو بنفسه وبسبب فعل صاحبه، فيكون فعله هدراً في نفسه ويبقى فعل صاحبه، فيكون فعل صاحبه قسطه النصف، وهذا أصح.

حكم ما لو تصادم اثنان فهلكا

حكم ما لو تصادم اثنان فهلكا قال: [وإن اصطدما فكذلك]. أي: إن حصل تصادم بين اثنين، سواء كانا راكبين أو ماشيين، فماتا، فإن الدية تكون على عاقلة الاثنين، فعاقلة هذا يدفعون دية هذا، وعاقلة هذا يدفعون دية هذا، عاقلة عمرو يدفعون دية زيد، وعاقلة زيد يدفعون دية عمرو. والراجح أنهم يدفعون النصف كما تقدم؛ لأن هذا أخطأ وهذا أخطأ، يعني: حصل من كل واحد منهما خطأ على نفسه بقدر النصف، فيستحق أولياؤه نصف الدية.

حكم من أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فهلكا

حكم من أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فهلكا قال: [ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحد منهما فاصطدما فماتا فديتهما من ماله]. قوله: [من أركب صغيرين] أي: أركبهما مثلاً على ناقتين أو نحو ذلك، [لا ولاية له على واحد منهما]، ولم يركبا هما وإنما هو الذي أركبهما، وهما صغيران، ولا ولاية له عليهما، وأما لو كان له عليهما ولاية كالأب أو الأخ فلا، كأن يركبهما لمصلحة تعليم ونحو ذلك، فلا شيء عليه إذا كانا يثبتان على الراحلة، يعني: إذا كانا ممن حصل له نصيب وقدر من التعلم، أو كانا صالحين للتعلم، وأما لو أركب من لا يصلح للتعلم ففيه الدية. يقول: [ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحد منهما فاصطدما فماتا، فديتهما من ماله]؛ لأنه هو المتعدي، والقول الثاني: أن الدية على العاقلة؛ لأنه وإن كان هو المتعدي لكنه خطأ، والخطأ على العاقلة، وهذا أقرب.

حكم من أرسل صغيرا لحاجة فأتلف نفسا أو مالا

حكم من أرسل صغيراً لحاجة فأتلف نفساً أو مالاً قال: [ومن أرسل صغيراً لحاجة فأتلف نفساً أو مالاً فالضمان على مرسله]. قوله: [ومن أرسل صغيراً لحاجة]، الصغير: هو من كان دون البلوغ، فأرسله لحاجة فأتلف هذا الصبي نفساً أو مالاً، فالضمان على المرسل؛ لأنه هو المتسبب. وقال الموفق وهذا أصح: إذا كانت العادة جارية بإرسال مثله من مثله -هذا معنى كلامه رحمه الله- لقرابة أو صحبة أو تعليم، لم يضمن، فبعض الناس يرسل مثلاً ولد صاحبه، والعادة جارية بذلك، وكذلك القريب يرسل قريبه في حاجة ويكون هذا ممن يصلح لذلك، يعني: مثله يصلح في العادة لمثل هذا الإرسال فلا ضمان، أما إذا كان لا يصلح لذلك مثل أن يرسل ابن سنتين مثلاً فهذا لا يصلح، أو يرسل مجنوناً فهذا لا يصلح، فإذا كان مثله يرسل فلا ضمان؛ لأنه لم يحصل منه تعدٍ، ما دام أن العادة جارية بذلك، والناس على ذلك، ولا يعدون هذا تعدياً. ولو أحضره في مكان تتعلم فيه الرماية وقربه إلى الهدف، فأصابه آخر، فيكون الضمان على من قربه، ومثل ذلك الآن الذين عندهم لعب بالسيارات ونحو ذلك، وهناك ساحة معينة، فإذا أتى رجل وقرب طفلاً في هذا الموضع فأصابته سيارة من هذه السيارات التي هذا هو مكان لعبها فالضمان على هذا المقرب؛ لأن هذا يكون كالدافع له، فيكون أولى ممن باشر.

حكم من ألقى شيئا ثقيلا على سفينة فغرقت

حكم من ألقى شيئاً ثقيلاً على سفينة فغرقت قال: [ومن ألقى حجراً أو عدلاً مملوءاً بسفينة فغرقت ضمن جميع ما فيها]. قوله: [من ألقى حجراً أو عدلاً مملوءاً]، مثل أن يأتي بكيس كبير مملوء مثلاً بشيء ثقيل، فيرميه في سفينة فتغرق هذه السفينة، فإنه يضمن جميع ما فيها من الآدميين والأموال؛ لأنه هو المتسبب.

حكم من منع مضطرا إلى طعامه أو شرابه حتى هلك

حكم من منع مضطراً إلى طعامه أو شرابه حتى هلك قال: [ومن اضطر إلى طعام غير مضطر أو شرابه وطلبه فمنعه حتى مات، أو أخذ طعام غيره أو شرابه وهو عاجز، أو أخذ دابته أو ما يدفع به عن نفسه من سبع ونحوه فأهلكه ضمنه]. قوله: [ومن اضطر إلى طعام غير مضطر]، فهذا رجل في مفازة من الأرض، وأتى إلى صاحب خيمة، وعند صاحب الخيمة طعام، وصاحب الخيمة لا يضطر إلى هذا الطعام -يعني: عنده قدر زائد-، أو اضطر إلى شراب، وهذا عنده ماء زائد فمنعه حتى مات ضمنه؛ لأنه قد تسبب في هلاكه، ويجب عليه أن يدفع له هذا؛ لأن هذا فيه إنقاذه من الهلكة. لكن لو كان هذا -يعني: الذي في الخيمة- عنده ماء أو طعام وهو مضطر إليه فهو مثله في الاضطرار، فلا ضمان. قال كذلك: [أو أخذ طعام غيره أو شرابه]، أي: إن أتى إلى رجل في مفازة من الأرض فأخذ طعامه الذي معه، هل يضمن إذا هلك؟ إذا مات بسبب ذلك فإنه يضمن، أو شرابه فكذلك، وهو عاجز عن دفعه، لكن لو كان يقدر على دفعه لكنه تركه يريد أن يؤثره على نفسه، أو ظن أن ذلك من باب الكرم فلا ضمان، وأما إذا كان أخذه غصباً ففي ذلك الضمان. إذاً: إذا أخذ شرابه أو أخذ طعامه وهو عاجز عن دفعه فعليه الضمان. أو أخذ دابته، كأن يأخذ سيارته في البر، مثلاً لو جاء إلى شخص في بر ونزل ليقضي حاجته فأخذ سيارته وهرب بها، ثم إن هذا مات بسبب ذلك، فالدية على هذا الذي أخذ سيارته. قال: [أو ما يدفع به عن نفسه]، مثل أن يكون معه سلاح يدافع به عن نفسه من السباع ونحوه، فأخذ ذلك منه، وهو عاجز عن أخذه منه، فإذا مات بسبب ذلك كأن يأتيه سبع ونحوه فقتله فيكون على هذا الضمان.

حكم من أتى برائحة فمات منها حامل أو حملها

حكم من أتى برائحة فمات منها حامل أو حملها قال: [وإن ماتت حامل أو حملها من ريح طعام ضمن ربه إن علم ذلك من عادتها]. قوله: [وإن ماتت حامل أو حملها]. أي: أو مات حملها من ريح طعام، ضمن ربه إن علم ذلك من عادتها، أي: إن علم أن الحامل تموت من ذلك، ويعلم أن الحامل في هذا المكان، ومع ذلك أتى بهذا الطعام الذي تقتل رائحته الحامل، وقد ذكروا مثال ذلك الكبريت ونحوه، ويوجد عند الناس بعض الروائح القوية النافذة فهذه تضر، فإذا أتى بها وهو يعلم أن هذا موجود، ويعلم كذلك أن هذه الرائحة تقتل فإن عليه الضمان، أو كالذي يأتي إلى مكان فيه رجل ضيق الصدر أو معه مرض في صدره، ويشعل عنده ناراً فيها دخان كثير، أو يشرب عنده الدخان، وهو يعلم أنه يضره، وقد يقتله، فهذا متسبب، لكن إن كان الآخر جالساً وهو يستطيع أن يخرج من هذا المكان، فإنه لا يكون قاتلاً له ما دام أنه يقدر أن يدفع ذلك عن نفسه، لكن بعضهم يأتيه فجأة، ولا يشعر إلا بهذه الرائحة الشديدة، فيأتيه السعال ويستمر معه حتى يقتله، ويكون هذا يعلم بذلك، فيكون هذا متسبباً.

حكم من وقع على نائم غير متعد فتلف هو أو النائم

حكم من وقع على نائم غير متعد فتلف هو أو النائم قال المؤلف رحمه الله: [فصل: قال: وإن تلف واقع على نائم غير متعدٍ بنومه فهدر، وإن تلف النائم فغير هدر]. قوله: [وإن تلف واقع على نائم]، يعني: رجل نائم في مكان وهو غير متعدٍ في نومه في هذا المكان فوقع واقع عليه فقتله -الواقع هو الذي مات بسبب ذلك- فيقول: إن ذلك يكون هدراً، لكن لو أن رجلاً يشتغل بحفرة، ثم أتى رجل واضطجع ونام فيها، ثم إن هذا كعادته سقط في هذه الحفرة يريد أن يكمل حفره، فوقع على هذا الرجل فمات، ففي ذلك الضمان؛ لأن هذا النائم قد تعدى في نومه في هذا الموضع. قال: [وإن تلف النائم فغير هدر] أي: إن كان النائم هو الذي تلف فغير هدرٍ؛ لأن هذا هو المتسبب، إلا إن كان نام في موضعٍ متعدياً في نومه فيه فلا ضمان، كما ذكرت لكم أن ينام في حفرة مثلاً، وهذا ما درى بذلك، ونزل في الحفرة على عادته، وليس هذا مكاناً معتاداً للنوم، فلما نزل إذا بشخص نائم فقتله فلا شيء عليه.

حكم من سلم إليه إنسان ليعلمه السباحة فهلك

حكم من سلم إليه إنسان ليعلمه السباحة فهلك قال: [وإن سلم بالغ عاقل نفسه أو ولده إلى سابحٍ حاذق ليعلمه فغرق فلا ضمان]. لأن هذا السباح المعلم الحاذق لم يحصل منه تفريط، وعلى ذلك فلا ضمان، لكن إن حصل منه تفريط، كأن يأتي به في موضع لا يقدر مثله عليه، كأن يأتي به في ماء كثير وهو مبتدئ في السباحة، أو يغفل عنه، أو يكون محتاجاً إلى آلة تعينه ويتركه هكذا، فإذا حصل منه مما يعد تفريطاً في العرف، أو وضعه في مكان مثله لا يوضع فيه، فعليه الضمان، فينبغي عليه أن يعلمه في مكان ليس بعميق أولاً، فالمقصود: أنه متى ما حصل تفريط، فإن الضمان يثبت، وأما إذا لم يكن هناك تفريط فلا ضمان.

حكم من أمر مكلفا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك

حكم من أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك قال: [أو أمر مكلفاً ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك]. قوله: [أو أمر مكلفاً]، المكلف هو العاقل البالغ، ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك فلا ضمان؛ لأنه لم يحصل تعد، فهذا مكلف، مثل أن يأتي رجل بأحد العمال وجده في الشارع وقال له: أنا عندي هذه البئر إذا نزلتها سأعطيك كذا وكذا، فنزل وهلك. أو قال له: ارقَ هذه النخلة وأنزل لي من ثمرها، فرضي بأجرة، ثم إنه هلك فلا ضمان إذا كان مكلفاً. فإن كان غير مكلف فظاهره أن فيه الضمان، لكن إن كان مما جرت العادة بأمر مثله، وكان مثله يحسن فلا ضمان، فبعض الناس يأمر صبياً مثلاً ابن عشر سنين من أقاربه أن يرقى جداراً -وهذا الصبي يحسن ذلك- ليفتح له الباب مثلاً، كأن يكون أغلق باب بيته، فالناس يعتادون على ذلك، فيأمره بذلك والصبي يحسن ذلك عادة، وأما إذا كان لا يحسنه ولا يعرف فعليه الضمان. لكن لو أتى لابن خمس سنين أو ست سنين وقال: اصعد على الجدار وانزل على بيتي وافتح لي الباب، فهلك، فعليه الضمان؛ لأن العادة لا تجري بأمر مثل هذا بمثل هذا الرقي.

حكم من استأجر أجيرا لحفر بئر فهلك فيها

حكم من استأجر أجيراً لحفر بئر فهلك فيها قال: [أو تلف أجير لحفر بئر أو بناء حائط بهدم ونحوه]. قوله: [أو تلف أجير] أي: استأجر أجيراً ليحفر بئراً فتلف، أو لبناء حائط فوقع عليه هذا الحائط، فلا ضمان.

حكم من أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل حتى هلك

حكم من أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل حتى هلك قال: [أو أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل]. قوله: [أو أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل]، مثل أن يرى أحداً من الناس يكاد يغرق وهو يحسن السباحة فلم ينجه، مع أنه يمكنه ذلك، فلا ضمان عليه؛ لأنه ليس هو المتسبب في ذلك، نعم يكون آثماً؛ لأن الواجب عليه أن ينجيه من الهلكة، لكنه لا يترتب عليه ضمان؛ لأنه غير متسبب.

حكم من أدب ولده أو زوجته فهلك

حكم من أدب ولده أو زوجته فهلك قال: [أو أدب ولده وزوجته في نشوز، أو أدب سلطان رعيته ولم يسرف فهدر في الجميع]. قوله: [ولم يسرف] يعني: لم يضرب ضرباً غير معتاد من جهة العدد أو من جهة الشدة، فلم يحصل عنده إسراف. أو يكون مثلاً الولد مريضاً أو تكون المرأة مريضة، وإذا كان عنده إسراف بسبب حال المضروب، أو بسب شدة الضرب، أو عدد الضرب فإنه يضمن، وأما إذا لم يسرف وضرب ضرب تأديبٍ فإنه لا يضمن؛ لأن هذا الفعل مأذون فيه، والقاعدة تقول: إن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فالأب له أن يؤدب ولده، وله أن يؤدب امرأته الناشز، لكن لا يسرف، فإذا أسرف في الضرب ضرباً مبرحاً، أو زاد في عدده، أو كانت حال هذه المرأة لا تتحمل الضرب لمرضها، فإنه يكون ضامناً إذا كان هناك إسراف. قال: [وإن أسرف، أو زاد على ما يحصل به المقصود، أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره ضمن]. قوله: [إذا أسرف، أو زاد على ما يحصل به المقصود] يعني: زيادة على المقصود من التأديب، أو ضرب من لا عقل له من صبي كابن خمس سنين أو أربع سنين فهذا لا يضرب؛ لأنه لا عقل له، أو غيره كالمجنون، فالمجنون لا يستفيد من الضرب. قوله: ضمن؛ لأنه غير مأذون له، ويكون فعله فيه تعدٍ، وما دام أن فيه تعدياً ففيه الضمان.

حكم من نام على سقف فهوى فأتلف شيئا

حكم من نام على سقف فهوى فأتلف شيئاً قال: [ومن نام على سقف فهوى به لم يضمن ما تلف بسقوطه]. قوله: [من نام على سقف فهوى به -أي: هوى به السقف- لم يضمن ما تلف بسقوطه]؛ لأنه ملجأ، لكن لو كان يعرف أن السقف سيئ وأنه يكاد ينهار، كما يفعل بعضهم مثلاً يأتي إلى بيت قديم وآيل للسقوط، وهذا المكان قد اتخذه بعض الناس مكاناً يستظلون به من الشمس، فأتى فصعد فوقه فنام وهو ثقيل فسقط، فهذا يكون متعدياً، أما إذا كان ليس منه تعدٍ فإنه لا يضمن. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الديات [2]

دليل الطالب_كتاب الديات [2] من أحكام الجنايات معرفة مقادير الديات، ومن ذلك دية النفس، فإنها تختلف بالذكورة والأنوثة، والإسلام والكفر، والحرية والرق، ومن ذلك دية الجنين، فمن الفقه معرفة تفاصيل ذلك وما ينبني عليه من الأحكام.

مقادير دية النفس

مقادير دية النفس

مقدار دية الرجل المسلم الحر

مقدار دية الرجل المسلم الحر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في مقادير دية النفس. دية الحر المسلم طفلاً كان أو كبيراً مائة بعيرٍ أو مائتا بقرة، أو ألفا شاةٍ أو ألف مثقالٍ ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهمٍ فضة]. هذه أصول الدية في المشهور في المذهب للحر المسلم، ولو ولد للحظة، يعني: لو أن رجلاً ضرب امرأة في بطنها فأسقطت طفلاً لستة أشهر فأكثر، فبقي لحظة ثم مات، فإن الدية فيه كاملة. قوله: [مائة بعير]، هذا هو الأصل الأول، فالأصل الأول الإبل، والواجب مائة بعير، وقد جاء في النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل). قوله: [أو مائتا بقرة]، هذا هو الأصل الثاني، [أو ألفا شاة]، هذا هو الأصل الثالث، [أو ألف مثقالٍ ذهباً]، والمثقال من الذهب يساوي أربع جرامات وربع من الذهب، [أو اثنا عشر ألف درهم فضة]. فهذه أصول الدية في المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، واستدلوا بما جاء عند أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في دية رجلٍ قتل باثني عشر ألفاً) يعني: من الفضة. وفي سنن النسائي من حديث عمرو بن حزم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في الدية بألف مثقال) يعني: من الذهب. وعن ابن عمر رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في الدية بمائة من الإبل أو مائتين من البقر أو ألفي شاة أو مائتين من الحلل). هذه الأدلة دالة بمجموعها على هذه الأصول الخمسة. والقول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور، ورواية عن أحمد، واختار هذا القول الموفق ابن قدامة والشيخ عبد الرحمن بن سعدي وعليه أئمة الدعوة: أن أصل الدية واحد وهو الإبل، وما سواها من الأصول الأخرى فهي فرع عنها. واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -والحديث إسناده جيد- قال (كانت قيمة الدية في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، وكانت دية أهل الكتاب على نصف دية المسلمين، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال: ألا إن الإبل قد غلت، ففرضها في الذهب ألفاً، وفي الفضة اثني عشر ألفاً، وفي البقر مائتي بقرة، وفي الغنم ألفي شاة، وفي الحلل مائتي حلة) يعني: أنه قوَّم الإبل بهذه الأشياء، فجعل الإبل هي الأصل، قال: ولم يزد في دية أهل الكتاب. وهذا القول هو الراجح، ويدل على ذلك: أن التغليظ في الإبل كما تقدم لكم في حديث شبه العمد، وفيه أربعون خلفة في بطونها أولادها. وعلى ذلك فالصحيح أن الدية هي الإبل، ثم ننظر إلى قيمة الإبل من الدراهم أو الريالات أو غيرها من العملة، فإذا أوجبنا عليه مائة ناقة، سألنا أهل الخبرة عن قيمتها؟ فإن قالوا: تساوي مثلاً ستمائة ألف، أو تساوي سبعمائة ألف ريال أوجبناها كذلك. وإن أحب أن تكون من البقر فكذلك ننظر إلى قيمة هذه المائة من البقر، وكذلك الغنم، وكذلك الدراهم. وعلى ذلك فالأصل هو الإبل، وهذا القول هو القول الراجح، وهو رواية عن أحمد، وهو قول الجمهور، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى. قال: [ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك]. أي: ودية الحرة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم، لما جاء عند النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام: (قضى أن عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها). قوله: [قضى أن عقل] يعني: دية؛ لأن الدية تسمى عقلاً، ولذا سيأتي أن الذين يغرمون الدية يسمون عاقلة من العقل. فهنا يقول عليه الصلاة والسلام: (عقل المرأة) يعني: دية المرأة (مثل عقل الرجل) يعني: مثل دية الرجل؛ (حتى تبلغ الثلث من ديتها)، أي: فإذا بلغت الثلث كانت على النصف من دية الرجل. وله شاهد عن سعيد بن المسيب في موطأ مالك، ومراسيل سعيد عند أهل العلم حجة. وله شاهد أيضاً عن عمر بن الخطاب في مصنف ابن أبي شيبة، وشاهد عن عثمان عند البيهقي، وأجمع أهل العلم على ذلك، فلا يعلم بينهم خلاف في ذلك، كما حكى ذلك ابن جرير والشافعي وغيرهم من أهل العلم، فهي من المسائل التي أجمع عليها أهل العلم، ولا يعتد بمن خالف في هذا، لا قديماً ولا حديثاً. فعقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها، فإذا بلغ الثلث كان على النصف كما دلت عليه الآثار، أما هذا الحديث فهذا لفظه: (حتى تبلغ الثلث من ديتها). واستُشكل هذا على سعيد بن المسيب فقيل له: إذا أخذت منها ثلاثة أصابع ففي

مقدار دية الكتابي

مقدار دية الكتابي قال: [ودية الكتابي الحر كدية الحرة المسلمة]. فالكتابي الحر تكون ديته كدية الحرة المسلمة، وعلى ذلك فهو على النصف من دية المسلمين. وقد جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (عقل الكتابي على نصف عقل المسلمين)، فدية أهل الكتاب نصف دية المسلمين، والحديث رواه أبو داود وهو حديث حسن. وقال الأحناف: بل لهم الدية كاملة؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92]. و A أن هذه الآية ليس فيها تحديد قدر الدية، وإنما فيها وجوب دية، وليس في الآية أن لهم مثل ما للمسلمين. واستدلوا أيضاً بما جاء في مصنف عبد الرزاق أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في رجلٍ مسلمٍ قتل يهودياً من أهل الشام بألف دينار. أي: أوجب فيه دية المسلم. والجواب: أن هذا في قتل العمد، ولذا فإن المشهور في المذهب: أن المسلم إذا قتل الذمي عمداً فإن الدية تغلظ الضعف، فقولنا هنا: إن دية الكتابي على النصف من دية المسلم هذا في قتل الخطأ، وأما إذا قتل المسلم ذمياً عمداً؛ فإن الدية تجب كدية المسلم. وقد جاء عن عثمان رضي الله عنه كما عند البيهقي وغيره: أنه قضى في رجلٍ مسلمٍ قتل ذمياً عمداً بدية مسلم. وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة. إذاً: إذا قتل المسلم الذمي عمداً فإن الدية تغلظ؛ لأنه لا قود فغلظت الدية، وأما إذا قتله خطأً كحوادث السيارات وغيرها؛ فإن ديته تكون كنصف دية المسلم، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد.

الدية المغلظة والدية المخففة

الدية المغلظة والدية المخففة واعلم أن الدية من الإبل إن كانت عن عمد أو كانت عن شبه عمد فتجب في المشهور في المذهب أرباعاً، خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الشافعية والرواية الثانية عن أحمد واختاره جماعة من أصحابه: أن الواجب في دية العمد وفي دية شبه العمد: أن الواجب ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وقد جاء في سنن أبي داود والترمذي ما يدل على ذلك، وهو: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في دية العمد بثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة في بطونها أولادها). وجاء عند الخمسة إلا الترمذي كما تقدم: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (في قتيل العصا والسوط -وهو قتل شبه العمد- مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها)، وهذا هو الراجح. وعلى ذلك فالراجح: أن قتل العمد وقتل شبه العمد فيه دية مغلظة، هذه الدية المغلظة هي مائة ناقة: ثلاثون حقة وهي التي تم لها ثلاث سنين، واستحقت أن يطرقها الجمل، وثلاثون جذعة أكبر منها بسنة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وأما قتل الخطأ فالمشهور في المذهب أنه أخماس: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون من بني مخاض. وقرر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن أنها لم تقدر، وهذا هو الصحيح؛ لأن الآثار فيها مختلفة، وأقوال أهل العلم في هذا مختلفة، وكل له أثر يستدل به من السنة أو من أقوال الصحابة وآثارهم، فدية الخطأ نقول: ليست مقدرة، بل هي مائة من الإبل، والمشهور في المذهب أنها أخماس كما تقدم. وهناك آثار أخرى تدل على غير ذلك، ولذا فإن الراجح أنها لم تقدر، يعني: لم تحدد، بل الواجب مائة من الإبل مطلقاً من غير تحديد، وأما دية شبه العمد فتقدم شرحها.

مقدار دية الكتابي والمجوسي

مقدار دية الكتابي والمجوسي قال: [ودية الكتابية على النصف]. دية الكتابية على النصف من دية الكتابي، وعلى ذلك فتكون على النصف من دية المرأة المسلمة، وعلى ذلك ففيها خمسة وعشرون من الإبل. قال: [ودية المجوسي الحر ثمانمائة درهم]. دية المجوسي الحر ثمانمائة درهمٍ كما قال بذلك عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وطوائف كثيرة، وقد جاء هذا في الدارقطني بأسانيد صحاح عن عمر وعلي وابن مسعود، ولا يعلم لهم مخالف فهي أقل من عشر دية المسلم، وهذا في القديم كان شيئاً كثيراً؛ لأن نصاب الزكاة مائتا درهم؛ وهذه أربعة أضعافها. قال: [والمجوسية على النصف]. ويلحق بالمجوسي كل وثني من البوذيين وغيرهم، فإن ديتهم ثمانمائة درهم، ودية نسائهم على النصف من ذلك، لكن ليست هذه الدراهم التي بين أيدينا، بل تقوم كما تقدم، ويرجع في معرفتها لأهل الخبرة؛ لأن التقدير هنا بالفضة، وليس التقدير بالدراهم الموجودة. قال: [ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية، فلو قطع ثلاث أصابع حرة مسلمة لزمه ثلاثون بعيراً، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى العشرين]. تقدم شرح هذا في حديث: (حتى يبلغ الثلث من ديتها)، وقد قال هنا: فلو قطع ثلاث أصابع من حرة مسلمة لزمه ثلاثون بعيراً كالرجل؛ لأن هذا دون الثلث، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى عشرين، وتقدم الكلام على هذا.

تغليظ الدية في الحرم والإحرام والشهر الحرام

تغليظ الدية في الحرم والإحرام والشهر الحرام قال: [وتغلظ دية قتل الخطأ في كل من حرم مكة وإحرامٍ وشهر حرامٍ بالثلث]. فقد صح عن عثمان رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة أنه قضى على رجلٍ قتل امرأة في الحرم بدية وثلث، وهذا من باب تغليظ الدية. ويقاس على الحرم كما ذكر المؤلف الإحرام، فالمحرم إذا قتل وجب عليه دية وثلث الدية، وإذا قتل في الأشهر الحرم فكذلك. وقال بعض أهل العلم كالقاضي من الحنابلة: تغلظ أيضاً إذا قتل ذا رحمٍ محرم خلافاً للمشهور. فإذاً: إذا كان محرماً، أو كان في الحرم أو في الأشهر الحرم، فإن الدية تضاعف، وهذا في النفس فقط، فإن الدية تزيد ثلثاً، لكن إن اجتمعت هذه الثلاث فإن الدية تضعف، ولذا قال: [فمع اجتماع الثلاثة يجب ديتان].

تغليظ دية الكافر إذا قتل عمدا

تغليظ دية الكافر إذا قتل عمداً قال: [وإن قتل مسلم كافراً عمداً أضعفت ديته]. إن قتل مسلم كافراً -يعني: ذمياً أو معاهداً- عمداً أضعفت ديته، بمعنى أن الدية تكون على الضعف، وتقدم شرح هذا، وأن هذا هو المشهور في المذهب. إذاً: إذا قتل مسلم كافراً عمداً أضعفت ديته، فأصبحت الدية على الضعف، فتكون دية هذا الذمي كدية المسلم.

مقدار دية الرقيق

مقدار دية الرقيق قال: [ودية الرقيق قيمته قلت أو كثرت]. الرقيق ما يباع ويشترى ذكراً كان أو أنثى، وعلى ذلك فديته قيمته، فلو قتل عبداً فليس في ذلك مائة من الإبل ولو كان هذا العبد مسلماً، لكن في ذلك قيمة هذا العبد، وقد يساوي خمسمائة من الإبل، وقد لا يساوي إلا خمساً من الإبل، فإن الواجب فيه القيمة؛ لأنه يباع ويشترى. وإن جرحه أو قطع طرفه فقولان: أصحهما -وهو خلاف المشهور في المذهب، واختاره الموفق- أن الواجب ما ينقص من قيمته، وعلى ذلك فنقومه قبل أن يجرح، أو قبل أن يقطع طرفه، ونقومه بعد ذلك، ويجب الفرق. مثاله: رجل عنده عبد قطعت يده، فنقول لأهل الخبرة: كم يساوي هذا العبد قبل أن تقطع يده؟ قالوا: يساوي مائة ألف. قلنا: والآن كم يساوي بعد قطع يده؟ قالوا: لا يساوي إلا ثمانين ألفاً، فالفرق عشرون ألفاً، وعلى ذلك فيجب على الجاني أن يدفع لسيده عشرين ألفاً.

دية الجنين

دية الجنين

دية الجنين المسلم الحر

دية الجنين المسلم الحر قال: [فصل: ومن جنى على حاملٍ فألقت جنيناً حراً مسلماً ذكراً كان أو أنثى فديته غرة قيمتها عشر دية أمة]. يقول: ومن جنى على حاملٍ فألقت جنيناً ميتاً تبين فيه خلق الإنسان فإن الواجب فيه غرة، ولا بد أن يتبين فيه خلق الإنسان؛ ليعلم أن هذه المضغة آدمي. فإذا ضرب بطنها فوقع منها جنين تبين فيه خلق الإنسان فإن الواجب في ذلك غرة، وتقدم حديث الهذليتين اللتين اقتتلتا، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام: (قضى أن دية الجنين غرة). والغرة هو المال الخيار الذي هو من أنفس المال، والمراد به أمة أو وليدة، وقد جاء هذا في الحديث حيث قال: (غرة عبد أو وليدة)، فالغرة هنا عبد أو وليدة، وعلى ذلك فدية الجنين عبد أو أمة. والغرة الواجبة قيمتها عشر دية أمه، والآن العبيد لا يوجدون، لكن الأصل أن الواجب عليه أن يدفع دية، هذه الدية عبد أو أمة، يساوي هذا العبد أو الأمة يساوي عشر دية الأم بلا خلافٍ بين أهل العلم، وحكاه الموفق رحمه الله عن علي وزيد بن ثابت. فننظر كم دية الأم؟ ودية الأم خمسون من الإبل، فالعشر منها خمس من الإبل، فنقول: يجب عليك أن تأتي لهم بعبدٍ أو بأمة يساوي أو تساوي خمساً من الإبل، والآن هذا غير موجود، فعلى ذلك نوجب خمساً من الإبل، إذاً: في الجنين الآن خمسٌ من الإبل. [وتتعدد الغرة بتعدد الجنين]، فلو أن المرأة أسقطت جنينين فإن فيهما عشراً من الإبل، ولو أسقطت ثلاثة ففيهم خمسة عشر من الإبل نعم.

دية الجنين الرقيق والكافر

دية الجنين الرقيق والكافر قال: [ودية الجنين الرقيق عشر قيمة أمه]، إذا كانت الأم نصرانية فديتها خمس وعشرون من الإبل، وعلى ذلك فجنينها بعيران ونصف، وإذا كانت هناك أمة تساوي بعيرين ونصف سلمناها دية له. قوله: [ودية الجنين الرقيق عشر قيمة أمه]، فإذا جني على أمة فأسقطت جنيناً فالواجب عشر قيمة أمه. أي: أننا ننظر كم تساوي أمه فالواجب هو العشر، فإذا كانت تساوي مائة ألف فالدية عشرة آلاف. قال: [وقيمة الجنين المحكوم بكفره غرة قيمتها عشر دية أمه، وإن ألقت الجنين حياً لوقت يعيش لمثله وهو نصف سنة فصاعداً ففيه ما في الحي، فإن كان حراً ففيه دية كاملة]. كذلك دية الجنين المحكوم بكفره نعم غرة قيمتها عشر دية أمه، إذاً: نرجع إلى الأم وننظر كم ديتها، فالواجب هو العشر.

دية الجنين إذا خرج حيا لوقت يعيش لمثله

دية الجنين إذا خرج حياً لوقت يعيش لمثله وإن ألقت الجنين حياً لوقت يعيش لمثله وهو نصف سنة فصاعداً، أي: ولد لستة أشهر، ففيه ما في الحي، أي: فإن كان مسلماً ذكراً فديته مائة من الإبل، وإن كان مسلماً أنثى ففيه خمسون من الإبل، وهكذا. قال: [وإن كان رقيقاً فقيمته]. يعني: ننظر إلى قيمته ونضمن الجاني هذه القيمة. قال: [وإن اختلفا في خروجه حياً أو ميتاً فقول الجاني]. ضرب امرأة في بطنها وهي حامل لسبعة أشهر فقالت: إن الجنين قد خرج حياً، ولم تأت ببينة، أما لو أتت ببينة على أنه خرج حياً لكان فيه دية كاملة، لكنها قالت: إنها وضعته حياً ولم تأت ببينة، وقال الجاني: بل وضعتيه ميتاً. يريد أن يدفع عشر دية الأم، وهي تريد أن يدفع دية كاملة، فيقول المؤلف: إن اختلفا في خروجه حياً أو ميتاً فالقول قول الجاني، وذلك لأنه منكر، ولأنه غارم، فنطالبها بالبينة، فإذا أتت ببينة تشهد أنه ولد حياً ففيه دية كاملة، وإن لم تأت ببينة تشهد أنه ولد حياً فإنا نرجع إلى الجاني، ونقول له: احلف، لأنك الآن منكر، والقول قولك، فعليك اليمين، فيحلف أنها ولدته ميتاً، فإذا حلف أنها ولدته ميتاً قلنا: يجب عليك عشر دية أمه.

ما يجب في جنين الدابة

ما يجب في جنين الدابة قال: [ويجب في جنين الدابة ما نقص من قيمة أمه]. رجل ضرب ناقة خلفة في بطنها حمل، والناس يسمونها اللقحة، يعني: فيها اللقاح، والخلفة عند الناس الآن هي التي معها ولدها يرضع منها. فإذا ضرب الناقة وأسقط ما في بطنها فكيف نضمنه؟ والجواب ما ذكره المؤلف هنا بقوله: [ما نقص من قيمة أمه] أي: نأتي بأهل الخبرة ونقول: إن هذه الناقة كان في بطنها حمل وكان حملها مثلاً من الفحل الفلاني؛ لأن هذا يختلف من فحلٍ إلى آخر، فإذا قالوا: كانت تساوي عشرة آلاف، والآن لا تساوي إلا خمسة آلاف، فإنه يدفع الفرق وهو يدفع خمسة آلاف. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الديات [3]

دليل الطالب_كتاب الديات [3] ومن أحكام الجنايات معرفة مقادير ديات الأعضاء والمنافع، فإن ديات الأعضاء والمنافع تختلف بانفرادها وازدواجها، وتختلف باختلاف مقدار الجزء الذاهب منها بالجناية، ومن ذلك ديات الشجة والجائفة، وضابط كل قسم منها.

مقادير ديات الأعضاء

مقادير ديات الأعضاء

مقادير ديات الأعضاء المفردة

مقادير ديات الأعضاء المفردة الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: في دية الأعضاء]. هذا فصل في دية الأعضاء ومنافعها، الأعضاء كاليد والعين، ومنافعها كالسمع والبصر. قال: [من أتلف ما في الإنسان منه واحد كالأنف واللسان والذكر ففيه دية]. وقد جاء في سنن النسائي من حديث عمرو بن حزم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وفي الأنف إذا أوعب جدعاً الدية، وفي العينين الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الصلب الدية). وفي البيهقي من مراسيل سعيد بن المسيب: (وفي الصلب الدية). وعلى ذلك فكل من أتلف ما في الإنسان منه واحد كالأنف واللسان والذكر فإن عليه الدية، فإن كان هذا الذي أخذ أنفه مسلماً ذكراً فالدية مائة من الإبل، وإن كان أنثى ففيه خمسون، وإن كان ذمياً ذكراً ففيه خمسون، وإن كانت ذمية أنثى ففيها خمسة وعشرون كما تقدم شرحه.

مقادير ديات الأعضاء المزدوجة

مقادير ديات الأعضاء المزدوجة قال: [ومن أتلف ما في الإنسان منه شيئان كاليدين والرجلين والعينين والأذنين والحاجبين والثديين والخصيتين ففيه الدية، وفي أحدهما نصفها]: كاليدين، اليد إلى الرسغ، والرجل إلى الكعب، وما زاد ففيه حكومة، ومعنى حكومة أنه يقدر عبداً سالماً من هذا النقص، ثم يقدر عبداً فيه هذا النقص، والفرق هو الحكومة. إذاً: في اليد إلى الرسغ نصف دية، وفي اليدين الدية كاملة، وفي الرجل إلى الكعب نصف الدية، وفي الرجلين الدية كاملة، وتقدم ما يدل على ذلك، فإنه قال: (وفي العينين الدية)، وقال: (وفي الشفتين الدية)، فما في الآدمي منه شيئان ففيهما الدية كاملة وفي أحدهما نصفها. قال: [وفي الأجفان الأربعة الدية]: الأجفان جمع جفن، وهو غطاء العين، وكل عين فيها جفنان، جفن في أعلاها وجفن في أسفلها، فإذا أخذ هذه الأجفان الأربعة كلها ففيها الدية كاملة، وإذا أخذ جفناً كاملاً ففيه ربع الدية. والمنخر في الإنسان منه منخران، والحاجز بينهما هو القسيم الثالث، فإذا أخذ منخراً واحداً فثلث الدية، وإذا أخذ الحاجز بينهما ففيه ثلث الدية. قال: [وفي أصابع اليدين الدية وكذلك الرجلان]: وفي مسند أحمد وسنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء). وفي الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع). وعلى ذلك ففي أصابع اليدين العشرة الدية كاملة، وفي أصابع الرجلين العشرة الدية كاملة. قال: [وفي أحدها عشرة، لا فرق بين إبهام وخنصر]: أي: في كل أصبعٍ عشرة من الإبل. قال: [وفي الأنملة إن كانت من إبهام نصف عشر الدية، وإن كانت من غيره فثلث عشرها]: يعني: أن في أنملة الإبهام نصف دية الإبهام؛ لأن الإبهام فيها مفصلان، وعلى ذلك ففي كل مفصل خمس من الإبل؛ لأن الإبهام كلها فيها عشر من الإبل، وبقية الأنامل فيها ثلث دية الأصبع، يعني: في كل أنملة ثلاثة أبعرة وثلث. قال: [وكذا أصابع الرجلين]. قال: [وفي السن خمس من الإبل]: كما جاء في النسائي من حديث عمرو بن حزم: (وفي السن خمس من الإبل) أي: في كل سن خمس من الإبل، الضرس والسن والثنية سواء كما تقدم. قال: [وفي إذهاب نفع عضوٍ من الأعضاء ديته كاملة]: يقول: إذا أذهب نفع عضوٍ ففي ذلك دية ذلك العضو كاملة؛ لأنه صيره في حكم المعدوم، فإذا ضرب عينيه فذهب البصر ففيه الدية كاملة، وإذا ضرب يديه فذهب البطش ففي ذلك الدية كاملة.

مقادير ديات المنافع

مقادير ديات المنافع قال: [فصل في دية المنافع]. هذا الفصل في دية المنافع. قال: [تجب الدية كاملة في إذهاب كل من سمع وبصر وشم وذوق]: السمع قلنا إنه في الدماغ، وعلى ذلك فلو أنه قطع أذنيه ففي ذلك الدية، وإذا ضربه في رأسه فأذهب سمعه ففي ذلك الدية كاملة؛ لأن السمع كما تقدم في الدماغ. والشم كذلك في الدماغ، فلو أنه قطع أنفه ففيه الدية كاملة، ولو أنه ضربه فأذهب شمه حتى أصبح لا يشم ففيه الدية كاملة، فإن أذهب جزءاً من شمه؛ فهذا يقدر عند الطبيب ويعطى من الدية بحسب ذلك. وإذا ضربه فأذهب بصره فعليه الدية كاملة. والذوق يكون لخمسة أشياء: للمالح، وللعذب، وللحلو، وللمر، وللحامض، فإذا ضربه فأصبح لا يحس بالحلو فقط، ففي ذلك من الدية الخمس، وهكذا. قال: [وكلام]: الكلام منفعة، فإذا ضربه فأذهب هذه المنفعة ففيه الدية كاملة. والحروف ثمانية وعشرون حرفاً عند العرب، فإذا أذهب حرفاً واحداً قسمنا الدية على ثمانية وعشرين. قال: [وعقل]: إذا جن فذهب عقله ففيه الدية كاملة، وقد ثبت عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: أن رجلاً ضرب رجلاً فذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه، فقضى عمر بأربع ديات. دية للسمع، ودية للبصر، ودية للعقل، ودية للنكاح. هذه أربع ديات. وعلى ذلك فقد يقتل ولا يأخذ أولياؤه إلا دية واحدة، وقد يأخذ ديات كثيرة بعدد المنافع، كما لو قطعت أيضاً يداه ورجلاه. قال: [وحدبٍ]: وذلك لأن القامة منفعة، فإذا ضربه في صلبه فأصبح حدباً فإن في ذلك الدية؛ لأن انتصاب القامة كمال وجمال. قال: [ومنفعة مشي]: كذلك لو ضربه في صلبه فشل حتى أصبح لا يمشي ففيه دية كاملة. قال: [ونكاح كذلك]: وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه قضى بالدية في ذلك، وذهاب النكاح هو إذا ضربه حتى أصبح لا يجامع. قال: [وأكلٍ]: إذا أصبح لا يشتهي الأكل، أو يأكل ولا يهضم الأكل، ففي ذلك دية كاملة. قال: [وصوت كذلك]: إذا أذهب منفعة الصوت ففيه دية كاملة. قال: [وبطش]: أصبح لا يبطش، لأنه أذهب منفعة يديه، ففي ذلك دية كاملة. إذاً: هذه كلها منافع؛ لأن هذا العضو إنما تقصد منفعته، وهذا قد أذهب منفعته. قال: [ومن أفزع إنساناً] أي: خوفه بالصوت [أو ضربه فأحدث بغائطٍ أو بولٍ أو ريح ولم يدم فعليه ثلث الدية]، قضى بذلك عثمان رضي الله عنه كما في مصنف عبد الرزاق، قال الإمام أحمد: لا أعرف شيئاً يدفعه، أي أن هذا قول صاحب، وقول للصاحب حجة، ولا يعرف ما يدفعه. فإذا ضرب إنساناً، فإن بعض الناس أثناء الضرب قد يحدث، أو يخرج منه غائط، أو يخرج منه بول، فالواجب في ذلك ثلث الدية. قال: [وإن دام] يعني: لم يستمسك، فأصبح عنده سلس بول أو سلس غائط، أو حدث مستمر لم يستمسك قال: [فعليه الدية] أي: فعليه الدية كاملة؛ لأن هذه منفعة. قال: [وإن جنى عليه فأذهب سمعه] هذه منفعة [وبصره] هذه منفعة ثانية، [وعقله] هذه منفعة ثالثة، [وشمه] هذه منفعة رابعة، [وذوقه] هذه خامسة، [وكلامه] هذه سادسة، [ونكاحه] هذه منفعة سابعة، [فعليه سبع ديات، وأرش تلك الجناية]، لأن الضرب قد يحدث فيه جرحاً، فيبقى أيضاً هناك زيادة وهي أرش هذه الجناية. قال: [وإن مات من الجناية فعليه دية واحدة]: أي: لو أنه جنى عليه فمات من هذه الجناية لكانت دية واحدة، أما وقد أذهب هذه المنافع فلكل منفعة دية.

دية الشجة والجائفة

دية الشجة والجائفة

مقادير ديات الشجاج

مقادير ديات الشجاج قال: [فصل في دية الشجة والجائفة]. الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه فقط، أي: الشجة: هي الجرح الذي يكون في الوجه وفي الرأس خاصة، فإذا قيل شج، فالمعنى أنه جرح في رأسه أو في وجهه. قال: [وهي خمسة]: يعني: الشجاج التي فيها الدية خمس، وأما ما دون ذلك فليس فيه دية، إنما فيه حكومة. قال: [أحدها: الموضحة التي توضح العظم وتبرزه]: وذلك بأن يجرحه في رأسه أو في وجهه فيتضح العظم. قال: [وفيها نصف عشر الدية خمسة أبعرة]، وفي النسائي: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وفي الموضحة خمس من الإبل) إذاً: الموضحة فيها خمس من الإبل. قال: [فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه فموضحتان]، أي: جرحه بضربة واحدة فأصابه في وجهه وأصابه في رأسه، فحدث جرح في الوجه يوضح العظم، وجرح في الرأس يوضح العظم، قال: [فموضحتان]؛ وذلك لأنه قد أوضحه في عضوين، في الرأس وفي الوجه. [الثاني: الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه، وفيها عشرة أبعرة]، قضى بذلك زيد بن ثابت كما في مصنف عبد الرزاق، فهذه تصل إلى العظم وتهشم العظم، أي: ترضه ويكون فيه شيء من الكسر، فهذه تسمى بالهاشمة. [الثالث: المنقلة: وهي التي توضح وتهشم وتنقل العظم، وفيها خمسة عشر بعيراً]، وقد جاء هذا في النسائي في حديث عمرو بن حزم: (وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل). [الرابع: المأمومة التي تصل إلى جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية]، وفي النسائي: (وفي المأمومة ثلث الدية) والمأمومة هي التي تصل إلى جلدة الدماغ. [الخامس: الدامغة التي تخرق الجلدة، وفيها الثلث أيضاً]؛ لأنها أولى من المأمومة، ولم يرد في الشرع أن فيها زيادة. وعلى ذلك فالمأمومة والدامغة فيهما ثلث الدية، والدامغة تخترق، وصاحبها لا يسلم غالباً، لكن إذا سلم فإن في ذلك ثلث الدية، أما إذا مات فإن في ذلك الدية كاملة.

مقدار دية الجائفة

مقدار دية الجائفة قال: [وفي الجائفة ثلث الدية]، هذا في النسائي أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الجائفة ثلث الدية). [وهي: كل ما يصل إلى الجوف]، يعني: أن الجائفة هي ما ينتهي إلى الجوف، ليس المقصود بالجوف المعدة، بل إلى جوف في البدن، ولذا قال: [كبطنٍ وظهرٍ وصدرٍ وحلق]. فإذا ضربه في بطنه فهذه جائفة؛ لأنها لا تصل إلى عظم، وإذا ضربه في ظهره في مكان لا ينتهي إلى عظم، في أماكن في الظهر ففيه ثلث الدية. قال: [وصدر]، كذلك هناك أماكن في الصدر لا تنتهي إلى عظم. قال: [وحلق ونحو ذلك] فإذاً: إذا جرحه وغار هذا الجرح، وكان لا ينتهي إلى عظم فهي جائفة، وفيها ثلث الدية. قال: [وإن جرح جانباً فخرج من الآخر فجائفتان]، إذا أدخل السكين مثلاً من موضع، وخرجت من موضع آخر، أدخلها من طرف بطنه وخرجت من موضع آخر ففيه جائفتان، يعني: فيه ثلثا دية؛ لأنه كما لو جرحه من الأمام، وجرحه من الخلف، فما دام أنه جرحه فدخلت من طرف وخرجت من طرف، فذلك كما لو جرحه من هنا وجرحه من هنا، فهذا فيه ثلثا الدية. قال: [ومن وطئ زوجة صغيرة لا يوطأ مثلها، كبنت سبع أو بنت ثمان]. يعني: لا يوطأ مثلها في العادة. [فخرق ما بين مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك البول، وإلا فجائفة]. إذا وطئ هذه البنت التي لا يوطأ مثلها، وهي زوجته فننظر إن كان قد خرق ما بين السبيلين، أو خرق ما بين مدخل الذكر وما بين مخرج البول، فنقول: في ذلك ثلث الدية، لكن إن أصيبت بداء، وهو أن بولها أصبح لا يستمسك، فنقول: في ذلك الدية كاملة. إذاً: إذا خرقها هكذا فهذه جائفة، وإن زاد على ذلك بأن صار بولها لا يستمسك ففيها الدية كاملة؛ لأن مثلها لا يوطأ، فكيف يطؤها ومثلها لا يوطأ، ولذا قال بعد ذلك: [وإن كانت الزوجة ممن يوطأ مثلها لمثله]، يعني: إذا كانت تصلح للوطء، [أو أجنبية] وليست زوجة [كبيرة مطاوعة، ولا شبهة]، ليس هناك شبهة في النكاح، [فوقع ذلك فهدر]. أي: إذا وطئ زوجته التي يوطأ مثلها، فحصل ما تقدم من الخرق، أو صار بولها لا يستمسك بسبب هذا الوطء فنقول: هذا هدر؛ لأنها قد أذنت، ومثلها يوطأ. وكذلك [إن كانت أجنبية كبيرة مطاوعة] لأنها أذنت. قول: [ولا شبهة]، أي: لا توجد شبهة نكاح، لكن لو كان هناك شبهة نكاح، فإنها تقول: إنما أذنت على أنه زوج، فبان غير زوجٍ، كما لو ظن أنها زوجته وظنت هي أنه زوجها فأذنت له بالوطء فحصل ما تقدم؛ فنقول: لها المهر، ولها كذلك ما تقدم، إما دية جائفة إن كان بولها يستمسك، وإما دية كاملة إن كان بولها لا يستمسك؛ لأن أذنها كان بقيد، وهو أنه زوجها، فبان أنه ليس زوجها. لكنها لو كانت زانية قد أذنت بذلك فإنه لا شيء لها؛ لأنها كبيرة وقد أذنت. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الديات [4]

دليل الطالب_كتاب الديات [4] جريمة القتل يترتب عليها في الشريعة أحكام كثيرة، ومن ذلك أن القتل إذا كان خطأ أو شبه عمد كانت الدية على العاقلة، وليست في مال الجاني. وأيضاً يجب به الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

أحكام العاقلة

أحكام العاقلة

تعريف العاقلة

تعريف العاقلة الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب العاقلة]. العاقلة: من العقل، وهي الدية، وذلك لأنهم كانوا يعقلون الإبل عند أهل القتيل، وهو -أي: العقل- الحبل الذي تربط به رجل الناقة. فالعاقلة إذاً من الدية، والدية يقال لها عقل؛ لأنها تكون في الإبل، وقد كانت الإبل تعقل عند أهل القتيل. قال: [وهي. أي: العاقلة: ذكور عصبة الجاني نسباً وولاءً. أي: لا رحماً]. هذه هي العاقلة، فالعاقلة التي تتحمل كما تقدم دية الخطأ وشبه العمد هم عصبة القاتل الذكور، والعصبة كما تقدم في الفرائض تكون في النسب وفي الولاء لا في الرحم، يعني: لا يدخل الخال، ولا ابن الخال، لأنهم رحم، أما العم وابن العم، والأخ الشقيق، والأخ لأب، فهؤلاء يدخلون، لأنهم عصبة. وقد جاء كما تقدم في الصحيحين في قصة الهذليتين اللتين اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، وفيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بأن دية المرأة على العاقلة) هذه هي العاقلة. وقد جاء عند الخمسة إلا الترمذي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى أن دية المرأة على عصبة القاتلة ولا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل من ورثتها). إذاً: العاقلة هم عصبة القاتل من الحواشي، ومن الأصول، ومن الفروع، فدخل في ذلك الأب والابن، والإخوة والأعمام، وتقدم إيضاح هذا في كتاب الفرائض، ولا يدخل في ذلك الجاني نفسه، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو المشهور في المذهب؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بأن دية المرأة على العاقلة، ولا يدخل هو في العاقلة، هذا هو ظاهر الحديث. وكذلك الحديث الآخر الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على عصبة القاتلة) ولا يدخل الجاني نفسه على ظاهر هذا اللفظ. وقال بعض العلماء، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي بل يدخل في ذلك الجاني، قالوا: لأنه أولى، والصحيح الأول؛ لظاهر الحديث كما تقدم؛ فإن ظاهر الحديث أنها تجب على عاقلته.

من لا تحملهم العاقلة

من لا تحملهم العاقلة قال: [ولا تحمل العاقلة عمداً]، وقد صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه كما في البيهقي أنه قال: لا تحمل العاقلة عمداً، ولا اعترافاً، ولا صلحاً، ولا ما جنى المملوك -أي: ما جني على المملوك-. كما قال ذلك الأصمعي وابن أبي ليلى وأبو عبيد. فالعاقلة لا تتحمل هذه الأشياء، بل تكون على الجاني نفسه، فإذا قتل عمداً فعلى الجاني نفسه الدية ولا تكون على عاقلته، وإذا قتل عبداً وجبت قيمته على الجاني نفسه؛ وذلك لأن العبد مال فكان له مجرى سائر الأموال، كما لو أتلف سيارة أو أتلف حيواناً، أو غير ذلك؛ فإن ذلك يكون على الجاني المتلف فكذلك العبد؛ لأن العبد مال، ولذا لا تسمى دية في حقه، وإنما هي قيمة، وتختلف باختلاف صفاته، فقد تزيد وقد تنقص باختلاف صفاته، فهو مال يباع ويشترى. قال: [ولا إقراراً]، إذا أقر على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد؛ فإن العاقلة لا تحمل ذلك، بل يتحمله هو؛ لئلا يكون ذلك طريقاً إلى الحيلة، كأن يأتي إلى القاضي ويقول: أنا أقر أني قتلت فلاناً، ويتفق هو وأهل الميت على أخذ الدية، ولا يكون هو القاتل، وعلى ذلك فإذا اعترف هو فإن العاقلة لا تحمل ذلك إلا إذا صدقته فإنها تحمل ذلك؛ لأن تصديقها يجعله كما لو ثبت القتل بالبينة، فما دام أنها تصدق فإن ذلك يكون كالبينة، ولأن الحيلة التي تخشاها كما تقدم قد زالت ولأن ما كنا نخشاه من التحايل في ذلك قد زال؛ لأنهم هم يصدقون، يعني: العصبة تصدق. [ولا صلحاً]، فلو أن رجلاً أتي به إلى القاضي وقيل له: إنك قد قتلت فلاناً خطأً فقال: أنا لم أقتله، فقيل له: احلف! فقال: أنا لا أحب أن أحلف على شيء، لكن أتحمل الدية ولا أحلف، فهل تتحمل ذلك العاقلة؟ لا تتحمله العاقلة، بل يتحمل ذلك الجاني نفسه. إذاً: إذا أقر أنه قتل عبداً ولم تصدقه العاقلة فإنه هو الذي يتحمل، أما إذا صدقته فإن العاقلة تتحمل. كذلك: إذا قتل عمداً، فإن العاقلة لا تحمل ذلك، وكذلك الصلح، وكذلك ما دون الثلث من الدية، فهذه أربعة أشياء لا تحملها العاقلة كما هو المشهور في المذهب. وهناك أثر عن عمر رواه ابن حزم في المحلى من طريق ابن وهب: لا تحمل العاقلة ما دون الثلث من الدية التامة، فما دون الثلث من الدية التامة لا تحمله العاقلة، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الثلث والثلث كثير) فما دون الثلث من الدية التامة لا تحمله العاقلة، فلو قطع أصبعاً خطأً ففيه عشر من الإبل، وثلث الدية التامة ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث؛ لأن الدية التامة مائة من الإبل، وهي دية المسلم الذكر. وعلى ذلك: فإذا كانت الدية دون ثلاثٍ وثلاثين وثلث من الإبل؛ فإن الجاني نفسه يتحمل ذلك. لو أنه قطع يد امرأةٍ مسلمة ففي ذلك نصف الدية، وديتها خمسون من الإبل، وعلى ذلك ففيه خمس وعشرون من الإبل، فهي دون ثلث الدية التامة، فيحملها الجاني نفسه كما تقدم، ولذا قال: [ولا ما دون ثلث دية ذكرٍ مسلم]. قال: [وتحمل الخطأ وشبه العمد]، العاقلة تحمل الخطأ، وتحمل شبه العمد، وتقدم ما يدل على ذلك، إذاً: لا نستثني إلا العمد. قال: [مؤجلاً في ثلاث سنين]، أي: تؤجل الدية على العاقلة في ثلاث سنين، وتقدم ذكر هذا في درسٍ سابق. قال: [وابتداؤه]، أي: ابتداء حول القتل [من الزهوق]، أي: زهوق النفس، وتقدم أيضاً شرح هذا، وأنه إذا مات في أول محرم فإن ثلث الدية يجب في واحد محرم من السنة التي بعدها وهكذا؛ حتى تنتهي السنون الثلاث. قال: والجرح من البرء، أي: إذا كانت دية جرح فمن البرء.

يبدأ بالأقرب فالأقرب من العاقلة

يبدأ بالأقرب فالأقرب من العاقلة قال: [ويبدأ بالأقرب فالأقرب كالإرث]، معلوم أن العصبة جهات، [فيبدأ بالأقرب فالأقرب]، وعلى ذلك فلا يؤخذ من الأعمام شيء مع وجود الإخوة وهكذا، فنبدأ في العاقلة بالأقرب فالأقرب، فلا نأخذ من جهة بعدى مع وجود جهة قربى، كالإرث. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الأحناف: أنه يؤخذ من الجميع، يعني: يحصر القاضي الذكور البالغين من عصبة هذا القاتل خطأً أو شبه عمد، من الأعمام وأبناء الأعمام والإخوة والأب والابن، وتقسم على الجميع، وهذا هو الراجح، وهو ظاهر الأدلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به على العاقلة، وهؤلاء من العاقلة. وأما القياس على الإرث فهو قياس مع الفارق؛ وذلك لأن الإرث لو أدخلنا فيه جميع العصبة لم يحصل لكل فرد منهم إلا الشيء اليسير، فيتوزع هذا المال الكثير على هذه الأعداد، ويكون كالضائع، لأنه يكون لكل واحد منهم الشيء اليسير. وأما العصبة؛ فإنا إذا وزعنا ذلك على الجميع كان في ذلك تخفيف عليهم، وهذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة. قال: [ولا يعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه، بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا]، وهذا للحديث المتقدم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ولا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل من ورثتها)، فقد يكون المال مستغرقاً بالفروض، ولا يبقى للمعصب شيء، فهذا المعصب الذي لا يأخذ شيئاً من الإرث يلزمه في باب العاقلة أن يشارك في العقل، وذلك للحديث المتقدم.

من لا يحمل الدية من العاقلة

من لا يحمل الدية من العاقلة قال: [ولا عقل على فقير]، الفقير لا يلزمه أن يدفع شيئاً من الديه؛ لأنه محتاج إلى المواساة. قال: [وصبي]، الصبي ولو كان ذا مال كثير لا يلزمه شيء؛ لأنه ليس أهلاً للنصرة، ومبنى العاقلة على النصرة، وهذا لا ينصر، وهذا هو قول جمهور العلماء. [ومجنون]: كذلك المجنون لا يعقل، يعني: لا يدفع شيئاً وإن كان من أقرب الناس إلى القاتل؛ وذلك لأنه ليس من أهل النصرة. قال: [وامرأة]، كذلك المرأة ليست من أهل النصرة. قال: [ولو معتقة]، يعني: ولو كانت هذه المرأة معتقة؛ لأنها عصبة، وذلك أن المرأة تكون عصبة بالعتق، ومع ذلك فإنها لا تدفع شيئاً في هذا الباب، وذلك لأنها ليست من أهل النصرة. قال: [ومن لا عاقلة له]، إذا كانت عاقلته معدومة فما الحكم؟ [أو له عاقلة وعجزت]، أي: أن عاقلته كلها فقراء ليس فيهم قادر، [فلا دية عليه هو]، أي: الجاني، يعني: لا تكون الدية عليه، وإنما تكون في بيت المال، كما قال: [وتكون في بيت المال]، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة) يعني: من بيت المال. إذاً: إذا كانت العاقلة معدومة أو كانت عاجزة فتكون الدية في بيت المال. قال: [كدية من مات في زحمة كجمعة وطواف]، لو أن الناس ازدحموا في جمعة أو في طوافٍ أو في حج فتفرقوا عن ميت، فإن الدية في بيت المال، حتى لا يضيع دم المسلم هدراً. قال: [فإن تعذر الأخذ منه]، يعني: من بيت المال، [سقطت]، أي: فلا ترجع على الجاني، ولا يطالب بها الجاني. والقول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد: أنها تجب على القاتل نفسه، وهو مذهب الشافعية واختاره شيخ الإسلام، وهو الراجح، وذلك لأن الأصل في ضمان المتلفات أنها تكون على المتلف، ولأن الله قال: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92]، هذه الدية يجب أن تصل إلى أهل الميت، وهذا أثر فعله، وقد أوجبناها أولاً على العاقلة من باب التخفيف، ثم في بيت المال كذلك من باب التخفيف عليه، أما إذا لم يكن بيت مال ولا عاقلة فلا يضيع دم هذا المسلم هدراً، بل تجب على الجاني نفسه؛ لأن الله يقول: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92]. إذاً نقول: هي على العاقلة، ثم على بيت المال، ثم على الجاني نفسه.

كفارة القتل

كفارة القتل قال: [باب: كفارة القتل. لا كفارة في العمد عند جمهور العلماء]، أي: لأن الله جل وعلا إنما أوجب الكفارة في الخطأ، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92]، وأما العمد فلا كفارة فيه، وإنما تجب فيه التوبة إلى الله جل وعلا. قال: [وتجب فيما دونه] يعني: الخطأ وشبه العمد، [في مال القاتل لنفسٍ محرمة ولو جنيناً]، ودخل في النفس المحرمة المسلم والذمي والمستأمن، فمن قتل مسلماً أو قتل ذمياً يهودياً أو نصرانياً أو قتل مستأمناً، فإن عليه الكفارة. وقوله: [ولو جنيناً]. ولو أنه ضرب بطن امرأة فأسقطت جنيناً، فعليه الكفارة؛ لأن هذا الجنين محترم، وهذا هو قول الجمهور. ولو كان القاتل صبياً أو مجنوناً مسلماً أو ذمياً فإن الكفارة تجب، إذاً: الكفارة تجب على كل قاتل، إذا كان هذا القاتل مسلماً أو ذمياً مكلفاً أو غير مكلف؛ لعمومات الأدلة: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء:92]. وسواء قتله مباشرة كالسيف أو قتله متسبباً كأن يحفر بئراً أو نحو ذلك. قال: [ويكفر الرقيق بالصوم]؛ لأن الكفارة هي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، والرقيق لا مال له، وعلى ذلك فيصوم شهرين متتابعين. [والكافر بالعتق]؛ لأنه لا يصح الصوم منه، فيجب أن يعتق رقبة في ماله، يأمره القاضي بذلك. [وغيرهما يكفر بعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين]؛ للآية الكريمة، قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء:92]. قال: [ولا إطعام هنا]، ليس هناك إطعام، وعلى ذلك فنقول له أولاً: أعتق رقبة، فإن قال: إني لا أقدر على عتق الرقبة، لأنه ليس عندي مال أعتق به، فإنا نقول له: صم شهرين متتابعين، فإن قال: لا أستطيع. نقول: تبقى في ذمتك حتى تقدر عليها. والقول الثاني في المسألة: أنه يجب عليه إطعام ستين مسكيناً، قياساً على كفارة الجماع وعلى كفارة الظهار، وهذا أقرب، وهو رواية عن الإمام أحمد. وظاهر ما تقدم أن قاتل نفسه عليه الكفارة، تخرج من ماله، وهو المشهور في المذهب: أن قاتل نفسه. والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن أحمد، واختاره الموفق ابن قدامة، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو مذهب الأحناف: أنه لا تجب في ماله الكفارة. يعني: لا يخرج من تركته ما يكفر به عنه، وهذا القول هو الراجح، ويدل على ذلك أن الله قال: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92]، وظاهر الآية أنها تدفع إلى غير قاتل نفسه. ولما ثبت في الصحيحين في قصة عامر بن الأكوع رضي الله عنه فإنه رجع إليه سيفه فقتل نفسه، يعني: خطأً، ولم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإخراج كفارة من تركته، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. قال: [وتتعدد الكفارة بتعدد المقتول]، الكفارة تتعدد بتعدد المقتول، وهذا واضح، فلو قتل ثلاثة كما يكون هذا في حوادث السيارات أو غيرها، فعليه كفارات بعدد القتلى. قال: [ولا كفارة على من قتل من يباح قتله كزانٍ محصن]؛ أي: لأن نفسه ليست محترمة، فليس معصوم الدم. قال: [ومرتد كذلك، وحربي كذلك، وباغٍ كذلك، وقصاصاً ودفاعاً عن نفسه]، فلو قتله قصاصاً فلا كفارة؛ لأنه قتله بحق، وكذلك من قتل أحداً دفاعاً عن نفسه، واحتاج إلى القتل، بحيث لم يندفع هذا الصائل إلا بالقتل فإنه لا كفارة عليه؛ لأن هذا القتل مباح له.

دليل الطالب_كتاب الحدود [1]

دليل الطالب_كتاب الحدود [1] من تعاليم الإسلام محاربة الجريمة وقطع دابرها وتأمين المجتمع المسلم منها، ومما شرع الله لذلك الحدود الشرعية، فإنها تكون تأديباً للجاني وردعاً لأمثاله.

أحكام الحدود

أحكام الحدود

شروط من يقام عليه الحد

شروط من يقام عليه الحد قال: [كتاب الحدود]. الحدود: جمع حد، والحد في اللغة: المنع. وأما في الاصطلاح: فهي العقوبة المقدرة شرعاً لمعصية، هذه هي الحدود، فكل عقوبة حددها الشارع لمعصية من المعاصي كالزنا؛ فإن هذه العقوبة تسمى حداً. قال: [لا حد إلا على مكلف]، والمكلف هو العاقل البالغ، فإذا زنى من ليس عاقلاً أو ليس بالغاً فلا يقام عليه الحد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ ماعز: (أبك جنون؟) كما في الصحيحين، فدل ذلك على أن الجنون يدرأ عنه الحد، وقال عليه الصلاة: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ). قال: [لا حد إلا على مكلف ملتزمٍ]. يعني: ملتزماً لأحكام الشرع، فدخل في ذلك المسلم والذمي، فالمسلم ملتزم لأحكام الشريعة فتقام عليه الحدود؛ ولو لم يلتزم بأحكام الشرع لم يكن مسلماً، فالمسلم يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك الذمي، وهو الذي يعيش في بلدنا وله ذمتنا، فهذا ملتزم تقام عليه الحدود، إذاً: الملتزم هو المسلم والذمي. وخرج من ذلك الحربي والمستأمن، فالحربي لا تقام عليه الحدود، والمستأمن كذلك لا تقام عليه الحدود. قال: [عالمٍ بالتحريم]، أي: ليس جاهلاً به، الجاهل بالتحريم لا يقام عليه الحد، لكن هل هذا على الإطلاق؟ A لا. بل نقيد ذلك بما إذا كان مثله يجهله، فالجهل لا شك أنه عذر، ولذا قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، والخطأ هو الجهل، قال الله: (قد فعلت) كما في صحيح مسلم. وهذا كما يكون في أمور الناس، فلو أن رجلاً خالف في مخالفة مرورية، كقطع إشارة أو نحو ذلك، وقال: أنا لا أعرف أن هذه مخالفة، فإنهم ينظرون، إذا كان الأمر واضحاً جلياً ظاهراً كالإشارة لم يقبلوه، وقالوا: إن مثلك لا يجهل، ولو كان أمراً خفياً كأن يكون الشارع جديداً، وكان له في القديم مثلاً أكثر من اتجاه، والآن ليس له إلا اتجاهاً واحداً، فقد يخفى هذا، وقد يكون الرجل غريباً على البلد، لا يعرف أن هذا الشارع له اتجاه واحد. فكذلك في أمور الشرع، فإذا كان حديث عهدٍ بإسلام، أو كان ناشئاً في بادية، وباديتنا في هذا الزمن لا يخفى عليهم الشيء الكثير من أمور الناس؛ لأنهم متعلمون، لكن قد يكون إنسان يعيش بعيداً في الصحراء ولا يعرف من أمور الناس شيئاً، فلا حد.

الشفاعة في الحدود

الشفاعة في الحدود قال: [وتحرم الشفاعة وقبولها في حدٍ لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فهو مضاد لله تعالى في أمره) رواه أبو داود. وقال عليه الصلاة والسلام لـ صفوان بن أمية لما شفع لمن سرق رداءه: (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) وقال لـ أسامة بن زيد: (أتشفع في حدٍ من حدود الله) كما في الصحيحين. وقال كما في أبي داود: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍ فقد وجب). لهم أن يتعافوا قبل أن يبلغ الحاكم، وأما إذا وصل الأمر إلى الإمام أو من ينيب الإمام وهم القضاة؛ فإنه لا شفاعة، قد تمر على رجلٍ معه آخر يريد أن يذهب به إلى الشرطة، أو وصل به إلى الشرطة، وقبل أن يصل هذا إلى الإمام أو من ينيبه الإمام فيجوز في هذه الحال أن تشفع.

وجوب إقامة الحدود

وجوب إقامة الحدود قال: [وتجب إقامة الحد ولو كان من يقيمه شريكاً في المعصية]، يعني: لا تقل إني قد شاركته في المعصية فلا أقيم عليه الحد، بل يقام عليه الحد، ولو كان هذا الذي يقيمه عليه شريكاً له، بعض الناس يقول: إننا كذلك نفعل هذا الأمر، نقول: وإن كنت تفعله فأنكر على من يفعله؛ لأنك إذا لم تنكر على من يفعله كنت في أحط الأمور الثلاثة؛ لأن الناس منهم من يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه، وهذه المرتبة العليا، ومنهم من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، لكن حاله ليست كحال المرائين، بل يرغب بالتوبة ويأمل الرجوع إلى الله جل وعلا، لكن نفسه تغلبه. والمرتبة الثالثة: هي أن يأمر بالمنكر ويأتيه، وينهى عن المعروف ولا يأتيه، وهذه أقبح هذه الأحوال، فالله جل وعلا عندما قال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]، أراد سبحانه وتعالى -كما قرر غير واحدٍ من أهل العلم- أن تكون حال المؤمن في الحالة العليا التي تقدم إيضاحها.

من الذي يقيم الحدود

من الذي يقيم الحدود قال: [ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه]، الإمام الذي له الإمامة العظمى هو الذي يقيمه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه الراشدون يقيمون الحدود، ونائبه هو الذي ينيبه الإمام كما يكون هذا الآن في وزارة الداخلية، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين: (اغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) فهذا نائب للنبي عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة. إذاً: لا يقيم الحدود إلا الإمام أو من ينيب الإمام، ولا يقيم آحاد الناس؛ لأنهم إذا أقاموه بأنفسهم ترتب على ذلك أولاً سفكٌ للدماء، وقطعٌ للأطراف، وأذى للخلق، ولأنه لا يؤمن من الحيف، ولأن كثيراً من هذه المسائل تنبني على الاجتهاد. قال: [والسيد على رقيقه]، السيد يقيم الحد على رقيقة، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب) والحديث متفق عليه. فالسيد يقيمه على عبده؛ لأن عبده ماله، وأمته ماله، فهو أمين عليه.

مراتب الحدود وكيفية إقامتها

مراتب الحدود وكيفية إقامتها قال: [وتحرم إقامته في المسجد]، فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تقام الحدود في المساجد، كما في سنن الترمذي. قال: [وأشده جلد الزاني]، هذا أشد الحدود، قال الله جل وعلا: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2]، فأشد الحدود هو جلد الزاني، [فالقذف فالشرب فالتعزير]، القذف لأنه ثمانون جلدة، فكان أعلى من الخمر، وأما الخمر فإن هذه الثمانين ليست كلها حداً، بل منها أربعون حداً وأربعون تعزيراً؛ لأن شارب الخمر كان يجلد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أربعين جلدة، فلما كان عهد عمر وأكثر الناس من شرب الخمر جلدهم ثمانين، وسيأتي هذا إن شاء الله في الكلام على شرب الخمر. قال: [فالتعزير]، إذاً: جلد الزنا أشد، وليس من جهة العدد فحسب، بل ومن جهة الصفة، يعني: يكون الضرب في الزنا أشد، ثم القذف، ثم الشرب، ثم التعزير. قال: [ويضرب الرجل قائماً]؛ ليأخذ كل عضوٍ نصيبه، يعني: لتأخذ أكثر أعضاء البدن نصيبها. قال: [بالسوط]، فيضرب بالسوط، ولا يضرب بحديد أو نحو ذلك؛ لأن المقصود تأديبه وزجر الناس عن هذه المعصية، وليس المقصود إتلاف نفسه. فيضرب بسوطٍ لا جديد ولا خلق، لأن الجديد قد يشق الجلد ويؤذي الأذى الكثير، والخلق قد لا يؤدب، فيكون وسطاً بينهما. قال: [ويجب اتقاء الوجه، والرأس، والفرج، والمقتل؛ لئلا يؤدي ذلك إلى إتلافه]، ولأن الوجه ينهى عن ضربه وعن تقبيحه، كما جاء في ذلك الأدلة. قال: [وتضرب المرأة جالسة]؛ لأن هذا أستر لها، فلا تضرب قائمةً. قال: [وتشد عليها ثيابها]؛ لأن هذا كذلك أستر لها، ولحديث الجهنية في صحيح مسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر فشدت عليها ثيابها. قال: [ويحرم بعد الحد حبس وإيذاء بكلام]، لا يجوز بعد ذلك حبسه، ولا يجوز بعد ذلك إيذاؤه بالكلام، وذلك لأن الإيذاء بالكلام والتعيير ونحوه نسخ إلى الحد، ولأن حبسه عقوبة زائدة على ما أمر الله به، فإن الله قد أمر بجلده مائة إذا كان زانياً، أو إذا قذف يجلد ثمانين جلدة، فلا يحبس؛ لأن الحبس زيادة على ما جاء به الشرع، لكن إن ارتبط به أمر آخر، فرأى القاضي أن يحبس من أجله، فهذا أمر آخر، لأن هناك ما يقتضي ذلك زائداً عن مجرد المعصية، كأن يرى الناس قد استهانوا بهذا الأمر وكثر عندهم ونحو ذلك، وأما في الأصل فإنه لا يزاد عليه، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في التعزير. قال: [والحد كفارة لذلك الذنب]؛ لحديث عبادة المتقدم، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ومن عوقب من ذلك بشيء فهو كفارة له) فالحدود كفارات. ومن أتى حداً ستر نفسه، فإن الله ستيرٌ يحب الستر، كما جاء في سنن أبي داود وغيره، ولم يسن أن يقر به عند الحاكم، فلا يستحب له أن يذهب إلى القاضي ويقر على نفسه بهذا الذنب، بل المستحب في حقه أن يستر على نفسه، وأن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى.

تداخل الحدود

تداخل الحدود قال: [وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنسٍ تداخلت]، فلو أنه زنى عشر مرات؛ فإنه يحد مرة، لكن إن زنى فحد، ثم زنى ثانية حد، ثم زنى ثالثة حد وهكذا، لكن لو أنه أتي به وقد زنى مرات كثيرة؛ فإنه لا يحد إلا حداً واحداً، فتتداخل هذه الحدود. قال: [ومن أجناسٍ فلا]، إذا كانت من أجناسٍ فلا، يعني: إذا كانت الحدود من أجناسٍ مختلفة فلا تداخل، [إلا إذا كان فيها قتل]؛ فإن القتل يأتي على غيره ويحيط بغيره، وعلى ذلك فلو أن رجلاً وهو بكرٌ قد زنى، وسرق، وقذف، فنقول: تقطع يده لسرقته، ويجلد ثمانين جلدة لقذفه، ويجلد أيضاً مائة جلدة لزناه، لكن يفصل بينهما لئلا يضره ذلك. هذا هو ظاهر الأدلة؛ فإن الله أمر أن نقطع يد السارق وهذا سارق، وأن نجلد القاذف وهذا قاذف، فاجتمعت فيه هذه الأوصاف التي تقتضي أن تتعدد من أجلها الحدود، فهو قاذف وهو سارق وهو زانٍ، فصفة الزنا تقتضي الجلد من البكر، وصفة السرقة تقتضي قطع اليد، وصفة القذف تقتضي أن يجلد ثمانين جلدة. وأما إن كانت الحدود من جنسٍ واحد كأن يسرق مرات كثيرة، أو يزني مرات كثيرة، فهذا لا يقام عليه الحد إلا مرة واحدة، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فقد أجمعوا على ذلك كما حكى ذلك ابن المنذر وغيره. وإن كان هذا الذي نريد أن نقيم عليه الحد مريضاً، فننظر إن كان مرضه يرجى برؤه، فالأصح وهو قول الجمهور خلافاً للمذهب أننا ننتظر حتى يبرأ، والحنابلة يرون أنه يقام عليه الحد بقدر ما يحتمل، يعني: يخفف بقدر لا من جهة العدد ولكن من جهة صفة الضرب، والصحيح: أنه يؤخر حتى يبرأ، ولذا فإن علياً رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجلد امرأة كانت قد زنت، فأتاها وهي نفساء، فتركها رضي الله عنه حتى تخرج من نفاسها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أحسنت) والحديث في صحيح مسلم. وإن كان المريض لا يرجى برؤه كشيخ كبير في السن، أو مصابٍ بمرض كالأمراض المستعصية، ولا يرجى زوال مرضه، فيضرب بما لا يضره، وقد جاء في سنن أبي داود والنسائي: (أن رويجلاً خبث بأمة فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يحد، فقيل له: إنه ضعيف، فأمرهم أن يأخذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ قال: فاضربوه به)، فيأخذون هذا العثكال الذي فيه مائة شمراخ ويضربونه به ضربة واحدة، وفي الحديث: (فاضربوه به ضربة واحدة). والله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].

إقامة الحدود في الغزو والحرم

إقامة الحدود في الغزو والحرم واعلم أنه في الغزو لا يقام الحد على الغازي، وإنما يترك حتى يرجع، وهذا من مفردات أحمد، وفيه آثار عن الصحابة تدل عليه، واختار ابن القيم الجوزية رحمه الله أنه إذا تاب توبةً نصوحاً، أو كانت منه نكاية في العدو؛ فإنه لا يقام عليه الحد، واستدل بقصة أبي محجن؛ فإن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لم يقم عليه الحد، والأثر في مصنف عبد الرزاق، ورواه ابن سعد وغيرهما، وهو أثر صحيح. فلا يقام الحد في الغزو، ثم إن تاب توبةً نصوحاً، وظهرت منه التوبة، أو كانت منه نكاية بالعدو؛ فإنه لا يقام عليه الحد. ونختم هذا الدرس بمسألة وهي: [أن من أتى حداً من حدود الله، أو قتل، ثم إنه لجأ إلى الحرم، وكان قد فعل ذلك في الحل، فإنه لا يقام عليه الحد حتى يخرج]، وهذا هو المشهور في مذهب أحمد، وهو قول الجمهور من التابعين، كما قال ابن القيم رحمه الله: ولا يعرف أن صحابياً ولا تابعياً خالفهم. وفيه أثر عن ابن عباس رضي الله عنه رواه ابن جرير أنه قال: من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل الحرم، فلا يجالس ولا يكلم ولا يؤوى، ولكنه يناشد حتى يخرج، فإذا خرج أقيم عليه الحد. وعند ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: لو رأيت قاتل عمر في الحرم ما ندهته. يعني: ما زجرته، ولا يعلم لهما مخالف. ولقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:97]، وعلى ذلك فلا يقام عليه الحد، لكن يضيق عليه، فلا يؤجر إذا أراد أن يستأجر، ولا يباع منه شيء إذا أراد أن يشتري، ولا يجالس فإذا أتى إلى مجلس قاموا منه، ولا يؤوى، ويناشد أن يخرج، ويقال له: تب إلى الله واخرج. لكن من أتى حداً في نفس الحرم فإنه يقام عليه الحد، فلو أن رجلاً زنى في الحرم أو قتل أو سرق فإن الحد يقام عليه. فإن قيل: ما الفرق؟ نقول: الأول مستعيذ بالحرم لاجئ إليه، والآخر مستهين به قد اخترق حرمته. وعلى ذلك فنقول: من أتى حداً أو قتل، ثم لجأ إلى الحرم فإنه يترك حتى يناشد أن يخرج ولا يعتدى عليه، ولكن يضيق عليه حتى يخرج؛ فإذا خرج أقيم عليه الحد. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الحدود [2]

دليل الطالب_كتاب الحدود [2] من الحدود الشرعية في الإسلام حد الزنا وحد القذف، وهما مما شرع لحماية الأعراض وصونها من الجناية عليها، ولهذه الحدود شروط وأركان وأسباب وآداب.

حد الزنا

حد الزنا

تعريف الزنا

تعريف الزنا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حد الزنا]. الزنا هو فعل الفاحشة في قبلٍ أو دبر، والدبر وإن كان لا يحل من الزوجة، وليس محلاً للوطء المشروع، لكن الفقهاء يذكرون مسائل تترتب على فعله، وإلا فإنه لا يجوز شرعاً، وتقدم شرح هذا في كتاب عشرة النساء، والمراد هنا الدبر من أجنبية. قال: [هو فعل الفاحشة في قبلٍ أو دبرٍ] يعني: أن يطأ امرأة لا تحل له في قبلها، أو أن يطأ دبر أجنبية، ويأتي الكلام على اللواط في مسألة في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

حد الزاني المحصن

حد الزاني المحصن قال الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]، فإذا زنا المحصن وجب رجمه حتى يموت، وعلى ذلك فحد الزاني المحصن الرجم، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ورجم عليه الصلاة والسلام ماعزاً كما في الصحيحين، ورجم الغامدية كما في الصحيحين أيضاً، وكان في القرآن آية تتلى فيها الرجم، فنسخ لفظها وبقي حكمها؛ ابتلاءً لهذه الأمة. وقد جاء في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: إن الله قد بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فجلد النبي عليه الصلاة والسلام وجلدنا بعده، وإني أخشى إن طال بالناس زمنٌ أن يقول قائل: إنا لا نجد الرجم في كتاب الله، وإن الرجم حقٌ في كتاب الله على من زنا إذا أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف]]، والحبل هو الحمل. وعلى ذلك: كانت آية من القرآن تتلى، ثم نسخ لفظها وبقي حكمها؛ ابتلاءً لهذه الأمة، ولبيان فضيلتها وأنها تعمل بما نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه، بخلاف أهل الكتاب الذين تركوا العمل بما بقي حكمه وبقي لفظه عندهم، وتحايلوا في ترك العمل به، كالرجم هنا، فقد وضع رجل من اليهود يده على آية الرجم بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، وهي مكتوبة في كتابهم كما ثبت في الصحيح. قال: [وجب رجمه حتى يموت]، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).

ضابط الإحصان

ضابط الإحصان قال: [والمحصن]، المحصن هو الذي إذا زنا وجب رجمه، قال: [والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها]، يعني: بهذا يثبت الإحصان، أي: نحكم بأنه محصن إذا وطئ زوجته في قبلها بنكاحٍ صحيح، وعلى ذلك فإذا عقد فقط ولم يطأ فلا يكون محصناً حتى يطأ، ويكون وطؤه لزوجته، فلو كان وطؤه لسريته -وهي أمته- فلا يكون محصناً، وإنما يكون بكراً غير محصن. إذاً: المحصن هو المتزوج الذي وطئ زوجته في قبلها بنكاحٍ صحيح لا بنكاحٍ باطل، ولا بنكاح فاسدٍ يعتقد فساده، فإذا نكحها بنكاحٍ باطل كالذي ينكح المعتدة فهذا النكاح للمعتدة نكاح باطل، ولا يحصل به الإحصان، وكذلك إذا كان بنكاحٍ فاسدٍ وهو يعتقد فساده، كنكاح المرأة بلا ولي وهو يعتقد أنه فاسد، وأما إذا كان على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله أو من وافقه، فهو يعتقد صحته، فإنه يكون محصناً بذلك، لكن الذي ينكح بلا ولي وهو يعتقد أن هذا فاسد، فلا نقول إنه محصن بذلك بحيث إنه إذا زنا بعد ذلك أقمنا عليه الحد، لا. قال: [وهما حران]، فلو كانت زوجته أمةً فلا إحصان؛ لا إحصان إلا بالحرة. [مكلفان]: إذا كان هو أو هي غير مكلفين فكذلك، فلا بد أن يكون هو مكلفاً، وأن تكون هي مكلفة، ومعلوم أن المكلف يحصل به من الإحصان والحفظ ما لا يحصل بمن هو دونه، وهذا هو قول جمهور العلماء. إذاً: أن يطأ زوجة لا سرية، في قبلٍِ، وأن يكون حراً، وأن يكون مكلفاً، وأن يكون الطرف الثاني كذلك، وعلى ذلك فلو كان رجلاً مكلفاً لكن زوجته صبية، فلا يقام عليه حد الزنا للمحصن، وإنما يقام عليه حد الزنا لغير المحصن وهو البكر، والحدود تدرأ بالشبهات.

حد الزاني غير المحصن

حد الزاني غير المحصن قال: [وإن زنا الحر غير المحصن جلد مائة جلدة]، ما تقدم في المحصن، وأما غير المحصن فإنه يجلد مائة جلدة؛ للأحاديث التي تقدم ذكرها، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا، قال: [وغرب عاماً]؛ للحديث المتقدم وهو حديث عبادة، وفيه: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة)، وفي الترمذي أن أبا بكر رضي الله عنه جلد وغرب، وأن عمر رضي الله عنه جلد وغرب. [إلى مسافة قصر]؛ لأن المسافة التي هي دون هذه المسافة لا تعد تغريباً، بل ويكون من حاضري المكان، وعلى ذلك فيغرب مسافة قصرٍ فأكثر، والمرأة كذلك تغرب مسافة قصرٍ وأكثر، لكن لا بد لها من محرم يحفظها، [وأما في الرجم فيكفي فيه -على الصحيح، وهو المذهب، وهو قول الجمهور- يكفي فيه الرجم]، وأما حديث عبادة الذي فيه: (خذوا عني) الحديث، وفيه: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) فهذا منسوخ؛ لأن آخر الأمر من النبي عليه الصلاة والسلام أنه اكتفى بالرجم كما في حديث: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ورجم ماعزاً والغامدية ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام جلدهما. وصح ذلك أيضاً عن عمر رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة أنه رجم ولم يجلد، ولأن الرجم يأتي على الجلد، فالقتل يحيط بما دونه، وحديث عبادة واضح في أن النبي عليه الصلاة والسلام قاله في أول الأمر؛ لأنه قال: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً)، والله جل وعلا يقول في كتابه: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء:16] إلى أن قال سبحانه وتعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:15].

حكم الذمي إذا زنا بمسلمة وكذلك الحربي

حكم الذمي إذا زنا بمسلمة وكذلك الحربي ثم قال: [وإن زنا الذمي بمسلمة قتل]، الذمي إذا زنى بمسلمة فإنه يقتل؛ لأنه يكون بذلك قد نقض عهده، فلا ذمة له، وإن زنى الحربي فلا شيء عليه؛ لأنه غير ملتزمٍ بشريعتنا، ولأنه مهدر الدم، فدمه هدر، وعلى ذلك فلا شيء عليه من هذه الجهة؛ لأنه حربي والحربي مهدر الدم.

حكم الرقيق إذا زنا

حكم الرقيق إذا زنا وقال قبل ذلك: [وإن زنا الرقيق جلد خمسين]؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]، ومعلوم أن الرجم لا يمكن تنصيفه؛ لأنه قتل، وعلى ذلك فحدهن وحد العبيد هو الجلد فقط، ويكون الجلد خمسين جلدة، {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]، ولا يغرب؛ لأن تغريبه إضرارٌ بسيده، فبذلك نفوت حق السيد.

حكم المحصن إذا زنا بغير المحصن

حكم المحصن إذا زنا بغير المحصن قال: [وإن زنى المحصن بغير المحصن فلكل حده]، إذا زنى رجل محصن بامرأة بكر ليست محصنة فهذا له حده وهذا له حده، فالمحصن حده الرجم، والبكر حده الجلد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، وقال للرجل: (على ابنك جلد مائة وتغريب عام)، فقضى أن على العسيف الذي زنى بهذه المرأة أن عليه جلد مائة وتغريب عام؛ لأنه بكر، وقضى على المرأة بالرجم، فهنا أحدهما يرجم والآخر يجلد. والتغريب عاماً يكون باعتبار السنة الهجرية؛ لأن هي المعتبرة في الشرع، فيكون بالسنة الهجرية لا الشمسية.

حكم من زنا ببهيمة

حكم من زنا ببهيمة قال: [ومن زنى ببهيمة عزر، ولا حد عليه؛ لأنها معصية، والمعصية فيها التعزير]، كما سيأتي إن شاء الله، فالمعصية فيها التعزير، ولا يقتل رجماً إن كان محصناً، ولا يجلد إن كان بكراً، وأما ما جاء عند الخمسة إلا النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) فالحديث منكر، وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطحاوي وغيرهم، فلا يصح هذا الحديث، بل هو حديث معل.

حكم اللواط

حكم اللواط قال: [ولو تلوط]، اللواط فيه الحد في المشهور في المذهب، وقد جاء عند البيهقي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان)، والحديث لا يصح، لكنهم جعلوه قياساً على الزنا؛ بجامع أن كليهما وطء لفرج. والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الجوزية ورواية عن أحمد: أنه يرجم مطلقاً محصناً كان أو غير محصنٍ، وذلك لإجماع الصحابة على ذلك، وقد حكى الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية، وأورد الآثار في ذلك ابن نصر، وأورد الآثار في ذلك الآجري رحمه الله تعالى في كتابه (تحريم اللواط). واختلف الصحابة في كيفية قتله مع إجماعهم على أنه يقتل، فمنهم من قال: إنه يرجم، كـ ابن عباس، ومنهم من قال: إنه يرمى من شاهق، ومنهم من قال: إنه يحرق، ومنهم من قال: إنه يقتل بالسيف، وأصحها أنه يرجم، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، قال الله جل وعلا: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:74]، فأمطر الله عز وجل عليهم هذه الحجارة، وعلى ذلك فلإجماع الصحابة رضي الله عنهم نقول: بأنه يقتل، ويكون قتله بالحجارة، يعني: يرجم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

من شروط وجوب حد الزنا تغييب الحشفة

من شروط وجوب حد الزنا تغييب الحشفة قال: [وشرط وجوب الحد ثلاثة أحدها: تغييب الحشفة أو قدرها]، هذا هو الشرط الأول: أن يغيب الحشفة وهي موضع الختان من الرجل، [وهي موضع الختان من المرأة]، بأن يكون هناك إيلاج بتغييب هذه الحشفة، فلا بد من إيلاج، فإذا لم يكن هناك إيلاج فلا حد، ولا بد أن يكون هذا الإيلاج بالحشفة، أو بقدرها لمن لا حشفة له. قال: في فرجٍ أو دبرٍ لآدمي حي لا ميت. فلو وطئ ميتةً لم يحد؛ لأنها لا تشتهى في العادة، وتنفر الطباع منها، إذاً: لا بد من الإيلاج، فلو باشر المرأة بين فخذيها أو نحو ذلك فإنه لا يحد، وإنما يعزر، وأما الحد فإنه لا بد فيه من إيلاج، يعني: بأن يولج في المرأة كالرشا في البئر، وكالمرود في المكحلة.

من شروط وجوب حد الزنا انتفاء الشبهة

من شروط وجوب حد الزنا انتفاء الشبهة قال: [الثاني: انتفاء الشبهة]، وقد جاء في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادرءوا القتل والقطع عن المسلم ما استطعتم)، والحديث ضعيف، لكنه صح عن ابن مسعود رضي الله عنه عند البيهقي ولا يعلم له مخالف، بل قد أجمع أهل العلم كما قال ابن المنذر رحمه الله على ذلك: إن الحدود تدرأ بالشبهات. وعلى ذلك فلو وطئ أمةً له فيها شرك، يعني: مشتركة بينه وبين صاحبٍ له، فهذه لا توطأ في الأصل، فلو وطئها فهذه شبهة، فيعزر ولا يحد، ولو وطئ الأب أمة ولده كذلك، ولو نكح نكاحاً مختلفاً فيه إن كان يعتقد فساده، كالذي ينكح امرأةً بلا ولي، يعني: يكتفي بالرضا وبقية الشروط لكن لا يكون هناك ولي، فهذا نكاح فاسد عند الجمهور، فإذا فعله من يعتقد فساده، وأنه لا يجوز للرجل أن ينكح المرأة إلا بولي، ومع ذلك نكح، فإنا لا نقيم عليه الحد؛ للشبهة، أو نكح امرأة معتدة، وهو يعتقد الصحة ويظن أنها غير معتدة، أو يجهل ذلك، أو يخفى عليه، فهذه شبهة.

من شروط وجوب حد الزنا ثبوته

من شروط وجوب حد الزنا ثبوته الثالث: [ثبوته؛ إما بإقرار أربع مرات] إذاً: الشرط الأول أن يولج الحشفة أو قدرها عند عدم الحشفة، الثاني: انتفاء الشبهة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، الثالث: ثبوت الزنا. وبماذا يثبت الزنا؟ قال: إما بإقرار أربع مرات، ففي حديث أبي هريرة في الصحيحين: (فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: اذهبوا به فارجموه)، فلا بد إذاً أن يقر على نفسه أربع مرات في مجلس أو في مجالس، فيقر على نفسه بالزنا الصريح أربع مرات ولا تكفي مرة، ولا مرتان، ولا ثلاث، ولا أربع، فلا بد أن يقر على نفسه أربعاً. فثبوته إما بإقرارٍ أربع مرات ويستمر على إقراره، فإن رجع عن إقراره تُرك، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام عندما فر ماعزاً لما مسته الحجارة فلحقوه وقتلوه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (هلا تركتموه؛ لعله أن يتوب فيتوب الله عليه). إذاً: إذا رجع فإنه يترك، هذا في الإقرار، وأما في البينة فلا يقبل رجوعه. قال: [أو شهادة أربعة رجالٍ عدول]، قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:4]، فلا بد أن يأتي بأربعة شهداء ليس فيهم زوج؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:4]، ولم يعد الزوج شاهداً، ولأنه متهم في حق امرأته، كما تقدم هذا في باب اللعان، وليس فيهم أعمى؛ لوجود مانع. إذاً: أربعة شهود عدول ليس فيهم زوج وليس فيهم أعمى، وهؤلاء الشهود العدول يثبتون الزنا في مجلسٍ واحد لا في مجالس، ويصفونه، يقولون: رأيناه كذا وكذا بالجماع الصريح، مثل أن يقولوا: رأينا المرود في المكحلة، والرشا في البئر، فيصفونه وصفاً تاماً واضحاً.

إذا كان أحد الشهود غير عدل

إذا كان أحد الشهود غير عدل قال: [أو شهادة أربعة رجالٍ عدول، فإذا كان أحدهم غير عدلٍ حد للقذف]، أي: لو أن هؤلاء الأربعة كان أحدهم ليس عدلاً فإن هؤلاء الثلاثة يجلدون حد القذف، ولذا جلد عمر رضي الله عنه الثلاثة كما عند البيهقي، فلم يثبت الرابع الزنا الصريح، فحد رضي الله عنه الثلاثة جميعاً. إذاً: فهؤلاء الشهود الأربعة إذا كان أحدهم ليس عدلاً فإن هؤلاء الثلاثة يجلدون حد القذف، وقلنا: إنه لا بد أن تكون شهادتهم في مجلسٍ واحد، يعني: في مجلس القاضي الواحد، فإذا كان له مجلس في الضحى فأتى ثلاثة وشهدوا في أوله، وأتى الرابع وشهد في آخره قبل، لكن لو أتى الرابع في مجلسٍ ثانٍ وشهد، لم يقبل ذلك، ولذا فإن عمر رضي الله عنه جلد الثلاثة ولم ينتظر حتى يأتوا بشاهدٍ رابع في مجلسٍ آخر، وهذا كله من باب حفظ عرض المسلم، وألا يقدم أحد على الكلام في مثل هذه المسائل إلا ببينة واضحة. إذاً: لا بد أن يكون ذلك في مجلسٍ واحدٍ، وأن يصفوه الوصف الصريح في الجماع.

إذا شهد أربعة بزناه بفلانة وشهد أربعة آخرون بزنا الشهود السابقين

إذا شهد أربعة بزناه بفلانة وشهد أربعة آخرون بزنا الشهود السابقين قال: [وإن شهد أربعة بزناه بفلانة] أي: شهد أربعة أن فلاناً قد زنا بفلانة، فشهد أربعة آخرون أن الشهود هم الزناة، أي: أتى أربعة وهم عدول فقالوا: إن هؤلاء الأربعة هم الزناة، صُدِّقوا، وحُدَّ الأولون فقط والمرأة لا تحد؛ لأن الأربعة الذين شهدوا عليها ثبت أنهم غير عدول، وهؤلاء قالوا: هم الزناة، ولم يقولوا: إنهم قد زنوا بفلانة، ولا يحد المشهود عليه لقدح الآخرين في شهادتهم، وحد الأولون فقط للقذف والزنا، فقد قذفوا هذه المرأة، ولأنهم زنوا.

حكم من حملت وليس لها زوج ولا سيد

حكم من حملت وليس لها زوج ولا سيد قال: [وإن حملت من لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها شيء]، أي: إن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها شيء؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وقد جاء عند البيهقي: أن امرأة -والأثر صحيح- حملت فأتي بها إلى عمر، فقالت: إنها يثقل رأسها في النوم، وإنها حملت من ذلك، فلم يقم عليها الحد، فهذا واقع لا سيما في القديم مع كثرة العمل وتعب النساء، فترمي بنفسها وتنام وتكون ثقيلة الرأس، فلا تشعر فقد يطأها وهي لا تشعر، وتحمل من هذا الزنا، والحدود تدرأ بالشبهات، لكن إذا أتوا بها حامل ولم تدعي شبهة فعن الإمام أحمد: أنها إذا لم تدعي شبهة فإن الحد يقام عليها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، ويدل على ذلك أن عمر رضي الله عنه قال: إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، والشبهة البعيدة جداً لا ينظر إليها، وإنما ينظر إلى الشبهة التي يجوز وقوعها، فالمرأة إذا وجدت حاملاً وأتي بها حاملاً ولم تدعي شبهةً، فالذي يظهر في هذا أنها يقام عليها الحد، والله أعلم.

حد القذف

حد القذف قال: [باب حد القذف]. القذف: هو الرمي بالزنا أو اللواط، قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23]، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منهن عليه الصلاة والسلام: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

حد القذف للحر والرقيق

حد القذف للحر والرقيق قال: [ومن قذف غيره بالزنا حد للقذف ثمانين إن كان حراً للآية، وأربعين إن كان رقيقاً؛ لأثر عبد الله بن عامر أنه أدرك عمر رضي الله عنه ومن بعده على ذلك، وأنهم كانوا لا يجلدون المملوك في القذف إلا أربعين. رواه ابن أبي شيبة وغيره]. وعلى ذلك فالمملوك يجلد أربعين، والحر إذا قذف يجلد ثمانين.

شروط القاذف

شروط القاذف وإنما يجب بشروط تسعة، فلا حد حتى تجتمع هذه الشروط التسعة، يعني: لا نقيم الحد على من قذف؛ حتى تثبت أو تجتمع هذه الشروط التسعة، أربعة منها في القاذف، وهو أن يكون -أي: القاذف- بالغاً عاقلاً؛ لأن المجنون والصبي لا حد عليهما كما تقدم، والحديث فيه: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي والمجنون). إذاً: لا بد أن يكون هذا الذي رمى بالزنا غيره لا بد أن يكون عاقلاً، وأن يكون بالغاً. قال: [مختاراً لا مكرهاً]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فإذا أكره بحبسٍ أو جلدٍ أو سيفٍ أو نحو ذلك على أن يرمي فلاناً بالزنا أكره الإكراه المعتبر شرعاً فإنه لا يقام عليه الحد. قال: [ليس بوالدٍ للمقذوف وإن علا كالقود]، أي: لو قذف الوالد ولده، أو قذفت الأم ولدها، فلا حد، إذاً: هذه شروط أربعة لا بد من توفرها في القاذف: أن يكون القاذف بالغاً، وأن يكون عاقلاً، وأن يكون مختاراً، وألا يكون والداً، أي: القاذف.

شروط المقذوف

شروط المقذوف قال: [وخمسة في المقذوف] أي: خمسة لا بد أن تتوفر في المقذوف، فإذا وجدنا أن القاذف مكلف، ووجدناه مختاراً، وليس بوالد فننظر إلى المقذوف، وفيه خمسة شروط يجب توفرها، وهي: هذه الخمسة؟ قال: وهي كونه حراً؛ لأن الله قال: {الْمُحْصَنَاتِ} [النور:4]، والمحصنات هن الحرائر العفيفات، فلا بد أن يكون المقذوف حراً، وأما العبد ففيه التعزير، فلو أن رجلاً قذف عبداً فإنه لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر؛ لأن العار الذي يلحق العبد ليس كالعار الذي يلحق الحر؛ فإن هذا عبدٌ يباع ويشترى، وليست حاله كحال هذا الحر. قال: [وهو كونه حراً]، ولذا في الآية كما تقدم: {الْمُحْصَنَاتِ} [النور:4]، والعبد كالأمة، فالأمة لا حد في قذفها وإنما فيه التعزير، والعقوبة والتعزير من قبل القاضي بما يراه. [مسلماً]، فلو أنه قذف كافراً ذمياً فلا يحد، وإنما يعزر، ولذا قال الله جل وعلا: {الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور:23]، وعلى ذلك فمن قذف من ليس بمؤمن كالكافر الذمي فإنه لا يحد، وإنما يعزر. قال: [عاقلاً]؛ لأن المجنون لا يلحقه عار، فلا عقل له حتى يلحقه العار، ولذا فإن الناس لا يعيبون المجنون بالزنا؛ لأنه لا عقل له. فلو قذف مجنوناً أو مجنونة فقال مثلاً: مجنونة آل فلان يزنى بها، فإنه لا يحد بذلك. [عفيفاً]، أما إذا كان ظاهر الفجور فإنه لا حد في ذلك، فإذا كان الرجل معروفاً بالفجور، أو كانت المرأة من النساء الفاجرات المشهورات بذلك المعروفات بالفجور عند الناس؛ فإن في ذلك التعزير؛ لأن في هذا شبهة، فالمرأة عندما تشتهر بالزنا، أو الرجل عندما يعرف بالزنا، فالرجل عندما يرميه بالزنا إنما يرميه بناءً على أن الناس يقولون ذلك، وأن هذا الأمر مشتهر، وأن هذا الأمر معروف، وأن هذا ظاهر في حاله، وما يكون عليه من خلقٍ، فهذا لا يحد، ولذا قال الله جل وعلا: {يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور:23]، وفي الحديث كذلك: (المحصنات الغافلات المؤمنات)، فهذا قذف غافلة، وأما هذه التي تعرف بالفجور، ويظهر عليها الفجور، فإنه لا حد في قذفها، وإنما فيه التعزير، فلها أن تطالب وإن كانت معروفة بالفجور، وهذا الرجل الذي يعرف بالفجور له أن يطالب بالتعزير. قال: [عفيفاً عن الزنا، يطأ ويوطأ مثله] أي: إذا كان مثله يطأ، أو كان مثلها يوطأ، وهو ابن عشر في المذهب الذي تم له عشر من الرجال، والتي تم لها تسع سنين للنساء، وتقدم أن الراجح أن هذا لا حد له من جهة الزمن، وإنما ينظر في ذلك إلى خلقته وبدنه ونحو ذلك، وعلى ذلك فنقول: لا بد أن يكون مثله يطأ، فلو أن رجلاً أتى إلى طفل وقال: فلان زانٍ، وهو طفل لا يطأ مثله، فلا يحد؛ لأن كذبه معلوم، لكنه يعزر. كذلك إذا كانت المرأة ممن لا يوطأ مثلها لأنها صغيرة فكذلك لا حد في ذلك؛ لأن كذبه معروف، فلا يلحق هذه البنت العار، لكنه يعزر.

حكم من قذف غير البالغ

حكم من قذف غير البالغ قال: [لكن لا يحد قاذف غير البالغ حتى يبلغ ويطالب بحقه]. أي: فمن قذف غير بالغٍ، يعني: قذف صبياً، وهذا الصبي يطأ مثله، كأن يكون مثلاً ابن إحدى عشرة سنة، أو ابن اثنتي عشرة سنة، أو ابن ثلاث عشرة سنة ولم يبلغ بعد، فقذفه رجل بالزنا، يقول: لا يحد هذا القاذف حتى يبلغ هذا المقذوف، ويطالب به بعد بلوغه. إذاً: من قذف صبياً يطأ مثله ففي ذلك الحد، ولذا قال المؤلف هنا: عاقلاً، ولم يقل بالغاً، فلا يشترط البلوغ في المقذوف، وإنما يشترط في القاذف، فالمقذوف وإن كان غير بالغٍ يحد قاذفه ما دام أن مثله يطأ، لكن يقام الحد إذا بلغ، وطالب بحقه؛ وذلك لأن المذهب -وهو قول الجمهور-: أن القذف حق للمقذوف، فلا يقام ولا يستوفى إلا بطلبه، ولذا فإن له العفو، قالوا: ولأن هذا -أي: القذف- جناية على العرض، فكان كالجناية على البدن. فإن قيل: فلماذا لم يقتص منه برميه بالزنا؟ نقول: هذا إثم، فلا يقتص بمثله، ولذا وضع الشارع له حداً وهو ثمانون جلدة. وقال الأحناف وهو رواية عن أحمد: بل هو حق لله، فإذا قلنا: إنه حقٌ لله، فلا يسقط بالعفو، ويستوفى من دون مطالبة إذا بلغ الحاكم، لكن ما ذهب إليه أهل القول الأول هو الأقرب. وعلى ذلك فنقول: هو حق لهذا الآدمي المقذوف، فلا يقام إلا بمطالبته، ولا يستوفى إلا بمطالبته، وهذا صبي إلى الآن فيحق له أن يطالب إذا بلغ، فإذا بلغ اعتبر قوله، وسألناه إن فلاناً قد قذفك وأنت صبي، ومثلك يطأ، والعار يلحقك، فهل تطالب؟ فإذا قال: لا ما أطالب، وأنا قد عفوت عنه، سقط الحد.

حكم من قذف غير المحصن

حكم من قذف غير المحصن قال: [ومن قذف غير محصنٍ عزر]، الذي يقذف المجنون يعزر، الذي يقذف الأمة كذلك، الكلام فيما تكلم في الحد، وأما التعزير وهي العقوبة التي تكون من القاضي فإنها تثبت كما تقدم شرحه.

كيفية ثبوت حد القذف

كيفية ثبوت حد القذف قال: [ويثبت الحد هنا، وفي الشرب والتعزير بأحد أمرين: إما بإقراره مرة، أو شهادة عدلين] يعني: يثبت إما بأن يقر على نفسه ولو مرة، يقر على نفسه أنه قذف فلاناً، فأدعى عليه فلان أنه قذف فأقر، أو أن يشهد اثنان بأن فلاناً قذف فلاناً، فهذه بينة، ويكفي هنا شهادة اثنين عدلين، ويأتي شرح هذا في الشهادات إن شاء الله.

الأمور التي يسقط بها حد القذف

الأمور التي يسقط بها حد القذف قال: [فصل: ويسقط حد القذف بأربعة: بعفو المقذوف]، وقد تقدم؛ لأنه حقه، [أو بتصديقه] يعني: يقر على نفسه بالزنا، فيقال له: إن فلاناً قد رماك بالزنا، فيقول: صدق، فهذا أقر على نفسه بالزنا. قال: [أو بإقامة البينة] فنقول مثلاً: يا فلان! إنك قد قذفته بالزنا فنريد أن نقيم عليك الحد، فيقول: لا، أنا عندي أربعة شهود، فأتى بأربعة شهود، فهنا يسقط عنه. قال: [أو باللعان]، وهذا بين الزوجين كما تقدم شرحه. إذاً: هذه الأمور يسقط فيها حد القذف، وهي أولاً: أن يعفو المقذوف، وثانياً: أن يصدق القاذف المقذوف، والثالث: أن يأتي المقذوف ببينة وهي أربعة شهود، والرابع: اللعان.

أقسام القذف

أقسام القذف قال: [والقذف حرام وواجب ومباح]، فيحرم فيما تقدم؛ لأنه من الكبائر، ويجب على من يرى زوجته تزني ثم تلد ولداً يغلب على ظنه أنه من الزاني؛ لشبهه به، فهذا يجب عليه أن يقذفها؛ ليلاعنها وينفي هذا الولد؛ لئلا يدخل هذا الولد على غير أهله، فيرث، ولا تحتجب عنه النساء وغير ذلك من الأحكام. قال: [ويباح إذا رآها تزني، أي: يباح القذف]، إذا رآها تزني ولم تلد لا يلزمه نفيه، وفراقها أولى، فيفارقها أولى من قذفها؛ لأن هذا أستر لها ولأهلها ولأولاده إن كان لها أولاد منه. إذاً: إذا كان رآها تزني لكنها لم تأت بولد يشبه الزاني ويغلب على ظنه أنه منه، فنقول: يباح لك أن تقذفها، لكن الستر أولى، فالله ستير يحب الستر جل وعلا.

ذكر ألفاظ القذف الصريحة والألفاظ المكنية

ذكر ألفاظ القذف الصريحة والألفاظ المكنية ثم قال: [فصل: ذكر صريح القذف وذكر كنايته]، الصريح: كل لفظ يدل على الزنا أو اللواط صراحةً لا يحتمل غيره، يعني: لا يمكنه أن يقول: أنا أريد كذا، فهو لا يحتمل غير الزنا الصريح، هذا هو صريحه، وهنا لو ادعى أنه يريد شيئاً آخر لم يقبل منه، فلو قال: يا فلان! أنت زانٍ، ثم بعد ذلك لما أتي به إلى القاضي قال: أريد أنه ينظر إلى النساء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والعينان تزنيان وزناهما النظر)، فنقول: لا. هذا وجه بعيد لا يحتمل، فهذه ألفاظ صريحة، والألفاظ الصريحة يؤخذ بها مطلقاً، ثم ذكرها رحمه الله. قال: [وكنايته]، الكناية هي التي تحتمل الزنا وتحتمل غير الزنا، فإذا ادعى القاذف أنه يريد غير الزنا، فقال: أنا ما أريد الزنا وإنما أريد كذا، مثل أن يقول: يا خبيث مثلاً أو غير ذلك من الألفاظ، وقال: أنا أريد بالخبيث هنا خبيث الطباع، أو رماه بالتخنث، وقال: أنا أريد هنا التكسر والتشبه بالنساء ولا أريد الزنا، فيقبل هذا الكلام منه بيمينه. إذاً: اللفظ الصريح لا يقبل منه التخلص منه، ويقام عليه الحد، وغير الصريح الذي يحتمل إن ادعى هذا الاحتمال قُبل ذلك منه، ولكن لا بد من يمينه، وظاهر ذلك: أنه يقبل منه ولو كانت هناك قرائن تدل على أنه يريد زنا الصريح، واختار ابن القيم وهو قول ابن عقيل وهو مذهب المالكية: أنه إذا كانت القرائن تدل على أنه يريد الزنا الصريح، وأتى بلفظٍ محتمل فإنا نحمل كلامه على الزنا الصريح؛ لوجود قرائن، فهذه القرائن تبعد ذلك الاحتمال، وهذا هو القول الراجح؛ لئلا يتذرع الناس إلى قذف غيرهم بالزنا بألفاظ محتملة.

إذا أراد بألفاظ الكناية حقيقة الزنا

إذا أراد بألفاظ الكناية حقيقة الزنا قال: [فإن أراد بهذه الألفاظ حقيقة الزنا حُدّ، وإلا عُزِّر]، يعني: إذا قال: ما أريد الزنا الصريح، وكان اللفظ محتملاً قبل ذلك منه كما تقدم بيمينه، لكنه يعزر.

حكم من قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنا منهم عادة

حكم من قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنا منهم عادة قال: [ومن قذف أهل بلدة، أو جماعة لا يتصور الزنا منهم عادة عزر]، لو قال: أهل البلدة الفلانية زناة، أو دولة أو مدينة كبيرة، أو قبيلة كبيرة، فهذا لا يتصور، ويعلم كذبه عادة، فهذا يعزر فقط ولا يقام عليه الحد، فيعزره القاضي ولا يقام عليه الحد؛ لأن العار لا يلحقهم بمثل هذا القول؛ لأن كذب هذا معلوم.

حكم من قذف جماعة يتصور الزنا منهم عادة

حكم من قذف جماعة يتصور الزنا منهم عادة قال: [وإن كان يتصور الزنا منهم عادة مثل عشيرة معينة آل فلان رماهم بالزنا يتصور ذلك منهم؛ لأنهم محدودون، وقذف كل واحدٍ بكلمة، فلكل واحدٍ حد]، فهم مثلاً خمسون، وقال: فلان زانٍ، وفلان زانٍ، وفلان زانٍ، واحداً واحداً، فيقام عليه الحد، ولو خمسين حداً؛ وذلك لأن لكل واحدٍ منهم قذف، وأما إذا قذفهم بكلمة واحدة فحد واحد، ولذا قال: وإن كان إجمالاً فحد واحد، وهذا هو ظاهر الآية؛ فإن الله قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور:23] فقال: (المحصنات) وهذا جمع، فدل على أن من رمى جماعة بلفظٍ واحد فحدٌ واحد إن كان يتصور وقوع ذلك منه، وأما إذا فصل فقال: فلان، وفلان، وفلان، فلكل واحدٍ منهم حدٌ. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الحدود [3]

دليل الطالب_كتاب الحدود [3] الخمر مفسد للعقل مضر بالبدن، فمنافعه قليلة وأضراره كثيرة، وقد حذر الشرع منه وبين عقوبة فاعله في الدنيا والآخرة.

حد السكر

حد السكر

الدليل على تحريم المسكر وأقوال العلماء في ذلك

الدليل على تحريم المسكر وأقوال العلماء في ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: حد المسكر]. السكر: لذة ونشوة يذهب معها العقل، فلا يدري صاحبها ما يقول، قال تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]، وقد أجمع أهل العلم على تحريم الخمر، وإنما وقع الخلاف في ما لم يسكر قليله من غير العنب، وأما ما أسكر قليله فلا خلاف بين أهل العلم في تحريمه كله، سواء كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير، أو العسل، وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير). وأما إذا كان قليله لا يسكر لكن كثيره يسكر فأجمعوا كذلك على تحريمه إذا كان من العنب، فما كان من العنب فإنه حرام وإن كان قليله لا يسكر ما دام أن كثيره مسكراً، وأما إذا كان من غير العنب فقال أهل الكوفة: إنه جائز، وهذا خلاف ما ذهب إليه عامة أهل العلم، فعامة أهل العلم على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وقد جاء هذا صريحاً كما عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، وفي أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام). وأما أهل الكوفة فأجازوه من غير العنب إن كان قليله لا يسكر، ولا يشرب كثيراً يسكره. إذاً: فهم يقولون: أولاً: ألا يكون من العنب، ثانياً: أن يكون قليله لا يسكر، فإذا قدر مثلاً أن شراب الشعير يسكر منه قدر لترٍ فشرب منه ربع لترٍ، وكان ربع اللتر هذا كما تقدم في هذا الحد لا يسكر فلا حرج عليه في ذلك، هذا هو قولهم، فلا يقولون بشرب النبيذ مطلقاً كما يفهم بعض الناس ويغلط، بل يرون أنه له أن يشرب هذا القليل الذي لا يسكر، ولو زاد فشرب زيادةً سكر، لكنه لم يشرب إلا هذا القدر الذي لا يسكر، ومع ذلك فقد ذهب عامة أهل العلم إلى القول بتحريم ذلك، بل قالوا: بأن شارب هذا القليل يحد، ولم يقولوا ذلك في النكاح بلا ولي؛ لأن الأحاديث فيه أظهر. والجمهور يقولون: إن من نكح بلا ولي فإنه لا يقام عليه الحد، وأما من شرب النبيذ من غير العنب الذي يسكر كثيره وقد شرب منه قليلاً فقالوا: إنه يحد؛ قالوا: لأن هذا ذريعة إلى شرب الكثير، ولأن الأحاديث فيه أصرح. قال الإمام أحمد رحمه الله في الأحاديث في تحريم ذلك: تثبت من عشرين وجهاً، وقال رحمه الله: لا يصح في الرخصة في المسكر حديث. وقال ابن المنذر رحمه الله: وقد استدل أهل الكوفة بأحاديث معلولة ذكرناها وذكرنا عللها. إذاً: لا يصح في هذا الباب حديث.

حد من شرب مسكرا

حد من شرب مسكراً قال: [من شرب مسكراً مائعاً أو استعط به]؛ لأن المقصود من ذلك: أن يدخل بدنه سواء كان هذا بشربٍ أو استعاط، والاستعاط من الأنف، [أو احتقن به] كحقنة في الدبر، [أو أكل عجيناً ملتوتاً به]، أي: أكل عجيناً عجن بالخمر، ولو لم يسكر لما تقدم، ما دام أن كثيره مسكر فإن ذلك لا يجوز. وأما لو استُهلك كالذي يخلط في ماء فيستهلك ويبقى الاسم للماء كبعض المشروبات التي يكتب على عبواتها أن فيها نسبة من الكحول، لكن هذه لو تشرب منها الكثير فإنه لا يسكر، فهذا قد استهلك وذهب، ولا يخلو كثير من الأشربة من وجود نسبة معينة من كحول، لكن هذه النسبة مستهلكة، ولذا لا حرج في شرب ما يصنع من الشعير الذي لا يسكر، ويأتي ما ثبت من شربه عليه الصلاة والسلام لذلك إذا لم يتجاوز ثلاثة أيام، يأتي ذلك إن شاء الله. قال: [ولو لم يسكر حد ثمانين إن كان حراً]، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحشيشة بذلك، وهذا ظاهر، ولذا قال عمر رضي الله عنه: (والخمرة ما خامر العقل)، فما أذهب العقل فهو خمر، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، رواه مسلم في صحيحه. قال: [حد ثمانين إن كان حراً]، وأما العبد فإنه يحد أربعين، كما تقدم في حد الزنا -يعني: قياساً على حد الزنا- والدليل على أنه يحد ثمانين ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: (أتي النبي عليه الصلاة والسلام برجل شرب الخمر فأمر بضربه بجريدتين نحواً من أربعين، وفعله أبو بكر، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به) إذاً: فهي سنة عمرية. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (جلد النبي عليه الصلاة والسلام أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي) يعني: الجلد بالثمانين، فهذه زيادة على ما كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ما كان في عهد أبي بكر، وهذه الزيادة دعا إليها استشراء الخمر وكثرة شربها، فلما رأى عمر ذلك رأى أن يحد بثمانين، وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة، ولذا قال علي كما تقدم (وكل سنة، وهذا أحب إلي). وقال بعض أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد: بل يحد أربعين؛ لأن هذا هو الذي كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر، والذي يترجح ما كان في عهد عمر رضي الله عنه، لكنا نقول: إن الأربعين حدٌ والأربعين الأخرى تعزير، وعلى ذلك فـ عمر رضي الله عنه ضربه ثمانين: أربعين منها حد، وأربعين منها تعزير.

حكم قتل من تكرر منه شرب الخمر

حكم قتل من تكرر منه شرب الخمر هل يصل الحد بشارب الخمر إلى القتل؟ ذهب إلى ذلك أهل الظاهر إن شربه في الرابعة وقد حد قبل ذلك ثلاثاً، وقد جاء عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه) إذاً: أقيم عليه الحد ثلاثاً. ثم قال رسول الله: (ثم إذا شرب في الرابعة فاضربوا عنقه)، والحديث رواه الخمسة وإسناده صحيح، وقد أخذ به أهل الظاهر، وأما الجمهور فلم يأخذوا به، وقالوا: جاء في الصحيحين أن رجلاً لعنه أحد الصحابة وقال لما أتي به ليجلد: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، وكان ذلك في شرب الخمر، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلعنوه؛ فقد علمت أنه يحب الله ورسوله)، ولم يقتل. وفي أبي داود عن قبيصة -وهو من صغار الصحابة- قال: (ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، قال: ورفع السيف فكانت رخصة). فالجمهور قالوا: هذا منسوخ، وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية وطائفة من أهل العلم وقالوا: بل هو من باب التعزير، فإن رأى الإمام ذلك عزر به. أي: أن الأصل هو الحد ولو أتى عشر مرات، لكن إن رأى الإمام التعزير بالقتل فإنه يعزر به.

شرط إقامة الحد على شارب الخمر

شرط إقامة الحد على شارب الخمر قال: [وأربعين إن كان رقيقاً، بشرط كونه مسلماً مكلفاً مختاراً]؛ لأن الحدود إنما تقام كما تقدم على المكلف، فلا بد أن يكون بالغاً عاقلاً. قوله: [مسلماً]؛ لأن الخمر ليست بحرامٍ عند الكفار، بخلاف الزنا فإنه عند أهل الذمة حرام، ولذا فإنه لا يقام عليهم الحد في شرب الخمر. قال: [بشرط كونه مسلماً مكلفاً مختاراً لشربه]، وأما إذا كان مكرهاً فلا شيء عليه لما تقدم. قال: [عالماً أن كثيره مسكر]، قال عمر رضي الله عنه كما في مصنف عبد الرزاق: (لا حد إلا على من علمه)، فما دام أنه لا يعلم أن كثيره يسكر فلا شيء عليه. قال: [ومن تشبه بشرّاب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر]، مثل أن يجمع أصحابه ويقول لهم: اجلسوا على هذه الصفة: وأتى بكئوس يشرب بها الخمر عادة، وأتى بما يصب به الخمر عادة، ووضع فيه عصيراً أو نحو ذلك، وأخذ يدور عليهم بهذا كصفة شرب الخمر تماماً، فهذا قد تشبه بهم، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم، وسداً لهذا الباب فإنه يعزر، فيحرم هذا الفعل ويعزر.

يحرم شرب العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ

يحرم شرب العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ قال: [ويحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ]، فقد ثبت في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينبذ له الزبيب فيشربه عليه الصلاة والسلام اليوم والغد وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة أمر أن يهراق أو يسقى الخدم يبادر به الفساد)، أي: يسقى الخدم ليبادر قبل فساده، يعني: يشربونه فوراً قبل أن تتم هذه الأيام الثلاثة بلياليها، وهذا الحديث الذي رواه مسلم يدل على أن هذا العصير الذي ينبذ يكون من تمرٍ؛ لأن هذا الذي كان ينبذ للنبي عليه الصلاة والسلام من الزبيب ومثله التمر، ونحو ذلك مما يتخمر إذا ترك، يعني: يشتد ويكون فيه شدة إذا ترك ثلاثة أيام، فتكون فيه رطوبة فيسكر، فيوضع مثلاً عند فراشه ويشربه ثلاثة أيام، وبعد اليوم الثالث لا يُشرب.

حكم شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثه

حكم شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثه قال: [ولم يطبخ]، إذاً: فالطبخ يجيزه، فيطبخ حتى لا يبقى إلا ثلثه، يعني: يذهب ثلثاه، فإذا ذهب ثلثاه في الطبخ فإنه تزول آفته من الرطوبة، وفي ذلك آثار عن الصحابة رضي الله عنهم: عن عمر وأبي موسى وغيرهما، وعلى ذلك إذا مضت عليه ثلاثة أيام ثم طبخ فذهب ثلثه يعني: تبخر ثلثه، وبقي ثلثه؛ فإنه جائز.

حكم إقامة الحد على من ظهرت منه رائحة الخمر أو تقيأها

حكم إقامة الحد على من ظهرت منه رائحة الخمر أو تقيأها قد تقدم لكم أن حد الخمر يثبت بالبينة وهي شهادة اثنين عدلين، ويثبت كذلك بالاعتراف، وتقدم إيضاح ذلك، وهل يثبت بظهور رائحته، أو بأن يتقيأ الخمر؟ قال الجمهور وفيهم الحنابلة: لا يقام الحد بذلك، قالوا: لأن الحدود تدرأ بالشبهات. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب مالك واختيار ابن القيم: أنه يقام عليه الحد؛ لأنها لم تظهر الرائحة إلا وقد شرب، ولم يتقيأها إلا وقد شربها، ولذا قال عثمان رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: (إنه لم يتقيأها إلا وقد شربها)، وهذا أيضاً قد صح عن عمر رضي الله عنه كما في ابن أبي شيبة. وهذا القول أظهر لا سيما مع القرائن، كأن يكون الرجل معروفاً بالفسق ويحكى عنه شرب الخمر ونحو ذلك، فيقبض عليه وهو يتقيأ، أو وقد ظهرت منه هذه الرائحة.

التعزير

التعزير

تعريف التعزير

تعريف التعزير قال: [باب التعزير]. التعزير: هو في اللغة المنع، وأما في الشرع: فهو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. تقدم لكم في مسائل كثيرة أنه إذا لم يكن هناك حد فالتعزير، والتعزير هو التأديب في كل معصيةٍ لا حد فيها ولا كفارة، فالزنا فيه حد، فلا تعزير فيه إذاً، ولا تعزير في جماع الرجل لامرأته في نهار رمضان؛ لأن في ذلك الكفارة. إذاً: لا يكون فيها حد؛ لأنه إذا كان فيها الحد فيجب أن يقام الحد، ولا كفارة فيها، فكل معصية مثل أن يخلو بامرأةٍ ويباشرها دون الفرج، فهذا فيه تعزير، وليس فيه حدٌ ولا كفارة.

التعزير في كل معصية لا حد فيها

التعزير في كل معصية لا حد فيها قال: [يجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة]، هذا هو المذهب، لكن القول بالوجوب يشكل عليه ما ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعزر كثيراً من العصاة، منهم الذي أتاه وذكر له أنه أصاب من امرأة كل شيءٍ إلا النكاح، وقال له: (أصليت معنا) الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، ولم يعزره عليه الصلاة والسلام، وكذلك في أحاديث كثيرة لكثير من العصاة لم يثبت تعزيرهم، ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية أخرى عنه خلافاً للمشهور: إنه مندوب، يعني: التعزير. والقول الثالث وهو أصحها وهو قول بعض الحنابلة ومذهب الشافعية: أن التعزير يرجع إلى الإمام بحسب المصلحة، فإذا رأى أن هذه المعصية قد انتشرت وأنه يجب أن يعزر فيها الناس بعقوبة تردعهم عنها فعل ذلك، وإلا ترك، إذاً: هذا يرجع إلى ما يراه الإمام، وهذا من سياسة الناس بالشرع، وهذا هو الراجح.

التعزير حق من حقوق الله تعالى فلا يشترط فيه مطالبة المجني عليه

التعزير حق من حقوق الله تعالى فلا يشترط فيه مطالبة المجني عليه قال: [وهو من حقوق الله تعالى لا يحتاج في إقامته إلى مطالبة]، التعزير حق لله لا يحتاج إلى مطالبة؛ لأنه كما تقدم في كل معصية، وعلى ذلك فلا يحتاج إلى مطالبة، بل هو حقٌ لله سبحانه وتعالى، فالإمام إذا رأى التعزير عزر، ولا يحتاج هذا إلى مطالبة. قال: [إلا إذا شتم الولد والده، فلا يعزر إلا بمطالبة والده]؛ قالوا: لأن الأب له أن يعزر، وله أن يؤدب ولده، فلو شاء أدبه، فما دام أنه لم يؤدبه فننظر إن طلب التأديب، فقد يكون عاجزاً عن التأديب فيطلب من الحاكم ويذهب إلى القاضي ويقول: أدب ولدي، وهذا ما ذكره في الإقناع، وظاهر المنتهى خلافه، لكن ما ذكر هنا هو الأظهر، وأن الولد لا يؤدب؛ لأن الأمر راجع إلى الوالد إن شاء أدبه، وإن عجز طالب.

لا يعزر الوالد بحقوق ولده

لا يعزر الوالد بحقوق ولده قال: [ولا يعزر الوالد بحقوق ولده]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك).

لا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط

لا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط قال: [ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط]، يقولون: أقصى حد في التعزير هو عشرة أسواط، فلو خلا رجلٌ بامرأة وباشرها لكنه لم يطأها، وقبض عليه أو اعترف، أو كانت هناك بينة وأراد الحاكم أن يعزره فإنه لا يعزره إلا بعشرة أسواط فأقل. واستدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدٍ من حدود الله). وفي المسألة أربعة أقوال لأهل العلم، القول الثاني في المسألة: أن للإمام أن يعزر بما رأى، يعني: ولو بمائتي سوط، وهو مذهب المالكية. القول الثالث وهو مذهب الأحناف والشافعية ورواية عن أحمد: أن له أن يعزر بما دون الحد، وهو ثمانون بالنسبة للحر، وأربعون بالنسبة للعبد، وعلى ذلك فلو خلا بامرأة وبات عندها لكنه لم يطأها، فللحاكم أن يجلده تسعة وتسعين سوطاً، ولا يجلده مائة، وإن كان عبداً فتسعة وأربعين. القول الرابع وهو أصحها وأحسنها كما قال ابن القيم ومال إليه شيخ الإسلام كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف: أنه لا يبلغ به الحد إذا كانت المعصية في جنسها حدٌ، فإن لم يكن في جنسها حد فله أن يعزر بما يرى. وهذا قريب من المذهب الذي قبله لكنه أضبط، يقول: ننظر إلى المعصية: فإن كانت هذه المعصية فيها حد فإنا لا نتعدى هذا الحد، فإن خلا رجل بامرأة ولم يطأها، فإن الشرع قد قضى بأن الزنا فيه مائة جلدة، فإنا لا نعزره بمائة جلدة فيما إذا خلا بها، وإنما نعزره بتسع وتسعين فأقل. وأما إذا كانت المعصية ليس في جنسها حد فله أن يعزر بما يرى، فلو أن رجلاً مثلاً شرب الماء في نهار رمضان أمام الناس وخشي الإمام أن يترتب على ذلك استطالة للخلق في هذا الباب، فرأى أنه يجلد مثلاً خمسمائة سوط، في كل أسبوع مثلاً يجلد مائة، ولا يجلد في اليوم أكثر من مائة فهذا لا يتحمله، لكن تجزأ ففي كل أسبوع يأتون به ويجلد، إذا رأى ذلك فلا بأس به، بل لو رأى أن يعزر بالقتل فله ذلك، ولذا ذهب المالكية وهو اختيار ابن القيم ووجه في مذهب أحمد: أن الداعية إلى البدعة قد يصل التعزير به إلى القتل إذا لم تندفع مفسدته إلا بذلك، فإذا كان يدعو إلى بدعة مغلظة ولم تندفع بدعته إلا بذلك، فمذهب المالكية وهو وجه في مذهب أحمد واختاره ابن قيم الجوزية: أنه يجوز للإمام أن يعزره بالقتل. وقد تقدم الكلام في تعزير شارب الخمر.

حكم الرجل إذا وطئ أمة له فيها شرك

حكم الرجل إذا وطئ أمة له فيها شرك قال: [إلا إذا وطئ أمة له فيها شرك فيعزر بمائة سوطٍ إلا سوطاً]؛ لثبوت أثرٍ في ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه فيما رواه عبد الرزاق في مصنفه، إذاً: استثنوه لهذا الأثر، والآثار في هذا الباب كثيرة، فقد تقدم أن عمر زاد في حد الخمر أربعين، وعند الطحاوي بإسناد حسن أن علياً رضي الله عنه جلد رجلاً شرب الخمر في رمضان أربعين جلدة، وهذا فوق الحد، يعني: جلده الحد وجلده عشرين زيادة على الحد، وليس في الأثر أنه يزيدها في نفس المجلس. فالمقصود أنه جلده عشرين سوطاً، وهذه أكثر من عشرة أسواط.

حكم من شرب مسكرا في نهار رمضان

حكم من شرب مسكراً في نهار رمضان قال: [وإذا شرب مسكراً نهار رمضان فيعزر بعشرين مع الحد]؛ لأثر علي رضي الله عنه عند الطحاوي، ولا بأس بتسويد وجه من يستحق التعزير، وروي ذلك عن عمر، والمناداة عليه بذنبه، فهذه كلها أنواع من التعزير يقدرها الإمام، فأخفه التوبيخ بالكلام وأعلاه القتل، والتوبيخ بالكلام مثل أن يقول له: أنت لا يصلح لك مثل هذا الفعل أنت ابن فلان، أنت من الأسرة الفلانية، أنت من بيت شرف فكيف تفعل هذا؟ فهذا قد يكون أشد عليه من السياط. إذاً: فباب التعزير هذا يرجع إلى القاضي، فيعزر بما يرى، فقد يكون ذلك بكلمة تكون أشد عليه من السياط، وقد يكون بالجلد، وقد يكون بالحبس، وقد يكون بالقتل كما تقدم.

حكم التعزير بحلق اللحية

حكم التعزير بحلق اللحية قال: [ويحرم حلق لحيته]، هذا لا يجوز؛ لأن الشرع لا يأتي بذلك، ولأن هذا مثلة، بل لأنه يخالف الشرع أيضاً، وهذا يفعله بعض أهل البادية.

حكم التعزير بأخذ المال

حكم التعزير بأخذ المال قال: [وأخذ ماله]، فإذا أتى بمعصية لا يؤخذ شيء من ماله تعزيراً، يعني: لا يغرم غرامة مالية تؤخذ من ماله من باب التعزير، هذا هو المذهب وهو قول الجمهور: أن المال لا يؤخذ في التعزير، واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية: أنه يجوز إتلاف المال وأخذه في باب التعزير. قال شيخ الإسلام: وهذا جارٍ على أصول أحمد، ولهذا أدلة كثيرة، فمنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بتحريق متاع الغال وهذا في الصحيح، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرق الثوبين المعصفرين، وهذا في صحيح مسلم، وأمر عليه الصلاة والسلام أن يهراق الخمر، وأن تكسر آنيته، مع أنها يمكن أن تغسل، وهذه مال، والحديث في الترمذي. وقال النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد: (فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا) قال ذلك فيمن منع الزكاة، فأخذ شطر المال هو من باب التعزير؛ لأنه منع الزكاة، وثبت عن عمر كما في ابن أبي شيبة: أنه أحرق بيت شارب خمر. إذاً: هذه كلها آثار تدل على ذلك، وهذا هو الراجح، وهذا جارٍ على أصول أحمد كما قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، ويكون هذا بالعدل لا بالإضرار، ويكون المقصود من ذلك سياسة الناس بالشرع، ولا يكون المقصود من ذلك أخذ مكوس عليهم ويكون ذلك ظلماً لهم، وإنما هذا يكون بناءً على المصلحة.

الألفاظ الموجبة للتعزير

الألفاظ الموجبة للتعزير

حكم قول المسلم لأخيه يا كافر

حكم قول المسلم لأخيه يا كافر قال: [فصل: ومن الألفاظ الموجبة للتعزير قوله لغيره: يا كافر] هذا اللفظ ليس فيه حد القذف، وإنما فيه التعزير كما تقدم، أو يقول: [يا فاسق، يا فاجر، يا شقي، يا كلب، يا حمار، يا تيس، يا رافضي، يا خبيث، يا كذاب، يا خائن، يا قرنان، يا قواد، يا ديوث، يا علق] فهذه الألفاظ فيها التعزير، أما لو قال: يا زانٍ ورماه بالزنا ففيه الحد كما تقدم.

حكم أن يقال للذمي يا حاج

حكم أن يقال للذمي يا حاج قال: [ويعزر من قال لذمي: يا حاج] لأنه شبه قصد الكنائس بقصد بيت الله، وهو لا يريد ذلك، ولو كان يريد ذلك فهذا كفر، لكن هذه الكلمة: يا حاج! إنما تقال للمسلم، وعلى ذلك فيعزر، لكن بعد أن يعلّم ذلك إذا كان يجهل؛ لأن بعض الناس يقول كلمة: يا حاج! لكبير السن، وقد لا يفهم ماذا يراد بقوله يا حاج، ولذا يقولون: يا حاج لمن لم يحج، وهم يعلمون أنه لم يحج، وإنما أصبحت تقال من باب التكريم لكبير السن، وعلى ذلك فيعلم ويبين له أن ذلك لا يجوز قبل أن يعزر.

حكم لعن الذمي بلا موجب

حكم لعن الذمي بلا موجب قال: [أو لعنه بغير موجب]، إذا لعن ذمياً: نصرانياً أو يهودياً وقال: لعنك الله فإن ذلك لا يجوز، ويعزر على ذلك إلا إذا كان هناك موجب، أما إذا لم يكن هناك موجب فإن هذا لا يجوز، ولعن المعين في أصح القولين لا يجوز، والذي يجوز هو اللعن على العموم: لعن الله اليهود، لعن الله النصارى، وأما أن تلعنه بعينه فتقول له: لعنك الله، فهذا لا يجوز، ولذا لما لعن النبي عليه الصلاة والسلام أولئك الثلاثة قال الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:128]. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الحدود [4]

دليل الطالب_كتاب الحدود [4] حفظ المال من المقاصد الشرعية العظمى، وقد شرع لذلك حد السرقة الذي به يعاقب السارق، وينزجر أمثاله، وله شروط وأركان وآداب، وكذلك شرع حد قطاع الطريق، لتأديب من تسول له نفسه إخافة الطريق، وترويع الآمنين، وسلب أموالهم.

حد السرقة

حد السرقة

شروط القطع في السرقة

شروط القطع في السرقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القطع في السرقة]. قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة:38]، وقد أجمع أهل العلم على القطع في السرقة. قال المصنف رحمه الله: [ويجب بثمانية شروط]:

من شروط قطع اليد السرقة

من شروط قطع اليد السرقة [أحدها: السرقة، وهي: أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على منتهب]. هذا هو حد السرقة، وشرطه أن يأخذه خفية، ولذا قال: فلا قطع على منتهب، وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة كما تفعله البادية، فالمال الذي يؤخذ على وجه الغنيمة يسمى انتهاباً، فهذا لا قطع فيه، وإنما فيه التعزير. وقد روى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس)، قوله: [لا قطع على خائن]. أي: للوديعة، فالذي يجحد الوديعة -يعني: الأمانة- لا يقطع. [ولا مختلس]: وهو الذي يأخذه على حين غفلة صاحبه، يعني: يضع مثلاً الجوال على الدرج وهو يشتري بعض أغراض من المحل ويكلم أهله ويسألهم عما يحتاجون إليه مثلاً من أغراض، فيأتي شخص على حين غفلة ويأخذه، فهذا اختلاس؛ لأنه أخذ على حين غفلة، فلا حد فيه، وإنما في ذلك التعزير. قال: [فلا قطع على منتهب، ومختطف]، وهو المختلس الذي يأخذ الشيء على حين غفلة ويهرب به، فهذا لا يقطع، بخلاف من يقطع الجيب ويأخذ منه، وهو ما يسمى بالنشال؛ فإن هذا يأخذه من حرزه خفية، فهذا تقطع يده. قال: [وخائن في وديعة]، للحديث المتقدم، فإذا خان وجحد الوديعة فإن يده لا تقطع. قال: [لكن يقطع جاحد العارية]، فمن استعار شيئاً ثم جحده فإن في ذلك القطع، وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع يدها)، ونحوه عن ابن عمر في أبي داود والنسائي، فهو شاهد له، ونحوه أيضاً عند النسائي من مراسيل سعيد بن المسيب، وهذا من مفردات المذهب، وبه قال إسحاق وهو الصواب، فهذه المرأة التي كانت تستعير المتاع فتجحده هي جاحدة للعارية فوجب قطعها. فإن قيل: ما الفرق بين جاحد الأمانة وبين جاحد العارية؟ ف A أن جاحد العارية محسنٌ إليه بها، فهو في حاجة إلى هذه العارية، ولا يمكن حفظ صاحب هذه العارية إلا بهذا، وأما جاحد الأمانة فإن من وضع عنده الأمانة لا يخلو من تفريط؛ لأن هذا تبين أنه غير أمين، فلا يخلو من وضع عنده الأمانة من تفريطٍ في إعطائه لهذه الأمانة، بخلاف العارية فإن هذا الذي قد أخذها هو المحتاج إليها، وقد أعطاه لهذا الرجل، أو أعطته هذه المرأة هذه العارية إحساناً له، فإذا لم يقطع ترتب على ذلك امتناع الناس عن الإحسان في هذا الباب، فلا يعيرون، وبهذا يتبين الفرق بين جحد العارية وجحد الأمانة، ولذا فرق بينهما الشارع، والشارع لا يفرق بين المتماثلات، ولا يجمع بين المختلفات.

من شروط القطع في السرقة كون السارق مكلفا

من شروط القطع في السرقة كون السارق مكلفاً قال: [الثاني: كون السارق مكلفاً]؛ لما تقدم؛ لأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، فلا يقام عليه الحد. [مختاراً]: لأن المكره قد رفع عنه القلم، وتجاوز الشرع عن مؤاخذته. [عالماً بأن ما سرقه يساوي نصاباً]: فلو سرق شيئاً لا يظن أنه يساوي نصاباً، وظن أنه لا يساوي إلا الشيء اليسير الذي دون النصاب، فتبين أن هذا الكيس الذي أخذه فيه مثلاً مجوهرات، وكان يظن أن فيه طعاماً أو نحوه، فلا قطع؛ لما تقدم من قول عمر رضي الله عنه: لا حد إلا على من علمه، والحدود تدرأ بالشبهات.

من شروط القطع في السرقة كون المسروق مالا

من شروط القطع في السرقة كون المسروق مالاً قال: [الثالث: كون المسروق مالاً]، يعني: مالاً محترماً له قيمة، فإذا كان المال لا قيمة له فليس بمحترمٍ في الشرع، فلا حد فيه، ولذا قال المؤلف هنا: [لكن لا قطع بسرقة الماء]؛ لأن الماء لا يتمول عادة، لكن إذا كان يتمول عادةً كالذي يدخل مستودعاً مثلاً ويأخذ من مياه الصحة هذه التي تباع، فهذا متمول عادة، لكن لو أتى إلى أهل بيت وعندهم ماء للشرب فأخذ منه، فهذا لا يتمول عادةً. قال: [ولا بإناء فيه خمرٍ] أو ماء كذلك، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسر دنانه؛ لأنه وفيه الخمر ليس له قيمة مالية. قال: [ولا بسرقة مصحف]؛ لأن المصحف لا يجوز بيعه في المذهب، فإن قلنا بجواز بيعه قلنا بقطع يد من سرقه، فهذا ينبني على هذا الخلاف، والذي يترجح جواز بيعه. قال: [ولا بما عليه من حلي]؛ لأن هذا تابع، فلو سرق مصحفاً فيه حلي، يعني: جلّد بشيء من حلي، أو وضع في أطراف جلادته شيء من حلي فإنه لا يقطع بذلك؛ لأن هذا تابع، ولأنه لا يجوز بيعه مع تابعه، هذا على المذهب، والحدود تدرأ بالشبهات. قال: [ولا بكتب بدعة وتصاوير]، فلو سرق كتب بدعة من مكتبة، كالذي يسرق كتب السحر أو بعض كتب أهل البدع فلا تقطع يده؛ لأن هذا لا قيمة له، والتصاوير كذلك، لكن لو كان الثوب فيه صورة مثل ملابس الأطفال التي فيها صور، فالذي يظهر أن لها قيمة، وأما إذا كانت صورة فقط غير مأذون فيها شرعاً فلا قطع فيها، لكن لو سرق مثلاً صور للأطفال التي تلعب بها البنات، فهذه لها قيمة، هذا كله إذا بلغت نصاباً، ويأتي شرحه. قال: [ولا بآلة لهو كمزمارٍ ونحوه، ولا بصليب أو صنم]، إذاً: كل مالٍ ليس بمحترم -يعني: لا قيمة له- فلا تقطع به اليد.

أن يبلغ المسروق النصاب

أن يبلغ المسروق النصاب [الرابع: كون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار]، كون المسروق نصاباً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقطع اليد إلا في ربع دينارٍ فصاعداً)، والدينار قدره أربع جرامات وربع الجرام، وعلى ذلك فالربع يكون جراماً وربع الربع، فإذا قلنا: إن الجرام يساوي ثمانين ريالاً مثلاً، فعلى ذلك يقطع بمائة ريال؛ لأن هذا ربع دينار. قال: [أو ثلاثة دراهم]، هذا الأصل الثاني، ولذا جاء في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قطع بمحجن قيمته ثلاثة دراهم). قال: [أو ما يساوي أحدهما]، هذا أصل وهذا أصل، إما أن يساوي ثلاثة دراهم، وإما أن يساوي ربع دينار، وتعتبر القيمة حال الإخراج، يعني: حال إخراجه من حرزه؛ لأن هذا هو وقت وجوب القطع، لوجود سببه، إذاً: المعتبر هو قيمته حال إخراجه، وعلى ذلك فلو أنه عند القطع لا يساوي إلا خمس دينار، لكنه عند إخراجه يساوي ربع دينار، أو يساوي نصف دينار، فهل فيه قطع؟ نعم فيه القطع. إذاً: ننظر إلى ثمنه حال إخراجه.

إخراج المسروق من حرز

إخراج المسروق من حرز قال: [الخامس: إخراجه من حرز]، هذا هو الشرط الخامس إخراجه من حرز، وقد جاء في سنن أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أخذ شيئاً قبل أن يئويه الجرين فليس فيه شيء) يعني: ليس فيه قطع، (ومن أخذه بعد أن يئويه الجرين فبلغ ثمن المحجن ففيه القطع) يعني: أخذ التمر بعد أن يئوي في الجرين، والجرين هو الموضع الذي يكنز، ويجمع فيه التمر، ويكون من بناءٍ أو نحوه، ولا يشترط أن يكون مغلقاً، فهذا هو حرزه في العادة، وهو يكون في المزارع وفي البساتين، فيضعون فيه القمح في المزارع، وبعد أن يحصد يوضع في الجرين، وكذلك التمر يوضع في الجرين؛ فإذا أخذ منه شيئاً بعد أن يئويه الجرين فبلغ قيمة المجن وهو ثلاثة دراهم ففيه القطع، وهذا يدل على اشتراط الحرز، وهو قول جمهور العلماء. قال: [فلو سرق من غير حرزٍ فلا قطع]؛ لفوات شرطه.

تعريف الحرز

تعريف الحرز قال: [وحرز كل مالٍ ما حفظ فيه عادة]، إذاً: نرجع فيه إلى العرف، والحرز: هو مكان الحفظ لهذا الشيء عادة. وهو يختلف، ولذا قال: [فنعل برجل، وعمامة على رأسٍ حرز، ويختلف الحرز بالبلدان صغيرها وكبيرها، والسلاطين عدلاً وجوراً، وقوةً وضعفاً، ويختلف باختلاف الأموال ثمينها وغير ثمينها]. إذاً: ليس هناك كيفية محددة للحرز، فلا نقول: لا بد أن يوضع هذا المال في صندوق، بل هذا يختلف باختلاف المال، وباختلاف البلدان، فالقرى والبوادي ليست كالمدن، والمدن الكبيرة ليست كالمدن الصغيرة، والبلاد التي فيها عدل، وفيها إقامة للشرع، وفيها أخذ على يد السفيه ليست كغيرها وهكذا، فهذا يختلف باختلاف البلدان، فالحرز يقوى ويضعف ويختلف باختلاف البلدان، فالدراهم التي يصرفها الشخص يومياً تكون في جيبه، فهذا هو حرزها عرفاً، فلا يقال للذي وضعها في جيبه فسرقت: إنك قد فرطت، لكن لو وضعها مثلاً في درج السيارة، فقد يكون هذا في بعض البلاد ليس حرزاً، وفي بعضها يكون حرزاً، والأشياء الثمينة لها حرز، الجواهر لها حرز يختلف عن حرز غيرها، والغنم حرزها في الليل هذه الحظيرة التي توضع فيها، وحرزها في النهار بنظر الراعي لها غالباً، فغالب الوقت يرقبها، والخضروات التي تباع في الأسواق، إذا كان في السوق حارس وقد وضع عليها ما يوضع عادة، فيضع بعضهم خيمة من البلاستيك أو غير ذلك، فهذا يعتبر حرزاً، إذاً: ما تحفظ فيه عادة فهو الحرز، هذا يختلف كما تقدم باختلاف البلدان، واختلاف الأموال واختلاف كذلك السلاطين.

حكم ما لو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب

حكم ما لو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب قال: [ولو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب قطعوا جميعاً؛ لوجود سبب القطع منهم]. لو اشترك جماعة: ثلاثة أو أربعة أو خمسة، أشتركوا جميعاً في كسر هذا الحرز، وفي أخذ المال منه، فإنهم يقطعون جميعاً؛ لأن الجميع يصدق عليه أنه سارق، وقد وجد منهم جميعاً سبب القطع.

حكم ما لو هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال

حكم ما لو هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال قال: [وإن هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال فلا قطع عليهما ولو تواطئا]؛ لأن الأول ليس بسارق، وإنما أفسد الحرز، والثاني ليس بآخذ للمال من حرز؛ لأن المال بفعل الأول زال عنه الحرز. مثلاً: جاء اثنان إلى صندوق تجوري أن فيه مال، فأحدهما كسره وفكه وتركه، والآخر جاء وأخذ المال، والحدود تدرأ بالشبهات، فلا تقطع اليد، لكن في ذلك التعزير من جلدٍ أو سجنٍ أو نحو ذلك. ولا شك أن هذه حيلة، لكن كما تقدم: الحدود تدرء بالشبهات، وحق المسروق يرد له، وهذا السارق الذي في الحقيقة هو في حكم السارق مع صاحبه يجلد ويحبس، ولكن هذا القطع لا يقام لما تقدم؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات.

من شروط القطع انتفاء الشبهة

من شروط القطع انتفاء الشبهة قال: [السادس: انتفاء الشبهة، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله]. الشرط السادس: انتفاء الشبهة؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات كما تقدم شرحه، فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، مثلاً: جدة سرقت من مال ولد بنتها، أو ولد ابنها، فلا قطع؛ لأن النفقة واجبة، فلوجوب النفقة على الأصول لم نقطع، لأن هذه شبهة، وإن كان هو بعينه لا ينفق عليها، لكن لوجود الشبهة فلا قطع، وكذلك العكس فلو سرق من مال أبيه مثلاً لا قطع عليه؛ لهذا المعنى. [فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله، ولا بسرقته من مال له فيه شرك قال: وزوجته كذلك]، فلو سرق من مال زوجته فلا قطع؛ لأن كل واحدٍ من الزوجين ينبسط عادة في مال الآخر، فهذه شبهة، ولا نمنع التعزير في المسألة إذا وجد ما يقتضي ذلك، لكن الكلام كله في القطع. وقد جاء في موطأ مالك: أن رجلاً أتى بعبدٍ له قد سرق مرآة زوجته وقال: إنها تساوي ستين درهماً، فقال عمر رضي الله عنه: لا قطع؛ خادمكم سرق متاعكم، فجعل متاع الزوجة متاعاً لزوجها. قال: [ولا بسرقته من مال له فيه شرك]. أي: لو سرق من الشركة التي له فيها شرك -أي: نصيب-] فكذلك لا قطع عليه؛ لوجود الشبهة، وأما التعزير فيعزر. قال: [أو لأحد ممن ذكر]. يعني: لأصوله أو فروعه، كأن يكون لأبيه فيها شرك، أو لجده فيها شرك، أو لولده فيها شرك، فلا قطع؛ لوجود الشبهة كما تقدم، وكذلك من سرق من بيت المال كما هو المذهب فلا قطع؛ لوجود الشبهة، لكنه يعزر، وكذلك الفقير الذي يسرق من وقف يختص بالفقراء، أو بجمعية تختص بالفقراء؛ لوجود الشبهة، وهي أن له في ذلك حقاً، حتى ولو كانوا قد أعطوه حقه كغيره من الفقراء، ولكن الكلام هنا في القطع، فالشبهة موجودة فلا قطع، لكن في ذلك التعزير. قال: [السابع: ثبوتها إما بشهادة عدلين، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، ذكرين حرين]، فيشهد شاهدان أن فلاناً قد سرق، فتقطع يده، [أو بإقرار مرتين]، فيقر على نفسه مرتين، ولذا جاء في سنن أبي داود والنسائي: أن رجلاً أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إني قد سرقت فقال: (لا إخالك سرقت؟ قال: بلى، فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم عليه مرتين أو ثلاثاً -والشك هنا يجعلنا نأخذ بالمرتين وهو اليقين- فقال: بلى. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقطع، فؤتي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر الله وتب إليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم! تب عليه اللهم! تب عليه اللهم! تب عليه). وجاء في مصنف ابن أبي شيبة: أن علياً رضي الله تعالى عنه أتي برجلٍ قد سرق، فقال: إني قد سرقت فرده، ثم قال: إني قد سرقت، فقال: إنك قد شهدت على نفسك مرتين، فأمر به رضي الله تعالى عنه فقطع. قال: [أو بإقرارٍ مرتين]، ولا يرجع حتى يقطع، ولو رجع فإنه لا يقطع كما تقدم في الزنا: (ألا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه)؛ لأن هذا جاء باعترافه، فإذا كان باعتراف فإنه لا يقطع إن رجع.

من شروط القطع مطالبة صاحب المال بماله

من شروط القطع مطالبة صاحب المال بماله [الثامن: مطالبة المسروق منه بماله]، فقالوا: لا يقطع حتى يطالب المسروق بماله، هذا هو المذهب، وهو قول الجماهير، وقال المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: بل يقطع؛ لأن هذا حق الله، والله يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، ولم يقيد ذلك بمطالبة المسروق منه بماله، والأحاديث التي تقدمت أيضاً ليس فيها ذلك في قصة الرجل الذي اعترف، وهذا هو الراجح. وأما حديث صفوان الذي رواه الخمسة إلا الترمذي: (أنه جاء برجل قد سرق رداءه وقد توسد عليه في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أن يقطع)، وفيه: أن صفوان قال: (إني أهديه إليه ولم أرد ذلك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا كان هذا قبل أن تأتيني به) فإن هذه قضية عين، ولذا فإن الراجح ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام في هذا؛ لأن هذا حق لله جل وعلا وليس كحد القذف الذي هو حد للآدمي، ولذا فالسارق يرد المال الذي هو حق الآدمي، ويبقى حق الله جل وعلا في القطع.

حكم القطع في زمن المجاعة

حكم القطع في زمن المجاعة قال: [ولا قطع عام مجاعة غلاءٍ]، صح ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لا قطع في عام سنة)، رواه عبد الرزاق، ولوجود حاجته، وكذلك وجوب دفع الضرورة عنه من صاحب المال، فهذه شبهة؛ لأنه في حاجة شديدة في المجاعة، وهذا غني قادر، والواجب عليه أن يدفع مجاعته بما يستطيع، فإذا أخذ منه فلا قطع؛ لأن هذه شبهة.

موضع القطع

موضع القطع قال: [فمتى توفرت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه اتفاقاً]، تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف باتفاق أهل العلم، وقرأ ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما).

حكم غمس مكان القطع بالزيت

حكم غمس مكان القطع بالزيت [وغمست وجوباً في زيتٍ مغلي]؛ لئلا ينزف ويؤدي ذلك إلى موته.

حكم تعليق يده المقطوعة في عنقه

حكم تعليق يده المقطوعة في عنقه قال: [وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام]، إن رأى الإمام ذلك فإنه يفعل ذلك، وقد جاء هذا عن علي رضي الله تعالى عنه كما عند البيهقي، وجاء من حديث فضالة بن عبيد: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت) لكن الحديث إسناده ضعيف، فالعمل إنما هو على الأثر، وأما الحديث فإن إسناده ضعيف.

حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة أخرى

حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة أخرى قال: [فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه بترك عقبه]، تقطع من مفصل بحيث تبقى له عقبه يطأ بها]. يعني: يؤتى إلى المفصل ولكن لا يؤخذ العقب؛ كي يطأ بها، وفي ذلك أثر عن علي رضي الله عنه صحيح في مصنف ابن أبي شيبة. إذاً: تقطع الرجل اليسرى ولا تقطع اليمنى؛ ليتمكن من المشي؛ لأنه إذا كانت الجهة واحدة فإن هذا يضره. إذاً: تقطع اليسرى من مفصل كعبه، لكن بترك عقبه، ولذا قال المؤلف: [من مفصل كعبه بترك عقبه]، وهذا كما تقدم صح عن علي رضي الله تعالى عنه، واتفق عليه أهل العلم.

حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة ثالثة

حكم السارق إذا عاد إلى السرقة مرة ثالثة [فإن عاد لم يقطع، وحبس حتى يموت أو يتوب]، وقد صح ذلك عن علي رضي الله عنه كما عند ابن أبي شيبة، وعلى ذلك فيحبس حتى يموت أو حتى تظهر توبته، ولا نقول بقطع شيءٍ آخر، لأننا إذا قطعنا يده الأخرى لم يقدر على الأكل والشرب والاستنزاه، وإذا قطعنا الرجل الأخرى لم يقدر على المشي.

اجتماع القطع والضمان على السارق

اجتماع القطع والضمان على السارق قال: [ويجتمع القطع والضمان، فيرد ما أخذ لمالكه، ويعيد ما خرب من الحرز]. إذاً: يجتمع عليه القطع والضمان، فالقطع هذا حق الله، والضمان حق الآدمي، فيضمن له ماله، أي: يدفع له ماله الذي أخذه، وإن كان أفسد حرزه: كسر أبوابه ونحو ذلك فإنه يجب عليه أن يصلحها. قال: [وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت]، والراجح أنه لا يجب عليه ذلك، وأن هذا من بيت المال؛ لأن ذلك كما هو معلوم من المصالح العامة؛ فإن ذلك من إقامة الحدود، وهي -أي: إقامة الحدود- من المصالح العامة.

حد قطاع الطريق

حد قطاع الطريق

شروط إقامة حد قطاع الطريق

شروط إقامة حد قطاع الطريق قال: [باب حد قطاع الطريق]. قال الله جل وعلا: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33]، هؤلاء هم قطاع الطريق. قال: [وهم المكلفون]؛ لأن غير المكلف لا حد عليه. [الملتزمون -يعني: بالشرع- مسلمين وأهل ذمة]، فهؤلاء هم الملتزمون، [الذين يخرجون عن الناس فيأخذون أموالهم مجاهرةً]. يعني: بالسيف أو العصي ونحو ذلك، فيرفعون السلاح أو يرفعون العصي ويأخذون أموال الناس مجاهرة، فهؤلاء هم قطاع الطريق، لكن لو كانوا ينهبون نهب. يعني: يأخذون ويهربون اختلاس يعني يختلسون، يأتون القوافل ويحدثون ضجة ويسرقون ويهربون لا. لكن الذين يأخذون السلاح يرفعون السلاح الأسلحة أو العصي أو الحجارة ونحو ذلك، فهؤلاء هم قطاع الطريق.

لابد من ثبوت ذلك بشهادة رجلين عدلين ذكرين

لابد من ثبوت ذلك بشهادة رجلين عدلين ذكرين قال: [ويعتبر ثبوته ببينة كسائر الحدود]، لا بد من بينة [بشهادة رجلين عدلين ذكرين] كالسرقة، [أو إقرار مرتين]، لا بد أن يقر على نفسه مرتين كالسرقة، والحرز كذلك كالسرقة، والنصاب كذلك كالسرقة، إذاً: قياساً على السرقة.

حكم ما لو قتل قطاع الطريق الناس ولم يأخذوا المال

حكم ما لو قتل قطاع الطريق الناس ولم يأخذوا المال قال: [ولهم أربعة أحكام: إن قتلوا ولم يأخذوا مالاً حتم قتلهم جميعاً]، يعني: إن قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلوا جميعاً، ولو كان الذي قتل أحدهم، فلو أتوا إلى قافلة ومعهم أسلحة أحدهم قتل، والآخر سرق، والآخر لم يسرق، فإنا نقتل الجميع؛ لأن مبناها على المنعة والنصرة؛ وهذا هو المذهب، فمبنى الأمر على المنعة والنصرة، فهذا ما قتل إلا لأن أولئك منعوه، والله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة:33]، فإذا قتل أحد منهم أو قتل بعضهم لم يبعد أن يكون كل واحدٍ منهم قد قتل، فلما كان مبنى أمرهم على المناصرة والمنعة قتلوا جميعاً.

حكم ما لو قتل قطاع الطريق الناس وأخذوا المال

حكم ما لو قتل قطاع الطريق الناس وأخذوا المال قال: [وإن قتلوا وأخذوا المال] أي: جمعوا بين القتل وبين أخذ المال، [قال: حتم قتلهم وصلبهم؛ حتى يشتهروا]، ولا يحد هذا بثلاثة أيام الصلب، بل حتى يشتهر الأمر؛ لأن الله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33]، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه كما عند ابن جرير والبيهقي وغيره أنه قال: إن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلوا، وإن أخذوا المال قطعوا، وإن لم يأخذوا المال وأخافوا السبيل نفوا من الأرض، هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنه لهذه الآية، وعلى ذلك فليست (أو) هنا للتخيير، وإنما هي للتنويع، يعني: تتنوع العقوبة بتنوع الجرم.

حكم ما لو أخذ قطاع الطريق المال ولم يقتلوا

حكم ما لو أخذ قطاع الطريق المال ولم يقتلوا قال: [وإن أخذوا مالاً ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلافٍ حتماً]؛ لما تقدم، قال: [في آن واحد]، تقطع هذه الأيدي والأرجل في آن واحد؛ لأنا إذا قطعنا اليوم يده وغداً رجله من خلاف فإن هذا يؤلمه جداً، بخلاف ما إذا قطعتا جميعاً، والقطع هنا كالسرقة فتقطع اليمنى من المفصل، يعني: من الرسغ، وتقطع اليسرى من الكعب، وتبقى له عقبه.

عدم الرجوع إلى أولياء المقتول في قطع الطريق

عدم الرجوع إلى أولياء المقتول في قطع الطريق فإن قتلوا هل نرجع الأمر إلى أولياء المقتولين؟ وهل يقبل لو قال أولياء المقتول: قد عفونا؟ لا. ما يقبل ذلك؛ لأن هذا أصبح راجعاً إلى الإمام، ولذا قال هنا: حتم، يعني: لزم، ولم يرجع ذلك إلى أولياء المقتول.

حكم ما لو قتل قاطع الطريق ولده، أو قتل ذميين، أو قتل عبيدا

حكم ما لو قتل قاطع الطريق ولده، أو قتل ذميين، أو قتل عبيداً ولذا فلو أن والداً منهم قد قتل ولده فإنه يقتل، ولو كانوا أهل ذمة كذلك الذين قتلوا، يعني: لو أتى مسلمون إلى جماعة من أهل الذمة فقطعوا الطريق وأخافوهم وقتلوا منهم، قُتلوا جميعاً، وهذا عند أهل العلم لا ينظر فيه إلى المكافأة التي تقدمت، وإنما ينظر إلى القتل، فإذا حصل منهم قتل ولو كان الذين قتلوا عبيداً والقتلة أحرار، وإن كان الذين قتلوا ذميين وهم مسلمون، وإن كان الذين قتلوهم أولاداً لهم، فإن الحكم واحد؛ لأن المقصود من ذلك أن هؤلاء أصبحوا أهل حرابة، وعلى ذلك فيقتلون جميعاً، وهذا كله هو المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

حكم ما لو أخاف قطاع الطريق الناس ولم يأخذوا مالا

حكم ما لو أخاف قطاع الطريق الناس ولم يأخذوا مالاً قال: [وإن أخافوا الناس ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض، فلا يتركون يأوون إلى بلد حتى تظهر توبتهم]. يعني: إذا لم يحصل منهم إلا إخافة السبيل فإنهم يطاردون من بلد إلى بلد، فلا يقرون في بلد أبداً، فإذا ذهبوا مثلاً إلى هذه البلدة طردوا منها إلى الأخرى، فإذا بلغ أمير تلك البلد أنهم فيها طردهم وهكذا، لكن هذا فيه مفسدة، فقد يلجأون إلى أعداء المسلمين، وقد يرجعون إلى فعلهم السابق، ولذا فالذي يترجح وهو مذهب أبي حنيفة أنهم يحبسون؛ لأن المحبوس في الحقيقة منفي عن الأرض كلها إلا هذا الموضع الذي هو فيه، فلا يمكن أن نجعله في السماء، فما بقي إلا أن نجعلهم في الحبس، وهذا هو في الحقيقة نفي من الأرض كلها، فالراجح وهو مذهب أبي حنيفة أنهم يحبسون حتى تظهر توبتهم.

حكم توبة قطاع الطريق قبل القدرة عليهم

حكم توبة قطاع الطريق قبل القدرة عليهم قال: [ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله]، قال الله جل وعلا: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34]، فمن ظهرت منه التوبة قبل أن يقدر عليه فإن حقوق الله ترتفع، والمشهور في مذهب أحمد وهو المعتمد عند الشافعية، واختاره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الجوزية: أن هذا لا يخص حد الحرابة، فكل معصية لها حد تاب منها صاحبها قبل أن يقدر عليه فإن الحد لا يقام عليه، كالذي يكون قد تاب من السرقة، فقد سرق قديماً لكنه الآن تاب وصلح أمره، وظهرت توبته، ثم أتى شهود يشهدون بعد توبته أنه قد سرق، أو أنه قد زنا، فالراجح أنه لا يقام عليه الحد. ويدل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة، وجاء في الصحيحين: (أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي. قال: أصليت معنا؟ قال: نعم. فقال له عليه الصلاة والسلام: قد غفر الله لك). فإن قيل: لماذا إذاً أقيم الحد على ماعز والغامدية وهما تائبان؟ ف A أنهما اختارا الحد تطهيراً، فالتوبة تكفر الذنب وتطهر العبد، والحد كذلك يطهر العبد، وهما قد اختارا الحد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه).

دفع الصائل على النفس والمال والعرض

دفع الصائل على النفس والمال والعرض قال: [ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله أو حريمه فله دفعه بالأسهل فالأسهل]. هذا من باب دفع الصائل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (من قتل دون ماله فهو شهيد)، وفي الترمذي: (من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد). وفي صحيح مسلم: (أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! أرأيت رجلاً جاء ليأخذ مالي. قال: فلا تعطه. قال: فإن قاتلني. قال: قاتله. قال: فإن قتلني. قال: فأنت شهيد. قال: فإن قتلته. قال: فهو في النار)، لكنه يدفع كما قال المؤلف بالأسهل فالأسهل، فلو كان هناك رجل واقف في أعلى بيته فأتى رجل ليسرق، ومعه السلاح فهل له أن يقتله مباشرة؟ لا. وإنما يدفعه بالأسهل، كأن يرمي مثلاً بالسلاح في السماء؛ لعله أن يهرب، فيهدده، لكن إذا قال: أنا أعرف أن هذا الرجل له صولة قوية، وإذا سمع صوتي في المكان فإنه لا يزال بي حتى يقتلني، يعلم ذلك منه فله أن يقتله. إذاً: يدفعه بالأسهل فالأسهل، فإذا أخذ بالأصعب مع قدرته على الأسهل فإن عليه الضمان، فيضمن هذا القتيل، فيجب عليه أن يدفعه بالشيء الأسهل فالأسهل، فقد يكون بضربه بالعصا، وقد يكون بتهديده، حتى يصل به في آخر الأمر إلى القتل، هذا في آخر الأمر، وهذا من باب دفع الصائل.

قتل الصائل إن لم يندفع بالأسهل

قتل الصائل إن لم يندفع بالأسهل قال: [فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله ولا شيء عليه]، لكن إذا أتى إلى القاضي وليس هناك بينة تدل على قوله، وأولياء هذا المقتول لم يقروا بالأمر فإنه يقتل في ظاهر الأمر؛ لأنه قد يأتي شخص ويدعي أن فلاناً أتى ليقتله فقتله، وهو قد دعاه إلى بيته حيلة، ثم وضع في يده سلاح وقال: إنه يريد أن يقتلني فقتله، وعلى ذلك فظاهر الأمر عند القاضي إذا لم يأت ببينة، أو يقر أولياؤه فإنه يقتل، لكن الله جل وعلا يحفظ من لم يعتد. وقد اختار شيخ الإسلام: أن الرجل المقتول إذا كان معروفاً بالفجور، وكان الآخر معروفاً بالصلاح والتقوى فإن هذه قرائن تدل على صدقه، إذا قال: هذا أتى ليعتدي على عرضي، فهذه قرائن تدل على صدقه.

يجب على الرجل أن يدفع عن حريمه وحريم غيره

يجب على الرجل أن يدفع عن حريمه وحريم غيره قال: [ويجب أن يدفع عن حريمه]، في السابق قال: له أن يدفع عن ماله، وله أن يدفع عن نفسه، فهذه أمور مباحة، لكن هنا يقول: ويجب أن يدفع عن حريمه، يعني: يجب عليه أن يدفع عن عرضه، كأمه وأخته وزوجته إذا أردن بفاحشة، فيجب عليه أن يدفع، أما المال فيختلف عن العرض، ولذا قال: ويجب أن يدفع عن حريمه، وقال قبل ذلك المال: له دفعه. فالدفاع عن المال لا يجب؛ لأنه يجوز لك أن تبذل مالك مجاناً للناس، فلا يجب عليك أن تدافع عنه بالسيف، أما العرض فيجب أن تدافع عنه بقدر ما تستطيع. قال: [وحريم غيره كذلك]، وهذا من باب الدفاع عن أعراض المسلمين.

حكم دفع الإنسان عن نفسه في الفتنة وغيرها

حكم دفع الإنسان عن نفسه في الفتنة وغيرها قال: [وكذا في غير الفتنة عن نفسه]، النفس لا يجب كذلك أن تدافع عنها، فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، هذا في الفتنة، وأما في غير الفتنة فإنه يجب عليه أن يدافع عن نفسه؛ لأن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].

حكم دفع الإنسان عن ماله ومال غيره

حكم دفع الإنسان عن ماله ومال غيره [لا مال نفسه]، مال نفسه لا يجب عليه أن يدفع عنه، وأما مال غيره فيجب مع القدرة إذا ترجحت له السلامة، فيدفع عن مال غيره؛ لأن ماله له أن يبذله مجاناً، وأما مال غيره فلا، ويجب حفظه. إذاً: عندنا نفس، وعندنا مال، وعندنا أهل وحريم، فأما النفس فيجب أن تدافع عنها إلا في الفتنة، فإذا حصلت فتنة بين المسلمين فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، وفي المال لا يجب عليك ذلك، وفي النفس تقدم، وأما العرض فيجب أن تدافع عن عرضك، وأعراض المسلمين كذلك يجب أن تدافع عنها، وأموالهم كذلك يجب أن تدافع عنها إذا ترجحت السلامة. فإن قيل: لماذا يؤمر بأن يدافع عن مال غيره ولا يؤمر بأن يدافع عن مال نفسه؟ ف A أن مال نفسه له أن يبذله، وأما مال غيره فيجب حفظه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). قال: [ولا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك]، والقول الثاني في المسألة -وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وقول في المذهب-: أنه يجب، وهو الراجح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن إضاعة المال. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الحدود [5]

دليل الطالب_كتاب الحدود [5] إذا انتصب الإمام واستقام الأمر وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه فإن خرجت عليه جماعة بتأويل سائغ فهم البغاة، وعلى الإمام قتالهم حتى يعودوا إلى الحق. أما المرتد فقد شرع قتله واستئصاله من المجتمع حتى لا يتجرأ غيره من السفهاء على مثل فعلته، وليبقى جانب الدين محفوظاً.

قتال البغاة

قتال البغاة

تعريف البغي والدليل على قتال البغاة

تعريف البغي والدليل على قتال البغاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قتال البغاة]. البغي: هو الاعتداء، فالبغاة هم المعتدون، لكنهم معتدون بتأويلٍ سائغ في خروجهم على الإمام. والأصل في هذا الباب قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]. ومن الآثار آثار علي رضي الله عنه في هذا الباب؛ فإنه هو الذي قاتل البغاة، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (ويح عمار! تقتله الفئة الباغية)، فكان علي رضي الله تعالى عنه هو قاتل البغاة، لكنهم كانوا بتأويلٍ سائغ، وكانوا مجتهدين، وقد جاء عنه رضي الله عنه كما في مستدرك الحاكم عن أبي أمامة قال: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون جريحاً. يعني: لا يجهزون على الجريح، فإذا وقع الرجل جريحاً من الصف الآخر فلا يجهزون عليه، وإنما يتركونه ليداوى.

حكم من فر من البغاة إلى فئة أخرى ليتقوى بها

حكم من فر من البغاة إلى فئة أخرى ليتقوى بها لا يجيزون جريحاً، ولا يطلبون دماً، أي: فمن فر فإنهم لا يطلبون دمه، ولا يسلبون مالاً، فالبغاة لا تسلب أموالهم، ولا تستباح دماؤهم إلا في الصف، فإذا جرح أحدهم لم يجهز عليه، وإن فر أحدهم لم يلحق، فإن كان فراره إلى فئة يقوى بها، وليس فاراً عن القتال هارباً منه، وإنما يريد أن ينضم إلى فئة أخرى، ليفر، فهذا ليس فاراً من القتال، وإنما هو فارٌ له، أو إليه، فقولان لأهل العلم: المذهب: أنه كذلك لا يطلب، والقول الثاني وهو مذهب أبي حنيفة: أنه يطلب، وهذا أصح لما تقدم؛ لأنه فارٌ له، وليس فاراً منه. وقتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء:89]، فقتال الخوارج ليس من هذا الباب في أصح القولين، وفي المسألة قولان: المشهور في المذهب: أن قتال الخوارج من جنس قتال البغاة، فلا يجهز على جريحهم، ولا يطلب فارهم، ولا يسلب مالهم، والقول الثاني في المسألة وهو قول في المذهب صححه الموفق والشارح، وصححه صاحب الإنصاف: أن قتال الخوارج ليس من هذا الباب؛ لأن الخوارج يستبيحون الدم، ويكفرون المسلم، ويستبيحون ماله، فليس قتالهم من جنس قتال البغاة، وهذا الذي تدل عليه الأدلة، ولكن هذا -على الصحيح- ليس فرعاً عن تكفيرهم؛ فإن أصح القولين -وهو المذهب- أنهم ليسوا بكفار، وهو اختيار شيخ الإسلام. قال علي رضي الله عنه، وهو أعظم من قاتل الخوارج، وهذه من مناقبه رضي الله عنه، لما قيل له: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. رواه البيهقي.

القول في تكفير الخوارج

القول في تكفير الخوارج إذاً: فحكم الخوارج هل هم كفار أم لا فيه قولان لأهل العلم، وهما قولان في مذهب أحمد ومذهب مالك ومذهب الشافعي، وأصحهما: أنهم ليسوا بكفار، وهو اختيار شيخ الإسلام؛ لقول علي: من الكفر فروا، وأما القائلون بتكفيرهم فاستدلوا بأدلة معروفة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، والحديث في الصحيحين، لكن أقوال الصحابة تفسر النصوص، وهذا قول علي رضي الله عنه وهو أعظم من قاتل الخوارج كما تقدم.

هل قتال الخوارج من جنس قتال البغاة

هل قتال الخوارج من جنس قتال البغاة وهنا مسألة أخرى وهي هل قتال الخوارج من جنس قتال البغاة أم لا؟ فيها قولان أصحهما، وهو ما صححه الموفق والشارح، وصححه صاحب الإنصاف، وهو قول في مذهب أحمد خلافاً للمشهور: أن قتالهم ليس من جنس قتال البغاة، فالبغاة متأولون لا يرون كفر الإمام، ولا يكفرون المسلمين، وإنما خرجوا عن الإمام دفعاً لمظلمة رأوها، يعني: رأوا أن هناك ظلماً عليهم فخرجوا عن الإمام، فهؤلاء كما قال الأئمة: تزال شبهتهم، ولا يقتل جريحهم ولا يطلب فارهم، ولا يسلب مالهم، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله.

البغاة خارجون عن الإمام بتأويل سائغ بخلاف الخوارج

البغاة خارجون عن الإمام بتأويل سائغ بخلاف الخوارج قال: [وهم الخارجون على الإمام بتأويل سائغ]، أما الخوارج فتأويلهم ليس بسائغ عند أهل العلم، ولذا فهم مبتدعة ظلاّم فساق، وقد اختلف أهل العلم هل هم كفار أم لا؟ فبدعتهم مغلظة، وأما هؤلاء فعندهم تأويل سائغ من نظير اجتهاد الفقهاء، يعني: مما يقع في مثله الخلاف بين الفقهاء، وليس مما يقع فيه الخلاف بين أهل العقائد، وإنما من جنس ما يقع من الخلاف بين أهل المذاهب، فلهم تأويل سائغ، يعني: عندهم اجتهاد، [ولهم شوكة فإن اختل شرط من ذلك فقطاع طريق]، فإذا لم يكن لهم شوكة فهم قطاع طريق، إذا كان معهم سلاح وهم معهم عصي، لكن ليست لهم شوكة ومنعة وقوة بحيث إنهم يظاهئون الإمام ومن معه، أو يقربون بقوته أو نحو ذلك، فإذا كانوا لهم قوة فقط لكن ليست لهم شوكة، وكان عندهم بعض السلاح، وعندهم بعض العصي ونحو ذلك، فهؤلاء قطاع طريق.

حكم نصب الإمام والخليفة

حكم نصب الإمام والخليفة قال: [ونصب الإمام فرض كفاية]، فلا يقوم أمر الأمة إلا بنصبه، فهو من أعظم فروض الكفاية؛ ليذب عن الحوزة، ويقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، ويقيم الفرائض كالزكاة، ويقيم الصلوات في الناس، فلا بد من إمام يجتمع عليه الناس. ولا يشترط أن يكون للأمة كلها إمامٌ واحد، بل لو كان هناك أكثر من إمام لجاز، فالمقصود: أن كل أهل ناحية يكون لهم من يقدمونه ويجتمعون عليه، ويصلح به أمر الناس، ويدفع به شر الكفار والملحدين، وتقام به الحدود إلى آخر ذلك، والكلام في هذا يطول، لكنا نذكر هذا على جهة الاختصار.

يعتبر كون الإمام قرشيا

يعتبر كون الإمام قرشياً قال: [ويعتبر كونه قرشياً]، وهذه المسائل يذكرها أهل العقائد في كتبهم، فقد ذكرها الطحاوي وذكرها السفاريني وغيرهم من أهل العلم في العقائد، فيرجع إليها في ذلك؛ فإن مظنة الكلام في مثل هذه المسائل في كتب الاعتقاد. ويعتبر كونه قرشياً لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الأئمة من قريش) رواه أحمد، فإن كان الإمام من غير قريش، وأخذ الحكم بالسيف كما عليه الناس وجب السمع والطاعة له، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي)، فمن أخذ بالسيف والقهر والقوة وجب السمع له وإن لم يكن من قريش بإجماع أهل السنة والجماعة، لكن عند الاختيار في أول الأمر وفي أصل الأمر يكون من قريش، أما من أخذه بالغلبة فلا خلاف بين أهل العلم في صحة إمامته، ووجوب السمع والطاعة له بالغاً عاقلاً سميعاً بصيراً ناطقاً حراً ذكراً، ففي الحديث: (لا يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري.

يعتبر كون الإمام عدلا عالما ذا بصيرة كافيا

يعتبر كون الإمام عدلاً عالماً ذا بصيرة كافياً قال: [عدلاً لا فاسقاً، عالماً لا جاهلاً، ذا بصيرة، كافياً ابتداءً ودواماً]، يعني: فيه كفاية في أمر السياسة: في أمر السلم، وفي أمر الحرب، يسوس الناس بشرع الله سبحانه وتعالى ودينه، فلا بد إذاً أن يكون فيه كفاية. قال: [ولا ينعزل بفسقه]، يعني: لو ثبتت إمامته ثم ظهر منه فسق فإنه لا يعزل، ولا يصح عزله، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان).

تلزم الإمام مراسلة البغاة

تلزم الإمام مراسلة البغاة قال: [وتلزمه مراسلة البغاة]، هذا هو الإمام الذي تقدم ذكره، فمن تولى أمر أهل الإسلام فيجب عليه إن كان هناك بغاة أن يراسلهم، فيرسل إليهم أهل العلم والفضل؛ ليجادلوهم بالحق، ويزيلوا شبههم، فيقولون: ما هي الشبه التي جعلتكم ترفعون السيف علينا؟ ويسألونهم ما هي المظالم التي تدعونها؟

يلزم الإمام قتال البغاة إن لم يرجعوا بعد مراسلتهم

يلزم الإمام قتال البغاة إن لم يرجعوا بعد مراسلتهم قال: [فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم]، إن رجعوا فالواجب عليه أن يزيل المظالم، فإزالة المظالم واجبة أصلاً، ويتأكد وجوبها ما دام أن هؤلاء قد رفعوا السيف بسببها. قال: [فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم]، قال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9]، ويجب على رعيته معونته للآية: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].

حكم قتال البغاة إذا تركوا القتال

حكم قتال البغاة إذا تركوا القتال قال: [وإذا ترك البغاة القتال حرم قتلهم، وقتل مدبرهم وجريحهم، ولا يغنم مالهم، ولا تسبى ذراريهم، ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب]. البغاة لا يضمنون ما أتلفوه حال الحرب من أنفسٍ أو أطرافٍ أو أموال؛ لأنهم متأولون، ولأن الأمر لا يصلح إلا بذلك، فإذا ضمنوا فقد يترتب على ذلك ألا يصلح الأمر، والواجب هو الإصلاح، ومن باب أولى أن طائفة العدل وهم الإمام ومن معه أنهم لا يضمنون؛ لأنهم طائفة العدل؛ لأن القتال مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، ولذا ذكر المؤلف الطائفة الأخرى؛ لأنها هي التي قد يشكل أمرها في هذا الباب، فقال: ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب؛ وذلك لأنهم فعلوا ذلك بتأويل.

قبول شهادة البغاة

قبول شهادة البغاة قال: [وهم في شهاداتهم -إذا شهدوا- وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل]. يعني: إذا طلب أحدٌ شهادة وقال: إن الشاهد في الجهة الأخرى من البغاة، فيأتي هذا الباغي إلى محاكم أهل العدل الطائفة الأخرى، ويدلي بشهادته وتقبل؛ لأنه ليس بفاسق، فعنده تأويل سائغ كما تقدم تقريره، هذا كله في طائفة البغاة الذين لا ينطلقون في قتالهم من منطلقات دينية من جهة تكفير هذه الطائفة الأخرى، أما الذين يكفرون فهؤلاء هم الخوارج، والذين يقاتلون بناء على التكفير هم خوارج؛ لأنهم يستبيحون الدماء، ويستبيحون الأموال، ويكفرون، وليس من شرط الخوارج أن يكفروا بالكبيرة؛ لأن الخوارج الذين كانوا في عهد علي رضي الله عنه وخرجوا عليه وهم أقبح الخوارج وأعظمهم، لم يكونوا يكفرون أهل الكبائر، بل ظهر تكفير أهل الكبائر بعد كما هو معلوم، ولكن هذا أصبح مذهباً لطوائف كثيرة من الخوارج، وليس كل الخوارج يعتقدون هذا، بل التسرع في باب التكفير والاستعجال في هذا الباب من غير علمٍ ودراية، ومن غير مراعاة للشروط الشرعية، هذا هو فعل الخوارج.

حكم المرتد

حكم المرتد

الأمور التي يكفر بها

الأمور التي يكفر بها قال: [باب حكم المرتد]. والمرتد هو من كفر بعد إسلامه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري وغيره: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهو من كفر بعد إسلامه.

الكفر بالقول

الكفر بالقول [ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور: بالقول كسب الله تعالى أو رسوله، أو ملائكته أو ادعاء النبوة]، إذا سب الله تعالى فقد كفر، هذا كفر بالقول، أو رسوله، أو ملائكته، أو كالذي يستهزأ بالدين، ولو كان هازلاً، أو ادعاء النبوة، إذا ادعى النبوة فقد كفر بالقول، الله جل وعلا يقول: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، فمن ادعى النبوة فقد كفر، ومن صدقه فقد كفر. قال: [أو الشركة لله تعالى]، إذا اعتقد أن لله عز وجل شريكاً في ملكه، أو شريكاً في ألوهيته، أو شريكاً في أسمائه وصفاته فقد كفر، هذا كله كفر بالقول، ومن حكى الكفر ولم يعتقده وإنما قاله حكاية لم يكفر، ومثل ذلك أيضاً: من سبق لسانه بالكلمة ولا يريدها، وكذلك من قال كلمة لشدة فرحٍ أو شدة خوف لا يريدها ولا يقصدها فإنه لا يكفر، ولذا قال الرجل الذي فلتت منه ناقته في الحديث: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، أخطأ من شدة الفرح.

الكفر بالفعل

الكفر بالفعل [وبالفعل كالسجود للصنم ونحوه]، فإذا سجد للصنم كفر، وهذا بالفعل، وأما إذا كان السجود للاحترام فهو من الشرك الأصغر، فقد سجد معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء هذا في مسند أحمد وغيره، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، ومنه سجود إخوة يوسف، وأبوه وأمه، فهذا كله من باب الاحترام لا من باب التقرب كالذي يكون للصنم، فهذا من الشرك الأصغر، وليس من الشرك الأكبر. قال: [وكإلقاء المصحف في قاذورة]، كما يفعله بعض السحرة قبحهم الله، فهذا من الشرك الأكبر والكفر الأكبر.

الكفر بالاعتقاد

الكفر بالاعتقاد قال: [وبالاعتقاد كاعتقاد الشريك لله]، فهذا يكفر؛ لأنه اعتقد مكفراً. قال: [أو أن الزنا أو الخمر حلال، أو الخبز حرام، ونحو ذلك مما أجمع عليه إجماعاً قطعياً]، فإذا أجمع أهل العلم إجماعاً قطعياً لوجود أدلة ظاهرة في الشرع على تحريم شيءٍ، أو إباحته، أو فرضيته، فمن جحد الفرضية أو أحل المحرم أو أباح المحرم الذي هو من هذا النوع فإنه يكفر إجماعاً، كالصلاة من جحد وجوبها فإنه كفر. ومن أباح ما حرمه الله جل وعلا أو حرمه رسوله، وأجمع عليه أهل العلم، والأدلة ظاهرة في ذلك فإنه يكفر، كالذي يبيح الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ومن حرم كذلك ما أباحته الشريعة الإسلامية وكان دليله ظاهراً في الشريعة بيناً غير خفي، وأجمع عليه أهل العلم فإنه يكفر بذلك، كالذي يحرم النكاح، أو يحرم تعدده، أو نحو ذلك فإن هذا يكفر؛ لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

تكفير المعين يحتاج إلى توفر الشروط وانتفاء الموانع

تكفير المعين يحتاج إلى توفر الشروط وانتفاء الموانع وهذا الذي سنذكره الآن كله إنما هو في بيان المكفرات، وأما ما يتعلق بالمعينين فإن الكلام في هذا له باب آخر، فالمعين لا يكفر حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع، وسيأتي تنبيه المؤلف على بعض المسائل في هذا.

الكفر بالشك

الكفر بالشك قال: [وبالشك في شيء من ذلك]، ولذا فأهل العلم في باب الزنا قالوا: لا نكفر مثلاً من أباح الزنا حتى نعرفه أن الزنا حرام، وهذا إن كان مثله يجهل ذلك، كالناشئ في بادية، أو الحديث عهد بإسلام، وأما إذا كان مثله لا يجهل كالذي يعيش في مدائن الإسلام فإنه يكفر ولا يعذر بالجهل. قال: [وبالشك في شيء من ذلك]، فإذا شك في شيء من ذلك كالذي يشك مثلاً في وحدانية الله، أو يشك في البعث، فهذا يكفر، أو يقول: أنا لا أدري هل الصلاة فرض أو سنة، فهذا يكفر، لكن كما تقدم يبين له ذلك؛ حتى تقام عليه الحجة.

حكم من ارتد وهو مكره

حكم من ارتد وهو مكره قال: [فمن ارتد وهو مكلف] والمكلف هو البالغ العاقل. [مختار، أي: ليس بمكره]، فالإكراه عذر، جاء في الحديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)، فالإكراه عذر، لكن المسائل تختلف في باب الإكراه كما بين هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، فالإكراه يختلف باختلاف المسائل، فليس الإكراه على الهبة كالإكراه على الكفر، فالمرأة إذا قال لها زوجها: إما أن تهبي بيتك لي أو أطلقك، فهذا إكراه، أو لا أسمح لك بالخروج من البيت، هذا إكراه بالنسبة للمرأة، لكن في باب الكفر لا يكفي هذا، ولذا قال الإمام أحمد بالضرب والتعذيب، فإذا كان هذا بالضرب والتعذيب يضرب بالسياط حتى يقول كلمة الكفر، قال الله جل وعلا: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106]، فقلبه مطمئن بالإيمان، فالإكراه لا يرد إلى القلوب وإنما يرد إلى الألسنة، ولذا يعود إلى دينه، إنما يكره على كلمة يقولها، ثم إنه لا يرضى بهذه الكلمة، وإنما قالها للسيف أو للتعذيب الذي حصل له، {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل:106].

حكم استتابة المرتد

حكم استتابة المرتد قال: [استتيب ثلاثة أيامٍ وجوباً]؛ لقول عمر رضي الله عنه: ألا استتبتموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يومٍ رغيفاً؛ لعله يرجع، اللهم إني لم أحضر، ولم أرض إذ بلغني، رواه مالك في موطئه، لكن هذا الأثر في سنده انقطاع وجهالة. والقول الثاني وهو رواية عن أحمد وأحد قولي الشافعي: أنه لا يستتاب ثلاثاً وجوباً، وإنما يستتاب ثلاثاً استحباباً، قالوا: لأنه ما دام أن الحجة قد قامت عليه فالاستتابة هذه إحسان إليه، ولذا فإن الكفار يقاتلون إذا أقيمت عليهم الحجة ولا يشترط أن يستتابوا، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، فأتى بالفاء التي تفيد التعقيب. وأيضاً استدلوا بما جاء في الصحيحين أن معاذاً رضي الله عنه أتى فإذا برجلٍ يهوديٍ قد أسلم ثم رجع إلى دينه، فقال رضي الله عنه: (لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله)، والحديث رواه البخاري. وهذا القول أصح، وعلى ذلك فنقول: الاستتابة هذه مستحبة؛ لأنه يعرف، لكن من باب الإحسان إليه يترك لعله أن يتوب ثلاثة أيامٍ أو أكثر.

بقاء عمل المرتد قبل الردة إذا تاب

بقاء عمل المرتد قبل الردة إذا تاب قال: [استتيب ثلاثة أيامٍ وجوباً، فإن تاب فلا شيء عليه، ولا يحبط عمله]، أي: يرجع له عمله كحجه، فلا يؤمر أن يحج مرة أخرى إذا كان قد حج قبل ردته، قال الله جل وعلا: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة:217]، فالذي يحبط عمله هو الذي يموت وهو كافر، وأما الذي يرجع إلى دينه قبل موته فإن أعماله الصالحة تعود إليه فضلاً من الله سبحانه.

قتل المرتد إن لم يتب وذلك للإمام وليس لغيره

قتل المرتد إن لم يتب وذلك للإمام وليس لغيره قال: [وإن أصر قتل بالسيف]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، رواه مسلم. [ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه؛ فإن قتله غيرهما أساء وعزر]، إن قتله غيرهما أي: بلا إذن فقد أساء، فيعذر لافتياته على ولي الأمر كما تقدم في باب الحدود، فالذي يقيم هذا الحد هو الإمام أو نائبه. قال: [فإن قتله غيرهما أساء وعزر؛ لأنه افتات على ولي الأمر، ولا ضمان ولو كان قبل استتابته]، يعني: الاستتابة ليست شرطاً، فهذا مهدر الدم، وعلى ذلك فلا يضمن، لكن الإمام يعزره بما يرى من سجنٍ أو جلدٍ أو غير ذلك.

صحة إسلام المميز

صحة إسلام المميز قال: [ويصح إسلام المميز، فكما أن صلاته تصح فإن إسلامه يصح]، ولأن إسلامه مصلحة محضة له، وعلى ذلك فالمميز الذي تم له سبع سنين يصح إسلامه، أما صبيان المسلمين دون التمييز فإنهم محكوم لهم بالإسلام، ولو كان ولد للحظة فإنه محكوم له بالإسلام، ويتبع الدين الذي هو أفضل من جهة والديه، فما دام أن والديه مسلمان أو أن أحدهما مسلم فإنه يتبعه. لكن لو أن ابناً للكفار عمره مثلاً تسع سنوات أو ثمان سنوات، قال: أنا قد أسلمت، فإنه يصح إسلامه، قال: وردته كذلك ردته تصح، يعني: المميز، فإذا ارتد ابن ثمان سنين صحت ردته، وهذا هو المذهب، والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن أحمد وصححه الموفق واستظهره في الفروع: أن المميز لا تصح ردته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ). أما أهل القول الأول فإنهم قالوا: إن إسلامه يصح فكذلك تصح ردته، فقاسوا صحة ردته على صحة إسلامه، لكن هذا قياسٌ مع الفارق؛ لأن إسلامه مصلحة محضة له، وكفره مفسدة محضة عليه، فكيف يقاس هذا بهذا؟! فالصحيح أن غير المميز لا يحكم بردته، كما يقع هذا من بعض الصبيان فيتلفظ بألفاظ من الكفر، فلا يرتد بذلك خلافاً للمشهور، وهو قول في المذهب، واستظهره صاحب الفروع كما تقدم.

كيفية توبة المرتد

كيفية توبة المرتد قال: [وتوبة المرتد وكل كافرٍ إتيانه بالشهادتين]، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذه توبة المرتد وتوبة كل كافر، فإن كان ممن يقر في الأصل بالتوحيد فيكفي أن يقر بالنبوة، كالنصراني يكفي أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله إذا كان مقراً بالتوحيد، وأما إذا كان يعتقد أن مع الله إلهاً آخر كما عليه غالب النصارى من اعتقاد التثليث فلا بد أيضاً أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. أما إذا كان موحداً ليس عنده اعتقاد في باب التوحيد يخالف، فيكفي أن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله. قال: [مع رجوعه عما كفر به]، فإن كان كفر بالاستهزاء بالدين، أو كفر بجحود فريضة فلا بد أن يقر بذلك، وعلى ذلك لو أنه كتب مقالاً وكتب فيه أن الصيام ليس واجباً، وإنما أمر الله العباد بذلك من أجل مصلحة أبدانهم، فإن في الصيام صحة، وبعض الناس شدد وأوجب هذا على الناس، فهذا كفر، فلا يكفيه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بل لا بد أن يقر بوجوب الصوم، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقر بأن الصوم فرض على العباد.

لا تغني الشهادة بالرسالة عن كلمة التوحيد

لا تغني الشهادة بالرسالة عن كلمة التوحيد قال: [ولا يغني قوله محمد رسول الله عن كلمة التوحيد]، لا بد أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقوله: أنا مسلم توبة، فإذا قال: أنا مسلم فهذه توبة، وإذا قال: أنا على السنة المحمدية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه توبة إذا كان كفر بمخالفته للسنة، ولذا جاء في مسلم: (أن المقداد بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت يا رسول الله إن قاتلني رجل فقطع يدي، ثم ذهب مني في شجرة فلما أردت أن أقتله قال: قد أسلمت، أفأقتله؟ قال: لا)، فإذا قال: أسلمت آمنت، أو أنا مسلم، أو أنا مؤمن فذلك يكفي، هذا إذا كان يدل على ذلك، أما إذا كان لا يدل في حقه هو، كأن يكتب مقالاً مثلاً في مكان ويقول: نحن مؤمنون بالله، فلفظة (مؤمنون) يقولها كل أهل الأديان، فالنصراني يقول: أنا مؤمن، واليهودي يقول: أنا مؤمن، والمسلم يقول: أنا مؤمن، إذاً: إذا قال: أنا مؤمن، أو أنا مسلم، ولم تحتمل هذه العبارة غير ذلك فإن هذا يدل على إسلامه.

هل يسلم الكافر بكتابته الشهادتين

هل يسلم الكافر بكتابته الشهادتين قال: [وإن كتب كافر الشهادتين صار مسلماً]، لكن لو كتبها لأحد طلب منه من أجل حسن خطه فلا يظهر هذا؛ لأنه كتبها خطاً فقط، يعني: كحرفة، لكن لو كتب على كتاب عنده: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أو في مذكرات له مثلاً، أو في ورقة عنده كتبها على الدرج، فهذا يدل على إسلامه، ولو لم يتلفظ بها؛ لأن الكتابة تكفي عن التلفظ، فإذا قال: أنا لست بمسلم فإن هذه تكون ردة، وعلى ذلك فيقتل.

حكم توبة الزنديق في الدنيا وكذلك الساحر والمبتدع الداعي إلى بدعته

حكم توبة الزنديق في الدنيا وكذلك الساحر والمبتدع الداعي إلى بدعته قال: [ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر]. الزندقة لفظة ليست في الأصل من لغة العرب، لكنها استعملت ويراد بها المنافق، وهو الذي يكون مع أهل الإسلام لكن تخرج منه عبارات يقولها في أماكن خفية تدل على كفره، ففي مجالسه الخاصة يقول بعض الكلمات التي تدل على أنه ليس بمؤمن، فهذا هو الزنديق، فإذا ذهب اثنان إلى القاضي وقالا: أيها القاضي! إن فلاناً قد قال كلمة كذا وكذا، وشهدا عليه، وأنه يقول ذلك في الخفاء؛ لأنه يظهر الإسلام، فأتي به إلى القاضي وقال: أنا قد تبت، فلا تقبل توبته في الظاهر، وأما في ما بينه وبين الله فالله يقبل التوبة، لكن نحن في الظاهر -يعني: كقاضٍ أو إمامٍ- لا نقبل التوبة في؛ لأنه كان يقول لنا في الظاهر: أنا مؤمن، وأنا تائب فلا يدرى صدق قوله، وعلى ذلك فيقتل ويكون أمره إلى الله، فإن كان صادقاً في توبته فإن الله يتقبل التوبة من عباده، وإن كان غير صادق فإنه قد أخذ حقه في الدنيا، ويجد عقابه في الآخرة. ومثل ذلك الساحر والساحرة فإنهما يخفيان هذا الكفر، فإذا ثبت ذلك عنهما وقالا: نحن نتوب ولا نسحر أبداً، لا يقبل ذلك في الظاهر؛ فما يدرينا أنهما يصدقان. ولذا جاءت الآثار في قتل كل ساحر وساحرة كما في البخاري من غير استفصال، ومثل ذلك شاتم الرسول، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والمبتدع الداعي إلى بدعته المشهور في المذهب كذلك: أنه يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل توبته يعني: في الظاهر، واختار شيخ الإسلام أن توبته تقبل وهو أصح؛ لأنه قد أشاع بدعته ودعا إليها ولم يخفها، بخلاف الذي يخفي هذه البدعة المكفرة فلا يدعو إلا بين أفرادٍ معينين، فإنا لا نأمن منه إذا قبلنا توبته، فلا يسلم المسلمون من شره إلا بالقتل فيقتل، وأما فيما بينه وبين الله فالله يقبل التوبة، فيقال له: أيها الساحر! إن كنت صادقاً في توبتك فأبشر، فالله يقبل توبتك، فتب إلى ربك، وصل وارجع إلى دينك، وأما الحكم فإنه يقام عليك، وذلك لأن هذا الأمر الذي كان موجوداً عنده هو أمر خفي، وادعاؤه الإسلام كان هو الأمر الموجود فهو لم يتغير فيه شيء، فقد ادعى الإسلام كما كان يدعيه سابقاً، فلا نأمن أن يعود إلى ما كان يخفيه، فيقتل ويكون أمره إلى الله جل وعلا، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد وقول كثير من أهل العلم في هذه المسألة.

حكم من سب الله تعالى أو رسوله أو ملكا أو قذف نبيا أو أمه

حكم من سب الله تعالى أو رسوله أو ملكاً أو قذف نبياً أو أمه قال: [أو سب الله، أو رسوله، أو ملكاً له، وكذا من قذف نبياً أو أمه]، كذلك من سب الله، أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام، فهو زنديق، فهذا يقتل. قوله: [أو ملكاً له]، كذلك من سب ملكاً من ملائكة الله فإنه زنديق، ويقتل، وأما إذا كان يظهر ذلك في الأصل ويشيع ذلك في الأصل ولا يخفيه، فإذا تاب قبلنا توبته، وهذه المسائل كلها فيما يخفى، وأما شاتم الرسول فإنه يقتل مطلقاً ولو كان لا يخفي ذلك؛ وذلك لأن شاتم الرسول قد شتم ميتاً، وهذا الميت لا يمكن أن نعرف عفوه، فإن كان صادقاً في توبته فالله عز وجل يغفر له ذنبه، لذا فإن شاتم الرسول يقتل مطلقاً. قال: [وكذا من قذف نبياً أو أمه]، من قذف نبياً فإنه يكفر بذلك.

حكم توبة من تكررت ردته

حكم توبة من تكررت ردته قال قبل ذلك: [ولا من تكررت ردته]، فمن تكررت ردته قالوا: لا تقبل توبته، فأولاً كان مؤمناً ثم كفر، ثم آمن ثم كفر، فمن تكررت ردته فلا يقبل منه، قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء:137]. والقول الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام: أن توبته تقبل ولو تكرر كفره مراراً، وهذا هو الصحيح، وأما قوله جل وعلا: {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء:137] فالمعنى كما قال مجاهد: ثم استمروا على الكفر، قال مجاهد: لم يكن الله ليغفر لهم إذا رجعوا إلى الإسلام حال احتضارهم، ولذا فإن من تكررت ردته فالصحيح -وهو اختيار شيخ الإسلام - أن توبته تقبل.

قتل من قذف نبيا أو أمه ولو أسلم

قتل من قذف نبياً أو أمه ولو أسلم قال: [ويقتل حتى ولو كان كافراً فأسلم؛ لأن قتله حد قذفه]، فإذا قذف نبياً قتل، أو قذف أم نبي فكذلك يقتل حتى ولو كان كافراً فأسلم؛ قالوا: لأن ذلك حد للقذف. وبهذا نختم شرح كتاب الحدود، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الأطعمة [1]

دليل الطالب_كتاب الأطعمة [1] بين الله تعالى للناس الحلال والحرام، ومن أهم ما يجب على المسلم معرفته من ذلك ما يحل من الأطعمة وما يحرم، فإن أي جسم ينبت من حرام فالنار أولى به. والأصل في الأطعمة الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه، وقد أوضح القرآن والسنة ذلك في الحيوانات والطيور وكائنات البحر وسائر الأطعمة.

تعريف الأطعمة وبيان أن الأصل فيها الحل

تعريف الأطعمة وبيان أن الأصل فيها الحل إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فنسأل الله جل وعلا أن تكون هذه الدورة مباركة على الجميع، مباركة على من نظّمها، ومن أذِن فيها، ومن حاضر وحضر، إنه مجيب الدعاء، وأن يجعل هذا في ميزان حسنات الجميع إذ قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيحين: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). وفي ابن ماجة: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). وكنا قد تدارسنا في دورات سابقة ما تيسر من أحكام البيوع وما بعد ذلك حتى وقفنا على كتاب الأطعمة. والأطعمة: جمع طعام، والطعام: هو ما يؤكل أو يُشرب؛ قال جل وعلا: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145]. فقوله جل وعلا: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام:145] الميتة تؤكل وقوله: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145] الدم يُشرب، فدل هذا على أن الطعام في اللغة: هو ما يؤكل أو يُشرب. وقال الله جل وعلا في سورة البقرة على لسان طالوت وهو يتكلم عن النهر: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:249] فدل ذلك على أن ما يؤكل أو يُشرب فإنه طعام. والأصل في الأطعمة الحِل؛ قال الله جل وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29]، دلت هذه الآية الكريمة على أن الأصل فيما خلقه الله جل وعلا أنه لنا حلال مباح، ومن ذلك ما يؤكل ويُشرب من الأطعمة.

ضابط ما يباح من الأطعمة وما يحرم

ضابط ما يباح من الأطعمة وما يحرم قال المؤلف رحمه الله: [يُباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه]: وكل طعام طاهر غير نجس ولا مضرة فيه فإنه يُباح، وأما إذا كان فيه مضرة فلا يُباح، قال الله جل وعلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار). فما فيه مضرة على الأبدان أو على الأخلاق أو على العقول فإنه يحرم، وهذا هو أصح القولين في تعريف الخبيث، فالصحيح أن الخبيث في قوله جل وعلا: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أن الخبائث ما فيها ضرر على الأبدان كالدخان، أو الأديان والأخلاق كلحم السباع، أو العقول كالخمرة. وقال الجمهور: إن الخبيث: هو ما استخبثه العرب من أهل الحجاز من الحاضرة ذوي اليسار. فكل ما استخبثه العرب من أهل الحجاز الذين نزل القرآن عليهم وكانوا من الحاضرة لا من البادية، وكانوا من ذوي اليسار، فما استخبثوه فهو خبيث مُحرّم؛ قالوا: لأن القرآن نزل عليهم فما استخبثه العجم لا يُعد خبيثاً، وما استخبثه أهل البادية من العرب لا يُعد خبيثاً، وما استخبثه ذوو الحاجة والفقر لا يُعد خبيثاً، وما استطابوه لا يُعد طيباً. إذاً: ما استطابه أو استخبثه العجم أو أهل البادية فإنه لا يُعد طيباً ولا خبيثاً، هذا هو قول الجمهور. والصحيح وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو قول أحمد وقدماء أصحابه؛ لكن هذا خلاف المشهور عند الحنابلة: أن الخبيث هو الضار الذي يضر بالأبدان أو العقول أو الأخلاق. فقوله جل وعلا: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف:157] يعني: يحل لهم الطيب بذاته {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] يعني يُحرّم عليهم الخبيث بذاته، فهو خبيث بذاته فيه ضرر ولا نرجع في ذلك إلى ما تقدم ذكره؛ لأن الاستخباث أمر اعتباري، ولذا لما أُتي بالضب في مائدته عليه الصلاة والسلام قال: (إني لم أجده في أرض قومي فأجدني أعافه) متفق عليه. بعض الناس قد يستخبث لحم البقر؛ لأنه لم يعتد أكله، ولم يعتد أهله أكل ذلك، ولا يجد أن قومه يأكلونه، وبعضهم قد يستخبث أكل لحم الإبل، وبعضهم يستخبث بعض الصيد، وبعضهم يستخبث الضب وعلى ذلك فنقول: إن الصحيح أن الخبيث: هو ما كان خبيثاً بذاته، وأن الطيب: هو ما كان طيباً بذاته، وأن المعنى: أن الله جل وعلا يُحل لهم فيما يوحيه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان طيباً، ويحرم عليهم فيما يوحيه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان خبيثاً هذا هو الصحيح. وعلى ذلك فالحشرات تحل على مذهب الإمام مالك، وتحرم على قول الجمهور، والصحيح أنا نرجع إلى أهل الطب، فإن ذكروا لنا أن فيها ضرراً فإنا ننهى عن أكلها، وإن لم يذكروا فيها ذلك فإنا لا نقول بتحريمها إذاً الخبيث ما كان خبيثاً بذاته والطيب ما كان طيباً بذاته. قال المؤلف رحمه الله: [حتى المسك ونحوه]. يجوز أن يوضع المسك في الشراب ويُشرب ولا مانع من ذلك، وإن كان الناس لا يعتادونه. فمراد المؤلف هنا أن كون الناس لم يعتادوا على طعام لا يعني أنه حرام، مثل قشر البرتقال أو قشر الموز أو قشر البيض، فإنها أطعمة لم يعتد الناس أكلها، فلا نقول غنها حرام.

تحريم أكل النجاسات

تحريم أكل النجاسات قال: [ويحرم النجس كالميتة والدم ولحم الخنزير]. قال تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145]. فكل نجس فهو حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير. قال المؤلف رحمه الله: [وكذا البول والروث ولو طاهرين]. قال هنا: (ولو طاهرين). أي: لاستقذارهما، يقول: يحرم أكل البول والروث ولو كان طاهراً كروث الغنم، ولا نقول إنه حرام لأنه نجس، فليس بنجس؛ لكنه مستقذر، أي: مستخبث. ونرجع إلى ما تقدم فنقول: إن كان فيه ضرر على الأبدان أو العقول أو الأخلاق فهو حرام، وإن لم يكن فيه ضرر فإنه لا يحرم. إذاً: ما كان نجساً في الشرع فهو حرام، وما كان مستقذراً عند الناس فلا شك أن أكله لا ينبغي؛ لكن هل يحرم؟ نقول: إن كان ضاراً فهو حرام، وإن لم يكن ضاراً فليس بحرام.

ما يحرم من حيوان البر

ما يحرم من حيوان البر قال: [ويحرم من حيوان البر الحمر الأهلية]. أي: لما جاء في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل). فالحمر الأهلية هي هذه الحمر المعروفة التي تُركب، وليست الوحشية ذات الخطوط، فإن الوحشية من الصيد، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما أُهدي له حمار وحش كما في الصحيحين قال: (كلوا ما بقي من لحمه). وفي الصحيحين: (أن الصعب بن جثامة أهدى له حماراً وحشياً)، فالحمار الوحشي صيد. وأما الحمار الأهلي الذي يُركب فهو حرام ولو توحش، أي: لو أن الناس تركوه في البراري -ولم يتخذوه كما في هذا الزمن- حتى توحش وصار يأكل من أعشاب الأرض ويأكل ما يجد من الجيف وغير ذلك؛ فإنه يبقى حراماً باتفاق العلماء، وإنما الكلام في الحمار المتوحش الذي له خطوط، فهو نوع آخر، وهو صيد. قال المؤلف رحمه الله: [وما يفترس بنابه كأسد، ونمر، وذئب، وفهد، وكلب، وقرد، ودب، ونمس، وابن آوى، وابن عرس، وسنور ولو برياً، وثعلب، وسنجاب، وسمّور]. فما له ناب فإنه يحرم عند الجمهور خلافاً لـ مالك، ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير)، وهذا زائد على ما جاء في القرآن: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145]، فإن الآية مكية، ونهي النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع إنما كان في المدينة. وما ذكر المؤلف رحمه الله هنا من الحيوانات فإنها كلها تحتاج إلى تحقيق المناط، فما كان ذا ناب يفترس به فهو حرام؛ لأن بعض هذه الأنواع قد نجهلها ولا نجزم بأنها ذات ناب حتى نتحقق من ذلك إما بأنفسنا أو بسؤال أهل الخبرة، فالمقصود من ذلك أن ما كان فيه ناب يفترس به فهو حرام. وذكر المؤلف السنور، والسنور الهرة، ويدل على تحريم أكل الهرة نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن ثمنها وبيعها، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن السنور، ونهى عليه الصلاة والسلام -كما في أبي داود - عن أكل الهر، ولأن لها ناباً كما تقدم.

ما يحرم من الطير

ما يحرم من الطير قال: [ويحرم من الطير ما يصيد بمخلبه، كعقاب، وباز، وصقر، وباشق، وحدأة، وبومة]. لأن هذه المذكورة لها مخلب تأكل به وتعدو به، فهذه كلها حرام داخلة في النهي الوارد في صحيح مسلم: (وكل ذي مخلب من الطير). قال: [وما يأكل الجيف]. الذي يأكل الجيف حرام، ولذا نهى الشرع عن أكل الغراب الأبقع، فقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس يُقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع) وهو الذي في رأسه بياض أو في بعض بدنه بياض (والفأرة، والحدأة، والكلب العقور). وأمر الشرع بقتلها دال على النهي عن أكلها، إذ لو جاز أكلها لم يأمر بقتلها؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال، ولأمر الشرع بذبحها لتؤكل، لكنه قال: (يُقتلن) فدل ذلك على أنها لا تُذبح فتؤكل، وعلى ذلك فلازم أمر الشرع بقتلها نهيه عن أكلها، فكل ما أمر الشرع بقتله فإنه لا يؤكل. إذاً: هذه هي قاعدة قال أهل العلم إنها أصل في المطعومات، وهي أن كل ما أمر الشرع بقتله فإنه لا يجوز أكله؛ لأن الشرع ينهى عن إضاعة المال، ولو كان أكله جائزاً لأمر بذبحه لا بقتله. وكذلك قالوا -وهو أصل آخر- ما نهى الشرع عن قتله فحرام أكله؛ لأنه لو أجزنا أكله لكان ذلك ذريعة إلى قتله، وقد جاء في سنن أبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل أربع: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)، والصرد: نوع من الطير. فهذه نهى الشارع عن قتلها فلا يجوز أكلها، إذ لو جاز أكلها لكان ذلك ذريعة إلى قتلها. كما أن الشارع نهى عن قتل الضفدع كما جاء في سنن أبي داود والنسائي ومسند أحمد، ففيها أنه: (أتاه طبيب فسأله عن أكل الضفدع للدواء؟ فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفادع)، فلا يجوز أكلها؛ لأنا لو أذِنّا في قتلها لقتلها الناس أو ذبحوها. قال: [وما يأكل الجيف كنسر، ورخم، وقاق، ولقلق] وهو نوع من الطير يأكل الحيات، [وغراب، وخفاش، وفأر، وزنبور، ونحل، وذباب، وهدهد، وخطاف، وقنفذ، ونيص، وحية، وحشرات]. هذه كلها تأكل الجيف، وعلى ذلك فتحرم. إذاً: كل ما يأكل الجيف فإنه يحرم، وهذه الأنواع -كما ذكرت- تحتاج إلى تحقيق المناط، أعني تحقيق العلة؛ فإن ثبت لنا أن العلة متحققة فيها وهي أكل الجيف قلنا إنها حرام؛ لأن الجيف خبيثة، وأكلها يؤثر على اللحم، ولذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة التي تأكل النجاسات وعن شرب لبنها، كما جاء هذا في سنن أبي داود والترمذي، وهو حديث صحيح، فكذلك ما يأكل الجيف لأن لحمه يتأثر بهذا الخبث الذي يأكله، وعلى ذلك فيكون ضاراً. وهذا الذي ذكر المؤلف يحتاج إلى تحقيق المناط، فالغراب الأبقع يأكل الجيف، ولذا نهى عنه الشارع؛ لكن النيص لا يأكل الجيف وإنما يأكل جمار النخل، ولذا فإن الصحيح أن النيص حلال، والنيص: شبيه بالقنفذ وإن كان يختلف عنه في الحجم، ولذا فإنهم يقولون: هو عظيم القنافذ. وأدخل المؤلف أنواعاً ليس تحريمها لأكل الجيف، وإنما تحريمها لأن الشرع نهى عن قتلها كالنمل والنحل.

حل ما تولد من مأكول طاهر

حل ما تولد من مأكول طاهر قال: [ويؤكل ما تولد من مأكول طاهر]. أي: إذا كان عندنا مأكول طاهر مثل التمر والجبن فتولد منه دود، فهذا الدود يتبعه في الحل، ولذا قال هنا: [ويؤكل ما تولد من مأكول طاهر كذباب الباقلا، ودود الخل والجبن، تبعاً لا انفراداً]. يعني: ما يجمع ويؤكل، وإنما يكون تبعاً للجبن وتبعاً للخل وتبعاً للباقلا، فهذا جائز؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.

تلخيص أصول الأطعمة المحرمة

تلخيص أصول الأطعمة المحرمة إذاً ما كان ذا ناب من السباع، وما كان ذا مخلب من الطير، وما أمر الشرع بقتله، وما نهى الشرع عن قتله، وما كان يأكل الجيف، وما كان ضاراً بالأبدان أو العقول أو الأخلاق؛ فإن ذلك يحرم. وهذه عدة أصول يجمعها هذا الأصل الأخير: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. فكل ما كان ضاراً بالأبدان أو العقول أو الأخلاق فهو حرام، ومنه كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع، وما يأكل الجيف، وما نهى الشرع عن قتله كالهدهد والنحل، وما أمر الشرع بقتله كالحية والعقرب؛ فهذه أصول الأطعمة المحرمة. وما ذُكر لنا من أنواع إن كان النبي عليه الصلاة والسلام قد نص على حكمها فهذا واضح، وإن كان لم ينص عليه فنحتاج إلى ما يسمى بتحقيق المناطق، أي: تحقيق العلة، فما تحققت فيه العلة التي تقتضي النهي قلنا بتحريمه، وما لم تتحقق فيه قلنا بإباحته. قال: [فصل: ويباح ما عدا هذا كبهيمة الأنعام]. قال الله جل وعلا: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة:1]. [والخيل]. للحديث المتقدم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام حرّم يوم خيبر الحمر الأهلية وأذن بالخيل)، فالخيل مباحة. [وباقي الوحش كضبع]. الضبع صيد كما جاء عند الخمسة وصححه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه: (أن الضبع صيد). فإن قيل: إنه ذو ناب؟ ف A أن أضراسه صفيحة وليست ناباً كسائر السباع؛ ولأنه لا يفترس في العادة، يعني إلا عند الحاجة، فليس له افتراس في العادة أو في الغالب، إنما غالب أكله الأعشاب ولذا فهو صيد، وهذا نص عن النبي عليه الصلاة والسلام. قال: [وزرافة، وأرنب، ووبر، ويربوع، وبقر وحش، وحمره]. حمر الوحش كما تقدم مباحة لما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة وغيره. قال: [وضب]. لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإن لم يأكله؛ لكنه أقر خالداً على أكله في مائدته عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- وقال: (إني لم أجده في أرض قومي فأجدني أعافه). [وظباء]، [وباقي الطير كنعام ودجاج]. فقد أكل النبي عليه الصلاة والسلام الدجاج كما في الصحيح. [وطاووس، وببغاء، وزاغ] هذا نوع من الطير، [وغراب زرع] لأن غراب الزرع لا يأكل الجيف، وإنما يأكل الزرع.

حكم حيوان البحر

حكم حيوان البحر قال: [ويحل كل ما في البحر]. كل ما في البحر فهو حلال لقول الله جل وعلا: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة:96]. وروى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في البحر: (هو الطهور ماءه الحل ميتته). قال: [غير ضفدع]. أي: فتحرم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قتله كما روى ذلك أحمد وأبو داود والنسائي. [وحية] لأنها من المستخبثات، والمقصود حية البحر، وهذا يحتاج إلى تحقيق مناط فإن كانت ذات سم تلدغ كحية البر فلها حكم حية البر، وأما إذا كانت كحية البر في الصورة فقط ولا تلدغ فهي حلال، ولذا فإن القول الثاني لأهل العلم هو الجواز. قال: [وتمساح] قالوا؛ لأن التمساح له ناب. إذاً: كل ما في البحر فهو حلال لعموم الحديث، ولا يستثنى من ذلك إلا الضفدع والحية والتمساح.

حكم الجلالة

حكم الجلالة قال: [وتحرم الجلالة، وهي التي أكثر علفها النجاسة، ولبنها، وبيضها] يعني: ويحرم لبنها وبيضها. فالجلالة من الدجاج والغنم والبقر والإبل التي يكون غالب أكلها النجاسات حرام؛ لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن الجلالة عن أكلها وشرب لبنها، كما جاء هذا في أبي داود والترمذي، وهو حديث صحيح. قال: [حتى تُحبس ثلاثاً وتُطعم الطاهر] كما صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما. فإذا حُبست الجلالة ثلاثة أيام لا تُطعم إلا طاهراً، فإن دمها يطهر من هذه النجاسة التي ترد إليها فتحل. فبعض الناس يشتري دجاجاً يُطعمه أهله القاذورات من الأرواث النجسة وغيرها، فيشتريه ويحبسه عنده ثلاثة أيام يطعمه الشعير والخبز ونحوه فيحل، وقد صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه ولا يُعلم له مخالف.

الأطعمة المكروهة

الأطعمة المكروهة قال: [ويُكره أكل تراب وفحم وطين وأُذن قلب] يعني: الغدة التي تكون داخل القلب مثل الأذن، ولم أقف على دليل صحيح يدل على كراهية ذلك. أما ما ذكر من أكل التراب والفحم والطين، فإن كان يضر فهو حرام، وإن كان لا يضر فإنا لا نقول إنه حرام ولا مكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل. وبعض النساء الحوامل يكون وحام بعضهن أكل التراب، وبعضهن يكون وحامها أكل الفحم، وإذا أكلت ذلك لم يضرها. إذاً: المناط هو الضرر، فإن كان يضر إما بقول طبيب ثقة، أو كان ذلك بالعلم التجريبي عند الناس فإنه حرام، وإن كان غير ضار كأن يأكل الشيء اليسير منه فإنا لا نقول إنه حرام ولا نقول إنه مكروه أيضاً؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل. قال: [وبصل، وثوم، ونحوهما] يعني ككراث وفجل، وذلك لكراهة رائحتها، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم) متفق عليه. وجاء في الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما كره ذلك من أجل ريحه، ولذا فإنها تُمات طبخاً حتى تذهب رائحتها، فهذه كراهة من أجل الريح، فكل طعام له رائحة مكروهة فإنه يُكره؛ لأن هذا يؤذي الملائكة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم. قال: [ما لم ينضج بطبخ] أي: فإذا نضج بطبخ وزالت رائحته أو خفّت جداً فإنه لا يُكره.

أكل الميتة للمضطر

أكل الميتة للمضطر قال: [فصل: ومن اضطر جاز له أن يأكل من المحرم ما يسد رمقه فقط]. لقول الله جل وعلا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173]] أي: من اضطر لأكل ما يحرم مما تقدم ذكره ((غَيْرَ بَاغٍ)) أي غير طالب لذلك ولا مريد له، فلا يشتهي هذا ويرغبه ويطلبه ((وَلا عَادٍ)) يعني: لا يتجاوز سد رمقه؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولذا قال المؤلف هنا: [ما يسد رمقه فقط]. إذاً: من اضطر وهو لا يحمله على ذلك الشهوة وإنما حمله الاضطرار، ولا يأكل فوق ما يسد رمقه فهو غير باغ ولا عاد، فيجوز أن يأكل من الميتة أو من النجاسات ما يسد الرمق فقط، وما يدفع ضرورته فقط لا يتجاوز ذلك. وعنه: له الشبع؛ يعني: له أن يشبع من الميتة، والصحيح ما قاله الموفق رحمه الله: وأن له الشبع إذا كان لا يرجو زوال ضرورته. يعني: إذا كان في حال بحيث إنه لا يرجو أن تزول عنه هذه الضرورة قريباً، وذلك أن بعض الناس يكون في مفازة ويجد ميتة ولا يرجو الوصول إلى الطعام فيقول: كيف أنتظر وليس لي طريق بحيث أني أنجو من هذه المفازة، فهذا له أن يأكل حتى يشبع، وأما إذا كان يرجو زوال هذه الضرورة فإنه يأكل ما يسد رمقه فقط. قال: [ومن لم يجد إلا آدمياً مباح الدم كحربي وزان محصن فله قتله وأكله]: إذا لم يجد طعاماً يأكله، ولم يجد إلا آدمياً مباح الدم، أي: غير معصوم الدم، ومعصوم الدم هو المسلم والذمي، فإذا كان معصوم الدم فلا يجوز قتله لدفع المجاعة ودفع الاضطرار. وأما إذا كان حربياً أو كان زانياً محصناً قد أُبيح دمه لزناه، فإنه يجوز قتله وأكله. فإن وجد معصوماً ميتاً، فهل له أن يأكله؟ إذا لم يجد ما يأكل إلا هذا المعصوم الميت فالمذهب أنه لا يجوز أكله. والقول الثاني في المسألة وهو الراجح: أنه يجوز أكله، وهو مذهب الشافعية؛ لأن حرمة الحي تُقدم على حُرمة الميت، فهو لم يقتله لكنه ميت وهو معصوم الدم فأكل منه ما يدفع به ضرورته. وهل يجوز أن يأكل من بدنه كفخذه ونحوه ما تزول به ضرورته؟ قولان: المشهور في المذهب أنه لا يجوز. والقول الثاني في المذهب: الجواز، وهو أصح؛ لأن أكله شيئاً من فخذه مفسدة صغرى فتُقدم على المفسدة الكبرى وهي هلكته؛ فلا بأس بذلك على الصحيح.

انتفاع المضطر بمال الغير أو أكله

انتفاع المضطر بمال الغير أو أكله قال: [ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه وجب على ربه بذله مجاناً]. هذا رجل احتاج إلى مال غيره من غير إتلاف لهذا المال، كأن يُضطر إلى ثوب يدفع به البرد، أو يُضطر إلى سكين يذبح بها، فيأخذه مجاناً بلا أُجرة ما دام مُضطراً إليه؛ لأن ذلك من الماعون الذي قال الله جل وعلا: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] فيجب بذله مجان ما دام أن العين ترجع إلى صاحبها. وإن كان بحيث تتلف العين كرجل في مفازة فمر على رجل من أهل البادية وعنده طعام، فالواجب عليه أن يبذله له بثمنه، فإن أبى أن يبذله له بالقيمة فإنه يأخذه قهراً؛ لأن هذا من باب دفع الصائل، أي: أن هذا الذي منع كالذي يصول على الأبدان. إذاً: إذا كان بحيث يتلف كالطعام فيبذل له بالقيمة وجوباً، واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وجوب بذله مجاناً للمضطر، قال: لأن إحياء النفس واجب، وهذا من إحياء النفس، فيجب أن يُبذل له مجاناً، وهذا هو الراجح.

أكل المار من البستان واحتلابه الماشية

أكل المار من البستان واحتلابه الماشية قال: [ومن مر بثمر بستان لا حائط عليه ولا ناظر فله من غير أن يصعد على شجرة أو يرميه بحجر أن يأكل ولا يحمل]. من مر على بستان، وهذا البستان ليس له حائط، أي: جدار أو نحوه، وليس له ناظر، أي: حارس، ومثل ذلك من مر على ماشية وليس معها راع، فله أن يحتلب من غير أن يحمل، وهذا الذي يمر على البستان له أن يأكل من غير أن يحمل إذا لم يكن عليه حائط ولا ناظر. ويدل على ذلك ما جاء في الترمذي وغيره وهو حديث صحيح، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من مر على ماشية وكان معها صاحبها فليستأذن وليحتلب وليشرب، وإن لم يكن معها صاحبها فليصوت ثلاثاً ثم ليحتلب وليشرب، ولا يحمل). ونحوه في البيهقي من حديث أبي سعيد وفيه ذكر الحائط، قال ابن القيم: جاء ذلك عن طائفة من الصحابة. ثم قال: [وكذا الباقلا والحمّص] وشبه ذلك مما يؤكل رطباً، فإنه يأخذه ويأكله إذا لم يكن عليه حائط ولا ناظر، وإن كان عليه حائط أو ناظر فلا بد من إذن.

حكم الضيافة

حكم الضيافة قال: [وتجب ضيافة المسلم على المسلم في القرى دون الأمصار]. الأمصار فيها مطاعم يمكنه أن يأتي هذه المطاعم ويأكل، وأما في القرى والبوادي -وهي التي ليس فيها أماكن يُباع فيها الطعام- فإن الضيافة تجب كما قال: [يوماً وليلة] أي: لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته؟ قال: يوم وليلة، الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فصدقة)، يعني: وما وراء ذلك فصدقة. فالضيافة تجب يوماً وليلة، وتُستحب ثلاثة أيام، وما زاد فصدقة، ولذا قال: [وتستحب ثلاثاً] أي: ثلاثة أيام. واختار ابن رجب أن هذه الضيافة تجب للذمي أيضاً، وهذا هو الراجح لعموم الحديث، يعني: حتى الذمي الذي يمر على البوادي والقرى يجب أن يُكرم. فإذا لم يُكرم فله أن يأخذ من أهل هذا البيت ما ينبغي له، يعني: ما يُضيف به، وله أن يُقاضيهم عند القاضي؛ لأن ذلك واجب له وحق له كالنفقة، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (وإذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له) يعني يؤخذ منهم حق الضيف من غير مفسدة، وإلا فله أن يرفع ذلك إلى القاضي ليأخذ حقه؛ لأن هذه الضيافة واجبة. وفي هذا الزمان توجد المطاعم التي يستغني بها الناس والمارة، أما إذا لم توجد فإن الواجب على أهل البيت الذين يمر عليهم الضيف أن يُكرموا ضيفهم. ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه

دليل الطالب_كتاب الأطعمة [2]

دليل الطالب_كتاب الأطعمة [2] سيد الطعام اللحم، واللحم من المنتجات الحيوانية، ولا يحل لحم الحيوان إلا بذكاة شرعية، والذكاة الشرعية لها شروط يجب توفرها في الذابح والآلة والمذبوح، ولها آداب وسنن ينبغي مراعاتها، وفيها مكروهات ينبغي تجنبها.

أحكام الذكاة

أحكام الذكاة

الشرط الأول للذكاة كون الفاعل عاقلا مميزا قاصدا للذكاة

الشرط الأول للذكاة كون الفاعل عاقلاً مميزاً قاصداً للذكاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الذكاة: وهي] أي الذكاة [ذبح أو نحر الحيوان المقدور عليه]. فالذكاة هي ذبح أو نحر، فالنحر في الإبل والبقر، والذبح في الغنم والبقر وغيرها، والبقر قد تُنحر وقد تُذبح. قوله: [لا ما ند] سيأتي الكلام عليه إن شاء الله فإذا كان الحيوان مقدوراً على تذكيته فلا بد أن يُذكى. قال: [وشروطها] أي الذكاة، [أربعة: أحدها: كون الفاعل عاقلاً مميزاً قاصداً للذكاة]. فلا بد أن يكون المذكي له قصد، والذي يكون له قصد هو العاقل المميز، وأما المجنون والسكران والطفل غير المميز فإنهم لا قصد لهم، وعلى ذلك فلا تجزئ تذكيتهم؛ ولأن التذكية لا بد فيها من التسمية، والتسمية عبادة وهؤلاء لا تصح عبادتهم. أي: الطفل غير المميز وهو من كان دون سبع سنين، وكذلك المجنون، وكذلك السكران لا تصح عبادتهم. إذاً لا بد أن يكون أهلاً للتذكية وهو العاقل المميز، ولا يشترط أن يكون بالغاً، بل هو العاقل المميز قال: [فيحل ذبح الأنثى]. كما جاء في البخاري في جارية ذبحت شاة كادت أن تموت، فكسرت حجراً فذبحتها به، يعني: أصبح هذا الحجر حاداً كالسكين، فسُئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فأمر بأكلها. ولا خلاف بين أهل العلم أن المرأة تجزئ تذكيتها. [والقن] وهو العبد، [والجنب] أي: لا يشترط أن يكون المذكي غير جنب، والمرأة كذلك ولو كانت حائضاً، وإذا كان ذبح أهل الكتاب يجزئ فأولى من ذلك الجنب والحائض، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا. قال: [والكتابي]: يعني تجزئ تذكيته، والكتابي لا يشترط -خلافاً للمشهور في المذهب- أن يكون أبواه كتابيين، وهو ظاهر الأدلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وعليه أقوال الصحابة لا نزاع بينهم في ذلك، وعليه نصوص أحمد وهو قول أكثر الفقهاء. فهذا هو الصواب خلافاً للمشهور في المذهب، قال الله جل وعلا: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] وهذا من الذين أوتوا الكتاب. قال ابن عباس رضي الله عنه كما في البخاري: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] أي ذبائحهم. فذبيحة الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً تحل ولا يُشترط -كما تقدم- أن يكون أبواه كتابيين، وأما غير الكتابي فلا تجزئ ذكاته، ولذا قال المؤلف: [إلا المرتد]. المرتد ولو انتقل لدين أهل الكتاب؛ لأنه لا يقر على ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من بدّل دينه فاقتلوه). قال: [والمجوسي، والوثني، والدرزي، والنصيري]. أي: لأن هؤلاء ليسوا على الإسلام فلا تحل ذبائحهم. وهنا مسألتان في الكتابي: إذا ذكر الكتابي اسم المسيح على ذبيحته فهل تحل؟ قولان لأهل العلم أصحهما وعليه الجمهور: أنها لا تحل؛ لقول الله جل وعلا: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3]. والمسلم إذا أشرك فأهل لغير الله بذبيحته لم تحل فأولى من ذلك الكتابي، فإذا كانت الذبيحة قد ذُكر عليها اسم المسيح فإنها لا تحل. المسألة الثانية: إذا ذبح الكتابي ما لا يحل له في شريعته فقولان لأهل العلم أصحهما: إجزاء تذكيته وإن كان هذا الطعام لا يحل له هو في شريعته، كالإبل إذا نحرها، وكذلك الغنم والشحوم، قال تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام:146] فإن ذكى فللمسلم أن يأكل الشحوم؛ لأن الدليل دل على إجزاء تذكيته وإنما يحرم الشحم عليه هو، وأما نحن فلم يحرم ذلك علينا وتذكيته مجزئة فدل ذلك على أن كل ما يدخل في هذا الحيوان ومنه الشحم أنه مباح.

الشرط الثاني للذكاة الآلة

الشرط الثاني للذكاة الآلة قال: [الثاني: الآلة: فيحل الذبح بكل محدد من حجر وقصب وخشب وعظم غير السن والظفر]. لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل غير السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة) يعني سكينهم، فإن الحبشة يذبحون بأظافرهم. وعلى ذلك فيجزئ الذبح بكل محدد كحجر إذا كان له حد كالسكين، وأما إذا ذبح بعرضه فإن ذلك لا يجزئ ولا بد أن يكون محدداً، لكن لو ذبح بثقله فإن ذلك لا يجزئ؛ لأنه لا بد أن يكون ذا حد يُنهر الدم، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل).

الشرط الثالث للذكاة قطع الحلقوم والمريء

الشرط الثالث للذكاة قطع الحلقوم والمريء قال: [الثالث: قطع الحلقوم والمريء]: الحلقوم: هو مجرى النفس. والمريء: هو مجرى الطعام والشراب. فإذا قطع الحلقوم والمريء فقد أنهر الدم، والحديث يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم). وقال بعض العلماء وهو رواية عن أحمد: لا بد كذلك أن يقطع الودجين، وهما مجرى الدم، وعليه فيقطع الحلقوم والمريء والودجين. وقال بعض الفقهاء كما في الكافي: إنه يكفي قطع الودجين؛ لأن الودجين هما مجرى الدم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما أنهر الدم) وهذا هو الصحيح، لكن الأكمل أن يقطع الودجين والحلقوم والمريء. قال: [ويكفي قطع البعض منهما]: لأنه إذا قطع البعض فقد أنهر الدم، ولو أخذ سيفاً وقطع رأسه مرة واحدة أجزأ ذلك؛ لأن هذا ينهر الدم، ولأن فيه قطعاً للجميع كما تقدم إيضاحه. قال: [ويحل ذبح ما أصابه سبب الموت من منخنقة ومريضة وأكيلة سبع، وما صيد بشبكة أو فخ، أو أنقذه من مهلكة إن ذكاه وفيه حياة مستقرة كتحريك يده أو رجله أو طرف عينه]. أي: إذا كان في هذا الحيوان حياة مستقرة كما قال المؤلف: (كتحريك يده أو رجله أو طرف عينه) فإذا كانت فيه هذه الحياة المستقرة فأدركته فذبحته فقد حل؛ لقول الله جل وعلا: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة:3] فإذا أدركت هذه الشاة من فم الذئب وفيها حياة مستقرة فذبحتها فقد حلت، وإذا أدركتها وقد سقطت من الجبل وفيها حياة مستقرة فذبحتها فقد حلت إذاً: لا بد من الحياة المستقرة. وقال الأحناف: إذا كان فيها حياة ولو كانت هذه الحياة غير مستقرة فإنها تذكى وتحل، والحياة غير المستقرة مثل أن تتحرك حركة المذبوح؛ قالوا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث الجارية التي أدركت الشاة قبل أن تموت فذبحتها بحجر لم يستفصل هل فيها حياة مستقرة أم لا، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال. وقيد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا القول بأن يخرج الدم أحمر؛ لأن خروج الدم أحمر يدل على حصول التذكية؛ لأن الميتة يكون دمها أسود، وهذا ظاهر. وعلى ذلك فالصحيح ما ذهب إليه الأحناف بهذا القيد، وهو أن يخرج الدم أحمر. قال: [وما قُطع حلقومه أو أُبينت حشوته] أي قطعت أمعائه [فوجود حياته كعدمها]، والصحيح ما تقدم، وأنه إن أُدرك وفيه نوع حياة وكان الدم أحمر فإن تذكيته تجزئ. قال: [لكن لو قطع الذابح الحلقوم ثم رفع يده قبل قطع المريء لم يضر إن عاد فتمم الذكاة على الفور]، وهذا واضح؛ يعني أنه قد يقطع الحلقوم ويرفع يده ثم يعود ويقطع المريء، فهذا يجزئ، وهذا ظاهر لإطلاق الحديث: (ما أنهر الدم) وهذا قد أنهر الدم. قال: [وما عجز عن ذبحه كواقع في بئر ومتوحش فذكاته بجرحه في أي محل كان]. أي: ما عُجز عن ذبحه كناقة وقعت في بئر لا يستطيعون أن يخرجوها فينحروها. وأيضاً: بعض الغنم تتوحش فتكون على رءوس الجبال ولا يستطيعون أن يُمسكوها فهذه تُرمى بالسهم كالصيد وتُجرح من أي موضع كانت. ويدل على ذلك ما في الصحيحين: (أن بعيراً ند فأهوى رجل بسهم فرماه فحبسه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما ند منكم فاصنعوا به هكذا)، أي: إذا توحش ولم تتمكنوا من إمساكه وتذكيته فاصنعوا به هكذا، يعني: ارموه بسهم أو نحوه كالصيد.

الشرط الرابع للذكاة البسملة

الشرط الرابع للذكاة البسملة قال: [الرابع: قول باسم الله، لا يجزئ غيرها عند حركة يده بالذبح]. أي: أن يقول عند حركة يده بالذبح: باسم الله. قوله: (لا يجزئ غيرها) أي: لا يجزئ أن يقول باسم الرحمن، ولا باسم العزيز؛ لأن النص جاء بلفظ الجلالة كما في صحيح مسلم؛ ولأن ذكر الله إذا أُطلق فإنه ينصرف إلى لفظ الجلالة، وقد قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121]. قال: [وتجزئ بغير العربية ولو أحسنها]. أي: إذا كان يُحسن العربية وهو غير عربي فذكر اسم الله بلغته فإن ذلك يجزئ ولو كان يُحسن العربية. والقول الثاني في المسألة وهو قول بعض الحنابلة: أنه إن كان يُحسن العربية ويُحسن أن يقول باسم الله فلا يجزئه إلا أن تكون بالعربية، هذا هو الراجح، وقد قالوا كما تقدم: إنه لا يجزئه أن يقول باسم الرحمن، أو يقول باسم العزيز، وهذا أولى من غير العربي؛ ولأن النص جاء بلفظ الجلالة (الله). وعلى ذلك فلا يجزئه ولو كان غير عربي إلا أن يقول باسم الله؛ لكن إن كان لا يُحسن فيجزئه أن يقول ذلك بلغته. قال: [ويُسن التكبير] كما جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (باسم الله والله أكبر). قال: [وتسقط التسمية سهواً]. قال ابن عباس رضي الله عنه كما في البخاري: إذا نسي فلا بأس، فالتسمية تسقط سهواً؛ ولأن الله قال: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] ومن ترك التسمية سهواً فليس ذلك منه فسق؛ لأن الفسق إنما يكون على جهة التعمد لا على جهة النسيان. قال: [لا جهلاً] أي: إن سقطت جهلاً فلا تجزئ التذكية، لا إن تركها ناسياً. والصحيح أنه لا فرق بين الجهل والنسيان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سوّى بينهما في عدم المؤاخذة، فقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود وغيره: (رُفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه). وفي لفظ: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه). فالصحيح أن الجاهل معذور. إذاً: التسمية فرض للآية، ولحديث (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكلوا) فدل على أن التسمية فرض، لكنها تسقط عند النسيان في قول جمهور العلماء وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، ولا يُعلم له مخالف. قال: [ومن ذكر مع اسم الله جل وعلا اسم غيره لم تحل]؛ لأن هذا شرك، والله جل وعلا يقول: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3]، فإذا ذكر شيخاً أو سيداً مع الله جل وعلا فهذا من الشرك، فلا تحل ذبيحته.

ذكاة الجنين

ذكاة الجنين قال: [فصل: وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه]. أي: إذا ذبحت شاة وفي بطنها جنين فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه، فتذكيتك للأم يبيح ما في بطنها فلا يحتاج إلى ذكاة، قال عليه الصلاة والسلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح. قال: [وإن خرج حياً حياة مستقرة لم يُبح إلا بذبحه] لأنه أصبح مستقلاً عن أمه، فإذا ذبحت الشاة وخرج الجنين من بطنها وهو حي حياة مستقرة فلابد من ذبحه، أما إذا كانت حياة غير مستقرة كحركة المذبوح فله حكم أمه.

مكروهات الذبح

مكروهات الذبح قال: [ويكره الذبح بآلة كالّة] لأن هذا من تعذيب الحيوان [وسلخ الحيوان أو كسر عنقه قبل زهوق نفسه] وهذا كذلك من تعذيب الحيوان. وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته -أي السكين- وليرح ذبيحته)، وظاهر الأمر الوجوب وأن تعذيب الحيوان بهذه الصورة لا يجوز.

آداب الذبح

آداب الذبح قال: [وسن توجيهه للقبلة] حُكي ذلك عن ابن عمر، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا؛ ولأن الذبح عبادة فكان كالأذان، فيستحب أن يكون إلى القبلة، يعني أن يوجهها إلى القبلة. والعامة يعتقدون أنها إن ذُبحت إلى غير القبلة لم تُجزئ! وهذا لا أصل له في كلام أهل العلم، ولذا قال العلماء إنه يُسن أن توجه إلى القبلة. قال: [وعلى جنبه الأيسر] لأنه إذا جعلها على الجنب الأيسر كان هذا أرفق بهذا الحيوان وأقوى في الذبح، [والإسراع في الذبح] للحديث المتقدم.

حكم ما ذبح فغرق أو تردى

حكم ما ذبح فغرق أو تردى قال: [وما ذُبح فغرق أو تردى من علو أو وطئ عليه شيء يقتله مثله لم يحل]. أي: إذا ذبح الذبيحة ولم تمت بعد فوقع عليها شيء ثقيل يقتل، أو وقعت منه في الماء فلا يدري هل الذي أماتها الذبح أم الماء، أو: هل هو الذي ذبحها أو هذا الشيء الثقيل الذي وقع عليها، فلا تحل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ عدي: (فإذا وقعت في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك). يعني: إذا رميت الصيد بالسهم فوقع في الماء الذي يحصل به الغرق، أو تردى من علو كجبل، كأن يذبحها في مكان مرتفع وقبل أن تموت وقعت، فلا يدري هل الذي قضى عليها هو الذبح أم الوقوع؟ فهنا لا تحل لهذا الشك وتغليباً لجانب الحرمة.

دليل الطالب_كتاب الصيد والذبائح

دليل الطالب_كتاب الصيد والذبائح من طرق اكتساب الطعام الاصطياد، وقد بين الله ما يحل من الصيد وما يحرم، والاصطياد يكون بالسلاح المحدد وبالحيوان المعلم، وله شروط لابد من مراعاتها وإلا حرم الصيد، وإذاً فيجب على من أراد الصيد أن يتفقه فيها

أحكام الصيد

أحكام الصيد

إباحة الصيد

إباحة الصيد قال: [كتاب الصيد]: الأصل في إباحته الكتاب والسنة والإجماع. قال الله جل وعلا: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2]. ولحديث عدي في الصحيحين في الصيد، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل). وأجمع أهل العلم على إباحة الصيد. قال: [يُباح لقاصده] لما تقدم في الكتاب والسنة والإجماع، [ويُكره لهواً]، أي: إذا كان لمجرد اللهو فيُكره، وإذا كان يصيده لهواً ويرميه ولا يأكله، أو يؤذي الناس في زروعهم وفي مواشيهم فإن ذلك يحرم؛ لأنه إذا كان يرميه عبثاً ولا يأكله فهذا من إضاعة المال فلا يجوز. وأما إذا كان يصيده لهواً ويأكله أو يهديه؛ فإن ذلك يجوز. قال: [وهو أفضل مأكول] أي: لأنه من الحلال الذي لا شبهة فيه.

تذكية الصيد

تذكية الصيد قال: [فمن أدرك صيداً مجروحاً متحركاً فوق حركة مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يُبح إلا بها]. وهذه من المسائل التي يجهلها كثير ممن يشتغل بالصيد، يعني أن الصيد إذا أمسكته وهو يتحرك حركة المذبوح فلا يحتاج إلى ذبح، لكن إذا أدركته وفيه حياة فلا بد أن تذبحه لأنه أصبح مقدوراً عليه، بعض الناس يدركه وفيه حياة مستقرة فيتركه حتى يموت! هذا لا يحل، ولذا قال: (فمن أدرك صيداً مجروحاً متحركاً فوق حركة مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يُبح إلا بها؛ لأنه مقدور على ذبحه). قال: [وإن لم يتسع بل مات في الحال حل] أي: لما أمسكه مات فلم يتسع الوقت لذبحه فإنه يحل.

شروط الصيد

شروط الصيد

الشرط الأول أهلية الصائد للذكاة

الشرط الأول أهلية الصائد للذكاة قال: [بأربعة شروط] هذه شروط الصيد [أحدها: كون الصائد أهلاً للذكاة حال إرسال الآلة] أي: كالذكاة. وعلى ذلك يحل صيد الكتابي، أما صيد الوثني فلا يحل، وصيد الطفل غير المميِّز لا يحل، لأن بعض الأطفال يصيدون العصافير وهم غير مميزين كابن أربع أو ابن ثلاث سنين، فلا يحل؛ لأنه لابد أن يكون له قصد. فلا بد أن يكون الذي أرسل الآلة ممن تحل تذكيته. قال: [ومن رمى صيداً فأثبته ثم رماه ثانياً فقتله لم يحل] وذلك لأنه صار مقدوراً عليه بعد الرمية الأولى، رماه مثلاً بقدمه فوقع وأصبح مقدوراً عليه، ثم رماه ثانياً فقتله، لم يحل.

الشرط الثاني الآلة

الشرط الثاني الآلة قال: [الثاني: الآلة وهي نوعان] أي أن الشرط الثاني: الآلة، [وهي نوعان: الأول: ما له حد يجرح به كسيف وسكين وسهم]. أما الحجر لو رمى بها فقتلت بثقلها فلا يحل الصيد، ولا بد أن تكون الآلة تجرح، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عدي لما سأله عن صيد المعراض؟ قال: (إن رميت بحده فكل، وإن رميت بعرضه فلا تأكل)؛ لأنه إذا رماه بعرضه فقد قتل بثقله، مثل الرمح ترسله، فإن أصاب بحده حل الصيد، وإن أصاب بعرضه فإنه لا يحل، والحديث رواه البخاري. قال: [الثاني: جارحة معلمة ككلب غير أسود]، أما الكلب الأسود فشيطان كما في صحيح مسلم، فلا يحل أن يُتخذ للصيد؛ ولأنه لا يجوز اقتناؤه كذلك، فهو شيطان فلا يحل الصيد به. قال الله جل وعلا: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] مكلبين: يعني مؤدبين، فأنتم تؤدبون هذه الكلاب وتعلمونها حتى تصيد، لكن يستثنى من ذلك الكلب الأسود. قال: [وفهد، وباز، صقر، وعقاب، وشاهين]. يعني: سواء كان من الطيور أم من السباع التي تُعلم الصيد. قال: [فتعليم الكلب والفهد بثلاثة أمور: بأن يسترسل إذا أُرسل]. يعني: إذا أُرسل فإنه ينطلق هذا تعليمه. قال: [وينزجر إذا زُجر]. أي: إذا زجروه فمنعوه فإنه ينزجر ويمتنع. وكذلك فإن المُعلَّم إذا صوِّت له للزيادة زاد. قال: [وإذا أمسك لم يأكل]: ولذا جاء في حديث عدي (فإن أكل فلا تأكل) يعني إن أكل الكلب فلا تأكل (فإني أخاف أن يكون إنما أمسك لنفسه)، والله جل وعلا يقول: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4]. قال: [وتعليم الطير بأمرين] إذاً الكلب يتعلم بثلاثة أمور، وأما الطير فبأمرين: [بأن يسترسل إذا أُرسل ويرجع إذا دُعي]، أي: أما إذا أكل فلا يضر؛ لأنه لا يمكن ضرب الطير كما يمكن ضرب السبع. إذاً الكلب يكون تعليمه بثلاث: يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، ولا يأكل لنفسه، ويُرجع في مثل هذا إلى أهل الخبرة، فأهل الخبرة في باب التعليم يُرجع إليهم في هذا. والطير بأمرين: يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، ولا يُشترط أن لا يأكل لنفسه؛ لأن الطير لا يمكن أن يُضرب كما يُضرب الكلب. قال: [ويشترط أن يجرح الصيد، فلو قتله بصدم أو خنق لم يُبح]. للحديث المتقدم في حديث عدي رضي الله عنه، فالكلب لو أنه لم يجرحه لكنه أخذ يطارحه حتى مات بخنق أو ثقل أو نحوه فإنه لا يحل.

الشرط الثالث قصد الفعل

الشرط الثالث قصد الفعل قال: [الثالث: قصد الفعل: وهو أن يُرسل الآلة لقصد الصيد] كما تقدم في الذكاة، فلا بد من القصد، فلو أنه أرسل كلبه لا لصيد وإنما لتعليم فصاد له فإنه لا يحل؛ لأنه لم يقصد الصيد. قال: [فلو سمى وأرسلها لا لقصد الصيد، أو لقصده ولم يره] يعني: يريد الصيد ولكنه لا يرى صيداً، [أو استرسل الجارح بنفسه فقتل صيداً لم يحل]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله عليه فكل) فلا بد إذاً من القصد ليذكر اسم الله.

الشرط الرابع البسملة

الشرط الرابع البسملة قال: [الرابع: قول: باسم الله عند إرسال جارحة أو رمي سلاحه]؛ للحديث المتقدم: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله) فلا بد إذاً أن يقول: باسم الله. قال: [ولا تسقط هنا سهواً]. هذا هو المذهب، قال الحنابلة: إن التسمية لا تسقط هنا سهواً، أما في الذبيحة فتسقط سهواً، قالوا: لأن الصيد على خلاف الأصل، فالصيد يكون بجرحه في أي موضع كان، وأما الذبح فإنه يكون من الحلقوم والمريء، فلما كان الصيد بخلاف الأصل لم يُعف فيه عن النسيان. والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب المالكية والأحناف، وهو الصواب: أن الصيد كالذكاة يُعفى فيه عن النسيان؛ لعموم الحديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه). ولأن التسامح في الصيد أكثر من الذبيحة، ولذا فإنه يجوز أن يكون الجرح في أي موضع كان، فالتسامح فيه أكثر، ولذا فإن الراجح وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أيضاً: أن التسمية تسقط بالنسيان.

حكم ما صيد فوقع في ماء ونحوه

حكم ما صيد فوقع في ماء ونحوه قال: [وما رُمي من صيد فوقع في ماء أو تردى من علو أو وطئ عليه شيء وكل من ذلك يقتل مثله لم يحل] لما تقدم في حديث عدي رضي الله عنه. قال: [ومثله لو رماه بمحدد فيه سم] أي: لأنه لا يدري هل الذي قتله السهم أم السم، ولذا فإنه لا يحل إذا وضع سماً في السهم فلا يُدرى لعل السم هو الذي قتله. قال: [وإن رماه بالهواء أو على شجرة أو حائط فسقط ميتاً حل]. أي: لأنه لا يمكن إلا هذا، إذا كان في الهواء فرماه بسهم فوقع فلا نقول: قد يكون التردي من السماء هو الذي قتله؛ لأنه لا يُمكن إلا هذا، إذ لو كان ذلك لا يحل لأدى إلى ألا يحل طير أبداً. ونقف عند هذا القدر والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

دليل الطالب_كتاب الأيمان [1]

دليل الطالب_كتاب الأيمان [1] الحلف بالله يحتاج إليه المكلف لتأكيد ما يقوله أو يدعيه، فإذا حنث في اليمين المنعقدة وجبت الكفارة المذكورة في كتاب الله، واليمين منها لغو ومنها غموس ومنها منعقدة، ولكل منها أحكام تتعلق بها بينها الفقهاء في كتبهم.

ما تنعقد به اليمين

ما تنعقد به اليمين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الأيمان]. الأيمان: جمع يمين، وهي الحلف والقسم. واليمين: هي تأكيد الأمر المحلوف عليه بذكر معظّم، يقول: والله لا أزور فلاناً في داره، فالأمر المحلوف عليه هو ترك زيارة فلان في داره، فيؤكد هذا بمعظّم وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] الآية. قال: [لا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته كعزة الله وقدرته وأمانته] أي: كأن يقول: وقدرة الله، وعزة الله. قال: [وإن قال: يميناً بالله أو قسماً أو شهادة انعقدت] أي: فإن ذلك كله قسم ويمين. كذلك لو قال: حلفت بالله، أو أحلف بالله فإن ذلك كله من القسم. وإن قال: حلفت ونوى اليمين بالله فيمين أيضاً، أي: إذا قال: حلفت ألا تفعل كذا، أقسمت ألا تفعل كذا ونوى القسم بالله أو الحلف بالله فيمين أيضاً. [وتنعقد بالقرآن]؛ لأن القرآن كلامه جل وعلا، فلو قال: والقرآن، أو والفاتحة فإن ذلك يمين، [وبالمصحف] فلو قال: والمصحف فكذلك؛ لأن المصحف كلام الله جل وعلا، [وبالتوراة، ونحوها من الكتب المنزّلة]؛ لأن التوراة كذلك كلام الله جل وعلا، ويكون مراده التوراة المنزّلة لا ما دخل فيها من تحريف]. إذاً: الحلف بالله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن ذلك كله يمين فيها الكفارة. قال: [ومن حلف بمخلوق كالأولياء والأنبياء عليهم السلام] كالذي يقول والنبي [أو بالكعبة أو نحوها حرم]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من حلف فليحلف بالله أو ليصمت) متفق عليه، وفي الترمذي: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر). وفي الصحيحين (من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله). وفي أبي داود (من حلف بالأمانة فليس منا). هذا يدل على أن الحلف بغير الله شرك لا يجوز، وهو من الشرك الأصغر الذي لا ينقل عن الملة إلا أن يعظم المحلوف به كتعظيمه لله، كالذين يحلفون بـ الحسين، أو بالشيخ، أو بالسيد، ونحو ذلك يعظّمونه بالحلف، ويعظّمونه بأنواع من القرب والعبادات. قال: [ولا كفارة] يعني: لا كفارة في ذلك. فالذي يحلف بالكعبة أو يحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام يأثم ولو حنِث لم يكفّر؛ لأنها يمين غير محترمة، وإنما شُرعت الكفارة لرفع المؤاخذة، والمؤاخذة إنما تكون عن اليمين المحترمة لا اليمين المحرمة التي لا احترام لها، قال جل وعلا: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة:89] فدل ذلك على أن الكفارة شُرعت لرفع المؤاخذة، وهذا إنما يكون في اليمين التي لها احترام دون اليمين التي لا حرمة لها، وهي اليمين بغير الله جل وعلا.

شروط وجوب الكفارة

شروط وجوب الكفارة

أن يكون الحالف مكلفا مختارا

أن يكون الحالف مكلفاً مختاراً قال: [فصل: وشروط وجوب الكفارة خمسة أشياء: أحدها: كون الحالف مكلفاً]. أن يكون الحالف مكلفاً؛ لأن غير المكلف قد رُفع عنه القلم فلا مؤاخذة، والله جل وعلا يقول: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة:89]، والصبي الذي لم يبلغ وإن كان مميزاً لا يؤاخذ، ففي الحديث: (رُفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ)، وهذا هو المشهور في المذهب لأن قلم التكليف مرفوع عنه. وكذلك المجنون، وكذلك السكران، وكذلك الطفل غير المميز فهؤلاء كلهم لا كفارة في أيمانهم. [الثاني: كونه مختاراً]. يعني: لا مُكرهاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)، فإذا كان مُكرهاً فلا كفارة عليه.

أن يكون الحالف قاصدا لليمين

أن يكون الحالف قاصداً لليمين [الثالث: كونه قاصداً لليمين فلا تنعقد ممن سبق على لسانه بلا قصد كقوله: لا والله، وبلى والله في عرض حديثه]. أي: لقوله جل وعلا: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89]، قالت عائشة كما في البخاري: هو قول الرجل: لا والله، وبلا والله. وبعض الناس يقول: والله إلا تتفضل، والله إلا تجلس! يجري ذكر الله على لسانه باليمين من غير قصد، فإذا سألته: هل تقصد اليمين؟ قال: أنا لا أقصد اليمين، فهذه لغو يمين. وأصح القولين أيضاً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن إبراهيم: أن اليمين التي قصد صاحبها منها الإكرام كذلك؛ لأن يمينه على كل حال برة لا يدخلها حنث، فإذا قال رجل لآخر: والله لتجلسن هنا وقام له من مجلسه ليجلس فيه إكراماً له، فهذا لو لم يجلس هذا لا يُعد حانثاً؛ لأنه إنما أراد أن يُظهر كرامته بهذه اليمين، بل إن بعض أهل البادية يرى أنه إذا لم يحلف فإنه قد تنقّصه ولم يعطه حقه من الإكرام، فهذه اليمين يمين برة لا كفارة فيها لأنه لا يطرأ عليها الحِنث. ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وأشار إليه تأخر أبو بكر رضي الله عنه ولم يمتثل أمره عليه الصلاة والسلام؛ لأنه علم أن مقصود النبي عليه الصلاة والسلام إكرام أبي بكر وقد حصل الإكرام بأمره له أن يمكث. ومن هذا النوع أن بعض الناس يقول: والله لتخرجن قبلي من الباب! يريد إكرامه، أو نحو ذلك من الأيمان التي يُراد منها الإكرام فقط.

أن تكون اليمين على أمر مستقبل

أن تكون اليمين على أمر مستقبل قال: [الرابع: كونه على أمر مستقبل لا على أمر ماض]. لأن الأمر الماضي لا يدخله الحِنث بل إما الصدق أو الكذب. فإذا قال: والله لا أزور فلاناً غداً، فهذا مستقبل، وكذا لو قال: والله لا أدخل دار فلان، أو قال: والله لأسافرن غداً إلى مكة، وهنا ننظر: فإن ترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه فقد حنث، فعليه الكفارة. أما الأمر الماضي فلا كفارة في كل حال؛ لكنه إن كان صادقاً فلا إثم عليه، وإن كان كاذباً فهي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الكبائر كما في البخاري من حديث عبد الله بن عمرو وذكر منها اليمين الغموس فسأله ابن عمرو عنها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (هي اليمين التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب). والفقهاء أطلقوا ورأوا أن كل يمين كاذبة يعلم صاحبها أنه كاذب فيها فهي يمين غموس؛ لأنها يمين فاجرة، لكن الصنعاني رحمه الله يرى أن اليمين الغموس هي اليمين التي يقتطع بها مال المسلم هو فيها كاذب دون غيرها، والصحيح ما عليه الجمهور؛ وذلك لأنها يمين فاجرة، لأنه حلف بالله وهو يعلم كذب نفسه، وأقبحها اليمين التي يقتطع بها مال أخيه المسلم وهو فيها كاذب. إذاً: اليمين التي فيها الكفارة هي اليمين التي تكون على أمر مستقبل لا على أمر ماض، ولذا قال: [فلا كفارة على ماض بل إن تعمد الكذب فحرام]؛ أي: لأنها اليمين الغموس، [وإلا فلا شيء عليه]، يعني: إذا لم يتعمد الكذب وظن صدق نفسه. بعض الناس يقول: والله لقد حصل كذا وكذا قبل سنة! وهو إنما حصل قبل سنين لكنه يظن صدق نفسه، أو يقول: والله إن الذي أقبل هو فلان! فيتبين أنه شخص آخر وكان يظن صدق نفسه؛ فهذه يمين لا يلحقه فيها إثم؛ لأنه يظن صدق نفسه، أما التي يعلم كذب نفسه فيها فهي اليمين الغموس كما تقدم.

حنث الحالف بمخالفة ما حلف عليه

حنث الحالف بمخالفة ما حلف عليه قال: [الخامس: الحِنث]. والحنث: هو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله، ولذا قال المؤلف هنا: [الحنث بفعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله]، كأن يقول: والله لا أزور فلاناً فيزوره، أو يقول: والله لأسافرن غداً ولا يسافر. قال: [فإن كان عيّن وقتاً تعيّن]. أي: لو قال: والله لأسافرن غداً إلى مكة فسافر بعد غد فإنه يحنث؛ لأنه عيّن وقتاً، وعليه الكفارة. وأما إذا لم يُعيّن وقتاً كأن قال: والله لأسافرن إلى مكة ولم يُعيّن وقتاً فقال المؤلف: [وإلا لم يحنث] فلا يكون عليه الكفارة، [حتى ييأس من فعله بتلف المحلوف عليه] أي: كما لو قال: والله لأضربن زيداً فمات زيد قبل أن يضربه! فهو هنا لم يُعيّن وقتاً، فإذا يئس بموت المحلوف عليه [أو موت الحالف] نفسه قبل أن يفعل، فقد حنث فعليه الكفارة.

حكم الاستثناء في اليمين

حكم الاستثناء في اليمين قال: [ومن حلف بالله لا يفعل كذا، أو ليفعلن كذا إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إلا أن يشاء الله]. هذه هي اليمين يقيّدها الحالف بتعليق الأمر بالمشيئة فيقول: والله لأزورن فلاناً غداً إن شاء الله، أو قال: والله لأسافرن إلى مكة بعد أسبوع إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إلا أن يشاء الله فلا يحنث؛ لما روى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث)، وعلى ذلك لا كفارة عليه. قال المؤلف: [واتصل لفظاً أو حكماً به] أي: بشرط أن يتصل لفظاً أو حكماً فاتصالها لفظاً بأن يقول: والله لأزوراً فلاناً غداً إن شاء الله! بلا فاصل. واتصالها حكماً: بأن يكون هناك فاصل لا يقطع في العرف، كأن يعطس أو يسعل ثم يقول: إن شاء الله. إذاً إذا قال العبد: والله لأزوراً فلاناً غداً إن شاء الله، واتصل قول (إن شاء الله) بكلامه لفظاً أو حكماً، ثم إنه لم يزره، فلا كفارة عليه للحديث المتقدم، ولذا قال: [لم يحنث فعل أو ترك]. ثم قال: [بشرط أن يقصد الاستثناء قبل تمام المستثنى منه]. يعني: بشرط أن ينوي الاستثناء قبل أن يتم كلامه في المستثنى منه، يقول: والله لأزورن فلاناً غداً، فقبل أن تنتهي هذه الجملة يعقد في قلبه أن يقول إثرها: إن شاء الله. لكن لو قال: والله لأزورن فلاناً غداً، ثم بدا له أن يقول: إن شاء الله فقال: إن شاء الله، أو قال له رجل: قل إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، فالحكم كما قالوا: إن قوله (إن شاء الله) هنا لا يؤثر، وعلى ذلك فإذا حنث فعليه الكفارة. إذاً: لا بد أن يكون قد نوى الاستثناء أثناء جملة المستثنى منه، فلا تتم هذه الجملة إلا وقد نوى الاستثناء. وقال المالكية وهو -كما قال شيخ الإسلام - قول أحمد ومتقدمي أصحابه لكنه خلاف المشهور في المذهب، واختاره رحمه الله: إن هذا الاستثناء يصح ولو لم ينوه حال كلامه السابق الذي هو المستثنى منه، واستدلوا بما جاء في البخاري في قصة يمين سليمان عليه الصلاة والسلام، وفيه أن الملك قال له: قل إن شاء الله، فلم يقل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما إنه لو استثنى لم يحنث) قالوا: فدل ذلك على أنه إذا قالها متصلة بكلامه ولو لم ينوها أثناء كلامه السابق فإنها تؤثر، وهو ظاهر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله)، وما ذكروه قيد لم يقيد به الحديث. وعلى ذلك فالصحيح ما اختاره شيخ الإسلام وهو مذهب المالكية، وذكر شيخ الإسلام أنه قول أحمد ومتقدمي أصحابه.

ما يأخذ حكم اليمين من الألفاظ

ما يأخذ حكم اليمين من الألفاظ

حكم من يحرم على نفسه ما هو حلال

حكم من يحرم على نفسه ما هو حلال قال: [فصل: ومن قال طعامي عليّ حرام، أو إن أكلت كذا فحرام، أو إن فعلت كذا فحرام؛ لم يحرم، وعليه إن فعل كفارة يمين]. ودليله: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين: (لن أعود إلى شرب العسل) فنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1 - 2]، فدل هذا على أن التحريم له حكم اليمين. فمن حرّم على نفسه شيئاً سوى الزوجة -لأن تحريم الزوجة ظهار كما تقدم في كتاب الظهار- وذلك كمن حرّم على نفسه شرب العسل، أو حرّم على نفسه الأكل من الطعام الفلاني، أو أكل التمر، أو أكل السكر، أو نحو ذلك؛ فإنه إن عاد فأكل فعليه كفارة يمين للآية المتقدمة: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]].

حكم من يحلف بالبراءة من الدين ونحوها

حكم من يحلف بالبراءة من الدين ونحوها قال: [ومن قال: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو يعبد الصليب، أو الشرق إن فعل كذا، أو هو بريء من الإسلام، أو من النبي، أو هو كافر بالله إن لم يفعل كذا؛ فقد ارتكب محرماً]، وهي يمين، قال عليه الصلاة والسلام كما روى أحمد والنسائي: (من قال: أنا بريء من الإسلام؛ فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً)، وعلى ذلك فلا يجوز مثل هذا. بعض الناس يقول: أنا بريء من الدين إن كنت فعلت كذا! أو أنا بريء من السنة، أو من الإسلام، أو نحو ذلك؛ فهذا أمر محرم. قال: [وعليه كفارة يمين إن فعل ما نفاه أو ترك ما أثبته]؛ لأنها يمين، فإنه أكد ذلك بهذا القول فكان ذلك بمعنى اليمين، كتحريم شيء أباحه الله له، وعلى ذلك فهذا في معنى اليمين وعليه ففيه الكفارة.

حكم من أخبر عن نفسه أنه حلف ولم يكن حلف

حكم من أخبر عن نفسه أنه حلف ولم يكن حلف قال: [ومن أخبر عن نفسه بأنه حلف بالله ولم يكن حلف فكذبة لا كفارة فيها]. وهذا مثلما تفعل بعض النساء حيث تقول لأولادها: أنا حلفت ألا تفعلوا كذا، وهي ما حلفت لكنها تريد أن تنهاهم عن فعل ذلك الشيء! فهذا كذب ولا كفارة عليها في ذلك.

خصال كفارة اليمين

خصال كفارة اليمين

التخيير والترتيب في كفارة اليمين

التخيير والترتيب في كفارة اليمين قال: [فصل: وكفارة اليمين على التخيير: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام] للآية. وكفارة اليمين على التخيير؛ لأن الله جل وعلا خيّر عباده في هذه الكفارة فقال: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89] يعني: فهي في الأمور الثلاثة الأولى على التخيير، وأما الصيام فهو على الترتيب، فليس له أن يصوم مع قدرته على الإطعام أو على الكسوة أو على التحرير، أما إذا لم يقدر على إحدى هذه الخصال الثلاث فإنه ينتقل إلى الصوم. وكثير من الناس ينتقل إلى الصوم مع قدرته على الإطعام، وهذا لا يجزئ لظاهر الآية الكريمة، وهو قول الجمهور.

صفة كفارة اليمين

صفة كفارة اليمين وإطعام عشرة مساكين هو أن يطعم كل مسكين نصف صاع من التمر أو الشعير، أو ربع صاع من البر أو الأرز كسائر الكفارات، وتقدم ذكر هذا، وإن شاء أن يعطيهم طعاماً مطبوخاً يكفي عشرة فإن ذلك يجزئ كما تقدم في أثر أنس بن مالك رضي الله عنه، ولظاهر الآية الكريمة. والواجب أن يُطعم عشرة فلا يُجزئه أن يُطعم أقل منهم، ولو أعطى خمسة طعام عشرة فإنه لا يجزئ لظاهر الآية الكريمة، فلا بد من العدد، هذا هو قول الجمهور. فإن لم يجد عشرة جاز أن يُطعم من وجد طعام عشرة، يعني: إذا لم يجد إلا مسكيناً واحداً أعطاه طعام عشرة مساكين، وإن وجد خمسة أعطى كل واحد منهم طعام مسكينين، أما إذا وجد عشرة فلا يجزئه إلا أن يُطعم هذا العدد؛ لأن الله عز وجل نص على هذا العدد فقال: ((إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)). قوله: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:89] أي: كسوتهم بما يجزئ الذكر في الصلاة، وبما يجزئ الأنثى في الصلاة. قوله: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أعتقها فإنها مؤمنة). فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات ولذا قال: [متتابعة وجوباً إن لم يكن عذر]؛ لقراءة ابن مسعود التي رواها ابن جرير: أن الله جل وعلا قال: ((فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتتابعات))، فوجب التتابع، وقياساً على سائر الكفارات، فإن الصيام في الكفارات يجب فيه التتابع كصيام الشهرين المتتابعين في كفارة الظِهار وفي كفارة المُجامع في نهار رمضان.

ما يكفر به الرقيق

ما يكفر به الرقيق قال: [ولا يصح أن يكفّر الرقيق بغير الصوم]. فالرقيق لا مال له؛ لأن ماله لسيده وعلى ذلك فيكفّر بالصوم؛ لأنه لا مال له.

وقت إخراج الكفارة

وقت إخراج الكفارة قال: [وإخراج الكفارة قبل الحِنث وبعده سواء]. إن أخرج الكفارة قبل الحِنث أجزأ وكانت تحلة القسم، وإن أخرجها بعده فكذلك، وقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفّر عن يمينك وأت الذي هو خير) متفق عليه. وفي رواية لـ أبي داود: (فكفّر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير). وفي البخاري: (فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك). فالتكفير يجوز أن يقول قبل الحِنث، فهذا رجل قال: والله لا أزور فلاناً غداً ولا أحضر طعامه، فجاءه بالليل من نصحه فنوى أن يزوره غداً فكفّر عن يمينه ليلاً وأتاه من الغد، فإنه يصح، وإن أخّر التكفير حتى يحنث فلا بأس بذلك. قال: [ومن حنث ولو في ألف يمين بالله تعالى ولم يكفّر فكفارة واحدة]، قالوا: لأن موجبها واحد. هذا رجل قال: والله لا أزور فلاناً فزاره، وقال: والله لأسافرن إلى مكة بعد أسبوع فلم يسافر، وقال لولده: والله لأضربنك فلم يضربه، ولم يكفّر حتى اجتمعت عليه الآن ثلاث أيمان، قال الحنابلة: تكفيه كفارة واحدة ما دام أنه لم يكفّر قالوا: لأن موجبها واحد؛ يعني: الذي يجب في الكفارة واحد وهو إطعام عشرة مساكين. وقال الجمهور وهو رواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام: أن لكل يمين كفارة، وهو ظاهر الآية، وهو الصحيح. إذاً: لو أن رجلاً اجتمعت عليه أيمان كلها يجب فيها كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين ولم يكن كفّر، كبعض الناس يقول: اجتمعت عليّ عشرة أيمان أو ستة أيمان ولم أكفّر، فالمذهب أنه تكفيه كفارة واحدة، والصحيح وهو رواية عن أحمد وقول الجمهور واختيار شيخ الإسلام: أن عليه لكل يمين كفارة، لظاهر الآية. أما لو حلف يميناً واحدة على أشياء، كأن قال مثلاً: والله لا أكلم زيداً، ولا آكل طعامه، ولا أدخل داره، فهذه يمين واحدة فيها كفارة وإن تعدد المحلوف عليه، وهذا لا خلاف فيه. وإذا تعددت الأيمان التي موجبها واحد، فسواء كان المحلوف عليه واحداً أو كان متعدداً عند الحنابلة. أما الجمهور فيقولون: إذا كان المحلوف واحداً فهذا للتأكيد، كما لو قال: والله لا أزور فلاناً، وفي الغد يقول: والله لا أزوره، ثم يأتيه من ينصحه، فيقول: والله لا أزوره يكرر يمينه للتأكيد، فهذه فيها كفارة واحدة بلا خلاف.

أثر النية في الأيمان

أثر النية في الأيمان

الرجوع إلى نية الحالف

الرجوع إلى نية الحالف قال: [باب جامع الأيمان: يُرجع في الأيمان إلى نية الحالف]. الأيمان يُرجع فيها إلى نية الحالف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فيُرجع إلى نيته إذا احتملها اللفظ. [فمن دُعي لغداء فحلف لا يتغدى لم يحنث بغير غدائه إن قصده] أي قيل له: يا فلان! تعال إلى الغداء معنا، فقال: والله لا أتغدى ونوى أنه لا يتغدى معه، فإن نيته لها أثر، وله أن يتغدى وحده. [أو حلف لا يدخل دار فلان وقال: نويت اليوم] أي: قيل له: اذهب إلى فلان قال: والله لا أدخل داره، ونوى في قلبه أنه لا يدخل داره اليوم، ثم زاره بعد أسبوع فقيل له في ذلك، قال: أنا نويت ألا أدخل داره ذلك اليوم، فهذا لا يحنث؛ لأن النية لها أثر إذا كان اللفظ يحتملها. قال: [ولا عدت رأيتكِ تدخلين دار فلان، ينوي منعها فدخلتها، حنث ولو لم يرها]؛ لأنه يريد منعها، ولا يقصد الرؤية فلا أثر لها. بعض الناس يقول لأولاده: لا عدت أراك تلعب في الشارع، فخرج الولد يلعب وأبوه غير موجود وقال: أنت قلت: لا عُدت أراك، فالأب هنا إن كان قد نوى منعه بحيث يراه لم يحنث، وإن كان نوى أنه لا يلعب وذكر الرؤية هنا غير مقصود فإنه يحنث.

الرجوع إلى سبب اليمين عند عدم النية

الرجوع إلى سبب اليمين عند عدم النية قال: [فصل: فإن لم ينو شيئاً رُجع إلى سبب اليمين وما هيجها]. إذا قال: أنا لم أنو شيئاً فإنا نرجع إلى سبب اليمين، فنسأل: ما هو سبب اليمين؟ وما هو الذي هيّج اليمين؟ [فمن حلف ليقضين زيداً حقه غداً فقضاه قبله]، لا يحنث؛ لأنه أراد من يمينه أن يُعجّل في قضائه وأن يعطيه حقه في وقته، فلو أعطاه حقه قبله فإنه لا ينافي يمينه. [أو لا يبيع كذا إلا بمائة فباعه بأكثر]، أي: هو يريد أن لا يبيع بأقل فقال: والله لا أبيع هذا إلا بمائة فباعه بمائة وعشرة، فلا نقول: إنه قد حنث في يمينه. [أو لا يدخل بلد كذا لظلم فيها فزال ودخلها]، مثل بعض الناس يقول: والله لا أدخل دار فلان، أي: لأن فيها منكرات، ثم إن هذه المنكرات تزول فيدخلها؛ فلا كفارة عليه؛ لأن الذي هيّج يمينه وجود هذه المنكرات فيها. [أو لا يكلّم زيداً لشرب الخمر]، يقول: والله لا أكلّم زيداً فأنا قد هجرته، فنسأله: هجرته؟ قال: هجرته لأنه يشرب الخمر فيقال له: إنه الآن لا يشرب الخمر فكلّمه فإنك لا تحنث في يمنيك، ولذا قال: [لم يحنث في الجميع].

الرجوع إلى التعيين عند عدم النية والسبب

الرجوع إلى التعيين عند عدم النية والسبب قال: [فصل: فإن عدم النية والسبب رجع إلى التعيين] ومعناه: أنه إن عدم الحالف النية والسب فإنا نرجع إلى التعيين؛ لأن التعيين قوي، وهو أبلغ من دلالة الاسم. قال: [فمن حلف لا يدخل دار فلان هذه] قال: والله لا أدخل دار فلان هذه ولا نية له ولا سبب، فإنه حتى لو باعها فلان فإنك لا تدخلها؛ لأن هذا تعيين، ولذا قال: [فدخلها وقد باعها أو وهي فضاء، أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً فكلمه، أو لا أكلت هذا الرُطب فصار تمراً ثم أكله؛ حنث في الجميع] أي: لأن هذا تعيين. ثم ذكر في الفصول التي بعد أنه إذا لم يكن هناك نية ولا سبب ولا تعيين فإنا نرجع إلى اللفظ فنقدم أولاً الحقيقة الشرعية، كما سيأتي.

دليل الطالب_كتاب الأيمان [2]

دليل الطالب_كتاب الأيمان [2] قد مدح الله تعالى الذين يوفون بالنذر في كتابه الكريم، وجاء النهي عن النذر في السنة الصحيحة، وقد جمع الفقهاء بين ذلك فجعلوا النذر المكروه هو النذر الذي يتضمن الاشتراط على الله. والنذر أقسام تختلف أحكامها بحسب اختلافها ومقاصدها، وهي تصل إلى ستة أنواع كما بينها الفقهاء رحمهم الله.

تعريف النذر وبيان مشروعيته

تعريف النذر وبيان مشروعيته

تعريف النذر

تعريف النذر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النذر]. النذر: هو أن يلتزم مكلف مختار لله جل وعلا بما لا يجب عليه أصلاً بكل قول يدل عليه. قولنا: (أن يلتزم مكلف مختار): أي لا مكره. وقولنا: (مكلّف) أي: عاقل بالغ، (مختار) لا مكره، (ما لا يجب عليه أصلاً) كصيام الإثنين فإنه لا يجب على المكلف فيلتزمه لله جل وعلا. (بكل قول يدل عليه) أي: فإن كان ذلك مجرد نية فلا يلزم، بعض الناس يقول: إني نويت بقلبي أنه إن شُفي مريضي أن أتصدّق بألف، ولم أتلفظ، نقول: لا يلزمك ذلك، فإن النذر يكون بالقول.

مشروعية النذر

مشروعية النذر قال: [وهو مكروه لا يأتي بخير ولا يرد القضاء] هذا هو قول الجمهور أن النذر مكروه، قالوا: لما جاء في الصحيحين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير إنما يُستخرج به من البخيل) فقال الجمهور: إن النذر مكروه. وذهب إلى تحريمه طائفة من أهل الحديث لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عنه، وتوقف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله أن النذر نوعان: النوع الأول نذر التبرر، يعني التقرب فهذا لا يُكره، وفيه يقول الله جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270]؛ لأن الذين لم يقولوا بالتحريم من أهل العلم مع نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر قالوا: إن الله جل وعلا قال: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270] أي: فيثيبكم عليه؛ فدل على أنه ليس بمحرم. قالوا: ولأن الله جل وعلا أثنى على الموفين به فدل على أن النهي هنا ليس للتحريم، فذكر هنا الشيخ الشنقيطي رحمه الله أن النذر نوعان: النوع الأول: نذر التبرر، كما تقدم. والنوع الثاني: النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، أي: ينذره العبد ليجلب لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضراً، فهذا هو الذي جاء الحديث في النهي عنه. إذاً: حملوا الحديث الذي فيه النهي عن النذر على النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، وهو الذي ينذره العبد ليجلب نفعاً أو يدفع ضُراً عن نفسه يقول: يا رب إن ابني قد اشتد به المرض فلك عليّ يا رب إن شفيته أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر. أو يقول: يا رب لك عليّ إن ربحت في تجارتي هذه أن أتصدق منها في كل شهر بكذا هذا يشارط ربه، وهذا هو الذي يُستخرج به من البخيل. يدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في رواية البخاري: (فإن النذر لا يُقدّم شيئاً ولا يؤخر شيئاً). وفي رواية لـ مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تنذروا، فإن النذر لا يأتي من القدر بشيء). وفي رواية: (فإن النذر يوافق القدر فيخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يُخرج عن نفسه). وعلى ذلك فالنهي الذي جاء عن النذر إنما هو في النذر الذي يكون على سبيل المشارطة، أما الذي يكون ابتداءً على جهة التقرب والتبرر يقول: يا رب لك عليّ أن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أو: يا رب لك عليّ أن أعتمر في كل عام، فهو مستحب، لأنه نذر تبرر وتقرب لا يشارط فيه العبد ربه، فلا يقول: يا رب إن شفيت مريضي، إن فعلت لي كذا! ويُحمل عليه قوله جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270]، والله أعلم.

ما ينعقد به النذر

ما ينعقد به النذر قال: [ولا يصح إلا بالقول]، كما تقدم، فلو أنه نوى إن شُفي مريضه أن يتصدق بكذا لم يلزمه بمجرد النية ولا بد من قول. قال: [من مكلّف مختار]، فنذر الصبي ونذر المجنون لا يصحان، ولذا جاء أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رُفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق). وهذا ككفارة اليمين، وقد قدم أن كفارة اليمين إنما تصح من المكلّف المختار: يعني غير المكره؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه).

أنواع النذر المنعقدة وأحكامها

أنواع النذر المنعقدة وأحكامها

النوع الأول النذر المطلق

النوع الأول النذر المطلق قال: [وأنواعه المنعقدة ستة، أحكامها مختلفة] هذه أنواع النذر [أحدها: النذر المطلق، كقوله: لله عليّ نذر، فيلزمه كفارة يمين] هذا نذر مطلق، يعني: لم يسم، أي: ولم ينو. وكذا إن قال: لله عليّ نذر إن شفا الله مريضي، ولم يسم هذا النذر ولم ينوه فلم يقل: لله عليّ أن أصوم شهراً، ولم ينو كذلك أن النذر مثلاً ذبيحة؛ ففيه كفارة يمين، لما جاء في الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كفارة النذر الذي لم يسمه كفارة يمين). وهذا يقع كثيراً على ألسنة النساء، فتجد أنها تنذر ولا تسمي ولا تنوي أيضاً، فنقول: إن في ذلك كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام متتابعات. قال: وكذا إن قال: عليّ نذر إن فعلت كذا ثم يفعله، هذا أيضاً فيه كفارة يمين.

النوع الثاني نذر اللجاج

النوع الثاني نذر اللجاج [الثاني: نذر لجاج وغضب]، وهذه أيضاً من المسائل التي تخفى على كثير من الناس واللجاج: بمعنى الخصومة، يعني النذر الذي يجري مجرى اللجاج والغضب، وهو النذر الذي لا يريد المكلف في الأصل إيقاعه، إذ لا يريد أن يوقع الجزاء، وإنما يريد أن يحمل نفسه أو غيره على شيء، أو يريد أن يمنع نفسه أو غيره من شيء، أو يريد تصديق خبر، أو يريد تكذيب خبر يقول مثلاً: لله عليّ إن فاتتني صلاة الفجر في المسجد أن أتصدق بكذا وكذا يريد أن يحمل نفسه على صلاة الفجر في المسجد، وبعضهم يقول هذا كثيراً، فيقول: إن شربت الدخان فعليّ صيام سنة، وبعضهم يقول مثلاً: إن فعلت الأمر الفلاني فعليّ أن أتصدق بكذا وكذا من الدراهم! هذا يريد أن يمنع نفسه من شيء، أو يريد أن يحمل نفسه على شيء. أو يريد أن يصدّق خبراً، أي: يؤكد صدق خبر، كأن يقول: إن لم يحصل كذا فعليّ صيام كذا، فهذا له حكم اليمين في أن فيه كفارة يمين، فالذي قال مثلاً: إن شرب الدخان فعليه صيام سنة نقول: تكفيك كفارة يمين، وإن شئت أن تصوم سنة فلا بأس، وإن كفّرت كفارة يمين فإن هذا يكفي. ويدل على هذا ما جاء في أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من نذر في غضب فعليه كفارة يمين) والحديث في سنده ضعف، لكن صح ذلك عن عمر بن الخطاب كما في أبي داود، وصح أيضاً عن عائشة رضي الله عنها كما في موطأ مالك، ولا يُعلم لهما مخالف، وهذا يدل على أن للحديث أصلاً، ولأنه في معنى اليمين كما تقدم، لأنه أراد أن يؤكد الأمر. ويسميه أهل العلم بنذر اللجاج والغضب، ولا يُشترط أن يكون في غضب؛ لكن المقصود أنه يجري مجرى اليمين في الغضب وعند الخصومة.

النوع الثالث النذر المباح

النوع الثالث النذر المباح قال: [الثالث: نذر مباح] هذا النوع الثالث، [لله عليّ أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، فيخيّر أيضاً] أي: بين فعله وكفارة يمين. ومن النذر المباح: لله عليّ أن أقف في الشمس، لله عليّ أن أرقى الشجرة فهذا مباح، فإن شئت أن تفعله فعلت، وإن لم تفعله فكفّر كفارة يمين. وقد جاء في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـ أبي إسرائيل وكان قائماً في الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقيل له: (هذا أبو إسرائيل؛ نذر أن لا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم الدهر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: مروه فليستظل وليتكلم وليصم)، وهذا فيه أنه لا يجب عليه أن يوفي بهذا النذر؛ لأنه مباح، لكن تجب عليه كفارة يمين كما سيأتي في نذر المعصية، فإن نذر المعصية فيه كفارة يمين فأولى من ذلك النذر المباح. إذاً إن نذر نذراً مباحاً فإنه يخيّر بين الفعل وكفارة اليمين.

النوع الرابع النذر المكروه

النوع الرابع النذر المكروه قال: [الرابع: نذر مكروه كطلاق، فيُسن أن يكفّر ولا يفعله]، وإن فعله فلا كفارة عليه لعدم الحِنث. إذا نذر نذراً مكروهاً فقال: لله عليّ أن أطلّق امرأتي الليلة فنقول له: أنت مخيّر بين أن تكفّر كفارة يمين أو تطلّق، فإن شئت طلقت وإن شئت كفّرت كفارة يمين؛ لكن الأفضل أن تكفّر ولا تطلّق؛ لأن هذا مكروه.

النوع الخامس نذر المعصية

النوع الخامس نذر المعصية قال: [الخامس: نذر معصية كشرب الخمر وصوم يوم العيد فيحرم الوفاء به]. إذا نذر نذر معصية كأن قال: لله عليّ نذر أن أشرب الخمر! فلا يجوز له أن يفي بنذره؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) متفق عليه. قالوا: وعليه كفارة يمين، يدل على ذلك ما جاء عند الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)، وهذا الحديث اختُلف في صحته، والذي يترجح أنه معل أعله أحمد والبخاري والترمذي وأبو داود، فإنه من حديث الزهري عن أبي سلمة قال: والصواب أنه لم يسمعه من أبي سلمة وإنما سمعه من سليمان بن الأرقم وهو ضعيف. لكن جاء في أبي داود أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)، والصواب كما قال الأئمة: وقفه على ابن عباس. وعلى ذلك فهو قول ابن عباس ولا يُعلم له مخالف، وقول الصحابي إذا لم يُعلم له مخالف فهو إجماع إذا اشتهر، وإذا لم يشتهر فهو حجة، وعلى ذلك فهو حجة على كل حال. إذاً الصحيح أن نذر المعصية فيه كفارة يمين، ومثله النذر المكروه، والنذر المباح، ولذا قال المؤلف: [ويكفّر]. قال: [ويقضي الصوم]، لأنه نذر أن يصوم يوم العيد، فتقول: صوم يوم العيد محرّم لكن عليك أن تقضيه في غير يوم العيد ولا كفارة عليك.

النوع السادس نذر التبرر

النوع السادس نذر التبرر قال: [السادس: نذر تبرر]، يعني: نذر تقرب، [كصلاة وصيام ولو واجبين]، فالواجب يتأكد بالنذر، فلو قال مثلاً: لله عليّ أن أصلي في المسجد، فإن الصلاة في المسجد في الأصل واجبة لكن النذر هنا أكدها. قال: [واعتكاف، وصدقة، وحج، وعمرة بقصد التقرب] كما تقدم شرحه. قال: [أو يعلّق ذلك بشرط حصول نعمة أو دفع نقمة كأن يقول: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي فعليّ كذا؛ فهذا يجب أحكام الوفاء به]؛ أي: لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)؛ لكن إن عجز عن الوفاء فعليه كفارة يمين؛ لقول ابن عباس رضي الله عنه: من نذر نذراً لا يقدر عليه فعليه كفارة يمين رواه أبو داود.

أحكام نذر الصوم

أحكام نذر الصوم

حكم من نذر صوم شهر معين

حكم من نذر صوم شهر معين قال: [فصل: ومن نذر صوم شهر معين لزمه صومه متتابعاً]؛ لأن إطلاقه يقتضي ذلك، فإذا قال: لله عليّ أن أصوم شعبان وجب عليه أن يصوم شعبان كله؛ لأن إطلاقه يدل على ذلك ويقتضي ذلك. قال: [فإن أفطر لغير عذر حرم] أي: إن أفطر أثناء الشهر لغير عذر حرم ذلك [ولزمه استئناف الصوم] من جديد لئلا يفوت عليه التتابع؛ لأنه لا بد من تتابع، مع كفارة يمين لفوات المحل] أي: ويكفّر كفارة يمين لأنه فوّت المحل. إذاً إذا أفطر يوماً لغير عذر فعليه كفارة يمين ويستأنف الصيام من جديد، ليكون صيامه شهراً متتابعاً. قال: [ولعذر بنى] أي: إن أفطر لعذر مثل سفر أو مرض يبيح الفطر في نهار رمضان فإنه يُفطر ويبني، يعني: لا يستأنف من جديد، بل يكمل صومه، [ويكفّر] كذلك [لفوات التتابع] كفارة يمين.

من نذر صوم شهر مطلقا

من نذر صوم شهر مطلقاً [ولو نذر شهراً مطلقاً]، أي غير معين، كأن قال: لله عليّ أن أصوم شهراً، ولم يقل مثلاً: شهر شعبان [أو صوماً متتابعاً غير مقيد بزمن]، كأن قال: لله عليّ أن أصوم ثلاثين يوماً [لزمه التتابع]. فإذا قال: لله عليّ أن أصوم شهراً لزمه أن يتابع، وإذا قال: لله عليّ أن أصوم سنة فإنه كذلك يلزمه التتابع، لكن إن قال: لله عليّ أن أصوم ثلاثين يوماً نظرنا: إن كان قد نوى التتابع لزمه، وإن كان لم ينو التتابع لم يلزمه. وبعض الناس يقول: لله عليّ أن أصوم ثلاثة أيام، فنقول: هل نويت التتابع؟ إن قال: نعم، لزمه، وإن قال: لم أنو التتابع فإنه لا يلزمه. قال: [أو صوماً متتابعاً غير مقيد بزمن] يعني لو قال: لله عليّ أن أصوم ثلاثين يوماً متتابعات لزمه التتابع، أو لله عليّ أن أصوم عشرة أيام متتابعة لزمه التتابع. قال: [فإن أفطر لغير عذر لزمه استئنافه]، لوجوب التتابع عليه، [بلا كفارة]، لعدم فوات المحل. هناك قال: لله عليّ أن أصوم شهر شعبان فأفطر لغير عذر فاستأنف، لكن قد فاته المحل فعليه كفارة، أما هنا فالزمن مطلق فلا يترتب على ذلك تفويت محل، ولذا فلا تلزمه كفارة يمين. قال: [ولعذر خُيّر بين استئنافه ولا شيء عليه، وبين البناء ويكفّر]. أي: إن شاء أن يبني فيكمل ويكفّر كفارة يمين فله ذلك، وإن شاء أن يستأنف فيبدأ من جديد فله ذلك ولا شيء عليه. إذاً: هذا رجل قال: لله عليّ أن أصوم عشرة أيام متتابعات فصام خمسة أيام ثم مرض فأفطر، والآن يريد أن يُكمل صومه نقول: إن أكملت صومك فلك أن تُكمله، ولكن تكفّر كفارة يمين، وإن شئت ألا تكفّر فاستأنف الصيام من جديد.

حكم من نذر أمرا مفضولا فأتى بأفضل منه

حكم من نذر أمراً مفضولاً فأتى بأفضل منه قال: [ولمن نذر صلاة جالساً أن يصليها قائماً]. لأن القيام في الصلاة هو الأصل. وهذا في كل نذر لمفضول فله أن يفعل الفاضل، ولذا جاء في أبي داود: (أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك أن أُصلي ببيت المقدس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صلها هنا، فسأله؟ فقال: صلها هنا، فسأله؟ فقال: شأنك إذاً). فإذا نذر أن يجلس -مثلاً- عشرة أيام في المدينة فجلسها في مكة فهو أفضل، ويكفيه ذلك. إذا نذر أن يعتكف في هذا المسجد فاعتكف في المسجد الجامع الذي هو أكثر مصلين، فهذا أفضل. إذا نذر أن يصوم الدهر كله فصام يوماً وأفطر يوماً، فهذا أفضل وهو يكفيه. إذاً من نذر أن يفعل مفضولاً ففعل ما هو أفضل منه أجزأ ذلك وإن كان أسهل عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل هاهنا في مكة) وهذا أسهل من الصلاة ببيت المقدس والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

إخراج الكفارة من تركه الميت

إخراج الكفارة من تركه الميت Q يقول المؤلف: (من شروط وجوب الكفارة الحِنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، فإن كان عيّن وقتاً تعين وإلا حتى ييأس من فعله بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف)، السؤال: إذا مات الحالف فما هي كفارته؟ A إذا مات الحالف تكون الكفارة في تركته، يعني: يُطعم عنه عشرة مساكين.

ثواب نذر المشارطة في الطاعة

ثواب نذر المشارطة في الطاعة Q النذر المشروط إن كان في طاعة، هل يثاب على فعل هذه الطاعة؟ A يثاب على وفائه بالنذر؛ لأن الله جل وعلا أثنى على الموفين بالنذر، والله جل وعلا إنما يُثنى على فعل مستحب أو واجب، والوفاء بالنذر واجب فيثاب عليه، فالثواب على الوفاء بالنذر لا على إيقاعه.

حكم من حرم الطعام على نفسه ثم أكل منه

حكم من حرم الطعام على نفسه ثم أكل منه Q إذا قلت: هذا الطعام يحرم عليَّ ثم أكلت، فهل تجب فيه كفارة؟ A نعم، فيه كفارة يمين.

من لم يوف بالنذر فهو آثم

من لم يوف بالنذر فهو آثم Q ماذا علي إذا نذرت نذراً ولم أوفه؟ A إذا نذرت نذراً ولم توفه أثمت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فيجب الوفاء بالنذر.

حكم النذر بالنية دون النطق

حكم النذر بالنية دون النطق Q إذا نذرت شيئاً في نفسي ولم أنطق به، فهل يلزمني؟ A ما دام أن الأمر في النفس فقط فإنه لا يلزم النذر فالنذر لا يلزم إلا في النطق.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q قال رجل لامرأته وقد أراد أن يمتنع عن شرب الدخان: إن عدت إلى شرب الدخان فأنتِ طالق، فهل هذا من قبل اليمين أم النذر أم الطلاق؟ A هذا من الحلف بالطلاق وليس نذراً، وهذا له حكم اليمين عند شيخ الإسلام وطائفة إذا كان لا يريد إيقاع الطلاق وإنما يريد منع نفسه.

حكم مجاهرة الحائض بالإفطار في رمضان

حكم مجاهرة الحائض بالإفطار في رمضان Q هل للبنت الحائض في نهار رمضان أن تُفطر أمام أهل بيتها وتعلّمهم ذلك؟ A لا بأس ولا حرج في هذا.

الفرق بين نذر اللجاج ونذر التبرر

الفرق بين نذر اللجاج ونذر التبرر Q ما الفرق بين نذر اللجاج ونذر التبرر؟ A نذر التبرر على ما تقدم من الراجح أنه يريد صاحبه أن يتقرب إلى الله جل وعلا، يقع في نفسه أن يفعل صالحاً ويريد أن يلزم نفسه به فيقول مثلاً: لله عليّ أن أحج كل سنة، أو أحجج من مالي في كل سنة فقد وقع في نفسه فضل الحج فأراد أن يُلزم نفسه بذلك، هذا يسمى نذر التبرر والتقرب، وهذا الذي قلنا إنه مستحب، وفيه قول الله جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:270] يعني: فيجازيكم عليه. أما النوع الثاني فهو اللجاج والغضب، وهو أن يريد أن يمنع نفسه من شيء، أو يحث على شيء، أو يؤكد خبراً، أو يكذّب خبراً، فهذا كاليمين تماماً فيه كفارة يمين.

حكم قطع تتابع الصوم بالحيض

حكم قطع تتابع الصوم بالحيض Q المرأة إذا نذرت صيام شهر ثم حاضت أفطرت وعليها كفارة لعدم التتابع، فهل تُحاسب على الحيض وهو ليس في يدها؟ A المرأة إذا كانت تعلم أنها تحيض في كل شهر مرة، بأن كانت معتادة على الحيض في كل شهر، فإن نذرها هذا يدل على أنها أرادت أن تُفطر أيام حيضها، فهذه تُفطر أيام الحيض، فإذا انتهت أيام الحيض أكملت حتى تنتهي من الشهر كله ثلاثين يوماً، ولا شيء عليها.

الفرق بين النذر والحلف

الفرق بين النذر والحلف Q ما الفرق بين النذر والحلف؟ A النذر منه ما يكون بمعنى الحلف كنذر اللجاج والغضب، ومنه نذر يُلزم الإنسان نفسه به ويوجب على نفسه ما لم يوجب الله جل وعلا عليه. فالفرق واضح بين اليمين وبين النذر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب القضاء [1]

دليل الطالب_كتاب القضاء [1] الحاجة إلى القضاء وفصل الخصومات من الأمور الضرورية للمجتمع، والفقهاء يفردون أبواباً من كتب الفقه يبينون فيها مهمات القضاء وآدابه والصفات المشترطة في القاضي وآدابه، وما يجب عليه تجاه الخصمين، ومتى يكره له القضاء بين المتنازعين ومتى يحرم.

تولية القضاء

تولية القضاء

تعريف القضاء وحكمه

تعريف القضاء وحكمه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب القضاء]. القضاء في اللغة: الفصل والحكم. وفي الاصطلاح: هو تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الخصومات. قوله: (تبيين الحكم الشرعي)، هذا القيد يجمع مع القاضي المفتي فإن المفتي كذلك يبين الحكم الشرعي. (والإلزام به)، هذا يختص بالقاضي، فإن المفتي يبين الحكم الشرعي لكنه لا يلزم به، قد يفتي بأن امرأته تطلق بالثلاث وتبين منه لكنه لا يلزم بذلك، فقد يذهب هذا المستفتي إلى غيره فيفتيه بغير ذلك. وعلى ذلك فالقاضي يُلزم، وأما المفتي فإنه يبيّن فقط. قال: [وهو فرض كفاية]. هذا من فروض الكفاية، فيجب على الأمة أن يكون فيها قضاة يحكمون بالشرع في أمصارها وأقاليمها، ويكونون على جهة الكفاية. فإن كان في البلد عالم لا يصلح سواه للقضاء فإنه يتعين عليه ذلك. إذاً: القضاء من فروض الكفاية؛ لكن إن كان لا يوجد في البلد سواه يصلح للقضاء فإنه يتعين عليه. لكن بالنسبة للفرد الذي تتوفر فيه صفات القاضي ويوجد غيره يتولى القضاء، هل يستحب له أن يتولى القضاء أو لا يستحب له؟ قولان لأهل العلم: القول الأول: أنه لا يستحب؛ قالوا: لما جاء عند الأربعة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولي القضاء فقد ذُبح بغير سكين). وروى الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق وقضى للناس على جهل فهو في النار). والقول الثاني: أنه يستحب له أن يتولى القضاء، واستدلوا بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد تولى القضاء، وأن الخلفاء الأربعة كذلك قد تولوا القضاء. قالوا: وإنما يُحمل ما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: (من تولى القضاء فقد ذُبح بغير سكين) على ما يُخشى على القاضي من طلب الرياسة والمال وما يحوطه مما يُخشى عليه من المفاسد، فإن قوي على نفسه فهو مستحب، وهذا هو الراجح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والواجب في ولاية القضاء اتخاذها ديناً وقربة، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال فيها.

وجوب تنصيب القضاة على الإمام

وجوب تنصيب القضاة على الإمام قال: [وهو فرض كفاية فيجب على الإمام أن ينصب بكل إقليم قاضياً، وأن يختار لذلك أفضل من يجد علماً وورعاً]؛ لأن الإمام هو الناظر للمسلمين، فيجب أن يختار لذلك أفضل من يجد علماً وورعاً. [ويأمره بالتقوى وتحري العدل]، فقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا اجتهد القاضي فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد). وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما أقضي له بنحو ما أسمع) وهو في الصحيحين. قال: [وتصح ولاية القضاء والإمارة منجزة]، كوليتك الآن، [ومعلقة]، يقول: وليتك قضاء الإقليم بعد فلان، فهذه معلقة كالإمرة، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أميركم زيد فإن قُتل فـ جعفر) كما في الصحيحين. [وشرط لصحة التولية كونها من إمام أو نائبه فيه]. أي: فالذي يولي القضاة هو الإمام، يعني بالإمام ولي الأمر، أو من ينوب عنه في أمر القضاء وهو رئيس القضاء الأعلى الذي يتولى تعيين القضاة، فهذا ينوب عن الإمام. قال: [وأن يُعيّن له ما يوليه فيه الحكم من عمل] يعني الذي يجمع بلاداً كثيرة كمصر مثلاً أو العراق أو الحجاز فيقول: أنت القاضي في هذا العمل، [وبلد]، كمكة والمدينة، يعني يعين له المكان الذي يتولى فيه القضاء، قد يكون هذا المكان تدخل فيه قرى وتدخل فيه مدن كثيرة، وقد يكون دون ذلك.

ألفاظ تولية القضاء

ألفاظ تولية القضاء قال: [وألفاظ التولية الصريحة سبعة: وليتك الحكم، أو قلدتك هو، وفوضت، أو ردِّدت، أو رددت، أو جعلت إليك الحكم] يعني فوضّت إليك الحكم بالقضاء، [أو استخلفتك، أو استنبتك في الحكم، والكناية نحو: اعتمدت، أو عوّلت عليك، أو وكلتك، أو أسندت إليك]، وهذه الكناية [لا تنعقد بها إلا بقرينه] يعني: لا تنعقد بها الولاية إلا بقرينة [نحو: فاحكم]، يعني أن يقول: اعتمدت عليك فاحكم، أو عوّلت عليك فاحكم، [أو فتولى ما عوّلت عليك فيه]. هذه الألفاظ التي ذكرها المؤلف وغيرها من الألفاظ التي تدل على الولاية إما أن تكون صريحة وإما أن تكون كناية، فإن كانت كناية فلا بد فيها من قرينة، وإن لم تكن كناية كانت صريحة فلا تحتاج إلى قرينة. قال: [فصل]. هذا الفصل فيما تفيده ولاية الحكم، يعني ما هي الأعمال التي يقوم بها القاضي، وما الذي يدخل في ولايته؟ قال: [وتفيد ولاية الحكم العامة فصل الخصومات، وأخذ الحق، ودفعه للمستحق، والنظر في مال اليتيم، والمجنون والسفيه، والغائب، والحجر لسفه وفلس، والنظر في الأوقاف لتجري على شروطها، وتزويج من لا ولي لها]. إذاً: هذا ما تفيده ولاية القضاء عندما يولى القاضي يكون هو الذي ينظر في الأوقاف، وهو الذي يزوج من لا ولي لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها)، كذلك النظر في أموال اليتامى وأموال المجانين والسفهاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا ليس له حد في الشرع وإنما يرجع فيه إلى الألفاظ والعرف. فالعرف يختلف من بلد إلى بلد، ففي بعض البلاد تكون الأوقاف خارجة عن ولاية القاضي، ويكون هناك على الأوقاف من ينوب عن القاضي. كذلك فيما يتعلق أيضاً بالنظر على أموال اليتامى في بعض البلاد هناك جهة مختصة خارجة عن القضاء تنظر في تنمية أموالهم وحفظها، مما يدل على أنه ليس لهذا حد شرعي، إنما يُرجع فيه إلى العرف وإلى الألفاظ، أعني إلى عُرف البلد والألفاظ التي تلفّظ بها من ولّاه، سواء كان ولي الأمر أو القائم بأمر القضاء نائباً عن ولي الأمر. قال: [ولا يستفيد الاحتساب على الباعة، ولا إلزامهم بالشرع]. يعني: لا يفيد ذلك أن يتولى هو متابعة القائمين على أمر الباعة في السوق في البيع وفي الشراء ونحو ذلك، فهذا لا تفيده ولاية الحكم، وهذا كما تقدم يرجع فيه إلى العُرف وإلى الألفاظ، ففي بعض البلاد قد يكون أمر الحسبة كذلك إلى القاضي، وكذلك متابعة أهل السوق. إذاً: ليس لهذا حد شرعي كما قال شيخ الإسلام وإنما يُرجع فيه إلى العُرف وإلى الألفاظ. قال: [ولا ينفذ حكمه في غير محل عمله]. وهذا واضح؛ لأنه إنما ولّي القضاء في هذا العمل أو في هذه البلدة، فلا يحكم في موضع آخر، وإن حكم في موضع آخر فإن حكمه لا ينفذ إلا أن ينفذه القاضي في تلك البلد كما يأتي شرحه إن شاء الله.

حكم المحكم بين خصمين

حكم المحكم بين خصمين وقوله هنا: (ولا ينفذ حكمه في غير محل عمله) هو كما تقدم؛ لكن إن تراضى أي الخصمان على رجل يصلح للقضاء فإن حكمه يصح ويلزم الخصمان العمل به، وإذا رُفع الأمر إلى القاضي وجب على القاضي أن ينفّذه؛ لأن الله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، وهذا هو قول أكثر الفقهاء. وقد جاء في سنن أبي داود في حديث أبي شريح وكان يكنى بـ أبي الحكم فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك؟ فقال: (إن قومي إذا اختلفوا أتوا إليّ فحكمت بينهم فرضي كلا الطرفين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما أحسن هذا). إذاً: مذهب أكثر العلماء أن الخصمين إذا أتيا إلى رجل من أهل العلم الذين تتوفر فيهم شروط القاضي وقالوا: نحن نرضى بحكمك، وتعاقدا على ذلك، فحكم بينهما فيجب عليهما الأخذ بحكمه. وإنما يجوز لهما الرجوع قبل شروعه في الحكم، فإذا شرع في الحكم وجب عليهما أن يأخذا بحكمه، وإذا رفع قضاءه إلى قاضي البلد وجب على قاضي البلد أن ينفّذه. مثلاً: هناك قبيلة في بلد أو دولة لا تحكم بالشرع، فيختارون عالماً يصلح للقضاء ويترافعون إليه ويحكم بينهم، فهنا يجب على قاضي البلد أن ينفذ هذا الحكم؛ لأنهما تراضيا عليه، والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].

شروط القاضي

شروط القاضي

التكليف والذكورة والحرية والعدالة

التكليف والذكورة والحرية والعدالة قال: [فصل: ويُشترط في القاضي عشر خصال]. هذه شروط القاضي: [كونه بالغاً عاقلاً] يعني أن يكون مكلفاً؛ لأن غير المكلف تحت ولاية غيره فلم يصح أن يكون والياً على غيره. إذاً: الصبي لا يصلح للقضاء، والمجنون لا يصلح للقضاء. قال: [ذكراً]، لا امرأة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري، ولا شك أن القضاء أمر فلا يصح أن تولّى المرأة القضاء. وأجازه الأحناف في الأموال دون الحدود ونحوها. والذي يترجح هو القول الأول لظاهر الحديث، ولأن المرأة تدخل عليها العاطفة، وتغلبها الرحمة، ويدخلها النسيان فليست كالرجل في ذلك. [حراً] لا عبداً؛ لأن العبد مشغول بحق سيده. [مسلماً] اتفاقاً فلا يصلح أن يكون كافراً؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]. [عدلاً]، فلا يجوز أن يولى الفاسق؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] وهذا عهد فلا يناله الظالم، لكن إن عُدم العدل أو كانت البلد تحتاج إلى قضاة كثر ولا يقدرون على أن يكون هؤلاء القضاة جميعاً عدولاً، فهنا كما هو ظاهر مذهب أحمد فيما قاله شيخ الإسلام: يُختار الأمثل فالأمثل؛ لأن الشروط تُعتبر بحسب الإمكان، فيُختار -كما قال شيخ الإسلام - أنفع الفاسقين وأقلهم شراً، أي: نأخذ الأعدل والأقوم والأنفع والأقل شراً من الفاسقين.

السمع والبصر والكلام

السمع والبصر والكلام قال: [سميعاً] ليسمع كلام الخصمين، [بصيراً] ليعرف المدّعي والمُدّعى عليه، والشاهد، والمُقِر والمُقَر له، [متكلماً] لينطق بالحكم. والصحيح أن هذه الشروط الثلاثة: أن يكون سميعاً، بصيراً، متكلماً من باب الكمال وليست شروط صحة، قال صاحب الإنصاف في الشرطين الأولين: وقيل لا يُشترطان. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قضاء الأعمى: وقياس المذهب أنه يصح كشهادته؛ لأنه لا يعوزه إلا عين الخصم، وهذا لا يُحتاج إليه. فالصحيح أن الأعمى يصح قضاءه، وكذلك غير السميع؛ لأنه يُكتب له ويقرأ المتكلم، وهناك قول عند الشافعية أنه يصح أن يكون القاضي أخرس، وعلى ذلك فيكتب قضاءه، وعلى ذلك فهي شروط كمال لا شروط صحة، وهذا هو الصحيح.

شرط الاجتهاد في القاضي

شرط الاجتهاد في القاضي [مجتهداً]، وهذا بالإجماع كما حكاه ابن حزم رحمه الله، لكن الأحناف ذهبوا إلى صحة قضاء المقلّد؛ قالوا: لأن المقصود في القضاء هو فصل النزاع. والصحيح أن المقصود في القضاء فصل النزاع بالحق الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله يقول: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]، وعلى ذلك فليس المقصود هو فصل النزاع فقط كما يكون في الصلح بين المتخاصمين، وإنما المقصود أن يُفصل النزاع بالحق، وعلى ذلك فالصواب أنه لا بد أن يكون مجتهداً؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]. وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105]. وقال عليه الصلاة والسلام في القاضي الذي في الجنة قال: (عرف الحق فقضى به)، أي: عرف الحق بالدليل. وقال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب)؛ إذاً لا بد أن يكون مجتهداً؛ هذا هو الصحيح. قال: [ولو في مذهب إمامه للضرورة] يعني ولو كان مجتهداً في مذهب إمامه للضرورة، يعني: إذا عدمنا المجتهد المطلق فإنا نأخذ بمجتهد في مذهب إمامه للضرورة كما تقدم؛ لأن الشروط تُعتبر بحسب الإمكان، فإذا لم نجد مجتهداً فنأخذ مجتهداً في مذهب إمامه؛ لأنا مضطرون إلى ذلك. وكما تقدم فيما هو ظاهر في مذهب أحمد أنه يولى الأمثل فالأمثل؛ لكن قال الحنابلة: إنه يحكم بمذهب إمامه ولو خالف الحق فيما يعتقد، قال الشيخ محمد بن إبراهيم: والصحيح القول الآخر، وأنه لا يحكم بما خالف الحق أبداً؛ لأنه قد يُخالف المذهب في مسائل فالواجب عليه أن لا يخالف الحق الذي يعتقده. وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: وهذا ضعيف للغاية، قال: والأدلة تدل على خلافه. إذاً: الصحيح أنه يحكم بالمذهب لكن إذا تبيّن له أن الحق بخلاف ذلك فالواجب عليه أن يحكم بالحق الذي تبيّن له؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105] وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]. قال شيخ الإسلام: وإذا أُلزم القاضي بأن يقضي بمذهب معين فهذا شرط باطل؛ لأن الله يقول: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]؛ لكن قال رحمه الله: وإن لم يمكنه أن يقضي بغيره فينبغي له أن يقضي به وقوعاً بأدنى المفسدتين. يعني: إذا أُلزم القاضي بأن يحكم بمذهب معيّن فالواجب أن يحكم بالحق، لكن إذا لم يمكنه ذلك، لأنه إذا حكم بالحق عُزل وولي من لا يصلح، فينبغي له أن يحكم بهذا المذهب؛ لأن هذا من باب الوقوع بأدنى المفسدتين.

نفوذ حكم المحكم

نفوذ حكم المحكم قال المؤلف: [فلو حكّم اثنان فأكثر بينهما شخصاً صالحاً للقضاء نفذ حكمه في كل ما ينفذ به حكم من ولاه الإمام أو نائبه]، تقدم شرح هذه المسألة. قال: [ويرفع الخلاف فلا يحل لأحد نقضه حيث أصاب الحق] إذاً: هذا القاضي الذي لم يُعين لكن ترافع إليه اثنان ورضيا بحكمه وحكم بينهما فإن حكمه ينفذ لا يحل لأحد أن ينقضه، هذا إذا أصاب الحق، أما إذا رُفع إلى القاضي وتبيّن أنه خالف نصاً فإن حكمه يُنقض.

آداب القاضي

آداب القاضي

ما يسن من الصفات في القاضي

ما يسن من الصفات في القاضي قال: [فصل] هذا الفصل في الآداب التي ينبغي أن يكون عليها القاضي. قال: [يُسن كون الحاكم قوياً بلا عُنف] لئلا يطمع فيه الظالم، [ليناً بلا ضعف] لئلا يهابه الخصم. صاحب الحق يهاب القاضي إذا كان قوياً لا لين فيه. قال: [حليماً] لئلا يغضب، [متأنياً] يعني: فيه أناة [متفطّناً] يعني متيقظاً لا يُستغفل، [عفيفاً] لئلا يطمع، [بصيراً بأحكام الحكام قبله] أي: يطّلع على أحكام القضاة قبله ليستفيد من قضاءهم.

ما يجب على القاضي من التسوية بين الخصمين

ما يجب على القاضي من التسوية بين الخصمين قال: [ويجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه] يعني في نظره، فلا يُحسن النظر إلى هذا ويسيء النظر إلى الخصم الآخر؛ لأن هذا يكسر قلبه ويجعله لا يدلي بحجته كأخيه. [ولفظه]، كذلك في رد السلام وفي السؤال يعدل بين الخصمين. [ومجلسه] كذلك، فلا يُدني هذا من مجلسه ويُبعد الآخر، بل يستويان في مجلسه [والدخول عليه] بحيث يدخلان جميعاً لا يُقدّم أحدهما على الآخر، فلا يقول: يدخل فلان قبل فلان، بل إما أن يُدخلهما جميعاً وإما أن يسكت ومن تقدّم منهما دخل قبل؛ لكن هو لا يُقدّم أحدهما في الدخول عليه. قال: [إلا المسلم مع الكافر فيُقدّم دخولاً ويُرفع جلوساً]؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

ما يحرم على القاضي من الرشوة والحكم عند الغضب ونحوه

ما يحرم على القاضي من الرشوة والحكم عند الغضب ونحوه قال: [ويحرم عليه أخذ الرشوة]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي كما في الترمذي، وقال: (هدايا العمال غلول) كما في مسند الإمام أحمد. إذاً: لا يقبل حتى الهدية إلا أن يكون الذي أهداه بينهما تهاد سابق وليس له عنده حكومة. [ولا يسار أحد الخصمين] يعني يكلّمه سراً دون الآخر، [أو يضيفه، أو يقوم له دون الآخر]؛ لأن هذا كما تقدم يكسر قلبه ويضعف حجته. [ويحرم عليه الحكم وهو غضبان كثيراً]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) متفق عليه. قال المؤلف هنا: (كثيراً) يعني الغضب الكثير الذي يُشغل فكره ويجعله لا يتصور المسألة تصوراً تاماً، ويجعل نظره أيضاً في الأدلة قاصراً، أما الغضب اليسير فلا يمنع، ولذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غضبان لما قال الرجل: (أن كان ابن عمتك) وذلك في خلاف الأنصاري مع الزبير كما في الصحيحين، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير؛ لأن الغضب اليسير الذي لا يُشغل الفكر ولا يمنع من التصور التام والنظر التام لا يمنع من القضاء. قال: [أو حاقن، أو في شدة جوع، أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس، أو برد مؤلم، أو حر مزعج]. هذا كله من باب القياس على الغضب. قال: [فإن خالف وحكم] أي: وهو غضبان غضباً شديداً ونحوه؛ [صح إن أصاب الحق]، وإن لم يصب الحق وجب عليه أن ينقضه، ولا يقول: أنا حكمت وانتهى! بل يجب عليه أن ينقض حكمه، ولا يصح بقاء هذا الحكم حيث حكم وهو في غضب شديد. قال: [ويحرم عليه أن يحكم بالجهل، أو وهو متردد، فإن خالف وحكم لم يصح ولو أصاب]. أي: فليس له أن يحكم أصلاً ما دام أنه لا يعرف الحق، أو عنده تردد لا يدري هل هذا هو الحق أو غيره؟ فإن حكم فيجب عليه أن ينقض هذا الحكم، وهذا حكم باطل ولو أصاب الحق؛ لأن طريقه خطأ فكان باطلاً ولو أصاب الحق. قال: [ويوصي الوكلاء والأعوان ببابه بالرفق بالخصوم]. الذين يقفون عند الباب من العسكر وغيرهم يأمرهم بالرفق بالخصوم، [وقلة الطمع]؛ لئلا يضروا بالناس، [ويجتهد أن يكونوا شيوخاً أو كهولاً من أهل الدين والعفة والصيانة]. [ويباح له أن يتخذ كاتباً يكتب الوقائع] يكون عنده كاتب يكتب الوقائع والأقضية، [ويشترط كونه مسلماً مكلفاً عدلاً] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:118] فيكون مسلماً ويكون مكلفاً عدلاً، [ويسن كونه حافظاً عالماً] ليعينه على أمره.

طريق الحكم وصفته

طريق الحكم وصفته قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب طريق الحكم وصفته. إذا حضر إلى الحاكم خصمان فله أن يسكت حتى يبتدئا]. دخل عليه خصمان وهو لا يدري هل هذا المدّعي أم هذا؟ فله أن يسكت حتى يبتدئا، [وله أن يقول: أيكما المدّعي، فإذا ادّعى أحدهما اشترط كون الدعوة معلومة] يعني بشيء معلوم، وأن تكون محررة واضحة بيّنة، يقول مثلاً: أنا أدّعي عليه أني أقرضته مثلاً عشرة آلاف ريال أو أعطيته كذا صاعاً من البر، فلا بد أن تكون موضحة، ولا يقول: أقرضته شيئاً، أو أعطيته طعاماً بل يحرر دعواه تكون واضحة بيّنة. قال: [وكونها منفكة عمّا يكذّبها]، فلو قال: أدعي على هذا أنه اقترض مني قبل عشرين سنة كذا والمدعى عليه ابن خمس عشرة سنة! فهذه دعوى قد ارتبط بها ما يُكذّبها، لأن هذا ابن خمس عشرة سنة فكيف تدّعي أنك قد أقرضته قبل عشرين سنة؟ إذاً: إذا كانت هذه الدعوة معلوم كذبها فلا يُنظر إليها. قال: [ثم إن كانت بدين اشترط كونه حالّاً]. إن كانت الدعوى بدين اشترط القاضي كونه حالاً، فلا تصح بمؤجل، أي: ما دام الدين لم يحل فلا ترفع الدعوى حتى يحل؛ لأنك لا تملك المطالبة به قبل ذلك، لكن إن كان يطلب إثباته بورقة يقول: دعواي أن يكتب لي وثيقة بالدين ويقربه فلا مانع من نظر هذه الدعوى، [وإن كانت بعين اشتُرط حضورها لمجلس الحكم لتُعين بالإشارة] فيقال: هذه العين، هذه الساعة، هذا الحلي. [فإن كانت غائبة عن البلد]، أي: إذا كانت هذه العين ليست في البلد، [وصفها كصفات السلم]، يعني: أن يكون الوصف منضبطاً. [فإذا أتم المُدّعي دعواه، فإن أقر خصمه بما ادعاه، أو اعترف بسبب الحق ثم ادعى البراءة لم يُلتفت لقوله، بل يحلف المُدّعي على نفي ما ادعاه]. إذا قال: أنا أقرضته عشرة آلاف، ثم إنه أقر المدعي عليه وقال: إني قد أعطيته، فادّعى البراءة لم يُلتفت لقوله، بل يحلف المُدّعي على نفي ما ادّعاه. يعني: لو ادّعى البراءة فيحلف المُدّعي على نفي ما ادّعى خصمه، [ويلزمه بالحق إلا أن يُقيم بيّنة ببراءته] أي: يأتي ببينة على أنه قد أعطاه حقه. قال: [وإن أنكر الخصم ابتداء] أي: أنكر القرض فقال: إنه لم يُقرضني، [بأن قال لمُدّعٍ قرضاً أو ثمناً: ما أقرضني، أو ما باعني، أو لا يستحق عليّ شيئاً مما ادعاه، أو لا حق له عليّ صح الجواب]؛ لأنه الآن نفى الحق من أصله، أما هناك فقد أقر أنه أقرضه ثم ادّعى أنه قد قضى هذا الدين، فهنا نقول: لا بد من بيّنة على أنه قضى. قال: [فيقول الحاكم للمُدّعي: هل لك بيّنة؟ فإن قال نعم، قال له: إن شئت فأحضرها، فإذا أحضرها وشهدت سمعها وحرُم ترديدها]؛ لأنه إذا رددها فإن هذا يؤدي إلى كتمان الحق، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب القضاء [2]

دليل الطالب_كتاب القضاء [2] مما يحتاج إليه القاضي أن يعرف أحكام البينة وعدالة الشهود لأنه يقضي بموجب ذلك كثيراً، وكذلك يجب أن يعرف حكم القضاء المستند إلى علم القاضي، وأحكام تزكية الشهود وأثر حكم الحاكم، والحكم باليمين، أو بالنكول عنها وغير ذلك.

أحكام البينة واليمين وعدالة الشهود

أحكام البينة واليمين وعدالة الشهود

عدالة البينة

عدالة البينة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ويُعتبر في البيّنة العدالة ظاهراً وباطناً]. يعني: أن يكون عدلاً لا يظهر عليه فسق، وأن يُعرف من حاله الباطنة العدالة، وليس المقصود أن يُشق على قلبه؛ لكن المقصود أن يعرفه من كان له به اختصاص من جار أو غيره بالعدالة. ولذا جاء في البيهقي بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: إني لست أعرفُك ولا يضرك أني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك. فقال رجل: إني أعرفه. فقال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة. فقال: فأنت جاره الأدنى الذي يعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدرهم والدينار التي يُستدل بها على الورع؟ قال: لا، قال: فسافرت معه فإن السفر يُستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه، ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك، قالوا: فهذا يدل على أنه لا بد من العدالة الظاهرة والعدالة الباطنة. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا يسع الناس في هذا الزمن غيره: أن الشاهد يكفي أن يكون مرضياً من جهة الأمانة والصدق، فإذا كان معروفاً بالصدق فإن هذا يكفي؛ لقول الله جل وعلا: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. قال: أما قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] فإن هذا في التحمّل ليحتاط لحقه، فعند التحمل يبحث عمّن عُرف بالعدالة الظاهرة والباطنة؛ لأن هذا أحفظ لحقه؛ لكن عند أداء الشهادة إذا أداها من نرضى صدقه وأمانته فإن هذا يكفي للآية الأولى، ولا يسع الناس في هذا الزمن إلا هذا، فإن من أهل الكبائر والفسق من هو معروف بالصدق لا يكذب، معروف بالأمانة لا يخون، حتى إن الناس يأخذون خبره ويثقون بكلامه وليس من أهل الديانة بل هو معروف بالفسق، والله جل وعلا يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]، هذا القول هو الأصح ولا يسع الناس في هذا الزمن غيره.

الأحوال التي يقضي فيها القاضي بعلمه

الأحوال التي يقضي فيها القاضي بعلمه قال: [وللحاكم أن يعمل بعلمه فيما أُقر به في مجلس حكمه]. القاضي لا يحكم بعلمه، فإذا كان يعلم أن فلاناً قتل فلاناً فليس له أن يُحكم بالقصاص أو بالدية، أو رأى فلاناً يسرق فليس له أن يحكم بذلك، ولا يحكم إلا بالبينة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) كما في الصحيحين. فلا يقضي بعلمه؛ لأن هذا يدعو إلى اتهامه فيكون القاضي محل تهمة، ولأن هذا يفتح باب شر وفساد. وعلى ذلك فالقاضي لا يحكم بعلمه، لكن هنا مسائل تُستثنى منها ما ذكره المؤلف هنا: [ما أُقر به في مجلس حكمه) أي: أتى زيد وعمرو فادّعى زيد أن عمراً استقرض منه عشرة آلاف ريال، فأقر عمرو بذلك، ثم بعد ذلك أنكر فالقاضي يحكم بعلمه هنا؛ لأن هذا الإقرار كان في مجلس الحكم وما دام في مجلس الحكم فهو كالشهادة. كذلك إذا استفاض الأمر بحيث إن الناس يعلمونه خاصتهم وعامتهم، فالقاضي إذا حكم لا يُتهم، كأن يعلم القاضي أن هذه الأرض لفلان، وهذا قد استفاض عند أهل القرية عامتهم وخاصتهم، فيحكم بذلك؛ لأنه قد حكم بالاستفاضة، وعلمه داخل في الاستفاضة فحكم بعلمه المنبني على استفاضة هذا الخبر. كذلك أيضاً في عدالة البيّنة وفسقها، كما قال: [وفي عدالة البيّنة وفسقها] بغير خلاف بين أهل العلم. إذا أتاه شاهدان وهو يعلم أنهما من أهل العدالة، فلا يحتاج أن يطلب عليهما من يزكّيهما، بل يأخذ بذلك، وإذا كان يعلم أنهما من أهل الفسق فإنه يأخذ بذلك. ويدل عليه أثر عمر فإنه قال: إني لست أعرفك، فدل على أن القاضي إذا كان يعرفه فإن هذا يكفي.

تزكية الشهود

تزكية الشهود قال: [فإن ارتاب منها فلا بد من المزكين لها]، أي: إن ارتاب من الشهادة فإنه يطلب المزكين. والأصح وهو رواية عن أحمد خلافاً للمشهور في المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام: أنه يكفي مزك واحد، فإذا زكّاه واحد فإنه يكفي؛ لأن هذا خبر، فكان كالخبر الديني يكفي فيه واحد. والحاصل أنه يكفي أن يأتي مزك واحد فيزكي هذا الشاهد ويزكي هذا الشاهد، والمذهب أنه لا بد من اثنين، والصحيح أن المُزكي الواحد يكفي. قال: [فإن طلب المُدّعي من الحاكم أن يحبس غريمه حتى يأتي بمن يزكي بيّنته أجابه لما سأل وانتظر ثلاثة أيام]. إذا قال المُدّعي للقاضي: أنا قد أتيتك بشاهدين وأنت الآن تطلب من يُزكي هذين الشاهدين، فأنا أطلب أن تحبس غريمي ثلاثة أيام حتى آتي بالمُزكي، فإنه يقبل ذلك ويحبسه حتى يُحفظ حقه، وفي هذا الوقت تكفي الكفالة، يعني: أن يأتي من يكفل هذا المُدّعى عليه. [فإن أتى بالمُزكين اعتُبر معرفتهم لمن يُزكونه بالصحبة والمعاملة]، كما تقدّم شرحه في أثر عمر رضي الله عنه؛ [فإن ادّعى الغريم فسق المزكين]، أي: قال الخصم المُدعى عليه: إني أدّعي فسق المزكين، [أو فسق البيّنة المُزكّاة، وأقام بذلك بينة سُمعت وبطلت الشهادة]. إذا قال المدعى عليه: أنا أدّعي أن هذا الشاهد، أو هذين الشاهدين ليسوا عدولاً، وأتى ببينة تدل على أن هذا معروف مثلاً بالزنا، أو معروف بشرب الخمر، أو غير ذلك مما يُفسّر الجرح، فيأتي ببينة تُثبت أن الشهود ليسوا عدولاً، أو أن المُزكّين الذين زكوا هؤلاء الشهود ليسوا عدولاً؛ سُمعت وبطلت الشهادة. قال المؤلف: [ولا يُقبل من النساء تعديل ولا تجريح]؛ لأنها شهادة بما ليس بمال، والنساء تُقبل شهادتهن بالمال.

الحكم باليمين عند عدم الشهود أو بطلان شهادتهم

الحكم باليمين عند عدم الشهود أو بطلان شهادتهم قال: [وحيث ظهر فسق بيّنة المُدّعي، أو قال ابتداءً: ليس لي بيّنة، قال له الحاكم: ليس لك على غريمك إلا اليمين]. يعني: قال زيد للقاضي: إني أدّعي أن عمراً قد استقرض مني مائة ألف ريال مثلاً، فأنكر عمرو، فيقول القاضي للمُدّعي: هل عندك بيّنة؟ فإن قال: ليس لي بيّنة فأنا وثقت به وأعطيته مالي وليس بيّنة، فيقول له القاضي: ليس لك على غريمك إلا اليمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر) رواه البيهقي. وفي حديث آخر في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للحضرمي: (ألك بيّنة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه قال: يا رسول الله إنه رجل فاجر لا يتورع من شيء. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ليس لك إلا ذلك)، إذاً: ليس له إلا اليمين. وكذلك إذا ظهر فسق البيّنة، كما لو أتى بشهود فُسّاق لا يصلحون للشهادة فكأنه قال: لا بيّنة لي، فنُرجع اليمين إلى المُدّعى عليه. قال: [فيحلف الغريم على صفة جوابه في الدعوى ويخلى سبيله، ويحرم تحليفه بعد ذلك]، يعني: لا تُكرر اليمين، فلا يقول له القاضي: احلف مرة أخرى؛ لأن ظاهر الأدلة أن يميناً واحدة تكفي. قال: [وإن كان للمُدّعي بيّنة فله أن يقيمها بعد ذلك]. الآن ليس معه بيّنة، حيث ظن أن عمراً يقر! فعندما لم يقر أتى المدعي بعد ذلك للقاضي بالبيّنة؛ فله أن يقيمها بعد ذلك.

الحكم بنكول المدعى عليه عن اليمين

الحكم بنكول المدعى عليه عن اليمين [وإن لم يحلف الغريم قال له الحاكم: إن لم تحلف حكمت عليك بالنكول. ويسن تكراره ثلاثاً] ليقطع حجته، قال لعمرو في المثال المتقدم: احلف، فقال: لا، ونكل عن اليمين، فيُسن للقاضي أن يكرر ذلك عليه ثلاثاً ليقطع حجته. [فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول ولزمه الحق]؛ فإن عثمان قضى على ابن عمر بالنكول كما في موطأ مالك بإسناد صحيح، وعلى ذلك فإن المدعى عليه إذا نكل قضينا عليه بالنكول، وظاهر ذلك أن اليمين لا تُرد إلى المُدعي، فلا يُقال بعد ذلك للمُدعي: احلف أنك أقرضته. ادّعى زيد أنه قد أقرض عمراً عشرة آلاف ريال، فسأله القاضي: هل عندك بيّنة؟ قال: ليس عندي بيّنة، قلنا لعمرو: احلف حتى تبرأ. فنكل؛ فإنا نقضي عليه ونقول: إذاً في ذمتك له عشرة آلاف، ولا تُرد اليمين إلى المُدّعي فلا يقول له القاضي: احلف أنك قد أقرضته عشرة آلاف ريال، وهذا هو المذهب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان العلم قد انفرد به المُدّعي فإن اليمين تُرد إليه. وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: إذا رأى القاضي أن تُرد اليمين ردّها لا سيما إذا كان العلم منفرداً به. مثال هذا: ادّعى رجل أن فلاناً الميت قد استقرض منه عشرة آلاف ريال وطالب ورثته بالسداد، فحضروا عند القاضي وقالوا: أيها القاضي إن كان عنده بيّنة فليحضرها فإننا نريد إبراء ذمة والدنا، فلم يكن له بيّنة، فقال لهم القاضي: احلفوا، قالوا: نحن لا نحلف فهذا أمر ينفرد به هو فنحن لا نحلف، نحن لسنا الذين استقرضنا حتى نحلف. فنكلوا؛ فالمذهب أنه يُقضى عليهم ويُطالبون بعشرة آلاف من التركة، واختيار شيخ الإسلام والشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أن اليمين ترد إلى المُدّعي فيقال للمُدّعي: احلف؛ لأن هؤلاء الورثة ليس عندهم علم حتى ينفوا ويحلفوا فاحلف أنت أنك أقرضت هذا الميت عشرة آلاف ريال فإن حلف ثبت الحق، وهذا هو الصحيح. إذاً: إذا كان العلم ينفرد به المُدّعي ونكل المُدّعى عليه رددنا اليمين إلى المُدّعي، ومثل ذلك إذا رأى القاضي ذلك. مثلاً: هذا رجل معروف بالصلاح وعنده مال كثير، ولا يُعرف عند القضاة إلا بخير، فأتى رجل معروف بالكذب وقال: إني أدّعي أني أقرضت هذا الرجل مائة ألف ريال، فقال القاضي لهذا الرجل الصالح: احلف، فقال: أنا لا أحلف ولا أريد أن أحلف عند القاضي، إن كان يريد أن يأخذ من مالي شيئاً فليأخذ، أما اليمين فلا أحلف، وعرف القاضي صدقه وكذب الآخر، فحينئذ يرد اليمين إليه ويقول: احلف أنت أنك قد أقرضته مائة ألف ريال، فإذا حلف أخذها.

آثار حكم الحاكم

آثار حكم الحاكم

حكم الحاكم يرفع الخلاف ولا يزيل الشيء عن صفته باطنا

حكم الحاكم يرفع الخلاف ولا يزيل الشيء عن صفته باطناً قال: [فصل: وحكم الحاكم يرفع الخلاف لكن لا يزيل الشيء عن صفته باطناً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار) متفق عليه. إذاً: القاضي حكمه يرفع الخلاف، لكن في الباطن فالأمور على ما هي عليه، الكاذب كاذب، والصادق صادق، والظالم ظالم، والمظلوم مظلوم، ولذا قال: (فإنما أقطع له قطعة من النار). قال هنا: [فمتى حكم له ببينة زور بزوجية امرأة ووطئ مع العلم فكالزنا]. هذا رجل أتى بشهود يشهدون أن فلانة زوجته، يقول: هذه هي زوجتي وأتى بشهود زور يشهدون أنها زوجته، وهو يعلم كذب نفسه، فنقول: إذا وطئها فهو كالزاني، وهي لا يجوز لها أن تمكّن من نفسها لأنها تعلم كذبه حتى وإن حكم القاضي بأنها زوجته. في المثال المتقدم في القرض إذا حكم القاضي بأن فلاناً في ذمته كذا بناء على النكول عن اليمين، أو بيّنة كاذبة فنقول: إن هذا المال ليس لك ولا يحل لك أن تأكله وهو مال حرام. فإن قال: إن القاضي قد حكم لي به، نقول: القاضي حكم بنحو ما يسمع، أما البواطن فعلمها عند الله جل وعلا.

حكم الحاكم المخالف في المذهب

حكم الحاكم المخالف في المذهب قال: [وإن باع حنبلي متروك التسمية]، أي: عمداً، [فحكم بصحته شافعي نفذ]. الحنابلة يرون أن ما تُركت التسمية عليه عمداً من الذبائح لا يحل، كما تقدم شرحه في الأطعمة، أما الشافعية فيرون حله؛ لأن التسمية عندهم سُنة، فإذا باع حنبلي ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها عمداً فحكم القاضي الشافعي بصحة ذلك -لأن الشافعي يرى أن التسمية سُنة- نفذ ذلك.

حكم التقليد في المختلف فيه

حكم التقليد في المختلف فيه قال: [ومن قلّد في صحة نكاح صح ولم يفارق]، أي زوجته، [بتغير اجتهاده كالحكم بذلك]. من قلّد في نكاح مختلف فيه، كالذي ينكح امرأة بلا ولي تقليداً للإمام أبي حنيفة، صح النكاح لأنه مقلّد، ولم يفارق زوجته بتغير اجتهاده، فإذا سأل في المستقبل عالماً آخر وأفتاه أن النكاح بلا ولي باطل فلا يلزمه أن يُفارق زوجته؛ لأنه بنى زواجه على تقليد لإمام معتبر. قوله: [كالحكم بذلك] جعل التقليد في الفتيا كالحكم، بعض الناس يطلّق امرأته وهي حائض، فيفتيه العالم بأن طلاق الحائض لا يقع، ثم بعد ذلك يأخذ بقول عالم آخر يرى أن طلاق الحائض يقع، فلا نقول إن تلك الطلقة السابقة قد وقعت؛ لأنك بنيت ذلك على سؤال لعالم يؤخذ بفتياه ويُقلّد، فبرئت ذمتك عند الله جل وعلا.

الدعوى على الغائب ونحوه وكتاب القاضي

الدعوى على الغائب ونحوه وكتاب القاضي

ما تصح فيه الدعوى على الغائب ونحوه

ما تصح فيه الدعوى على الغائب ونحوه قال: [فصل: وتصح الدعوى بحقوق الآدميين على الميت وعلى غير المكلف وعلى الغائب مسافة قصر، وكذا دونها إن كان مستتراً بشرط البيّنة في الكل]. يرى الحنابلة أن الحكم على الغائب يصح، يعني: تصح الدعوى إذا كان الخصم غائباً وأنت أيها المُدّعي ذهبت إلى القاضي ومعك شهود عدول، والخصم غائب عن البلد مسافة قصر أو كان مستتراً مستخفياً؛ لأن المستخفي كالغائب. وكذلك إذا كان ميتاً؛ لأن الميت كالغائب. وكذلك إذا كان كذلك غير مكلّف، كصبي أو مجنون؛ لأنهم أولى من الغائب، لأنهم لا يعبّرون عن أنفسهم؛ فإذا كان الأمر كذلك فإن القاضي يحكم مع غياب الخصم. واستدلوا بما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قالت له هند زوجة أبي سفيان: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفينا، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) متفق عليه؛ قالوا: وهذا يدل على أن الغائب يُحكم عليه. وقال الأحناف وهو رواية عن أحمد: بل إن الغائب لا يُحكم عليه، أما الحديث فإنه في الفتيا لا في القضاء، وهناك فرق بين القضاء والفتيا، ولذا جاء في الترمذي والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع قول الآخر فإنك إن فعلت ذلك تبيّن لك القضاء) وهو حديث صحيح. وعلى ذلك فلا يُحكم على الغائب إلا لضرورة، وإلا فإنه لا يحُكم على الغائب. أما الحديث المتقدم فإن ذلك في الفُتيا لا في القضاء، وأيضاً: ليس فيه أن أبا سفيان كان خارج البلد، وإنما كان غائباً عن مجلس القضاء. إذاً: المذهب يرون أنه يُحكم على الغائب، ويرون أنه يُحكم عليه بلا يمين أيضاً، وبلا طلب كفيل. وقال الشافعية: نحكم على الغائب لكن نطلب من المُدّعي مع البيّنة اليمين احتياطاً. وقال بعض الحنابلة: نطلب منه أن يأتي بكفيل، حتى إذا أتى الآخر وتبيّن لنا أن الحكم لم يكن في محله فإنا قد حفظنا حقه بالكفيل؛ لأن الرجل قد يأتي ببيّنة أنه قد أقرض فلاناً قبل سنة، لكن هذا المستقرض قد رد له الحق وعنده بيّنة أنه رد الحق. ولذا فالصحيح أنه لا يُحكم على غائب إلا عند الضرورة.

كتاب القاضي إلى قاض آخر

كتاب القاضي إلى قاض آخر قال: [ويصح أن يكتب القاضي الذي ثبت عنده الحق إلى قاض آخر معين أو غير معين]. هذا في كتابة القاضي فالقاضي قد يكتب إلى قاض آخر إما بحكمه أو بما ثبت عنده من البيّنة. يعني: قد يكتب القاضي إلى الشيخ فلان في بلدة كذا إنه قد ثبت عندي أن فلاناً قد اقترض من فلان عشرة آلاف ريال بشهادة فلان وشهادة فلان وحكمت بذلك. لأنه قد يكون الشخص هنا مثلاً وغريمه في مصر والشهود هنا، فيذهب المدعي بالشهود هنا إلى القاضي ويشهدون عند القاضي، فيحكم ويُكتب بذلك إلى القاضي في مصر، وقد يكتفي بأنه ثبت عنده، وقد يحكم ويطلب منه التنفيذ ويقول: نفِّذ حكمي هذا فإني قد حكمت بناء على البيّنة، وأطالبك أن تنفّذ ذلك. قوله: [معيّن أو غير معيّن] المعيّن مثل: إلى فلان قاضي كذا، وغير المعين أن يكتب: إلى من بلغه كتابي هذا من القضاة. [بصورة الدعوى الواقعة على الغائب بشرط أن يقرأ ذلك على عدلين ثم يدفعه لهما]، أي: عندما يكتب القاضي كتابه يقرأ ذلك على عدلين اثنين، ويدفعه لهما ليذهبا به إلى القاضي الآخر. والقول الثاني في المسألة وهو اختيار ابن القيم والشيخ محمد بن إبراهيم: أنه يكفي أن يعرف القاضي الآخر خطه وختمه، فإذا كان عليه ختم وكان خط القاضي أيضاً معروفاً لديه، فهذا يكفي ولا يحتاج إلى شهادة اثنين يقرؤه عليهما، وهذا هو الصحيح؛ قال ابن القيم: وعليه عمل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى اليوم. قال: [ويقول فيه: وإن ذلك قد ثبت عندي، وإنك تأخذ الحق للمُستحق. فيلزم القاضي الواصل إليه ذلك العمل به]، يلزمه أن يعمل بذلك إجماعاً.

دليل الطالب_كتاب القضاء [3]

دليل الطالب_كتاب القضاء [3] قد تحصل الشركة في الأموال بطريق الإرث أو غيره، وقد يكون المال المشترك عقاراً وقد يكون منقولاً، وفي كل حال فإن الشركاء قد يحتاجون إلى القسمة بينهم، وكثيراً ما يترافعون إلى القضاء للفصل بينهم في ذلك، وعليه فيحتاج القاضي إلى معرفة القسمة وما تتطلبه من حساب، وما هي أنواعها ومحل كل نوع.

أحكام القسمة

أحكام القسمة

أنواع القسمة والتعريف بها

أنواع القسمة والتعريف بها قال: [باب القسمة: وهي نوعان: قسمة تراض وقسمة إجبار]. عندما يكون بينك وبين زيد من الناس دار، أو عقار، أو دابة، أو غير ذلك، وتريد أن تقسم فتأخذ حقك ويأخذ هو حقه، هذا الباب يشرح ذلك، فذكر المؤلف أن القسمة نوعان: قسمة تراض وقسمة إجبار. يعني: هناك قسمة يُشترط فيها التراضي، فليس للقاضي ولا لغيره أن يقسم إلا مع التراضي، وهي القسمة التي فيها ضرر أو رد عوض، فالضرر مثل نقص القيمة، فإذا قُسمت حصل نقص في القيمة، أو احتاج أن يرد عوضاً، يقول: يا فلان أعط فلاناً كذا عوضاً لأننا أعطيناك الجهة الأفضل؛ فهذا النوع لا بد فيه من التراضي. وهناك قسمة إجبار: وهي التي إن طلب أحد الطرفين القسمة أجبر القاضي الطرف الآخر عليها، وهي التي لا يكون فيها ضرر ولا يكون فيها رد عوض. مثلاً: أرض مساحتها ألف متر معتدلة فلهذا خمسمائة ولهذا خمسمائة إذا لم يكن فيها رد عوض، لكن لو كانت الأرض التي في إحدى الجهتين تقع على شارع عام وهي أفضل بحيث إن الذي يأخذها يرد عوضاً للآخر، فإنا نقول: هذه من النوع الأول، وليست قسمتها قسمة إجبار.

أحكام قسمة التراضي

أحكام قسمة التراضي قال: [فلا قسمة في مشترك إلا برضا الشركاء كلهم حيث كان في القسمة ضرر يُنقص القيمة كحمام، ودور صغار، وشجر مفرد، وحيوان]، هذه لا يمكن أن تقسم إلا برضا الطرفين، إذاً ما هو الحل؟ الحل أن القاضي يلزمهما بالبيع ويقسم الثمن بينهما، فإن أبى أحدهما البيع فإن القاضي يبيع ويأخذ الثمن ويقسمه بينهما، ولا يمكن أن يقسم بينهما على الصورة المتقدمة. مثال ذلك: اثنان بينهما ناقة يشتركان فيها ماذا يفعل القاضي؟ لا يمكن أن تُقسم، فيبيع هذه الناقة ويقسم الثمن. كذلك إذا حدث بالقسمة نقص، مثلاً: بينهما شقة واحدة يشتركان فيها ورثاها عن أبيهما، فماذا يفعل القاضي؟ نقول: إما أن تتراضيا على حالكما الآن وتنتفعان بها على هذه الصورة، وإلا فإن القاضي يبيع ويقسم الثمن. قال: [وحيث تراضيا صحت]، أي: إن تراضيا على القسمة صحت، [وكانت بيعاً، وثبت فيها ما يثبت فيه من الأحكام]، فيكون من باب البيع إذا تراضيا على القسمة، فإذا قال أحدهما: أنا آخذ هذا القسم وأنت تأخذ القسم هذا وتراضيا فيكون بيعاً، وعلى ذلك ففيه خيار المجلس وفيه خيار الشرط، وفيه كذلك خيار الغبن كسائر البيوع، أي: فله حكم سائر البيوع. قال: [وإن لم يتراضيا ودعا أحدهما شريكه إلى البيع في ذلك أو إلى بيع عبد، أو بهيمة، أو سيف، ونحوه مما هو شركة بينهما، أُجبر إن امتنع] كما تقدم شرحه دفعاً للضرر. يعني: هذا يُطالب بحقه ولم يتراضيا على القسمة فإنه يُجبر على البيع ويُقسم الثمن، [فإن أبى بيع عليهما]، كما تقدم، فيبيعه القاضي [وقُسم الثمن] بينهما. قال: [ولا إجبار في قسمة المنافع]، وذلك مثل دار وقف على هذين الاثنين، فلا يمكن القسمة؛ لأن هذه منفعة وليست عيناً، ولا إجبار في قسمة المنافع، [فإن اقتسماها بالزمن كهذا شهراً والآخر مثله، أو بالمكان كهذا في بيت والآخر في بيت صح جائزاً، ولكل] منهما، [الرجوع] متى شاء. إذاً: إذا كانت هناك منفعة مشتركة بينهما، كأن أوقف الأب هذه الدار على أولاده وهما اثنان ينتفعان بها فهذه لا يمكن قسمتها؛ لأنها وقف، وعلى ذلك فإن اقتسما بالزمن كأن يكون لهذا شهراً ولهذا شهراً، أو بالمكان كهذا في بيت أو في شقة وهذا في شقة؛ صح جائزاً لا لازماً، ولكل منهما الرجوع.

أحكام قسمة الإجبار

أحكام قسمة الإجبار [فصل: النوع الثاني: قسمة إجبار؛ وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض] ليس فيها ضرر وليس فيها رد عوض. [وتأتي في كل مكيل وموزون]، مثلاً: يشتر كان في عشرة كيلو من البر، فهذه لا ضرر في القسمة ولا رد عوض، بل لهذا خمسة ولهذا خمسة، ولذا تسمى قسمة إجبار، لأنهما يجبران على القسمة؛ أي: ما دام أحدهما يطالب بالقسمة فيُجبر الآخر عليها؛ لأنه لا يلحقه ضرر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ضرر ولا ضرار). [وفي دار كبيرة] الدار الكبيرة يمكن أن تُقسم، [وأرض واسعة، ويدخل الشجر تبعاً]. وهذا النوع ليس بيعاً، إنما هو فرز، يعني: فُرز حق هذا من حق هذا، فلا يُعد بيعاً فيه خيار مجلس وغير ذلك! بخلاف قسمة التراضي السابقة فهي بيع. قال: [فيُجبر الحاكم أحد الشريكين إذا امتنع على القسمة؛ لأنه لا ضرر عليه، ويصح أن يتقاسما بأنفسهما أو أن ينصِّبا قاسماً بينهما] أي: أن يجعلا بينهما قاسماً. [ويُشترط إسلامه وعدالته وتكليفه] لأنه يُلزم بقسمته فيكون كالقاضي، وعلى ذلك فلا بد أن يكون مسلماً عدلاً مكلفاً. قال: [ومعرفته بالقسمة] أي: أن يعرف كيف يقسم، [وأجرته بينهما على قدر أملاكهما]، فإن كان هذا له النصف وهذا له النصف فالأجرة بينهما على النصفين، وإن كان لهذا الثلث ولهذا الثلثان، فهذا عليه من الأجرة الثلث وهذا عليه من الأجرة الثلثان. قال: [وإذا تقاسما بالقرعة جاز، ولزمت القسمة بمجرد خروج القرعة] إذا تراضيا واختارا القرعة فتكون القرعة كالقاضي وكالقاسم، فما خرجت القرعة به حكمنا به ولزم، وليس لأحدهما بعد ذلك الرجوع، [ولو فيما فيه رد وضرر] أي: فإذا تراضيا على القرعة فإن القرعة تلزم إذا خرجت. [وإن خيّر أحدهما الآخر بلا قرعة وتراضيا لزمت بالتفرق] يعني بأبدانهما، فإذا قال أحدهما للآخر: أنا أقسم وأنت تختار فقسم الدار إلى قسمين وقال له: اختر أنت، فاختار، فإنهما إذا تفرّقا بأبدانهما لزم ذلك. [وإن خرج في نصيب أحدهما عيب جهله خُيّر بين فسخ وإمساك ويأخذ الأرش] أي: إن كان في نصيب أحدهما عيب فإنه يُخيّر إذا كان يجهل العيب، أي: لم يعرف العيب سابقاً، لأنه لم يدخل على بصيرة، ولذا فإنه يُخير بين فسخ وبين إمساك وأرش. [وإن غُبن غبناً فاحشاً بطلت] لأن هذا الفرز قد تبيّن فساده إذا كان فيه غبن فاحش. [وإن ادّعى كل أن هذا من سهمه تحالفا ونُقضت] إذا ادّعى أحدهما حدهأن هذا النصيب له، وقال الآخر: بل القرعة قد خرجت لي وهو نصيبي فاختلفا، فإنهما يتحالفان، فيحلف هذا ويحلف هذا، وتُنقض هذه القسمة أو هذا الفرز. [وإن حصلت الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت]؛ لأنه تبيّن أنها ليست قسمة عادلة، لأنه إذا كان الطريق يصل إلى هذه الجهة ولا يصل إلى تلك الجهة، فالجهة الأخرى ليس لها منفذ؛ فتكون قسمة جائرة، وعلى ذلك فتبطل. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

دليل الطالب_كتاب القضاء [4]

دليل الطالب_كتاب القضاء [4] طلب أحد الخصمين الآخر إلى القضاء هو الدعوى، فيستدعي القاضي الخصم المطلوب ثم يقضي بين المتداعيين، والدعوى تختلف بحسب العين المدعاة، لأنها إما أن تكون بيديهما أو أحدهما أو عند ثالث أو غير ذلك.

تعريف الدعاوى والبينات وممن تسمع الدعاوى

تعريف الدعاوى والبينات وممن تسمع الدعاوى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الدعاوى والبينات. الدعاوى: جمع دعوى، وهي في اللغة: الطلب. وأما في الاصطلاح: فهي إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاقاً في يد غيره أو ذمته. وأما البينات فهي: جمع بيّنة. وهي: ما أظهر الحق وأبانه كالشهود. عندنا المُدّعي وعند المُدّعى عليه، فالمطالب هو المُدّعي والمُطالَب هو المُدّعى عليه. المُدّعي: من إذا ترك تُرك، يعني إذا ترك الدعوى تُرك، وأما المُدّعى عليه: فمن إذا ترك لم يُترك؛ لأنه هو المُطالب. قال: [لا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف] يعني أن القاضي لا يسمع الدعوى إلا أن تكون من جائز التصرف، وهو الحر المكلّف الرشيد، فإن لم يكن كذلك سمعها من وليه.

أحوال العين المدعاة وحكم كل حال

أحوال العين المدعاة وحكم كل حال

الحال الأولى

الحال الأولى [وإن تداعيا عيناً لم تخل من أربعة أحوال: أحدها: ألا تكون بيد أحد]. اختلف اثنان في عين، هذه العين ليست في يد هذا ولا في يد هذا كأن اختلفا في دابة في البر، هذا يقول: هذه الدابة لي، وهذا يقول: هذه الدابة لي، فليست بيد أحد منهما. [ولا ثم ظاهر] أي: ليس هناك ظاهر يُعمل به، لو كان زمامها بيد أحدهما فهذا ظاهر، لو كان أحدهما راكباً لها فهذا ظاهر نأخذ به، لكن ليس هناك ظاهر يُعمل به. [ولا بيّنة لأحدهما] فلا لهذا بيّنة ولا لهذا بيّنة، يعني: ليس لهذا شهود على أنها له ولا لهذا شهود على أنه له. [فيتحالفان ويتناصفانها لاستوائهما في الدعوى] يعني تكون لهما جميعاً، لهذا النصف ولهذا النصف. وقد جاء في سنن أبي داود: (أن رجلين اختلفا في دابة ليس لأحدهما بيّنة فجعلها النبي عليه الصلاة والسلام لهما على نصفين). قال: [وإن وجد ظاهر لأحدهما عُمل به]، أي: إذا وُجد ظاهر يدل على أنها لأحدهما فإنه يُعمل به، كما لو اختلف الزوجان بعد الطلاق فالمرأة تقول هذا لي، والزوج يقول: هذا لي ولا بيّنة، فننظر: إن كان الشيء مما يصلح للنساء كان لها بيمينها، وإن كان الشيء مما يصلح للرجال كان للرجل بيمينه، مثل القماش للنساء، ومثل أدوات المطبخ للنساء، فهذا ظاهر، فنحكم بالظاهر مع اليمين.

الحال الثانية

الحال الثانية قال: [الثاني]، يعني الحال الثانية: [أن تكون بيد أحدهما، فهي له بيمينه]. أحدهما آخذ بزمامها أو قد ركبها فهي بيده، أو أرض يزرعها والآخر يقول: هي لي، فنقول: هي لمن كانت بيده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث المتقدم: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك). وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المُدّعى عليه) رواه مسلم. وفي البيهقي: (البيّنة على المُدّعي واليمين على من أنكر)، وهذه الرواية فيها ضعف لكن أهل العلم قد أجمعوا على ذلك. إذاً: إن كانت بيد أحدهما فإنا نحكم بأنها لمن كانت بيده وعليه اليمين، [فإن لم يحلف] كأن قال: لا أحلف، [قُضي عليه بالنكول ولو أقام بيّنة]. إذاً: لا نسمع بيّنته؛ لأنه لا حاجة للبيّنة بل يحلف فقط، أي أنه إذا نكل عن اليمين فقال: أنا عندي بينة فلا أحلف قال المؤلف هنا: لا نقبل بيّنته، بل نقول: إما أن تحلف وإلا فإنا ندفع هذه الأرض التي تغرسها للمُدّعي. والصحيح وهو القول الثاني في المسألة، وقول في المذهب وعليه أهل الفتيا كما في الشرح: أن البيّنة تُقبل منه؛ لأن الشخص يحتاج للبيّنة وإن كان عنده يمين، لئلا يُتهم بأن يقال إنه حلف كاذباً، فيحتاج للبيّنة ليدفع التهمة وليسلم من اليمين. إذاً: هذا رجل بيده عين جاء آخر وادّعى أن هذه العين التي بيده له وليس عنده بيّنة، فقال صاحب اليد: أنا عندي بيّنة، نقول: لا نسمع بينتك على المذهب، وإنما نُطالبك باليمين، فإن حلفت فهي لك وإن نكلت فهي للمُدّعي. والصحيح كما تقدم أنا نأخذ ببيّنته إن أحب ذلك وترك اليمين.

الحال الثالثة

الحال الثالثة قال: [الثالث] أي: الحال الثالثة: [أن تكون بيديهما جميعاً، كشيء كل ممسك ببعضه]. دابة هذا ممسك بجانبها وهذا ممسك بجانبها، هذا يقول هي لي، وهذا يقول هي لي مثلاً هما في السوق، هذا وضع يده على هذه الدابة وهذا وضع يده عليها، وكل يقول: هي لي إذاً: لا يمكننا أن نقول هي بيد هذا ولا يمكننا أن نقول هي بيد هذا دون الآخر، بل هي بيد الاثنين جميعاً. قال: [فيتحالفان ويتناصفانه]، كالمسألة السابقة؛ للحديث المتقدم، لأن يد هذا عارضت يد هذا، فتساقطتا، وعلى ذلك فنقول: كما لو لم تكن هناك يد فيتناصفان. [فإن قويت يد أحدهما] أي: كانت يد أحدهما أقوى [كحيوان واحد سائقه والآخر راكبه] فالراكب أقوى من السائق، [أو قميص واحد آخذ بكمه والثاني لابسه، فللثاني بيمينه] أي: نحكم به للثاني لأن يده أقوى، يعني نأخذ للراكب هنا، ونأخذ للابس؛ لأن يده أقوى. [وإن تنازع صانعان في آلة دكانهما]، عندنا صانعان في الورشة اختلفا، [فآلة كل صنعة لصانعها]، فآلة الحدادة تكون للحداد، وآلة النجارة تكون للنجار، وآلة الميكانيكا تكون للميكانيكي، وهكذا. قال: [ومتى كان لأحدهما بيّنة فالعين له]، إن قال النجار: نعم هذه آلة حدادة؛ لكنها لي وعندي بيّنة تشهد أنها لي، والآخر لا بيّنة له! فلا شك أن البيّنة تُقدّم. قال: [فإن كان لكل منهما بيّنة به وتساوتا من كل وجه تعارضتا وتساقطتا]، أي إن تنازعا في عين، وهذا له بيّنة وهذا له بيّنة، فنقول: هاتان البيّنتان تعارضتا فتساقطتا وعلى ذلك [فيتحالفان ويتناصفان ما بيديهما] كما تقدم إيضاحه. قال: [ويقترعان فيما عداه]، كم بقي عندنا حال؟ قد ذكر أن تكون بيديهما جميعاً، وأن تكون بيد أحدهما، وأن لا تكون بيد أحد منهما، فبقي أن تكون بيد أجنبي، يعني أن تكون بيد طرف ثالث وليست بيد هذا ولا بيد هذا، فما الحكم؟ قال: [ويقترعان فيمن عداه، فمن خرجت له القرعة فهو له بيمينه]. يعني إذا كانت هذه السلعة ليست بيديهما جميعاً بل هي بيد ثالث فإنهما يقترعان، فمن خرجت القرعة له فهي له بيمينه. ويدل على ذلك ما جاء في سنن أبي داود: (أن رجلين اختلفا في عين وجاء كل واحد منهما ببيّنة، فقضى النبي عليه الصلاة والسلام أن يستهما). وجاء في سنن أبي داود: (أن رجلين اختلفا ولم يكن لأحد منهما بيّنة، فأمرهما النبي عليه الصلاة والسلام أن يستهما أحبا أو كرها). والحديث الأول رواه الشافعي أيضاً، وأما هذا فهو في أبي داود. إذاً: إذا كانت العين ليست بيد الطرفين وليس لهما بيّنة، أو لكل منهما بيّنة بحيث إن بيّنة هذا تعارض بينة هذا، فيستهمان ومن خرجت القرعة له قلنا: هي لك بيمينك.

بينة الداخل والخارج

بينة الداخل والخارج قال: [وإن كانت العين بيد أحدهما فهو داخل والآخر خارج، وبينة الخارج مُقدّمة على بينة الداخل]. إذا كانت العين بيد أحدهما كأرض يغرسها، فهذا يُعد داخلاً فالذي تكون اليد له يعد هو الداخل، والمُدّعي خارج ليست له على هذه الأرض يد، أقام كل منهما بينة، ادّعى زيد أن الأرض التي يغرسها عمرو له وأتى بشهود يشهدون أنها له، فقال الذي يغرس الأرض وهو عمرو: إنها لي أيها القاضي وهذه بيّنتي أيضاً، وأتى بشهود؛ قالوا هنا: لا نقول إن البيّنتين تتعارضا، لأن هذه بيّنة داخل وهذه بيّنة خارج، وإنما نأخذ ببينة الخارج ولا نأخذ ببيّنة الداخل، قالوا: لأن بينة الداخل لا تُسمع؛ لأنه مُدّعى عليه والمدعى عليه تُسمع منه اليمين ولا تتوجه إليه البيّنة. وهذا القول ضعيف، ولذا ذهب الجمهور وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب واختيار الشيخ محمد بن إبراهيم أنا نسمع بيّنة الداخل فنُقدّم بيّنة الداخل؛ لأن الداخل معه مُرجّح وهو أنها في يده. قالوا: وإنما جاء الشرع في أن البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر لأن الأصل أن تكون البينة واحدة لا غير، أما إذا كانت هناك بينتان فإنا نسمع هذه ونسمع هذه إذاً: الصحيح أنا نأخذ هنا ببينة الداخل لأن البينتين تعارضتا فتساقطتا، وبقي لنا أن الداخل له شاهد الحال وهو يده على هذه الأرض التي يغرسها. ومثل ذلك لو اختلف اثنان في دابة هذا آخذ بزمامها أو راكب لها وهذا مُدّع ليست يده عليها، فأقام هذا بيّنة وأقام هذا بيّنة، فالمذهب أنا نأخذ ببينة المُدّعي وهو الذي ليست يده عليها، قالوا: لأن الآخر تتوجه عليه اليمين فقط، والصحيح ما تقدم وأنا نأخذ ببينة الداخل؛ لأن الداخل يشهد له ظاهر الحال. وإذا زدنا على ذلك اليمين كما تقدم في مسألة سابقة يكون هذا أحوط في حفظ الحق. قال: [لكن لو أقام الخارج بيّنة أنها ملكه والداخل بينة أنه اشتراها منه قُدّمت بينته]. هنا حتى على المذهب لو قال الخارج: إن شهودي يشهدون أنها لي وأني ورثتها عن آبائي، فقال الشهود: نعم نشهد أنه ورثها من آبائه، فقال الداخل: إن بينتي تشهد أني اشتريتها منه، فلا شك أنا نقدم بينة الداخل حتى على المذهب؛ قال: [لما معها من زيادة العلم، أو أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من فلان، وأقام الآخر بينة كذلك، عُمل بأسبقهما تاريخاً]. يعني: قلنا للخارج: من أين اشتريت؟ قال: اشتريتها من زيد. قلنا: متى؟ قال: قبل سنة، وقلنا لهذا الداخل: متى اشتريتها؟ قال: قبل سنتين، فنحكم للأسبق منهما.

الحال الرابعة

الحال الرابعة قال: [الرابع: أن تكون بيد ثالث] هناك في المسألة السابقة كانت بيد ثالث لا يدّعيها، أما هنا فالثالث يدّعي أنها له. يعني: ادّعى زيد وعمرو الدابة التي يركبها بكر، فزيد يقول لي، وعمرو يقول لي، وبكر يقول: لا، بل هي لي قال: [فإن ادّعاها لنفسه حلف لكل واحد منهما يميناً]، يحلف أمام القاضي لهما جميعاً فيقول: والله إنها ليست لزيد وإنما هي لي، والله إنها ليست لعمرو وإنما هي لي. [فإن نكل] أي: إن حلف كانت له لأنها بيده وليست بيد زيد ولا عمرو، وإن لم يحلف [أخذاها منه مع بدلها] أي: فيأخذان العين ويأخذان بدلها أيضاً، وهو مثلها إن كانت من المثليات أو قيمتها إن كانت من المقومات، قالوا: لحق الاثنين فإنه نكل عن يمين هذا ويمين هذا فيكون كما لو أتلفها على أحدهما. [واقترعا عليهما] مثلاً: أخذنا الناقة وأخذنا أيضاً بدلها من الثالث الذي نكل، واقترعا عليهما، فمن خرجت القرعة له حلف وأخذ الدابة وأخذ بدلها. قال: [وإن أقر بها لهما اقتسماها] قال: أنا أقر أنها لزيد وعمرو. قال: [وحلف لكل واحد يميناً] يعني: يحلف لزيد وعمرو؛ لأنه أشركهما فيقول: والله إن لعمرو نصفها ووالله إن لزيد نصفها، وقد كان زيد يدّعي أنها كلها له وعمرو يدّعي أنها كلها له، فيحلف أن لهذا النصف وأن لهذا النصف، [وحلف كل واحد لصاحبه على النصف المحكوم له به]، فإذ أخذ زيد النصف حلف وإذا أخذ عمرو النصف حلف؛ لأن هذا ينكر أنه له، لأن زيداً يقول: هي لي كلها، وعمراً: يقول هي لي كلها. قال: [وإن قال] أي: إن قال هذا الذي بيده وهو الطرف الثالث [هي لأحدهما] ما هي للاثنين، إنما هي لأحدهما [وأجهله]، فلا أدري هل هي لزيد أو لعمرو؟ أنا أخذتها من مكان هما فيه ولا أدري هل هي لزيد أم لعمرو؟ [فصدّقاه] على جهله [لم يحلف] هو؛ لأنهما صدّقاه [وإلا حلف يميناً واحدة]. يعني: إذا صدقاه فلا يمين، وإن لم يصدقاه حلف يميناً واحدة؛ لأن صاحب الحق واحد فإنه يقول إما لهذا وإما لهذا، [ويقرع بينهما] يعني بالقرعة، [فمن قرع حلف وأخذها].

دليل الطالب_كتاب الشهادات [1]

دليل الطالب_كتاب الشهادات [1] لا يقضي القاضي للمدعي بمجرد دعواه، وإنما يطلب من الخصم الإقرار بالدعوى أولاً، فإن لم يقر طلب من المدعي البينة، فإذا شهدت البينة ثبت الحق للمدعي، ولذلك فأمور الشهادات وما يتعلق بها من شروط وأحكام هي مما يجب على القاضي العلم به.

أحكام الشهادات

أحكام الشهادات

تعريف الشهادة وما تصح به

تعريف الشهادة وما تصح به قال: [كتاب الشهادات]. الشهادات: جمع شهادة، والشهادة هي الإخبار بما علمه برؤية أو سماع، أو استفاضة وتكون بلفظ: أشهد، لا بغير هذا اللفظ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مذهب المالكية والأحناف ورواية عن أحمد: تصح الشهادة بكل لفظ يدل عليها، يعني: لا يُشترط أن يقول أشهد، فلو قال: رأيت فلاناً يقتل فلاناً فهي شهادة، ولو قال: سمعت فلاناً يطلّق امرأته فهي شهادة، وهذا هو الراجح. قال شيخ الإسلام: ولا نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب يدل على اشتراط أن تكون بلفظ أشهد. إذاً الحنابلة قالوا: لا بد أن تكون الشهادة بلفظ أشهد، والصحيح أنه لا يُشترط، بل إذا قال ما يدل على الشهادة كسمعت أو رأيت فهي شهادة؛ لكن إن كانت بلفظ (علمتُ) فلا؛ لأن (علمت) يجوز أن تكون بالخبر عن عدل.

حكم تحمل الشهادة وأدائها

حكم تحمل الشهادة وأدائها قال: [تحمّل الشهادة في حقوق الآدمين فرض كفاية؛ قال جل وعلا: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282]، يعني: إذا ما دعوا للتحمل أو دعوا للأداء، فإذا دُعيت لتحمل شهادة فتحملها فإنها من فروض الكفاية، وإذا لم يكن ثم غيرك تعينت عليك. [وأداؤها فرض عين]. إذاً: تحملها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقي، وأما أدائها فهو فرض عين، ولذا قال الله جل وعلا: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] يعني فسق، فإذا سئل الشهادة وجب عليه أن يؤديها، أو إذا كان المشهود له لا يدري أن عنده شهادة له ويحتاج لشهادة ولم يسأله؛ لأنه لا يعلم أن عند فلاناً شهادة له بهذا الحق فالواجب عليه أن يبادر بأدائها. [ومتى تحملها وجبت كتابتها]، لئلا ينساها، يعني يجب أن يكتب الشاهدة لئلا ينساها فيضيع الحق على صاحبه.

حكم أخذ الأجرة على الشهادة وكتمانها

حكم أخذ الأجرة على الشهادة وكتمانها [ويحرم أخذ أجرة وجُعل عليها] لا يجوز أن يأخذ على الشهادة أجراً ولا جُعلاً، وذلك لأنها من فروض الكفاية كصلاة الجنازة؛ ولأن أخذ الأجرة على ذلك يفتح باب شر وفساد من شهادة الزور. [لكن إن عجز عن المشي أو تأذى به فله أخذ أُجرة مركوب] يعني: أنها قد تحتاج إلى سفر، وقد تحتاج إلى ذهاب إلى المحكمة والمحكمة يثقل عليك أن تمشي إليها بأقدامك، فتقول: ادفع لي أُجرة السيارة التي أركبها، ولا حرج عليك في ذلك، وإذا كان تحتاج إلى طائرة فلك أن تشترط عليه أن يدفع التذكرة؛ لأن الإنسان لا يلزمه أن ينفع غيره بضرر نفسه، فيقول: هذا نفع لك لكنه يضرني! فادفع أنت أُجرة المركوب، حتى لو كان الشاهد غنياً. قال: [ويحرم كتم الشهادة] للآية، [ولا ضمان] يعني إذا كتم الشهادة فلا يلحقه الضمان، فلا تلازم بين التحريم وبين الضمان. فلان استقرض منه قرضاً وأشهد فلاناً وفلاناً ثم إن المستقرض جحد وذهب هذا إلى الشهود فأبوا أن يشهدوا، فلا نقول: إن عليهم الضمان، ففي المستقبل أرادوا التوبة وقالوا: نحن كتمنا الشهادة، فلا نقول عليكم الضمان؛ لأن الذي أكل المال هو المستقرض، ولا تلازم بين الإثم الذي لحقهما بسبب ترك الشهادة وبين الضمان.

حكم الإشهاد على العقود وبيان ما يشهد به

حكم الإشهاد على العقود وبيان ما يشهد به [ويجب الإشهاد في عقد النكاح خاصة ويسن في كل عقد سواه] فلا بد في النكاح كما تقدم في كتاب النكاح من شاهدي عدل لا يصح النكاح إلا بذلك. [ويسن في كل عقد سواه]؛ لأن الله قال: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:283]]، هذا يدل على أن الشهادة في البيوع وفي غيرها مستحبة فالأمر ليس أمر إيجاب. قال: [ويحرم أن يشهد إلا بما يعلم] قال الله جل وعلا: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]. وجاء في البيهقي: (أترى الشمس؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد أو دع)، لكن الحديث ضعيف. [إما برؤية أو سماع] يشهد إما برؤية، يكون قد رأى فيقول: أشهد أن فلاناً شرب الخمر، أو يسمع فلاناً يُطلّق امرأته فيشهد بسماعه، ومن السماع أيضاً الاستفاضة، والاستفاضة: أن يكون الخبر مشهوراً عند الناس يتناقلونه، وتكون بالموت، بالنسب، بالملك المطلق ونحو ذلك، فيصح أن يُشهد بالاستفاضة؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك. فالاستفاضة: ما يتعذر غالباً علمه بالمشاهدة أو السماع فيتناقله الناس كالملك المطلق، يعني يشهد أن هذا البيت ملك لفلان لأنه بيده، لا يشهد أنه اشتراه من فلان لأن هذا يُعلم بالسماع، أما الاستفاضة فيشهد بالملك المطلق، ويشهد بالنسب ونحو ذلك. وهنا عند قوله: (تحمّل الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية) يعني لا في حقوق الله جل وعلا؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنية على الستر ومبنية على التسامح، فلو طُلب منه أن يشهد على زنا أو على شرب خمر فإنا لا نقول إنه يجب عليه ذلك وأنها فرض عين بل نقول: إن هذا لا يُستحب؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنية على المسامحة والستر، إلا أن يكون الرجل معروفاً بالفساد والشر فيتوجه كما قال صاحب الفروع: أن الشهادة هنا تجب، فيتوجه عدم الستر وينبني على هذا أن يُشهد عليه. قال: [ومن رأى شيئاً بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة]. ترى أن فلاناً يزرع هذه الأرض أو يغرسها أو يسكن في هذا البيت يتصرف فيه مدة طويلة كما يتصرف المُلّاك في هذا البيت يُرممه، ويعيد بناءه، ولذا قال: [من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله أن يشهد له بالملك]، يقول: أشهد أنه يملكه، فإذا دُعي للشهادة شهد أنه يملكه؛ لأنه بيده مدة طويلة يتصرف فيه كما يتصرف المُلّاك. [والورع أن يشهد باليد والتصرف]، الورع أن يقول: أنا أشهد أنه تحت يده وتحت تصرفه ويقف عند هذا.

ذكر صور من الشهادة تختلف أحكامها

ذكر صور من الشهادة تختلف أحكامها قال: [فصل: وإن شهدا أنه طلّق من نسائه واحدة ونسي عينها لم تُقبل]. قالوا: نشهد أنه طلّق امرأة من نسائه لا ندري هل هي فاطمة أم زينب؟ لم تُقبل شهادتهما؛ لأنها شهادة بغير معين. [ولو شهد أحدهما أنه أقر له بألف] قال: أشهد أن زيداً قد أقر لعمرو بألف، [والآخر أنه أقر له بألفين] قال الآخر: أنا أشهد أنه أقر له بألفين، فشاهد يشهد أنه أقر له بألف وشاهد آخر يشهد أنه أقر له بألفين؛ قال: [كملت بالألف] لاتفاقهما عليها، [وله] أي المشهود له، [أن يحلف على الألف الآخر مع شاهده، ويستحقه]، يكون شاهد ويمين؛ لأن اليمين مع الشاهد يُعمل بها. قال: [وإن شهدا أن عليه ألفاً] شهد هذا وهذا أن على عمرو ألفاً لزيد، [وقال أحدهما: قضاه بعضه] قال أحدهما: إنه قد قضاه بعضه أربعمائة أو خمسمائة [بطلت شهادته]؛ لأنه نقضها حيث شهد أولاً بأن عليه، ولم يقل: بأنه أقرضه، بل قال: إن عليه ثم قال: إنه قد وفاه بعضه فيكون هذا نقضاً؛ لكن لو قال: إنه أقرضه فلا يُعد نقضاً، ولذا قال: [وإن شهدا أنه أقرضه ألفاً، ثم قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادتهما]؛ لأنه لم ينقض كلامه. هناك قال: أنا أشهد أن عليه ألف ريال، ثم قال: إنه قضاه بعضه، فهذا نقض، أما إذا قال: إنه أقرضه ألفاً ثم قال: إنه قد وفّاه البعض، فهذا لا يُنافي هذا. قال: [ولا يحل لمن أخبره عدل باقتضاء الحق أن يشهد به]، أي: إذا تحملت شهادة، فشهدت أن فلاناً أقرض فلاناً عشرة آلاف ريال، ثم قال لك رجل ثقة: إنه قد قضاه، فلا يحل لك أن تشهد بأنه قضاه، وأنه اقتضى الحق؛ لأن هذا لم تشهده أنت وإنما هو خبر عن عدل. قال: [ولو شهد اثنان في جمع من الناس على واحد منهم أنه طلّق أو أعتق، أو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئاً، ولم يشهد به أحد غيرهما؛ قُبلت شهادتهما]؛ لكمال النصاب. هذا رجل طلّق امرأته في مجمع من الناس اجتمع أهل السوق ليصلحوا وهم مائة رجل، ثم إن اثنين من المائة عدلين شهدا أنه قد طلّق ولم يشهد البقية فيكفي هذا ولا نحتاج أن نقول: اشهدوا جميعاً. كذلك لو أن اثنين شهدا على خطيب أنه قال كذا وكذا على المنبر فتكفي شهادتهما، ولا نقول: لا بد أن يشهد الجميع؛ وذلك لكمال النصاب.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين تحمل الشهادة وأدائها

الفرق بين تحمل الشهادة وأدائها Q ما الفرق بين تحمل الشهادة وأدائها؟ A التحمل أن تسمع الشهادة، يقول لك فلان: تعال اشهد أني أقرضت فلاناً! فهذا تحمل. والأداء يكون عند القاضي.

حديث الرجلين اللذين ادعيا البعير

حديث الرجلين اللذين ادعيا البعير Q في حديث الرجلين اللذين ادعيا البعير؛ هل قسم النبي صلى الله عليه وسلم بالثمن؟ A لهما أن يأخذاه جميعاً، وإن اختلفا وأرادا القسمة فإنه يباع عليهما أو يبيعانه ويقتسمان الثمن كما تقدم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الشهادات [2]

دليل الطالب_كتاب الشهادات [2] الشهادة عند القاضي بحق من الحقوق يشترط فيها شروط لابد من توفرها في الشاهد، وقد تختلف الشروط بحسب الحق المشهود به، وبعض هذه الشروط خاضعة للعرف. وكما يشترط للشهادة شروط فإنه قد يمنع من قبولها موانع توجب على القاضي عدم قبولها كالقرابة القريبة بين الشاهد والمشهود له، والعداوة الدنيوية بين الشاهد والمشهود عليه ونحو ذلك مما بينه الفقهاء في كتبهم.

شروط من تقبل شهادته

شروط من تقبل شهادته

البلوغ والعقل والنطق والحفظ

البلوغ والعقل والنطق والحفظ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب شروط من تقبل شهادته، وهي ستة: أحدها البلوغ فلا شهادة لصغير ولو اتصف بالعدالة]. لأن الله جل وعلا يقول: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] وهذا لا يتوجه في حق الصغير؛ لأنه غير مكلف، فلا يقال فيه إنه آثم قلبه. ولأن الله قال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] فدل هذا على أن الصبي لا تقبل شهادته. [الثاني: العقل]، هذا هو الشرط الثاني؛ [فلا شهادة لمعتوه ومجنون]. المعتوه: هو ناقص العقل، يعني: ليس عقله تاماً، بل فيه شائبة جنون. وأما المجنون: فهو الذي لا يعقل. فلا تُقبل شهادتهما؛ لأن قول هؤلاء على أنفسهم لا يُقبل، فأولى من ذلك ألا يُقبل قولهم على غيرهم. [الثالث: النطق فلا شهادة لأخرس] يعني: لا تقبل في الشهادة إشارة الأخرس؛ [إلا إذا أداها بخطه]، فإذا أداها بخطه قُبلت؛ لأن الخط يُقبل، فإذا عُلم أنه خط فلان قُبل، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين عنده شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عنده) كما في الصحيحين، فدل هذا على أن الخط يُقبل، أما إشارته فلا تُقبل. وقال الإمام مالك: بل تُقبل شهادة الأخرس ولو بإشارته، لأن الإشارة منه تقوم مقام النطق وهذا أصح. [الرابع: الحفظ، فلا شهادة لمغفّل ومعروف بكثرة غلط وسهو]. لأنه لا تحصل الثقة بقوله، وعليه: إذا كان الرجل يُعرف بكثرة الغلط وكثرة السهو وفيه غفلة فإن شهادته لا تُقبل.

الإسلام

الإسلام [الخامس: الإسلام]. لأن الله جل وعلا قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. وقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] والكفار ليسوا من رجالنا. وعلى ذلك فلا تُقبل شهادة الكافر، ولذا قال: [فلا شهادة لكافر ولو على مثله]، فلو شهد نصراني على نصراني، أو يهودي على يهودي فكذلك لا تُقبل إذاً شهادة الكافر لا تُقبل ولو على مثله. والقول الثاني في المسألة، وهو مذهب الأحناف وقول إسحاق وأبي عبيد ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام: أن شهادة الكفار تُقبل إن شهدوا على بعضهم، فشهادة بعضهم على بعض تُقبل، وهذا هو الراجح؛ وذلك لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لإثبات حقوقهم لئلا تضيع الحقوق. وأما قوله جل وعلا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، وقوله جل وعلا: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] فإنهما في خطاب المؤمنين، فإن الله جل وعلا قال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ)) إلى قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] وقال: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] إلى أن قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]؛ فهذا في بيان أن شهادة الكافر لا تُقبل في حق المسلم وهذا مُسلّم، أما شهادة بعضهم على بعض فإنها تُقبل لأن الحاجة داعية إلى ذلك. وهل يشترط اتحاد الملة أم لا؟ على قولين: أصحهما وهو قول إسحاق وأبي عبيد: أنها تُشترط؛ لأن الملة إذا اختلفت كان ذلك محل تُهمة، بأن يُتهم اليهودي في شهادته على النصراني أو العكس، فإذا اتحدت الملة أمِنا ذلك. ولأن العادة أن بعضهم يشهد لبعض، فالنصارى يكتفون بشهادة بعضهم لبعض، وكذلك اليهود. إذاً: الصحيح أن شهادة بعضهم لبعض مع اتحاد الملة تُقبل.

حكم شهادة الكافر للمسلم

حكم شهادة الكافر للمسلم وتُقبل شهادة الكافر للمسلم في الوصية التي تكون في السفر مع الضرورة؛ لأن الله جل وعلا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106]؛ قالوا: فهذا يدل على أنه عند الضرورة في السفر تصح شهادة الكافر للمسلم على الوصية. والمشهور في المذهب أنه يشترط أن يكون من أهل الكتاب. وعن أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام أنه لا يشترط أن يكون من أهل الكتاب؛ لأن الله قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106] فدخل في ذلك غير أهل الكتاب من الوثنيين. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً أن ذلك يصح في الحضر أيضاً عند الضرورة؛ لأن الأمر منوط بالضرورة، فلا فرق في ذلك بين حضر أو سفر، وهذا هو الصحيح.

العدالة

العدالة قال: [السادس: العدالة] هذا هو الشرط السادس: أن يكون الشاهد عدلاً. وتقدم الكلام على هذا في درس سابق، قال الله جل وعلا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. وتقدم أن العدالة تُشترط بحسب الإمكان.

ما يعتبر للعدالة في الشهادة

ما يعتبر للعدالة في الشهادة

صلاح الدين

صلاح الدين وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم أن الذي يشرب الدخان مثلاً في بلد الدخان فيها فاش ومنتشر لا نقول برد شهادته كما نقول ذلك في بلد لا يُشتهر فيها شرب الدخان، وقد لا يشربه إلا من هو معروف بالفسق فالمعاصي تختلف من بلد إلى بلد في انتشارها. وعلى ذلك فكما تقدم أنه من كان معروفاً بالصدق والأمانة فإن شهادته تُقبل؛ لأن الله جل وعلا يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. قال: [ويُعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض برواتبها]. أن يؤدي الفرائض برواتبها، هذا هو الصلاح في الدين. وقوله: (برواتبها)، هذا هو المشهور في المذهب قالوا: لأن الذي يترك الرواتب لا تسلم فرائضه، يعني قد يترك فريضة. والقول الثاني في المذهب وهو الراجح: أنه لا يُشترط أن يؤدي الرواتب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله الرجل عن الفرائض ثم قال: لا أزيد على هذا ولا أنقص؛ قال: (أفلح إن صدق) كما جاء في الصحيحين، ولا يمكن أن نرد شهادة من قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك إنه مُفلح. وعلى ذلك فالصحيح أن الرواتب لا تُشترط إنما يشترط أداء الفرائض، [واجتناب المحرم بأن لا يأتي كبيرة ولا يُدمن على صغيرة]. والكبيرة: هي ما فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، وما ترتب عليها لعن أو غضب أو نفي إيمان. ما ترتب عليها حد في الدنيا كالزنا، أو وعيد في الآخرة كإسبال الثوب خيلاء، أو ترتب عليه لعن كأكل الربا، أو غضب كالذين يبنون المساجد على القبور، أو نفي الإيمان كالزنا والسرقة ففيها حد، وفيها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن مرتكبها، وكذلك غيرها مما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حقه بنفي الإيمان أو أنه لا يجد ريح الجنة، فهذا كله يدل على أنه كبيرة، وما دون ذلك فهو صغيرة. قال: [ولا يُدمن على صغيرة]. يعني: لا يصر على الصغائر؛ لأنها تجتمع على العبد فتهلكه، ولأن المداومة على الصغائر يدل على نوع استهانة بما حرّم الله جل وعلا.

استعمال المروءة

استعمال المروءة قال: [الثاني: استعمال المروءة]. إذاً: يُعتبر للعدالة شيئان: الصلاح في الدين، والثاني: استعمال المروءة فلا يكون الرجل عدلاً حتى يكون صالحاً في دينه وأن يكون ذا مروءة، وقد تقدم شرح الصلاح في الدين. أما المروءة فقال المؤلف: [بفعل ما يُجمّله ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه؛ لأن الذي لا مروءة له لا يؤمَن عليه الكذب ولا تؤمَن عليه الخيانة، كما جاء في الحديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) كما جاء في البخاري. فالذي لا يستحي لا مروءة له، فلا يؤمَن عليه أن يكذب في شهادته، ولا يؤمن عليه كذلك أن يخون في أمانته. ثم ذكر أمثلة فقال: [فلا شهادة لمتمسخر] وهو الذي فيه صفة استهزاء، [ورقّاص، ومشعبذ] الشعبذة هي خفة في اليدين، لكن ليست سحراً، وإنما هي خفة في اليدين، يعني يحضر المهرجانات ويكون عنده خفة في يديه. [ولاعب بشطرنج ونحوه]، ولأن اللعب بالشطرنج كذلك حرام. [ولا لمن يمد رجليه بحضرة الناس]. وهذه المسائل تختلف فيها الأعراف، فبعض البلاد إذا جلس الرجل في مجالس الرجال فمد رجليه سقطت مروءته، وبعضها لا يكون كذلك، فنرجع إلى المروءة في نفس البلد. [أو يكشف من بدنه ما جرت العادة بتغطيته]. إذا كان أهل البلد قد جرت عادتهم بتغطية الرأس فمشى في تلك البلد حاسر الرأس عُد ذلك في تلك البلد مُسقطاً لمروءته، لا في البلد الأخرى التي يُشتهر فيها حسر الرأس. كذلك لو خرج في البلد وعليه لباس قد كشف عن منكبيه مثلاً وربما كشف عن ساقيه، فهو يمشي في الشارع على هذه الصفة؛ فإنك لا تكاد تجد بلداً إلا وهذا عندهم مما تسقط به المروءة. [ولا لمن يحكي المضحكات]، يعني يحكي للناس النكت والمضحكات في المجالس. [ولا لمن يأكل في السوق] أي: يجلس في السوق ويأكل، وهذا كما ذكرت لكم يختلف باختلاف الأعراف. [ويُغتفر اليسير كاللقمة والتفاحة] مثلاً: قد تكون في بلدك لا تأكل أبداً في الشارع لكن عندما يأتي الإنسان إلى مكة يجد الناس يأكلون مثلاً في الشارع عند المطاعم أو نحوها فيأكل معهم، فهذا لا يُنقص مروءتهم؛ لأن هذا يختلف كما ذكرت لكم باختلاف البلدان. هنا كما رأيتم شرط العدالة فيه عسر، فإذا قلنا بالشروط التي ذكرها المؤلف من الصلاح في الدين والمروءة فقد لا نجد إلا اليسير ممن يصلح للشهادة، ولذا كما قال ابن القيم رحمه الله: إنه تُقبل شهادة الفاسق الأمثل فالأمثل عند الضرورة كما في هذه الأزمنة، قال: وإنما يُنكره أكثر الفقهاء بألسنتهم؛ لكن في المحاكم يقبلونه؛ لأن الحاجة تدعو إلى هذا، ولو رددنا شهادة من عنده فسق في هذا العصر فقد لا نجد إلا اليسير ممن تُحفظ بهم حقوق الناس في الشهادات.

حكم شهادة من تحمل حال النقص أو كان فيه نقص

حكم شهادة من تحمل حال النقص أو كان فيه نقص

حكم التحمل قبل حصول شرط الشهادة والأداء بعده

حكم التحمل قبل حصول شرط الشهادة والأداء بعده قال: [فصل: ومتى وجد الشرط بأن بلغ الصغير وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قُبلت الشهادة بمجرد ذلك]. إذاً: لو تحملها صبياً وأداها بالغاً قُبلت، والمجنون لا نقبل شهادته فإذا عقل قبلنا شهادته؛ لكن تحمله لا يُقبل؛ لأنه لا عقل له فلا يُقبل تحمله، لكن الصبي يقبل تحمله ويؤديها بعد بلوغه. كذلك الكافر إذا تحمل شيئاً في كفره وأداه بعد إسلامه قُبل. وكذلك إذا تحمل الفاسق شهادة وأداها بعد توبته قُبلت؛ لأن الاعتبار إنما هو حال الأداء، لئلا يكذب ولا يخون.

حكم شهادة العبد وأصحاب الحرف الدنيئة

حكم شهادة العبد وأصحاب الحرف الدنيئة قال: [ولا تشترط الحرية] يعني لا يُشترط أن يكون الشاهد حُراً، [فتُقبل شهادة العبد والأمة في كل ما تُقبل فيه شهادة الحر والحرة]. ولذا فإن أمة سوداء كما جاء في البخاري قالت: (إني قد أرضعت عقبة والتي نكح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة) أي: لأن هذه الأمة شهدت. ولقوله جل وعلا: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] والعبيد من رجالنا. وكذلك قول الله جل وعلا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. قال: [ولا يُشترط كون الصناعة غير دنيئة]. يعني: لا يُشترط في الشاهد أن تكون صناعته ليست دنيئة، فلو كان حجاماً أو حداداً أو زبالاً أو كنّاساً فإن شهادته تُقبل فمثل الكنّاس شهادته تُقبل لعمومات الأدلة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2].

حكم شهادة الأعمى

حكم شهادة الأعمى قال: [ولا كونه بصيراً، فتقبل شهادة الأعمى بما سمعه حيث تيقن الصوت وبما رآه قبل عماه]. الأعمى تُقبل شهادته بما رآه قبل عماه، وتقبل شهادته فيما سمعه يقول: أعرف صوت فلان وقد سمعته يطلّق فلانة، فتُقبل شهادته ما دام أنه متيقن أن هذا هو صوت فلان.

موانع الشهادة

موانع الشهادة

الأول الملك أو البعضية أو الزوجية

الأول الملك أو البعضية أو الزوجية قال: [باب موانع الشهادة]. الموانع: جمع مانع، والمانع: هو ما يلزم من وجوده العدم، مثل الحيض يمنع من الصلاة. فهنا يذكر موانع الشهادة. قال: [وهي ستة: أحدها: كون الشاهد أو بعضه ملكاً لمن يشهد له]. يعني: لا تُقبل شهادة العبد لسيده، لأن العبد يتبسّط بمال سيده وسيده يُنفق عليه فإنه لا مال له، فكان كالولد مع والده فكما أن الولد -كما سيأتي- لا تُقبل شهادته لوالده فكذلك العبد لسيده. وكذلك لو كان يملك بعضه وبعضه حر، كأن يملك زيد نصفه ونصفه الآخر حر، فكذلك لا تُقبل شهادته. [وكذا لو كان زوجاً له ولو في الماضي]. الزوج لا تُقبل شهادته لزوجه، كذلك المرأة لا تُقبل شهادتها لزوجها، فلا يصح أن يكون الشاهد أحد الزوجين، هذا مذهب الجمهور، قالوا: لأن المرأة تتبسّط في مال زوجها؛ ولأن بينهما ما يدعو إلى التهمة في الشهادة، مما هو نحو ما يكون بين الولد ووالده، فالصلة قوية بين الزوجين. قال هنا: (ولو في الماضي) أي: ولو كان قد أبانها أو خلعت نفسها منه، قالوا: لأنه قد يُحتال بهذا، قد يبين المرأة ثم يعود إليها بعد الشهادة فيُسد هذا الباب. وقال الشافعية ورواية عن أحمد: بل شهادة أحد الزوجين للآخر تصح لعموم الآيات، والذي ترجح ما ذهب إليه الجمهور، إلا إذا انتفت التهمة فإنا نقبل كما ذكر هنا، أي: لو أنه أبانها وعُلم أن هذه البينونة لا تكون لطلب الشهادة على مثل هذا الأمر وهي الآن تشهد له أو يشهد لها والأمر يسير بحيث لا يفارق الرجل امرأته بالثلاث من أجل الشهادة به، فهنا التهمة منتفية. قال: [أو كان من فروعه وإن سفلوا من ولد البنين والبنات أو من أصوله وإن علوا]. إذا كان من فروعه أو من أصوله فلا تُقبل الشهادة، فالولد لا يشهد لوالده ولا لجده ولا لأمه ولا لجدته، وكذلك الوالد لا يشهد لولده، والأم لا تشهد لولدها الذكر ولا لبنتها. إذاً: الأصول والفروع لا تصح الشهادة لهم، هذا هو مذهب الجمهور، واستدلوا بقول عمر رضي الله عنه الذي رواه البيهقي بإسناد صحيح أنه قال: المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلوداً بحد، أو مجرباً في شهادة زور، أو ظنيناً في قرابة أو ولاء، الظنين: هو المتهم، يعني أن يكون متهماً في قرابة، وأقوى القرابة التي تكون معها التهمة هي قرابة الأصول والفروع. وقال أهل الظاهر وهو قول شريح القاضي والمزني وابن حزم: إن شهادة الأصول تصح للفروع والعكس، قالوا: لعمومات الأدلة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]. واختار ابن قيم الجوزية وهو رواية عن أحمد، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم وظاهر اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أن شهادة الأصول والفروع تُقبل عند انتفاء التهمة. إذاً: لا تُقبل إلا إذا انتفت التهمة، كأن يكون الرجل مبرّزاً في العدالة، معروفاً بالصلاح فمثله لا يشهد لولده أو لحفيده مثلاً أو لجده أو جدته بشهادة زور. إذاً: الصحيح وهو قول الجمهور: أن شهادة الأصول والفروع لا تُقبل؛ لكن إن رأى القاضي أن التهمة منتفية في مثل هذه القضية، وأن الرجل له عدالة تمنعه عن الشهادة في مثل هذا فالأظهر أنه يقبل شهادته. قال: [وتُقبل لباقي أقاربه] كأخيه إجماعاً، فالأخ يشهد لأخيه ويشهد لعمه، يقول مثلاً: أشهد أنه أقرض فلاناً كذا، أشهد أن فلاناً قد جرحه! إذاً: الأخ يشهد لأخيه، ويشهد لعمه، ويشهد لخاله. [وكل من لا تُقبل له فإنها تُقبل عليه لعدم التهمة]. لأن الله جل وعلا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:135] لو شهد الولد على والده يقول: أشهد أن فلاناً أقرض أبي، أو الوالد على ولده: أشهد أن فلاناً قد أقرض ابني، فهذه تُقبل بلا خلاف لعدم التهمة، والكلام فيما تقدم في الشهادة له لينفعه فهنا تكون التهمة.

الثاني كونه يجر بها نفعا لنفسه

الثاني كونه يجر بها نفعاً لنفسه قال: [الثاني: كونه يجر بها نفعاً لنفسه]. إذا كانت الشهادة فيها نفع للشاهد فلا تُقبل، يعني: إذا أتى شاهد عند القاضي يشهد بأمر يترتب على ذلك نفع له فلا تُقبل؛ لأنه يتهم. قال: [فلا تُقبل شهادته لرقيقه]، أي: لا تُقبل شهادته لعبده، لأن عبده مال له، [ومكاتبه]، كذلك. [ولا لمورثه بجرح قبل اندماله]؛ لأنه قد يسري إلى نفسه فتجب الدية، فيُتهم أنه يريد الدية. لو شهد أن فلاناً قد جرح مورثه، وأن هذا الجرح لم يندمل وأنه قد سرى حتى مات بسببه، فإنه يتهم أنه يريد الإرث فلا يُقبل. [ولا لشريكه فيما هو شريك له]، يعني: لو ثبت للقاضي أن هذا شريك له في هذه الشركة وهو يشهد بما يعود به النفع للشركة فلا يُقبل. مثلاً: أنت شريك في شركة وشهدت لشريكك بما يعود نفعه للشركة فلا تقبل؛ لكن إذا كان يعود نفعه للشريك لا للشركة فتشهد. مثاله: زيد وعمرو يشتركان في شركة، فشهد زيد لعمرو بأمر يعود نفعه له لا للشركة، فشهادته تُقبل لعدم التهمة، لكن إذا كان النفع يعود للشركة بأن يكون هذا القرض للشركة أو الدين للشركة، فهنا لا تُقبل الشهادة. قال: [ولا لمستأجره فيما استأجره فيه] كمن نوزع مثلاً في قماش وكان قد أعطى هذا القماش خياطاً فخاطه، الآن الخياط من مصلحته أن يكون هذا الثوب لهذا الذي دفعه له حتى لا تضيع أجرته، فإذا شهد الخياط في هذا الثوب الذي خاطه من أجل أن لا تضيع الأجرة، فهنا يكون هذا الخياط متهماً؛ لأنه يريد نفع نفسه؛ لأن هذا الثوب إذا رجع إلى هذا الرجل الذي أعطاه إياه أخذ أجرته، وإذا خرج عن يده فقد لا يأخذ أجرته.

الثالث أن يدفع بها ضررا عن نفسه

الثالث أن يدفع بها ضرراً عن نفسه قال: [الثالث: أن يدفع بها ضرراً عن نفسه]. إذا كانت الشهادة فيها دفع ضرر عن النفس فلا تُقبل، أي: إذا كان يترتب عليها دفع ضرر عن نفسه فلا تُقبل؛ لأنه متهم. قال: [فلا تُقبل شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ]، كأن شهد اثنان على رجل بأنه قتل فلاناً خطأ، وعليه فإن العاقلة هي التي يلزمها بدفع الدية، فجاءت العاقلة وجرحت الشهود، نقول: لا تُقبل شهادتهم في طعن الشهود؛ لأنهم يريدون دفع الضرر عن أنفسهم، فهم لا يريدون أن يدفعوا دية، فلا تُقبل شهادتهم. يعني: عندنا رجل قتل رجلاً ولم يقر بأنه قتل، وشهد اثنان زيد وعمرو أنه قد قتل خطأ، فالقاضي يطالب العصبة بالدية، فالعصبة هنا أتوا وقالوا: إنا نطعن في الشهود. فنقول: أنتم شهادتكم في طعن الشهود لا تُقبل، ائتوا بشهود آخرين من غيركم يشهدون أن هؤلاء الشهود لا يصلحون للشهادة. قال: [ولا شهادة الغرماء بجرح شهود دين على مفلس]، فإذا كان هذا الرجل مفلساً وجاء زيد وعمرو وادّعى كل واحد منهم أن عنده له خمسين ألفاً، فالقاضي في الأصل يحصي مال المفلس ويوزعه على غُرمائه بقدر حصصهم، فإذا لم يجد عنده مثلاً إلا مائة ألف ريال، وغرماؤه أربعة كل واحد يريد خمسين ألفاً، فإنه يُعطي كل واحد خمسة وعشرين ألفاً والباقي في الذمة. فالآن أحصى ماله ووجده مائة ألف ريال وزيد يريد خمسين ألفاً وعمرو يريد خمسين ألفاً، وبكر وعبد الله كل واحد منهم يريد كذلك خمسين ألفاً، وكانا هما اللذين طالبا بالدين حتى حُجر عليه، فإذا سلما من زيد وعمرو أخذا حقهما كاملاً. فالمفلس لم يقر أن لزيد وعمرو لكل واحد منهما خمسين ألفاً، فلو جاء الغرماء وقالوا: إن شهود الحق الذي لزيد وإن شهود الحق الذي لعمرو لا يصلحون للشهادة، فنحن نطعن بهم. نقول: نحن لا نقبل طعنكم؛ لأن هذا الطعن أنتم متهمون فيه، لأنكم تُريدون أن تدفعوا الضر عن أنفسكم. قال: [ولا شهادة الضامن لمن ضمنه بقضاء الحق أو الإبراء منه]. الكفيل الغارم أتى يشهد أن مكفوله قد قضى الدين، فلا تُقبل الشهادة، لأنه يريد إبراء ذمته، لأن الضامن يتعلق الدين بذمته. قال: [وكل من لا تُقبل شهادته له لا تُقبل شهادته بجرح شاهد عليه]؛ لما تقدم. يعني: جاء رجل يشهد على والدك، ثم أتيت أنت شاهداً من الشهود الذين يطعنون في هذا الشاهد، فلا نقبل ذلك؛ لأن شهادتك لوالدك لا تُقبل فكذلك طعنك بالشاهد عليه. ادّعى زيد أنه أقرض أباك ألف ريال وأتى بشاهد أو بشاهدين، فأتيت تشهد أن الشاهدين اللذين شهدا على أبيك من أهل الفجور، وأنهما يشربان الخمر تريد أن يسلم أبوك من القرض، فلا تُقبل شهادتك، فكما أن شهادتك له لا تُقبل، فطعنك في الشهود الذين يشهدون عليه كذلك لا يقبل.

الرابع العداوة لغير الله

الرابع العداوة لغير الله قال: [الرابع العداوة لغير الله]. أما العداوة لله فإن الشاهد يُقبل؛ لأن عداوته لله فلا يُمكن أن يكذب ويظلم هذا الرجل وهو يعاديه لمعصيته أو لبدعته؛ لكن إذا كانت العداوة لأمر في نفسه! فلا تُقبل شهادته عليه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما جاء في أبي داود: (لا تُقبل شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر -أي: ذي حقد- على أخيه، ولا القانع لأهل البيت). القانع لأهل البيت يعني الرجل يُنفق عليه أهل البيت، تجد الرجل الفقير يسكن بجوار أغنياء يُرسلون له الطعام والمئونة والكساء، فهذا أصبح كالولد لا تقبل شهادته لهم. وذو الغمر: هو ذو الحقد، فالذي يعاديك لا تُقبل شهادته عليك قال: [كفرحه بمساءته، وغمه لفرحه، وطلبه له الشر، فلا تُقبل شهادته على عدوه]. يعني: إذا جاء شاهد يشهد عليك فأثبت أن بينك وبينه عداوة غير دينية، إما عداوة بين الأسرة، أو بين القبيلتين، أو نحو ذلك، فإذا أثبت ذلك فإن شهادته لا تُقبل عليك. قال: [إلا في عقد النكاح]، أي: تُقبل في عقد النكاح، لأن عقد النكاح المقصود منه إظهار النكاح وإعلانه.

الخامس العصبية

الخامس العصبية قال: [الخامس: العصبية: فلا شهادة لمن عُرف بها، كتعصّب جماعة على جماعة وإن لم تبلغ رُتبة العداوة]، لما تقدم. إذا كان بينهم عصبية وإن لم تبلغ درجة العداوة فلا تُقبل للتهمة.

السادس الشهادة المعادة بعد أن ردت لتهمة

السادس الشهادة المعادة بعد أن ردت لتهمة [السادس: أن تُرد شهادته لفسقه ثم يتوب ويعيدها]. هذا رجل ذهب إلى القاضي وشهد أن فلاناً قد أقرض فلاناً كذا وكذا، فقال القاضي: أنت فاسق ولا تقبل شهادتك، فتاب، ثم رجع يعيد الشهادة نفسها فنقول هنا: لا نقبل؛ لأنه يُتهم أنه انتصر لنفسه وأراد أن لا تُرد شهادته فتاب من أجل ذلك، لكن إن شهد بأمر آخر قبلنا. أما الأمر الذي رددنا شهادته قبل لفسقه فلا نقبله الآن؛ لأنه يتهم أنه يريد أن يزيل العار الذي لحقه، يقول: القاضي رد شهادتي في هذا الأمر فلا بد أن أشهد فيه، ويتوب ويترك الفسق، ثم يذهب ويشهد بالأمر نفسه فلا نقبل. لكن إذا أتى القاضي يشهد بأمر آخر وقد تاب فالواجب أن يقبل شهادته. [أو يشهد لمورثه بجرح قبل برئه ثم يبرأ ويعيدها]. شهد لمورثه بجرح قبل أن يبرأ الجرح فردت شهادته، ثم برئ الجرح فجاء يعيد الشهادة السابقة، فنحن في السابق رددناها لأنا نخشى أنه يريد أن تسري حتى يموت مورثه فيرثه، أما الآن فقد برئ؛ لكنا نخشى أنه أراد دفع العار السابق، فهي كالمسألة السابقة. [أو ترد لدفع ضرر أو جلب نفع أو عداوة أو ملك أو زوجية ثم يزول ذلك]، يعني: المانع، [وتعاد؛ فلا تقبل] شهادته [في الجميع]؛ للمعنى المتقدم؛ أنا نخشى أنه أراد أن يدفع العار عن نفسه. قال: [بخلاف ما لو شهد وهو كافر، أو غير مكلّف، أو أخرس، ثم زال ذلك وأعادوها]، أي: فهنا نقبل شهادتهم التي أعادوها؛ لأنهم لا يُتهمون بإزالة العار؛ لأن في مثل هذه المسائل لم يلحقهم عار بذلك.

دليل الطالب_كتاب الشهادات [3]

دليل الطالب_كتاب الشهادات [3] الحق المشهود به أقسام تختلف أنصبة الشهادة فيها بحسب اختلافها، وبعض الحقوق لا يقبل فيها إلا الرجال دون النساء، وبعضها يقبل فيها الرجال والنساء، وبعضها تثبت بشاهد ويمين المدعي، وبعضها يقضى فيها بنكول المدعى عليه عن اليمين وهكذا، وقد يتعذر حضور الشاهد ويكون قد شهد على شهادته غيره، وهو ما يسمى بالشهادة على الشهادة، وهي مقبولة لكن لها شروط وضوابط لابد من مراعاتها.

أقسام المشهود به

أقسام المشهود به

الأول الزنا

الأول الزنا قال: [باب أقسام المشهود به، وهو ستة: الزنا؛ فلا بد فيه من أربعة رجال]. قال الله جل وعلا: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13]. إذاً: لا بد أن يكون الشهود أربعة، والعدد إذا أُنث دل ذلك على أن المعدود مذكّر ((بِأَرْبَعَةِ)) يعني أربعة رجال، وهذا هو قول عامة أهل العلم: أن شهود الزنا لا بد أن يكونوا أربعة رجال، فلا مدخل لشهادة النساء في حد الزنا. [يشهدون به] يعني بالزنا أو باللواط، [وأنهم رأوا ذكره في فرجها]، يعني الشيء الصريح، [أو يشهدون أنه أقر أربعاً]، أي: أربعة رجال يشهدون أن فلاناً في المجلس الفلاني أقر على نفسه أنه زنا بفلانة. هناك لما كانوا شهوداً من غير إقرار لا نقبل رجوعه لكن هنا يُقبل رجوعه، وتقدم شرح هذا والذي يهمنا هنا أن الزنا لا يُقبل فيه إلا شهادة أربعة شهود رجال فلا مدخل للنساء هنا.

الثاني ادعاء الفقر ممن عرف بالغنى ليأخذ من الزكاة

الثاني ادعاء الفقر ممن عرف بالغنى ليأخذ من الزكاة [الثاني: إذا ادعى من عُرف بغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة، فلا بد من ثلاثة رجال]. لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة) كما في صحيح مسلم. فإذا كان الرجل معروفاً بالغنى ثم الآن هو يطالب بالزكاة ويقول: أنا فقير! فلا بد أن يأتي بثلاثة شهود من بطانة أهله يشهدون أنه من أهل الزكاة.

الثالث القود والإعسار وما لا يقصد به المال

الثالث القود والإعسار وما لا يقصد به المال قال: [الثالث: القود والإعسار، وما يوجب الحد والتعزير، فلا بد فيه من رجلين]، وبذلك مضت السنة كما قال الزهري، فلا بد من رجلين. إذاً: الأربعة في الزنا، أما في سائر الحدود وفي القصاص وفي الأمور التي يعزّر بها القاضي لا بد من شهادة رجلين، ولا مدخل للنساء أيضاً في هذا، كما أن الزنا حد لا تدخل فيه النساء فكذلك سائر الحدود، والقصاص كذلك؛ لأن القصاص فيه إراقة للدم، فيحتاط للدم فلا نقبل إلا شهادة الرجال. إذاً عندنا أن حد الزنا لا يُقبل فيه إلا الرجال للآية، ويقاس عليه سائر الحدود كحد السرقة، ويقاس عليه القود يعني القصاص، فلا يؤخذ فيه كذلك إلا بشهادة الرجال، ويكفي فيه شهادة رجلين، والتعزير كذلك، كأن يسب فلان فلاناً فهذا لا بد فيه من شهادة رجلين؛ لأنه عقوبة كالحد. قال: [ومثله النكاح، والرجعة، والخلع، والطلاق، والنسب، والولاء، والتوكيل في غير المال]. هنا مسائل ليست حداً ولا قصاصاً ولا فيها عقوبة ولا يُقصد منها المال؛ فالنكاح لا يُقصد منه المال، والطلاق لا يُقصد منه المال والنكاح وإن كان فيه مهر لكن ليس المقصود هو المال كالبيع، وكذلك الخلع، والنسب، والولاء، فهذه مسائل لا يُقصد منها المال، قالوا: كذلك لا بد فيها من شهادة رجلين. وعن الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أن شهادة الرجل والمرأتين تصح، وأن للنساء مدخلاً في هذه الأمور التي ليست حدوداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً من المسائل غير المالية أما الأمور المالية فسيأتي أن النساء تدخل، لكن الكلام فيما لا يُقصد فيه المال مثل النكاح والطلاق والرجعة، والصحيح أن شهادة المرأتين هنا كشهادة رجل؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أليست شهادة المرأتين كشهادة الرجل؟) كما في الصحيح، وهذا عام، وعلى ذلك فلا نستثني في شهادة النساء إلا الحدود والقصاص والتعزيرات.

الرابع المال وما يقصد به المال

الرابع المال وما يقصد به المال قال: [الرابع: المال وما يُقصد به المال كالقرض، والرهن، والوديعة، والعتق، والتدبير، والوقف، والبيع، وجناية الخطأ]. يعني أن فلاناً قتل فلاناً خطأ، فهذا لا يكون فيه قصاص بل فيه دية؛ قال: [فيكفي فيه رجلان أو رجل وامرأتان]. إذاً: لو شهد رجل وامرأتان أن فلاناً قتل فلاناً خطأ تُقبل، وكذلك في البيع، والقرض، والرهن؛ لأن هذه مسائل مالية، وقد قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة:282] إلى قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. إذاً: شهادة المرأة لها مدخل في المسائل المالية، وكذلك على الراجح في المسائل التي لا يُقصد منها المال وليست حداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً، كما تقدم. قال: [أو رجل ويمين]، فشهادة الرجل في المسائل المالية تكفي مع يمين صاحب الحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالشاهد واليمين)، كما في صحيح مسلم من حديث ابن عباس، وكما في أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة. زيد ادّعى أنه أقرض عمراً، وأقام بكراً شاهداً، فالقاضي يسمع هذه الشهادة ويطالبه باليمين، فيقول: احلف أنك أقرضته، فيشهد الشاهد أولاً ثم يحلف هو ثانياً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالشاهد واليمين)، يعني في المسائل المالية. وكذلك -على الصحيح- في المسائل التي قبلها، وهي التي ليست حداً ولا قصاصاً ولا تعزيراً، فليس فيها عقوبة، مثل الرجعة، والخلع، والطلاق، فيصح فيها الشاهد واليمين فيما اختاره شيخ الإسلام، وهو رواية عن أحمد؛ قالوا: لعموم حديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد واليمين). قال: [لا امرأتان ويمين]. هذا رجل ادّعى أنه أقرض زيداً، وأتى بامرأتين تشهدان ويمينه، قالوا: لا يصح هنا، لأن المرأتين لا تقومان مقام الشاهد الرجل. والصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام ووجه في مذهب أحمد ومذهب المالكية: أن المرأتين تقومان مقام الرجل في هذا مع اليمين؛ وذلك لأن شهادة المرأتين تجعل جانب المُدّعي أقوى، وتجعل الظاهر معه، واليمين في جانب أقوى المتداعيين. وعلى ذلك فنقبل شهادة امرأتين، مكان الشاهد الرجل مع اليمين، وهو مذهب مالك ووجه في مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو كان لجماعة حق بشاهد حق فأقاموه فمن حلف أخذ نصيبه]. إذا كان لجماعة حق على شخص، كأن أقرضه هذا مائة، وهذا مائة، وهذا مائة حتى أكملوا له ألفاً وكانوا عشرة، فأقاموا شاهداً يشهد بما حصل، وأن هذا قد أقرضه مائة وهذا قد أقرضه مائة، فهذا شاهد واحد، وبقيت اليمين فنقول: من حلف منكم أخذ حقه، ومن لم يحلف ونكل عن اليمين لم يأخذ شيئاً، فلا تكفيه يمين صاحبه؛ لأن الحق يثبت بشاهد ويمين، فالشاهد للجميع وعلى كل واحد منهم يمين ليأخذ حقه، ولذا قال: قال: [ولا يشاركه من لم يحلف؛ لأنه لا حق له فيه].

الخامس داء دابة وموضحة ونحوهما

الخامس داء دابة وموضحة ونحوهما قال: [الخامس داء دابة وموضحة ونحوهما؛ فيُقبل قول طبيب وبيطار واحد لعدم غيره في معرفته]. هذا فيما يتعلق بالموضِحة وبأدواء الدواب، فعندما تحصل جناية على إنسان أو جناية على دابة، فإنا نكتفي في معرفة الجرح على قول طبيب واحد عند عدم غيره، وكذلك فيما يتعلق في أدواء الدواب بقول بيطار واحد. قال: [وإن اختلف اثنان قُدّم قول المُثبِت]؛ لأن المثبت معه زيادة علم. هذا كله تبع كما تقدم للمسألة السابقة في قوله: [ولا يشاركه من لم يحلف]، وذكر هنا أنه يكفي في داء الدابة قول بيطار واحد، وفي داء ابن آدم في موضحة ونحوها يكفي قول طبيب واحد إذا عُدم غيره.

السادس ما لا يطلع عليه الرجال غالبا

السادس ما لا يطلع عليه الرجال غالباً ثم قال: [السادس: ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء تحت الثياب] كالبرص [والرضاع] أي: وفي إثبات الرضاعة، [والبكارة والثيوبة والحيض، وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس]، يعني: في حمام للنساء وفي عرس للنساء، [ونحوهما مما لا يحضره الرجال]، يعني غالباً؛ [فيكفي فيه امرأة عدل]. فهذه المسائل تكفي فيها شهادة امرأة واحدة إذا كانت تتصف بالعدالة، ويدل على ذلك ما تقدم في قصة عقبة بن الحارث في صحيح البخاري وغيره، وأن أمة سوداء قالت: (إني قد أرضعت عقبة والتي نكح، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كيف وقد قيل؟)، فدل ذلك على أن المسائل التي جرت العادة أن الرجال لا يطّلعون عليها تكفي فيها شهادة امرأة واحدة عدل؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، في مثل معرفة أن هذه المرأة بكر أو ثيّب، وفي مسألة الرضاع، وفي الجراح التي تكون في أماكن خاصة بالنساء. قال: [والأحوط اثنتان]؛ لأن هذا أكمل كالرجال، لكن لما كانت النساء في العادة لا يُقدمن على الشهادة كالرجال اكتفينا بشهادة امرأة واحدة، فإذا كان عندنا شاهدتان فإن هذا أكمل. إذاً: لو أن امرأة واحدة عدلاً شهدت أن فلانة قد أرضعت فلاناً فنقول: هو ولدها من الرضاع بشهادة هذه المرأة الواحدة المعروفة بالعدالة، ويُفرّق بينه وبين وامرأته بناء على ذلك. لكن إذا ارتاب القاضي فله أن يُحلّف هذه المرأة، قال الله جل وعلا: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة:106]، وعليه: فإذا حصلت ريبة عند القاضي في هذه الشهادة فله أن يطلب يمينها.

حكم الشهادة الناقصة عن الكمال

حكم الشهادة الناقصة عن الكمال قال: [فصل: فلو شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت شيء]؛ لأن قتل العمد كما تقدم لا بد فيه من شهادة رجلين. وعلى ذلك: فإذا شهد به رجل وامرأتان لم يثبُت شيء، يعني: لا قصاص ولا مال، أما القصاص فظاهر وتقدم؛ لأنه لا بد من شهادة رجلين، وأما المال -يعني الدية- فلأن المال فرع عن ثبوت القصاص؛ لأن الأولياء لهم أن يختاروا القصاص ولهم أن يختاروا الدية، ولهم أن يعفوا مجاناً، وعلى ذلك فإذا كان القصاص لا يثبت لم يثبت المال لأنه فرع عنه. [وإن شهدوا بسرقة ثبت المال دون القطع]. إن شهد رجل وامرأتان أن فلاناً قد سرق كذا وكذا فلا حد، لعدم كمال بينة الحد، فإن الحد لا بد فيه من شهادة رجلين، والبيّنة هنا غير كافية فهي شهادة رجل وامرأتين، لكن هل يثبت المال؟ قال هنا: (ثبت المال) يعني: الضمان لمن سُرق منه، فنقول لهذا الذي قامت هذه البيّنة بأنه قد سرق: لا نُقيم عليك الحد لعدم حصول بيّنة الحد لكن عليك الضمان للمسروق منه؛ لأن بيّنة المال قد ثبتت وهي شهادة رجل وامرأتين. فإن قيل: ما الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها؟ ف A أن المال هناك فرع عن القصاص، فإذا تركه الأولياء انتقلوا إلى المال أو العفو مجاناً، وأما المال في السرقة فليس ببدل، وذلك بأن السارق يجب عليه الحد والضمان معاً؛ لكن القاتل عمداً لا نقول إنه يجب عليه القصاص والدية، بل يجب عليه القصاص إلا أن يعفو أولياء الدم عن القصاص فننتقل إلى المال. فالمال في مسألة القصاص بدل، وأما المال في مسألتنا هذه فهو حق آخر، فتُقطع يد السارق وعليه أيضاً ضمان الحق للمسروق منه. قال: [ومن حلف بالطلاق أنه ما سرق أو ما غصب ونحوه فثبت فعله برجل وامرأتين أو رجل ويمين ثبت المال ولم تطلق]. هذا رجل حلف بالطلاق أنه ما سرق فقال: إن كنت قد سرقت فامرأتي طالق! وبيّنة الطلاق كما تقدم شهادة رجلين في المشهور في المذهب، وبيّنة ضمان المال دون ذلك، وهي شهادة رجل وامرأتين. فإذا أتى رجل وامرأتان وشهدوا أنه قد سرق ثبّتنا عليه الضمان ولم نُثبّت عليه الحد كما تقدم، لكن هل تطلق امرأته بهذه البيّنة؟ الجواب: لا تطلق امرأته بهذه البيّنة حتى يُقر؛ لأن الطلاق لا بد فيه من شهادة رجلين. إذاً: ليس للقاضي أن يُثبت طلاقاً بناء على هذه البيّنة التي ثبت فيها الضمان نوضح بمثال آخر: قال: ما غصبت فلاناً حقه وإن كنت قد غصبته حقه فامرأتي طالق، ثم إنه ثبت أنه غصب بشهادة رجل وامرأتين فهنا لا نطلق عليه امرأته بهذه البيّنة؛ لأنه لا بد في بيّنة الطلاق من شهادة رجلين، ولا تكفي شهادة رجل وامرأتين؛ هذا على المذهب، وتقدم أن الراجح خلافه، لكن المال يثبت بشهادة رجل وامرأتين كما تقدم شرحه.

أحكام الشهادة على الشهادة

أحكام الشهادة على الشهادة

صورة أداء الشهادة على الشهادة ومحلها

صورة أداء الشهادة على الشهادة ومحلها قال: [باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وصفة أدائها]. عندنا شهادة أصل وعندنا شهادة فرع، تقدم الكلام على شهادة الأصل، وهنا المؤلف يذكر شهادة الفرع؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى شهادة الفرع، وصفتها: أن يقول رجل لآخر: يا فلان اشهد عليّ بأني أشهد أن فلاناً قد أقرض فلاناً كذا وكذا. مثلاً: تريد أن تسافر إلى بلدك وقد تحمّلت شهادة، وتخاف أن يطول بك السفر وصاحب الحق يحتاج إلى شهادتك وأنت بعيد، فتقول: يا فلان اشهد عليّ أني أشهد أن فلاناً قد أقرض فلاناً كذا وكذا، أو يا فلان اشهد عليّ أني أشهد أن فلاناً قد أقر لفلان بكذا، وهكذا، فهذه تسمى شهادة فرع. قال: [الشهادة على الشهادة أن يقول: اشهد يا فلان على شهادتي أني أشهد أن فلان ابن فلان أشهدني على نفسه، أو شهدت عليه، أو أقر عندي بكذا]، وعلى ذلك فلا بد أن يسترعيه الشهادة، يعني: يطلب شاهد الأصل من شاهد الفرع أن يحمل هذه الشهادة عنه. قال: [ويصح أن يشهد على شهادة الرجلين رجل وامرأتان]؛ يعني في المسائل التي يُقصد منها المال. لو أن زيداً وعمراً يشهدان بأن بكراً قد أقرض عبد الله كذا وكذا فزيد أقام رجلاً فرعاً عنه، وعمرو أقام امرأتين فرعاً عنه، والمسألة مالية وليست في قصاص ولا حد فإن هذا يصح. ولا يصح أن يكون لهما شاهد واحد، مثل أن يكون زيد وعمرو يشهدان بكذا ثم إن بكراً يحمل الشهادة عن زيد ويحمل الشهادة عن عمرو؛ لأن الأمر يئول إلى شاهد واحد فلم تكمل به البيّنة. إذاً: لا بد لا بد أن يكون الحاصل عندنا مثل ما يثبت به الحق في الأصل، يعني: أن يكون شهود الفرع ممن يثبت بهم الحق في الأصل، فإذا كانت المسألة مالية فتحصّل عندنا رجل وامرأتان صح، ولو كانت المسألة مالية وكان الفرع واحداً فلا بد من اليمين كما تقدم إيضاحه. قال: [ويصح أن يشهد على شهادة الرجلين رجل وامرأتان، ورجل وامرأتان على مثلهم، وامرأة على امرأة فيما تُقبل فيه المرأة].

شروط الشهادة على الشهادة

شروط الشهادة على الشهادة قال: [وشروطها أربعة] هذه شروط الشهادة على الشهادة. [أحدها: أن تكون في حقوق الآدميين]، كالأموال، فلا تُقبل في حدود الله جل وعلا؛ لأن حدود الله مبناها على الستر والمسامحة، فلا نحتاج فيها إلى شاهد فرع. الشرط [الثاني: تعذّر شهود الأصل بمرض أو خوف أو غيبة مسافة قصر]، أي: أن يتعذر حضور شهود الأصل إما لمرض أو لخوف سلطان أو لغيبة مسافة قصر. إذاً: شاهد الفرع كالتيمم بالتراب، فلا يصح التيمم بالتراب مع وجود الماء، فإذا وجد عندنا شهود الأصل لم نقبل شهود الفرع، وذلك لئلا يطول نظر القاضي في الشهود؛ لأنه يحتاج إلى أن ينظر إلى عدالة شهود الأصل، وإلى عدالة شهود الفرع، فيطول الأمر ويكثر الخطأ، ولأنه إنما جاز الأخذ بشهادة الفرع عند الحاجة فما عدا الحاجة لا نأخذ بها. قال: [ويدوم تعذّرهم إلى صدور الحكم فمتى أمكنت شهادة الأصل وقف الحكم على سماعها]. أتى شهود الأصل قبل أن يحكم القاضي فنقول: إذاً: تترك شهادة شهود الفرع، وتأخذ بشهادة شهود الأصل. إذاً: هذا كما لو صلى بتيمم نقول: بطلت صلاته وعليه أن يعيد الصلاة بوضوء. قال: [الثالث: دوام عدالة الأصل والفرع إلى صدور الحكم، فمتى حدث من أحدهم قبله ما يمنعه وقف]، أي الحكم، فلا بد أن تدوم عدالة الأصل وعدالة الفرع. لو أن رجلاً عدلاً حمّلك شهادة وأنت عدل، ثم إن هذا العدل طرأ عليه فسق وهو غائب، فذهبت لتنقل للقاضي وتشهد بأن فلاناً قد حمّلك شهادته بكذا، لكن هذا الأصل قد صار فاسقاً، فهل ننظر إلى شهادتك؟ A لا. وإن كنت عدلاً، لأن الذي حمّلك الشهادة قد طرأ عليه فسق. وكذلك لو أن شاهد الفرع طرأ عليه فسق فنقول إذاً: لا نأخذ بشهادة الفرع ونرجع إلى شهادة الأصل، أو يُحمّل الأصل شاهداً آخر يشهد مكانه، كما إذا كان خائفاً في بيته لا يستطيع الخروج فنقول: إذاً يذهب شاهد آخر ويتحمل شهادته ليشهد عند القاضي. قال: [الرابع: ثبوت عدالة الجميع] فلا بد من عدالة شهود الأصل ومن عدالة شهود الفرع.

حكم تعديل شاهد الفرع للأصل أو لرفيقه

حكم تعديل شاهد الفرع للأصل أو لرفيقه قال: [ويصح من الفرع أن يُعدّل الأًصل]؛ لأنها شهادة بالحق فهي مقبولة. يعني يصح أن يكون الفرع شاهداً على شهادة الأصل وشاهداً أيضاً أن الأصل عدل، فإذا كان ممن تؤخذ بتزكيته فيصح أن يشهد بأن شاهد الأصل عدل. مثلاً: حمّلك رجل اسمه فلان بن فلان شهادة وسافر، فذهبت إلى القاضي وقلت: أشهد أن فلاناً قد أشهدني على كذا وكذا، وأشهد أنه عدل، فيصح هذا. [لا تعديل شاهد لرفيقه] فإذا شهد اثنان بحق وشهد أحدهما أن الشاهد الثاني عدل، فإنه لا يصح؛ لأن هذا يؤدي إلى انحصار الشهادة في أحدهما. قال: [وإذا قال شهود الأصل بعد الحكم بشهادة الفرع: ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئاً]. أما شهود الفرع فلا يضمنون؛ لأنه لم يثبت كذبهم، لأنه يجوز أن يكون هؤلاء قد حمّلوهم الشهادة ونسوا. وأما شهود الأصل فلا نقول إنهم قد رجعوا عن الشهادة؛ لأنهم لم يشهدوا أصلاً حتى يُقال إنهم قد رجعوا، وعلى ذلك فلا ضمان لا على شاهد الأصل ولا على شاهد الفرع.

مسائل متفرقة في أحكام الشهادة

مسائل متفرقة في أحكام الشهادة

ما تقبل به الشهادة من الألفاظ وما لا تقبل به

ما تقبل به الشهادة من الألفاظ وما لا تقبل به قال: [فصل: ولا تُقبل الشهادة إلا بأشهد، أو شهدت، فلا يكفي: أنا شاهد، ولا: أعلم، أو أتحقق]، أو أعرف، أو أتيقن، [أو أشهد بما وضعت به خطي]. يقول: هذه كلها لا تُقبل، ولا بد من قول: أشهد بكذا، أو شهدت بكذا، فلا يُقبل أي لفظ يحتمل غير ذلك، وتقدم أن الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن كل لفظ يدل على الشهادة فإن الشهادة تصح به، فلو قال: سمعته يقول كذا، أو رأيته يفعل كذا، فالراجح أن ذلك يصح. [لكن لو قال: من تقدمه غيره بالشهادة: بذلك أشهد أو كذلك] أشهد، [صح]. شهد زيد عند القاضي أن عمراً أقرض فلاناً كذا، فقال بكر: وهو الشاهد الثاني بذلك أشهد، أو قال: كذلك أشهد، فهذا يكفي؛ لأن هذا صريح في إقراره لشهادة الآخر وشهادته بذلك.

رجوع الشهود عن الشهادة

رجوع الشهود عن الشهادة [وإذا رجع شهود المال أو العتق بعد حُكم الحاكم لم يُنقض] يعني لم يُنقض الحكم [ويضمنون]. شهد اثنان أن زيداً قد أقرض عمراً ألف ريال، فلما حكم القاضي بذلك وألزم عمراً بدفع هذا المال لزيد رجع الشهود، فقالوا: أخطأنا أو وهمنا أو نحو ذلك؛ قال: لم يُنقض الحكم، لاحتمال أنهم رجعوا خوفاً، أو رغبة، أو لرشوة أو نحو ذلك، ويضمن الشهود لأنهم الذين أخرجوا الحق من يد مالكه. فإن كان الشهود لم يرجعوا وقد زكاهم فلان وفلان ثم ظهر أنهم فساق بيّن فسقهم فنضمّن المزكين كما أقر هذا شيخ الإسلام لأن المزكين هم الذين غرروا وأخرجوا الحق من صاحبه.

تعزير شاهد الزور

تعزير شاهد الزور قال: [وإذا علم الحاكم بشاهد زور بإقراره]، يعني أقر أنه شاهد زور [أو تبيّن كذبه يقيناً عزّره ولو تاب] لأنه تاب بعد أن بلغ الأمر القاضي، وعلى ذلك فيعزّره [بما يراه ما لم يخالف نصاً] يعني: فلا يعزّره بما يخالف النص كحلق اللحية! وإنما يعزّره بما يراه مناسباً مما لا يخالف الشرع، [وطيف به في المواضع التي يشتهر فيها فيقال: إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه]. وفي هذا الزمن يكفي أن يُكتب ذلك في جريدة ونحوها ليحذر الناس منه. إذاً على القاضي أن يؤدب شاهد الزور، وأن يُحذّر الناس منه!

اليمين في الدعاوي

اليمين في الدعاوي

المواضع التي لا يحلف فيها المنكر

المواضع التي لا يحلف فيها المنكر قال: [باب اليمين في الدعاوى: البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر] وتقدم شرح هذا، وأنه جاء في البيهقي، وأن إجماع أهل العلم على أن البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر. [ولا يمين على مُنكر ادُّعي عليه بحق لله تعالى كالحد]. تقدم أن اليمين على المُدّعى عليه لكن هذا لا يكون في حقوق الله جل وعلا؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة كالحد، ففي السرقة لا نُرجع إليه اليمين، لو ادّعى رجل أن فلاناً قد سرقه، وأتى بشاهد مثلاً أنه قد سرق فلا نقول لهذا المُدّعى عليه: احلف أنك لم تسرق؛ لأنه لو نكل فلا فائدة من نكوله، إذ لا يمكن أن نقيم عليه الحد بمجرد نكوله؛ لأنه لا يُقام عليه الحد إلا بإقراره واعترافه أو ببيّنة وهي شهادة رجلين. قال: [ولو قذفاً]؛ لأنه حق لله تعالى، [والتعزير] كذلك، [والعبادة] أي: فلا يقال للإنسان احلف أنك تصلي؛ لأن حقوق الله جل وعلا مبنيّة على المسامحة ولا يُمكن أن نُحلّف فيها، ولا يُمكن أن نحكم بالنكول. أيضاً: [إخراج الصدقة] لا يُقال للرجل: احلف أنك تُخرج صدقة مالك، ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يُستحلف الناس على صدقاتهم. [والكفارة والنذر] كذلك لا يقال له: احلف أنك قد كفّرت عن يمينك، ولا احلف أنك قد أوفيت بنذرك. وذلك لأن اليمين إنما جاءت في حقوق الآدميين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المُدّعى عليه) رواه الإمام مسلم، فدل على أنها لا تكون في حقوق الله جل وعلا. قال: [ولا على شاهد أنكر شهادته، وحاكم أنكر حكمه] إذا أنكر الشاهد أنه قد شهد بذلك، أو أنكر الحاكم أنه قد حكم بذلك، فإنا لا نوجه إلى أحد منهما اليمين؛ وذلك لأنه لا يُقضى في ذلك بالنكول، فإذا قال الشاهد: أنا لا أحلف فهل نقضي عليه بالنكول ونحمله الحق؟ لا. إنما هو شاهد، ولذا فإنا لا نوجه إليه اليمين. يقول: [ويحلف المُنكر في كل حق آدمي يُقصد منه المال كالديون والجنايات والإتلافات، فإن نكل عن اليمين قُضي عليه بالحق]. إذاً: يحلف المُنكر في كل حق آدمي يُقصد منه المال مثل القرض، والمبايعات، والديون، والجنايات التي فيها أرش أو دية، مثلما لو قتل خطأ، فما كان فيه مال أو يُقصد منه المال فهو الذي تتوجه فيه اليمين. إذاً: القاضي لا يطلب اليمين إلا في حقوق الآدميين التي يُقصد منها المال.

صفة اليمين على نفي فعل نفسه وعلى الدعوى على غيره

صفة اليمين على نفي فعل نفسه وعلى الدعوى على غيره قال: [وإذا حلف على نفي فعل نفسه أو نفي دين عليه حلف على البت] يعني على القطع، فإذا حلف على نفي فعل نفسه قال: والله ما فعلت هذا قط، ما فعلته أبداً، والله ما لفلان عليَّ دين، أو ما لفلان عليَّ شيء، فيقطع لأنه فعل نفسه، ولا يقول: والله لا أعلم أن لفلان عليّ شيئاً! نقول: لابد أن تقطع؛ لأن هذا فعل نفسك. لكن [وإن حلف على نفي دعوى على غيره كمورثه ورقيقه وموليه، حلف على نفي العلم] فإذا كان أحد يدّعي على مورثه أو على رقيقه أو على موليه، فإنه يحلف على نفي العلم فيقول: والله لا أعلم أن لفلان على مورثي شيئاً. إذاً: إذا توجهت عليك اليمين في شيء يرجع إلى فعلك أنت فلا بد من القطع، أعني: أن يكون الكلام قاطعاً، وأما إذا كان يرجع إلى فعل غيرك كمورثك فإنه يكفي أن تقول: والله لا أعلم أن لفلاناً على أبي كذا، أو: والله لا أعلم أن لفلان على ولدي المتوفى كذا! ونحو ذلك من الألفاظ. قال: [ومن أقام شاهداً واحداً بما ادعاه حلف معه على البت] يعني يقطع ولا يقول: والله لا أعلمه بل يقطع، مثلاً: هذا شاهد لك أنك أقرضت زيداً فإذا شهد الشاهد حلفت أنت معه بعد شهادته على البت، تقول: والله إن لي على فلان كذا وكذا. قال: [ومن توجه عليه حلف لجماعة حلف لكل واحد يميناً ما لم يرضوا بواحدة]. إذا كان الذين يدّعون عليك جماعة، وتوجهت عليك اليمين فتحلف لكل واحد منهم يميناً، إلا أن يرضوا بيمين واحدة.

تغليظ اليمين

تغليظ اليمين قال: [فصل: وللحاكم تغليظ اليمين فيما له خطر] يعني إذا كان الأمر له خطر فله أن يغلّظ اليمين، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجوب تغليظ اليمين إذا رأى القاضي المصلحة في ذلك؛ لأن ذلك وسيلة لتحصيل الحق لصاحبه. يقول: [كجناية لا توجب قوداً] لأن الجناية التي توجب القود -وهو القصاص- لا يمين فيها، لكن إذا كان قتل خطأ كما لو ادعوا أن فلاناً قد قتل مورثهم يريدون الدية! فهنا تتوجه اليمين؛ لأن هذا حق لآدمي يُقصد منه المال، فللقاضي أن يطلب تغليظ اليمين، يقول: احلف مثلاً عند منبر المسجد، وإذا كنت في مكة قال: بين الباب وبين الركن، أو احلف بعد صلاة العصر يغلّظ اليمين. [وعتق ومال كثير قدر نصاب زكاة]، يريد منه مائة ألف ريال مثلاً فللقاضي أن يغلّظ اليمين، لكن لو كان لا يريد منه إلا مائة ريال لا تغلظ اليمين بمثل هذا. قال: [فتغليظ يمين المسلم أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور] يحلف هذه اليمين التي فيها تغليظ. قال: [ويقول اليهودي] أي: إذا توجهت اليمين إلى يهودي يعيش في بلادنا ورُجع إلى القاضي. [والله الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، وأنجاه من فرعون وملئه. ويقول النصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص]، هذا تغليظ من جهة اللفظ. قد يكون التغليظ من جهة الزمان، وذلك بأن يحلف بعد صلاة العصر، قال الله جل وعلا: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة:106] قال عامة المفسرين: يعني من بعد صلاة العصر. وقد يكون التغليظ -كما تقدم- في المكان عند المنبر، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف على منبري يميناً آثمة فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود وهو حديث صحيح. [ومن أبى التغليظ لم يكن ناكلاً]، إذا قال: لا أحلف إلا يميناً لا تغليظ فيها لا يُعد ناكلاً. والصحيح وهو اختيار شيخ الإسلام أنه يُعد ناكلاً؛ لأنه إذا كان يأبى التغليظ ونقبل ذلك منه ولا نعده نكولاً فلا فائدة إذاً من تغليظ اليمين. قال: [وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيباً]. يعني: إذا رأى أن يترك التغليظ فتركه فإنه يكون مصيباً، يعني أن الأمر يرجع إلى القاضي.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مشاهدة شاهد الفرع للشيء المشهود عليه

حكم مشاهدة شاهد الفرع للشيء المشهود عليه Q هل تشترط رؤية شاهد الفرع للشيء المشهود عليه؟ A لا يشترط ذلك، فلو أن أباك حمل شهادة قبل خمسين سنة، ثم إنه حمّلك إياها قال: أنا أخشى أن أموت وهؤلاء يحتاجون إلى شهادتي على أرضهم، أو على مزرعتهم، فتحمّل مني هذه الشهادة، فيصح ذلك.

حكم كتم الشهادة

حكم كتم الشهادة Q ما هو حكم من كتم شهادته؟ A كما قال الله جل وعلا في القرآن: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] هذا يدل على الإثم، ويدل على الفسق، فإذا كتم الشهادة فإنه يفسق بذلك، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

دليل الطالب_كتاب الإقرار

دليل الطالب_كتاب الإقرار يثبت الحق عند القاضي بإقرار المدعى عليه بما ادعاه المدعي، والإقرار حجة كافية لا يجوز الرجوع فيها في حقوق الآدميين بخلاف حقوق الله، لكن قد يلابس الإقرار أمور تقدح فيه وتجعله غير مقبول، وذلك عند وجود تهمة كإقرار المريض لأحد الورثة بدين حتى يحوز التركة دونه غيره، وقد يقر المرء بشيء ثم يستثني في إقراره، وهذا الاستثناء له أحكام لابد أن يكون القاضي عارفاً بها.

أحكام الإقرار

أحكام الإقرار

تعريف الإقرار وبيان من يصح إقراره

تعريف الإقرار وبيان من يصح إقراره قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الإقرار]. ختم المؤلف هنا كتاب الفقه بالإقرار تفاؤلاً بحسن الخاتمة بالإقرار بالشهادتين، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وجعل هذه المسألة أيضاً آخر مسألة في هذا الكتاب، نسأل الله جل وعلا أن يختم لنا بخير. وبعض الفقهاء يضعون باب العتق خاتمة لكتاب الفقه تفاؤلاً بالعتق من النار. الإقرار: هو الاعتراف بالحق، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمه) متفق عليه. قال: [لا يصح الإقرار إلا من مكلف]، يعني من بالغ عاقل، [مختار]، لا مكره، ولذا قال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في سنن أبي داود وغيره (رُفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ). وقال في البيهقي وغيره: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه). نأخذ من هذين الحديثين أن غير المكلف -وهو المجنون أو الصبي- لا يصح إقراره، فلو أن صبياً أقر أن لفلان عليه مائة ريال لم نأخذ بإقراره، وكذلك المجنون. والمختار كما تقدم هو غير المكره للحديث المتقدم (وما استكرهوا عليه) فالمُكره لا يؤخذ بإقراره. وإذا قال: أنا قد أُكرهت فلا نقبل دعوى الإكراه إلا ببينة أو ما يدل على الإكراه كأن يقر في حبس، أو أن يظهر عليه أثر ضرب، ونحو ذلك، وإلا فإن دعوى الإكراه لا تُقبل؛ لأن الأصل عدم الإكراه. لو قال: إني إنما أقررت مُكرهاً نقول: هل عندك بيّنة؟ إن قال: لا. فنقول: هل عندك ما يدل على الإكراه كأن تقر تحت السياط أو في حبس؟ فإن قال: لا، فإنا نقول له: لا نقبل منك هذه الدعوى؛ لأن الأصل عدم الإكراه. قال: [ولو هازلاً] كالطلاق؛ فالهازل يؤخذ بإقراره لتعلُّق حق المُقَر له بذلك. [بلفظ أو كتابة لا بإشارة إلا من أخرس]. الإقرار بلفظه أن يقول: أُقر أن لفلان عليّ ألف ريال، أو يكتب بخطه: هذا أنا فلان ابن فلان أُقر بأن لفلان عليّ كذا. أما الإشارة فلا يؤخذ بها إلا من أخرس؛ لأن الإشارة من الأخرس تقوم مقام النطق. قال: [لكن لو أقر صغير أو قن أُذن لهما في تجارة في قدر ما أُذن لهما فيه صح]. الصبي تقدم أنه لا يؤخذ بإقراره، لكن إن كان وليه قد أذن له بتجارة قبل إقراره بحدود ما يؤذن لمثله به مثل ما يسمى بالبسطة التي يبيع بها الصغار عند أبواب المساجد أو في الطرق، فإذا اشترى منه رجلاً مثلاً بخمسمائة ريال وأعطاه البضاعة وبقيت عنده دراهم، فأقر هذا الصبي أن هذا الرجل يريد منه ما بقي من الخمسمائة وهي مثلاً ثلاثمائة ريال، فإنه يؤخذ بالإقرار؛ لأنه ما دام أنه أُذن له بالتصرف بالبيع والشراء بحدود ما يصلح لمثله، فكذلك نأخذ بإقراره في هذا.

حكم إقرار المكره بغير ما أكره عليه

حكم إقرار المكره بغير ما أكره عليه قال: [ومن أُكره ليقر بدرهم فأقر بدينار، أو ليقر لزيد فأقر لعمرو، صح ولزمه]؛ لأنه أقر بغير ما أُكره عليه. قيل له: إما أن تُقر لزيد بمائة ريال وإلا جلدناك وسجناك، فقال: بل أُقر أن له عليّ ألفاً وليس مائة؛ نأخذ بهذا؛ لأنه لو كان الذي جعله يقر الإكراه لأقر بالمائة فقط، فلما أقر بالألف دل على أنه يُراد منه ألف ريال. كذلك لو أُكره ليقر لزيد فأقر لعمرو نقول: نأخذ بالإقرار، فلو جُلد ليقر أن زيداً يريد منه مائة ريال فقال: لا أُقر بذلك إنما أُقر لأخيه عمرو فنأخذ بإقراره لعمرو؛ لأن السياط لو كانت هي السبب في إقراره لعمرو لأقر لزيد؛ لأنه إنما يُجلد ليقر لزيد لا لعمرو. قال: [وليس الإقرار بإنشاء تمليك] أي أن الذي يُقر لا يُعد مُنشئاً لمُلك. هذا رجل أقر أن هذه الدار التي يسكنها لفلان وليست له، فهل نقول إنه أنشأ ملكاً جديداً بهذا الإقرار؟ A لا؛ لأن الإقرار في الحقيقة إخبار بما في نفس الأمر، فالذي يُقر ويقول: أُقر أن هذه الدار لزيد إنما يخبر عن الواقع، فهو لم لا يُنشئ، ولم يهب، ولم يُملّك، وإنما يُخبر عن ملك سابق، فهو -إذاً- مُخبر لا منشئ. قال: [فيصح حتى مع إضافة الملك لنفسه كقوله: كتابي هذا لزيد]؛ لأن الإضافة تكون لأدنى مناسبة. قيل له: لمن هذا الكتاب الذي بيدك؟ قال: كتابي هذا لزيد فقوله: (كتابي هذا) إذا نظرنا إلى اللفظ وجدناه ينافي قوله: (لزيد) لأن قوله (كتابي) يعني: لي، و (لزيد) أضافه لمالك آخر؟ فنقول: إن الإضافة تكون لأدنى مناسبة، فلو قال: بيتي هذا لفلان نقول: هذا إقرار، وقوله: (بيتي) هذه إضافة والإضافة تكون لأدنى مناسبة.

حكم إقرار المريض لوارث أو غيره

حكم إقرار المريض لوارث أو غيره قال: [ويصح إقرار المريض بمال لغير وارث]، لو أن المريض أقر بأن في البنك مائة ألف ريال في حسابه لصاحبه زيد، وزيد هذا ليس بوارث، فإنا نأخذ بإقراره؛ لأنه لا يُتهم في حق صاحبه وإنما يُتهم في حق ورثته كابنه. فنأخذ بإقرار المريض ما دام أنه يقر لغير وارث، [ويكون من رأس المال]، يعني يؤخذ هذا من رأس المال كالدين. قال: [وبأخذ دين من غير وارث]. قال لورثته وهو في مرضه: إن فلاناً يريد مني مائة ألف ريال ديناً في ذمتي، فإنا نأخذ بإقراره؛ لأنه أقر لغير وارث فلا تلحقه تُهمة، لكن لو أقر به لوارث فلا، ولذا قال: [لا إن أقر لوارث إلا ببيّنة] فلو قال: إن لابني فلان مائة ألف ديناً في ذمتي لم يقبل، لأنه يُتهم في أنه يريد أن يزيد في إرث ابنه هذا، أو يريد أن يخصه بالإرث شفقة عليه، فلا يُقبل هذا الإقرار إلا ببيّنة، أي: لا بد أن يكون هناك شاهدان رجلان أو رجل وامرأة، أو يجيز الورثة، فإن أجاز الورثة وقالوا: نحن نقبل إقرار أبينا، وليس عندنا مانع أن نأخذ بإقرار أبينا، نقول: هذا حقكم أنتم، فما دام أنه لا مانع عندكم أن تأخذوا بهذا الإقرار لأحد الورثة فهذا راجع إليكم؛ لأن هذا محض حقكم. قال: [والاعتبار بكون من أقر له وارثاً أو لا حال الإقرار لا الموت، عكس الوصية]. لو أنه أقر أن لابن عمه فلان ديناً قدره مائة ألف ريال وله زوجة وابنتان وابن، فإنا ننظر في ابن العم هل يرث؟ لا يرث، إذاً نأخذ بإقراره؛ لكن لو مات ابنه قبل موته هو فإن ابن العم يكون الآن وارثاً لأنه عصبة، فهل نقول الآن: لا نأخذ بإقرار الميت الذي أقر حال مرضه له؟ A لا؛ لأن الاعتبار بحاله هل هو وارث أم لا حال الإقرار لا حال الموت. وهذا بخلاف الوصية فإن الاعتبار فيها بحال الموت، فلو أنه أوصى لابن عمه هذا وقال: إن ابن عمكم لا يأخذ من الإرث شيئاً فأنا أوصي له بعشرة آلاف ريال، ثم إن ابنه مات فأصبح ابن العم الذي أوصى له بعشرة آلاف وارثاً فنقول: لا يأخذ من الوصية شيئاً؛ لأن الوصية الاعتبار فيها بحال الموت.

تكذيب المقر له المقر

تكذيب المقر له المقر قال: [وإن كذّب المُقَر له المُقِر بطل الإقرار] إن قال المُقَر له: أنا أُكذّب هذا، فلا أُريد منه شيئاً فكلامه غير صحيح، فهنا بطل الإقرار؛ لأن المُقَر له هو صاحب الحق وقد كذّب هذا الإقرار، وعلى ذلك فلمن يكون؟ قال: [وكان للمُقر أن يتصرف فيما أقر به بما شاء]، قالوا: لأنه مال بيده لا يدّعيه غيره فكان كاللقطة. أنت قلت: هذه العشرة آلاف التي بيدي لزيد، فقال زيد: هي ليست لي فلا يمكن أن تكون لزيد وهو يُنكرها ويقول إنها ليست؛ لأنه ما دام يقول: إنها ليست لي فهو يُكذّب المقر، إذاً فما الحكم؟ نقول: أيها الرجل المُقِر هذه الدراهم التي بيدك لك تتصرف فيها كما شئت، لأنها تُشبه اللقطة. والقول الثاني في المذهب: أنها تكون كالمال الضائع، وعلى ذلك فتكون في بيت المال؛ لأنه يقول إنها ليست لي فكيف نجعله يتصرف فيها كيف يشاء وهو يقول إنها ليست لي!

حكم الإقرار لما لا يملك

حكم الإقرار لما لا يملك قال: [فصل: والإقرار لقن غيره إقرار لسيده]. العبد القن لا يملك، فإذا أقررت لعبد رجل فهذا إقرار لهذا الرجل السيد، قلت: إن هذه الصرة من الدراهم لعبد أخي فلان، فالعبد لا يملك وعلى ذلك فتكون لأخيك؛ لأن العبد مال لسيده. [ولمسجد، أو مقبرة، أو طريق، ونحوه، يصح ولو أطلق] يعني فلم يعيّن سبباً. هذا رجل قال: إن هذا المال الذي بيدي لجامع البلد الكبير فيؤخذ بإقراره ولو لم يُعيّن سبباً؛ لأن المساجد يُخرج المال في سبيل الله لها، وكذلك الطرق والمقابر ونحو ذلك، فلا نقول له: ما السبب؟ وعلى ذلك فتُصرف هذه الدراهم في مصلحة هذا المسجد، وإن أقر لمقبرة فتكون للمقبرة. قال: [ولدار أو بهيمة لا]. إن قال: هذه الدراهم التي بيدي لهذا القصر، نقول: القصر لا يُتصدّق عليه -كالمقبرة- ولا يملك، والبهيمة كذلك لا تملك، فإذاً لا نأخذ بإقراره [إلا إن عيّن السبب]. قلنا له: أنت تقول إن هذه الدراهم التي بيدي لهذا البيت، والبيت لا يُتصدق عليه، فماذا تُريد؟ قال: إني قد استأجرت هذا البيت زمناً وخرجت ولم أدفع الأجرة، إذاً: قد عيّن السبب، فتكون إذاً لمالكها وقت الاستئجار. كذلك لو قال: إن هذه البهيمة قد ركبتها واستأجرتها، فتكون هذه الأجرة لمالكها. [ولحمل] إن قال: هذا الذي بيدي من الدراهم أُقر أنه للحمل الذي في بطن فلانة، [فإن ولد ميتاً أو لم يكن حمل بطل]، ما دام أنه لم يكن حمل أو ولد ميتاً فمثله لا يملك، وعلى ذلك فيبطل. [وحياً فأكثر فله بالسوية]، أي: لو أن هذه المرأة ولدت واحداً فله هذا المال كله، ولو ولدت اثنين توأماً فنقول: إن هذا المال لهذين الاثنين بالسوية لا نُفرق بين الذكر والأنثى؛ لأنه ليس بإرث فظاهر كلامه أنه يكون لهذا الحمل على وجه يكونان فيه بالسوية، لئلا يتميز هذا عن هذا.

حكم الإقرار بالزوجية

حكم الإقرار بالزوجية [وإن أقر رجل أو امرأة بزوجية الآخر فسكت أو جحده ثم صدّقه صح وورثه]. قال رجل: إن هذه المرأة زوجتي، فسكتت المرأة، نقول: هذا إقرار منها بأنها زوجته، وعلى ذلك فهي زوجته ترثه ويرثها. وإن جحدت المرأة وقالت: ليس بزوجي، ثم بعد ذلك أقرت وقال: بل هو زوجي، فكذلك يصح الإقرار. وعلى ذلك فالزوجية تثبت بالإقرار؛ وكان لا يوجد في القديم مثل ما في هذا الزمن من التوثيق، وقد يكون في بلاد فيها حروب، فإذا أقرت أنها زوجته فيكفي هذا، ومثل الذين يدخلون هروباً من بلاد الحرب فنقول: من هي هذه المرأة التي معك؟ فإذا قال: هي زوجتي وسكتت هي، نعدها زوجته ونقر هذه الزوجية. قال: [لا إن بقي على تكذيبه حتى مات]. إن قالت المرأة: هو ليس بزوجي، فلما مات قالت: لا هو زوجي، فلا نقبل هذا لوجود التهمة وأنها تريد الإرث.

ما يحصل به الإقرار وما يغيره

ما يحصل به الإقرار وما يغيره

ما يعد من الألفاظ إقرارا وما لا يعد

ما يعد من الألفاظ إقراراً وما لا يعد قال: [باب ما يحصل به الإقرار وما يغيّره]. العمدة في هذه الأبواب التي ذكرها المؤلف في هذا الباب وما بعده العمدة على الصحيح هي ما اعتاده الناس من الألفاظ، فنرجع إلى عادة الناس بألفاظهم، فالمقر نرجع إلى عادته بلفظه، أي: فلا نرجع إلى اللغة العربية الفصيحة عندما يكون المتكلم من العامة! بل الرجوع في هذا إلى عادة الناس في نطقهم فيما يُقرون به. قال هنا: [من ادُّعي عليه بألف فقال: نعم]. ادّعى زيد على عمرو بأنه يريد منه ألفاً، فقال: نعم، فهذا إقرار. [أو صدقت] هذا إقرار، [أو أنا مُقر] بما يقول، فهذا إقرار، [أو خذها، أو اتزنها، أو اقبضها؛ فقد أقر]. فهذه الألفاظ كلها تدل على الإقرار، وهذا -كما تقدم- نرجع فيه إلى عادة الناس وعرفهم في نطقهم. [لا إن قال: أنا أقر]، قالوا: لأن قوله (أنا أُقر) يعني في المستقبل فيكون هذا وعداً. يعني إذا قيل له: هل تقر أن زيداً يريد منك ألف ريال؟ فقال: أنا أُقر، يعني في المستقبل، فيكون وعداً ولا يُعد إقراراً. [أو لا أُنكر]، قالوا: هو لم يقل أُقر؛ لأن بين الإقرار والإنكار السكوت فقد يسكت، فلا يقر ولا يُنكر، كأن يتذكّر هل يريد مني فلان شيئاً فإذا قال: (لا أُنكر) فلا يلزم من عدم الإنكار الإقرار. وكما ذكرت لكم أن هذا يعود إلى عادة الناس في نطقهم فالآن ماذا يفهم القاضي وماذا يفهم الشهود وماذا يفهم من حضر إذا قال: أنا لا أُنكر؟ A يفهمون أنه يُقر، لكن من جهة اللغة هناك سكوت وهناك إقرار وهناك إنكار. قال: [أو خذ]، لو قال (خذ) فيُحتمل أن يقول (خذ) ويعني: خذ الجواب مني، فلا يكون إقراراً. [أو اتزن] لاحتمال أن يقصد: اتزن ممن تريد منه أما أنا فليس عندي لك شيء. [أو افتح كُمك] هل يكون قوله: افتح كُمك، أو افتح جيبك إقراراً؟ قالوا: لا؛ لأنه يُحتمل أن يقصد افتح كُمك للطمع. وكما ذكرت لكم أن هذا من جهة اللغة، وأنا نرجع في الألفاظ إلى عادة الناس في نطقهم. [وبلى في جواب: أليس لي عليك كذا؟ إقرار]. إذا قال: أليس لي عليك يا زيد مائة ألف ريال؟ فقال: بلى. فهذا إقرار، لكن لو قال: نعم. يقول: فليس بإقرار؛ لأن اللغة تقتضي ذلك، ولذا قال: [لا نعم، إلا من عامي] لأن العامي لا يُفرّق، وهذا يدل كما تقدم أنا نرجع في ذلك إلى ألفاظ الناس. قال: [وإن قال: اقض ديني عليك ألفاً، أو هل لي، أو لي عليك ألف؟ فقال: نعم] هذا كذلك يُعد إقراراً [أو قال: أمهلني يوماً أو حتى أفتح الصندوق] فهذا يُعد إقراراً؛ لأنه لا يطلب المهلة إلا وهو يقر. قال عند القاضي: أيها الشيخ أنا أدّعي على زيد أني أقرضته ألف ريال، فقال زيد: أمهلني أيها القاضي ثلاثة أيام، أو قال: أطلب أيها القاضي منه أن يمهلني شهراً فأنا الآن لا أقدر على السفر، فماذا يُعد هذا؟ الجواب: يُعد إقراراً لأنه ما طلب المهلة إلا وهو يُقر. قال: [أو قال: له عليّ ألف إن شاء الله]. قلنا: هل تقر لزيد بشيء؟ قال: نعم، فهذا إقرار، أو قال: له عليّ ألف إن شاء الله؛ لأن (إن شاء الله) يكثر ويغلب أن تُقال تبركاً. أو قال: [إلا أن يشاء الله] أي قال: له عليّ ألف إلا أن يشاء الله، فقوله (إلا أن يشاء الله) رفع للإقرار على أمر لا يعلمه، لأن مشيئة الله تخفى على العبد، وعلى ذلك فنقول: إن هذا إقرار منه. [أو زيد، فقد أقر]. لو قال: له عليّ ألف إلا أن يشاء زيد، أو قال: له عليّ ألف لا تلزمني، فنقول: هذا قد أقر؛ لأنه لما قال: له عليّ ألف، فهذا إقرار، وأما رفع الإقرار فهذا بأمر محتمل فيبقى الإقرار.

تعليق الإقرار بالشرط

تعليق الإقرار بالشرط قال: [وإن علّق بشرط لم يصح، سواء قدّم الشرط كـ: إن شاء زيد فله عليّ دينار، أو أخّره كـ: له عليّ دينار إن شاء زيد، أو قدم الحاج]. إذا علّقه بشرط فإن هذا التعليق يقتضي الاستقبال، ومعلوم أن الإقرار يكون إخبار عمّا قد وقع وحصل في الماضي، وعلى ذلك فلا يُعد هذا إقراراً. فإذا قال: له عليّ ألف إن شاء زيد، أو له عليّ ألف إن قدم الحاج نقول: هذا ليس بإقرار؛ لأن الإقرار يكون إخباراً عن شيء سابق، ولما علّقه بشرط فإن التعليق بهذا الشرط يجعل ثبوته في المستقبل لا في الماضي، وعلى ذلك فلا يُعد إقراراً، وكما ذكرت لكم أن مثل هذه الألفاظ يُرجع فيها إلى العُرف فتُفسّر بعادة الناطقين بها. قال: [أو أخّره فله عليّ دينار إن شاء زيد، أو قدم الحاج، إلا إذا قال: إذا جاء وقت كذا فله عليّ دينار، فيلزمه في الحال] قال في الشرح: لأنه بدأ بالإقرار؛ ولكن كما ترون هذه العبارة أنه لم يبدأ بالإقرار وإنما بدأ بالشرط. قال: إذا جاء وقت كذا فله عليّ دينار، هو لم يقل: له عليّ دينار إذا جاء وقت كذا، والذي في شرح المنتهى: (له عليّ دينار إذا جاء وقت كذا)، وهذا هو الصواب؛ لأنه عندما قدّم الإقرار أخذنا بإقراره ولم نلتفت إلى ما بعد هذا الإقرار؛ يعني لأنه لما ذكر شرطاً بعده فالشرط محتمل، فلا نُبطل ما ثبت وهو الإقرار السابق بشيء مُحتمل. قال: [فإن فسّره بأجل أو وصية قُبل بيمينه]. إذا فسّره بوصية أو فسّره بأجل قُبل ذلك بيمينه؛ لأنه هو المتكلم ولفظه يحتمل ذلك، فلو قال: أنا قلت: إذا جاء وقت كذا فله عليّ دينار وأردت أن هذا هو الأجل نقبل ذلك؛ لأنه هو أعلم بلفظه، أو قال: أنا سأوصي له إذا جاء وقت كذا بهذا الدينار نقول: هذا يصح؛ لأنا نرجع إلى لفظه. قال: [ومن ادُّعي عليه بدينار فقال: إن شهد به زيد فهو صادق لم يكن مقراً]. وهذا واضح، قيل له: إن فلاناً يدّعي عليك أنه يريد منك ألف ريال، فقال: إن صدّقه أخوه الأكبر فله عليّ ذلك، فهل يُعد هذا إقراراً؟ لا يُعد إقراراً وتقدم -أيها الأخوة- أنا نرجع فيه إلى ألفاظ الناطقين في عادتهم وفي عرفهم، فما يذكره المؤلف هنا يرجع إلى لغة العرب أو ما اعتادوه هم في نطقهم، والناس يختلفون كما ذكرت لكم في نطقهم فما عُد إقراراً فهو إقرار، وما لا يعد إقراراً بإقرار أو عُلّق بشرط يمنع من كونه إقراراً، فإنا نأخذ بذلك ما دام أن عرف البلد ونطق البلد يفيد ذلك.

إذا وصل الإقرار بما لا يصلح أن يكون له ثمن

إذا وصل الإقرار بما لا يصلح أن يكون له ثمن قال: [فصل: فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيّره]. يعني: أن يُقر بشيء ثم يصل إقراره بما يغيّره. قال: [إذا قال: له عليّ من ثمن خمر ألف! لم يلزمه شيء]. قال: لفلان عليّ من ثمن خمر ألف، فلا نقول إنه أقر له بألف، لأنه ابتدأ كلامه بقوله: له عليّ من ثمن خمر، والخمر ليس لها ثمن مُعتبر شرعاً، فلو أن الرجل قال: أنا أريد من فلان عشرة آلاف ريال قيمة مخدرات أو قيمة خمور، لم نلزمه بدفعها؛ لأن الخمر لا يُعد مالاً. قال: [وإذا قال: ألف من ثمن خمر، لزمه] هنا يلزمه وهناك لا يلزمه، فما الفرق؟ الفرق أنه في المسألة الأولى بدأ بذكر أنها ثمن خمر، والثانية بدأ بالإقرار بالألف فقال: له عليّ ألف فثبتت الألف، فقوله بعد ذلك: من ثمن خمر، هذا يُعد كلاماً متأخراً فلا يُبطل ما تقدم. لو قال: لفلان عليّ عشرة آلاف ريال ثمن خمر، فهذه العبارة تختلف عن قوله: له عليّ ثمن خمر قيمته عشرة آلاف ريال، والفرق أنه في المسألة الأولى بدأ بالإقرار على نفسه بألف فنأخذ بإقراره، وأما قوله: (ثمن خمر) فقد أصبح جزءاً آخر متأخراً، فبعد أن أقر لا نقبل منه نقضاً لإقراره لأنه أقر الآن بألف ثم أتبع ذلك بكلام ينقض كلامه الأول فلا نقبل. أما لو قال: له عليّ ثمن خمر، ثم قال: قدره ألف، فكلامه الثاني لا ينقض الكلام الأول.

حكم الاستثناء في الإقرار

حكم الاستثناء في الإقرار قال: [ويصح استثناء النصف فأقل] هذا هو أصح القولين عند أهل الأصول، وهذا هو الذي تقتضيه وتدل عليه لغة العرب، وأنه يصح أن يكون المستثنى النصف فأقل. قال: [فيلزمه عشرة في: له عليّ عشرة إلا ستة]. المسألة السابقة قد لا يُحتاج إليها، لكن مثل هذه المسائل تقع، فإذا قال: لفلان علي مائة ألف ريال إلا تسعين ألفاً، يكون عليه مائة ألف، لأن من استثنى أكثر من النصف فيُعد استثناؤه لاغياً لا قيمة له؛ لأن هذا عي في كلام العرب فيُعد هذا لاغياً. ولو قال: له عليّ مائة إلا خمسين يصح؛ لأنه استثنى النصف. ولو قال: له عليّ ألف إلا خمسين ريالاً، يصح. إذاً: يصح استثناء الأقل، ويصح استثناء النصف، أما استثناء الأكثر فلا يصح في لغة العرب. قال: [وخمسة في: ليس لك عليّ عشرة إلا خمسة]؛ لأن استثناء النصف يصح، فإذا قال: له عليّ عشرة إلا خمسة يكون عليه خمسة. قال: [بشرط أن لا يسكت ما يمكنه الكلام فيه]، لأنه لا بد أن يكون المستثنى متصلاً حقيقة أو حكماً بالمستثنى منه، فلو قال: له عليّ مائة ألف ريال، ثم سكت سكوتاً طويلاً أو تكلم بأمور ثم قال: إلا عشرة آلاف، فلا نعتبر هذا. قال: [وأن يكون من الجنس والنوع] يعني أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، ونوعه، فـ: له عليّ هؤلاء العبيد العشرة إلا واحداً صح]، ولو قال: له هذه الشياة العشر إلا شاة واحدة، يصح، وكذا لو قال: له هؤلاء العبيد العشرة إلا عبداً واحداً فإنه يصح؛ قال: [ويلزمه تسعة وله عليّ مائة درهم إلا ديناراً تلزمه المائة] لأن الدينار ليس من نوع الدراهم لو قال: هذا الرجل يريد مني مائة ريال إلا دولاراً واحداً نقول: إن له عليك مائة ريال قال: [وله هذه الدار إلا هذا البيت قُبل ولو كان أكثرها]، قالوا: لأن الإشارة جعلت المقر به معيناً. قال: له هذه الدار يشير إليها إلا هذا البيت، وكان البيت هو الأكثر يعني أنه أشار إلى الدار وأشار إلى المستثنى وهو البيت، فهنا يصح هذا؛ لأن الإشارة تُعيّن. [لا إن قال: إلا ثلثيها ونحوه]. لو قال: له هذه الدار إلا ثلاثة أرباعها، له هذا الدار إلا ثلثيها، لم يصح؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، ولو قال له هذه الدار إلا نصفها يصح. لكن لو قال: له هذه الدار إلا هذا البيت، فهذا يصح ولو كان البيت أكثر؛ لأنه أشار إليها وعيّنها. قال: [وله الدار ثلثاها] هذا بدل [أو عارية أو هبة، عُمل بالثاني]. فلو قال: له الدار ثلثاها، نعمل بالثاني الذي هو البدل هنا، والثلثان هو الأكثر. ولو قال: له هذه الدار هبة، أو له هذه الدار عارية، فنقول: إذاً: هذه الدار له على جهة الهبة، أو هذه الدار له على جهة العارية؛ لأن هذا يُعد بدل اشتمال. إذاً -كما رأيتم- يُرجعون الأمر إلى اللغة العربية، والعامة عندما يتكلمون في إقراراتهم حتى المتعلمون منهم في المحاكم وغيرها، إنما يقرون بحسب ما جرت عادتهم به في النطق المعتاد الذي يتفاهمون به مع قومهم ومع مجتمعهم، هذا هو المعتاد فنرجع في هذا إلى ما اعتاده الناس.

حكم من تصرف في شيء ثم أقر به لغيره

حكم من تصرف في شيء ثم أقر به لغيره قال: [فصل: ومن باع أو وهب أو أعتق عبداً ثم أقر به لغيره لم يُقبل]. رجل باع سيارة وقبض ثمنها وانتهى الأمر ثم قال: إن السيارة التي بعتها ليست لي إنما هي لفلان، فهل نأخذ السيارة من المشتري؟ A لا؛ لأن الإقرار لا يتعدى إلى الغير، أي أن إقرار الرجل يكون على نفسه فقط ولا يتعدى إلى غيره. وإقرار الرجل هذا ليس بيّنة، إنما هو إقرار فيلزمه هو ولا يلزم غيره فنقول: هذه السيارة للمشتري وأنت أقررت أن هذه السيارة التي بعتها أنت ليست لك وإنما هي لزيد، فيلزمك الغرامة لزيد، أما السيارة فقد ذهبت للمشتري، وأنت حيث أقررت لزيد ولا بيّنة فإنه يلزمك أن تغرم لزيد، ولذا قال: [ويغرمه للمقر له] لأنه فوته عليه. قال: [وإن قال غصبت هذا العبد من زيد لا! بل من عمرو]، بل هنا للإضراب، يقول: غصبت هذا العبد من زيد، ثم قال: لا! بل من عمرو، فقال هنا: [أو ملكه لعمرو وغصبته من زيد] يقول: [فهو لزيد ويغرم قيمته لعمرو] لأن يد زيد عليه. في المثال المتقدم يقول: غصبت هذا العبد من زيد، لا بل من عمرو، فنقول: هذا العبد لزيد؛ لأن يده عليه، فأنت تقر أن يده عليه فأعطه زيداً واغرم قيمته لعمرو. هذا رجل معه -مثلاً- جوّال ثم إنه قال: إن هذا الجوال الذي بيدي قد غصبته من بكر، لا بل هو لخالد. فنقول: قولك إنك قد غصبته من بكر إقرار منك أن يد بكر عليه فأعطه بكراً، وبقي حق عمرو فنقول: قولك: بل لعمرو يلزمك أن تغرم ثمنه لعمرو فتعطي عمراً ثمنه، وذلك لأن الإقرار كما ذكرنا حجة قاصرة لا تتعدى صاحبها الذي أقر، فما دام أنه أقر أنه قد غصبه من زيد فنقول: إن يد زيد عليه وأما عمرو فإنك تغرم قيمته له. [و] لو قال: [غصبته من زيد وملكه لعمرو، فهو لزيد ولا يغرم لعمرو شيئاً] وما الفرق أنه هناك قدّم فقال: ملكه لعمرو، وهنا قال: غصبته من زيد وملكه لعمرو. فبين الجملتين فرق، لأن قوله هنا: ملكه لعمرو وغصبته من زيد، فيه إقرار بأن ملكه لعمرو، وبأنه غصبه من زيد، فنقول إذاً: هذا إقرار منك أن هذا الشيء لزيد وإقرار منك أنه ملك لعمرو وأنك قد غصبته من زيد، فعلى ذلك تغرم لمن كان ملكه وتُعطيه من غصبته منه. لكن لو قدّم فقال: غصبته من زيد وملكه لعمرو، فإنه هنا أخّر هذه الجملة (وملكه لعمرو) فنقول: إن هذه شهادة منك، والشاهد لا يغرم، فعندما تأخرت هذه الجملة أصبحت شهادة، والشاهد لا يغرم. فإنك تقول: أنا غصبته من زيد ولكن ملكه لعمرو، فقولك: (وملكه لعمرو) هذه شهادة والشاهد لا يغرم، أي: إن قُبلت شهادتك وإلا فإنك لا تغرم.

حكم إقرار أحد الوارثين بالدين على مورثه

حكم إقرار أحد الوارثين بالدين على مورثه قال: [ومن خلّف ابنين ومائتين فادّعى شخص مائة دينار على الميت، فصدّقه أحدهما وأنكر الآخر لزم المُقر نصفها]. هذا رجل مات وله ابنان وترك مائتين، فجاء رجل وقال: أنا أريد من أبيكم مائة، فقال أحد الابنين: أنا أقر، وقال الآخر: أنا أُنكر ولا بيّنة، فنقول للمقر من الابنين: ادفع من مائتك خمسين، لأن هذا هو الذي يتعلق بنصيبه. قال: [إلا أن يكون عدلاً ويشهد]. أي: إن كان هذا الابن الذي أقر عدلاً وقال: أنا أيها الأجنبي أشهد معك على أن في ذمة أبي لك مائة فقد أصبح الآن شاهداً، فيشهد ويحلف الأجنبي، فيجتمع عندنا شاهد ويمين، ونأخذ المائة كلها، من هذا خمسين ومن هذا خمسين. ولذا قال: [ويحلف معه المدعي فيأخذها، وتكون الباقية بين الابنين]. يعني: هذا رجل له ابنان زيد وعمرو، فجاء بكر وقال: أنا أريد من أبيكم مائة، وقد ترك أبوهم مائتين، فأقر زيد بالمائة، فنقول لزيد: الذي يخصك من الميراث النصف فادفع خمسين لهذا الأجنبي. فإن قال زيد: أنا أريد أيضاً أن أكون شاهداً، وهو عدل، فنقول: عليك أن تذهب إلى القاضي وتشهد أن أباك اقترض من بكر مائة، ويحلف بكر بعد شهادتك ويستحق المائة كاملة؛ لأن المال كما تقدم يثبت بشاهد ويمين.

الإقرار المجمل

الإقرار المجمل

ما يفسر به المجمل الذي يقر به

ما يفسر به المجمل الذي يقر به قال: [باب الإقرار بالمجمل]. المجمل: يعني الكلام الذي يحتمل أكثر من أمرين، قد يقر الشخص لكنه يقر بشيء مجمل، مثلما [إذا قال: له عليّ شيء وشيء، أو كذا وكذا]. يقال: يا فلان إن زيداً هذا يدّعي أنه يريد منك حقاً، فقال: أقر أن له عليّ شيئاً، فنقول له: [قيل له: فسّره] أي: لا بد أن يفسّر. إذاً: إذا تكلم بكلام مجمل نقول له: فسّر لنا كلامك قال: هو يريد مني حقاً نقول: ما هو هذا الحق؟ فسّره لنا؟ [فإن أبى] وقال: لا أُفسّره، [حُبس حتى يُفسّر] أي: يُحبس حتى يفسّر لنا كم يريد منه هذا المُدّعي. قال: [ويُقبل تفسيره بأقل متموّل]. لو قال: يريد مني ريالاً واحداً، يُقبل ذلك منه؛ لأن الريال شيء. يعني قال: إن فلاناً يريد مني شيئاً، قلنا له: فسّر لنا هذا الشيء؟ قال: إن الشيء ريال، يُقبل تفسيره؛ لأن هذا مال. قال: [فإن مات قبل التفسير لم يؤاخذ وارثه بشيء] أي: لا نستطيع أن نقول لوارثه: ادفع شيئاً؛ لأنه قد يكون هذا الشيء حقاً في قذف أو غيبة ولا نجزم أنه مال. قال: [وله عليّ مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل أو نفيس قُبل تفسيره بأقل متموّل]. قال: فلان يريد مني شيئاً كثيراً، فلان يريد مني مالاً خطيراً، مالاً نفيساً، قالوا: نقبل منه تفسيره بأقل مال متموّل، فلو قال: له عليّ درهم قبل، قالوا: لأنه ما من مال إلا وهو عظيم بالنسبة إلى ما دونه فالدرهم بالنسبة إلى ما دونه عظيم، لكن لا شك أن هذا بعيد في الحقيقة، لأن قوله: له عليّ مال كثير، وفي ذمتي له مال نفيس، ثم يقول: له عليّ درهم! لا شك أن مثل هذا لا يُقبل، وعلى ذلك فيُحبس حتى يفسر. قال: [وله دراهم كثيرة قُبل بثلاثة] قالوا: لأن الثلاثة هي أقل الجمع. قال: [وله عليّ كذا وكذا درهم بالرفع أو بالنصب لزمه درهم]. له عليّ كذا وكذا درهم، يعني: شيء هو درهم، أو قال: له عليّ كذا وكذا درهماً (تمييز)، فهنا كذلك يكفيه أن يدفع درهماً واحداً. وهذا كما ذكرت أنه في كلام أهل اللغة وليس في كلام العامة، والناس في القضاء إنما يتكلمون بالكلام المُعتاد عندهم. [وإن قال بالجر]: له عليّ كذا وكذا درهمٍ، قالوا: هنا محذوف تقديره (بعض)، ولذا قال: [لزمه بعض درهم] يعني نصف درهم أو ربع درهم، [أو وقف عليه] أي قال: له عليّ كذا وكذا درهم، وسكّن؛ يقول: [لزمه بعض درهم ويفسره] وعلى ذلك فيصح أن يكون بعض درهم. [وله عليّ ألف ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف وثوب، أو ألف إلا ديناراً، كان المبهم من جنس المُعيّن]. قال: له عليّ مائة ألف وريال، فلا يصح أن يقول: أنا أقصد مائة ألف فلس وريال؛ لأن المُبيّن يُفسَّر به المبهم. قال: إن لفلان عليّ مائة ألف وريالاً إذاً نقول: هي مائة ألف ريال وريال. كذلك لو قال: له عليّ ألف ودينار نقول: هي ألف دينار ودينار، وذلك لأن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى.

تحديد المجمل المحدد بشيء محتمل

تحديد المجمل المحدد بشيء محتمل قال: [فصل: إذا قال: له عليّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية]. لأن الذي بين الدرهم والعشرة ثمانية. [ومن درهم إلى عشرة] لزمه تسعة؛ لأن العشرة غاية فلا تدخل، وعلى ذلك فيكون عليه تسعة، وكما ذكرت لكم أن الصحيح أنا نرجع إلى عادة الناس في نطقهم. قال: [وما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة]؛ لأنه جعل العشرة غاية. قال: [وله درهم قبله درهم وبعده درهم] يكون المجموع ثلاثة فيلزمه ثلاثة دراهم. [أو درهم ودرهم ودرهم لزمه ثلاثة، وكذا] لو قال: له [درهم درهم] درهم تكون ثلاثة، إلا إذا قال: أنا أريد التأكيد يعني ليس إلا وحداً لكني أريد التأكيد، فنقبل تفسيره أيضاً، ولذا قال: [فإن أراد التأكيد] أي: في قوله: درهم درهم درهم [فعلى ما أراد]. قال: [وله درهم بل دينار لزماه] كلا الاثنين. إن قال: له عليّ درهم بل دينار نقول: إذاً: له عليك درهم ودينار، لأن الإضراب رجوع عمّا أقر به، والرجوع عن الإقرار لا يُقبل في حق الآدمي. إذاً لما قال: له عليّ درهم أثبتنا الدرهم ولا نقبل الرجوع عنه؛ لأن الرجوع عن حق الآدمي لا يُقبل، وقال: دينار فنثبت عليه الدينار أيضاً. قال: [وله درهم في دينار لزمه درهم] لأن الدرهم يدخل في جملة الدينار [فإن قال: أردت العطف] أي: درهم ودينار نقول: إذاً عليك درهم ودينار. [أو معنى مع لزماه] أي: قال: أنا أردت في قولي: له درهم في دينار، أنه له درهم مع دينار، نقول: عليك دينار ودرهم. قال: [وله درهم في عشرة لزمه درهم]؛ لأنه جعل العشرة كالظرف محلاً فلا يلزمه إلا درهم، [ما لم يخالفه عرف] تقدم هذا، وأن عرف الناس في نطقهم يُرجع إليه، ولذا قال: [فيلزمه مقتضاه] أي العرف. يعني: ذكرت عند قوله: له عليّ درهم بل دينار قصة. ذكروا أن رجلاً ذهب إلى بلد، وكان في غاية الاحتيال، فاشتد عليه الجوع والحاجة، فذهب ومعه صاحباه إلى رجل يضع الناس عنده أماناتهم، فقال: أيها الرجل أعطني الأمانة التي وضعتها عندك وقدرها ألف دينار! قال: ليس لك عندي أمانة قال: إن فلاناً يشهد وفلاناً يشهد، إذا لم تُعطني ذهبت إلى القاضي غداً. قال: اذهب إلى القاضي، وكان له جار أيضاً يحفظ الأمانات مثله، قال: أنا سأذهب معك وسأحتال عليهم. فلما جلسوا أمام القاضي قالوا: أيها الشيخ إن هذا الرجل قد أخذ منا أمانة وإنه يجحدها ويشهد لي فلان وفلان وهم عدول، فأراد صاحبه الآخر الذي يحفظ الأمانات أن يُربكهم وأن يشككهم قال: انظروا إلى وجهي ألا تظنون أنكم أعطيتموني أنا! يريد أن يشككهم؛ لأنه إذا حصل عندهم الشك في هذا الموقف فإن القاضي يتبين له كذب هذا وكذب الشهود فكانوا أشد منه حيلة قالوا: أيها القاضي هذا الرجل رجل صالح ويُقر بالأمانة الأخرى التي عنده لكن حقنا نريده من هذا، ولكن مع ذلك اكتب إقرار هذا الرجل حتى لا يضيع حقنا، فهذا مثل هذا الرجل الذي قال: له عليّ درهم بل دينار. قال: [فيلزمه مقتضاه، أو يريد الحساب ولو جاهلاً فيلزمه عشرة]. لو قال: له عليّ واحد في عشرة وهو يريد الحساب، فواحد في عشرة تساوي عشرة. [أو يريد الجمع فيلزمه أحد عشر]؛ لأن: واحد زائد عشرة تساوي أحد عشر. [وله تمر في جراب، أو سيف في قراب، أو ثوب في منديل ليس بإقرار بالثاني]. لو قال: إن لفلان عندي سكيناً في قراب - وهو ما تُغمد فيه السكين- فهل يكون هذا إقراراً بالقراب؟ A لا، إنما هو إقرار بالسكين، ولو قال: له عندي تمر في صندوق أو في جراب أو في إناء، فهل يكون إقراراً بالإناء؟ لا، وإنما يكون إقراراً بالتمر فقط. قال: [وله خاتم فيه فص أو سيف بقراب، إقرار بهما]؛ لأن الأول جعلهما ظرفاً وهو إنما يقر بالسكين لا يُقر بالظرف. بخلاف ما هنا فالباء بمعنى مع، فهو أقر بهما. قال: [وإقراره بشجرة ليس إقراراً بأرضها]. لو قال: أنا أقر أن النخلة التي في بستاني هذا لزيد، هل يكون هذا إقراراً بالأرض التي فيها هذه النخلة؟ الجواب: لا؛ لأنه قد يبيع النخلة ليحملها هذا أو ليتركها، فلا يُعد إقراراً بالأرض. قال: [فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت] لأنه إنما يقر له بالنخلة ولا يقر له بالأرض، [ولا أجرة ما بقيت] أي: ما بقيت هذه النخلة لا يستحق عليها أجرة؛ لأنه إنما أقر أنها له، والأجرة شيء آخر. قال: [وله عليّ درهم أو دينار يلزمه أحدهما ويعيّنه]، أي: يلزمه أحدهما إما الدرهم وإما الدينار، وهو يعيّن فنقول له: عيّنه.

الإقرار المأخوذ من كلام غيره

الإقرار المأخوذ من كلام غيره

إذا اتفقا على عقد وادعى أحدهما فساده

إذا اتفقا على عقد وادعى أحدهما فساده قال: [خاتمة: إذا اتفقا على عقد وادّعى أحدهما فساده والآخر صحته فقول مُدعي الصحة بيمينه]. اتفق الاثنان على وجود عقد كعقد بيع قال: أنا أُقر أني اشتريت هذه الدار من زيد بمبلغ مائة ألف ريال قال زيد: أنا أُقر معه وأني بعت هذه الدار بمائة ألف ريال، إذاً: اتفقا على وجود العقد وعلى حصول العقد، ثم ادّعى أحد الاثنين فساده فقال زيد: أنا لما عقدت معه هذا العقد كنت غير مكلّف، وقال هو: بل كان مكلّفاً. ولا بيّنة، فنقبل قول مُدّعي الصحة؛ لأن الأصل في العقود الصحة. إذا اتفقا على حصول العقد ثم اختلفا، فهذا يقول: إن العقد حصل وأنا غير مكلّف، يريد إفساد هذا العقد، والآخر يقول: بل حصل وهو مكلّف، يريد تصحيحه، ولا بيّنة، فنحكم بصحته؛ لأن الأصل في العقود الصحة، لكنا نطلب من مدعي الصحة اليمين فنقول: احلف أنه لما عقد معك كان مكلفاً. قال: [وإن ادّعيا شيئاً بيد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفه فالمُقر به بينهما]. ادّعى اثنان أن هذه الأرض التي يملكها فلان لهما جميعاً كما لو ادّعى زيد وعمرو أن هذه الأرض التي بيد بكر لهما جميعاً، عمرو يقول: نصفها لي ونصفها لزيد، وزيد يقول: نصفها لي ونصفها لعمرو، ثم إن بكراً لم يُقر إلا بالنصف وقال: أنا أُقر بالنصف لزيد، فنقول: إنه بينكما يا زيد وعمرو بالسوية، لأن كليهما معترف بشراكة صاحبه، عمرو معترف بشراكة زيد وزيد معترف بشراكة عمرو. قال: [ومن قال بمرض موته: هذه الألف لقطة فتصدّقوا بها، ولا مال له غيره، لزم الورثة الصدقة بجميعه ولو كذّبوه] قالوا: لأنه أمر بالصدقة، وهذا يدل على تعديه في هذا المال على وجه لا يحل له، ما دام أنه يقول: هذا المال لقطة فتصدقوا به هذا إقرار منه بأن هذا المال ليس له، وعلى ذلك فيلزمهم أن يتصدقوا به، وهذا يكون كالإقرار لغير الوارث، وقد تقدم أن الإقرار لغير الوارث يصح.

الإقرار بالشهادتين قبل البلوغ أو قبل الموت

الإقرار بالشهادتين قبل البلوغ أو قبل الموت قال: [ويُحكم بإسلام من أقر بالشهادتين ولو مميزاً]. الذي يُقر بالشهادتين فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يصح إقراره ولو كان مميزاً، وهو ابن سبع سنين؛ لأن علياً رضي الله عنه الله أسلم وهو ابن ثمان سنين كما جاء في الصحيح، وابن عباس كذلك أسلم وهو صبي كما في الصحيح، وعلى ذلك فلو أن ولداً ذكراً أو أنثى من النصارى أتى وقال: أنا أريد أن أُقر بالشهادتين وهو ابن ثمان سنين أو ابن تسع سنين، فإننا نأخذ بإقراره ويدخل بذلك في الإسلام. قال: [أو قبيل موته بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله]. يعني إذا أقر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله قبل أن يغرغر، فإن ذلك الإقرار يصح، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام أتى إلى أبي طالب في مرض موته وقال: (قل لا إله إلا الله كلمة أُحاج لك بها عند الله) فدل على أنه لو أقر لقُبل ذلك منه. ثم قال: [اللهم اجعلني ممن أقر بها مخلصاً في حياته] ولنا ولكم كذلك، [وعند مماته وبعد وفاته. واجعل اللهم هذا خالصاً لوجهك الكريم، وسبباً للفوز لديك بجنات النعيم. وصلى الله وسلم على أشرف العالم، وسيد بني آدم، وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كل وصحبه أجمعين، وعلى أهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم استثناء الأكثر

حكم استثناء الأكثر Q هل يصح استثناء الأكثر مثل تعيين الدار؟ A استثناء الأكثر لا يصح؛ لأن هذا يُعتبر كالنقض، عندما يقول: أُقر أن له عليّ مائة إلا تسعة وتسعين، وتسعة أعشار الدرهم، فإنه قد ذهب الكل، ولذا فإنه قد يُقر الرجل ثم يبدو له الإنكار، فلو صححنا ذلك لكان طريقاً لترك الإقرار بما هو حق، فلا يصح استثناء الأكثر. أما الدار فإنه قد عيّنها فقال: له هذه الدار إلا هذا البيت، فكان هذا التعيين قوياً، فلما كان قوياً أخذنا به ولو كان البيت الذي استثناه أكثر.

حكم لقطة الذهب

حكم لقطة الذهب Q ما حكم من وجد ذهباً، فقد وجدت سلسلة ذهبية منذ فترة طويلة؟ A هذه لقطة تُعرّف سنة، وبعد التعريف لمُدة سنة تُملك، وتتصرف بها من وجدتها كسائر مالها، وإن جاء صاحبها يوماً من الدهر أعطته إياها، لكنها تترك التعريف بعد مضي سنة. وإن كانت هذه المرأة لم تُعرّف بها، أي: مضت سنة وهي لم تعرف فالواجب عليها أن تبيعها وتتصدق بثمنها وليس لها شيء؛ لأنها أهملت حيث لم تعرّف، لأن الناس إنما يبحثون عن الشيء بعد فقدانه، وهذه تركتها ولم تعرّفها.

حكم تكرار العمرة

حكم تكرار العمرة Q هل يجوز لشخص قام بمناسك العمرة أن يذهب إلى مسجد التنعيم مرة واحدة أو أكثر ليقوم بأداء العمرة؟ A الذي يترجّح لي أن أخذ العمرة من التنعيم بعد العمرة التي سافر لها جائز كما هو قول جماهير العلماء، ولكن الأفضل تركه، فهو كما قال أهل العلم: كصلاة المرأة في المسجد وصلاتها في بيتها أفضل، فهذا الرجل الذي أخذ عمرة سافر لها ويريد أن ينفع والديه نقول: أكثر من الطواف فالطواف هو ركن العمرة الأعظم، كم تطوف بالبيت في زمن ذهابك إلى التنعيم وإيابك وسعيك؟ قد تطوف عدة مرات، وهذا خير لك من عمرة التنعيم لكن لو كان يريد أن يأخذ عمرة واجبة عن أبويه فله ذلك؛ لأن هذا من باب قضاء الدين.

معنى النكول

معنى النكول Q ما معنى قول الشارح في بعض المواضع: (فإن أبى الحلف جُعل ناكلاً وقضي عليه)، ما معنى النكول؟ A النكول أن يأبى اليمين، كما لو ذهب اثنان للقاضي أحدهما مُدّع والثاني مُدّعى عليه، المُدّعي يقول: أيها القاضي أنا أدّعي أن فلاناً قد اقترض مني ألف ريال، فيقول القاضي: هل عندك بيّنة؟ قال: لا. فقال القاضي: أيها الرجل إن زيداً هذا يدّعي أنه يريد منك ألف ريال فهل تُقر؟ قال: لا أُقر، قال له: احلف أنه ليس في ذمتك له ألف ريال، فأبى. فهذا يسمى نكولاً، فإذا نكل حكم عليه القاضي بذلك وقال: عليك أن تدفع له ألف ريال، فهذا معنى الحكم بالنكول.

تأديب شاهد الزور بما لا يخالف النص

تأديب شاهد الزور بما لا يخالف النص Q ما معنى أن للقاضي تأديب شاهد الزور ما لم يخالف نصاً؟ A ما لم يخالف نصاً، يعني القاضي ليس له أن يؤدب شهود الزور بشيء يخالف النص؛ لأنه كان من القضاة من يحلق لحية الشاهد تأديباً له، فأراد المؤلف أن ينبه أن التأديب بما يخالف النص لا يجوز.

إعطاء الفقير زكاة ثم الحصول على مال بعد ذلك

إعطاء الفقير زكاة ثم الحصول على مال بعد ذلك Q عندي مريض فقير يحتاج إلى دواء فإذا أعطيته زكاة في شراء الدواء ثم تصدّق عليّ رجل بقيمة الدواء بعد ما أُعطيه الزكاة، فما الحكم؟ A إذا أعطي الزكاة ملكها، فلو أن رجلاً أُعطي زكاة اليوم صباحاً فأخذها، ثم في المساء ورث مالاً كثيراً فإن الزكاة التي قبضها وهو فقير له.

متى يشترط ثلاثة شهود

متى يشترط ثلاثة شهود Q فيما يتعلق بالقسم الثاني من أقسام المشهود به. من عُرف بغنى ثم أُصيب بعوز وفقر يُشترط في الشهادة ثلاثة، هل هذا خاص بالزكاة أم عام في سائر الصدقات؟ A هذا في الزكاة وفي حل المسألة، فلا تحل له المسألة إذا عُرف بالغنى حتى يشهد ثلاثة أنه أصابته فاقة، وكذلك في باب الزكوات، أما الصدقة المستحبة فأمرها أوسع.

زكاة أقساط الدين

زكاة أقساط الدين Q مبلغ من المال يُدفع على هيئة أقساط شهرية لشقة تحت الإنشاء والتشييد لصاحب العقار، وفي رمضان سيبلغ مجموع الأقساط نصاباً ويبلغ الحول، فما حكم الزكاة؟ A ليس عليك زكاة، فما دام أنك تدفع أقساطاً لتمتلك شقة فهذا ليس بمال زكوي؛ لأن هذا المال تحول إلى جزء من هذه الشقة، والشقة مما لا تجب فيه الزكاة ولو كانت تؤجّر إنما الزكاة في المال الذي يؤخذ أجرة ويمضي عليه حول عند جماهير العلماء.

حكم بيع لقطة الحرم والتصدق بثمنها

حكم بيع لقطة الحرم والتصدق بثمنها Q ما الحكم إذا وجد أحد شيئاً في الحرم وكان من المفروض أن يسلمه للأمانات؛ لكنه نسي حتى رجع إلى بلده فباع هذا الشيء وتصدّق به بنية ذهاب الأجر لصاحبها؟ A الذي أرى أنه إن كان قد تم البيع وصار الثمن بيده أن يرسل الثمن إلى مكة طعاماً ليتصدق به على فقراء الحرم، وإن كان لم يبع هذا الشيء فعليه أن يعيده إلى الأمانات في مكة. الحمد لله رب العالمين.

§1/1