دروس الشيخ أسامة سليمان

أسامة سليمان

آدم في الجنة

آدم في الجنة أراد الله سبحانه لآدم وذريته الابتلاء على وجه الأرض، فاستخلفه فيها بعد أن كان في الجنة هو وزوجته يأكلان منها حيث شاءا، وحذره من إبليس وخططه في إغوائه له ولذريته، وجعل الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة باجتناب خطوات إبليس.

قضاء الله في إخراج آدم من الجنة وذكر ما ترتب على خطيئته

قضاء الله في إخراج آدم من الجنة وذكر ما ترتب على خطيئته الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! حديثنا يحمل عنوان: آدم في الجنة. يعتقد البعض أن الله صلب ولده ليكفر عن خطيئته، وهذا اعتقاد باطل ينافي عقيدة المؤمن؛ لأن الله عز وجل في سورة النساء فضح اليهود وبيّن قولهم في مريم، وكفرهم بالمسيح عليه السلام، قالوا في مريم: أنها حملت من الزنى وهي المبرأة التقية الورعة، ونسبوا إلى أنفسهم أنهم صلبوا ولدها عيسى، وصور هذا لبعض المسلمين اليوم، واأسفاه! أقلام مسلمة تصدق هذا، وتدندن حول هذا المعنى، وتقول: هم قتلة الأنبياء، نعم لا بأس بهذا، لكن في قضية قتل المسيح وصلبه قال الله عز وجل: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء:157]، استهزاءً، يقول الله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]، ثم عادت الآيات تؤكد هذا المعنى، يقول الله سبحانه: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:157 - 158]، هذا الكلام مهم جداً في هذا الزمن؛ لأن البعض شاهد فيلماً بعنوان: آلام المسيح؛ لأن اليهود صلبوه وفعلوا به كذا وكذا، يا عبد الله! مع إيماننا الجازم أنهم قتلة الأنبياء، وأنهم قتلوا يحيى عليه السلام، وحاولوا قتل زكريا عليه السلام، ووضعوا السم لسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وحاولوا قتل المسيح عليه السلام وصلبه، لكن الله عز وجل برأه منهم ونجاه من أيديهم.

أسباب عدم سجود إبليس لآدم

أسباب عدم سجود إبليس لآدم توقفنا عند قول ربنا عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، وفي سورة الأعراف قال: {لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11]، والسؤال هنا: ما الذي دفع إبليس لعدم السجود لآدم، فالأمر من الله عز وجل أمر صريح لا يحتاج إلى إعمال القياس والعقل والفكر، فلا قياس في وجود النص: ((اسْجُدُوا لِآدَمَ))، أمر صريح؟ بين القرآن أسباب ذلك: السبب الأول: الكبر، وهذه صفة في الإنسان أن يتكبر، إما بأصله وإما بحسبه وإمام بنسبه وإما بماله وإما بعلمه، فالتكبر أنواع، فكلما ازداد العالم علماً ازداد تواضعاً، فالمتكبر ينتهي، وانظروا إلى ماذا صنع الكبر بإبليس. قال الأحنف بن قيس: عجباً لابن آدم! يتكبر على الأرض وقد خرج من مجرى البول مرتين! أي: من مجرى بول أبيه، ومن مجرى بول أمه! والآيات في ذم الكبر كثيرة: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). السبب الثاني: أنه اعتز بأصله وبأصل خلقته، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]. يا إبليس! حتى لو سلمنا جدلاً أنك خير من آدم، فإن الأمر من الله عز وجل لا يحتاج إلى مناقشة، ولا إلى مجادلة، ولا إلى أن ترد الأمر على خالقك، فإبليس عند معصيته رد الأمر على الله، واتهم الله عز وجل بالظلم وعدم العلم؛ لأنه قال: ((أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ))، وكأنه يقول: لم تأمرني بذلك؟ ليس من العدل أن أسجد له، لكن العبد حينما يعصي الله يقر بمعصيته ويندم ويعترف، فهل إبليس اعترف بخطيئته؟ هل إبليس أقر بذنبه؟ من كتابنا من يكتب: إن الله قد ظلم إبليس! إنا لله وإنا إليه راجعون، في زمن فيه حرية الكفر فتحت الأبواب لمن هب ودب، كل يكتب على حسب هواه حتى وإن ناقض أصل الدين، وأصول المعتقدات عند المسلمين. السبب الثالث: بسبب قياسه الفاسد، والقياس مع النص لا أصل له، إلا أن القياس لا ننكره كأصل من أصول التشريع، لكن القياس نلجأ إليه في حالة عدم وجود النص مع اتفاق العلة، فما أحدثه الناس اليوم من المخدرات حرام قياساً على الخمر؛ لأن العلة هي السكر. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، قاس العلماء الإيجار، أي: لا يستأجر أحدكم على إيجار أخيه؛ لأن العلة واحدة. وهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقرب المعنى إلى الأذهان بالقياس، وذلك حينما جاءه رجل من أصحابه يتهم زوجته بالزنى؛ لأنها ولدت ولداً أسود، فالأب أبيض والزوجة بيضاء والناتج زنجي أسود، هذا عطاء الله سبحانه، فاعترض الرجل، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت ولداً ليس من لوني. والألوان ليس لها قيمة عند الله، قال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، لكن الرجل أراد أن يلاعن زوجته من طرف خفي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعندك إبل؟ قال: نعم. قال: ما لونها؟ قال: حمر. قال: أفيها أورق؟ -هل فيها واحد مخالف للمجموعة؟ - قال: فيها أورق، قال: ما تقول فيه؟، قال: لعله نزعه عرق، قال: كذلك ولدك لعله نزعه عرق)، يقرب المعنى إلى الأفهام بالقياس، وقال: (وفي بضع أحدكم صدقة، فقال الصحابة: يا رسول الله! أيضع أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال: أرأيت إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟، قالوا: نعم، قال: كذلك إن وضعها في حلال فله أجر)، هذا أيضاً قياس، والقياس عند الأصوليين معتبر، لكن قياس إبليس قياس فاسد؛ لأنه قاس مع وجود النص. ونحن لا نسلم لإبليس بما قال، قال ابن كثير: الطين أفضل من النار، فالطين من طبيعته: الرزانة والعطاء والأناة، وإن شئت فانظر إلى الطين وهو يعطي الثمرة، والنار من طبيعتها: الدمار والحرق، فلا نسلم له أصلاً بهذا القول، لكن هذا أمر الله سبحانه وتعالى.

خطط إبليس في إغوائه بني آدم بعد لعن الله له وإمهاله

خطط إبليس في إغوائه بني آدم بعد لعن الله له وإمهاله لما امتنع إبليس من السجود بصده وإعراضه واستكباره وعدم إقراره بذنبه ورده لأمر خالقه كانت النتيجة: الجزاء من جنس العمل: {اخْرُجْ مِنْهَا} [الأعراف:18]، أي: من الجنة، وانظر إلى قول ربنا: {إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف:13]، والصغار أقصى مراتب الذل، استكبر فأذله الله، فالجزاء من جنس عمله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [الأعراف:18]، فخرج إبليس من الجنة، وطرده الله سبحانه ومسخ صورته ولعنه، وكتب عليه الذل والصغار. وبعد خروجه من الجنة، واستعلائه عن أمر ربه أمر الله عز وجل آدم بالسجود، لكن إبليس سأل الله مسألة وهي: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:36]، فإبليس يقر لله أنه رب، أي: يقر بتوحيد الربوبية أي: خالقي، لكنه كفر بمقام توحيد العبودية والألوهية، قال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:36]، أي: إلى يوم القيامة أمهلني وأجلني، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر:37 - 38]، هذا قدر الله سبحانه، أمهله الله عز وجل، والآية واضحة كوضوح الشمس. هناك من أهل الجهل والسفه -ويصدقها الكثير- يوزعون ورقة عن معاذ بن جبل -كما يدعون-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع أصحابه، فطرق الباب طارق، فقال: أتدرون من بالباب؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك الشيطان الرجيم إبليس، فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه). فمن أول الحديث عرفنا أنه كذب؛ لأن عمر لا يجهل أن إبليس منظر، وهذا فيه اتهام للصحابة بالجهل بالقرآن الكريم. كذلك مما يروجونه وصية الشيخ أحمد إلى المسلمين في بقاع الأرض: بينما أنا نائم في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، إذ جاء النبي في منامي وأنا نائم بجوار قبره، فقال لي: يا أحمد! إن المسلمين قد تركوا أمر الله وو إلى آخره، وفي آخرها: لا بد أن تصورها وأن توزعها، وأقل عدد عشرين صورة، ولم يصورها فلان ففصل من عمله، ولم تصورها فلانة فلم تتزوج إلى الآن، وصورها فلان وفلان فقضى الله عنه الديون. الورقة تسدد الديون! وتفرج الكروب! وتحصل بها على وظيفة! ومع تيه المسلمين تقع في أيديهم ويصورونها مئات الصور إلى اليوم! فهذا شرك من أوسع الأبواب إن اعتقد صحة ما فيها، أقول: مزقها أو أحرقها، وإني على يقين أنك لن تصاب بأذى، فالذي يملك جلب النفع ودفع الضر هو الله سبحانه وتعالى. فكل من شاء الآن يكتب، عندنا إباحية في مسألة الكتابة، فنحن الآن نسمع العجب، ولا بد من الضابط الشرعي في القبول عند السماع. أيها الإخوة الكرام! لما أمهل الله إبليس، بيّن إبليس خططه، وبيّن ما يصبو إليه في إفساد البشرية، قال لربه سبحانه: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]، حصار من الجهات الأربع، وقال: {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119]، هذا من مخطط الشيطان في الإفساد في الأرض. ثم أيضاً قال الله سبحانه: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:64]، وصوت الشيطان: هو الغناء، استخفهم إبليس بالغناء، أين تذهب هذا المساء؟ قال: في حفلة غنائية راقصة، هذه الليلة سأرقص إلى الفجر، والأمة تزحف بالآلاف المؤلفة إلى العته والجنون، ومقدساتها تدك، وأطفالها تداس، وبطون نسائها تحمل من الزنى قهراً واغتصاباً، أي كرامة للأمة هذه؟ أمة عابثة. في يوم الإثنين الماضي تدك الفلوجة بأيدي إخوان القردة والخنازير، إنا لله وإنا إليه راجعون، والله إنه للعار وإنه للدمار والشنار، لكن: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي. أسأل الله أن ينصر الإسلام، وأن يمكن لدينه في الأرض، جسد مات! أسأل الله أن يعطيه الحياة. فإبليس بيّن عن مقصوده وبيّن عن خططه في إفساد الخلق وإفساد البشرية، قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء:64]، أي: اركب واستخدم كل الوسائل، فالخيل إشارة إلى ركوب الخيل، والرجل إشارة إلى الترجل، استخدم كل الوسائل التي تستطيع يا إبليس! {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء:64]، بالربا والرشوة، وأكل المال بالباطل، والأولاد بتسميتهم، ينسبوهم إلى غير الله، أو أن يعبدوهم لغير الله سبحانه كعبد العزى وغير ذلك، قال تعالى: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا

إقامة آدم وزوجته في الجنة بعد خروج إبليس منها

إقامة آدم وزوجته في الجنة بعد خروج إبليس منها وبعد أن بيّن مقصوده قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، أخبر أنه سيأتي أحدكم في جهاده وفي إنفاقه وفي صلاته، وفي كل وقت ليزين له المعصية، يقول ربنا سبحانه: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف:19]، طرد إبليس من الجنة، ثم سكن فيها آدم وزوجته، لكن هل هي جنة الخلد؟ هذا رأي الجمهور، أم هي جنة أرضية للاختبار والابتلاء والامتحان؟ هذا رأي آخر، وابن القيم في مفتاح دار السعادة ما استطاع أن يحسم النزاع؛ لأن كل فريق له أدلته: فالذين قالوا: إنها جنة أرضية قالوا: إن آدم قد تعرى فيها، وجنة الخلد ليس فيها تعرية، وإن آدم قد كلف فيها بعدم الأكل من الشجرة، وجنة الخلد ليس فيها تكليف، وإن آدم قد أصابه فيها الحزن، وجنة الخلد ليس فيها حزن. ورد الفريق الآخر بسبعين دليلاً عدها ابن القيم منها: إن آدم يذهب إليه الخلائق يوم القيامة فيقولون: اشفع لنا عند ربك أن يصرفنا إلى الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا أنا؟ وهل أخرجكم من هذه الجنة إلا أنا؟ فالجنة هنا هي جنة المأوى. عموماً اختلف العلماء في الجنة، لكن آدم سكن هو وزوجته حواء، وفي هذا إشارة إلى تبعية المرأة والرجل، وسترى أن الخطاب في الآيات أحياناً لآدم بمفرده، وأحياناً لآدم وحواء، فإن كان لآدم بمفرده تدخل فيه حواء بالتبعية، كما قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه:118]، لا يجوع هو وحواء؛ لأنها تدخل بالتبعية، فالمرأة تبع لزوجها، فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله، هذا معناه: أن المرأة تتبع الرجل الذي يقوم على ولايتها، وله القوامة عليها. قال تعالى: {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة:35]، أي: كلا من الجنة ما شئتما إلا شجرة أحذرك يا آدم! أن تقترب منها، قال: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35]، والحرمة بعدم القرب أبلغ من ألا تأكلا، وعندنا من يقول: الإسلام لم يحرم الخمر؛ لأن الله قال: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90]، وكلمة: ((فَاجْتَنِبُوهُ)) لا تعني: التحريم، يا له من فيلسوف! ولم يحرم الزنا تحريماً مباشراً؛ لأن الله قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32]، هذه عقول لا أدري بأي حق تتحدث أو تكتب، وإن لم تستح فاكتب ما شئت، أو فاصنع ما شئت، أو فقل ما شئت، فإن التحريم بعدم القرب أبلغ.

أسباب وقوع آدم وزوجته في الخطيئة وخروجهما من الجنة

أسباب وقوع آدم وزوجته في الخطيئة وخروجهما من الجنة حذر الله آدم من إبليس فقال له: {إِنَّ هَذَا} [طه:117]، أي: إبليس: {عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117]، انتبه يا آدم! أحذرك من إبليس؛ لن يتركك دون وسوسة ودون محاولة للإغراء، فإنه قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:16]، يقسم لربه سبحانه أنه بسبب إغوائه سيحاول أن يضل البشرية. وسكن آدم الجنة، لكن الآيات لم توضح نوع الملابس التي كان يلبسها، وإنما بينت أنه كان يلبس، فلا بد أن نؤمن إيماناً جازماً أن العورة كانت مستورة، وهذا من الفطرة، فالفطرة أن تستر العورة، لكن في زماننا الآن خرجنا عن الفطرة، فالعورات قد ظهرت باسم المدنية والتحضر. وآدم لم يهبط إلى الأرض إلا وهو يعلم أن عدم إظهار العورة من الفطرة، لكن من استقامة الطبع عندنا الآن أن من تسير في طريق عام تظهر العورة وتتبجح، وعندنا من الرجال من يظهر العورة ويبتسم، هذا معناه: أن الحياء قد نزع من قلوبهم، وحدث عنه ولا حرج. جاء إبليس عن طريق الوسوسة؛ لأن القرآن قال: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف:20]، لا نقول: دخل إليهما عن طريق الحية كما في التوراة المحرفة؛ فالنص واضح عن طريق الوسوسة، آدم في الجنة وإبليس خارج الجنة، وسوس لهما فقال: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120]، أتى بوسائل الإغراء: هل تحب أن تكون خالداً في الجنة؟ كل هذه الشجرة يا آدم! هل تكره أن تكون ملكاً؟ يا آدم! أقسم لك بالله إني لك لناصح؟ وظل خلفه يوسوس له ويزين له، وهذا دأب الشيطان مع أوليائه، يزين لهم المعاصي ويحببهم فيها، ويقربهم منها حتى إذا وقعوا: {قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]، فالشيطان عداوتنا معه واضحة. اقترب آدم من الشجرة قليلاً ومعه زوجته حواء، وإذ به يقطف من ثمارها ويذوق هو وزوجته، فلما ملآ بطنيهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، لا تنس أن آدم خرج من الجنة بمعصية صغيرة، فيا ليت الذين يتجرءون على المعاصي الصغيرة ويقولون: إنها صغائر ينظرون إلى هذا المشهد، أكل آدم من الشجرة، ذاقها وبمجرد التذوق بدت لهما سوءاتهما، ونزلت الملابس من على جسديهما، لكن ليس من الفطرة أن ينظر إلى العورة كما قلت، ولم يتوقع آدم هذا المشهد، فطفقا إلى أوراق الجنة يخصفان منها، أي: يأخذان من شجرها ويواريان العورة، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:22]، ألم أحذرك يا آدم! قبل أن تسكن الجنة وبعد أن سكنت فيها من إبليس؟ قوله: {عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:22]، أي: واضح العداوة، {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، إقرار بالخطأ واعتراف بالذنب وعدم كبر، طلب العفو والمغفرة، فرق كبير بين معصيته ومعصية إبليس، فإن آدم لما ارتكب الخطيئة تاب فتاب الله عليه، ونص القرآن على ذلك، وكان توبة الله عليهما قبل أن يهبطا إلى الأرض.

الرد على من زعم أن عيسى صلب تكفيرا لذنب أبيه آدم

الرد على من زعم أن عيسى صلب تكفيراً لذنب أبيه آدم يخرج علينا الآن من لا عقول عندهم، يقولون: إن الله عز وجل أراد أن يكفر عن ذنب بني آدم؛ لأن أباهم قد ارتكب ذنباً، فصلب ولده! يا له من عجب! ما ذنب الابن إذا ارتكب الأب معصية؟ أنا الذي ارتكبت الذنب، إذاً: أنا الذي أتوب، أما أن يحاسب غيري لأجل ذنبي فهذا ليس من المعقول ولا من المنقول، والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، فهل للابن ذنب؟ وحاشا لله سبحانه أن يتخذ ولداً: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم:89]، يعني: عظيماً، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:90 - 95]. أيها الإخوة الكرام الأحباب! بعد أن أكل آدم من الشجرة هو وزوجته، وظهرت السوءة والعورة طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وجاءت التوبة في الحال بعد الندم والإقلاع والعزم وعدم الإصرار عليها: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، فقبل أن يهبط آدم إلى الأرض تاب الله عليه، فلا حاجة لما قالوه ولا لما نسجوه من وحي الخيال: أن عيسى صلب تكفيراً لذنب أبيه آدم، والله عز وجل قال: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]، رافعك بالروح والجسد لا كما يقول البعض: رفع روحاً بغير جسد، فهذه أكذوبة واختلاق. قال العلماء والمفسرون: دل عليه أحد حوارييه ليقتلوه ويصلبوه، فألقى الله شبهه عليه، فشبه لهم أن هذا الحواري هو عيسى، فأخذوه وصلبوه، وهكذا رفع عيسى آمناً عند ربه سبحانه، وسينزل قبل قيام الساعة؛ ليعرف كل الناس أن عيسى قد رفع إلى ربه عز وجل ولم يصلب، فالله يقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [النساء:157]. إن البعض الآن وللأسف يدندن بقلمه وهو مسلم: أن عيسى صلب، وكما قتل الشيخ أحمد ياسين فإنهم قد صلبوا عيسى وقتلوه. أقول: يمكن أن نقول: إنهم قتلوا يحيى وأرادوا قتل زكريا، أما أن تكتب عقيدة مخالفة لنص قرآني فهذا من الجهل ومن التعاطف في قضية لا ينبغي أن تتعاطف فيها؛ لأن المسلم عقيدته من كتاب ربه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]. اللهم إنا نسألك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا ونور أبصارنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة. اللهم تب علينا من الذنوب والمعاصي، اللهم طهرنا من الخطايا يا رب العالمين! اللهم اغفر لنا ذنوبنا، خطأنا وعمدنا، هزلنا وجدنا، وكل ذلك عندنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم انصر أطفال فلسطين المغتصبة، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم آية فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين يا رب العالمين! اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، وأمّنا في أوطاننا، بدلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسرنا يسراً. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك! يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك! اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اجبرنا يا رب العالمين! اجبر كسرنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اهدنا واهد بنا، اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والهدى والغنى، إنك على كل شيء قدير، اللهم أعنا على ذكرك، وأعنا على شكرك، وأعنا على حسن عبادتك، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لأبوينا، إنك نعم المولى ونعم النصير. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقرة بني إسرائيل

بقرة بني إسرائيل قص الله علينا في كتابه العزيز قصة بقرة بني إسرائيل، هذه القصة التي كشفت لنا حقيقتهم وما اتصفوا به من صفات سيئة وقبيحة، من الكبر والعناد وقسوة القلب واستهزائهم بآيات الله وأنبيائه والقتل وإلصاق التهمة بالآخرين؛ وذلك حتى نعرف أعداءنا وصفاتهم، فلا نسلك مسلكهم، فنضل ونشقى في الدنيا والآخرة.

صفات بني إسرائيل في القرآن

صفات بني إسرائيل في القرآن الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ند له: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فما زلنا مع القصص القرآني بأنواعه الثلاثة، واليوم لقاؤنا مع قصة وردت في سورة البقرة، وهي الثانية في الترتيب بعد قصة آدم، ألا وهي: قصة بقرة بني إسرائيل، وبنو إسرائيل قد جلاهم لنا القرآن الكريم، وبين لنا صفاتهم التي لا ينبغي لنا أن نغفل عنها طرفة عين، فهم يلحدون في العقائد، يعني: نستطيع أن نقول: مقومات الشخصية اليهودية في كتاب رب البرية، الكتاب الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]. إذاً كيف نتعرف على أعدائنا؟ من كتاب ربنا عز وجل: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء:45]، فمن هم بنو إسرائيل؟ لقد كشف الله عز وجل سرهم وجهرهم في كتابه، فهم يلحدون في العقائد، وهي أول صفة من صفاتهم، والإلحاد يعني: الانحراف، ففي عقيدتهم إلحاد بربهم، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64]، وقال الله على لسانهم: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، وقالوا: إن الله خلق السماوات والأرض ثم مسه التعب واللغوب، فأراد أن يستريح فاستراح في يوم السبت: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]. وكذلك إلحادهم في أنبيائهم، وفي الملائكة، وفي الجنة، وفي النار، وأيضاً علاقتهم بالمؤمنين ينبغي أن لا نغفل عنها. أيضاً من صفاتهم: الكبر والعناد وقسوة القلب، ثم القتل وإلصاق التهمة بالآخرين، وفي قصة البقرة هذا المعنى، والمادية؛ لأنه كان يمكن أن يبعث الله القتيل بدون بقرة، فلماذا جاءت قصة البقرة؟ لأن بني إسرائيل لا يؤمنون إلا بالمادي، ولذلك قالوا: يا موسى {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153]، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الذاريات:44].

القاسم المشترك في قصص بني إسرائيل

القاسم المشترك في قصص بني إسرائيل نسق القصص في بني إسرائيل له قاسم مشترك، فكل قصة من قصص بني إسرائيل في القرآن قاسمها هو: أن الله يذكرهم بنعمه عليهم، فأول أمر: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:122]، هذا التفضيل تفضيل زماني في وقتهم، أو هو تفضيل مشروط له شروط، وهي أن يمتثلوا أمر ربهم، وأن يستجيبوا لأمر خالقهم، وأن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهل وفوا بهذه الشروط؟ لا، إذاً فقدوا الأفضلية، ولذا فأول ملمح من قصص بني إسرائيل تذكير بالنعمة، قال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49]، وقوله: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:50]، وكلها تذكير بنعم الله عليهم، لكن هؤلاء الناس قابلوا النعمة بالكفر والجحود، فأنزل الله بهم العقوبات تلو العقوبات، ثم التوبة منهم، ثم رحمة الله عز وجل بهم، فعلى هذا الترتيب في قصص بني إسرائيل نجد هذا المعنى: نعمة، ثم كفران، ثم عقوبة، ثم رحمة، وهذه القصة قد جاءت على غير المألوف، إذ إن النعمة كانت في آخرها، فقد قتلوا قتيلاً، والقتل عند بني إسرائيل هين، وانظروا إلى ما يفعلونه في فلسطين، من قتل للأطفال، وهدم للبيوت والديار، واغتصاب للنساء، وهذا هو شأنهم أبداً، فالقوم يضحكون عليكم ويوالونكم، لكن لا عهد لهم ولا سلام، فإنهم {َيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:33]، و {كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:100]، هذا كلام الله يا قوم! فافقهوا عن ربكم. فما هي قصة البقرة؟ قتل رجل منهم آخر، وكان فريق منهم يعرف ذلك؛ ولذلك يقول الله في آخر القصة: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة:72]، فالقاتل واحد ونسب القتل إلى المجموعة؛ لأن هناك فريقاً أيد ذلك، فأصبح الحكم للجميع، ولذلك لما قتلوا القتيل منهم جاءوا إلى موسى عليه السلام يسألونه ليأتيهم بآية من ربه، ليعرفهم من الذي قتل، وهذا يشير إلى معنى: أن بني إسرائيل يقتلون المرء ويقفون لتقبل العزاء فيه! يقتلون وينصبون دائرة المفاوضات للسلام! يقتلون ويقولون للناس: نحن نبحث عن السلام الآمن، ثم يأتي هؤلاء القوم من جلدتنا ويصدقون هذا الكلام! فنقول لهم: يا قوم اعقلوا عن ربكم، فلا سلام مع هؤلاء، وإنما هم يريدون الانتقام من الأمة؛ لأن الحقد والحسد ملأ قلوبهم، وانظروا إلى ما حدث في سجن أبي غريب في العراق، فهذا نموذج يشير إلى الحقد الدفين في قلوبهم، فقد أتوا بعلماء الأمة من أهل السنة، وأئمة المساجد الذين يعظون الناس، فألبسوهم ملابس داخلية نسائية، ثم أدخلوهم زنزانة مع بعض النساء الهابطات، والأمة نائمة ومخدرة، بل وضائعة.

حال بني إسرائيل مع أوامر الله عز وجل

حال بني إسرائيل مع أوامر الله عز وجل

تردد بني إسرائيل في متابعة طالوت حين ملكه الله عليهم

تردد بني إسرائيل في متابعة طالوت حين ملكه الله عليهم إن أول ملامح النصر للأمة: أن يبعث الله لها قائداً مسلماً، وهذا الذي كان في قصة طالوت وجالوت التي سنذكرها فيما بعد، وسنبين كيف أن الله سلط على بني إسرائيل العماليق فأذاقوهم سوء العذاب: فأخذوا منهم التابوت، وأسروا النساء والأبناء، وأخرجوهم من ديارهم، وهذا هو واقع أمة محمد صلى الله عليه وسلم اليوم، لكن عندما ننظر إلى جماعة الأشراف من بني إسرائيل الذين دب فيهم روح القتال، واجتمعوا إلى نبي لهم فقالوا: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ} [البقرة:246]. فقال لهم نبيهم: عهدي بكم أنكم لا عهد لكم ولا ميثاق، {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:246]، فأنت ترى الذل والهوان الذي نحن فيه، لكن هذه الروح الحماسية وروح المظاهرات والشعارات لا ينبغي للحاكم المسلم أن ينخدع بها، بل لابد من الاختبار، وهذه الروح الحماسية روح عاطفية مؤقتة، قال لهم نبيهم: أخشى إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، أي: أخشى أن يكتب عليكم القتال فلا تقاتلوا، ثم قال لهم: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة:247]، فهم يريدون قائداً، وهذا هو أول أسباب النصر في الغزوات، القائد المؤمن الذي يقود الرعية لتحرير المقدسات، فـ طالوت هو الذي يقودهم إلى هذا، لكن: {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة:247]، لا هو من العائلة المالكة، ولا هو من الأغنياء، وشروط الملوك عندنا: أن يكون من العائلة المالكة، وأن يكون من الأغنياء، {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247]، زاده بسطة في العلم، لذا لا مخرج للأمة إلا بالعلم، وعليه فلا تسمعوا لأصحاب المظاهرات الذين يقولون: إن أهل السنة يعلمون الناس العلم ولا شأن لهم بجهاد، لا، فطريق الجهاد هو العلم، وهؤلاء يقولون كلاماً غير واقعهم، وانتبهوا يا قوم! فالقائد المسلم هو الذي يختبر الرعية في حماسها. فماذا صنع طالوت؟ جاء دور التصفية للتضخم الكمي الذي لا عبرة له، فقال لهم: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249]، استثناء: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا} [البقرة:249]، قال البراء بن عازب كما عند البخاري: كنا نعد أصحاب طالوت كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر. ثلاثمائة وثلاثة عشر من مائة ألف، يعني: مائة ألف يرفعون الأعلام: بالروح بالدم نفديك يا أقصى، وأول اختبار ستجد أن 90% من هذا العدد ولى مدبراً ولم يعقب، فيا قوم روح الحماس لا تصنع أمة، وهذا هو شعار القائد المسلم، وتأمل لو أن هناك محاضرة بعد صلاة الفجر، فستجد أن المسجد فارغ من الناس، لأن الناس نائمون، فهؤلاء القوم سقطوا في الاختبار والابتلاء، ولذلك الحاكم المسلم هو الذي يختبر الرعية، فيقيس درجة الإيمان عندهم: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} [البقرة:249]، قيل للشافعي: أيهما أولى للمؤمن أن يمكن أو يبتلى؟ فأجاب رحمه الله: لا يمكن حتى يبتلى، إذاً: لا تمكين في الأرض إلا بعد ابتلاء، فيا ليتنا نفهم المراد من الله عز وجل.

مماطلة بني إسرائيل في ذبح البقرة وتشديدهم على نبيهم في وصفها

مماطلة بني إسرائيل في ذبح البقرة وتشديدهم على نبيهم في وصفها قال لهم نبيهم بعد أن جاءوا إليه في جماعة منهم وأخبروه بالواقعة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67]، ما علاقة البقرة بقصة القتيل؟ القصة سارت على غير ترتيب البلاغيين وأصحاب القصص، فسببها جاء في الآخر، ومقدمتها في الأول، والخلاص في وسطها؛ وذلك ليشد انتباه السامع، وكان ينبغي لهم طالما أن الأمر من الله أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وهذا كحال بعض المسلمين اليوم عندما تقول له: إن الله يأمر بكذا، فيتلكأ ويتباطأ، فمثلاً تقول للمتبرجة: إن الله يأمرك بالحجاب، فتقول: أعطني فرصة حتى أتخلص من ملابسي، وكذلك الذي يلبس الذهب من الرجال، والذي يدخن السيجارة تقول له: إن الله يأمرك أن تترك هذا المنكر، فيقول: دعني أجاهد نفسي وأقلل المعدل، ونسي أنه ربما قد يموت والسيجارة في فمه، فماذا سيقول لربه عز وجل؟ وربما قد تموتين وأنت على هذه الهيئة، إذاً: التباطؤ من صنيع بني إسرائيل، وقد جاء الله عز وجل بـ (إن) الفورية في الأمر {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة:67]، وجاء بلفظ الدلالة؛ ليفيد عظم الأمر، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67]، والبقرة نكرة فأفادت العموم؛ لأن كتمان البيان عند الحاجة لا يجوز، يعني: في شهر رمضان ينبغي أن نتحدث عن أحكام الصيام، لا أن نتحدث عن الجنائز، وفي الحج كذلك نتحدث عن أحكام الحج؛ وهذه قاعدة أصولية، والمعنى: أنه ينبغي أن تبين عند الحاجة، فجاء بلفظ البقرة نكرة، إذاً: غير مقصود صفات البقرة، وإنما أي بقرة، فماذا قالوا لنبيهم؟ {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة:67]، وهذا سوء أدب منهم كعهدهم دائماً، يقول العلماء: ولم يقولوا: (أتهزأ بنا)، وإنما (أتتخذنا) وكأن عادة موسى أن يصاحبه الاستهزاء! ولذا كان الاستهزاء بأمور الدين كفر وردة ونفاق، وحدث ولا حرج عن الذين يستهزئون بالله وبرسوله وبآياته، فمنذ حوالي أربعة أسابيع يرسم كاريكاتير في مجلة حمراء معروفة بهويتها: امرأة منتقبة تسأل العالم فتقول له: هل يجوز أن أغتسل وأنا ألبس النقاب أم لابد من خلعه؟! استهزاء منها، وبجوارها أيضاً امرأة تصافح رجلاً وتسأل العالم: هل بذلك يقام علي الحد؛ لأن أهل السنة يقولون: (اليد تزني وزناها اللمس)، استهزاء بالحديث، فهؤلاء القوم يكفرون من حيث لا يشعرون، ووالله الذي لا إله غيره إنهم يطعنون في القرآن، فيصعد الهابط إلى خشبة المسرح فلا يجد ما يضحك الناس إلا القرآن والسنة، فيعرض بحديث، أو يعرض بآية، أو يركب فوق الكعبة، أو ترقص راقصة وهي عارية فوق الكعبة، ولم يكفهم أن يستهزئوا بالموحدين وبأصحاب السنة، بل يأتون بالرجل له لحية وجلباب وقميص قصير، ويحمل سواكاً في جيبه على أنه مدفع! فيا قوم الاستهزاء أنواع، وسلاح الاستهزاء قديم، ولذلك نجد المنافقين في غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مع حملة القرآن في طريق العودة إلى المدينة، فقالوا لحملة القرآن: ما نراكم إلا أكبرنا بطوناً، وأجبننا عند اللقاء، وأكذبنا ألسنة، يعني: أن المنافقين يستهزئون بحفظة القرآن، حتى يأتي طه حسين ويصور معلم القرآن في الكتاب بقوله: سيدنا يجلس وينادي: يا طه هل أرسلت أمك البطة أم لم ترسلها؟ إذاً حامل القرآن يبحث عن ملء بطنه، فيصورون للناس حامل القرآن بهذه الصورة السيئة، وقد أنزل الله قرآناً يتلى في كتابه في شأن من استهزأ بحملة القرآن، فقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65]، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! كنا نخوض ونلعب، {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]، قولوا للقوم: إن الاستهزاء بآيات الله والاستهزاء بالقرآن والاستهزاء بالسنة والاستهزاء بأي شعيرة إسلامية كفر وردة، لكن الصحف تكتب ويخرج الاستهزاء بالقرآن والسنة والشعائر الإسلامية عياناً بياناً، واضحاً جلياً، ولا أحد يحرك ساكناً. قال تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67]، أي: ألجأ إلى الله من هذه السخرية، فأستعيذ بربي عز وجل من أن أكون من الجاهلين بأمره.

تشديد الله على بني إسرائيل في صفات البقرة التي أمروا بذبحها

تشديد الله على بني إسرائيل في صفات البقرة التي أمروا بذبحها {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:68]، ولم يقولوا: ادع لنا ربنا. {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:68]، أي: صفات البقرة من اللون وغيره، يقول العلماء: إذا خرج الأمر أفاد الوجوب والفورية. قال عمر بن عبد العزيز لأحد مواليه: أعط السائل ماعزاً، فأرسل المولى يسأله: ضأناً أم ماعزاً؟ قال: ماعزاً، قال: أنثى أم ذكراً؟ قال: ذكراً، قال: سوداء أم بيضاء؟ فقال: أيها الرجل! يا متنطع! حينما آمرك أن تخرج فأخرج طالما لم أحدد لك الصفة على النحو الذي قلت، فهذا تنطع كتنطع بني إسرائيل في أحكام الله، ومنا من يفعل ذلك في أحكام الله سبحانه، فيتنطع ويتلكأ ويتباطأ ويجادل، وهذا ما ينبغي أن يكون لمسلم أبداً، {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:68]، قوله: (لا فَارِضٌ): يعني: غير مسنة، وقوله: (وَلا بِكْرٌ): يعني: ولا صغيرة لم تلد، وإنما خير الأمور الوسط، وهذا مثل عربي صحيح، وكل الأمثلة الصحيحة مستقاة من القرآن، فالمثل: (في الحركة بركة) من قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء:100]، و (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) من قوله تعالى في سورة يوسف: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ} [يوسف:64]، والمثل (الجزاء من جنس العمل) من قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] وكل الأمثلة الصحيحة في حياتنا تعود إلى القرآن. ثم قال الله عز وجل: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69]، واسألوا أهل اللغة: فالأصفر فاقع، والأسود حالك، والأخضر ناضر، والأحمر قانن، وهكذا بقية الألوان، لذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن نعل الرجل الأصفر يجذب همه، وكان يأبى أن يلبس نعلاً أسود؛ لأنه يدخل الهم إلى القلب، وهو قول الزبير أيضاً، {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ} [البقرة:69]، والسرور من الإسرار، وسرور القلب يختلف عن الحبور ويختلف عن الفرح، {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69]، إذا نظر إليها سرته وأدخلت السرور إلى قلبه، {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم يقولوا: إن شاء الله لما هداهم الله إليها)، ولذلك يقول الفقهاء: فلتكن هذه الكلمة -أي: إن شاء الله- على لسانك في كل أمر مستقبل، وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24]، وقال موسى للخضر: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف:69]، وقال الفقهاء: إن حلف الرجل على فعل شيء ثم قال: إن شاء الله ولم يفعل فلا كفارة عليه، وقسموا المشيئة إلى قسمين، إن شاء الله تعليقاً، وإن شاء الله تحقيقاً، ففي قوله سبحانه وتعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح:27]، تحقيقاً لا تعليقاً، فإن شاء الله تعليقاً للحكم، وإن شاء الله لتحقيق الحكم. وهنا قال الله على لسانهم: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70]، فجاءت الصفات الثلاث للبقرة، من اللون وصفتها وطبيعتها، وهذا حصر لكل الصفات، وهذا من بلاغة القرآن الكريم، والإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن له موضوع طويل، ولذلك قال: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} [البقرة:71]، يعني: غير مذللة في إثارة الأرض، فلا تحرث الأرض، ولا تسقي في الحرث الزرع، {مُسَلَّمَةٌ} [البقرة:71]، أي: سليمة من العيوب {لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:71]، أي: لا لون فيها إلا الأصفر، ولو أن فيها شعرة واحدة بيضاء لا تجزئ، ثم قال الله على لسانهم: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:71]، أي: يا موسى الآن فقط جئت بالحق! وهذا يدل على أن هؤلاء أناس أصحاب جدل ونفاق. قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقر

الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن الكريم

الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فبعد الجدل والمماطلة والمراء مع نبيهم، واستهزائهم بأمر ربه قال الله لهم: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة:72]، وهذه الآية من السياق في القصص العادي هي أول آية؛ لأن ذبح البقرة كان من أجل إحياء القتيل، لكن القرآن ينوع في قصصه؛ ليشد انتباه السامع، وهذا من إعجاز القرآن اللغوي، لكن تجد بعض الناس -القردة والخنازير- في هذه الأيام يتطاولون على القرآن الكريم، ووالله إن مشركي العرب الأوائل كانت عندهم عقول هي أفضل من عقول هؤلاء، فقد قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ساحر، مجنون، يعلمه بشر، أبتر، لكنهم ما استطاعوا أن يطعنوا في القرآن وهم أرباب البلاغة؛ لأنهم نظروا في القرآن فأعجزهم، حتى التقديم والتأخير فيه لمعنى عظيم، يقول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:31]، وفي الآية الأخرى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151]، فهنا (نرزقكم)، وهناك (نرزقهم)، فهذا التقديم والتأخير لعلة، ففي الآية الأولى (نرزقهم) أي: عندما يكون الرجل غنياً وامرأته حامل، فيخشى إن أتى الولد أن يكون سبباً في فقره، فالله يقول له: إن الولد يأتي برزقه فلا تقتله خشية الفقر، فنحن نرزقهم في حال الغنى، وفي حال وجود الفقر الحقيقي، فهذا إعجاز بلاغي ولغوي، وكذلك تأمل في سورة يوسف عندما قالت النسوة: امرأة العزيز، ولم يسموها باسمها، فقال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:30]، وهذا يشير إلى أربعة معان: الأول: يشير إلى أنها متزوجة. الثاني: تزداد المصيبة أنها متزوجة. الثالث: قولهم: تراود، ولم يقلن: راودت، أي: لا زالت تراود مراودة، وتعرض نفسها عليه بكلام، وبفعل، وبإيماء، وحركات. الرابع: أنها راودت فتاها، ويا ليتها راودت غير فتاها. أيضاً: إتيان القرآن باسم المسيح بعدة أسماء، حتى قال قائلهم: إن القرآن متعارض متضارب؛ لأنه مرة يقول: المسيح، ومرة يقول: ابن مريم، ومرة يقول: عيسى بن مريم! ونسى هذا المغفل أن هذا من التفنن البلاغي في القرآن، وكذلك القرآن مرة يرفع في قوله: {الصَّابِئُونَ} [المائدة:69]، ومرة ينصب في: {وَالصَّابِئِينَ} [البقرة:62] ثم يقول: ومعنى ذلك أن القرآن متعارض، فيا قوم إن القرآن معجزة أعجزت البلغاء، وأعجمت صناع اللغة وأرباب البيان عن أن يأتوا بمثله، وفي عصرنا الآن من ليس لهم علاقة بالإعجاز يتحدثون في القرآن.

عدم انتفاع بني إسرائيل بما يسوقه الله إليهم من آيات ومعجزات

عدم انتفاع بني إسرائيل بما يسوقه الله إليهم من آيات ومعجزات والمهم أن الله قال لهم: اضربوا القتيل ببعضها: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ} [البقرة:72] وهذا يشير إلى أن القتل عندهم أمر مشهور، وكما ترى وتشاهد، قوله (فَادَّارَأْتُمْ)، أي: اختلفتم، فكل يدفع عن نفسه التهمة، {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة:73]، أي: اضربوا القتيل ببعض البقرة، فأحياه الله عز وجل أمام أعينهم، لكن القوم لا تنفع معهم الآيات، فقلوبهم قاسية، فقام القتيل يقطر دماً فقال له موسى عليه السلام من الذي قتلك؟ فقال: ابن أخي هذا، ثم عاد قتيلاً كما كان، فالذي كان يسعى لمعرفة القاتل اتضح أنه القاتل، وفي هذا إشارة إلى أن اليهود يسفكون الدماء ويتنصلون من القضية؛ ولذلك قال الله لهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74]، يقول الخازن في تفسيره: شبه قلوبهم بالحجارة ولم يشبها بالحديد؛ لأن الحديد إذا دخل في النار لان، أما قلوب اليهود فلا ينفع معها نار، فهي أقسى من الحجارة، وحدث ولا حرج عن أفعالهم، فقد قتلوا أبناءنا في بحر البقر وقتلوا الأطفال الصغار في المخيمات، ودفنوا النساء أحياء في فلسطين وفي غيرها، وهذا هو الشرق الأوسط الكبير الذي صنعته الديمقراطية، فيا من يدعي محاربة الإرهاب، والله إنكم أنتم من تصدرون الإرهاب للعالم، ووالله إن الحقد الدفين ينبع من قلوبكم ونحن نعرف ذلك علماً يقيناً؛ لأن الذي أخبرنا به الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74]. والخلاصة: أن قصة بقرة بني إسرائيل تبين جانباً من صفاتهم: الكبر، والعناد، والمكابرة، واستهزائهم بأنبياء الله ورسله. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، اللهم اجعل القرآن شفيعاً لنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم استر عوراتنا، وحجب نساءنا، واهد شبابنا. اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر دينك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ارفع راية الإسلام فوق رءوس الجميع، اللهم نصرك الذي وعدتنا، اللهم نصرك الذي وعدتنا، فرج كرب المكروبين، ارفع الذل عن عبادك المستضعفين. نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا. اللهم ارحم ضعفنا، وعليك بأعدائنا، اللهم استجب لدعائنا، ولا تخيب فيك رجاءنا، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث. اللهم إن اليهود ومن شايعهم طغوا وبغوا، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم انتقم منهم شر انتقام، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، دعوناك ونحن مستضعفون فاستجب لنا يا عزيز يا كريم، ارحم ضعفنا، اجبر عجزنا، عليك بأعدائنا. ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا. اللهم استر عورتنا، وآمن روعتنا، وأمنا في بيوتنا وفي أوطاننا، إنك على كل شيء قدير. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربي من الراشدين، ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. آمين، آمين، آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

عجل بني إسرائيل

عجل بني إسرائيل واعد الله نبيه موسى عليه السلام ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر، وفي خلال هذه المدة افتتن بنو إسرائيل بعبادة العجل الذي أخرجه لهم السامري، فعاد موسى إلى قومه غضبان أسفاً، ثم تاب الله على بني إسرائيل بأن يقتلوا أنفسهم، وهذا إن دل فإنما يدل على خبث ومكر هؤلاء القوم.

تمكين الله لبني إسرائيل في مصر في زمن يوسف عليه السلام

تمكين الله لبني إسرائيل في مصر في زمن يوسف عليه السلام الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا مثيل ولا نظير له، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فما زلنا مع قصص القرآن في سورة البقرة، وحديثنا عن قصة تحمل عنوان: عجل بني إسرائيل، فبعد بقرة بني إسرائيل نعيش مع عجلهم. إن الناظر في تاريخ القوم في عجالة سريعة يجد أن حياة التمكين والعز كانت لهم في أول الأمر، وذلك يوم أن جاءوا من الشام إلى مصر في عهد الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام. يوسف عليه السلام الذي أدار شئون مصر الاقتصادية، وقال لملكها ولعزيزها: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف:55]، وقد كانت كل البلاد من حول مصر تعاني من مجاعة عظيمة، إلا مصر بفضل يوسف عليه السلام، فجاء الجميع إلى مصر ليأخذوا من قمحها وأرزها وطحينها، وهبّت مصر لتوزّع على الدنيا بأسرها. فأين أنت اليوم يا مصر؟! بتّ تستوردين رغيف الخبز من إخوان القردة والخنازير، نسأل الله أن يمكن دينه. يوسف الصدّيق طلب من العزيز أن يجعله على خزائن الأرض وبرر ذلك بقوله: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، أي: أن مقومات القائد الذي يتولى الاقتصاد: الحفظ والأمانة، فلا تسريب للمليارات من جيوب هذا الشعب الكادح المسكين المعاني، وانظروا إلى مصر وإلى تاريخها، وممن جاء إلى مصر أبوه وأمه، وإخوته العشرة بخلاف بنيامين عليه السلام، فنظر يوسف عليه السلام إلى إخوته عندما جاءوا إليه جميعاً يشكون الجوع والقحط في أرض الشام: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف:88]، أي: من خيرات مصر، يقول ربنا: {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف:58]. من هنا نستطيع أن نقول: إن المؤمن يرى بنور البصيرة، فقد رآهم بنور طاعته وعبادته وتوحيده، وهم لم يعرفوه بظلمة معصيتهم، لأنهم قديماً قد مكروا به وكادوا له، والحسد والكبر والقتل من مقومات الشخصية اليهودية، فهذا هو تاريخهم الأسود، مكروا بأخيهم، فأخذوه طفلاً لا قوة له، وما منعهم بكاؤه واستنجاده بهم، فقد جردوه من قميصه، وهذا هو خلق اليهود {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10] فإن كان هذا مع الأخ، فما بالك مع أطفال فلسطين؟! وما بالك مع أطفال الموحدين؟ هذا هو تاريخهم. والحاصل أنهم جاءوا إلى يوسف فأعطاهم وتصدق عليهم وأوفى لهم الكيل، وبنور بصيرته عرفهم، ولذلك دخل على عثمان رضي الله عنه رجل نظر إلى امرأة نظرة محرمة لا تحل له فقال: أتدخلون على أمير المؤمنين وأثر الزنا في وجوهكم؟! فقالوا: أوحي بعد رسول الله يا عثمان؟! ما هذا الذي نسمع؟ أيوحى إليك؟ قال: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. فهذا نور البصيرة. وعمر بن الخطاب بينما هو يخطب في المدينة على المنبر، وقد أرسل إلى نهاوند -تبعد عن المدينة آلاف الكيلو مترات- جيشاً وأمّر عليه سارية، فينظر إلى أرض المعركة بنور البصيرة، فإذا بـ سارية يقترب من النصر إلا أنه قد تخلى عن الجبل، كحال الصحابة في يوم أحد، فيستدير العدو ليحيط به من خلف الجبل، فإذا بـ عمر ينادي وهو يخطب: يا سارية الجبل الجبل، ومن استرعى الذئب ظلم، فإذا بالحضور يتعجبون من عمر، ينادي من؟ ويخاطب من؟ وإذا بصوت عمر يصل إلى أذن سارية بنور البصيرة، فيلزم الجبل

استضعاف فرعون لبني إسرائيل وخروجهم من مصر مع موسى عليه السلام

استضعاف فرعون لبني إسرائيل وخروجهم من مصر مع موسى عليه السلام عاش بنو إسرائيل على هذا النحو إلى أن ذهب الملك وجاء بعده فرعون، وهو لقب لحاكم مصر، فأذاقهم سوء العذاب، وجعلهم عبيده، وسخّرهم في خدمة البيوت، وأذلّهم ذُلاً ما بعده ذُل، حتى أنهم كانوا في مصر يُسمونهم بالعبيد، يقول موسى لفرعون: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:22]، يعني: جعلهم عبيداً بعد حياة التمكين والرفعة، وهذه سنة الله في الذي كفر بنعمته، فالله يعطي النعم ويسبغها على العباد ليشكروه لا ليكفروه، لكن شأن هؤلاء القوم أنهم كفروا بنعم الله عز وجل. يقول ربنا سبحانه -وهو موضوع اللقاء-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54]، تبدأ قصة عجل بني إسرائيل بعد أن خرجوا من مصر، من ذُل فرعون واستهانته، وبعد أن أرسل الله إليهم موسى عليه السلام، فأخذهم وخرج بهم من مصر في معجزة سجلها القرآن: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة:49]، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة:50]، وفي سورة الشعراء: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [الشعراء:52]، والمراد (بعبادي): بنو إسرائيل، والإسراء هو: السير ليلاً، فخرج بهم موسى بسحر وفرعون نائم، ثم قال تعالى: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء:52]، فاستيقظ فرعون في الصباح فوجد البلاد خالية من بني إسرائيل، إذاً نستعبد من؟ ومن سيخدمنا؟ {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه:78]، وقال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء:60]، أي في الصباح بعد شروق الشمس، ثم قال تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء:53]، فالفراعنة في كل الأزمنة والعصور لغتهم واحدة، وقاسمهم المشترك واحد، فأرسل فرعون إلى زبانيته وبطانته: أن اجمعوا الجنود، واجمعوا القوة، ثم قام فيهم خطيباً: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء:54]، أي: فئة قليلة خرجت عن الشرعية، وحفنة تريد أن تشرّع للأمة شرعاً غير شرع الأسياد، غير مشروع الشرق الأوسط الكبير، أتدرون أن أمريكا تعد قرآناً جديداً للأمة يسمى: (الفرقان الأمريكي) وهو باللغة اللاتينية، إنهم يريدون أن يبدلوا كلام الله، والأمة لا زالت في حالة سبات وغفلة، نسأل الله العافية. ثم قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:55 - 56]. ويقول ربنا سبحانه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63]، فأحاط بهم فرعون وجنوده من كل جانب، يميناً ويساراً وخلفاً، وأيقنوا بالهلاك، فجنود فرعون عن يمينهم وعن يسارهم ومن خلفهم، والبحر من أمامهم، قال تعالى حاكياً عنهم: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، أي: سيدركنا فرعون وجنوده، وهنا يقول الواثق بربه: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، إيمان وثقة ويقين بنصر الله، وهذا هو الذي ينقص الأمة اليوم، إذ تعلم أن ربها لا يغفل ولا ينام سبحانه، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:36]، شرق أوسط كبير، شرق أوسط صغير، أنفقوا الملايين بل البلايين، {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]، فهذا الدين منتصر بنا أو بغيرنا، لكن مصيبتنا فيمن يتحدثون بألسنتنا، فيمن ينتسبون إلى جلدتنا، واسمع ولا حرج: استضاف مقدم برنامج ديني أستاذة في جامعة الأزهر وسألها: ما رأيُكِ في البنطال للمرأة؟ قالت: هو أستر لها من الحجاب ولا بأس به؛ لأنه ييسر لها الحركة! وأخرى تسأل: ما رأيكِ في المساحيق للمرأة؟ فتقول: لا بأس أن تضع المسحوق الخفيف، و (البرفانات) لتخرج بها، والسجائر غير محرّمة، ثم الاحتفال بشم النسيم جائز، وهم ينفخون فيها ويقولون لها: مفتية العصر! لا إله إلا الله، سكت دهراً ونطق كفراً، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل:18]، تتقدم بالفتوى على سلف الأمة، وتظن أنها تحسن صنعاً. وحين دخلت المسجد أعطاني أخ ورقة فقرأت فيها: أن عدم قراءة الفاتحة في الصلاة لا يبطلها! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يقرأ بفات

النهاية المخزية للظالمين

النهاية المخزية للظالمين ثم بعد أن ضرب موسى بعصاه البحر انشق البحر، قال بعض المفسرين: انشق البحر إلى شقين، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه:77]، أي: بدون ماء، {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} [طه:77]، فنزل موسى مع بني إسرائيل البحر يريدون أن يفروا من فرعون إلى الشاطئ الآخر في معجزة خالدة رأوها بأعينهم، فجاء فرعون بجنوده ونزلوا بكل ما يملكون من عدة وعتاد، وقال فرعون لجنوده: لا تأبهوا به، فإنه ساحر يخيل إليكم أن البحر قد انفلق أو أن هناك بحراً، فهيا بنا، والرعية تصدّق، وهذه مشكلة، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54]، أي: يقول لهم: لا بحر، فيقولون: نعم لا بحر، فنزلوا، يقول ربنا سبحانه: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78]، فجاء الموج الذي ارتفع كالحائط عالياً وأطبقه الله على فرعون وجنوده، فأغرقهم ولم ينج منهم أحداً، ونادى فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]، {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس:91] فاتعظوا يا فراعنة الأرض بما حصل لفرعون الأكبر. وحال بني إسرائيل أنهم لم يصدقوا أن فرعون قد غرق، فقال الله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]، فأمر البحر فألقاه خارجاً في مكان مرتفع، ثم نظروا إليه فإذا به فرعون، ثم بعد عبورهم دخلوا إلى سيناء، ولا زالت أقدامهم مبتلة بالماء لم تجف بعد، فمروا على قرية فيها أقوام يعكفون على أصنام لهم، فقالوا: {يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]! فهذا هو دأب بني إسرائيل.

تعجيل المؤمن بالطاعة

تعجيل المؤمن بالطاعة ثم أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم دخولها مع موسى، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا} [المائدة:24]، فيها قوم من العماليق جبّارين، {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا} [المائدة:24]، فوعظهم فإذا بهم يقولون: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة لا يعرفون مخرجاً، وتاهوا في التيه العظيم، ثم من الله عليهم بالمن والسلوى. وبعد عبورهم إلى سيناء وعد الله موسى ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142]، وفي سورة البقرة: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:51]. فخرج موسى إلى جبل الطور بوعد من الله بعد صيام واعتكاف وطاعات وقرب، فقال الله له: تعال يا موسى مع قومك من بني إسرائيل، هم يقتربون من جبل الطور وأنت تصعد إلى أعلى الجبل، حتى يكلمك ربك ويوحي إليك بالتوراة التي فيها هدى ونور لإصلاح بني إسرائيل، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف:145]، وكان موسى قد قال لقومه: سأذهب للقاء ربي ثلاثين يوماً -ولم يقل: أربعين؛ لأن الله زاده عشرة بعد أن ضرب له ثلاثين- ثم أنتم تأتون في أثري مع أخي هارون، فقال الله له: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83]، أي: لماذا تركت وتعجلت قبل بني إسرائيل؟ فهم إذا غبت عنهم ينحرفون عن الطريق السوي، فقال: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84]، أي: هم سيقدمون خلفي مع أخي هارون، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، إنه تعجيل بالطاعة، لكن حال بعض الناس أنه يسوف، فإذا قلت له: صل، رد عليك: بعد أن أنتهي من التعليم، وإن قلت لامرأة كاشفة: تحجبي، ترد عليك: بعد أن أُخطب أو بعد الزواج أو بعد الإنجاب! تسويف، فالشيطان يسوّف للإنسان ويمهله، ولا يدري متى سيموت؟ فعجّل بالطاعة على التو، ولا تسوف أبداً. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر بأصحابه يوماً، فسلّم ثم تخطى الرقاب مسرعاً، وكان عادته أن يجلس بعد الصلاة قليلاً ليقول أوراد ما بعد الصلاة، وفي هذه المرة لم يجلس وإنما قام مسرعاً وتخطى الرقاب ودخل إلى حجرته، ثم أتى بعد قليل والقوم يتعجبون فقال: (لعلكم تتساءلون ما الذي صنعت؟ إني وأنا أصلي تذكرت تبراً -يعني: ذهباً- من مال الصدقة فخشيت أن أُقبض فيسألني ربي عنه). فتأمل إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إنه لم يؤجل حتى يأتي بأوراد الصلاة التي تأخذ وقتاً قليلاً جداً، {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء:78] فالنبي خرج مسرعاً ليأتي بالذهب الذي جمعه من مال الصدقة لينفقه على الفقراء، وحالنا اليوم مجرد شعارات. وجاء في الحديث الصحيح أنه (كان يمر على النبي صلى الله عليه وسلم الهلال والهلالان -يعني: الشهر والشهران- ولا يوقد في بيته نار)، أي: أن طعامه التمر والماء، ونحن اليوم نتحدث عن الزهد وبيوتنا ملأى بالطعام، وليس معنى ذلك عدم الجواز، ولكن انظر: فقد دخل عليه عمر وهو ينام على الأرض عليه الصلاة والسلام، فرأى الحصير قد أثر في جنبه، فقال: (يا رسول الله! ملوك الفرس والروم ينامون في بروج مشيدة وأنت تلتحف الأرض يا حبيب الله، فقال: يا عمر! هؤلاء قوم عُجّلت لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أُجّلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة)، إنه التقلل من متاع الدنيا الزائل، والتقلل من زخرفها، وهذا هو صنيعة الأتقياء، وهذا هو طريق الزهاد الأوائل. يا عبد الله! حينما نقول هذا قد يغضب البعض، لكن ليغضب من يغضب، فهذا هو الدين، وهذا هو الإسلام، وهذه هي النصوص الصحيحة التي ترسم لنا حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

السامري والعجل

السامري والعجل وبينما موسى عليه السلام على جبل الطور في الميقات يكلم الله ويكلمه الله -والكلام معلوم والكيف مجهول- وكان بنو إسرائيل عند خروجهم من مصر قد أخذوا الذهب من المصريين القدامى، وكان أمانة عندهم، فمن متى هؤلاء أمناء؟! فهم يستحلون الأموال والنهب والسرقة، إذ فكر السامري بفكرة شيطانية، ففكر أن يجمع منهم هذا الذهب، وأن يجعله في حفرة حتى يتخلصوا من هذه الأوزار، ثم يوقد عليه ناراً، ثم يأتي بتراب من أثر جبريل عليه السلام كما يقول جمهور المفسرين، فيلقيه على الذهب المصهور في النار، ويصنع لهم بذلك عجلاً، ولذلك ربنا يقول: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه:87]، أي: حُمّلنا أوزاراً من ذهب المصريين القدامى، فأردنا أن نتخلص منه، وكان هذا العجل يدخل الهواء من فمه ويخرج من دبره فيحدث صوتاً مرتفعاً أشبه بالخوار. ثم قال لهم السامري: هذا هو إلهكم، وهم يهتفون ويسجدون ويركعون عنده، فهؤلاء هم اليهود، وهذا هو تاريخهم، وانقسم بنو إسرائيل إلى فريقين: فريق لا يعبد إلا الله وحده، فقاموا بالنصح والإرشاد للفريق الآخر، وفريق قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى، ليبين لنا حقيقة هذا العجل. ونبي الله هارون عليه السلام ضعيف بين هؤلاء القوم، ولذلك لما جاء موسى وأخذ برأسه وبلحيته وقال: لماذا لم تتبعن إذ رأيتهم ضلوا؟ لِم لم تُنكر عليهم ما فعلوا؟ فرد عليه هارون قائلاً: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ} [الأعراف:150]، أي: يا موسى أنا لم أسلم لهم بذلك، بل قد أنكرت عليهم، وكادوا يقتلونني ويفتكون بي استضعافاً، ولكن الله عز وجل سلّم. ولما علم موسى صدق أخيه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} [الأعراف:151]، وفي سورة طه لما عاد موسى من ميقات ربه، قال له ربه: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:85]، والسامري بماذا أضلهم؟ {أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [طه:88]، أي: صوت، فلما رجع موسى ورأى حال قومه من عبادتهم للعجل ألقى الألواح وأخذ بلحية أخيه، فقال أخوه: {يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه:94]، فهارون كان له لحية، وفي هذا دليل على أن اللحية من صفات الأنبياء والمتقين، أما نحن اليوم فنجد عندنا من يقول: إن حلق اللحية لمصلحة الدعوة يجوز، فاخسأ وادخل الجحر، قل: أنا ضعيف، أنا مستكين، لكن أن تقول: أحلق اللحية لأجل مصلحة الدعوة! فمصلحة الدعوة بريئة منك، وما رأينا في سلفنا من الصحابة والتابعين وتابعيهم رجلاً حليقاً أبداً، ففي مكة -في مرحلة الاستضعاف وقريش تؤذيهم- ما اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وقال: احلقوا اللحى لأجل مصلحة الدعوة! إن هؤلاء القوم يتخبطون، وعندهم الغاية تبرر الوسيلة، فيركبونها وإن لم تكن مشروعة، وقد ركبوها مراراً وتكراراً.

تحريف بني إسرائيل للتوراة

تحريف بني إسرائيل للتوراة ثم عاد موسى عليه السلام من ميقاته بعد أن أوحى الله إليه بالتوراة، وكتب له الألواح بيده، فقال تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف:145]، فالتوراة فيها حكم الله، والتوراة بشّرت بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ويا ليتهم يقرءونها، لكنهم حرّفوا الكلام عن مواضعه وهم يعلمون، وجحدوا النعمة وهم يستيقنون، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14]، لذلك حينما زنى رجل يهودي بامرأة يهودية فالحد عندهم في التوراة كالحد عندنا، ألا وهو الرجم، فجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا محمد -عليه الصلاة والسلام- كيف تجدون حكم الزاني عندكم؟ فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: وما عندكم أنتم؟ قالوا: عندنا التعذيب والجلد، أي: لم يقولوا بالرجم، قال: فأتوني بالتوراة، فجاءوا بالتوراة فقرأ أحدهم فوضع يده على حكم الرجم، وعبد الله بن سلام كان حبراً من أحبارهم يعرف مداخل التوراة ومخارجها، فقال: ارفع يدك يا خبيث، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم، فأنزل الله في القرآن: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة:43])، فالتوراة فيها حكم الله، لكن القوم حرفوا الكلم عن مواضعه، ووضعوا فيها ما لذ وطاب، وابن حزم الأندلسي ومن قبله فيلسوف يهودي يسمى اسبنوزا -لعنوه وطردوه من معابدهم- أثبتوا لهم أن التوراة بعد موت موسى قد حرفت، وأدلة تحريفها واضحة للأعمى الذي لا يرى، وللأصم الذي لا يسمع، فهي واضحة كالشمس في وضح النهار، وهل هناك كتاب ينزل من السماء فيه أن نبياً يزني بابنته إلا في توراة اليهود؟! وهل هناك شرع ينزل من السماء يدعو إلى الزنى والفاحشة إلا في توراة اليهود؟! لكن القوم ليس عندهم حياء ولا كرامة، ولهذا أقول: لما عاد موسى عليه السلام ووجد القوم يركعون ويسجدون للعجل أخذه الغضب، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره من لحيته، ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح، وظل ينكر عليهم ويعظهم، وأرادوا أن يتوبوا إلى الله، لكن ماذا كانت توبتهم؟ هذا ما سنبينه في الخطبة الثانية إن شاء الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله.

توبة بني إسرائيل من عبادة العجل

توبة بني إسرائيل من عبادة العجل الحمد لله رب العالمين، {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} [غافر:3]، لا إله إلا الله رب العرش الحليم، كل يوم هو في شأن، يرفع أقواماً ويضع آخرين، يغني فقيراً ويفقر غنياً، ويصح مريضاً ويمرض صحيحاً، سبحانه وتعالى عما يشركون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله. أما بعد: فوعظهم موسى عليه السلام موعظة بليغة، فأرادوا أن يتوبوا إلى الله من عبادتهم العجل، فاختار موسى منهم سبعين رجلاً، من أعبدهم وأزهدهم، ومن الذين لم يعبدوا العجل، ليذهبوا معه إلى الطور وليعتذروا إلى ربهم ويتوبوا إليه مما صنع القوم، قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف:155]، أي: جاء موسى مع السبعين من خيارهم، وانظروا إلى خيارهم ما إن سمعوا الكلام من الله إلى موسى، وأنار جبل الطور بكلام رب العالمين، ودخل موسى في حوار مع ربه، فإذا بهم يقولون: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55]! وهم خيار اليهود، عند ذلك تزلزل بهم الجبل، ونزلت عليهم صاعقة من السماء فأماتتهم جميعاً عن بكرة أبيهم إلا موسى عليه السلام، وظل موسى يقول لربه: يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل؟ يا رب أتوسل إليك بإيماني بك، وبدعوتي إليك، بحبي إياك أن تحيي لي هؤلاء القوم مرة أخرى، وظل موسى يتضرع إلى الله ويتوسل إليه بعمله الصالح، فأحيا الله له السبعين مرة ثانية، وكان الواحد منهم يحييه الله بعد الآخر، فالأول أحياه الله ثم ينظر إلى الثاني فيحييه الله، والثاني ينظر إلى الثالث وهكذا، حتى أحياهم الله عز وجل جميعاً، فيا ليت القوم يتعظون، ويا ليت القوم يعتبرون، لكن اليهود هم اليهود في كل زمن وحين. لكن لمن نقول ومن يسمع؟ ما زلنا على دائرة المفاوضات مع هؤلاء القردة والخنازير، ولا زلنا نبحث عن السلام معهم، وهم قتلة الأنبياء، وهم الذين ألحدوا في العقائد. يا قوم إن اليهود هم اليهود، فلم يتغيروا أبداً، قال الله في وصفهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]. كانت قصة عجل بني إسرائيل هي موضوع اللقاء، وللحديث بقية إن شاء الله. وختاماً أقول: كفانا عبثاً بدين ربنا، ولعباً بالفتوى والأحكام الشرعية الثابتة المستقرة بنصوص قطعية الثبات والدلالة، أي: أنه لا مجال للاجتهاد فيها. إنه من أيام نوقش في المجلس القومي في تونس الحقوق المدنية للمرأة ومن ضمن ما طرح فيه أن الرجل الذي يتزوج بالمرأة الثانية يعرض نفسه للعقوبة التي تصل إلى السجن أو العقوبة المادية، نسأل الله العافية، فربنا أحل وهم يحرمون، فكيف يليق بكم أن تناقشوا شرع ربكم؟! الأمر الثاني الذي طُرح للمناقشة: لا بد من مساواة المرأة مع الرجل في الشهادة، بل في كل الأمور، لأن هذا من صميم المساواة، وربنا يقول: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، فهل هم عمش؟ وهل عندهم عمى حتى ما نظروا إلى هذه الآية؟! ما قرءوها؟ لكن القوم من متى يقرءون القرآن؟ القوم نبراسهم العلمانية هناك يرضعون من عصارتها، لكن الله قيض من عباده من وقف ورد كيدهم إلى نحورهم. فيا قوم! كفاكم عبثاً بدين الله، وكفاكم اجتراء على ثوابت الشرع المقررة بالكتاب والسنة، فإن ذلك لن يكون في مصر ولن يكون أبداً، ولن تصبح مصر علمانية، ولن تصبح مصر بلد العلمانيين، إنما نقول لهم: إن مصر ستظل دائماً بشبابها وبإيمانها وبعقيدتها السلفية نبراساً يُحتذى به. أسأل الله سبحانه أن يمكن لدينه في أرضه، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك باليهود ومن هاودهم، نسألك نصراً لدينك في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وأمّنا في أوطاننا، اللهم أبدلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسرنا يسراً، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، نسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، وذكرنا من القرآن ما نُسّينا، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، اللهم استر عوراتنا، وأمّنا في بيوتنا، وأمّنا في أوطاننا. اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك، اللهم انصر الإسلام في كل بقاع الأرض، اللهم عليك بهم وبمن يكيد بدينك. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم يا مثبت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، اللهم استر عوراتنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمّن سواك، اجعل ثأرنا على من ظلمنا، لا تجعل مصيبتنا في ديننا، لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اهدنا واهد بنا، اللهم ارزقنا قبل المو

من أحكام الحج

من أحكام الحج تعتبر حجة الوداع التي أداها النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عظيماً واضحاً لمناسك الحج، إذ نقل لنا الصحابة الكرام صفة حجته فيها وأداء المناسك منسكاً منسكاً، فهديه صلى الله عليه وسلم في ذلك هو ما يلزم المسلم أن يتبعه في أداء المناسك، كما أن خطبته صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة حوت جملة عظيمة من الأحكام وتقرير الحقوق وحفظ الحرمات والوصية بالنساء.

فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة

فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك خيراً يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فحديثنا -بحول الله وفضله وتوفيقه- يدور حول حجة النبي صلى الله عليه وسلم المسماة بـ (حجة الوداع)، لما فيها من الدروس والعبر. ففي العام التاسع من هجرته عليه الصلاة والسلام فرض عليه الحج، وهذا تحقيق العلامة ابن القيم؛ لأن من قال: إن الحج على التراخي ظن أن الحج فرض في العام السادس، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والراجح أن الحج فرض في العام التاسع، ولم يحج النبي عليه الصلاة والسلام في ذات العام؛ لأنه أرسل الصديق رضي الله عنه ليحج بالناس وأرسل معه علياً ينادي في الناس: (ألاَّ يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)؛ لأن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، وكانت صلاتهم عند البيت كما قال ربنا سبحانه: {مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35]، أي: صفيراً وتصفيقاً. ولذا يريد أتباع بعض الطرق المنحرفة في زمننا أن يحيوا ما كان عليه المشركون، فإذا أرادوا أن يذكروا الله ذكروه بالطبل والتصفيق، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.

استشعار النبي عليه الصلاة والسلام في العام العاشر بقرب أجله وأدلة ذلك

استشعار النبي عليه الصلاة والسلام في العام العاشر بقرب أجله وأدلة ذلك وفي العام العاشر شعر النبي عليه الصلاة والسلام باقتراب أجله، فخرج عليه الصلاة والسلام لخمس ليال بقين من ذي القعدة -وهذا ما قرره صاحب الرحيق المختوم، ورجحه ابن حجر في فتح الباري- وأذن في الناس عليه الصلاة والسلام وأعلن أنه قاصد مكة لأداء الحج، فجاء الناس إليه من كل فج عميق، ليأتموا بسيد البشر صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة، إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام قد شعر باقتراب أجله كما ذكرنا، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها: أنه قال للناس في خطبة جامعة هي أعظم خطبة في تاريخ البشرية المسماة بـ (خطبة الوداع): (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وكذلك أيضاً وهو يرمي الجمرات في أيام التشريق قال لهم: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا). وبعد أن أتم خطبة الوداع مباشرة على عرفة أنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتعجب الصحابة من بكائه، فقال: يا قوم! وهل بعد الكمال إلا النقصان، وكان النقصان الذي توقعه عمر هو موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وفي أيام التشريق أيضاً أنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]، قال ابن عباس: أرى أن الله ينعى محمداً لأمته، كيف ذلك؟ قال: ألم تقرءوا قول الله: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ))، والاستغفار دائماً يكون في ختام الشيء، فأرى أن هذه السورة هي ختام حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولما أرسل عليه الصلاة والسلام معاذاً إلى اليمن في العام العاشر من الهجرة قال له: (يا معاذ! لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك تمر بقبري، فبكى معاذ وقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله)، فكل هذه الأدلة تشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد استشعر اقتراب أجله.

إحرام النبي عليه الصلاة والسلام قارنا من ذي الحليفة

إحرام النبي عليه الصلاة والسلام قارناً من ذي الحليفة وقد اختلفت كتب السيرة في عدد الذين اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والراجح أنهم يزيدون عن مائة ألف، ومن يرى هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج مع النبي يدرك أنه صلى الله عليه وسلم استطاع أن يؤسس دولة بتأييد ربه سبحانه في مدة وجيزة جداً، لا تزيد عن ثلاث وعشرين سنة، ومعلوم أن أعمار الأمم تقاس بمئات السنين. وفي ذي الحليفة اغتسل نبينا صلى الله عليه وسلم، وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، ولكل بلد ميقات مكاني للحج والعمرة، لا يجوز لمن قصد البيت أن يمر على الميقات دون إحرام، وإلا لزمه فدية إلا أن يعود إليه، فوقِّت لأهل اليمن: يلملم، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، وهكذا لكل بلد ميقات، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، أي: أن هذه المواقيت المكانية لأهل هذه البلاد أو من يمر عليها، ولذلك لا يجوز لأي حاج مصري أن يمر على (رابغ) الموازية للجحفة دون إحرام، ولا يجوز أن يقول: أنا قاصد جدة فينزل بها ثم يحرم منها، فجدة ليست ميقاتاً إلا لأهلها. وبعد أن اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحليفة طيبته أمنا عائشة رضي الله عنها، حتى إنها قالت بعد أن طيبته: إني لأرى وبيص المسك من مفارق ولحية النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أحرم عليه الصلاة والسلام بحج وعمرة، أي: أنه حج قارناً؛ لأنه ساق الهدي، لكن إن جاءت نصوص تقول: إنه حج متمتعاً أو مفرداً؛ نقول: هناك سوء فهم للنص، وسوء الفهم للنصوص الشرعية يسبب لنا مشاكل كثيرة. ولنتأمل هذا النموذج: كاتب علماني يكتب كفراً تحت عنوان: الرجم ليس من دين الإسلام في شيء! يعني: أن رجم الزاني ليس من دين الإسلام، وفي صلب المقالة يكتب فيقول: لأن القرآن بين أن حد الزاني الجلد، ونبينا صلى الله عليه وسلم قد قال: إن حد الزاني هو الرجم، إذاً: تعارض القرآن مع قول رسول الله -هذا فهمه- فلا شأن لقول رسول الله أمام القرآن! ثم تجرأ إلى الكفر فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يشرع للأمة! هكذا قال ذلك الرجل، إذاً: فمن الذي يشرع، أهو أنت؟! وماذا تقول في قول الله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]؟ وماذا تقول في قول الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يشرع للأمة لا يشرع من عنده وإنما يشرع بوحي من الله. إن هذا الكلام معناه: أن السنة لا يمكن أن تستقل بالتشريع، بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يحرم أو أن يحلل، لذا أقول له: هل يجوز لك أن تتزوج على المرأة عمتها أو خالتها فتجمع بين المرأة والعمة أو تجمع بين المرأة والخالة؟ لا شك أنه لا يجوز بنص السنة لا بنص القرآن، أيضاً: هل يجوز للرجل أن يلبس الذهب في يده والقرآن يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32]؟ إن الذهب حرام على الرجال بالسنة المطهرة، ولذا فإن السنة يمكن أن تقيم حكماً شرعياً مستقلاً كما يقول علماء الفقه والأصول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض)، فالرجم من الإسلام، وقد رجم النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة؛ واقرأ في البخاري الأحاديث المتواترة في رجم الزاني، لكن الأعجب أن يقول: لا شأن لنا بـ البخاري ولا بالسنة، فيكفينا القرآن! هكذا كتب ذلك الرجل، ولا أدري أين علماء الأمة ليقولوا له ولأمثاله: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، أما يكفي طعناً في القرآن والسنة في زمننا هذا، والطامة أن هذا الرجل يحمل لقب: (المفكر الإسلامي)، نسأل الله العافية. إن سوء الفهم للنصوص الشرعية سبب انشقاق وخروج بعض الفرق الضالة والمنحرفة، كالخوارج والمعتزلة وغيرهم. وعلى كل فنبينا عليه الصلاة والسلام قد حج قارناً، لكن إن جاء نص يقول: إنه قد حج متمتعاً؛ فمعنى ذلك: أنه قد جمع بين العمرة والحج في سفر واحد، أي: أنه ما أنشأ للعمرة سفراً وللحج سفراً، وإنما قرن بين الحج والعمرة في سفر واحد، وأما رواية: أنه حج مفرداً؛ فمعناها: أنه أتى بأعمال الحج المفرد، إذ لا فرق بين القارن والمفرد، فالقارن يسعى سعياً واحداً، والمفرد يسعى سعياً واحداً، وكلاهما يطوف طواف قدوم وطواف إفاضة وطواف وداع؛ وكأن المفرد والقارن عليهما سعي وثلاثة أنواع من الطواف، إذ لا فرق بينهما في المناسك إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد ليس عليه هدي، فهذا هو الفرق الوحيد بينهما.

بيان ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام منذ دخول مكة إلى يوم عرفة

بيان ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام منذ دخول مكة إلى يوم عرفة دخل عليه الصلاة والسلام مكة صباحاً (فجراً) وطاف بالبيت سبعة أشواط وسعى بين الصفا والمروة، ثم أمر أصحابه أن يتحللوا، أي: أن يتمتعوا، فترددوا فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فعلم الصحابة أن أفضل النسك هو التمتع، فتحللوا وظل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم على إحرامه إلى اليوم الثامن من ذي الحجة المعروف بيوم التروية؛ لأنه ساق الهدي معه، ثم توجه إلى منى قبل الزوال في الثامن، وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً دون جمع، ولما صلى الفجر وأشرقت الشمس في اليوم التاسع توجه إلى عرفة ونزل بنمرة عليه الصلاة والسلام، ثم بعد الزوال -أي: عند الظهر- ضربت له خيمة ببطن الوادي، وقام يخطب في الناس خطبة الوداع، هذه الخطبة التي أرسى فيها قواعد وأسساً عظيمة، والتي تعتبر ميثاقاً لحقوق الإنسان، ولذا أقول: إن كانت منظمات العالم تضع مواثيق لحقوق الإنسان فنحن نقول: إن نبي البشرية محمداً صلى الله عليه وسلم قد وضع وثيقة حرمات لا وثيقة حقوق، واسمعوا إلى ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأكثر من مائة ألف بعد الزوال في يوم عرفة الذي هو أفضل يوم طلعت فيه شمس العام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وعلماء السوء في زمننا اليوم يريدون لربا الجاهلية أن يعود، يريدون أن يأخذوه من تحت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعيدوه إلى حياة الناس! ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، استوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، إن لكم عليهن: ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهون، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم: كسوتهن ورزقهن)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)، ثم قال للناس من حوله: (إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ فعلت الأصوات تقول: نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، فرفع السبابة إلى السماء ينكتها إلى الأرض قائلاً: اللهم هل بلغت اللهم فاشهد اللهم هل بلغت اللهم فاشهد)، ونحن نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، ونصحت الأمة، وتركتها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. ثم بعد أن أدى عليه الصلاة والسلام خطبة الوداع التي بين وقرر فيها حرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الربا، والوصية بالنساء، هذه المرأة التي يجعلونها اليوم كسلعة رخيصة في يد أعدائها، وطالبوا بالمساواة بينها وبين الرجل، وفي سبيل ذلك أجازوا لها أن تخطب الجمعة! وعينوها قاضية! وهكذا أقحموها في كل ميادين الحياة العملية بحجة المساواة، والذي خلق الذكر والأنثى يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، وقد ذكرت قبل أن هناك كثيراً من الأحكام الفقهية يختلف فيها الذكور عن الإناث، منها: أن بول الصبي -قبل أن يفطم- ينضح، وبول الجارية يغسل؛ لحديث أم قيس عند البخاري: (أنها جاءت بولدها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ليحنكه ويباركه، فوضعه النبي عليه الصلاة والسلام على حجره فبال عليه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بماء ونضحه)، وقال: (بول الصبي ينضح وبول الجارية يغسل)، وهذا من أول لحظة، وأيضاً: إن كان المولود ذكراً فيعق عنه بشاتين وعن الأنثى شاة واحدة، وليس معنى هذا: أننا نفرق بينهما في الحقوق والواجبات، بل لا نفعل ذلك إلا بنص، قال الله سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]، وعليه فإن أردت أن تتبع الأحكام الشرعية التي تختلف فيها الإناث عن الذكور فستجدها كثيرة. والنبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع أمام هذا الحشد الكبير ما نسي أن يوصي بالمرأة، لعظم حقها ورفعة شأنها في الإسلام، ولنا مع هذه الوصية وقفة إن شاء الله تعالى، ولما أنهى خطبته أمر بلالاً أن يؤذن، فأذن وأقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أمره فأقام وصلى العصر ركعتين، أي: أنه صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ولم يفصل بينهما بصلاة، وهذه هي السنة؛ لأن البعض قد يتنفل بعد الظهر أو قبل العصر، وهذا خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ظل في عرفة إلى أن غاب قرص الشمس، ولذلك يقول الفقهاء: إن ترك الحاج عرفة قبل غروب الشمس يلزمه دم؛ لأنه ترك واجباً، والوقوف بعرفة بجزء من الليل واجب، والوقوف

توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة ثم منى

توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة ثم منى ثم بعد أن غاب قرص الشمس تحرك النبي عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة؛ ليبيت فيها ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، والمبيت في مزدلفة واجب من واجبات الحج، فإذا تركه الحاج يلزمه دم، وهكذا فالواجبات يجبرها الدم، أما الأركان فلا يجبرها شيء، وإنما لابد من أدائها، كطواف الإفاضة، والوقوف بعرفة، والإحرام، وسعي الحج، فإن ترك الحاج ركناً فسد حجه وعليه أن يحصِّل الركن وإن كانت المدة الزمنية طويلة، أما إن ترك واجباً فيلزمه دم، كأن يترك طواف الوداع، أو المبيت بمنى، أو المبيت بالمزدلفة، أو رمي الجمرات، أو أحرم بعد الميقات، فهذه كلها واجبات، يلزم من ترك أحدها دم. ثم صلى النبي عليه الصلاة والسلام الفجر في مزدلفة، ومكث فيها حتى أسفر جداً -أي: حتى بدا الصبح- ثم توجه إلى منى في يوم النحر ورمى جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ولما أتم الرمي ذهب إلى المنحر وأتى بمائة بدنة، ونحر بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة، ثم أمر علياً أن ينحر الباقي، وفي هذا إشارة إلى أن موت النبي عليه الصلاة والسلام كان لثلاث وستين سنة، ولما أتم علي نحر المائة أخذ من هذه البدن جزءاً وصنعه وأكل منه عليه الصلاة والسلام، ثم توجه إلى البيت فطاف طواف الإفاضة ولم يسع صلى الله عليه وسلم، لأنه قد حج قارناً، ثم عاد إلى منى في أيام التشريق ليرمي الجمرات حتى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، ثم بعد أن أتم أعمال الحج عاد إلى المدينة ليواصل رحلة الجهاد في سبيل الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

التحذير من السنن السيئة

التحذير من السنن السيئة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن حجة الوداع تنطوي على كثير من الدروس والعبر، ولعل هذا هو موضوع اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، فنعيش مع بيان أحكامها من حيث حرمة الدماء التي حرمها الله سبحانه، حيث إن أول جريمة قتل وقعت على الأرض كانت في زمن آدم عليه السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فكل نفس مظلومة تقتل على الأرض في ميزان ابن آدم الأول، فأي ميزان هذا الذي يسع لهذه الدماء التي تموت ظلماً بغير حق! وهكذا يشير الحديث إلى كل من ابتدع شيئاً في دين الله، فكل من قلده في بدعته في ميزان سيئاته، ولذلك فإن سيئات كل المتبرجات في ميزان قاسم أمين الذي نادى بتحرير المرأة من الحجاب إلى الخلاعة والعري، ومن فرط إعجابنا بشخصيته أننا أعددنا له مسلسلاً حتى يكون أسوة للمفكرين! وليتخلصوا من قيد الشرع، كما قال أحدهم بعد أن مضى رمضان: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق أي: هات الخمر. بالأمس كنت سجين عبادة ويوم العيد تداؤب العشاق وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، فانظروا إلى فضل من سن سنة حسنة في الإسلام، وانظروا إلى خطورة من سن سنة سيئة في الإسلام، ولذلك فإن أعمال الأمة في ميزان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي أرشدها إلى الحق ودلها على الخير. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا حج بيته. اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً صالحاً متقبلاً. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، وذكرنا من القرآن ما نسينا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ارزقنا -يا رب- قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم بيض وجوهنا عند سواد وجوه، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، اللهم أمنا عند الفزع الأكبر. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين. اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل له فجراً يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم انصر المستضعفين في كل مكان، وانصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واجعل الدائرة على عدوهم، اللهم أرنا في اليهود آية، فإنهم لا يعجزونك يا جبار السماوات والأرض، نسألك أن ترينا في اليهود آية، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، اللهم اجعل عيشهم كداً، وصب عليهم العذاب صباً فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون. رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

أخطاء تقع في الحج

أخطاء تقع في الحج الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فإن أحكام الحج مهمة جداً؛ لأن الذي يذهب إلى موسم الحج يجد الجهل واضحاً بيناً بين المسلمين، فقد يترك المسلم ركناً أو واجباً، ولا يعلم أنه يلزمه الذبح أو الفدية، ويجهل الفرق بين الهدي والفدية، فهذه كلها أمور لابد أن توضح، وهي مسئولية الدعاة، ومن أبسط هذه الأمور التي قد يجهلها المسلم في الحج: أن يجهل أن النوم العميق ناقض للوضوء، فقد ينام رجل بجوارك في الحرم ساعات، فإذا أذن المؤذن وأقيمت الصلاة قام وكبر تكبيرة الإحرام! وآخر قد يطوف شوطاً أو شوطين فيتعب فيترك ويقول: يكفى هذا، والله يتقبل، والمهم النية! إنه قلب للمقاييس في الحج، وظهور للبدع هناك؛ ولذلك أقول: المسئولية جسيمة على طلاب العلم وعلى الدعاة، فعليهم أن يتقوا الله سبحانه في تعليم الناس مناسك الحج، وأن يجيبوا عن أسئلة الناس في ذلك، وقد سألني سائل وقال: أنت قلت: إن الواجب يجبر بدم، فأين يذبح هذا الدم وأين يوزع؟ فقلت: إن ترك الحاج واجباً من واجبات الحج يلزمه فدية دم، فيذبحه ويوزعه داخل حدود الحرم، وليس له وقت معين، بينما الهدي آخر وقته الزماني هو آخر أيام التشريق، وعليه فالهدي له وقت زماني، أما الفدية فمتى ما استطعت، يعني: إن لم تستطع الآن فربما تستطيع بعد يوم أو يومين أو ثلاثة. وإن لم يتبين له أنه ترك واجباً إلا بعد سنة أو سنتين فيرسل المبلغ المالي إلى السعودية، وهناك يقوم من يشتري له فيذبحه ويوزعه داخل حدود الحرم، وهذا إذا كان مستطيعاً، وإلا: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]، لكن إن لم يستطع أن يصوم في مكة فيصوم العشرة أيام كاملة في بلده. ولا يجوز للحاج أن يأكل من الفدية، لأنها كالنذر تماماً، بينما يجوز له أن يأكل من الهدي، قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36]، والقانع هو: الذي لا يسأل الناس، فهو قانع بحاله، والمعتر هو: الذي يسأل، وعليه فمعنى الآية: فكلوا منها وأطعموا الذي يسأل والذي لا يسأل، الفقير السائل وغير السائل. وأخرى: حاضت ورحلت مع الركب ولم تطف طواف الوداع بعد، فالعلماء على أنها ترحل مع الركب ولا شيء عليها؛ لأن الذي منعها من طواف الوداع هو الحيض، بينما لو أن رجلاً لم يطف طواف الإفاضة وطاف طواف الوداع، ثم رحل مع الركب، فإن ذلك يجزئه؛ لأنه يجوز له أن يجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع بطواف واحد. أيضاً: لو أن رجلاً غابت عليه الشمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة في منى، ثم ترك منى بعد أن رمى الجمرات بعد الزوال؛ فلا يجوز له ذلك؛ لأنه لابد له أن يبيت بمنى، لكن إن رمى وتعجل فعليه أن يرحل من منى قبل غروب الشمس. كذلك: لو أن رجلاً جاء من عرفة إلى المزدلفة، لكن لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد الفجر، يعني: أنه لم يبت في مزدلفة، فليس عليه شيء؛ لأن الذي عاقه عن الوصول إلى مزدلفة مبكراً هو الزحام، والله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. وآخر: طاف للإفاضة من داخل حجر إسماعيل، ثم عاد إلى بلده، ثم سأل فقال: طفت من داخل الحجر شوطاً أو شوطين، فما حكم ذلك؟ نقول له: إن طفت طواف الوداع من دخل حجر إسماعيل يلزمك دم، وإن كان الطواف للقدوم فكذلك يلزمك دم، وإن كان الطواف تطوعاً فليس عليك شيء، وإن كان الطواف للإفاضة فيلزمك أن تعود لتطوف ثم تذبح فدية؛ لأنك ربما قد جامعت زوجتك؛ ولأن طواف الإفاضة ركن لا يجبره دم. كذلك لابد أن يعرف الحاج أنه بعد الإحرام يلزمه أن يجتنب محظورات الإحرام، فلا يتطيب، ولا يأخذ من أظفاره، ولا يغطي رأسه، فإذا أراد أن ينام بالبطانية فلا يضعها فوق رأسه، أو كما يفعل بعض الجهلة فيضع منديلاً فوق رأسه، فإن ارتكب أحد محظورات الإحرام لزمه الفدية، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن لم يستطع فليطعم ستة مساكين. وأما النظارة الشمسية فليس فيها شيء؛ لأنه ثبت أن من السلف من كان يضع فوق رأسه شيئاً يحتمي به من حرارة الشمس. وتعجب عندما تسمع فتوى لبعض العلماء يقول فيها بجواز ذبح الهدي قبل يوم النحر! ومعلوم أن الذبح يكون يوم عشرة، وهو من أعمال يوم النحر (اليوم العاشر)، بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة والحلق والطواف، وعليه فهي أربعة أعمال في يوم النحر: رمي فحلق فذبح فطواف، فإن قدم واحدة على الأخرى فلا حرج، أما أن يقدم أحدها إلى اليوم الذي قبل فلا، ويحصل بالطواف -طواف الإفاضة- التحلل الأكبر، ويحصل بالرمي والذبح التحلل الأصغر. وهنا: لو أن رجلاً رمى جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق، ولم يطف للإفاضة، أي: أنه أخر الطواف إلى آخر ذي الحجة، وهذا لا مشكلة فيه، ولكنه جامع زوجته، فيلزمه دم (فدية شاة)، لكن إن جامع

الأسئلة

الأسئلة

حكم الزواج من فتاة رضعت أمها من أم الخاطب

حكم الزواج من فتاة رضعت أمها من أم الخاطب Q شاب يريد أن يتزوج من فتاة، مع العلم أن أم هذه الفتاة قد رضعت من أم هذا الشاب، فهل يجوز الزواج؟ A لا يجوز؛ لأنه خالها من الرضاعة، والله تعالى أعلم.

حكم من ترك أكثر من واجب في الحج

حكم من ترك أكثر من واجب في الحج Q ما الحكم فيمن ترك أكثر من واجب، هل تلزمه فدية واحدة أم لكل واجب تركه فدية؟ A يلزمه لكل واجب تركه فدية، فلو أنه ترك طواف الوداع والمبيت بمنى لزمه فديتان، والله تعالى أعلم.

حكم التكاسل عن أداء الواجب

حكم التكاسل عن أداء الواجب Q ما حكم التكاسل عن أداء واجب في أي عبادة؟ A لا يجوز أن يتكاسل العبد عن أداء الواجب في العبادة، سواء في عبادة الحج أو غيرها، والحنابلة عندهم: أن من ترك واجباً متعمداً بطلت العبادة، فيقولون في كتاب العدة: من تعمد ألا يقول: رب اغفر لي بين السجدتين فصلاته باطلة؛ لأن قول: رب اغفر لي ثلاثاً واجب عندهم، ومن تعمد ترك التشهد الأوسط في الصلاة فصلاته باطلة، أما التحقيق العلمي: هل هو راجح أم مرجوح؛ فهذه مسألة أخرى، وإنما المقصود أن نبين خطورة الترك المتعمد للواجب في أي عبادة.

محل الاضطباع والرمل في الطواف

محل الاضطباع والرمل في الطواف Q في أي نوع من أنواع الطواف يكون الاضطباع، وما هو الرمل، ومتى يكون؟ A لا يكون الاضطباع إلا في طواف القدوم أو طواف العمرة، وطواف القدوم للقارن والمفرد، وطواف العمرة للمتمتع، وكيفية الاضطباع: أن يكشف الحاج الكتف الأيمن عند بداية الطواف، ولا يكشفه قبل أن يشرع في الطواف، يعني: لا يكشفه من عند الإحرام؛ لأن من الخطأ أن يكشف عاتقه الأيمن من عند الإحرام، وعند السعي بين الصفا والمروة، وكذلك في عرفة ومنى! ويكون الاضطباع في السبعة الأشواط كلها، وأما الرمل فهو: إسراع المشي مع تقارب الخطى، ويكون في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم أو طواف العمرة، أو عند السعي بين الصفا والمروة، لكن الآن يصعب على الحاج أو المعتمر أن يرمل لأنك لا تكاد تجد لقدمك موضعاً على الأرض لشدة الزحام، فأنت تمشي حسب استطاعتك، وأخيراً: ليس على المرأة اضطباع ولا رمل.

حكم الرمل لمن معه امرأة

حكم الرمل لمن معه امرأة Q معي أمي، ويكون أحياناً من الممكن الرمل في الطواف أو السعي، فكيف أرمل وهي معي؟ A ليس عليك شيء؛ لأن الفتوى تقول: تابع الضعيف ضعيف، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد رخص للضعفاء بأن يتركوا مزدلفة بعد منتصف الليل، أي: بعد الساعة الثانية، فيذهبون إلى منى ولا ينتظرون إلى الفجر في مزدلفة، وعليه فمن كان معه ضعيف فليخرج معه، وذلك على اعتبار أن تابع الضعيف ضعيف، فيأخذ ذات الحكم.

حكم زيارة مسجد قباء ومقبرة البقيع وغيرها من المواطن، وحكم التكلف في أداء بعض المشاعر التي يحول دونها الزحام

حكم زيارة مسجد قباء ومقبرة البقيع وغيرها من المواطن، وحكم التكلف في أداء بعض المشاعر التي يحول دونها الزحام Q ما حكم بعض المسلمين الذين يصرون على زيارة أماكن تسمى بـ (المزارات)، وكذلك القتال من أجل أماكن معينة؟ A تجد بعض المسلمين في الحج يحرصون على الذهاب إلى المزارات! وهذه المزارات هي: مسجد قباء، ومقبرة البقيع، وشهداء أحد، ومسجد القبلتين وغيرهما، وكل هذا ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا مسجد قباء ففيه حديث صحيح، والبقيع بجوار المسجد النبوي، وما سوى ذلك فلا، كصعود جبل الرحمة يوم عرفة، فتجد القتال عليه من المسلمين! مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صعد هذا الجبل وما أمر بصعوده، ولذا فليس من السنة أبداً أن نفعل هذا، كذلك يظن البعض أنه لابد أن تكون الركعتان بعد الطواف خلف مقام إبراهيم حتى في وقت الزحام، مع أن فتوى اللجنة الدائمة تقول: إن الحرم كله مقام في حال الزحام، لأنه لا يمكن أن يصلي كل الطائفين خلف المقام، وأيضاً: القتال الشديد على تقبيل الحجر الأسود، فهذه أمور ينبغي أن نوضحها للناس حتى يكون حجهم مقبولاً.

حكم من أتى بعمرة في أشهر الحج ثم عاد إلى عمله وحج مفردا بعد ذلك

حكم من أتى بعمرة في أشهر الحج ثم عاد إلى عمله وحج مفرداً بعد ذلك Q رجل يعمل في السعودية، وعمل عمرة في شوال، ثم عاد إلى عمله وحج مفرداً بعد ذلك، فهل يلزمه هدي أم لا؟ A عليه هدي؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج ولم يغادر السعودية، لكن لو أنه غادر السعودية إلى مصر مثلاً، ثم خرج من مصر حاجاً مفرداً فليس عليه دم. وكذلك: لو أن رجلاً مدرساً من مصر -مثلاً- جاء له عقد عمل في جدة، فتوجه إلى جدة وما أراد عمرة ولا حجاً، ثم بعد أن وصل إلى جدة بدا له أن يعتمر، فهل عليه فدية لتركه الإحرام من الميقات؟ ليس عليه شيء؛ لأنه قصد جدة ولم يقصد مكة، ولم ينو عمرة ولا حجاً، بخلاف الذي خرج من بلده وهو قاصد، والله تعالى أعلم.

حكم من نسي ملابس الإحرام

حكم من نسي ملابس الإحرام Q إذا نسي الشخص ملابس الإحرام في مخزن الباخرة، فهل يمر على الميقات بدون إحرام أم ماذا يعمل؟ A له أن يعمل الآتي: إما أن يأخذ ثوباً أبيض فيجعل منه إزاراً، وآخر يجعل منه رداء حتى يجد إحراماً، وهذا لا حرج فيه؛ لأن المقصود بالمخيط: هو ما يخيط على أعضاء الجسد، فإن أخذ قميصاً ووضعه إزاراً، والآخر رداءً فلا حرج كما قلنا، وهذا الأمر الأول، وإلا فله أن ينظر في أهل الباخرة لعله يجد مع أحدهم ملابس للإحرام فيحرم بها، لكن لو تعسر عليه تماماً فله أن يحرم من الميقات بملابسه، وإذا نزل إلى جدة خلع الملابس ولبس ملابس الإحرام وعليه دم؛ لأنه أحرم بعد الميقات.

حكم من اعتمر في رمضان ثم حج مفردا في أشهر الحج

حكم من اعتمر في رمضان ثم حج مفرداً في أشهر الحج Q إذا خرج الرجل من بلده إلى مكة في رمضان قاصداً العمرة، فاعتمر وظل في مكة حتى أيام الحج، فحج مفرداً، فهل عليه هدي؟ A ليس عليه هدي؛ لأنه أوقع العمرة في رمضان ولم يوقعها في أشهر الحج، إذا أوقعها في أشهر الحج لزمه هدي؛ لأنه في مكة لم يخرج منها.

شروط الهدي أو الفدية

شروط الهدي أو الفدية Q ما هي شروط الهدي أو الفدية؟ A شروط الهدي أو الفدية هي شروط الأضحية، وشروط الأضحية هي: أولاً: بالنسبة للسن: في الضأن لا تقل عن ستة أشهر، وفي الماعز سنة، في البقر سنتين، وفي الإبل خمس سنوات. ثانياً: العوراء البين عورها، ومن باب أولى العمياء. ثالثاً: العرجاء البين عرجها. رابعاً: التولاء، وهي: التي تدور في المرعى ولا ترعى، والهتماء والجرباء ثم العضباء، وهي التي كسر أحد قرنيها. وتجزئ البدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص.

حكم الحج من المال الذي يودع في البنك مقابل فوائد

حكم الحج من المال الذي يودع في البنك مقابل فوائد Q رجل يودع ماله في البنك، وفي كل عام يرسل أناساً على نفقته ليحجوا من هذا المال، فهل يحجون أم لا؟ A يحجون والإثم على صاحب المال، لأن أصل المال حلال، والفوائد حرام، لأنها ربا، فهم يبنون على الحل، لتعذر الفصل بين الحلال والحرام، وهذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية: إن تعذر الفصل يبنى على الحل، والله تعالى أعلم.

حكم الجمع بين النذر والأضحية

حكم الجمع بين النذر والأضحية Q هل يجوز الجمع بين النذر والأضحية والأكل منها؟ A لا يجوز الجمع بينهما، لأن النذر واجب والأضحية سنة، ولا يجوز الأكل من النذر، ويجوز الأكل من الأضحية، فهذه نسك وتلك نسك، والله تعالى أعلم.

حكم إخراج النذر من غير ما نذر به

حكم إخراج النذر من غير ما نذر به Q إذا نذر الرجل أن يخرج ماعزاً، فهل له أن يخرج ضأناً؟ A لا يجوز، لابد أن يفي بما نذر به؛ لأنه هو الذي ألزم نفسه بذلك، لكن إن ارتقى إلى الأفضل فلا بأس بذلك، والله تعالى أعلم.

حكم نذر العقيقة

حكم نذر العقيقة Q من المعلوم أن العقيقة سنة، لكن لو نذر الرجل أن يخرج العقيقة، فما حكم ذلك؟ A أصبحت العقيقة في حقه واجبة، فيلزمه أن يعق، ولا يجوز له أن يأكل منها هو ولا أهل بيته، والله تعالى أعلم.

حكم لبس الجزمة للمحرم

حكم لبس الجزمة للمحرم Q ما حكم لبس الجزمة للمحرم؟ A إذا كان الحذاء تحت الكعبين فلا شيء عليه، للحديث عند البخاري، والله تعالى أعلم.

بيان أن البدنة هي البعير

بيان أن البدنة هي البعير Q هل البدنة هي البعير؟ A نعم.

حكم طواف الوداع للمعتمر

حكم طواف الوداع للمعتمر Q ذهبت لأداء العمرة، ثم طفت طواف الوداع، ثم اشتريت بعض الأشياء وسافرت، فما حكم ذلك؟ A ليس على المعتمر طواف وداع، وهذا رأي جمهور العلماء، والله تعالى أعلم.

حكم من جمع بين عمرة عن نفسه وحجة عن غيره

حكم من جمع بين عمرة عن نفسه وحجة عن غيره Q رجل يريد أن يحج عن والده الميت، وأن يعتمر عن نفسه، يعني: سيخرج من بلده يؤدي عمرة عن نفسه، ثم يحج عن والده، فهل هذا يجوز أم لا، وهل عليه هدي أم لا؟ A إذا خرج من بلده في أشهر الحج فله أن يلبي بعمرة عن نفسه: لبيك عمرة عن نفسي، ثم يظل في مكة إلى اليوم الثامن (يوم التروية)، ثم يحرم ملبياً بالحج عن أبيه: لبيك حجة عن أبي، وعليه هدي؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، حتى وإن اختلفت النية، وهذه فتوى اللجنة الدائمة، والله تعالى أعلم.

حكم من عاد إلى بلده ولم يطف طواف الإفاضة بعد

حكم من عاد إلى بلده ولم يطف طواف الإفاضة بعد Q امرأة حجت ولم تطف طواف الإفاضة، وبعد أن عادت إلى بلدها تذكرت أنها لم تطف طواف الإفاضة، فما حكم ذلك؟ A عليها أن ترحل إلى السعودية لتطوف طواف الإفاضة، ثم يلزمها فدية إن جامعها زوجها، لأن طواف الإفاضة ركن، والأركان لابد من الإتيان بها، ولا يجبرها دم كالواجبات، ولذا فالمرأة قد تحللت التحلل الأصغر، ولم تتحلل التحلل الأكبر، وهذه فتوى اللجنة الدائمة، والله تعالى أعلم.

الفرق بين الإحرام والاستعداد له

الفرق بين الإحرام والاستعداد له Q هل هناك فرق بين الإحرام والاستعداد له؟ A نعم، فهناك فرق بين الإحرام والاستعداد له، فلو أن رجلاً لبس ملابس الإحرام من المطار أو من بيته فلا حرج، لكن النية وانعقادها تكون من الميقات، وهو غير محاسب قبل الميقات، فلو لبس طاقية على رأسه وهو محرم قبل الميقات فلا شيء عليه، فيحاسب على المحظورات بعد الميقات، أما قبل الميقات فلا شيء عليه، والله تعالى أعلم.

حكم الجلالة

حكم الجلاّلة Q ما حكم الجلالة؟ A البهيمة التي تأكل النجاسات تحبس مدة زمنية حتى تتطهر.

حكم توكيل الحاج غيره في ذبح الهدي

حكم توكيل الحاج غيره في ذبح الهدي Q هل يجوز للإنسان أن يوكل غيره في ذبح الهدي وتوزيعه في الحرم؟ A نعم، فللإنسان أن يوكل غيره في ذبح الهدي عنه، وتوزيعه داخل الحرم، ويذبحه في أيام التشريق، ولا يؤخره إلى بعد أيام التشريق، والله تعالى أعلم.

حكم لبس الثياب البيض للمرأة في الحج

حكم لبس الثياب البيض للمرأة في الحج Q هل يشترط للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض في الحج؟ A لا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض في الحج، لأن الرجل يلبس الأبيض فالمرأة مأمورة بأن تخالف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المرأة أن تلبس ملابس الرجل، حتى وإن كانت في اللون، ولذا لابد أن يفرق بين الرجال والنساء، وأفضل ملابس المرأة هي: الأسود أو الكحلي أو البني، ألوان داكنة وفيها وقار وحشمة، وسواء هذا في الحج أو في غير الحج، أيضاً: لا يجوز للمرأة أن تلبس الملابس ذات الألوان المزركشة التي تلفت الأنظار، والله تعالى أعلم.

حكم تغطية المرأة لوجهها في الحج

حكم تغطية المرأة لوجهها في الحج Q هل يبطل حج المرأة إذا غطت وجهها في الحج؟ A قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، فالمرأة المحرمة منهية عن لبس النقاب، فإن لبست النقاب وغطى الوجه ولامسه فعليها فدية، لذا ينبغي عليها أن تسدل، وفرق بين الإسدال والنقاب، فالإسدال: أن ترخي الشيء على وجهها دون أن يمس البشرة، لقول أمنا عائشة: كنا إذا خالطنا الرجال أسدلنا، والله تعالى أعلم.

حكم من أعطى أباه مالا ليحج قبل أن يحج هو عن نفسه

حكم من أعطى أباه مالاً ليحج قبل أن يحج هو عن نفسه Q رجل عنده مال، فهل يعطيه لأبيه ليحج، أم يحج عن نفسه؟ A يحج عن نفسه، وأبوه غير مكلف فتسقط عنه الفريضة، لكن لو أسقط عن نفسه الفريضة ومعه مال آخر فلا حرج أن يعطي أباه، وأما إن كان الأب قد مات فينبغي عليه أن يحج عنه إن لم يكن قد حج عن نفسه، ومثله: من كان عنده سعة من المال فله أن يحج عن زوجته، وذلك من باب حسن العشرة فقط، وليس من باب الوجوب عليه، والله تعالى أعلم.

حكم النقاب إذا لامس وجه المرأة دون تعمد منها

حكم النقاب إذا لامس وجه المرأة دون تعمد منها Q إذا لامس النقاب وجه المرأة دون تعمد منها، كأن يأتي هواء أو ريح فيلامس النقاب الوجه، فهل يلزمها فدية؟ A لا شيء عليها، لأنها غير متعمدة.

الإخبار بمنزلة الصحابة الأخيار

الإخبار بمنزلة الصحابة الأخيار خير مجتمع وجد على وجه الأرض هو مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، وخير رجال على وجه الأرض بعد الأنبياء هم صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة خير نبي، وعدلهم من فوق سبع سماوات، فبعداً وسحقاً لمن يطعن فيهم أو يتهكم عليهم أو ينتقصهم.

تفسير قوله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا)

تفسير قوله تعالى: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريراً) الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا إلى النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع سورة الإنسان، وقفنا عند قول ربنا سبحانه: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان:15 - 26]. ما زالت الآيات تتناول نعيم أهل الجنة، وما أعد الله لأهل الجنة، يقول ربنا سبحانه: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} [الإنسان:15] أي: يدور على أهل الجنة الخدم والولدان بأكواب من فضة، وبآنية من فضة. قال ابن عباس: في بياض الفضة وصفاء الزجاج. فحينما تكون الفضة صافية تعطي منظراً بديعاً، والآنية المعدة للطعام لأهل الجنة من فضة، لكنها آنية في صفاء أو في بياض الزجاج، وكذلك الأكواب والكيسان التي يشربون منها لا عرى لها، مقدرة تقديراً على حسب ريهم، وعلى حسب حجمها؛ بحيث لا تزيد عن الحاجة ولا تقل، ولا يبقى فيها شيء. يقول ربنا سبحانه: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ} [الإنسان:15]. وفي حديث حذيفة المتفق عليه يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). أي: لا يجوز أن نستخدم أواني الذهب والفضة في شراب أو طعام، ويحرم علينا أن نتمتع بالأكل في هذه الأواني؛ لأنها للكفار والمشركين في الدنيا، ولنا في الآخرة، فأي نعيم في هذه الدنيا تمتنع عنه لأجل رضا ربك سبحانه عز وجل يجازيك في الآخرة من جنسه. فحرم عليك الحرير في الدنيا ففي الآخرة تلبس الحرير، حرم عليك الخمر في الدنيا ففي الآخرة تشرب الخمر، حرم عليك الذهب في الدنيا ففي الآخرة تلبس أساور الذهب، كما قال ربنا سبحانه: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان:21]، وفي الآية الأخرى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31]. قال بعضهم: يلبسون تارة ذهباً، وتارة فضة. قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} [الإنسان:15 - 16] مقدرة على حسب حاجتهم.

تفسير قوله تعالى: (ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا)

تفسير قوله تعالى: (ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً) قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا} [الإنسان:17]، ولا يطلق لفظ الكأس إلا على كأس الخمر، فتارة يشربون خمراً ممزوجاً بالكافور، وتارة ممزوجاً بالزنجبيل، والكافور بارد، والزنجبيل حار، فيجمعون بين هذا وهذا. قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا} [الإنسان:17] مختلطة {زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان:17 - 18]، (سلسبيلاً) اسم عين في الجنة، سميت بهذا الاسم لسلاستها، وخروج الخمر منها بسهولة ويسر، ويتدفق على أهل الجنة حيث أرادوا وشاءوا، والأبرار يشربونها مختلطة، والمقربون يشربونها لا اختلاط فيها. يقول ربنا سبحانه: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الإنسان:19] مخلدون في عمر واحدة، لا يتقدمون ولا يتأخرون، يخلدون على حسب أعمارهم، ولدان مخلدون يخدمونهم. قال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19] من جمالهم، يلبسون الأخراص في آذانهم، والحرير يكسوهم، منظرهم بهي، يقول ابن عباس: كل واحد من أهل الجنة يقوم على خدمته ألف خادم من الولدان المخلدين، فيا عبد الله! انظر إلى ما عند ربك من هذا النعيم والجزاء، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون إلى الجنة نظرة يقين وإيمان، ويريدون أن تنتهي الحياة برضا الله، ولا يكون بينهم وبين الجنة إلا الموت، هذا الذي فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي من يطعن فيهم، ولقد اصطحبت معي فتوى دار الإفتاء المصرية في حكم تمثيل الصحابة سأذكرها لكم؛ لتعلموا أن هؤلاء لا يتورعون حتى عن مخالفة شيوخهم، ثم أذكر فتوى مجمع الفقه في مكة المكرمة في حرمة تمثيل الأنبياء والصحابة، ثم أذكر ما وجهه الشيخ: جاد الحق إلى الإذاعة والتلفزيون، وعلى المسئولين أن يتقوا الله في تمثيل شخصيات الأنبياء، أو زوجات الأنبياء، أو أمهات الأنبياء، أو أصحاب الأنبياء لاسيما أصحاب خير الأنام محمد صلى الله وعليه وسلم. ثم نرد على الشبه التي أثيرت حول بعض الصحابة. يقول ربنا سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20]، إذا رأيت يا رسول الله هناك في الجنة رَأَيْتَ نَعِيمًا، والنعيم في الجنة متعدد، والقرآن جاء ليقرب المعاني إلى الأذهان، يقول ابن عباس: ليس في الجنة نعيم إلا وله شبه في الدنيا إلا القوارير. أي: إلا الأواني والأكواب التي من فضة، فهل رأيتم في الدنيا كوباً من فضة في صفاء الزجاج؟ A لا يمكن بحال، هذا قول ابن عباس، ولذلك ربنا يقول: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25] فليس من نعيم الجنة شيء يماثل نعيم الدنيا إلا في الاسم فقط. وهناك من النعيم: الحدائق، والطيور، والأنهار والقصور وكل ما تشتهيه الأنفس، فضلاً عن الحور العين التي يرى مخ عظمها من خلف جسدها، إذا رأيتها كأنها القمر في ليلة البدر، ونظرها قاصر على زوجها، كلما جامعها عادت بكراً كما كانت، هذا فضلاً عن النعيم الأبدي الذي ليس بعده نعيم، وهو النظر إلى وجه الله سبحانه، فأي نعيم بعد هذا النعيم! يقول ربنا: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21]. يقول المفسرون: إذا دخل أهل الجنة الجنة يشربون من عين تنقي ظاهرهم وباطنهم. أما الظاهر فتلقي عليهم نضرة في الوجوه، وأما الباطن: فتنزع من قلوبهم الغل والحسد، يقول ربنا سبحانه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. فليس في الجنة أحد يعطي ظهره لأحد، وإنما فيها التقابل والحب، وعدم الحسد، وعدم الغل، وعدم البغض، وفي الجنة لا يتغوطون ولا يتبولون، كلما أكلوا طعاماً لا يصابون بأذى، فلا تغوط ولا تبول.

تفسير قوله تعالى: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا)

تفسير قوله تعالى: (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً) قال ربنا سبحانه: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} [الإنسان:22]، هذا لعملكم في الدنيا، فيا عبد الله حياتك حياة قصيرة، فلو عشت (60) سنة فمنها (15) سنة قبل التكليف، والباقي منها (45) سنة، منها: (20) سنة في النوم، ويبقى (25)، منها: في الطعام والشراب والعمل ما يقرب من (15) سنة؛ إذاً: يبقى من حياتك (10) سنوات، من الستين. فاحرص على نيل ما في الجنة، ولا تكن كمن قال الله فيهم: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان:27]. يقول الله سبحانه: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} [الإنسان:22]، هل يستوي من يأتي إلى الفروض في جماعة، ومن يصوم في شدة الصيف، ومن يحجب زوجته عن الناس، ومن أغلق على نفسه داره في الفتن، ومن حفظ عينه من النظر إلى المحرمات، ومن اتقى الله في طعامه وشرابه، ومن استقام على حدود الله سبحانه، مع من فرط؟ فربنا سبحانه لا يسوي بين النقيضين أبداً. قال عز وجل: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:22]، أي: مقبولاً، وإذا قبل الله العمل شكره سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا)

تفسير قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً) جاءت الآيات إلى خير الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان:23]. قال ابن عباس: (نزلنا) أي: القرآن نزل مفرقاً على رسول الله، وليس كالكتب السابقة كانت تنزل جملة واحدة. قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:24]. وإن تأملت في القرآن ستجد بعد الأمر بالصبر الأمر بالذكر والصلاة، كقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]. قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان:25] فبعد الأمر بالصبر أمر بالذكر والصلاة؛ لأن مما يعين على الصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة هو الذكر، لذلك يقول الله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:24] أي: لقضاء ربك، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:24] وفي سورة الأحزاب: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:48] فمن أراد أن يأخذك إلى الدنيا لا تطعه، لذلك جاء الأغنياء من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا محمد اجعل لنا مجلساً وللفقراء مجلساً، فإن رائحة الفقراء تؤذينا، فنحن علية القوم لا نريد أن نجلس مع الفقراء، فأمهلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب، فأنزل الله عليه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]. {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:24] لأنهم يريدون أن يصدوك عن الطريق، فالطريق بين واضح. {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان:25] أي: في أول النهار وفي آخره، فهذه أوقات يستعين بها المسلم على أداء وظيفته في طاعة ربه. قال صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا) أي: اسع إلى الكمال في العمل، فإن لم تستطع الكمال فقارب، قال: (سددوا وقاربوا، واستعينوا بالروحة -يعني: أول النهار- وشيء من الدلجة) والدلجة: هي الظلام، يعني: استعينوا في هذه الأوقات بطاعة ربكم في أول النهار وآخره، وفي الليل اجعلوا لكم نصيباً من طاعة الله، فهذا يعينك على ذكر الله، ويعينك على أداء الرسالة، ولذلك يقول الله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7] أي: إذا فرغت من أعمالك، وكلما كان القلب غير مشغول استطعت أن تقبل على العبادة في حب وفي صفاء؛ لذلك أمرنا ألا نصلي ونحن ندافع الأخبثين، وأمرنا ألا نصلي في حضرة الطعام؛ حتى نقبل على العبادة بذهن صاف، وهذا يكون في الليل، كما قال عز وجل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل:6] يعني: مواطئة للنفوس، {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]. فلابد أن تجعل لنفسك نصيباً في أول النهار من العبادة، وفي آخر النهار وفي الظلام، وهذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام. قال عز وجل: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان:25 - 28]. يعني: أحكمنا خلقتهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، أحكمها إحكاماً ما بعده إحكام في الخلق والتسوية. قال تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الإنسان:28] هذه الآية تدل على البعث، كما تدل على أن الله عز وجل يستخلف أقواماً بعد أقوام. {بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الإنسان:28]. وللحديث بقية، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

حكم تمثيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهم

حكم تمثيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! المسلم يوطن نفسه، وليس إمعة، ويعالج المواقف من منظور شرعي، ولا يكن مع الناس إن أحسنوا أحسن، وإن أساءوا أساء، وإنما الأمور تقدر بمنظورها الشرعي من الكتاب والسنة. وقبل أن أبدأ في قراءة فتوى دار الإفتاء، وفتوى المجمع الفقهي المنعقد بمكة المكرمة بشأن تمثيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذكر مسألة: هل يجوز شرعاً أن يمثل ممثل معاوية أو عمرو بن العاص أو بلالاً أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم؟ ففي تمثيلة (حلم فجر الإسلام) أتوا بـ بلال وخرج يؤذن، وصوته قبيح، فهل هذا هو بلال؟ نسأل الله العافية، وهكذا مثلوا سمية، وعماراً، وطلحة، وأبا موسى الأشعري وغيرهم من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل عرض فيلم لشخصية موسى عليه السلام، وكان من الممثلين من قام بدور موسى، قام بذلك وهو سكير عربيد أحمق، نسأل الله العافية، يقول صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي). إذاً: الله عصم الأنبياء من أن يتمثل الشيطان في صورتهم؛ لما لهم من الكمال، وكذلك لا يمكن لمخلوق منا أن يصل إلى درجة الأنبياء، فلهم الكمال الخلقي والخلقي، فكيف آتي برجل وأجعله ممثل دور نبي، أو دور صحابي؟! والصحابة بإجماع أهل السنة كلهم عدول، لذلك قالوا في الحديث المرسل: هو ما رفعه التابعي إلى رسول الله، يعني: أن التابعي قال: قال رسول الله، فإما أن يكون أسقط منه تابعياً، وإما أن يكون أسقط منه صحابياً، فإن علمنا أنه أسقط الصحابي، فلا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول لا يخضعون لجرح أو تعديل، يعني: في علم الجرح والتعديل لا يمكن أن تبحث في درجة الصحابي وتنظر هل هو ثقة أو غير ثقة، كما أنه لا يمكن أن تقول عن صحابي: إنه كذاب، لا يمكن بحال، فلا يخضع الصحابة لعلم الجرح والتعديل؛ لأن أهل السنة والجماعة أجمعوا على أن الصحابة كلهم عدول. وهذه فتوى لفضيلة الشيخ جاد الحق، صدرت في (7) شوال سنة (1400هـ) الموافق: (17) أغسطس (1980م) وفيها: هل يجوز تمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة؟ فأجاب عنها، وبعد أن أجاب قال: وإني لأهيب بالمسئولين عن الإذاعة والتلفزيون أن يبادروا إلى تصحيح ما وقع من تجاوز في هذا المسلسل، إن كان ما ألمحت إليه الأهرام فيما نشرت صحيحاً، وأهيب بالمسئولين عن الثقافة في المسارح أن يعيدوا النظر فيما لديهم من قصص من القرآن أو السنة الشريفة، وأن يرفعوا كل ما كان فيه من تشخيص لنبي، أو زوجته أو ولده، أو والده أو والدته، أو أحد أصحابه؛ لأن هذا ينطبق على الأنبياء وعلى صحابتهم. فلا يجوز أن يمثلوا بحال، ومن أجل هذا أهيب بالمختصين في مجمع البحوث الإسلامية أن يتخذوا الإجراءات القانونية، في حال ثبوت مخالفة النصوص المعتمدة في القصص القرآني، أو المستمدة من السيرة النبوية لوقف إذاعتها، أو إخراجها تمثيلاً أو تصويراً. هذا ما قاله في الفتوى، ولا أدري ماذا حدث لمجمع البحوث حتى وافقوا على أن يمثل أصحاب رسول الله، أو أن تمثل زوجة نبي، أو ابنة نبي، فهذا مخالف للشرع، فيا أهل الحل والعقد! أستحلفكم بالله أن توقفوا هذا الهراء في شأن أصحاب رسول الله، فهذا عمرو بن العاص جاءت في حقه أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (أسلم الناس وآمن عمرو)، فهذا ثناء على عمرو. ومعاوية فيه أحاديث منها: (أول جيش يركب البحر مغفور له) وأول جيش ركب البحر هو في خلافة معاوية. أما فتوى مجمع الفقه الإسلامي بالقرار الثابت بإجماع العلماء فقال: إن مقام النبي صلى الله عليه وسلم عظيم عند الله وعند المسلمين وانتهوا إلى حرمة تمثيل الأنبياء، ثم قال: وكذلك يمنع ذلك في حق الصحابة، فإن لهم من شرف الصحبة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفاع عن الدين، والنصح لله ورسوله، وحمل هذا الدين والعلم إلينا ما يوجب تعظيم قدرهم، واحترامهم وإجلالهم، فلا يجوز أن يمثلوا بحال. هذه فتوى مجمع الفقه بإجماع أهل العلم، فهاتان فتويان واضحتان بينتان، ومع هذا كله تغاضوا عنهما، وأصبحوا الآن يقدحون في أصحاب خير الأنام محمد، فنقول: لصالح من؟ ولحساب من؟ وقديماً كان الرافضة الشيعة يقعون في أبي بكر، ويقعون في عمر، ويقعون في عائشة، ويقعون في أصحاب رسول الله عليهم الصلاة والسلام، فألف ضياء الدين المقدسي: النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب. ثم ختم بأبيات لـ عبد الله بن المبارك قال فيها: فلا أسب أ

الرد على من طعن في حديث ولوغ الكلب في الإناء

الرد على من طعن في حديث ولوغ الكلب في الإناء أيها الإخوة الكرام! أختم الخطبة بأمر دأب بعض العلمانيين على ذكره: في مقال صحفي كتب كاتب تحت عنوان: علماء ومشايخ القرون الوسطى. كتب الكاتب الذي لا أدري من الذي صرح له أن يكتب في جريدة نقرؤها جميعاً، وتصدر في مصر، يقول: استمعت إلى حديث في التلفاز، فإذا بالمتحدث شيخ يسمى كذا، ذكر حديثاً قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب). أو قال: (أولاهن بالتراب). ثم ذكر الشيخ أن التراب يقضي على الميكروبات التي تنزل من سؤر الكلب، فيقول: وإني أتعجب لهذا القول، فهل معنى ذلك أن نقتني تراباً في بيوتنا لنقضي على الميكروبات عند اقتناء الكلاب؟ فنقول له: ألا تعلم أن اقتناء الكلاب حرام؟ لكنك لا تعلم كيف تعلم؟ ثم يقول: وإني أهيب بالمسئولين أن يمنعوا مثل هذا الشيخ من هذا الهراء، وهذه الأحاديث الموضوعة! فنقول له: هل البخاري فيه أحاديث موضوعة؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم عاد يسخر ويقول: متى تخلصونا من هؤلاء الشيوخ مشايخ القرون الوسطى؟ فنقول لهذا وأمثاله: يا أهل التقدم والتحضر، يا أصحاب العقول العفنة! نحن لا نكذب نبينا عليه الصلاة والسلام لأجل تحضركم، ولا نطعن في صحيح إمام تلقته الأمة بالقبول لأجل أن عقولكم لم تتقبل، فعقولكم لا وزن لها لا عند الله ولا عند الناس، فكيف تعرض النص على عقلك، فإن قبله العقل قبلت، وإن رفضه العقل رفضت؟ هذا ليس هو سلوك الموحد، إنما سلوك الموحد أنه طالما صح النص يقول: سمعاً وطاعة، سواء أثبت العلم أو لم يثبت، فهذا إجرام ما بعده إجرام، فماذا يبقى للأمة بعد الطعن في البخاري؟ وما يبقى للأمة بعد الطعن في القرآن؟ وما يبقى للأمة بعد التعريض بأصحاب خير الأنام؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل بقاع الأرض، اللهم عليك برءوس الكفر وأئمتهم، اللهم مكنا منهم؛ فإنهم لا يعجزونك. اللهم انصر الإسلام نصراً عزيزاً مؤزراً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التاريخ الأسود لليهود

التاريخ الأسود لليهود إن تاريخ اليهود تاريخ أسود، يحمل في طياته الإصرار على الذنب، والكفر بالله وبأنبيائه، وهم يدعون أن الأقصى مبني على أنقاض هيكلهم المزعوم، والعجيب أنهم يريدون إقامة الهيكل لنبي الله سليمان وفي نفس الوقت يطعنون في ذاته، وهذه هي طبيعة اليهود على مر التاريخ.

تاريخ اليهود وعقيدتهم الفاسدة

تاريخ اليهود وعقيدتهم الفاسدة الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا إلى طاعتك، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا نهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: أحبتي الكرام! ثبت في الأثر عن مجاهد أنه قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فهما: سليمان بن داود عليهما السلام، وذو القرنين عليه السلام، وأما الكافران فهما: النمرود بن كنعان وبختنصر، وحديثنا اليوم مع واحد من هؤلاء، نبي ابن نبي، زعم إخوان القردة والخنازير أنهم يريدون هدم الأقصى ليقيموا على أنقاضه هيكله، فما قصة الهيكل المزعوم؟ ومن هو سليمان؟ وما هي النعم التي أعطاها الله له؟ ثم مقارنة بين تكريمه في القرآن وبين سبه ولعنه في التوراة التلمود، التي حرفت بفعل فاعل، وقال ربنا فيها: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79]. يزعم اليهود أن الأقصى الآن قد بني على أنقاض الهيكل، وأنه لا بد من إزالة الأقصى لإقامة الهيكل، ورغم أنهم يريدون إقامة الهيكل لنبي الله سليمان، إلا أنهم يطعنون في ذات سليمان، فهيا بنا جميعاً نستعرض تاريخهم الأسود؛ لنبين فيه عقيدتهم في الله، وعقيدتهم في رسل الله، وحالهم مع سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، لعلنا إخوتي الكرام! نستبين سبيل المجرمين، ونعرف العدو من الصديق.

عقيدة اليهود في رسل الله وأنبيائه

عقيدة اليهود في رسل الله وأنبيائه اليهود في توراتهم طعنوا في كل رسل الله وأنبياء الله، فلوط زنى ببنتيه زنى بمحارم، ونوح شرب الخمر حتى أخذت برأسه، وإبراهيم قدم زوجته للملك الظالم ليفعل بها الفاحشة ويتاجر في عرضه، وهارون عبد العجل من دون الله عز وجل، وعيسى تآمروا على قتله، وقتلوا يحيى وزكريا، أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأنتم تعلمون ما صنعوا معه بعد خيبر، فقد قربوا له شاة مسمومة، وجاء الوحي ليخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام بتآمرهم، فإن كانوا قد تآمروا منذ زمن على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم يتآمرون اليوم على شرعه، ويتآمرون اليوم على سنته: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، قالوا عن سليمان: إنه ساحر، وقالوا عن سليمان: إنه كان يعشق النساء وانشغل بعشقهن عن طاعته لربه.

عقيدة اليهود في الله سبحانه والملائكة والجنة والنار

عقيدة اليهود في الله سبحانه والملائكة والجنة والنار أحبتي الكرام! هذا شأن اليهود مع أنبياء الله ومع رسل الله. أما إلحادهم في عقيدتهم في الله فنقرأ في كتاب ربنا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64]، {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، ألحدوا في الجنة والنار، فقالوا: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]، وألحدوا في حق الملائكة حينما بينوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل هو عدوهم، فأنزل الله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:97]، ومن إلحادهم في النار قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80].

ذكر بعض النعم التي أنعم الله بها على سليمان

ذكر بعض النعم التي أنعم الله بها على سليمان أحبتي الكرام! لقد أنعم الله على سليمان بنعم عديدة.

نعمة الفهم في العلم

نعمة الفهم في العلم الأولى: أن الله عز وجل آتاه نعمة الفهم في العلم، وأعتقد أن سوء الفهم هو الذي مزق الأمة إلى فرق وجماعات، فالخوارج كفروا مرتكب المعصية بكبيرته من سوء فهمهم، والمرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة، فنزعوا العمل من مسمى الإيمان؛ لسوء فهمهم، والمعتزلة قالوا عن مرتكب الكبيرة: إنه في منزلة بين المنزلتين في الدنيا وفي الآخرة ومخلد في النار؛ لسوء فهمهم، والجبرية قالوا: إن العبد لا اختيار له، إنما هو كالريشة في مهب الهواء لا اختيار له وهو مسير، فلماذا يحاسبه الله؟ لسوء فهمهم، والروافض الشيعة الأشرار وقعوا في أصحاب سيد البشر عليه الصلاة والسلام؛ لسوء فهمهم، ولذا فأقول: سوء الفهم مشكلة الأمة؛ ولذلك الإمام البخاري يضع في كتاب العلم باباً يحمل هذا العنوان: باب الفهم في العلم، وليس حفظ النص هو المشكلة، المشكلة أن تفهم ما في النص، والأفهام تختلف؛ ولذلك انظر أخي الكريم! إلى تلك النعمة، يقول ربنا في حقها: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء:78 - 79]، ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان إذا سئل عن تفسير آية يقرأ لها مائة تفسير، ثم يذهب إلى أحد المساجد ويسجد بين يدي ربه ويقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني! ويا مفهم سليمان فهمني! فالفهم رزق وعطاء وحكمة: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]. القصة كما جاءت في كتب التفاسير: أن رجلاً ترك غنمه فنزلت في زرع رجل بالليل فأفسدت عليه زرعه فتحاكما إلى داود عليه السلام، فقدر داود ما أتلفت بقيمة الغنم، وحكم بالغنم لصاحب الزرع تعويضاً له عما أتلفت، لكن عندما خرجا من عنده لقيهما سليمان فقال لهما: بم قضى بينكما أبي؟ قالا: بكذا، فعاد بهما وقال لأبيه: إني أرى فيها رأياً، قال: ما تقول يا بني؟! قال: أرى أن ندفع الزرع لصاحب الغنم، وأن ندفع الغنم لصاحب الزرع، أما صاحب الزرع فيأخذ الغنم ينتفع بأصوافها وألبانها وسمونها، وأما صاحب الغنم فيأخذ الزرع ويقوم بزراعته ورعايته حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحبها ويعود الزرع إلى صاحبه، فقال ربنا سبحانه: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79]. وابن عباس على حداثة سنه يجلسه عمر مع كبار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ممن شهد بدراً، فيقرأ على مسامعهم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] ثم يسألهم عما فهموا من السورة، فإذا بـ ابن عباس يفهم غير ما فهم الجميع، يقول: يا عمر! أرى أن هذه السورة نعي من الله عز وجل للحبيب محمد، أي: إشارة إلى اقتراب أجله ودنو عمره ومفارقته للحياة، من أين فهم؟ من قول الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر:98]، والاستغفار عادة يكون في ختام الشيء، فختام المجالس الاستغفار، وختام الصلاة الاستغفار، فإن الله عز وجل قد أمر نبيه بالاستغفار، إذاً: حياة النبي أوشكت على النهاية، وهكذا فهم ابن عباس من النص ما لم يفهمه الكبار. روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنها قال: (خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم) -والإمام البخاري يأتي بهذا الحديث كعادته في أكثر من موضع، ففي موضع في كتاب العلم يقول: باب الفهم في العلم، ثم يعود فيقول: باب الإمام يطرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من علم- فقال: (إن من الشجر لشجرة لا يسقط ورقها، مثلها مثل المؤمن، حدثوني ما هي؟ يقول ابن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي)، والحديث في كتاب البيوع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهو يأكل جماراً)، والجمار: قلب النخلة. يقول ابن حجر: وفيه جواز بيعه؛ لأن ما جاز أكله يجوز بيعه، ومن ثم أخرجه البخاري في كتاب البيوع، وهذا هو فقه البخاري في تبويبه وتراجمه كما قال العلماء، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم الإجابة. قال: (فوقع الصحابة في شجر البوادي فحدثتني نفسي أنها النخلة، ولكن منعني الحياء أن أتحدث في حضور أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام)، أدب يا عباد الله! صغير يوقر الكبير، رغم أنه يعلم، قال: كيف أتحدث في وجود أبي بكر وعمر وأبي هريرة وكبار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وقد دار في نفسي أنها النخلة ومنعني الحياء. والبخاري لف

تعليم سليمان عليه السلام منطق الحيوان

تعليم سليمان عليه السلام منطق الحيوان من النعم التي أعطاها الله لسليمان بعد نعمة الفهم في العلم: أن الله علمه منطق الطير، وفي قصة النملة معه دروس وعبر فضلاً عن حوار الهدهد، فيا ليتنا نستنبط الدروس من الآيات. يقول ربنا سبحانه عن قصته مع النملة: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18]. فإن سليمان لو شعر بالنملة وبأمة النمل ما داسها؛ لذلك قالت النملة: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18]، فكم من دولة عتيدة عظيمة جبارة تريد أن تبتلع دولة صغيرة، وكم من صاحب قصر داس على صاحب كوخ، وكم من رجل آتاه الله قوة فاستغل قوته في البطش والتعدي على من لا ينبغي له أن يتعدى عليهم، إن النملة لها حق الحياة، فلا ينبغي أن يصادر حقها في الحياة أبداً، {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل:18]، قال ابن القيم رحمه الله: هناك دروس مستفادة من كلام النملة مع بني جنسها. أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أننا كنا بدلاً من النملة لتنحينا جانباً وتركنا الباقي ليقتل، لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، لكن النملة أحبت لبني جنسها ما أحبت لنفسها، وهذا هو المعنى الغائب في معنى الأخوة، الأخوة ليست شعارات، الأخوة عمل وترجمة، انظر إلى حال السلف الصالح: رجل فقير يهدى إليه ذراع شاة، فيأخذ الذراع ويقول: أخي فلان أشد حاجة مني، فيطرق الباب ويعطيه، فيقول الآخر: أخي فلان أشد حاجة مني، فيعطيها إلى الثالث، والثالث إلى الرابع، والرابع إلى الخامس، وتنتقل ذراع الشاة بينهم حتى تصل إلى صاحبها الأول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. يقعون في أرض معركة فيحتضرون عطشاً، وكل يحتاج إلى قطرة ماء قبل موته ليشرب وهو معذور، الروح تخرج والعطش شديد، وإن شرب لا حرج عليه، يأتي الساقي إلى الأول فيقول له: خذ الماء واشرب فأنت الآن مفارق للحياة. فيقول: اذهب بالماء إلى أخي الذي بجواري فإنه أشد حاجة للماء مني، فيذهب إلى الثاني فيقول: اذهب إلى الثالث فالرابع! وهكذا مشهد يا ليتنا نعيش ذلك المشهد، حتى يصل إلى الأخير فيأمره أن يعود إلى الأول، فيأتي إلى الأول فيجده قد فارق الحياة، والثاني فارق الحياة، والثالث فارق الحياة، وهكذا ماتوا جميعاً دون أن يشربوا، لكنهم شربوا عند الله: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21]، فأين هذا المعنى يا عباد الله؟! النملة حريصة: ((يَا)) نداء، ((أَيُّهَا)) تنبيه، ((النَّمْلُ)) جمع، ((ادْخُلُوا)) أمر، ((مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ)) نهي، ((سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ)) خصصت وعممت، ثم أحسنت الظن بقولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18]. سليمان تبسم ضاحكاً من قولها، والأنبياء كان ضحكهم تبسماً، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً)، أي: ما رأيته يفتح فاه هكذا، ولم يكن يضحك بصوت مرتفع ولا بقهقهة، إنما كان ضحكه تبسماً عليه الصلاة والسلام. قالت: (ما رأيت النبي مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته)، واللهوات: في مؤخرة الفم، ونحن الآن نتنافس ونقول: المسرحية بها ثلاثة آلاف ضحكة. وكثرة الضحك تميت القلب، فيا ويل الذين يضحكون الناس بكذب، قال في حقهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل له، ويل له، ويل له، قالوا: من يا رسول الله؟! قال: الذي يكذب الكذبة ليضحك الناس). أحبتي الكرام! كذلك في قصته مع الهدهد دروس وعبر، قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل:20]، وكلمة ((تَفَقَّدَ)) تشير إلى معنى: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، فيا من تملأ البطن، وتنام في بروج مشيدة، وتترك الفقراء لا يملكون طعاماً، سيسألك ربك عز وجل يوم القيامة، اسمعوا إلى قول عمر وهو في المدينة: لو تعثرت بغلة في العراق لسئلت عنها: لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟! إن البغلة في أمة الإسلام لها حق، فلا بد لكل ولي أمر أن يتفقد رعيته، فكم من مظلوم لا يجد من ينصره، وكم من جائع لا يجد من يطعمه، وكم من فقير لا يجد من يؤويه، وكم من يتيم لا يجد من يكفله. حدث ولا حرج يا عبد الله! كلهم أمانة في رقبة ولي الأمر يوم القيامة، وأنت في بيتك راع ومسئول عن رعيتك، فيا من تصلي في الصف الأول، ويا من تقرأ القرآن ثم تترك لبنتك حرية اختيار زيها، فتلبس البنطال وتخرج بعورتها المغلظة. اعلم أنك ستحاسب بين يدي الله يوم لقيامة. أحبتي الكرام! قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِين

عرض سريع لوقائع في غزوة الأحزاب ومقارنتها بالعذاب النازل على الأمم السابقة

عرض سريع لوقائع في غزوة الأحزاب ومقارنتها بالعذاب النازل على الأمم السابقة أختم الحديث بعرض سريع لوقائع في غزوة الأحزاب لوجه الشبه بينها وبين واقعنا اليوم. تآمر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل قوى الشرك اجتمعت من كل فج عميق، فاليهود خرجوا إلى مكة وإلى المنافقين والمشركين، وجمعوا كل قوى الشرك؛ حتى يقضوا على الإسلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأني بهم اليوم يجتمعون أيضاً، لكن انظر يا عبد الله! جمعوا عشرة آلاف، والمدينة بأطفالها ونسائها ثلاثة آلاف، أي: لا قبل للمدينة بتلك القوى، فماذا كانت النتيجة؟ استشار النبي أصحابه، ونزل على رأي سلمان الفارسي، فحفر خندقاً ليحول بين المشركين وبين دخولهم المدينة، وبينما هم يحفرون الخندق يقول أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم: كنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ربط على بطنه حجراً من شدة الجوع، والتراب يعلو لحيته ورأسه صلى الله عليه وسلم، وإذا به ينظر إلى أصحابه فيجد الجوع في وجوههم، والتعب يبدو على ملامحهم، فيقول: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة). فيجيبونه: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما حيينا أبداً فيا لها من روح معنوية مرتفعة! ويتضرع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه داعياً: (اللهم منزل الكتاب هازم الأحزاب)، وظل يدعو عليهم دعاء تبتل كما دعا في بدر، فأرسل الله على قوى الشرك ريحاً، ولله جنود: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. انظر يا عبد الله! {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:5 - 7]، إن كنا لا نملك قوة فمعنا الحارس الذي لا يغلب، والقوة التي لا تهزم، والفئة التي لا تغلب، إن كان معنا الله فمن يملك لنا هزيمة! وكما قال ربنا سبحانه عن يوم بدر: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال:26]، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123]، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:25]، فالكثرة يا عباد الله! لا تحقق نصر، والقلة كذلك لا تحقق نصر، إن الذي يملك مفاتيح النصر والهزيمة هو رب العالمين سبحانه وتعالى. نوح عليه السلام لم يؤمن معه من قومه إلا قليل، قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:10 - 12]، ودمر الله قوى الشرك على الأرض بالمطر، وبالماء، وبالريح، وبملائكة مع الحبيب محمد {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9].

منزلة سليمان عليه السلام عند اليهود

منزلة سليمان عليه السلام عند اليهود سليمان عليه السلام هو الذي أعاد بناء المسجد الأقصى في سبع سنوات، وبعد أن أتم البناء بنى ما يسمى بالهيكل، والهيكل هو ما يسمونه ببيت الرب، أو بيت الملك، وبناه في ثلاث عشرة سنة، وكان الهيكل بخلاف موضع المسجد، أي: أن الهيكل في موضع، والمسجد في موضع آخر، واليهود يزعمون الآن أن الأقصى مبني على مكان الهيكل، فلابد من إزالة الأقصى؛ ليقام بدلاً منه الهيكل، وهذا زعم باطل مفضوح، فهم أساتذة في التحريف والتبديل، يقول ربنا سبحانه: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]. فهم يحرفون مع سبق الإصرار والتعمد، أي: يحرفون بعد أن يعقلوا؛ ولذلك المؤولة الذين يؤولون الصفات فيهم شبه من اليهود، فهم يقولون: استوى بمعنى: استولى، أو اليد بمعنى: القدرة. فهؤلاء أسوتهم اليهود، فقد قال الله لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة:58] ماذا صنعوا؟ قالوا: قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:59]، فلعنة الله على الكافرين والظالمين. أحبتي الكرام! رغم أنهم يريدون أن يقيموا الهيكل إلا أنهم يطعنون في صاحب الهيكل، والحقيقة أن قصة سليمان وربطها بالواقع مهم؛ وذلك لأن الهدهد داعية للتوحيد، فقد أنكر على القوم أن يعبدوا غير الله، والهدهد في رعية سليمان يعلم أن الذي يستحق العبادة هو الله وحده لا شريك له، فيا ليتنا نجد هدهداً نرسله إلى بعض فرق التصوف ليعلمهم التوحيد، إن فرقة التصوف الآن يقبلون الأعتاب ويطوفون في الأضرحة، ويدعونها من دون رب العالمين، والعجيب في الأمر أنك تجد يوم عرفة مليوناً ونصف مليون حاج، وفي ليلة البدوي الكبير ثلاثة مليون، يعني: من يذهب إلى طنطا أكثر ممن يرحل إلى عرفة، وإنا لله وإن إليه راجعون. أين التوحيد في الأمة يا عباد الله؟! انظروا إلى الهدهد ماذا يقول لسليمان: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل:24]، يعلل الحكم بقوله: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النمل:24]، والشيطان يزين لكل فرقة أنها على حق، فالخوارج عندما خرجوا على الإمام علي ظنوا أنهم على حق، والروافض الشيعة يظنون أنهم على حق، قال الشاعر: وكل يدعي وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك فكل واحد يقول: أنا أنا، لا. إن المنهج واضح بين، المنهج لا غبار عليه، تركها عليه الصلاة والسلام ناصعة البياض ليلها كنهارها، وإنما تشتت الأمة إلى فرق لسوء الفهم، أي: فهم النصوص الشرعية، ففي سورة البقرة يقول ربنا تبارك وتعالى: {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:81]، فقد فهم الخوارج من هذه الآية أن العاصي مخلد في النار، فسوء فهم هذه الآية بمعزل عن فهم بقية الآيات والأحاديث. أين قوله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة، وعمل من الخير ما يزن برة، وعمل من الخير ما يزن شعيرة)، فكل يجتهد في فهمه ويفهم على حسب هواه؛ ليؤيد عقيدته الفاسدة.

قصة سليمان عليه السلام مع الجياد

قصة سليمان عليه السلام مع الجياد إخوتي الكرام! في هذه الآيات أيضاً بعض الدروس والعبر، لكني أنتقل سريعاً إلى قصة أدخلها من أدخلها بعمد في كتب التفسير، يقول ربنا تبارك وتعالى في شأن سليمان عليه السلام: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص:31 - 33]. من ملك سليمان عليه السلام: أن الله سخر له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، وسخر له الجن يعملون بأمره، كما ذكر البخاري في كتاب الصلاة: باب ربط الأسير في المسجد، فالبعض قد يسأل: هل يجوز للمشرك أن يدخل المسجد؟ A نعم، إلا المسجد الحرام؛ لأن فيه نصاً: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} [التوبة:28]، أما ما سوى ذلك فالنبي قد أسر رجلاً من بني حنيفة يسمى ثمامة وكان مشركاً فربطه في سارية المسجد النبوي. وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عرض له الشيطان فأمسك به. يقول: (فوجدت برد لعابه على يدي -صلى الله عليه وسلم- وكدت أن أربطه بسارية المسجد، ليلعب به غلمان المدينة، لولا أني تذكرت دعوة أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]). سليمان عليه السلام خرج يتفقد الخيول، وانشغل بتفقدها ونسي صلاة العصر، وحدث هذا للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب لما انشغلوا بحفر الخندق حتى غابت الشمس، فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، أشعل الله في بيوتهم ناراً)، والحديث عند البخاري. فلما انشغل بالخيل عن صلاة العصر حتى توارت الشمس بالحجاب -أي: غابت- قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ} [ص:33] فأعادوا الخيول إليه {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص:33]، الإسرائيليات تقول: أخذ سيفاً وقتلها، وهذا كلام باطل؛ لأنه إفساد لمال لا ينبغي أن يكون، إنما الراجح من أقوال العلماء: أنه أخذ يمسح على رءوسها، فلابد من تنقية التفاسير من هذه الأشياء الدخيلة، كقوله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص:34] اقرأ في بعض الكتب، يقولون: إن سليمان ضاع منه خاتم الملك في البحر، واستولت الشياطين على الملك، وجامعت نساءه وهن حيض، فهذا كلام باطل لا ينبغي أن يكون في حق نبي. والقصة الحقيقية عند البخاري: قال سليمان: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة) وفي رواية: (مائة)، وأحمد عبد الوهاب حفظه الله رئيس إدارة هذه الجمعية له كتاب رائع أنصح بقراءته، اسمه تعدد نساء الأنبياء، وعقد مقارنة في عدد نساء كل نبي، وبين بالدليل أن أقل الأنبياء زواجاً هو النبي صلى الله عليه وسلم لعلهم يفقهون، يقول سليمان: لأطوفن على مائة امرأة كلهن يأتين بمجاهد يجاهد في سبيل الله، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فطاف عليهن، والأنبياء رزقهم الله قوة، فلا ينبغي لأحد أن يقول كما يقول العلماني في أحد أعمدته: كيف سيعطي الله لنا سبعين من الحور العين في الجنة، ونحن لا نستطيع على واحدة أو أربع في الدنيا؟ الجواب: أهل الجنة لهم هيئة تختلف؛ فهم لا يتبولون ولا يتبرزون ولا يصيبهم فيها حزن، والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف يقول: (دنت مني الجنة)، أي: اقتربت الجنة من رسول الله، (حتى كدت أن آخذ عنقوداً من عناقيد عنبها، ولو أخذته لأصبح طعاماً لأهل الأرض جميعاً)، عنقود واحد لماذا؟ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، ليس له إلا الاسم. أقول: أحبتي الكرام! الصحيح في القصة أن سليمان لما نسي أن يقول: إن شاء الله لم تنجب إلا امرأة واحدة، وأنجبت نصف رجل، أي: عنده شلل نصفي، وألقي على كرسيه هذا الجسد، يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص:34]، أي: هذا النصف، {ثُمَّ أَنَابَ} [ص:34] أي: عاد واستغفر الله عز وجل ورجع إليه. أحبتي الكرام! الحقيقة أن قصة سليمان فيها من الدروس والعبر الكثير والكثير، وأكتفي بهذا القدر حتى لا نشق على إخواننا. أسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله.

الدروس المستفادة من خطب حجة الوداع

الدروس المستفادة من خطب حجة الوداع لخطبة الوداع أهمية عظيمة في الإسلام، فقد أرسى فيها النبي صلى الله عليه وسلم قواعد ومبادئ عامة، من أهمهما: قطع الصلة بكل ما هو جاهلي، وجعل للدماء مكانة عظيمة في الإسلام، وحذر من الذنوب والمعاصي، وأوصى بالنساء خيراً، ونبه على أهمية الأخوة في الله، وحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

قطع الصلة بالجاهلية

قطع الصلة بالجاهلية الحمد لله رب العالمين القائل: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، والقائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:120]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فحديثنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع الدروس والفوائد المستفادة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأقول: خطب لا خطبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في أكثر من موضع في حجة الوداع، فقد خطب في يوم عرفة كما بينا في اللقاء السابق، وخطب أصحابه في أيام منى بعد رمي جمرة العقبة، وخطب أيضاً في يوم النحر، ثم خطب وهو راجع إلى المدينة. وهذه الخطب قد استخلصت منها الفوائد والدروس ونجملها في الآتي: الفائدة الأولى: قطع الصلة بالجاهلية. فما هي الجاهلية؟ وما معنى كلمة الجاهلية؟ إن هذا موضوع مهم جداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في خطبة عرفة: (ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وقد يجمع المسلم بين إسلام وجاهلية، ففي الحديث: (أن أبا ذر عير بلالاً بلون أمه، فقال له: يا ابن السوداء)، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، فعلى كبر سنه رضي الله عنه لا يزال فيه أثر من آثار الجاهلية، فالجاهلية سلوك وخلق وحكم وتصور.

من صور الجاهلية: التبرج والاختلاط

من صور الجاهلية: التبرج والاختلاط قد يكون المجتمع مسلماً، لكنه يعاني من آثار الجاهلية، فهيا بنا نطوف مع الجاهلية في بعض صورها: قد صور القرآن الكريم تبرج النساء في المجتمع الأول بأنه تبرج جاهلي، فقال سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فما هو تبرج الجاهلية؟ عد إلى كتب التفاسير واقرأ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تلبس ثوباً فضفاضاً صفيقاً، لا يصف العورة، وإنما كانت تُظْهِر جزءاً من صدرها ورقبتها فقط، فسمى القرآن هذا التبرج بـ (تبرج الجاهلية)، لكن نحن سنظلم الجاهلية الأولى إن قارنا بين تبرجنا اليوم وبين تبرجها، إن كان تبرج الجاهلية الأولى هو إظهار الصدر والرقبة فقط، إذاً فماذا تقولون في إظهار العورة المغلظة؟! جاهلية مركبة؟! جاهلية وإن ادعت الحضارة، وإن ادعت التقدم والمدنية، ولذلك نجد مجتمعاً مسلماً، لكن فيه أثر من آثار الجاهلية بل أشد، والقرآن الكريم حينما أمر النساء بترك هذا التبرج إنما ذلك لحفظ عفافها وشرفها. واسمعوا إلى ما كتبه صحفي بارع: بينما كنت أسير على الطريق الدائري، رأيت نساء وبناتاً في عمر الزهور في مراحل التعليم المختلفة، وهن يرتدين لباساً أسود، ويغطين وجوههن، فماذا حدث لنساء مصر؟ وما هذه الردة والتخلف؟ وأي سبب دعانا لهذا؟ إنها ظاهرة خطيرة تستحق أن نقف عندها! ثم يقول: وأنا ضد الذين يقولون: إن سبب هذا الزي مسألة اقتصادية، أي: فقر الأب، وإنما لا بد أن خلفه جماعة من الدعاة الذين أتيحت لهم الفرصة ليلوثوا عقول الشباب والنساء! فماذا حدث لنساء مصر؟ تتغطى وتتحجب وتختمر وتغطي محاسنها؟ لا، لا بد أن تكون سافرة، واضحة المعالم من كل طريق يدخل إليها!! فيا هذا! أما تستحي من نفسك!؟ ويحلل ويكتب ويقول للمفكرين وأرباب الفكر المستنير: فهيا بنا ندرس هذه الظاهرة المزعجة المقلقة! ما هي هذه الظاهرة؟ إنه الحجاب الشرعي، فبصفاته الشرعية أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، فأين المرأة التي كانت تقف بين الرجال وتخرج بلا ضوابط ولا قيود شرعية، فهذه هي المرأة التي نطالب بها! أليس هذا ينادي بأثر من آثار الجاهلية؟

من صور الجاهلية: الربا

من صور الجاهلية: الربا ثم يقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً في خطبة عرفة: (ألا إن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي). وانظروا إلى تعاملات المسلمين في مجتمعاتهم، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا نسيئة، وربا الفضل، ثم ما هو ربا النسيئة؟ باختصار شديد لنسقطه على واقعنا المعاصر لنرى هل نحن نعيش في ربا الجاهلية أم في معاملة اقتصاديه سليمة في أكثر التعاملات؟ إن ربا النسيئة كان هو الظاهر والمسيطر على الحياة في الجاهلية، كأن يقترض رجل ألف جنيه وموعد السداد أول محرم، فجاء أول محرم ولم يسدد، فإذا تأخر يوماً زاد المال عن أصله، ويسمى ذلك بالفائدة، أليس هذه هو الربا بعينه الذي يسيطر على حياتنا الآن، إن تعثرت في سداد بنك من البنوك زاد عليك فوائد مركبة، بل قد رأيت رجلاً مديناً لأحد البنوك بخمسين ألف دين عقاري وعجز عن السداد سنوات، فإذا بالفائدة تزيد عن المائة ألف، وأصل الدين كان خمسين ألفاً والفوائد مائة! فعجز عن سداد أصل الدين فقيدوه بالفوائد ورب العالمين يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]. وقانون الضرائب التجاري يقول: إن كان الممول مديناً بألف جنيه، فكل شهر يتحمل فائدة 1%، يعني: أن مجموع الفوائد السنوية ستكون 12%، وأيضاً فربا النسيئة له معنى آخر، ألا وهو: أن تقرض أحداً بشرط أن يرد لك أصل المال مع زيادة معينة، كأن تقرضه ألفاً ويرد لك ألفين، فهذا ربا واضح وبين، وكذلك بيع العينة أحد أشكال ربا الجاهلية، والعينة كأن يحتاج المرء إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه، فيقولون له فتوى: اذهب وخذ سلعة، أي: اشتريها من بائع ثم بعها له بسعر أقل نقداً، فتكتب ورقة مثلاً بألف وخمسمائة، ثم يبيعها لنفس التاجر بألف فوري، فهذه صورة من صور ربا الجاهلية التي تسيطر على تعاملاتنا اليوم، فضلاً عن ربا الفضل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضل ربا)، وتعاملات الذهب حدث ولا حرج، فالغالب فيها الربا، ولذا فلا يجوز أن تبيع ذهباً بذهب إلا أن يكون متماثلاً، فتبيع القديم أولاً وتقبض الثمن منه أو من غيره، هذا هو التعامل في الإسلام، (والفضة بالفضة مثلاً بمثل والفضل ربا، والتمر بالتمر مثلاً بمثل والفضل ربا)، ففي الحديث: (لما جاء بلال بتمر جيد إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: من أين جئت بهذا التمر؟ قال: من خيبر يا رسول الله)، تمر جيد (قال: أوكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، وإنما نستبدل هذا التمر بتمر رديء)، فمثلاً: صاع من تمر جيد بستة من تمر رديء، (فقال عليه الصلاة والسلام: هو عين الربا يا بلال)، أي: هذا عين الربا، فلا فرق بين رديء وجيد طالما أن الأصناف قد اتفقت، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (والبر بالبر مثلاً بمثل والفضل ربا)، إلى أن قال: (فإن اختلفت الأجناس فبيعوا كيف ما شئتم)، إذاً لا تزال آثار الجاهلية تتعلق بنا، وربما قد يكون المرء ملتزماً وسمته الظاهري إسلامي، لكنه لا يزال به أثر من آثار الجاهلية، وهذه قضية كبيرة أننا نهتم بالظاهر ولا نخلع عباءة الجاهلية، فلا يزال منا من يفتخر بالأحساب والأنساب، ولا يزال منا من يتصف بسوء الخلق، ولذا لا بد أن يتخلص المسلم من آثار هذه الجاهلية الممقوتة.

مكانة الدماء في الإسلام

مكانة الدماء في الإسلام ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فالقتل عصبية، والقتل بغير وجه حق كل ذلك من الجاهلية، وقد يعجب المرء عندما يستمع إلى فتوى مجمع البحوث قسم الفلسفة والعقيدة في خطوة جريئة أفتت بها: بأن المرتد عن الإسلام لا يقتل، بل يظل مستتاباً حتى نهاية عمره، فخرجت الفتوى متفقة مع روح الإسلام التي تستند إلى القرآن كمصدر من مصادر التشريع، وهذا حسب زعمهم، أما السنة فلا يعترفون بها كمصدر من مصادر التشريع، ثم يعلق كاتب المقال قائلاً: ومن هنا فإن حد الردة المزعوم من مخلفات التراث السياسي الإرهابي في الإسلام، وهو نتاج الصراعات السياسية، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد! وما علم هذا المغفل أن في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قتل في زمنه من ارتد، وأيضاً في حديث أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لما كانا على أرض اليمن في خلافة واحدة، فجاء معاذ يزور أبا موسى في الله فوجد عنده رجلاً مربوطاً فقال: من هذا؟ فقال: رجل ارتد عن دينه، فقال معاذ: لن أجلس حتى يقتل، حكم الله ورسوله، وما جلس رضي الله عنه حتى قتل، فهذه أحاديث واضحة كوضوح الشمس، لكنهم أخفوها وضيعوها وجعلوها وراء ظهورهم، ومن ذلك أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والنفس بالنفس)، فقوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، أي: المرتد، وحديث آخر: أن رجلاً كان يعمل أجيراً عند رجل آخر، فوقع على زوجته، أي: زنا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (اغد يا أنيس!)، أي: اذهب، (فإن أقرت المرأة فارجمها، وإن أقر الشاب فاجلده)، فللزاني غير المحصن الجلد، وللزاني المتزوج الرجم حتى الموت، وهذه نقطة مهمة جداً، وقد رأينا من يكتب ويقول: إن الرجم لا علاقة له بدين الله تعالى، فيهدرون النصوص التي جاءت بها السنة النبوية. وأقول: إن حد الردة ثابت عند جمهور الفقهاء، كـ ابن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور السلف وعلماء الأمة والصحابة والتابعين وتابع التابعين، خلافاً لمن أصيب بعفن في فكره والقائل: إن الردة ليست من الإسلام حتى توافق روح الإسلام! وقبل ذلك: الرجم ليس من الإسلام! ولعل بعد مدة يأتي من يقول: إن الصلاة ليست من الإسلام، وإنما المقصود بالصلاة الدعاء! وهذا كله من دعاوى وآثار الجاهلية، أما قتل المرتد فهو قتل بحق، والمرتد يستتاب ثلاثاً، وقد استنبط الإمام علي من قول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء:137] أن المرتد يستتاب ثلاثاً، وهذا فعل الصحابة وإجماع جمهور العلماء.

التحذير من الذنوب والمعاصي

التحذير من الذنوب والمعاصي الفائدة الثانية: التحذير من الذنوب والمعاصي، ففي إحدى خطبه عليه الصلاة والسلام حذر من الذنوب والمعاصي، لأن الذنوب والمعاصي هي سبب كل وباء نعيش فيه على المستوى الخاص أو المستوى العام، فعدم بركة الوقت سببه المعاصي، وعدم بركة الرزق وتسلط اليهود علينا، وضيق الصدور، وتقطيع الأرحام، ونشوز الزوجات، وكل ما نحن فيه من هم وغم ونكد سببه المعاصي، وقد سخروا منا يوم أن وقع الزلزال وخرجت بعض الأقلام الإسلامية تكتب وتقول: إن سبب ذلك هو المعاصي، واستهزءوا وسخروا، وقالوا: إنما هي كوارث طبيعية وظروف مناخية، ونسي القوم قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (لا ينزل بلاء إلا بمعصية)، وتقول أيضاً أمنا عائشة: إذا شربت الخمور وعزفت المعازف وفشا الزنا -المعصية عمت- غار الله في سمائه، فأمر الأرض أن تتزلزل بهم. إذاً فالزلزلة استعتاب من الله للخلق، وإنذار لهم من بطشه عز وجل. فهذا رجل من السلف كان يسير في الطريق فقابله رجلاً سيء الخلق فسبه ولعنه وتطاول عليه، فقال له: انتظر، ثم دخل إلى مسجد بجواره فتوضأ وصلى ركعتين ثم خرج يقول له: ما سلطك الله علي إلا بذنب ارتكبته، نعم فالله تبارك وتعالى لا يسلط هذا السفيه على الصالح إلا بسبب ذنب، فعاد الرجل يصلي ويستغفر، وكان السلف يقولون: كنا نعرف المعصية في خلق الزوجة والدابة، بمعنى: أن الزوجة لا تطيع، فإن وجدت ذلك فراجع نفسك إن كنت تقياً، ولا ترتكب المعاصي والذنوب، وكذلك الدابة، وتأمل يا مسلم ماذا فعلت المعاصي بالأقوام السابقة، ما الذي أغرق فرعون؛ إنها المعصية، ما الذي خسف بـ قارون الأرض؛ إنها المعصية، ما الذي أرسل على ثمود الريح؛ إنها المعصية {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:5 - 7]، والخلاصة: أن سبب البلاء الذي نعيش فيه المعاصي التي نقترفها ونجاهر بها ليل نهار.

الأخوة في الله

الأخوة في الله الفائدة الثالثة: الإخوة في الله التي ندرت في زمننا هذا، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومعيار الإخوة في الله هو: (أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك)، فهل منا من يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أم منا من يخطط لدمار أخيه؟ أهدى رجل من السلف ذراع شاة لأخيه، فأخذ الرجل الذراع وقال: من هو أحوج مني إليه؟ لي أخ يحتاج إليه فأعطاه له، والثالث أخذ الذراع وقال: من أحوج إليه مني؟ لي أخ فأعطاه له، وظل الذراع يدور بينهم حتى عاد إلى الأول، إنه الإيثار الذي عدم هذه الأيام، وأنتم أيضاً تقرءون عن الذين احتضروا في معركة من المعارك، فجاء الساقي إلى الأول ليسقيه، فرفض وقال: اذهب إلى أخي الذي بجواري فإنه أشد حاجة مني إلى الماء، وهذا عند الاحتضار! والثاني يقول له: اذهب إلى من بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، وظل يدور بينهم حتى وصل إلى الأخير، ثم قال: عد به إلى الأول، فجاء إلى الأول فوجده قد فارق الحياة، وكذلك الثاني والثالث، فماتوا جميعاً دون أن يشربوا شيئاً، إنه الإيثار والأخوة الصادقة، فأين هي الآن؟ نسأل الله العفو والعافية.

الوصية بالنساء

الوصية بالنساء الفائدة الرابعة: الوصية بالمرأة، يقول عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، فهذه وصية بالنساء، وقد كانت المرأة في الجاهلية الأولى تورث كالعقار، بل وتقتل ولا حق لها في الحياة، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]، كانت المرأة في الجاهلية الأولى لا حقوق لها مطلقاً، فجاء الإسلام وكرمها، وأعطاها حقوقاً وواجبات، وألزم الرجل أن يتقي الله فيها، لكن الآن نلحظ قلباً للموازين، فخرجت المرأة عن وظيفتها وعن طبيعتها التي خلقها الله لأجلها، وأضعنا قول الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، ووصفوا بقاء المرأة في بيتها رجعية! وعدم خروجها تخلف، ولا بد عليها أن تخالط الرجال، وأن تكون سواء بسواء، وتتولى المناصب القيادية، فلها أن تكون قاضية، وأن تكون مديرة، وأخيراً أن تكون مأذونة تعقد العقد في المساجد، وبعد ذلك تؤم الناس في صلاة الجمعة والجماعات، لا بد للمرأة أن تأخذ كامل الحقوق، حتى قالت إحداهن: لقد ظلم الإسلام المرأة بأن جعل لها نصف نصيب الرجل، وكان هذا في أول التشريع، أما الآن فلا بد أن نعيد النظر في ذلك النص القرآني: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فهذا النص ما عاد ينفع في زمننا هذا، لا بد أن تستوي فيه المرأة مع الرجل، وبإذن الله سنسمع قريباً فتوى جريئة لمجمع البحوث أيضاً تقتضي مساواة المرأة بالرجل! من يخطط لهذا المنكر العظيم؟ إن النصوص واضحة وبينة تماماً، فالقرآن والسنة لا يفترقا حتى يردا على حوض رسول الله، إن هؤلاء واهمون إذا أرادوا أن يستقوا الأحكام من القرآن مع إهدار السنة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لأن النبي قال: (أوتيت القرآن ومثله معه)، والله قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].

تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم

تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم الفائدة الخامسة: العلاقة بين الحاكم والمحكوم، قال عليه الصلاة والسلام: (اسموا وأطيعوا) علاقة السمع والطاعة، متى يا رسول الله؟ (ما كانوا يحكمون فيكم بالكتاب والسنة)، فشرط الطاعة أن يكون الحاكم ملتزماً بكتاب الله وبسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حدد في خطبته أيضاً مصدر التلقي، ألا وهو من القرآن والسنة، فقال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي).

مهمة الأمة: البلاغ

مهمة الأمة: البلاغ الفائدة السادسة: أن يبلغ الحاضر الغائب، أو الشاهد الغائب، قال عليه الصلاة والسلام: (فرب مبلغ أوعى من سامع)، وهذه مهمة كل الحضور، فإن حضرت درساً فبلغ، لأن مهمة الأمة الأولى: البلاغ، (والدال على الخير كفاعله)، ويقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

حكم صيام يوم عرفة للحاج

حكم صيام يوم عرفة للحاج الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فهناك أيضاً بعض الدروس الفقهية المستفادة من خطب حجة الوداع، والعلامة الألباني في كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم قد استنبط ما يقرب من اثنين وسبعين درساً، فأنصح بقراءة هذا الكتاب للعلامة المجدد الألباني رحمه الله تعالى. أولاً: عدم صيام يوم عرفة للحاج، ففي البخاري: (أن ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: تحدث الناس في يوم عرفة، هل صامه النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فمنهم من قال: إنه صائم، ومنهم من قال: إنه غير صائم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فيه لبن، ثم شرب منه بين حجاج بيت الله جميعاً)، ليبين لهم أنه لا يجوز للحاج أن يصوم في يوم عرفة.

يبعث المرء على ما مات عليه

يبعث المرء على ما مات عليه ثانياً: ذلك الصحابي الذي وقع من على دابته فوكزته بقدمها فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تطيبوه ولا تغطوا رأسه، غسلوه وكفنوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، وفي الحديث (إن العبد يبعث على ما مات عليه)، يعني: من مات على طاعة بعث عليها، فإن مات ساجداً بعث ساجداً، وإن مات ملبياً بعث ملبياً، ولذلك العبد يحرص على أن يكون على طاعة؛ لأن ملك الموت لا يستأذن أحداً، لكن من المسلمين اليوم من يموت لأجل أن الكرة ضربت في العارضة وعادت ولم يحقق الهدف، فالفريق الذي يشجع مكروب، فيموت لأجل الهدف، فهذا سيبعث يوم القيمة على حاله إن مات عليها، نسأل الله العافية، لذلك النبي قال: (يبعث يوم القيامة ملبياً)، أي: يخرج من قبره قائلاً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فأي كرم هذا؟! ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل الله حسن الخاتمة، وحسن الخاتمة: أن يوفقك الله بأن تموت على طاعة. فهذا ابن مسعود بكى في موته، فقيل له: لم تبك يا ابن مسعود؟ قال: جاءني المرض في زمن الفتور، أي: فتور الطاعة، وكنت أحب أن يأتيني في زمن النشاط، أي: وأنا أتهجد وأقرأ وأصوم؛ حتى إذا جاء ملك الموت قُبضت على طاعة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: (لا تغطوا رأسه ولا تطيبوه، كفنوه وغسلوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً). وربما قد تجد العجب في زمن العجب: رجل ينسب إلى أهل العلم ويصدر فتوى مضمونها: لا مانع من أن تجلس لتشاهد مسرحية، أو يشاهد حفلة غنائية، أو يشاهد احتفالات، لا أقول: شرعية، بل جاهلية، ويجلس وينظر إلى الرقص والطبل والغناء، ولا يستحي من منظره وسمته الإسلامي، فيا عبد الله لو أن ملك الموت جاءك في تلك الساعة فإنك ستبعث يوم القيامة وأنت تشاهد ما يغضب الله عز وجل، أما تستحي من نفسك، أما تتقي الله، وفي أماكن تتنزل فيها اللعنات من رب البريات؛ وفي أماكن يشرك ويسب فيها الله عز وجل، فيدخل هؤلاء ويطبلون، ويدخل هؤلاء ويصافحون، نسأل الله العافية.

جواز الحج عن الغير

جواز الحج عن الغير ثالثاً: حديث الفضل بن العباس، وذلك لما أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، وهناك كتب مهمة فيمن أردفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، فأردف أسامة بن زيد في حجة الوداع، وأردف ابن عباس رضي الله عنه، وأردف معاذاً، وأردف الفضل بن العباس في حجة الوداع، (فجاءت امرأة خثعمية)، أي: في وجهها، أو من قبيلة خثعم، تقول: (يا رسول الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستوي على راحلة)، أي: إن أبي يستطيع الحج، لكنه لا يستطيع أن يسافر لأداء المناسك، (أفأحج عنه يا رسول الله؟ فقال لها النبي: نعم)، قال العلماء: وفي الحديث بيان جواز الحج عن الغير، شريطة: أن يكون مستطيعاً استطاعة مادية، لكنه عاجز عن أن يصل إلى المنسك لمرض يرجى برؤه. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار، يا ربي لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم لا تجعلنا جسوراً يعبر بها أو عليها إلى نار جهنم، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، نعوذ بك يا ربي من علماء السوء، نجعلك يا ربي في نحورهم، ونعوذ بك يا ربي من شرورهم، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، بيض وجوهنا عند سواد وجوه، ثبت أقدامنا على الصراط، اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم إنا نعوذ بك من القبر وظلمته، ونعوذ بك من الصراط وزلته، ونعوذ بك من يوم القيامة وكربته، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء ومن الذل بعد العز، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، علمنا منه ما جهلنا، ذكرنا منه ما نسينا، ارزقنا حب القرآن، ونور القرآن، وفهم القرآن، استر عورتنا بالقرآن، حبب إلينا القرآن، وحبب القرآن لنا، اغننا بحلالك عن حرامك، اكفنا بفضلك عمن سواك، اجعل ثأرنا على من ظلمنا، يا ربي لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، اللهم حبب إلينا القرآن وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا ربي من الراشدين. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أخذ الإنسان من المال الذي أعطي له لإنفاقه في وجوه الخير

حكم أخذ الإنسان من المال الذي أعطي له لإنفاقه في وجوه الخير Q ابنة خالة زوجتي ميسورة الحال، وهي دائماً تنفق بسخاء على المحتاجين والفقراء، وكثيراً ما تعطي زوجتي مبلغاً من المال وتكلفها بإنفاقه على من تراه يستحق، فهل يجوز لنا أن نأخذ من هذا المال إن كنا محتاجين، مع العلم بأنني أعمل في التجارة الحرة، وليس لدي راتب شهري، وأعاني من الديون والأقساط؟ A لا بأس أن تأخذ طالما هي أعطت المال لزوجتك وقالت لها: أنفقي هذا المال على المستحقين، فأنت أول المستحقين، فلك أن تأخذ وتقضي عنك الديون، وأنت من مصارف الزكاة، حتى وإن أخذ المبلغ كله إذا كان مديناً، لأن المسألة لا تجوز إلا لثلاثة: (لفقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع)، وهذا صاحب غرم، فهو من مصارف الزكاة.

ذكر أول من بنى الكعبة

ذكر أول من بنى الكعبة Q من أول من بنى الكعبة، هل هو إبراهيم عليه السلام، أم الملائكة؟ A خلاف بين العلماء، والراجح: أن إبراهيم أعاد القواعد، وأما هي فمبنية قبل إبراهيم، فمنهم من قال: إن الذي بنى الكعبة هو آدم، ومنهم من قال: الذي بناها الملائكة، والله تعالى أعلم.

معنى حديث: (إذا مرض العبد أو سافر)

معنى حديث: (إذا مرض العبد أو سافر) Q هل يسقط السفر الجماعة أو يؤخرها عن وقتها؟ وما رأيكم في حديث: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً). A المسافر إذا سمع النداء وحضرته الجماعة فعليه أن يصلي، وأما الحديث فله توجيه معين، ألا وهو: إذا كان مسافراً على متن طائرة وأذن للظهر كتب له أجر الجماعة؛ لأنه كان يواظب على الجماعة في حالة الإقامة، والسفر قد حال بينه وبين الجماعة، وليس معنى ذلك أن يكون مسافراً وقد نزل واستتب وأقام وسمع النداء فيقول: ليس علي جماعة، فليس هذا هو المقصود، والله تعالى أعلم.

بيان مدة القصر في السفر

بيان مدة القصر في السفر Q إنسان مسافر للحج في أشهر الحج، فهل يصلي قصراً في جميع الصلوات، وهل هناك مدة للقصر؟ A أرجح الأقوال وهو قول جمهور العلماء: القصر، وذلك ما لم ينو المسلم الإقامة أكثر من أربعة أيام، بمعنى: أنا سأنزل مكاناً وعندي نية أن أقيم أكثر من أربعة أيام فلا قصر، أما لو كنت لا أدري كم مدة الإقامة فأقصر مهما طالت المدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظل في فتح مكة يقصر الصلاة أكثر من تسعة عشر يوماً، لأنه لا يدري متى سيعود، لكن إن نزلت مكاناً لمدة معينة ومحدودة، كأن تكون ثلاثة عشر يوماً فلا قصر مطلقاً؛ لأنك نزلت وأنت تعلم مدة الإقامة ومتى سترحل، فإذا نزلت في اليوم السابع من فبراير وسترحل يوم التاسع فلك أن تقصر، لأنك ستقيم يومين فقط، والذي يسافر إلى الحج يعلم متى الرحيل ومتى العودة، فأقول له: قصر الصلاة إن زادت مدة السفر عن أربعة أيام، أما في منى فتقصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في منى قصراً، وصلى في عرفة جمعاً وقصراً، وصلى في المزدلفة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً.

حكم طواف القدوم

حكم طواف القدوم Q طواف القدوم، هل هو لتحية البيت غير طواف الحج، أم هو طواف للعمرة؟ A طواف القدوم هو للحاج القارن والمفرد فقط، وليس للمتمتع طواف قدوم، وإنما على المتمتع طواف عمرة، وهو في حكم طواف القدوم، إلا أنه ركن، وطواف القدوم واجب، وعند البعض سنة.

حكم ترك الواجب في الحج

حكم ترك الواجب في الحج Q إذا ترك المرء أكثر من واجب، فهل تتعدد الفدية، وإن لم يستطع فهل الهدي يجزئ عن ذلك، وهل الهدي واجب؟ A إذا ترك أكثر من واجب من واجبات الحج، مثل: ترك المبيت بالمزدلفة، أو ترك رمي الجمرات، أو ترك المبيت بمنى، أو ترك طواف الوداع، وكل هذه واجبات، فعليه أربعة دماء، فإن استطاع أن يذبح أو أن يفدي باثنتين وعجز عن اثنتين فيلزمه صيام: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196]، فعن الواجب الواحد يصوم عشرة أيام، والهدي واجب لا شك في هذا.

حكم التتابع في الصيام في الحج

حكم التتابع في الصيام في الحج Q هل الصيام في الحج يكون متتابعاً لمن لا يستطيع الذبح؟ A لا، ليس ذلك شرطاً، وإنما يستحب أن يصوم قبل يوم عرفة، ويوم النحر وأيام التشريق لا يصومها، فإن اضطر لصيام أيام التشريق فلا بأس، لكن الأولى أن يصوم ستة وسبعة وثمانية، خمسة وستة وسبعة وهكذا وهذا هو الأفضل.

حكم المرأة الحائض في الحج

حكم المرأة الحائض في الحج Q امرأة حاضت في الحج، ماذا تفعل من أعمال الحج؛ وماذا يكون عليها خاصة وأنها مرتبطة بمواعيد السفر ولم تطف أي طواف؟ A إذا حاضت المرأة في الحج فعليها أن تفعل كل ما يفعل الحاج إلا الطواف بالبيت، لكن إن خافت رحيل الركب قبل أن تطهر، فعليها أن تربط خرقة على فرجها وتتحفظ وتطوف طواف الإفاضة، وليس عليها طواف وداع، هذا قول العلماء، والله تعالى أعلم.

ما يلزم الحاج من الطواف إذا وصل في صبيحة يوم عرفة

ما يلزم الحاج من الطواف إذا وصل في صبيحة يوم عرفة Q سافرت في صبيحة يوم عرفة للحج، فهل أطوف للقدوم، أم للعمرة، أم للحج، أم هو طواف واحد؟ A السؤال الآن: هل أنت مفرد أم متمتع أم قارن؟ إن كنت مفرداً بالحج فقط فعليك أن تطوف للقدوم ثم ترحل إلى عرفة، لأن من أدرك الوقوف بعرفة قبل بزوغ فجر الأضحى فقد أدرك الوقوف، فلو أنه سافر من هنا قبل المغرب ووصل إلى السعودية في الساعة الثامنة مساء أو تسعة وأحرم من الميقات ثم طاف ورحل إلى عرفة ووصل الساعة الثانية عشر ليلاً فقد أدرك الوقوف بعرفة، فإن ترك عرفة قبل غروب شمسها فعليه دم، لأن الوقوف بعرفة في جزء من الليل واجب من واجبات الحج، والوقوف بعرفة في النهار سنة، فمن ترك الوقوف بعرفة نهاراً ووقف ليلاً فليس عليه شيء، ومن وقف نهاراً ولم يقف ليلاً فعليه دم، لأنه ترك واجباً من واجبات الحج.

حكم النيابة في رمي الجمرات والذبح عن المريض

حكم النيابة في رمي الجمرات والذبح عن المريض Q هل يمكن أن أنيب عني من يرمي الجمرات ويذبح يوم النحر لمرضي؟ A لا بأس أن تنيب عنك من يرمي الجمرات، شريطة أن يكون قد رمى عن نفسه، وكذلك أن توكل عنك من يذبح، فلا شيء في هذا أيضاً.

بيان معنى الاشتراط في الحج وحكم من فاته الوقوف بعرفة

بيان معنى الاشتراط في الحج وحكم من فاته الوقوف بعرفة Q ما هو الاشتراط في الحج؛ وإذا مرضت مرضاً شديداً، ولم أكمل الحج، ولم أقف بعرفة ماذا يكون علي؟ A الاشتراط في الحج أن يقول الحاج أو المعتمر عند إحرامه من الميقات: لبيك حجاً، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا يكون في حال الخوف، كأن خاف عدواً أو خاف تعطل دابة، أو خاف أن يرده من يرده، فعليه أن يشترط ولا شيء عليه، وأما من فاته الوقوف بعرفة لمرض شديد أقعده فلا حج له، وليس عليه شيء، ومن العلماء من قال: عليه أن يحصل الأركان بعد فوات وقتها، يعني: يقف بعرفة ويطوف للإفاضة ويسعى، فهذه أركان، ثم يذبح دماً عن كل واجب، فيذبح عن مزدلفة، ومنى، ورمي الجمرات، وطواف الوداع، والهدي.

حكم جمع طوافين في طواف واحد

حكم جمع طوافين في طواف واحد Q هل يمكن أن نجمع طوافين في طواف واحد؟ A نعم، يجوز للحاج -مثلاً- إذا كان راجعاً إلى مصر أن يطوف للإفاضة وفي نفس الوقت ينوي به طواف الوداع، ويكون آخر عهده بالبيت هو طواف الإفاضة، والله تعالى أعلم.

حكم إدخال الفدية على الهدي

حكم إدخال الفدية على الهدي Q لو تركت واجباً من واجبات الحج وعلي دم، فهل يمكن أن أدخله في الهدي؟ A لا، لأن هناك فرقاً بين الفدية والهدي، فالهدي نسك، وله ميقات آخره أيام التشريق، ويجوز لك أن تأكل منه، بينما الفدية ليس لها ميقات، فهي دين في الذمة إلى أن تستطيع حتى ولو بعد الحج، لا يجوز لك أن تأكل منها، ويشترك الهدي والفدية في أن الهدي والفدية لا بد أن يذبحا داخل حدود الحرم.

حكم رمي الجمرات قبل الزوال لمرافق الضعيف أو المريض

حكم رمي الجمرات قبل الزوال لمرافق الضعيف أو المريض Q هل المرافق للضعيف أو المريض أو المرأة يأخذ حكمهم في رمي الجمرات قبل الزوال؟ A إن كان رجل مع امرأة وهي ضعيفة يأخذ حكمها، أما إن كان مريضاً ويريد أن تصل به إلى الرمي فاذهب به حتى يرمي ثم تعود أنت وترمي في وقتك، وهذا هو الصحيح؛ لأنك صحيح والرخصة للمريض والضعيف، أما أنت فلا بد أن ترمي بعد الزوال، فمن رمى قبل الزوال فكأنما صلى الظهر الساعة العاشرة، وهذا كلام مهم جداً، إلا إذا كان مرافقاً للمريض فيأخذ حكمه، يعني: لا يستطيع أن يعود ويتركه، أما إن كان ممكناً أن تؤديه فيرمي ثم تعود وترمي بعد الزوال، فهذا هو الصواب.

بيان أفضلية الحلق والتقصير في الحج

بيان أفضلية الحلق والتقصير في الحج Q هل الحلق في الحج أفضل أم التقصير؟ A إن كنت متمتعاً فالتقصير أفضل حتى تترك شعراً لتحلقه في يوم النحر، وإن كنت قارناً أو مفرداً فلا شك أن الحلق أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً.

طواف القدوم للقارن طواف عمرة

طواف القدوم للقارن طواف عمرة Q طواف القدوم للقارن طواف عمرة، حيث أنه قارن بين العمرة والحج؟ A نعم هو طواف عمرة، لكن اصطلح الفقهاء على تسمية الطواف هنا طواف قدوم، ولا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعنى.

أركان الحج وواجباته

أركان الحج وواجباته Q ما هي أركان الحج وواجباته؟ A أركان الحج أربعة: أولاً: الإحرام، يعني: النية. ثانياً: الوقوف بعرفة. ثالثاً: طواف الإفاضة. رابعاً: السعي. وأما واجبات الحج فهي: أولاً: الإحرام من الميقات، لا الإحرام، لأن الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، فلو أحرم بعد الميقات فإحرامه صحيح وعليه فدية؛ لأنه ترك واجباً. ثانياً: المبيت بالمزدلفة. ثالثاً: رمي الجمرات. رابعاً: المبيت بمنى. خامساً: طواف الوداع. سادساً: الحلق أو التقصير. سابعاً: طواف القدوم.

الكيفية الصحيحة للتقصير

الكيفية الصحيحة للتقصير Q ما هي الكيفية الصحيحة للتقصير؟ A هذه نقطة مهمة جداً، لأن بعض الحجاج يأخذون من شعرهم بالمقص جزءاً يسيراً، وهذا لا يسمى تقصيراً، ويلزمه دم إن أصر؛ لأن التقصير للرأس لا يسمى مقصراً إلا إذا قصر كل الرأس، أما من قصر جزءاً قصيراً فلا يسمى مقصراً، وقد ترك واجباً، ويلزمه دم، وأما بالنسبة للمرأة فتجمع ظفيرتيها وتأخذ من مجموع شعرها قدر أنملة، ولا تأخذ من جزء واحد.

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم Q هل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من مناسك الحج؟ A زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو زيارة المدينة ليست من مناسك الحج، وإنما ينتهي الحج بانتهاء نسكه بانتهاء طواف الوداع، وليس عليه شيء، وإنما نقول بزيارة المسجد الحرام؛ لأنه من المساجد التي تشد لها الرحال فضلاً عن قبا فضلاً عن زيارة أموات البقيع، فضلا عن زيارة شهداء أحد.

حكم العمرة عن القريب المتوفى

حكم العمرة عن القريب المتوفى Q كيف يمكن أن أعتمر في الحج لقريب متوفى، مع العلم بأني نويت الحج متمتعاً؟ A نعم، شريطة أن تكون قد اعتمرت عن نفسك، وتقول عند الميقات: لبيك عمرة عن أخي فلان، ثم تؤدي العمرة له، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة تقول: لبيك حجاً عن نفسي.

واجبات الحج التي تجبر بدم

واجبات الحج التي تجبر بدم Q ما هي الأركان والواجبات التي تنتهي بوقت معين ولا تجبر بدم؟ A طالما أنك تركت الواجب غير متعمد يلزمك دم، وكل واجبات الحج لها وقت معين، كالوقوف بمزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع إن تركته ورحلت إلى بلدك لزمك دم.

حكم الوقوف بعرفة قدر ساعة في اليوم الثامن والتاسع عند الاختلاف في رؤية الهلال

حكم الوقوف بعرفة قدر ساعة في اليوم الثامن والتاسع عند الاختلاف في رؤية الهلال Q هل يصح الوقوف بعرفة قدر ساعة في اليوم الثامن واليوم التاسع عند الاختلاف في رؤية الهلال ليمنع الشك؟ A لا لأننا لن نختلف في الهلال في أول ذي الحجة أبداً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، وتقبل الله منا ومنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرحلة في طلب العلم

الرحلة في طلب العلم طلب العلم من أهم المهمات في حياة المسلم؛ إذ به يعرف العبد ربه، ويعبده كما أراد سبحانه وتعالى، فعلى المسلم أن يتعلم أمور دينه، وأن يرحل إلى أهل العلم لطلب العلم، فقد رحل موسى عليه السلام -وهو نبي- إلى الخضر عليه السلام من أجل طلب العلم.

الخروج إلى طلب العلم

الخروج إلى طلب العلم الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد: عباد الله! طريقنا واحد: القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فلا ندعو إلى جماعات، ولا إلى تحزب، ولا إلى تفرق، ولاؤنا للإسلام، ومعاداتنا لمن عادى الإسلام، هذا منهج أهل السنة والجماعة؛ حتى يتضح الأمر. أحبتي الكرام! أقول: العلم طريق النجاة، وهو الأصل في خروجنا مما نحن فيه؛ لأن العلم سيجعلنا نجاهد في سبيل الله حق الجهاد حينما يفرض علينا. باب الخروج إلى طلب العلم: من منا خرج ليطلب العلم، وارتحل ليتلقى العلم ويستمع ويتعلم على يد العلماء؟ لذلك يقولون عبارة أريد أن نضعها في أذهاننا ونعلقها على جدران بيوتنا: لا تأخذ العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي. أي: أن العلم لا يؤخذ من صحفي تلقى العلم من الكتب، فمن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، فالشيخ يوفر عليك الطريق، ولذلك انظر في تراجم السلف فلن تجد عالماً إلا وله شيوخ، وله تلاميذ، وله رحلة، يقولون في ترجمته: اسمه، لقبه، كنيته، تلامذته، شيوخه، بلاؤه، رحلته في طلب العلم، مصنفاته، فأين نحن من هذا وذاك؟! موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل، وما أكثر وعظ موسى لبني إسرائيل، ولكن بني إسرائيل كما تعلمون هم اليهود قتلة الأنبياء، هم اليهود الذين ألحدوا في العقائد. وقبل أن أسترسل في الموضوع أريد أن ألفت النظر إلى نقطة هامة: في ليلة السابع عشر من رمضان تاريخ غزوة بدر أراد اليهود أن يطفئوا بهجة وفرحة غزوة بدر على المسلمين، فكانت القنابل تتهاوى على أطفال فلسطين في نفس التوقيت، فاستدرت بوجهي خشية أن يبصق مدفع الإفطار في وجوه المتخاذلين من أمة النبي عليه الصلاة والسلام.

تفاصيل قصة الخضر مع موسى عليهما السلام

تفاصيل قصة الخضر مع موسى عليهما السلام أحبتي الكرام! قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل يذكرهم، فقام له رجل وقال: يا كليم الله! من أعلم أهل الأرض؟ فقال عليه السلام: أنا، ولم يقل: أنا، والله أعلم، لذلك البخاري أتى بهذا الحديث في كتاب العلم في موضع آخر تحت عنوان: من سئل: أي الناس أعلم عليه أن يقول: الله أعلم. فقال موسى عليه السلام: أنا، فعتب الله عز وجل عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى الله إليه: يا موسى! إن لي عبداً هو أعلم منك. وفي الحقيقة هذه القصة محور ارتكاز عند أصحاب الفكر الصوفي، ومنها أسسوا نظريات باطلة: النظرية الأولى عند ابن عربي: أن الولي في منزلة أعلى من النبي. قال: لأن الخضر ولي، وموسى نبي، والولي قد علم النبي، إذاً: مقام الولاية أعلى من مقام النبوة. أرأيت إلى الشعوذة والدجل في تفضيل الأولياء على الأنبياء. ولذلك يقول ابن عربي قولته المشهورة: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي يقول ابن كثير وابن حجر وابن تيمية: من قال: إن الولي أفضل من النبي فقد كفر كفراً يخرج من الملة؛ لأن أفضل الأولياء هم الأنبياء، فلا يجوز أن نقول: الولي يعلم النبي، وموسى أفضل من الخضر لا شك في ذلك، والخضر كان نبياً، ولعل ابن حجر في كتابه المختصر (نبأ الخضر) وابن كثير في البداية والنهاية قد برهن على نبوته بأدلة أربعة: الدليل الأول: أنه قال لموسى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82]. الدليل الثاني: أنه أقبل على قتل غلام، ويستحيل لولي أن يقتل نفساً إلا بوحي ظاهر، يعني: ولي يلهم فينادي على غلام فيقتله دون وحي من الله عز وجل هذا لا يمكن أن يكون. الدليل الثالث: أن موسى نبي معصوم والخضر ولي غير معصوم -على قولهم- فهل يجوز لمعصوم أن يتبع غير معصوم؟ A لا؛ لأن موسى قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف:66]. إذاً: موسى نبي معصوم لن يتبع إلا نبياً معصوماً. الدليل الرابع: أن الله قال: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]. ومن القصة أيضاً استنبطوا ما يسمى: العلم اللدني، أو العلم الباطن، ويدندنون حوله ليل نهار، ويقولون: يا أيها السلف! أنتم لكم العلم الظاهر ونحن أصحاب العلم الباطن، ولا أدري ما معنى العلم الباطن؟ وهل الشريعة جاءت بظاهر وباطن؟ والباطنية فرقة ضالة يحرفون الكلم عن مواضعه، وبلغة الباطن حدث التأويل الفاسد، وفي بعض تفاسير الباطنية: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] أبو بكر، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] عمر، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:3] عثمان إلى غير ذلك من الانحراف بالقرآن عن ظاهره. وأعجب من ذلك أقوام قالوا: إن آية في سورة التوبة قد بينت حادث مبنى التجارة في نيويورك، وهي الآية رقم (110) في سورة التوبة: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:110]، قالوا: إن الآية (110) والجزء الحادي عشر، والسورة رقم تسعة، والكلمات ألفان وواحد، فما هذا الذي يقولون؟ وهل هذا تفسير أثر عن رسول الله؟! فالقرآن يفسر بالقرآن، ويفسر بقول النبي عليه الصلاة والسلام، ويفسر القرآن بأقوال الصحابة، وبأقوال التابعين، ثم بقواعد اللغة، هذا هو التفسير المأثور، أما التفسير بالإشارة فليس طريقنا، وإنما هو طريق فرق الضلال، فلا ينبغي أبداً، قلت لسائل: هل عدوا بالبدروم، فالبدروم لم يعد، والمبنى (111) بالبدروم، ولو حدثت الواقعة يوم اثني عشر سبتمبر فكيف كنا سنفسر الآية، فاتقوا الله في دين الله؟ وكفاكم هزلاً بكتاب الله رب العالمين؟ أخي الكريم! اقرأ في مقدمة ابن كثير؛ لتعلم منهج السلف في تفسير كتاب رب العالمين. قال موسى لفتاه يوشع: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60]، والسؤال هنا: لم سار موسى تلك المسافات؟ والجواب: لأجل العلم، والعلم من كليم الله الذي قال الله في حقه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41]، والذي قال الله في حقه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، ما قال: أنا أرحل لطلب العلم على يد فلان، ولذلك بوب البخاري في كتاب العلم: باب الحياء في العلم، وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر، وأتى بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما استحيا أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام وقال: كنت رجلاً مذاءً، يعني: كثير المذي، فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل الن

اتفاق ما صنعه الخضر مع الشرائع السماوية

اتفاق ما صنعه الخضر مع الشرائع السماوية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: بين الخضر لموسى عليهما السلام لم صنع هذه الأشياء الثلاثة، يقول ابن تيمية في فتاويه: وما صنع الخضر يتفق مع الشرائع السماوية. أولاً: خرق السفينة إتلاف للبعض لأجل المحافظة على الكل، وهذا أمر مشروع عندنا، أي: أن إتلاف بعض الشيء للمحافظة على كل الشيء أمر مقرر، ولذلك هناك حكم فقهي يسمى التترس، فلو أن العدو تترس بصف من المسلمين -يعني: احتمى خلف ظهورهم- هل يجوز قتل هؤلاء المسلمين للوصول للعدو؟ A نعم، ولذلك عندما تتألم من ضرسك مثلاً تزيله، والضرس رغم أنه جزء من الجسد لا يجوز أن تتلفه إلا أنك تزيل البعض لأجل أن تحافظ على الكل، وهذا أمر مقرر، فالخضر لم يأت بشريعة جديدة تخالف الشرائع. ثانياً: قتل الغلام، عندنا ما يسمى بدفع الصائل، يعني: دفع المعتدي، والغلام كان سيرهق أبويه طغياناً وكفراً، فهو صائل معتدٍ يجوز أن يقتل. ثالثاً: إقامة الجدار عمل مشروع للمحافظة على الكنز الذي تركه الأب الصالح لأبنائه. قال عز وجل حاكياً عن الخضر: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف:78 - 79]، قال الإمام الشافعي: رغم أنهم يمتلكون سفينة إلا أن الله سماهم مساكين، فالمسكين: هو من يملك أقل من حاجته. قال عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79]، ويا له من أدب من نبي الله الخضر حينما نسب العيب إلى نفسه ولم ينسب العيب إلى ربه رغم أن الذي أمره بخرقها هو الله، لكنه الأدب، والأدب مطلوب حتى في استخدام الحروف، يقول زيد -كما في كتاب الصيام عند البخاري -: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يقول ابن حجر: انظر يقول زيد: (تسحرنا مع)، ولم يقل: تسحرنا (و)، فاستخدم مع ولم يستخدم الواو؛ لأنه لا يجوز أن يعطف نفسه ولا الصحابة على النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا باب أدب، ولذلك الأدب في التعبير وفي اللفظ وفي حسن السؤال واجب شرعي على طالب العلم. قال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} [الكهف:79]، يعني: أمامهم، فحروف الجر بعضها يحل بدل بعض، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، يعني على جذوع النخل، ولذلك هذا النقطة مهمة في فهم كثير من النصوص الشرعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليصل أحدكم نشاطه فإن الله لا يمل حتى تملوا)، فصفة الملل لا ينبغي أن تنسب إلى الله، يقول ابن حجر هنا: حتى بمعنى الواو، والمعنى: (فإن الله لا يمل وتملوا)؛ لأن الله تبارك وتعالى تنزه عن صفات النقص سبحانه وتعالى، وله صفات الكمال عز وجل. قال عز وجل: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف:80]، وهذا نسميه التغليب، أي: تغليب الأب على الأم، وتغليب الذكر على الأنثى، وتغليب العاقل على غير العاقل، وتغليب الجمع على المفرد، وتغليب المثنى على المفرد وهكذا، وقوله: (أَبَوَاهُ)، يعني: أباه وأمه، كما نقول للشمس والقمر: القمران، وكما نقول للتمر والماء: الأسودان. قال عز وجل: {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:80 - 82]. قام سعيد بن المسيب يصلي ويزيد في صلاته ثم قال لولده الصغير: يا بني! اعلم أني أزيد في صلاتي لأجلك، قال: لأجلي يا أبي؟! قال: نعم، يا ولدي! ألم تسمع إلى قول الله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82]، فمن أراد أن يحفظ في ذريته بعد موته فليتق ربه عز وجل. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً. اللهم علمنا القرآن، اللهم ارزقنا حب القرآن، وارزقنا حفظ القرآن، وارزقنا نور القرآن، واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وانصر عبادك المستضعفين في أرض فلسطين، ال

الرد على الصوفية في زعمهم حضور الخضر في اجتماعاتهم وذكر الأدلة على وفاته

الرد على الصوفية في زعمهم حضور الخضر في اجتماعاتهم وذكر الأدلة على وفاته هناك نقطة مهمة من أعمدة أو من ركائز الفكر الصوفي في هذه القصة وهي: أن الخضر لا يزال حياً ويجتمع بالأقطاب والأوتاد في غار حراء، ويقولون: هناك اجتماع أسبوعي، واجتماع شهري، واجتماع سنوي، ولذلك يسمون السيدة زينب سيدة الديوان. والخضر ميت، وأدلة أنه مات كثيرة عدها ابن كثير منها: الأول: أن الله تبارك وتعالى قال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]. ثانياً: لقد أخذ الله الميثاق على النبيين جميعاً إذا كانوا أحياء وبعث في حياتهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به، وأن ينصروه، وأن يعزروه، فأين كان الخضر في غزوة بدر؟ وأين كان الخضر في غزوة الأحزاب؟ ولم لم ينل شرف الصلاة خلف رسول الله في صلاة الجمعة والجماعات؟ ولم تخلف عن مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان الخضر حياً ويعلم ببعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام ويتوانى عن مقابلته، وعن إعلان الإيمان به؟ إنك تجد عجباً بل خبلاً أن الواحد منهم يجلس معك، ويقول: وعليكم السلام، فتسأله: على من ترد؟ فيقول: مر الخضر فأنا رددت السلام عليه، أنا أراه وأنت لا تراه، ثم بعد ذلك يأتي بأذكار وأوراد ويقول لك: هذه أوراد من العلم الباطني اللدني، مثل أوراد الطريقة البرهانية فيها ألفاظ سريانية: كدن كدن، هيهات هيهات، نوو نوو، نو نو، فإذا سألته: ما هذا الكلام؟! يقول لك: هذا علم باطن لا تعترض! فهل الأمة الآن تحتاج إلى هذا الخبل وهذا الهراء؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، والحقيقة أنه لابد لنا أن نفهم الآيات التي في كتاب ربنا عز وجل. فتفسير القرآن يكون بالقرآن، ولذلك الإمام محمد الأمين الشنقيطي له كتاب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. قال الحافظ ابن كثير: ما أجمل من القرآن في مكان بين في مكان آخر، وما أطلق في موضع قيد في موضع آخر وهكذا. أو يفسر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الثابتة عن رسولنا عليه الصلاة والسلام أو بأقوال الصحابة؛ لأنهم خير القرون، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، والثلاثة القرون نسميها السلف، فسلف الأمة هم قرن الصحابة ثم قرن التابعين ثم قرن تابعي التابعين. وابن حجر أفرد موضوع الخضر بكتاب اسمه (نبأ الخضر) وتحدث عن قصته الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، فينبغي علينا أن نعيش مع هذه الكتب وهذه المراجع لتنقل إلى الناس فهم السلف الصالح لآيات ربنا عز وجل وأحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم.

رمضان مدرسة الأجيال

رمضان مدرسة الأجيال وقبل أن أنتقل إلى الأوراق التي بين يدي أقول: رمضان مدرسة الأجيال، فلا ينبغي علينا أن نودع رمضان دون أن ننتفع بدروس وعبر، فلا ننقطع عن القرآن الكريم، قال عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، ونحافظ على تلاوة القرآن، وصلاة الجماعة، وقيام الليل، والتهجد، والدعاء، وصيام أيام من كل شهر، قال عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، يعني: الموت. فيا عبد الله! احذر أن تتوانى بعد رمضان، فرمضان مدرسة الأجيال. وأعيادنا في الإسلام لها مفاهيم، ولذلك يقولون: ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن خاف الوعيد، فالعيد أن تصل رحمك، العيد أن تعفو عمن ظلمك، العيد أن تعطي من حرمك، وأن تمسح على رءوس الأيتام. عيدنا يأتي بعد طاعة وبعد صيام، ونبدؤه بطاعة، بتكبير الله عز وجل، وليست أعيادنا أن نهتف فيها: بالروح بالدم نفديك يا فلان! وإنما نهتف في أعيادنا: الله أكبر الله أكبر، فنكبر ربنا عز وجل. وفرحتنا في هذا العيد ليست من الأعماق، يقول عليه الصلاة والسلام: (للصائم فرحتان: فرحة يوم فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، فنحن نفرح، ولكنه فرح يشوبه الحزن على ما نحن فيه، وعلى ما وصل إليه حال الأمة الإسلامية من تمزق وتشرذم وضياع لمقدساتها، وانتهاك لحرماتها وأعراضها، نسأل الله تبارك وتعالى أن يمكن لدينه في الأرض، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تحريم الاحتفال بأعياد الكافرين

تحريم الاحتفال بأعياد الكافرين هنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهو: أن الاحتفال بعيد رأس السنة، وشم النسيم، والكريسمس وغيرها من أعياد الكافرين حرام شرعاً باتفاق العلماء، وهنا نقل من كتاب شيخ الإسلام (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم): إنك تجد العجب العجاب في عيد رأس السنة الميلادية وما يسمونه بالكريسمس، لا أعاده الله عليهم، يخرجون إلى الحدائق العامة بنين وبنات في اختلاط ماجن، وفي فاحشة؛ وكأنهم يبدءون العام بالمجاهرة بمعصية الله عز وجل، وبالإصرار على معصية الله. ولابد أن نعلم أننا في شرعنا نؤرخ تواريخنا بالشهور الهجرية وليس بالشهور القبطية الميلادية؛ لأننا لا نعرف هذه الشهور، إنما نعرف: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [التوبة:36] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة:189]. فالأهلة هي التي نعرف بها الشهور الهجرية، ونحن لا نتعبد الله عز وجل بشهور ميلادية، والشهر الهجري يكون تسعة وعشرين أو ثلاثين، وأما الشهر الميلادي فممكن أن يكون واحداً وثلاثين أو ثمانية وعشرين، فلو أن امرأة مات عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فهل تعتد بالهجري أو بالميلادي؟ لو اعتدت بالميلادي فالعدة ستطول. لذلك كل كلمة شهر جاءت في القرآن والسنة يقصد بها الشهور الهجرية، أما هذه الشهور الميلادية فنحن لا نعرفها. ولذلك الاحتفال بعيد رأس السنة هذا من أعياد المشركين، ولابد أن نخالف أصحاب الجحيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)، وكان صلى الله عليه وسلم يخالفهم في كل شيء، فكانوا لا يصلون في نعالهم فصلى بنعاله، وكانوا لا يغيرون الشيب فغير الشيب صلى الله عليه وسلم، وقال: (اعفوا اللحى وحفوا الشارب خالفوا اليهود). فهذا أمر بالمخالفة، ولذلك في تحويل القبلة كان يحب أن يصلي إلى قبلة إبراهيم ولا يشاركهم أبداً في شيء، نحن الآن -نسأل الله العافية- نوافقهم في كل شيء، فانظر إلى يوم شم النسيم تجد أن المحلات تغلق الأبواب؛ لأنها إجازة، والناس كلهم يخرجون إلى المنتديات والحدائق، والأسرة كلها ذهبت إلى المنتديات العامة، فاحذر أن تخالط أهل الزور، قال عز وجل في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72]، والزور هنا عند بعض المفسرين يقصد به أعياد المشركين، وها نحن في أعيادنا لا نحتفل بأعيادنا بقدر ما نحتفل بأعياد المشركين، فهذه مخالفة شرعية ينبغي علينا أن نلفت النظر إليها.

حكم الغناء

حكم الغناء سألتني أخت فاضلة قبل الجمعة، وقالت: إن هناك بالمساجد من أحل الغناء، يعني: سئل عن الغناء، فأجاب: بأنه حلال. والحقيقة أقولها والأمر لله من قبل ومن بعد: هؤلاء دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فالنصوص واضحة بينة، لكننا الآن عندنا من يفصل الفتوى حسب الطلب، فيفتي فتوى مقاس واحد وأربعين أو ثلاثة وأربعين، يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، أما قرءوا في كتاب الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]؟ ولهو الحديث هو الغناء، وابن مسعود يقول: والله! إنه الغناء، وفي سورة النجم قال عز وجل: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:59 - 61]، والسمود: الغناء، وجاء في الحديث: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -يعني: الزنا- والحرير، والخمر، والمعازف)، فالغناء حرام يا عباد الله! قال الله عز وجل: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:64]، وصوت الشيطان هو الغناء، للشيطان صوت فضلاً عن كلمات الكفر التي يسمعونها ويصفقون لها، واسمع إلى قول العندليب الأسمر: قدر أحمق الخطا سحقت هامتي خطاه، يصف القدر بأنه أحمق، ورب العالمين يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وهو يقول عن القدر: أحمق، أليس هذا كفراً وردة، فإنه يصف القدر بالحمق، ويصف أمر الله بالحمق! وآخر يقول: أتينا إلى الدنيا لا نعرف لماذا، والله عز وجل يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فنحن نعرف لماذا خلقنا. ثم يقول: جئت لا أعلم شيئاً عن حياتي الآتية، ولكني أبصرت أمامي طريقاً فمشيت، فانظر إلى هذا الكلام الذي فيه كفر واضح وبين، ولكن القوم يطربون ويصفقون، ويستدل بعضهم بحديث: (دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فوجد عنده جاريتين تغنيان، فقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال: دعهما يا أبا بكر! فإنه يوم عيد)، يستدلون بهذا الحديث ولو قرءوا في تفسيره وفهمه لعلموا. أولاً: كانتا جاريتين، يعني: لم يبلغا المحيض، ولا تزالان صغيرتين. ثانياً: هل كان معهما أركسترا، وناي، وأورج، يعزفان بها؟ لم يكن شيء من ذلك، إنما كانتا يتغنيان بأناشيد يوم بعاث، وهي أناشيد حماسية ليس فيها ضرب ولا طبل ولا زمر ولا شيء من هذا الكلام، وإنما هو كلام طيب، فنهاهما الصديق عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما يا أبا بكر!)؛ لأنهما كانتا تغنيان بكلام طيب ليس فيه إسفاف، وغير مصحوب بآلات موسيقية، فضلاً عن أن الجاريتين كانتا صغيرتين، كما قال ابن حجر في الفتح. وكاتب في الأهرام كتب يقول: إن إمام مسجد في القاهرة خطب جمعة يقول فيها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف عن يمينه، يقول: فقرأ سورة البقرة كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء، ثم قرأ آل عمران وركع) يعني: قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، فماذا يقول هذا الكاتب صاحب العقل؟ يقول: لما حسبت المسافة الزمنية لقراءة الثلاث سور وجدتهما تستغرق ست أو سبع أو ثمان ساعات، ويركع أيضاً في ثلاث أو أربع ساعات، ويرفع ساعة، إذاً: يريد عشرين ساعة، إذاً: ضيع الفروض! فهل رأيتم إلى أين أوصله عقله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فنقول له: إن النبي عليه الصلاة والسلام معان من ربه على طاعته، والمعان من ربه لا تسل عن حاله. وهذا كما قال أحدهم: كيف يكون للمؤمن في الجنة سبعون من الحور العين؟ فانظروا إلى هذه العقول، إلى أين أوصلت هؤلاء القوم، وطبعاً هؤلاء من أرباب مدرسة المعتزلة، الذين يعرضون النصوص على العقل، فإن قبل العقل قبلوا، وإن رفض العقل رفضوا، ونحن نقول: العقل يستخدم في فهم النص وليس في رد النص. وقال قائلهم أيضاً: أنا لا أقبل أن موسى يفقأ عين ملك الموت، رغم أن الحديث في البخاري، فنقول له: قبل أن تتهم البخاري اتهم عقلك بسوء الفهم، ففهم النص مهم، وانظر إلى أقوال العلماء، فإنهم قالوا: إنه جاء ملك الموت في صورة بشرية ودخل إلى البيت دون أن يستأذن، وأنت الآن إن دخل أحد إلى بيتك دون استئذان فلك أن تفقأ عينه، وهذا حكم شرعي ثابت. فكتب يقول: هل البخاري معصوم؟ البخاري مليء بالأحاديث الضعيفة. فنقول له: من أنت حتى تقول: إن البخاري فيه أحاديث ضعيفة؟ فكما أن الله حفظ القرآن فقد حفظ السنة، وعهد بها إلى رجال حفظوها ودافعوا عنها، والبخاري لم يضع في كتابه الصحيح إلا الحديث الذي تيقن من صحته إلى النبي صلى الله عليه وسل

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يسب الدين

حكم من يسب الدين Q ما حكم من يسب دين الله عز وجل؟ A سب الدين كفر وردة، وخروج من دين الله عز وجل، إذ كيف يسب ديناً ارتضاه الله عز وجل للناس فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. فسب الدين كفر، وصاحبه لابد أن يستتاب، وأن تقام عليه الحجة، وأن يعرف الحكم الشرعي، فإن أصر على فعله يقتل ولا يكفن، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ويفسخ عقد الزوجية من زوجته، وليس عليه ولاية على أبنائه في الزواج أو في غيره؛ لأنه كفر كفراً يخرج من الملة، ومن سمعه عليه أن ينكر، لكن ينكر على حسب طاقته، فإن تغيير المنكر على حسب الاستطاعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فإن لم تستطع أن تغير إلا بالقلب فهذا أضعف الإيمان، فلا تغير المنكر ويترتب على تغييره منكر أشد، وهذه نقطة مهمة جداً، لا كما يفعل البعض الآن يزيل منكراً ويزرع بدلاً منه منكراً أشد، فيا عبد الله! لا يجوز أن تغير المنكر إن ترتب على تغييره منكر أشد، يقول ابن تيمية: ليس العاقل الذين يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، ومر على جنود التتار وهم يشربون الخمر فقال أحد التلامذة: دعني أنهاهم عن شربها؛ فإن الخمر حرام، فقال: اتركهم يشربون، قال: كيف؟ قال: إن الله نهانا عن الخمر؛ لأنها تصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، أما هؤلاء فإن شربوا الخمر أخذت برءوسهم وانشغلوا بشربها عن قتل المسلمين وسبي النساء، فأيهما أولى: الشرب أو أن يتفرغوا لقتالنا؟ يشربون أفضل، فانظروا كيف قارن بين مفسدة ومفسدة، لذلك عليك أن تقارن بين المفسدتين وتختار أقل المفسدتين، قال عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة:217] ثم قال: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، يعني: هذا أكبر من هذا، قالوا: يا رسول الله: تقتلنا في الأشهر الحرم؟ هذا شيء كبير، فقال لهم الله: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، فهذه مفسدة، لكن هذه مفسدة أكبر ومفسدة أعظم. فاختيار أدنى المفسدتين هذا من رجاحة العقل، والله تعالى أعلم.

حكم قول: صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن

حكم قول: صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن Q صدق الله العظيم بعد فراغ القراءة هل هي من السنة أم لا؟ A فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: يجوز؛ لأن الله قال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، ولعل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قال بجوازها، شريطة عدم الثبات والرتابة، هذا في فتاويه، واللجنة الدائمة في فتاويها قالت بجوازها. ومنهم من قال بعدم جوازها، فالأمر فيه سعة، فمن قال: صدق الله العظيم، بحجة أن الله قال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] فله ذلك شريطة ألا تكون ثابتة وراتبة؛ حتى لا تنقلب إلى سنة، والله تعالى أعلم.

حكم خطبة المتبرجة، وحكم الموسيقى والغناء في الخطبة

حكم خطبة المتبرجة، وحكم الموسيقى والغناء في الخطبة Q ذهبت مع ابني لخطبة فتاة اختارها ابني بنفسه، فوجدتها متبرجة جداً، فقال لي ابني: إنها سوف تلتزم بالحجاب بعد البناء، وسوف تتم الخطبة في أحد النوادي تحت أنغام الموسيقى، فما حكم ذلك؟ A أولاً: هذا كلام لابد أن يكون واضحاً، فلا أحد يقول: سآخذ المتبرجة وبعد ذلك ستلتزم، قال صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ولم يقل: فاظفر بمن ستكون ذات دين، يعني: تكون عند طلبها ذات دين في أول الأمر، فلا تقل: سآخذ المتبرجة وتلتزم بعد البناء، فربما أنت تنحرف بعد البناء، ولا ندري أيكم سيكون مؤثراً في صاحبه هي أم أنت، فاتق الله يا عبد الله! واترك المتبرجة ولا تقبل على خطبتها أبداً، وأنت أيها الأب الكريم الفاضل العزيز! انصح ولدك بالابتعاد عن هذه الفتاة؛ لأنها ليست ذات دين. ثانياً: هل يليق بك أن تبدأ حياتك الزوجية بموسيقى وبغناء وبطرب وبفرقة؟ هذا كله باطل يا عبد الله! وليس من دين الله رب العالمين في شيء، أسأل الله لك الهداية، فإن قال: أنا أتيت بفرقة إسلامية، فأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وبعد قليل سيقولون: الرقص الإسلامي، والسينما الإسلامية، والمسرح الإسلامي، وواحد جوارنا كاتب على دكانه: البقالة الإسلامية، فقلت له: هل جبنتك تصلي، والجبنة الأخرى لا تصلي؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما دخل الإسلام في الجبنة والخبز؟ فهذا الكلام فيه تفريق المجتمع، وتحزيب المجتمع، ولذلك أقول: من علق لافتة: الصوت الإسلامي، فهذا رجل يقسم المجتمع، فهل أنت صوت إسلامي وغيرك صوت غير إسلامي؟ فاحذر أن تقع في المنزلق، فكلنا مسلمون في مجتمع واحد، فلا داعي للتحزب ولا التفرق ولا العصبية للجماعات، ومن دعاك إلى جماعة لتوالي لها وتعادي من أجلها فقد دعاك إلى بدعة وضلالة، فإنما الولاء للإسلام بمنهج أهل السنة والجماعة، ولا داعي للتحزب، والتفرق، والله تعالى أعلم.

وقت صلاة الاستخارة

وقت صلاة الاستخارة Q صلاة الاستخارة ما الوقت المناسب لصلاتها؟ وما العلامات التي تدل على تحقق الغرض منها؟ A أولاً: صلاة الاستخارة هي ركعتان من دون الفريضة في وقت ليس وقت الكراهة: بعد الصبح، وبعد العصر، وعند شروق الشمس، وعند غروبها، وعند كون الشمس في وسط السماء، فهذه خمسة أوقات منهي عن الصلاة فيها، فصل في غير هذه الأوقات ركعتين، ثم قل الدعاء: اللهم إني أسألك بقدرتك وأستخيرك بعلمك فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وأهلي ومالي فيسره لي ويسرني له إلى آخر الدعاء، لكن ينتبه إلى أن الاستخارة لا تكون في محرم، فلا يأتي واحد ويقول: اللهم إن كنت تعلم أن السجائر خير لي في ديني ودنياي فوفقني لشربها يا ربنا، فالاستخارة لا تكون في محرم، ولا تكون في واجب، فلا يقال: اللهم إن كنت تعلم أن الصلاة خير لي فوفقني لها، فلا تكون في واجب، ولا تكون في محرم، ولا تكون في مكروه، ولا تكون في مستحب، وإنما تكون في مباح، والمباح هو ما يستوي فعله مع تركه، فمثلاً: أريد السفر، والسفر جائز وعدم السفر جائز، يستوي فيه الفعل مع الترك أو أريد أفتح مشروعاً تجارياً، هنا يستوي الفعل مع الترك، أو أريد أن أتزوج من فلانة، يستوي فعل الزواج من فلانة مع الترك، فالاستخارة لا تكون إلا في أمر مباح. ثانياً: يعتقد البعض أن الاستخارة لابد لها من رؤيا في المنام، وهذا خطأ، بل على الإنسان أن يصلي استخارة ويقبل على الفعل دائماً، فإن أراد الله به خيراً يسره له، وإن أراد به غير ذلك أغلق الأبواب في وجهه، والله تعالى أعلم.

حكم قضاء السنن الفائتة

حكم قضاء السنن الفائتة Q عند انقضاء وقت الصلوات المفروضة الخمس نصليها قضاءً، فهل نصلي معها السنن الخاصة بها مثل سنة الصبح؟ A الصلاة يكون أداؤها في أوقاتها، فإن نمت عن صلاة واستيقظت بعد موعدها فصلها قضاءً وصل معها السنة، والدليل ما رواه البخاري في كتاب التيمم (أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من غزوة فنزلوا وادياً كأحسن ما يكون فناموا جميعاً، وقال: من يكلأ لنا الفجر؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله! فإذا بـ بلال ينام، ولم يستيقظ إلا على حرارة الشمس، فلما قام بلال قام الصحابة واحداً تلو الآخر، يقول عمر: فكنت رابع القوم، وكنا نكره أن نوقظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا ندري ربما يوحى إليه -لأن رؤيا الأنبياء وحي- فأخذ عمر يكبر -يقول: الله أكبر الله أكبر- ويرفع صوته) يريد أن يوقظ النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، ونحن نوقظ الناس للسحور بالتطبيل، وفرق بين التكبير والتطبيل، فإذا أردنا أن نوقظ نائماً فعلينا أن نكبر (فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يؤذن وصلى سنة الفجر قضاءً، ثم أمره أن يقيم وصلى الصبح قضاءً)، قال ابن حجر: وفي الحديث بيان جواز الأذان للفائتة وقضاء سنة الفائتة، لكن الفائتة من نوم أو نسيان، لا أن تكون فائتة بالتساهل أو بالتقصير. والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جماعة، وقال لـ بلال: (ما الذي أخرك عن أن تيقظنا يا بلال؟! قال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله!)، يعني: كلنا كنا نائمين. وهذه الحادثة ليس فيها خصوصية، فالخصوصية تحتاج إلى دليل، ومن أراد أن يخصص فيلزمه الدليل.

حكم صلاة التطوع بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر إلى المغرب

حكم صلاة التطوع بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر إلى المغرب Q هل يجوز أن نصلي بعد صلاة الفجر وبين صلاتي العصر والمغرب صلوات تطوع؟ A بعد الفجر لا، وهكذا بين العصر والمغرب، فلا صلاة بعد الفجر ولا صلاة بعد العصر إلا أن تكون فيها سبب، كتحية المسجد، وكسنة الوضوء، وهذا رأي الشافعي، وهو الراجح إن شاء الله تعالى.

حكم التتابع في صيام الست من شوال

حكم التتابع في صيام الست من شوال Q هل نصوم أيام الست من شوال متتالية أم يجوز صيامها متفرقة؟ A الحديث واضح: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، فكلمة (من شوال) تعني: أي أيام في شوال مجتمعة أو متفرقة، ولكن الأولى والأفضل التتابع؛ للتعجيل بالطاعة، وإن صمتها متفرقة فصيامك صحيح.

حكم صيام الست من شوال قبل صيام قضاء ما أفطره في رمضان

حكم صيام الست من شوال قبل صيام قضاء ما أفطره في رمضان Q امرأة حاضت في رمضان وأفطرت هل تقضي أولاً أم تصوم ستاً من شوال أولاً؟ A هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: فجمهور العلماء، على أن عليها القضاء أولاً لأمور: 1 - لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان)، إذاً: لا بد لمن أراد أن يصوم ستاً من شوال حتى يأخذ الأجر أن يكون قد صام رمضان، وهذه المرأة لم تصم رمضان، وإنما عليها أيام من رمضان. 2 - القضاء واجب في الرقبة، والأولى أن تؤدي الواجب؛ لأنه دين في رقبتها، فالأولى أن تؤدي الدين قبل أن تؤدي السنة فربما تموت بعد شوال، وقد يقول قائل: الذي يفرط في واجب موسع لا يؤاخذ، فأقول: أنا أعلم أنه لا يؤاخذ، لكن الأولى أن تسقط الواجب عن نفسك يا عبد الله! وقال آخرون: يجوز أن يؤخر القضاء؛ لأنه موسع، وشوال مندوب مضيق، فيقدم المضيق على الموسع. فنقول: هذا استدلال في غير محله؛ لأن المضيق يقدم على الموسع إن لم يتسع الوقت إلا لفعل واحد، فمثلاً: استيقظت الساعة السادسة إلا ثلثاً والشروق السادسة إلا ربعاً فهل أصلي السنة أم الفرض؟ الجواب: الفرض؛ لأن الخمس الدقائق لا تتسع إلا لفعل واحد، فهذا تزاحم، لكن شوالاً ثلاثون يوماً فليس فيه تزاحم، فأنا أميل إلى رأي الجمهور، فإن قال قائل: عائشة كانت تقضي في شعبان؟ فنقول: صوم عائشة في شعبان قضاءً ليس فيه دليل على أنها كانت تصوم أيام شوال، فربما كانت لا تصوم؛ لانشغالها بالنبي صلى الله عليه وسلم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

حكم التتابع في صيام الكفارة

حكم التتابع في صيام الكفارة Q ما حكم التتابع في صيام الكفارة؟ A لا يشترط التتابع في صيام الكفارة، وهنا في الحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) و (من) هنا للتبعيض، وهناك خلاف بين العلماء هل في قوله تعالى في كفارة اليمين: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89] هل صيام الثلاثة الأيام تكون متتابعات أو متفرقات؟ الجمهور على عدم التتابع، وأبو حنيفة على التتابع؛ للقراءة الشاذة عن ابن مسعود: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) والجمهور على أن القراءات الشاذة لا يؤخذ منها حكم فقهي، ولكن التتابع أولى.

حكم السلام على أهل الكتاب

حكم السلام على أهل الكتاب Q هل يجوز السلام على أهل الكتاب؟ A لا، وإذا دخلت عليهم فجاملهم بأسلوب لبق، ولا تبدأهم بالسلام، ولكن قل لهم: صباح الفل، صباحكم سعيد، ولا تقل: السلام عليكم، أبداً، واحذر أن تلقي عليهم السلام، ولكن استخدم المعاريض؛ لأنهم يسبون الله ليل نهار، وحين اتخذ أبو موسى رجلاً من أهل الكتاب كاتباً أرسل إليه عمر يقول: يا أبا موسى! اعزل الرجل، قال: يا أمير المؤمنين! ليس في الكوفة أو البصرة من هو أكفأ منه، فقال: يا أبا موسى! كيف تقربونهم وقد أبعدهم الله؟! كيف تقربونهم وقد أذلهم الله؟ اعزله يا أبا موسى! فلا يجوز لرجل من أهل الكتاب أن يكون رئيساً على موحد أبداً، فهم يسبون الله، كما قال الله عز وجل: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:88 - 93]، فيسب الله ويشتمه وأنا أجامله وأحييه وأطلب له السلامة، وأطلب له المعافاة؟! الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، فإياك إياك! أن تواليهم أو تحبهم، والله تعالى أعلم.

حكم صوم من أصبح جنبا

حكم صوم من أصبح جنباً Q ما حكم صوم من أذن الفجر وهو جنب؟ الشيخ: هناك حديث في البخاري وفي كتاب الصوم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح جنباً بعد أن أذن الفجر فاغتسل بعد الفجر وصام)، يعني: اغتسل بعد الفجر، وليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام طول الليل، لا، بل كان يقوم، ولكنه نام قبل الفجر قليلاً فأصابته جنابة، واحذر أن تقول: الجنابة من احتلام، يقول ابن حجر في فتح الباري: إنما كانت من جماع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى شيطاناً في نومه، فأنت ممكن أن تحتلم وأنا، وأما النبي فلا، فإذا جامعت الساعة الثانية في الليل ولم تغتسل ونمت إلى الساعة الخامسة والنصف، فصيامك صحيح، ولا شيء عليك. والنبي صلى الله عليه وسلم قام واغتسل وخرج، وهناك حديث في كتاب الغسل فيه: (كبر النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة الإحرام وتذكر أنه جنب، فقال لأصحابه: اثبتوا، ودخل واغتسل وعاد ورأسه يقطر ماءً وصلى بهم)، وهذا للتشريع، ولم يضيع الفجر، بل اغتسل ثم خرج للصلاة، وبلال كان لا يقيم الصلاة إلا أن يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث في البخاري.

تقديم غسل الجنابة على الصلاة بالتيمم خشية خروج الوقت

تقديم غسل الجنابة على الصلاة بالتيمم خشية خروج الوقت Q شخص أصبح جنباً ولو اغتسل فسيخرج الوقت هل يغتسل أو يتيمم ويصلي؟ A هناك خلاف بين العلماء، وأرجح الأقوال: أنه يغتسل؛ لأنه كان نائماً، ولا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، والله تعالى أعلم.

القواعد الحسنة في استقبال رمضان

القواعد الحسنة في استقبال رمضان شهر رمضان شهر خصه الله بفضائل عن سائر شهور السنة، فهو موسم للطاعات والقربات، وفيه تضاعف الأجور والحسنات، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، فالسعيد من ظفر بأجره، والمحروم من حرم أجره.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان الحمد لله رب العالمين: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:8 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، وعلمنا من جهل، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! يطل علينا بعد أيام شهر مبارك، فرض الله صيامه، وسن النبي صلى الله عليه وسلم قيامه، شهر جعله الله موسماً للطاعات وقبول الصدقات، ومضاعفة الأجور والأعمال، والمحروم من حرم رحمة الله في هذا الشهر، والناس يتباينون وتختلف مشاربهم فيه، فمنهم من يستعد لاستقباله بإعداد المسلسلات والسهرات الرمضانية الكروية، واستضافة الفنانين والفنانات، وما أعدوه من برامج لهذا الشهر الكريم، فهذا يقول: أنا لا أنام الليل؛ لأجل أن أنتج عملاً يرضى عنه الجماهير في رمضان، فرمضان موسم لنا لابد أن نعرض فيه إنتاجنا. وتجد صنفاً يكدس المأكولات والمشروبات وما لذ وطاب، وصنف يزين الطرقات ويبتهج بقدومه في شكل مظهري. أما عباد الرحمن فيعلمون لرمضان قدره، فيستعدون لرمضان بتطهير الظاهر والباطن، وبتوبة نصوح؛ لأن بلوغ رمضان نعمة من الله على عبده، فإذا أدركك رمضان فاسجد لله شكراً، فقد كان السلف إذا صاموا رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه، وستة أشهر أخرى أن يبلغهم رمضان القادم؛ لأن بلوغ رمضان نعمة من الله على العبد، ولم لا وهو شهر الإنفاق، وشهر القرآن، وشهر الصيام، وشهر العتق من النار، وشهر تفتيح أبواب الجنان، وتغليق أبواب النيران، وتصفيد مردة الشياطين، فتصفد الجن وتنطلق شياطين الإنس؛ ليضلوا الناس في شهر واحد، فنقول: اتركوا الناس لربهم، أما كفاكم إضلالاً للعباد في سائر السنة، فهو شهر نريد للعباد أن يعودوا فيه لربهم، فقد كان السلف إذا جاء رمضان يصنعون العجب. إخوتي الكرام! لقد خص الله رمضان بفضائل عن سائر شهور السنة {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، خلق السماوات واختار منها السماء السابعة لتكون مستقراً للملائكة المقربين، وهي أدنى السماوات من عرش الرحمن، وخلق الجنة واختار منها الفردوس الأعلى، وخلق البشر واصطفى منهم أنبياء، واصطفى من الأنبياء رسلاً، واصطفى من الرسل سيد البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، وخلق الأزمان واختار منها، فاختار من أيام الأسبوع يوم الجمعة، ومن أيام السنة يوم عرفة، ومن شهورها شهر رمضان، ومن لياليه ليلة القدر. لذلك المؤمن التقي يفرح عندما يحل عليه رمضان، ويستعد بالدعاء أن يوفقه الله لصيامه، وأن ييسر له قيامه، ثم يطهر نفسه بتوبة نصوحاً، فيستعد لأعمال أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ويستعد للأعمال التي ينبغي أن تكون لها الأولوية في رمضان. وهنا برنامج أعددته لأعلنه لمن أراد على حسب حاله أن يكون يومه في رمضان في طاعة الله سبحانه، ويكون في يوم رمضاني إيماني؛ لأننا نحتاج بعد عام كامل انتهى أن نطهر أنفسنا من الذنوب، فمعاصينا كثيرة، والويل لنا إن لم يغفر لنا ربنا.

الأعمال التي ينبغي فعلها والحرص عليها في رمضان

الأعمال التي ينبغي فعلها والحرص عليها في رمضان أعمال ينبغي أن نؤكد عليها في رمضان:

قراءة القرآن

قراءة القرآن أولاً: قراءة القرآن، فقد كان الزهري يقول: إنما رمضان للقرآن وإطعام الطعام. ويؤثر أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وقد يقول قائل: كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن أن يختم القرآن في أقل من ثلاث؟ والجواب لـ ابن رجب الحنبلي وللإمام النووي، فقد قالا: في الأزمان الفاضلة وفي الأماكن الفاضلة ينبغي أن تضاعف الطاعات، ومن ثم في المعتاد لا ينبغي أن تختم في أقل من ثلاث، أما إذا جاء رمضان فقد كان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحال السلف جميعاً، كـ مالك والأسود النخعي ومجاهد وغيرهم. وإذا قرأت في سيرتهم ستعلم أنهم كانوا إذا جاء رمضان قالوا: جاء شهر القرآن، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، والمدارسة: مفاعلة من قارئ ومستمع، أي: أن جبريل كان يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع، أو أن النبي يقرأ وجبريل يستمع، فهذه هي المدارسة، وفي العام الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين، ولذلك حب القرآن دليل إيمان، وبغض القرآن دليل نفاق، قال صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قال: قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فأخذت أقرأ من سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]، فقال صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: حسبك -يعني: كفاك قراءة- قال: فنظرت إلى وجهه فإذا عيناه تذرفان بالدموع)، فبكى صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن. ويعرف العلماء القرآن بأنه: كلام الله، تكلم به على الحقيقة، وسمعه جبريل، ونزل به على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:193 - 194]. وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك لسانه خشية أن يتفلت القرآن من صدره، فقال الله له: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16 - 19]، وقال سبحانه: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]. أحبتي الكرام! عند قدوم رمضان علينا أن نقبل على القرآن تلاوة، وحفظاً، وتطبيقاً لأحكامه، ونقبل عليه سماعاً ومدارسة في حلقات، ونسمعه في قيام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الماهر بالقرآن مع الكرام السفرة البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران). أي: أجر القراءة وأجر التعتعة. ويقسم العلامة ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد هجر القرآن إلى ستة أقسام، قال الله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، فأين نحن من القرآن؟! وأين منه المسلمون؟ وأين حياتنا من القرآن؟ القسم الأول من هجر القرآن: هجر التلاوة، فمن الناس من يهجر القرآن تلاوة، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4]، وقال: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة:121]. القسم الثاني من هجر القرآن: هجر الحفظ، فأين حفظة القرآن، ولذلك نقول: ينبغي أن نحفز الأئمة على أن يقرءوا من حفظهم بدلاً من أن يقرءوا من المصحف، نعم القراءة من المصحف تجوز؛ لفعل عائشة مع ذكوان، فقد كان ذكوان يصلي بـ عائشة من المصحف في صلاة القيام، لكن هذا يترتب عليه أن يتفلت القرآن من صدور الحفظة، لاسيما أننا في عصر قل فيه الحفظة، فالأولى أن يقرأ القرآن من الحفظ. القسم الثالث من أقسام هجر القرآن: هجر التدبر، قال عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، وهجر التدبر: ألا تتدبر المعاني، والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصلي بالليل بآية ترددها وتبكي، كذلك حال عمر رضي الله عنه، فقد جاء في مناقب عمر أنه كان يحب أن يقرأ سورة يوسف في الليل، فإذا بلغ إلى قول الله: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ

قيام رمضان

قيام رمضان ثانياً: قيام رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وانتبه فهناك فريق يدعو إلى النار، وفريق يدعو إلى الجنة، ففي وقت القيام الجوائز بالجملة من المسلسلات والفوازير، فهذا يبحث عن المليون، وذاك يبحث عن كم ألف، لكن العبد الصالح يعرف ما هو الباقي له، فانتبه فإنها مؤامرة على صلاة القيام، لذا يعرض ما يشتاق إليه المشاهد في وقت القيام. أخرج البخاري في صحيحه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين صلاة التراويح في أول ليلة في رمضان، وصلى بهم الليلة الثانية، وفي الليلة الثالثة اكتظ المسجد عن آخره -الكل يريد أن يصلي خلف النبي عليه الصلاة والسلام- فلم يخرج إليهم، وفي صلاة الفجر قال لهم: لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن أخرج إليكم فتكتب عليكم)، أي: أنه تركها عليه الصلاة والسلام رحمة من أن تفرض عليهم، ولما جاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب وتميم الداري وقال: نعمت البدعة هي، ولذا تجد أصحاب البدع يقولون: هذه بدعة حسنة، ويستدلون بقول عمر، وعمر ما أراد هذا أبداً، وإنما أراد البدعة بمعناها اللغوي لا الشرعي، فإن عمر لم يأت بفعل جديد، وإنما فعل أمراً فعله النبي صلى الله عليه وسلم، والعلة زالت بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، وهي: خشية أن تفرض صلاة القيام، فخرج عمر وأمر من يصلي بالناس. ومما نؤكد عليه أيضاً في صلاة القيام: أنه لا ينبغي أن تترك الوتر مع الإمام؛ لما ثبت في السنن: (من صلى مع إمامه حتى ينصرف من صلاته كتب له قيام ليلة)، فلا ينبغي أن تقول: أوتر في بيتي وأترك الإمام، بل صل مع الإمام حتى ينتهي، وإن أردت بعد ذلك أن تصلي في بيتك فلا بأس بشرط ألا توتر مرة ثانية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا وتران في ليلة).

إطعام الطعام

إطعام الطعام ونؤكد على إطعام الطعام، فإذا أردت أن تصوم أكثر من رمضان ففطر صائماً على تمرة، أو على شربة ماء، ففي هذا الفضل العظيم، وقد كان من السلف -كـ ابن عباس - من لا يأكل الطعام في رمضان إلا مع اليتامى والمساكين؛ لفضل هذه النفقة في رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجره)، فتمرة واحدة تعطيك هذا الأجر، فكم نحن في غفلة والذي نفسي بيده! فتمرة واحدة تعطيك أجر صيام يوم كامل، فما الذي يمنعك من أن تشتري كيلو تمر وتقف على الطريق العام وتعطي الصائمين؟ واعلم أن ذلك لن يضيع عند ربك، قال عز وجل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. ثم أقول للأغنياء: اتقوا الله في أنفسكم، كم من أصحاب أموال يبخلون بمالهم على عباد الله؟! جاء شهر الإنفاق، قال ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان)، وفي صحيح البخاري: (أنه صلى يوماً بأصحابه، وبعد الصلاة التفت بوجهه وقام مسرعاً إلى حجرته، ثم خرج وجلس في مصلاه، فقالوا: يا رسول الله! رأيناك فزعت وانطلقت بعد الصلاة؟ قال: تذكرت أن في حجرتي تبراً -أي: ذهباً غير مصفى- من مال الصدقة فخشيت أن يقبضني الله قبل أن أتصدق به). فإلى أصحاب الملايين والمليارات الذين يبخلون على عباد الله: هذا تبر من ذهب فزع منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خشي أن يقبض قبل أن ينفقه في سبيل الله. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة، فرمضان فيه القيام، وقراءة القرآن، والإنفاق، واعتكاف العشر الأواخر، والعمرة، قال صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، وقال: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كتب له حجة وعمرة تامة تامة تامة) حسنه الألباني في صحيح الجامع، ففرغ نفسك يوماً في الأسبوع لتنال أجر الحج والعمرة. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يجلس في مصلاه بعد الفجر يقرأ القرآن ويذكر الله حتى ترتفع الشمس فيصلي ويقول: هذه غدوتي، إن لم أفعلها انهارت قوتي. ففي طاعة الله القوة، وفي طاعة الله العطاء، فهيا بنا نعود إلى فعل الخيرات، ويا باغي الخير! أقبل، ويا باغي الشر! أقصر، يا أيتها المتبرجة! أقصري، يا آكل الربا أقصر، يا أهل الفن أقصروا، كفاكم هزلاً ولعباً وإفساداً للعباد، يا أهل القرآن أقبلوا، يا أهل القيام أقبلوا، يا أهل النفقة أقبلوا، يا أهل الدعاء اقبلوا، فقد جاء رمضان. اللهم إنا نسألك أن تبلغنا إياه، وأن تيسر لنا قيامه، وأن توفقنا لصيامه. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

برنامج المسلم في رمضان

برنامج المسلم في رمضان الحمد لله رب العالمين، {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فهذا برنامج للمسلم في رمضان. استيقظ قبل الفجر بوقت قصير، وصل لربك ركعات في وقت السحر؛ لأن هذا الوقت له فضل، جاء في الحديث: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل). باع رجل من السلف جارية إلى رجل آخر فجاء رمضان فاشتروا المأكولات والمشروبات وكدسوا، فقالت الجارية: لم تصنعون هذا؟ قالوا: لأننا على اقتراب من رمضان، قالت لهم: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ قالوا: نعم، قالت: لقد جئت من عند رجل السنة عنده كلها رمضان، ردوني إليه. ثم تناول وجبة السحور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)، والفرق بين صيامنا وبين صيام أهل الكتاب وجبة السحور. وفي البخاري عن زيد قال: (تسحرنا مع رسول الله). قال ابن حجر: قوله: (تسحرنا مع) ولم يقل: تسحرنا (و) لأن (مع) يشعر بالتبعية، أما حرف الواو فيفيد العطف، قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنس: كم كانت المدة بين سحوركم وبين نداء الفجر يا زيد؟! قال: قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله). ففي هذا الحديث أنهم كانوا يقدرون الأوقات بالطاعات، أما الآن فتجد رجلاً يقول لآخر: متى أقابلك؟ فيقول: بعد الفزورة أو بعد المسلسل، أما الرجل الصالح فيقول: بعد القيام، أو بعد صلاة التراويح، أو بعد الموعظة، فربط الأوقات بالطاعات من هدي السلف. قوله: (قدر قراءة خمسين آية) فيه أنهم كانوا يؤخرون السحور، وينتهون من السحور وهو يؤذن للفجر. لذلك كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون للفجر أذانان: أذان قبل الفجر الصادق بثلث ساعة، وأذان للفجر الصادق، وهذه سنة مؤكدة غابت عن ديارنا، ويا ليت أننا نجد لها من يحييها، فمن أحياها أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب، فهي سنة مؤكدة، لكن أين هي في بلادنا؟ ولو أذنت للفجر أذانين فستجد أن البعض يتعجب، ويقولون: الشيخ جاء ببدعة، فنحن في زمن إن أحييت سنة قال الناس: أحييت بدعة، وإن أحييت بدعة قال الناس: أحييت سنة، فانقلبت الموازين! كان بلال يؤذن الأذان الأول، وكان ابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني، وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت، قال ابن حجر: وفي الحديث جواز أن يؤذن الأعمى إذا كان له من يخبره، فـ بلال يؤذن وينزل، ثم يصعد ابن أم مكتوم ليؤذن، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال؛ فإنه يؤذن بليل، كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم). وأما مدفع الإمساك الذي يضرب فلا نعرفه، ولا يحرم الطعام ولا ينبني عليه حكم شرعي، ومن حرم الطعام بعد مدفع الإمساك فقد حرم ما أحل الله، فكل واشرب حتى يشرع المؤذن في النداء، وأما قبل ذلك فأنت في حل. وبعد السحور وصلاة ركعات في جوف الليل والاستغفار في هذا الوقت تصلي سنة الفجر بعد الأذان في بيتك؛ فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين خفيفتين في بيته، يقرأ في الأولى: بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، وفي الثانية: بـ ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، وأحياناً كان يضطجع في حجرته، والاضطجاع يكون في حجرته في المسجد، وهذا هو الرأي الراجح؛ فإذا خرج ورآه بلال أقام الصلاة؛ لأن الذي يأمر المؤذن بالإقامة هو الإمام، أما نحن في مسجدنا فتجد من يقول: أقم الصلاة معنا شغل! فالذي يملك أن يأمر المؤذن هو الإمام فقط، أو من يستخلفه الإمام. قال بلال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه يوماً فوجدته يبكي، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: كيف لا أبكي يا بلال! وقد أنزل الله علي الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]). وكان يطيل في قراءة الفجر؛ لكونها ركعتين، ولا ينصرف من مصلاه إلا بعد شروق الشمس، فإن يسر الله لك هذا فالحمد لله، وإن لم ييسر لك فحاول أن تقترب وأن تدنو يوماً أو أكثر من يوم ولا تحرم نفسك من الخير، ثم بعد ذلك انطلق. وينبغي علي

الأسئلة

الأسئلة

فضل الجلوس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس

فضل الجلوس في المسجد بعد الفجر حتى تطلع الشمس Q صليت في بيتي وجلست أذكر الله، فهل أنال الأجر الذي في الحديث؟ A لابد أن تصلي الفجر جماعة في المسجد، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) وعليه فهذه هي الشروط حتى نستحق الأجر: أولاً: أن تصلي الفجر في جماعة؛ لقوله: (صلى الفجر في جماعة). ثانياً: أن تجلس وتذكر الله، أو تقرأ القرآن، أما واحد جلس يعقد صفقة تجارية، أو يتحدث في أمور الدنيا فلا، فلابد أن يكون جالساً لذكر الله، والغالب أن يذكر الله بقراءة القرآن. ثالثاً: أن يجلس حتى تشرق الشمس، وأما قبل الشروق فلا يأخذ الأجر. رابعاً: أن يصلي ركعتين.

حكم من أراد الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر لكنه يغلق

حكم من أراد الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر لكنه يغلق Q إذا كان المسجد يغلق بعد صلاة الفجر، فهل لي الأجر الذي في الحديث إذا جلست في بيتي وذكرت الله تعالى؟ A المساجد أكثرها هكذا، نسأل الله العافية، وأنت الآن مكره، فاجلس في بيتك ولك الأجر إن شاء الله؛ لأنك خرجت بدون إرادة، وهذا كحال الرجل الذي يصوم شهرين متتابعين كفارة، فجاء في وسط الشهرين يوم عيد، فهل عليه أن يفطر أم لا؟ يفطر، وهل يقضي من الأول أم يتم؟ يتم؛ لأن الذي فطره هو الشرع، فهو معذور، وأنت هنا أيضاً معذور، وهذا الذي أخرجك هو الذي يتحمل الإثم.

أجر المرأة في جلوسها في مصلاها بعد صلاة الفجر

أجر المرأة في جلوسها في مصلاها بعد صلاة الفجر Q هل تنال المرأة أجر الجلوس بعد صلاة الفجر في مصلاها في بيتها؟ A المرأة تأخذ الأجر في بيتها؛ لأن مسجد المرأة في بيتها.

حكم الصلاة وقت شروق الشمس

حكم الصلاة وقت شروق الشمس Q هل يصلي وقت شروق الشمس؟ A لا، وإنما ينتظر حتى تشرق الشمس ثم ترتفع قدر رمحين؛ لأن هناك نهياً عن الصلاة عند شروق الشمس.

حكم صلاة الضحى في جماعة

حكم صلاة الضحى في جماعة Q هل نصلي الفجر ثم نقرأ قرآناً في جماعة بعد الفجر ثم نصلي في جماعة؟ A لا، فصلاة الضحى لم يؤثر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها جماعة، فهذا أمر ليس من السنة. وصلاة الضحى غير ركعتي الشروق، فهذه صلاة، وتلك صلاة، فلننتبه.

حكم الزيادة عن إحدى عشرة ركعة في صلاة التهجد في رمضان

حكم الزيادة عن إحدى عشرة ركعة في صلاة التهجد في رمضان Q هل يجوز أن أزيد في صلاة التهجد في رمضان عن إحدى عشرة ركعة؛ لأنه جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد عن إحدى عشرة ركعة؟ A نعم يجوز؛ وهذا قول الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله، ولعل هناك رسائل في هذا الموضوع، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم صلى بعدها ركعتين؛ لبيان جواز أن تصلي بعد الوتر ما شاء الله لك أن تصلي دون أن توتر مرة أخرى، وفي الحديث الآخر: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الفجر فأوتر بواحدة)، قال العلماء: فالعدد مفتوح، فلك أن تصلي ما شئت، لكن الأولى أن تتتبع السنة، فإن صليت إحدى عشرة ركعة مع الإمام ثم قمت قبل الفجر وأردت أن تصلي فلا بأس، ولا أحد يستطيع أن يقول: لا تصل؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الإحدى عشرة ركعتين؛ لبيان الجواز، ولذلك تجد أن غالب علماء السلف على جواز أن يزيد العدد دون أن توتر مرة ثانية؛ لحديث: (لا وتران في ليلة)، فإذا أوترت مع الإمام فلا توتر مرة أخرى، كما لا ينبغي لك أن تنخلع من وراء الإمام لتوتر بمفردك؛ لأن هذا يضيع عليك الأجر، فلا تنصرف إلا مع الإمام؛ حتى يكتب لك قيام ليلة كما قال صلى الله عليه وسلم، وأما من قال: إنه يشفع الركعة بركعة حتى يجعلها شفعاً، فهذا رأي مرجوح، ولذا فما هو المانع أن توتر مع الإمام ثم تصلي بعد ذلك دون أن توتر؟

حكم متابعة المأموم للإمام من المصحف

حكم متابعة المأموم للإمام من المصحف Q ما حكم إمساك المأموم للمصحف بعد الإمام ليستفتح عليه؟ A هذه ظاهرة الحقيقة تحتاج إلى أن نقف عندها، فالإمام إذا كان يقرأ من مصحف فلا يجوز للمأموم أن يمسك مصحفاً؛ لأن المأموم مأمور بوضع اليمنى على اليسرى على صدره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: أنه لن يفتح على الإمام؛ لأن الإمام أصلاً لن ينسى؛ لأنه يقرأ من المصحف، فلا يجوز للمأموم أن يمسك مصحفاً خلف الإمام إلا إذا كان الإمام يقرأ من ذاكرته، قال بعض العلماء: يجوز لمأموم واحد فقط أن يمسك المصحف ليفتح على الإمام؛ لأنه ربما لا يوجد هناك حافظ، فيجوز للإمام أن يقرأ من مصحف؛ لفعل ذكوان مع عائشة، لكن الأولى أن يقرأ من حفظه.

حكم تبييت النية في الصيام

حكم تبييت النية في الصيام Q ما حكم تبييت النية في الصيام؟ A السحور نية، والنية في الصيام تعني: العزم والإرادة، أما أن يقول: نويت، فهذا لم يرد عن السلف؛ لأن التلفظ بالنية بدعة، وتناول الطعام لأجل الصيام هو النية.

بيان وقت انصراف المأموم بعد السلام

بيان وقت انصراف المأموم بعد السلام Q ما حكم قيام المأموم قبل الإمام بعد السلام؟ A هذه ظاهرة نبه عليها البخاري في كتاب الأذان: أنه لا يقوم المأموم من خلف الإمام إلا بعد أن يستدير الإمام بوجهه، فمن فقه الإمام أن يصلي، وبعد الصلاة يستغفر الله ثلاثاً، ثم يستدير بوجهه للمأمومين، عند ذلك يستطيع المأموم أن ينصرف، أما إذا ظل الإمام متجهاً إلى القبلة فلا ينبغي للمأموم أن يقوم إلا بعد أن يلتفت إليه، قال البخاري في صحيحه: باب الإمام يستقبل الناس بوجهه، وهذا في كل الصلوات؛ لأنه قبل السلام كان يستدبر الناس؛ لأنه إمام، وبعد السلام لم يعد إماماً فينبغي أن يلتفت إليهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: حتى يعلم الداخل أن الصلاة قد انتهت؛ إذ كيف يميز الداخل لو استمر الإمام على حاله؟ فمن فقه الإمام أن يستدير، وهذا الحديث عند البخاري.

حكم الذهاب إلى المسجد البعيد للصلاة فيه وترك القريب

حكم الذهاب إلى المسجد البعيد للصلاة فيه وترك القريب Q ما حكم مجاوزة المسجد القريب والذهاب للصلاة في مسجد أبعد؟ A لا يجوز أن تمر على مسجد وتدعه وتذهب إلى مسجد آخر إلا إذا كان مسجد بدعة فاتركه، أو تصلي خلف قارئ طيب، فلا بأس أن تبحث عن الصوت. وهكذا من أجل علم لا بأس، أما أن تترك المسجد لأمر دنيوي فلا يجوز.

حكم صيام آخر شعبان

حكم صيام آخر شعبان Q ما حكم صيام آخر شعبان؟ A لو كان صيام عادة فيجوز، كصيام يوم الإثنين، فإذا جاء آخر شعبان فلا تصم، إلا أن تكون لك عادة فيجوز أن تصومه.

كيفية صلاة الوتر

كيفية صلاة الوتر Q كيف تكون صلاة الوتر؟ A تصليها اثنتين وواحدة، ويجوز أن تصليها ثلاثاً مع بعض، لكن الأولى أن تصليها ركعتين وركعة، وهذا هو فعل السلف؛ لحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة)، والقنوت في الوتر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يقنت في صلاة الوتر، وكان يقنت أحياناً بعد الركوع، وأحياناً قبل الركوع، وأحياناً يترك القنوت، فمن السنة أن تفعل هذا وهذا وهذا، ولا تواظب على فعل واحد.

حكم الإتيان بمقرئ يقرأ بين الأذان والإقامة

حكم الإتيان بمقرئ يقرأ بين الأذان والإقامة Q ما حكم الإتيان بمقرئ يقرأ بين الأذان والإقامة؟ A لا يجوز أن نأتي بمقرئ للقرآن بين الأذان والإقامة يقرأ والناس يصلون؛ لأن هذا فيه عدم خشوع للمصلين الذين يصلون السنة، فضلاً عن ذلك أنه لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم تحريم الرجل على نفسه جماع زوجته وكفارة ذلك

حكم تحريم الرجل على نفسه جماع زوجته وكفارة ذلك Q في لحظة غضب قلت لزوجتي: يحرم الجماع بيننا حتى وقت معين، وقبل انقضاء الوقت جامعتها، فما الحكم؟ A عليك أن تكفر كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]، والمعنى: لو أن الرجل حلف ألا يدنو من زوجته، فلا يمكن أن يحلف على مدة أكثر من أربعة أشهر؛ فإن أراد أن يعود في يمينه قبل المدة فله أن يعود مع الكفارة، فأنت حرمت ما أحل الله، والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1]، ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]، قال شيخ الإسلام: فتحريم الحلال يحتاج إلى كفارة يمين، فأنت حرمت ما أحل الله، فكفر بكفارة يمين.

حكم الكلام مع المخطوبة بعد العقد بالهاتف

حكم الكلام مع المخطوبة بعد العقد بالهاتف Q تقدمت لأخت وأخذت من والدها وعداً للزواج وتم موعد عقد الزواج، فهل يجوز أن أكلمها في التلفون؟ A لا بأس، طالما أنك عقدت نبيح لك التلفون.

حكم زواج الابن من مال أبيه الموضوع في البنوك

حكم زواج الابن من مال أبيه الموضوع في البنوك Q هل يجوز أن أتزوج من أموال أبي، علماً أنه يضع أغلبها في البنوك؟ وإن كان يجوز فهل يحق لي أن آخذ منها ما أشاء؟ وإن كان لا يجوز فهل آخذها على سبيل السلف؟ A لا بأس أن تأخذ من ماله ما تريد، فماله منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام، وقد اختلط الحلال بالحرام، يقول شيخ الإسلام: فإن اختلط الحلال بالحرام فابن على الحل؛ لمشقة الفصل، أو لتعسر قضية الفصل، فكأنك تأخذ من الحلال وتترك الحرام له، فلا بأس.

كيفية زكاة الأرض والمباني المعدة للبيع

كيفية زكاة الأرض والمباني المعدة للبيع Q سنبيع قطعة أرض مباني، فما مقدار الزكاة عليها؟ A إن كان هذا المال بلغ النصاب وحال عليه الحول فأخرج عن كل ألف خمسة وعشرين. وكما تحدثنا من قبل لو أن أصحاب الملايين أخرجوا الزكاة لما وجدنا فقيراً، فلو أخرج التاجر زكاة المليون خمسة وعشرين ألفاً فستكون زكاة ثلاثة ملايين خمسة وسبعين، لكن الله أعلم ماذا يصنع؟ وإذا أخرج يخرج مبلغاً يسيراً ويعد هذه هي الزكاة، وإن أراد أن يخرج زكاة من البضاعة كبضاعة الأحذية أخرج فردة فردة، أو اثنتين! نسأل الله العافية، فأقول: إن في القرآن آية ذكرها للقلب طب: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، فلابد أن تنفق مما تحب، ولا تنفق مما تكره، قال عز وجل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62]، وهذا لا يجوز أبداً، إنما تنفق أجود ما عندك لله تبارك وتعالى.

أركان العمرة وواجباتها

أركان العمرة وواجباتها Q ما هي أركان العمرة وواجباتها ومستحباتها؟ A العمرة لها فضل عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، أي: مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اعتمرت في رمضان فكأنك حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمرة لها أركان وواجبات ومستحبات، قال العلماء: وأركان العمرة وواجباتها: أولاً: الإحرام من الميقات، إذ إن لكل بلد ميقات ينبغي أن يحرم أهله منه، فميقات أهل مصر رابغ، وميقات أهل اليمن يلملم، وميقات أهل نجد قرن المنازل، وميقات أهل المدينة أبيار علي التي هي ذو الحليفة، وميقات أهل العراق ذات عرق، وهكذا لكل بلد ميقات، وهذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، فعليك أن تحرم من الميقات. ورابغ قبل مكة بحوالي خمسين كيلو، والمسئولون في السفر ينادون عليك: نحن الآن على اقتراب من الميقات، سواء في باخرة أو في طائرة، والغالب أن الكثير يحرم من المطار قبل أن يصعد الطائرة ويلبس الإحرام، لكن الإحرام يسري عليه من الميقات، فلا يجوز أن يرتكب محظوراً من محظورات الإحرام، وإذا مر على الميقات يقول: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، يشترط؛ لأنه إذا اشترط وعاد ولم يعتمر فلا شيء عليه؛ لحديث ضباعة أنها اشتكت من مرض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أحرمي واشترطي). ثانياً: الطواف بالبيت سبعاً. ثالثاً: السعي بين الصفا والمروة. رابعاً: التحلل بالحلق أو التقصير. فهذه أركان العمرة وواجباتها، وأما مستحبات العمرة فما سوى ذلك، والموضوع طويل يحتاج إلى بيان أكثر.

حكم لبس المرأة للبنطلون داخل المنزل

حكم لبس المرأة للبنطلون داخل المنزل Q هل لباس المرأة للبنطلون داخل المنزل وبعيداً عن الأجانب يعتبر تشبهاً بالرجال؟ A إن كان البنطلون من بناطيل الرجال فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى الرجل أن يلبس ملابس المرأة، ونهى المرأة أن تلبس ملابس الرجل)، فكما لا يجوز لرجل منا أن يلبس فستاناً داخل البيت ولا أحد يراه أو يلبس بلوزة فكذلك المرأة لا يجوز لها أن تلبس ملابس الرجل، إلا أن يكون ملبساً خاصاً بالنساء، مثل الاسترتش، لكن في البيت لأن الاسترتش ليس للرجال وإنما للنساء، لكن لا يجوز لها أن تلبس البنطلون الخاص بالرجال، وطبعاً هناك ملابس للنساء خاصة، وملابس للرجال خاصة، فالنهي يمتد إلى هذا، لذلك أقول: إذا أحرمت المرأة للعمرة تحرم في ملابس سوداء، ولا تحرم في ملابس بيضاء؛ لأن الرجل يحرم بملابس بيضاء، ولا بد للمرأة أن تخالف، وأفضل ملبس للمرأة هو السواد.

حكم إلقاء الدروس في ليالي رمضان

حكم إلقاء الدروس في ليالي رمضان Q ما حكم إلقاء الدروس الرمضانية في ليالي رمضان؟ A لا بأس بها، وكل مساجد السنة تفعلها بعد كل أربع ركعات، فلا بأس بالموعظة شريطة أن نعرف الناس أنها ليست من السنة، فمن الذكاء أن نتركها يوماً أو أياماً؛ لأن الناس ربما يعلق في أذهانهم أن هذا الفعل سنة، فالموعظة على حسب إقبال الناس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعظ الناس.

حكم قراءة القرآن من غير تجويد

حكم قراءة القرآن من غير تجويد Q أنا لا أجيد قراءة القرآن، وأريد أن أختم القرآن في رمضان، فهل يجوز القراءة دون تجويد؟ A إن كنت لا تجيد القراءة فلا يكن همك أن تختم القرآن بقدر ما يكون همك أن تتعلم القراءة الصحيحة، فاقرأ البقرة فقط في رمضان، لكن قراءة صحيحة، واجلس بين يدي شيخ يعلمك القراءة، فإن من حق القرآن عليك أن ترتله كما أنزل، قال ابن الجزري: والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم فالأخذ بالتجويد حتم؛ لأن القرآن نزل من السماء مجوداً، لذلك لما: (قرأ أحد الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم آية: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} [الذاريات:47] ولم يمد فقال: ما هكذا أنزلت، إنما مد فقل: (وَالسَّمَاءَ)) فيها مد واجب متصل بمقدار أربع أو خمس حركات؛ لأن الهمز وقعت بعد حرف المد في كلمة واحدة، وهذا الكلام مهم جداً، فلابد من المد، والإدغام، والإخفاء، وإخراج كل حرف من مخرجه، وإعطاء كل حرف حقه ومستحقه، وهكذا أنزل القرآن مجوداً من السماء، فلا بد أن نقرأه كما أنزل، فتعلم القراءة. ومن لم يكن مجوداً فلا يصلي إماماً، وكيف يصلي إماماً وهو لا يعرف كيف يعطي كل حرف حقه ومستحقه، ولا يعرف الأحكام؟! هذا إن قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، (حدس) ولم يخرج اللسان فالقراءة باطلة؛ لأن (حَدِّثْ) غير (حدس) فهذا لحن جلي غير المعنى، فإن (حدس) بالسين، و (حَدِّثْ) بالثاء، وفي سورة الفاتحة {الَّذِينَ} [الفاتحة:7] فلو قال: (اللذين) تغير المعنى، وتغيير مخرج الحرف يغير المعنى.

حكم قراءة القرآن من غير تحريك اللسان

حكم قراءة القرآن من غير تحريك اللسان Q هل يجوز قراءة القرآن من غير تحريك اللسان؟ A لا يجوز، بل لا بد أن يقرأ وينطق إلا إذا كان أبكم، فالقراءة لابد فيها من تحريك اللسان، قال عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة:16]، فالقراءة باللسان.

حكم اتفاق الرجل مع المرأة على الزواج دون علم أهلها

حكم اتفاق الرجل مع المرأة على الزواج دون علم أهلها Q تقدمت للزواج من ابنة خالي ووافقت واتفقنا على كل أمور الزواج، وفجأة رفضت أم البنت بدون سبب، مع العلم أنني أحبها وهي تحبني، فهل لي أن أتزوجها دون علم أهلها؟ A ما هذا؟ هذا سؤال غزل، يعني: أنهم اتفقوا من وراء العائلة، وأمها رفضت، يقولون في الأرياف: ادخل البيت من الباب، وأنت لم تدخل الآن حتى من الشباك بل دخلت من السطح، فلا يجوز ذلك يا عبد الله! اتق الله في نفسك، فإن هناك أصولاً لخطبة الفتاة، قال عز وجل: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء:25] فلابد للأهل أن يأذنوا، قال صلى الله عليه وسلم: (وأيما امرأة زوجت نفسها من غير إذن وليها فزواجها باطل)، فأنت أحببتها وهي أحبتك! الحب هذا شيطاني، نسأل الله العافية.

حكم الصلاة خلف الإمام الفاسق

حكم الصلاة خلف الإمام الفاسق Q ما حكم الصلاة خلف الإمام الفاسق؟ A صل وراء الإمام إلى أن يثبت أنه غير صالح، ولا تفتش عن حاله، وإن ظهر شيء فانصحه أولاً، ونحن الآن في فوضى، ففي أحد الأيام دخلت أصلي المغرب في مسجد صغير تحت عمارة فإذا بالإمام يقرأ: (تبت إيد أبو لهب وتب) فنسأل الله العافية، فما الذي دفعك للإمامة يا عبد الله وأنت لا تحسن القراءة؟ لا ينبغي أن يتقدم للإمامة إلا من يجيد القراءة، قال صلى الله عليه وسلم: (يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله).

حكم من يرى خطيبة غيره في منامه

حكم من يرى خطيبة غيره في منامه Q تقدمت لخطبة فتاة ولم يوافق الأهل، ثم تقدم لها شاب وأعلنوا الخطبة، فدعوت الله أن يجمع شملنا ولا يفرق بيننا طول الحياة، وفي مساء يوم رأيت هذه الفتاة في الحلم وأنا أقبلها، فهل هذا رضا وفضل من الله أم غير ذلك؟ A قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه). فالشيطان يسيطر عليك يا عبد الله، لكن قل: اللهم قدرها لي إن كانت خيراً، وما جاء لفظ الحب إلا في سورة يوسف: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف:30]، فأي حب يدفع إلى الشهوة فلا داعي له، وكن مع ربك عز وجل، وتقرب إلى الله، وادع الله أن يرزقك الزوجة الصالحة، فأنت لا تعلم لعل هذه تكون وبالاً عليك، وطبعاً النساء ظاهرهن قبل الزواج يختلف عن بعد الزواج، وأيضاً ظاهر الشباب، فكل طرف قبل الزواج يظهر المحاسن، فإذا وقع الزواج بدأت المساوئ، فلا تغتر؛ فربما يكون هذا هو الشر بالنسبة لك، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، ففوض الأمر لمن يعلم، وادع الله أن يرزقك الزوجة الصالحة. وأما كونك ترى في المنام أنك تقبلها فهذا لأنك انشغلت بها، وهي لا تحل لك، وهذا مثل الذي عليه دين ونام فإنه يحلم الدين، والعطشان يحلم الماء وهكذا.

سنة الأذانين في الفجر

سنة الأذانين في الفجر Q هل سنة الأذانين في الفجر في كل السنة؟ A سنة الأذانين في كل العام، لكن لابد أن نعلمها الناس قبل أن نفعلها، مثل: صلاة العيد في العراء، ففي السبعينات بعض الناس قاتلوا عليها والآن أصبحوا هم الذين ينظمون الأماكن لها. والأذان الأول يكون قبل الفجر بثلث ساعة أو نحو ذلك، والأذان الثاني في الموعد، والأذان الأول بصوت، والثاني بصوت، والأذان الأول ليس فيه: (الصلاة خير من النوم)، والأذان الثاني فيه: (الصلاة خير من النوم)، فهذه فروق بين الأذانين.

حكم اتصال الخطيب بمخطوبته بالهاتف

حكم اتصال الخطيب بمخطوبته بالهاتف Q هل يجوز للخاطب أن يتصل تلفونياً بمخطوبته مع عدم وجود محرم لها؟ A لا يجوز؛ لأن المخطوبة أجنبية تماماً، فلا يحل له أن يجلس معها، ولا أن يكلمها، ولا أن يتصل بها تلفونياً، فطالما رأيت المرأة وأعجبتك وأعلنت الخطبة فهي أجنبية عنك إلى العقد، فلا يحل لك أبداً أن تخلو بها أو أن تحدثها.

مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)

مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) Q إلى أين يرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)؟ A هذا موضوع كبير، والشيخ حمود التويجري له كتاب في خلق آدم على صورة الرحمن، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته). الخلاف في: هل الهاء تعود إلى آدم أم تعود إلى الله عز وجل؟ قال شيخ الإسلام: الصورة معلومة والكيف مجهول، كسائر الصفات، وقال بعضهم: الهاء تعود إلى آدم، وهذا هو القول الثاني، وشيخ الإسلام يتحامل على من يقول به، وكتاب الشيخ حمود التويجري موجود في السوق، والبعض ضعف الزيادة، والله تعالى أعلم.

بيان عدم تعارض الدراسة في الجامعة مع طلب العلم الشرعي

بيان عدم تعارض الدراسة في الجامعة مع طلب العلم الشرعي Q أنا طالب في الثانوية العامة وأمي هي التي تتكفل بي، وهي تشتغل في السياحة، وأنا أعرف أن هذا المال حرام، وأبي غير موجود، وأريد أن أطلب العلم الشرعي، فماذا أفعل: هل أشتغل أم أنتظر حتى أنتهي من التعليم ومن الكلية؟ A انته من الكلية أولاً، والعلم الشرعي لا يتعارض مع الجامعة، فيمكن أن تخصص يوماً أو يومين في الأسبوع لطلب العلم الشرعي، إنما يحزنني تماماً أن بعض الإخوان إذا أراد أن يلتزم ويطلب العلم الشرعي يتراجع في التعليم، وتجده يسقط في سنة أولى وثانية، ويفسر ذلك بارتباطه بالعلم الشرعي، فلا تجعل العلم الشرعي شماعة لفشلك، فأيام أن كنت منحرفاً تأتي (امتياز)، وبعد أن ألتزمت تأتي (جيد)، هل هذا هو السبيل؟ فلا تكن هذه شماعة تحمل عليها الأخطاء، فنظم الوقت بين العلم الشرعي وبين دراستك حتى تنتهي من الدراسة؛ لأننا بحاجة إلى مهندس يتقي الله، وإلى طبيب يتقي الله، وإلى مدرس يتقي الله، فإن تفرغت الأماكن من الملتزمين فمن سيشغلها؟ وهذا الخطأ وقعنا فيه، فانظروا الآن إلى معظم أساتذة الأزهر تجدون معظمهم صوفية، والذين يتحدثون في إذاعة القرآن الكريم 80% صوفية؛ لأننا تراجعنا عن الرسائل العلمية، ولم ندفع الأبناء لدراسات الماجستير والدكتوراه، فمثلاً: تجد واحداً فقط يحمل منهج السلف في جامعة الزقازيق، و90% يحاربونه؛ لأنهم على منهج ضال؛ وهذا لأننا فرطنا وتقاعسنا، فادفع ولدك ليتم التعليم وليحصل على أعلى الشهادات حتى ينشر العقيدة الصحيحة، أما هذا الذي نراه فلا ينبغي.

تعريف الصوفية

تعريف الصوفية Q ما معنى الصوفية؟ A الصوفية: فرقة ضالة ليست من الدين، وهي تؤمن بأشياء باطلة، كالعلم الباطن، والعلم اللدني، وأن الولي يعلم الغيب، وأن الولي ينفع ويضر، وأن الحلول والاتحاد من عقيدتهم، وأن العلم لا ينال بالجهد والقراءة، وإنما ينال بالوصول، قال بعضهم: وإن بارزوني بعلم الورق خرجت عليهم بعلم الخرق قيل لرجل منهم: ألا ترحل لتسمع الحديث من عبد الرزاق؟ قال: وما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يتلقى من الخلاق؟! أي: أنه يأخذ الوحي مباشرة من الله، وهذه عقائد فاسدة.

حكم دفع رشوة من أجل التوظيف

حكم دفع رشوة من أجل التوظيف Q هل يجوز أن أدفع مبلغاً من المال لأتعين في الأوقاف؟ A لا يجوز أن يدفع مبلغاً من المال ليتعين في الأوقاف؛ فيرشي ويساعد المرتشي على الرشوة، ويطلب الرزق في طاعة الله، ويعمل أي عمل ولا يبدأ عمله برشوة.

حكم صلاة الرجل مع أهل بيته جماعة

حكم صلاة الرجل مع أهل بيته جماعة Q هل يجوز في رمضان أن نصلي أنا وأسرتي جماعة؟ A لا يجوز، فالرجل لا يصلي إلا في المسجد، والمرأة تصلي في البيت؛ فالمساجد هي أماكن الصلاة وليست البيوت، وأيما رجل سمع الأذان فلابد أن يلبي للصلاة في المسجد، قال عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36]، فلا يجوز أن تصلي في البيت أبداً؛ لأنك لست من أهل الأعذار.

حكم من يطول صلاة المغرب في رمضان

حكم من يطول صلاة المغرب في رمضان Q ما حكم من يطول صلاة المغرب في رمضان؟ A في رمضان كن إماماً ذكياً، ولا تكن إماماً ثقيلاً، فالناس سيأتون يصلون خلفك المغرب في رمضان، وبعضهم أخذ تمرة وشرب كأس ماء، لكنه جائع جداً، فحين تقرأ بهم: ((ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)) ثم الحجرات، فلن يأتي مرة أخرى، فلماذا أنت تقطع قلبه هكذا؟ فاقرأ (سبح)، و (والسماء والطارق)، و (العصر)، فبعض إخواننا يشقون على الناس، ومن فقه الإمام أن يراعي حال المأموم، والمأموم صائم يريد أن يفطر، وهو يشكر لأنه جاء إلى المسجد، وليس ضريبة أنه إذا جاء أحبسه إلى العشاء.

مصير شارب الخمر

مصير شارب الخمر Q رجل كان يشرب الخمر ومات وهو يشرب الخمر، فما مصيره؟ A طالما مات على شرب الخمر فأمره إلى الله، هذا قول أهل السنة، فمن مات على كبيرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وانتبه أن تقول: إنه من أهل النار، وإياك أن تحكم على مسلم أنه من أهل النار، فإن من مات على كبيرة فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

ذم من يذهب مذهب تأويل الصفات

ذم من يذهب مذهب تأويل الصفات Q تجادلت مع بعض الناس في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ} [القصص:30]، وقوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات:99] في قصة إبراهيم؟ A في الحقيقة هذا الموضوع المهم أنا أحزن تمام الحزن أن هناك جماعة تعمل في حقل الدعوة الإسلامية دعاتها الآن يقولون بالتأويل، ويقولون عن السلفيين: مجسدة، هذا الكلام نقل لي من أكثر من عضو من عندهم، فعقيدة السلف واضحة وضوح الشمس، وعقيدتنا في الأسماء والصفات هي عقيدة ابن حنبل ومالك وأبو حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وكل علماء الأمة من السلف، فالعقيدة الصحيحة: أننا نؤمن بأسماء الله وصفاته، ونفوض الكيف إلى الله، فنقول: الاستواء بمعنى العلو، قال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، أي: علا، والاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وكذلك قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، اليد معلومة، والكيف مجهول، فلله يد، لكنها ليست كيد البشر، قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]. وهم يؤولون يد الله بقدرة الله، واستوى بمعنى استولى، ويؤولون الصفات ويحرفونها، ويقولون عنا: مجسدة، فهل الإمام مالك مجسد؟! فالتزم عقيدة السلف يا عبد الله! والذي يناقشك في هذا لابد أن يعلم أن للسلف عقيدة. وحينما نقول: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، لو قلنا: إن (اليد) بمعنى القدرة، تصبح (بل قدرتاه)، وهل يجوز أن نثبت لله قدرتين؟ ولذلك لما جاء جهم بن صفوان رأس الجهمية إلى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، قرأها: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فأراد أن ينفي صفة التكلم، فجعل موسى هو المتكلم، فلما جاء إلى قول الله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]، ألقم حجراً؛ لأنه لا يدري ماذا يقول فيها؟ فالله يتكلم، وهل تريدون إلهاً لا يتكلم يا قوم؟! فالكلام كمال، والأبكم ناقص، ولله صفات الكمال، فهل المخلوق يتكلم والخالق لا يتكلم؟ نسأل الله العافية، فالكلام صفة ثابتة لله، لكننا نقول: الكلام معلوم، والكيف مجهول، هذه عقيدة السلف، أما عقيدة فرق الضلال: كالجهمية، والأشاعرة، والمعتزلة، والكرامية، وكل هذه الفرق فقد رد عليها ابن القيم في كتابه القيم الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

حكم قول الرجل لزوجته: أنت علي حرام إن دخل ولدي البيت

حكم قول الرجل لزوجته: أنت عليَّ حرام إن دخل ولدي البيت Q رجل على خلاف مع ولده، فقال لزوجته: أنت حرام علي إن دخل في غيابي، فما حكم ذلك؟ A نقول لك: كفر بإطعام عشرة مساكين، واتق الله في نفسك، وقولك لزوجتك: أنت محرمة عليَّ إن دخل الولد، فهذا تحريم ما أحل الله، ولا علاقة للزوجة بهذا الموضوع.

تقديم غسل الجنابة على الجماعة

تقديم غسل الجنابة على الجماعة Q إذا كنت جنباً وقت حضور الجماعة، وليس هناك وقت للاغتسال، فهل لي أن أغتسل أم ماذا؟ A إذا كنت جنباً فلابد من الاغتسال، والوقت له أول وله آخر، فلابد أن تغتسل إذا حضر الماء، ولا تصل جنباً والماء موجود. وإذا كان يتضرر من الغسل فيجوز أن يتيمم في هذه الحالة؛ لفعل عمرو بن العاص عندما أجنب وكان البرد شديداً فتيمم وصلى بأصحابه، وأقره النبي على فعله، قال عمرو: يا رسول الله! تذكرت قول الله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.

اللحوم المسمومة

اللحوم المسمومة للعلماء مكانة في دين الإسلام، فالعلماء ورثة الأنبياء، وحراس الدين، ولكن للأسف انتشرت اليوم ظاهرة الطعن في العلماء واحتقارهم والاستهزاء بهم، وظهرت جماعات تقدس علماءها وتحتقر غيرهم، وهذا الأمر خطير جداً، فلحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في منتقصيهم معلومة، ومن تكلم فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.

عاقبة آكل لحوم العلماء

عاقبة آكل لحوم العلماء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، رفع شأن العلماء فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28]. وقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) وقال: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب في ليلة البدر). ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! هناك ظاهرة خطيرة جدير بنا أن نقف عندها طويلاً، ألا وهي استباحة لحوم العلماء، وهذه الظاهرة يقع فيها بشكل مباشر كما هو معلوم المنافقون والعلمانيون وأعداء الدين، ولكن الأمر الذي يستحق المواجهة هو أن تنزلق أقدام بعض طلبة العلم إلى هذه الظاهرة، فتجد طويلب علم يبدأ بالمرحلة الأولى، وأول ما يبدأ يبدأ بتجريح العلماء، والتحذير من بعضهم، وعرض زلاتهم على الناس، ثم يتطور الأمر فيجرح أهل بيته وزوجته وأولاده، وهذا يعني أنه لا يريد بيان الحق وإنما يريد التجريح، ولأن المسألة خطيرة لاسيما في شباب الصحوة أو في بعضهم آثرت أن يكون هذا الموضوع: اللحوم المسمومة. فهل رأيتم عاقلاً يتجرع لحماً مسموماً بيده؟ اسمعوا إلى قول الحافظ ابن عساكر رحمه الله، قال: اعلم أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب. وحدثوني عمن وقع في شيخ الإسلام ابن تيمية أو من جلد الإمام أحمد هل يعرفه الناس إلا نكرة في التاريخ، ولذلك من تتبع زلات العلماء وعرض بهم فتنه الله سبحانه وتعالى في دينه، ثم أمات قلبه قبل موته. ولأن هذه الظاهرة تقع من بعض الناس بفعل بيان الحق فلابد أن نفرق بين أمرين: بيان الحق والتجريح، وهذا أمر مهم، وسأذكر أمثلة من واقعنا المؤلم الآن على هذه الظاهرة، وأنا لا أقصد أحداً بعينه، وإنما الكلام عام.

أسباب اختيار الموضوع

أسباب اختيار الموضوع لقد اخترت هذا الموضوع لأسباب، وهي: أولاً: لمكانة العلماء في الإسلام، فالمتتبع للآيات القرآنية وللنصوص النبوية يجد أنها بينت أن للعلماء منزلة، فلقد أثنى الله سبحانه وتعالى على العلماء في كتابه، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة العلماء، ولذلك قالوا: إن أعراض العلماء حفرة من حفر النار، فعندما تنتهك عرض العالم وتنهشه فإنما تقذف بنفسك في حفرة من حفر النار. ثانياً: لتساهل الكثير في تلك الظاهرة. ثالثاً: إن بعض طلاب العلم لا يدركون خطورة هذه القضية. رابعاً: عدم الفهم الصحيح لتلك القضية، فهم يخلطون بين بيان الحق وبين جرح العالم. وقد سألني أخ فاضل في الباب أنه سمع لشيخ أشرطته منتشرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان الله -هذا في الشريط- فأثبت لله صفة اللسان، وهذا لا يجوز، وهو يخالف منهج أهل السنة، وأراد أن يقول اسم الشيخ، فقلت: لا تقل، إنما نبين الحق، ثم نتصل بالشيخ ونبين له أن هناك خطأ في الشريط الذي يحمل هذا العنوان، فإما أن تصححه، وإما أن تسحب الشريط من السوق، وإما أن تتصل بالشركة التي سوقته وتصحح هذا الخطأ، وإما أن تعتلي المنبر وتقول: هذه زلة لسان، ولاسيما أن هذا الداعية يعرف بأنه سلفي العقيدة، فلما تحدثنا مع بعض الإخوان من العلماء قالوا: لا يمكن أن يكون قد قصدها، وإنما هي سبق لسان، وبعض الناس يأخذ هذا السبق ويشهر به، ثم يحذر من اقتناء أشرطته، ويقول: إن هذا الرجل ليس على منهج السلف، وقد خرج عن الطريق، نعم أخطأ لا شك، ومن منا لم يخطئ؟ ولكن هل تعمد الخطأ؟ وهل روجع فيه؟ وهناك الآن من يلتمس هذه الأخطاء وينفخ فيها ويهولها، وبسبب هذا المنهج ضاع الكثير، فيقول مثلاً: الحافظ ابن حجر مؤول لبعض الصفات، وهذا صحيح، وفي شرحه فتح الباري أول بعض الصفات، وعلق على تأويله شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله على الهامش، وليس معنى ذلك أنني لا أقتني فتح الباري بحجة أن الحافظ مؤول، أو شرح مسلم للإمام النووي، أو بعض العلماء الذين زلوا في بعض المسائل، وبعض الناس يحذر منهم، فالمفروض أن الحكمة ضالة المؤمن، وحينما أستشهد بقول صحيح وهو لأهل البدع وموافق لمنهج السلف أقول في الهامش: وصاحب هذا القول أشعري المذهب، حاد عن الصواب في كذا، أو وهو مرجئ في مسألة كذا، غفر الله له. فالنقل يكون مع التبيين، وعندما أقول لطلبتي: لا تقرأ لهذا ولا لهذا ولا تسمع لهذا فمن نسمع؟ فهؤلاء علماء الأمة وهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، فهذا المنهج ضيع علينا الكثير والكثير. وقد سألني بعض الإخوة: ما تقول في الشيخ فلان؟ قلت: رجل يبلغ دعوة الله، إن أخطأ بين خطؤه دون تجريح. وهناك مدرسة تعظم الرجال، وتأخذ أقوال علمائها مسلمة، وتعلقها على الجدران، قال فلان كذا، وتقدس أقواله، وإذا تكلم أحد على أقوالهم تقوم الدنيا ولا تقعد، فهم يعظمون الرجال، ومنهج أهل السنة أنهم لا يعرفون الحق بالرجال، وإنما يعرفون الرجال بالحق. هذه الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع.

خطورة اللسان

خطورة اللسان يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: (من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة). والكثير منا يضمن ما بين فخذيه، ولكن من منا يضمن ما بين لحييه؟ يقول ابن القيم رحمه الله: كم من زاهد ورع متنسك عابد يصلي ويصوم ويسبح ويخشى الله إلا أنه لا يمر عليه يوم إلا زل لسانه في قدح أعراض الناس وفي تتبع عوراتهم وفي متابعة أخبارهم. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم). فهذا اللسان على صغر حجمه خطره كبير جداً، وإذا راقبت ما تقوله في اليوم والليلة وقيدت ما تتحدث به فستجد أنك تترك للسانك الحرية في تتبع العثرات. قال الإمام الشافعي: العلماء هم الأولياء، والله يقول: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب). وإمام أهل السنة ابن حنبل يروى أنه كان متكئاً من مرض، يعني: يجلس متكئاً، فذكر عنده عالم من العلماء فجلس واعتدل وقال: لا ينبغي أن يذكر عندنا العلماء وأنا جالس هذه الجلسة، فكان متأدباً حتى في غياب العلماء. وقد قال محمد بن سيرين: علم بلا أدب كالنار بلا حطب. ولننظر إلى حال طلبة العلم من السلف مع علمائهم حتى نتعلم الكثير من الأدب.

أسباب الوقوع في العلماء

أسباب الوقوع في العلماء أسباب هذه الظاهرة متعددة، منها: السبب الأول: الغيرة، فهذا العالم يحضر له الآلاف، وهذا يحضر له عشرات، وإن زادوا عن العشرة فالحمد لله، فيبدأ يغار. وكما قال العلماء: إن العلماء يغارون من بعضهم، ويتناطحون كما تتناطح البهائم في زرائبها. ولذلك فكلام الذين يتكلمون في بعضهم نسميه كلام الأقران، والقرين يعني: المعاصر، فتأخذ كلامه في قرينه بحذر، فكلام الأقران يطوى ولا يروى. السبب الثاني: الحسد. السبب الثالث: الهوى. السبب الرابع: التقليد، فتجد أحد الناس يقول لك: لا تسمع لفلان، فإذا قلت له: هل سمعته؟ يقول: لا، أخبرني فلان أنه يقول كذا، فيقلد من ينقله له، وكثير من طلبة العلم لا يضبط السماع، ولا يسمع بتركيز، ويسمع ما يهوى أن يسمع، فينقل للعالم أقوالاً ما قالها، وينقل الثاني والثالث، ثم إن الدائرة تتسع، وإذا رجعت إلى العالم يقول: والله ما قلت، ويكون المصدر قد سمع خطأ، فالواجب عليك أن تراجع. السبب الخامس: التعصب الأعمى الذي أضاعنا وأضاع الأمة، وأخطر جماعة الآن على الساحة هي الجماعة الحزبية التي تحزب أفرادها، فهم حزب واحد لا يسمعون إلا لبعضهم البعض، ويقدحون في علمائنا، فهذه الجماعة التي تدعو إلى الحزبية البغيضة هي أخطر على الأمة من أي شيء؛ لأنها تطعن في وحدة الأمة، ونحن جميعاً سواء، فتجد أحدهم يمشي ويقول: أنا أنصاري، أنا تبليغي، أنا سلفي، ثم يعقد جماعة وبيعة تحت الأرض ويقيم أسراً بالليل أو بالنهار، فيا عبد الله! أعلن عن نفسك، وليكن كلامك عاماً أمام الجميع، وأما أن تتكلم تحت الأرض فأنت حزبي ماكر، وهذا الكلام قد لا يعجب البعض. وكم عانينا في قرانا من هؤلاء، وتخيلوا أنهم مرة عند محاضرة لعالم سلفي فصلوا الميكرفون وقطعوا السلك، وفي محاضرة في بلد بجوار الزقازيق أتوا بسيارة ووضعوها أمام المسجد؛ ليرتفع صوتها؛ حتى لا يخرج صوت المحاضر، فهؤلاء ناس يبغضون علماء الأمة، ولا ينتمون إلا لعلمائهم، ولا يحضرون إلا دروس بعضهم بعضا، وإن كان العالم لا ينتمي إلى جماعتهم فلا يسمعون له، فهذه جماعة خبيثة، فلنحذر من التعصب الأعمى لمذهب أو لجماعة وصدق من قال: جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات، فجماعتنا جماعة واحدة، وأما تعدد الجماعات والولاء والبراء على أساسها فليس من ديننا في شيء فالمسلمون كلهم جماعة واحدة، والعمل الجماعي مطلوب، ولكنه في النور وليس في الظلام، وعلى غير أسماء، والولاء والبراء في عقيدة السلف لله ولرسوله. السبب السادس: التعالم، ومعنى التعالم: أن البعض يبدأ في طلب العلم ثم يظن أنه قد بلغ أقصاه. ومنها كره الحق، ومنها مخططات الأعداء.

الآثار المترتبة على الوقوع في العلماء

الآثار المترتبة على الوقوع في العلماء الأثر الأول: أن يرد الناس ما يقول من حق، فالمشركون حينما أردوا أن يطعنوا في الإسلام طعنوا في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعطيك مؤشراً خطيراً، فإذا أراد أحد أن يهدم دعوة فإنه لا يطعن في الدعوة ولا فيمن يحملها ويبلغها، فإذا أرادوا أن يصرفوا الناس عن العالم طعنوا فيه، وقالوا: هذا عميل للصهيونية أو هذا رجل آكل للحقوق، أو أنه في بيته كذا وكذا، ويطعنون في علمه. الأثر الثاني: جرح العالم تجريحاً لميراث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يبلغ ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأثر الثالث: أن ينصرف طلاب العلم عن مجلسه، وهذا حدث عندنا في القاهرة، وهذا صد عن سبيل الله، وأقسم بالله أن بعض الجماعات الحزبية إذا حضر في لقاءاتنا منهم شخص شطب من الجماعة وحوصر حصاراً اجتماعياً؛ لأن هذا الذي يحاضر ليس من جماعتهم، وهو عميل لنظامهم، ثم يكيلون له التهم العديدة المبيتة والمعدة سلفاً. وإذا كان في بعض المحاضرات محاضرة لعالمهم بعد المتحدث الأول، فإنهم يجلسون في الطريق العام حتى ينتهي المتحدث الأول ثم يدخلون إلى محاضرهم، وهذه هي الحزبية البغيضة بعينها. وهؤلاء يتتبعون زلات العلماء، ويظلون يروجون لهذا وهذا، وقد قابلت بعضهم فإذا بهم قد انتكسوا على أعقابهم، ولابد أن ينتكسوا؛ لأنهم دخلوا في الطريق الخطأ، فإذا حدثك أحد عن عيوب عالم فقل له: أمسك لسانك واتق الله في نفسك، ولا تنجرف مع التيار، وهل أنت تريد أن تنصح العالم أم تريد أن تفضحه؟ فهناك فرق بين النصيحة وبين الفضيحة، فانصح ولا تنقل، وليس معنى ذلك أن نعظم أو نقدس أقوال العلماء، وأن لا نرد على المخطئ خطأه، فلا تفهموني بهذه الطريقة، وإنما نبين أن من قال كذا فقد جانبه الصواب، والحق كذا، ولكن برأفة ورحمة وعدم تجريح أو تعريض. الأثر الرابع: تقليل هيبة العالم في نظر العامة، فحينما يجرح العالم يفقد الهيبة التي كان الناس يحملونها له في صدورهم.

علاج ظاهرة الوقوع في العلماء

علاج ظاهرة الوقوع في العلماء علاج هذه الظاهرة منها ما يتوقف على العلماء ومنها ما يتوقف على طلاب العلم:

الواجب على العلماء لعلاج هذه الظاهرة

الواجب على العلماء لعلاج هذه الظاهرة فأما ما يتوقف على العلماء: أولاً: يجب على العلماء أن يبتعدوا بأنفسهم عن مواطن الشبهات، ولذلك قالوا: زلة العالم مضروب لها الطبل، فينبغي على العالم أن يبتعد عن مواطن الشبهات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية). وبعضهم يجمع النساء المتبرجات في المسرح ويحاضرهن! وهذا غريب، وهذه أول مرة نرى فيها هذا الكلام، وأحد الإخوة عرض سيدي لمثل هذه المحاضرة، وفيها البنت جالسة وواضعة رجل على رجل والعالم جالس أمامها، ويقولون: هو يبلغ يا شيخ! فيبلغ بهذه الطريقة! وبعض النساء تجلس تنظر إليه بإعجاب، وهذه فتنة يا عبد الله! فلا يستدرجك الشيطان لمثل هذه الفعلة، فمن قال لك: إن الغاية تبرر الوسيلة؟ فهذه ميكافللية. وإذا قلت: نجعل للنساء مكاناً وللرجال مكاناً، بحيث لا تراني النساء وأنا أحاضر فسيقولون: هذه سلفية رجعية متزمتة متحجرة. هذا هو الإسلام والدين يا عبد الله! لا أن يجلس أمام امرأة متبرجة ويحاضرها، فحاضرها عن الحجاب، وقل لها: شروط الحجاب ثمانية، فستقوم وتنصرف، وهنا قد يقول قائل: لابد أن يدخل لها أولاً حتى يأخذها، وأقول: أخاف أن تأخذه هي قبل أن يأخذها. فهذا العمل ترخيص للعلم الذي يحمله، وهذا الكلام نقد عام وليس تجريحاً لأحد، وإنما هو منهج نبينه، فينبغي على العالم أن يبتعد عن مواطن الشبهات تماماً؛ لأنه يحمل دعوة، وتحركاته محسوبة تماماً. ثانياً: أن يعمل بعلمه، لا أن يقول على المنبر أو في التلفزيون: الدخان حرام حرمه الله وأدلة التحريم كذا، ثم بعد الخطبة يطلب سيجارة أو يتحدث عن اللحية وإعفائها وهو حالق لها، فكيف سيؤخذ كلامه؟ وكيف يتحدث عن أمر لا يقوم هو به؟ وكيف يتحدث عن وجوب صلاة الجماعة وهو يصلي منفرداً؟ هذا ممن قال الله في حقه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]، فأين العقل؟ ثالثاً: أن يحذر من الاستدراج؛ لأن بعض الطلبة يضعون له السم في العسل، ويستدرجونه إلى ما يريدون، ويسترسلون أحياناً في السؤال، فليكن يقظاً منتبهاً، والبعض يعيد السؤال بشكل آخر حتى يزل العالم، وهدفه أن يحفر له حفرة ينزلق فيها. رابعاً: أن لا يتعجل في الفتوى، بل يتريث ويدرس الموضوع والآثار المترتبة عليه وينظر إلى الواقع وإلى حال السائل، وهذا فهم عميق يحتاج إليه. خامساً: أن يكون جريئاً في الحق، لا يخاف فيه لومة لائم، كالصحابة والتابعين، ومثل الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله تعالى في عصرنا، فقد خرج رئيس الجمهورية محمد نجيب يوماً وأعلن أمام الجمهور وفي التلفاز وفي كل الوسائل أنه سيصدر قانوناً يسوي فيه بين الذكر والأنثى في كل شيء، وهذا الكلام يعارض الشرع تماماً، فلما سمع الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله بهذا أرسل إليه قائلاً: إن لم تعتذر عما قلت علناً في الصحف والنشرات فسألبس كفني غداً وأذهب وكل من معي من العلماء إلى ميدان التحرير، فأرسلوا إليه يعتذرون سراً، فقال: لا أقبل إلا أن يكون الاعتذار أمام الناس جميعاً على صفحات الجرائد وفي الإذاعات المسموعة، فخرجت الصحف بالاعتذار، وأنها قد كذبت فيما قالت، وأن الصواب كذا، واعتذر محمد نجيب عما صرح به؛ لوقفة العالم الذي لا يتبع الهوى، ولا يصدر الفتوى حسب الطلب. وفي عام 1989م صدرت الفتاوى بأن ختان الإناث مشروع في الكتاب والسنة، وفي عام 2003م صدرت بأن ختان الإناث غير مشروع أيضاً في الكتاب والسنة، وفي أول سنة 1998م صدرت الفتاوى بأن فوائد البنوك حرام بإجماع أهل العلم، وفي آخرها صدرت الفتاوى بأن فوائد البنوك حلال، فما هذا يا عبد الله؟ نسأل الله العافية. فيجب أن تحترم علمك ولا تخف في الله لومة لائم، وقل الحق ولا تخش إلا الله عز وجل، ولا تحافظ على مقعدك أو على مكسبك المادي، ولا تبع دينك بدنيا غيرك، واعلم أنك إن قلتها مت وإن لم تقلها مت، فقلها ومت يا عبد الله! فالحق أبلج والباطل لجلج، وإذا سئلت عن النقاب، فلا تقل: ليس له أصل في شرع الله، وهو عادة جاهلية، وأنت أستاذ في التفسير، تقرأ كتب التفسير وتعلم ما في ابن كثير والطبري، فهل كان العلماء جهلة وأنت الذي تصحح لهم؟ فلابد للعالم أن يكون جريئاً. ولما خرج مروان بن الحكم إلى صلاة العيد أخرج المنبر إلى المصلى، وهذا بدعة، فمن السنة أن يخطب الخطيب وهو واقف على الأرض، فلما رأى أبو سعيد المنبر في مصلى العيد ومروان بن الحكم يريد أن يعتلي المنبر ليخطب الناس أمسك به وقال: لقد غيرتم والذي نفسي بيده، يعني: يمسك ولي الأمر أمام الناس مراعاة للمصالح والمفاسد. والعز بن عبد السلام سلطان العلماء لما خرج ولي الأمر يسير في الطريق العام والناس حوله قال له بصوت مرتفع: يا فلان! فقال: من المنادي؟ قال: أنا

الواجب على طلبة العلم تجاه هذه الظاهرة

الواجب على طلبة العلم تجاه هذه الظاهرة أما ما يجب على طلبة العلم تجاه العلماء فهو: أولاً: أن يفرقوا بين التجريح الشخصي وبين إظهار الحق، فإظهار الحق لا بأس به، ولكن بدون تجريح، فالفرق بين هذا وهذا كبير. ثانياً: أن يجلوا العلماء ويحترموهم ويعرفوا لهم قدرهم ويتقوا الله فيهم. وقد كان الصحابي يأتي إلى بيت صحابي آخر ليسأله عن مسألة علمية فإذا وجده نائماً جلس على باب داره ينتظره حتى يخرج إليه، ولا يقلق راحة شيخه، وإنما كانوا على أدب جم في الطلب، ويوم أن ضاع هذا الأدب ضاعت هيبة العلماء وحدث ما ترونه الآن. فظاهرة استباحة لحوم العلماء ظاهرة خطيرة، الأمر الذي دفع بعض علمائنا إلى أن يؤلف كتباً في هذه الظاهرة، ومنها لحوم العلماء مسمومة للدكتور ناصر العمر حفظه الله تعالى، والدكتور بكر أبو زيد له كتاب موقف علماء الأمة من الوقيعة في علماء الأمة، وكذلك الشيخ المقدم وغيره من علماء الأمة الذين صنفوا في هذه الظاهرة. فإياك إياك أن تنجر إلى هذه الظاهرة، وتحذر من علماء الأمة، ولكن حث الناس على طلب العلم. وبين الحق دون جرح، ودون غيبة أو نميمة. أسأل الله سبحانه أن يطهر ألسنتنا، وأن يرزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التعامل مع أخطاء العلماء

كيفية التعامل مع أخطاء العلماء Q هل من الوقوع في العلماء أن نبين من نعلم وقوعهم في بعض البدع العقدية مثل الإرجاء؟ A لا ليس من الوقوع فيه، وقل: من قال كذا فقد أخطأ والصواب كذا، ولا تجرح وتحذر وتقول: هو مرجئ؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب، فربما يقول قائل قولاً هو قول المرجئة وهو ليس من المرجئة، فلا تصنف الناس إلى مرجئة ومعتزلة وخوارج، وبين الحق دون تجريح، وإن كان الأولى أن تتصل بمن قال حتى يصحح قوله، فإن أبى أن يصحح قوله فصححه أنت دون تجريح، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)؟ فبين أن هذا الفعل أو القول بدعة، وأنك إنما تريد له الخير، دون تجريح لشخصه.

مدى صحة القول بأن اختلاف العلماء رحمة

مدى صحة القول بأن اختلاف العلماء رحمة Q هل القول بأن اختلاف العلماء رحمة صحيح؟ A ليس بصحيح مع الإطلاق، فالاختلاف ليس رحمة على الإطلاق، وإنما إن أخذنا هذا القول ليكون منطلقاً للبحث عن الحق، فهذا هو الصواب.

القدوة السيئة في الالتزام

القدوة السيئة في الالتزام Q ابنتي تدرس في كلية طب عين شمس وكان تقديرها قبل أن تلبس النقاب جيد جداً في كل سنة، وبعد أن لبست النقاب أصبحت تنجح بصعوبة، وتريد ترك الكلية بحجة أن التعليم للمرأة حرام، فما رأي الدين في ذلك؟ A هذه من الظواهر التي تؤلمنا كثيراً، فقبل الالتزام يكون الشاب أو الفتاة في الدراسة متفوقاً أو متفوقة تماماً، ومتقدماً على الجميع، ويضرب به المثل في التفوق، ثم بمجرد أن يلتزم أو أن تلتزم يعود إلى الوراء، ويقول: إني أطلب العلم، وينام إلى الساعة الثانية عشرة بحجة أنه يصلي الفجر ويجلس حتى الشروق يقرأ القرآن ويردد أذكار الصباح، فيكون نموذجاً سيئاً في الالتزام، فهذا معناه أنه يتأخر بالالتزام، فهذه كان تقديرها جيد جداً في كل سنة وبمجرد أن لبست النقاب أصبحت تنجح بصعوبة، فربط الأب بين النقاب وبين تأخرها، فهذه تعطي قدوة سيئة، وتقول للناس بلسان الحال لا بلسان المقال: إن النقاب سبب في التأخر، وقد ظنت بأنها ستتقدم. وبعض الإخوة قبل التزامه كان يذهب إلى العمل الساعة الثامنة ويعود الساعة الثانية تماماً، وكان ملتزماً في حضوره وانصرافه بنسبة 100%، وبعد التزامه أصبح يذهب الساعة الثامنة ويرجع الساعة الثامنة وخمس دقائق، ويوقع في الدفتر الحضور والانصراف في وقت واحد، وهو يعطي بذلك نموذجاً سيئاً للالتزام، فقد كان قبل الالتزام يعمل ويعرق ويكسب ويأتي بما يكفيه وبعد الالتزام لا عمل ولا طلب الرزق، وإنما يعيش هكذا. فهذه النماذج هي التي تعطي لأعدائنا فرصة لتهجم علينا. فيا أيتها الأخت الفاضلة! اتق الله في نفسك، وكوني طبيبة للنساء؛ حتى نرسل لك الزوجات، أو طبيبة للأطفال؛ حتى نرسل لك الأبناء بدلاً أن ندفع الأبناء والزوجات إلى أطباء علمانيين لا يتقون الله عز وجل، وتعلمي هذا العلم، وادفعي عن الأمة الشر، وابتغ بعلمك وجه الله، ونفع الأمة. والجامعة فيها اختلاط، والاختلاط حرام لا شك في هذا، لا يختلف في ذلك اثنان، ولكن لابد من مراعاة المصالح المترتبة على ذلك، بمعنى إن استطعت أن تعتزلي فاعتزلي، والمحاضرة التي ليس لك أن تحضريها فكلفي غيرك من أخواتك أن تتناوب معك في الحضور على قدر الاستطاعة، وهي مدة زمنية ستنتهي. وأسأل الله أن يوفقك، وأن يدفعك إلى الأمام، وليس هذا إلا من حبنا لك.

حكم البول قائما

حكم البول قائماً Q إذا تبول الرجل قائماً هل يجب عليه أن يزيل رذاذ البول الذي لا يراه، وكيف يزيله؟ A التبول قائماً مكروه إلا من عذر، والعذر: أن يجد في ساقه تعب لا يستطيع بسببه الجلوس، أو أن يكون في مكان بحيث إذا تبول وهو جالس أرتد عليه البول فيتبول من مكان مرتفع، كحديث حذيفة: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال وهو قائم). وهذا حديث صحيح، ولكن هذا من عذر، وأما أن تتبول وأنت قائم بدون عذر فهذا لا يجوز أبداً، وهو من خوارم المروءة. والله تعالى أعلم. وكذلك شرب الماء يستحب الشرب جالساً، وليس على سبيل الوجوب.

حكم الإقامة في بلد لا يمكنك إقامة الدين فيه

حكم الإقامة في بلد لا يمكنك إقامة الدين فيه Q ما حكم الدين في إقامة المسلمين في بلاد الكفر، وما موقف الأخوات في فرنسا إذا ما طبق عليهن قانون الحجاب؟ A ينبغي عليها دون تردد أن تهجر هذا البلد؛ لأن البلد الذي يمنع فيه المسلم من إقامة فروض دينه ينبغي عليه أن يهجره، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:97]. ومن هنا بين العلماء أن البلد الذي تمنع فيه من الصلاة يجب عليك أن تهجره لإقامة دينك، والحجاب كالصلاة، فالحجاب فرض، وشأنه شأن الصلاة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالهجرة إلى المدينة ومن قبلها إلى الحبشة؛ لأنهم كانوا يضطهدون في دينهم، وهذا كلام معروف، ومجمع البحوث أصدر بياناً نشرته الجرائد بهذا الذي أقول.

ما يحل للعاقد من زوجته المعقود عليها

ما يحل للعاقد من زوجته المعقود عليها Q هل للزوج أن يأخذ من زوجته كل شيء قبل الدخول إلا الجماع؟ A يعني: أنت منتظر حتى تعقد وبعد هذا تأخذ كل شيء، خذ كل شيء إلا الخلوة.

ما يحق للخاطب والعاقد

ما يحق للخاطب والعاقد Q ما هو الحق الشرعي للخاطب والعاقد؟ A الخاطب ليس له حق، والعاقد بينا. السؤال: هل العاقد يقبل يا شيخ! أيضاً؟ الجواب: العاقد يقبل مطمئناً، وبعض الأخوات يهدرن هذا الحق، فلا تدعه يلمس حتى يدها، واليوم بمجرد أن يخطب ويقرأ الفاتحة ويلبس الدبلة وهذا تقليد غير إسلامي تقول أم المخطوبة لبنتها: يا ابنتي أخرجي مع خطيبك قليلاً، وتمشي معه إلى الساعة الثانية في الليل، وتجلس تكلم خطيبها في التلفون من الساعة الرابعة إلى الساعة العاشرة. نسأل الله العافية. والخطيب ليس له حقوق على مخطوبته، بل هي ما زالت أجنبية عنه، وأما العاقد فهو زوجها، ولكن ليس له أن يختلي بها.

حكم قلة المهر

حكم قلة المهر Q شخص تزوج بخمسة عشر جنيهاً، هل قلة الصداق يكون استهزاء؟ A لا، (أقلهن مهوراً أكثرهن بركة)، والمعنى: أن المرأة إذا كان صداقها قليلاً كانت مباركة، وقد يكون المهر عيناً ومالاً، أو قرآناً، فيعلمها ما معه من القرآن، ولم نر في مجتمعنا أحداً قال لشاب: زوجتك ابنتي على ما معك من القرآن؟ واليوم الذهب بثمانين جنيهاً، والرجل يريد لابنته مائتي جرام بستة عشر ألفاً؛ لأن أختها تزوجت بمائتي جرام، وقد تزوجت أختها يوم أن كان الذهب بعشرة جنيه، ويريد لها أربع حجرات، وهناك بعض الناس يوصي بعضهم البعض باقتناء الدش من أجل أن يسمعوا كذا أو كذا. وهذه الأمور ينبغي علينا أن نراعيها.

حكم منع الزوج من الزواج بأكثر من واحدة

حكم منع الزوج من الزواج بأكثر من واحدة Q ما حكم منع الزوج من الزواج بأكثر من واحدة؟ A إذا كان الزوج يستطيع العدل فلا يمنع من التعدد بحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى أباحه.

حكم اعتبار رضا الزوجة في التعدد

حكم اعتبار رضا الزوجة في التعدد Q إذا كانت الزوجة ليست راضية؟ A لم يشترط العلماء للتعدد موافقة الزوجة إلا إذا اشترطت في العقد أن لا يجمع عليها أخرى.

مدى صحة القول بأن عمرو بن العاص كان يرغم الناس على الدخول في الإسلام بحد السيف

مدى صحة القول بأن عمرو بن العاص كان يرغم الناس على الدخول في الإسلام بحد السيف Q إذا كانت السماوات سبع فأين الأرضون السبع، وما صحة القول بأن عمرو بن العاص كان يرغم الناس على الدخول في الإسلام بحد السيف؟ A هذه شبهات رد عليها العلماء، فالسماوات سبع والأرضين سبع، ولكن بعض العلماء يقولون: إن الأرضين سبع إلى أسفل وأن السماوات إلى أعلى، وأن القشرة الأرضية مركز الكون. وأما قولك: إن عمرو بن العاص أدخل الناس بحد السيف فهذا غير صحيح مطلقاً؛ لأن الله قال: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة:256]، وعمرو بن العاص كان صحابياً يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو الناس إلى الإسلام، فإن أبوا دفعوا الجزية، فإن أبوا قاتلهم. هذا والله تعالى أعلم، وللحديث بقية إن شاء الله.

المطهرات من الذنوب والمعاصي

المطهرات من الذنوب والمعاصي الإنسان في حياته كثيراً ما يقع في الذنوب والمعاصي، ومن رحمة الله عز وجل به أنه لم يغلق دونه باب التطهر والتحرر منها، وإنما جعل له سبحانه مطهرات ومكفرات ماحية لها، فعلى الإنسان أن يبتعد جهده عن الذنوب، وإن وقع في شيء منها بادر بغسلها بالتوبة والرجوع إلى ربه سبحانه وتعالى.

أحوال العباد حال خروجهم من الدنيا

أحوال العباد حال خروجهم من الدنيا الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً فهي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: حديثنا اليوم بحول الله وفضله بعنوان: المطهرات من الذنوب والآثام، أسأل الله عز وجل أن يطهرنا من المعاصي، إنه ولي ذلك والقادر عليه. إن العبد يخرج من هذه الدار الدنيا دار الغرور إما خبيثاً محضاً كحال المشركين فمآله إلى دار الثبور، وهي جهنم، يخلد فيها ولا يخرج منها؛ لأن من مات على الشرك لم يخرج من جهنم أبد الآبدين. وإما أن يخرج منها طيباً محضاً فمآله إلى دار السرور الجنة، وهذا حال الأنبياء ومن سار على نهجهم برحمة الله وفضله، وإما أن يكون قد خلط عملاً صالحاً بآخر سيئاً كحالنا نحن، فيحتاج إلى ما يطهره قبل لقاء ربه عز وجل.

أنواع المطهرات من الذنوب

أنواع المطهرات من الذنوب ولقد قسم العلماء هذه المطهرات إلى عشرة مطهرات تطهر العبد، تسعة منها في الدنيا والآخرة، والعاشر إن دخل النار فإنه يدخلها للتطهير من ذنبه؛ لأن القاعدة تقول: لا يدخل الجنة مشرك ولا يخلد في النار موحد؛ لأن الله يقول: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة)، وهذا أمر هام؛ لأنه يفرق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الخوارج -وهي فرقة من فرق الضلال- حيث يقول أهل السنة: إن المسلم الموحد إن دخل النار فإنما يدخلها للتطهير من خبثه ولا يدخلها للخلود، وإنما يخلد في النار أهل الشرك والكفر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في حديث أبي ذر الصحيح: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟! قال: وإن زنا وإن سرق وفي الثالثة قال: وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر). يقول ابن حجر في فتح الباري: والمقصود عند بعض العلماء: أنه يدخل الجنة بعد أن يطهر من ذنوبه في النار. والمطهرات العشر هي: التوبة النصوح، ثم الاستغفار، ثم الحسنات الماحية، ثم المصائب الدنيوية، ثم سكرات الموت، وضمة القبر، وكرب يوم القيامة، والشفاعات وعلى رأسها شفاعة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عفو الله عز وجل: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:129]. ولذلك قالوا: لا كبيرة إذا قابلك فضله، ولا صغيرة إذا قابلك عدله، والمقصود بهذا: إن فعلت الكبيرة ومت عليها وشاء الله عز وجل أن يعفو عنك عفا عنك، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. وفي الصحيح: أن رجلاً قبل موته أمر أهله أن يحرقوه، ثم يأتوا بجسده إلى هواء شديد ويضعوا جسده أمام هذا الهواء حتى يوزع في أنحاء الأرض، ففعلوا الوصية، فأمر الله عز وجل ذلك الجسد أن يجمع من كل مكان وقع فيه، ثم سأله: ما الذي حملك على هذا يا عبدي؟! قال: يا رب! استحييت أن أقف بين يديك، وأنا مذنب، فإذا بالله يقول: أشهدكم يا ملائكتي! أني قد غفرت له. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله). ولا يدخلها إلا برحمة الله وبفضله. إن الذنوب درن وخبث، وربنا يقول في هذا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. فكل معصية تعصي الله بها تطبع في قلبك نكتة، فإن نظرت إلى امرأة متبرجة نكت في الحال في قلبك نكتة سوداء، وإن فعلت منكراً نكت في قلبك نكتة سوداء، كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض كالصفاء)، وهو قلب المؤمن كما قال الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، (وقلب أسود منكوس). ومرض القلوب أشد على العبد من مرض الأبدان؛ لأن مرض القلب يترتب عليه أن تخسر الآخرة، {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11]. ومرض الدنيا لا يترتب عليه ذلك.

التوبة النصوح

التوبة النصوح المطهر الأول: التوبة النصوح، (والتوبة تجب ما قبلها)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد أن نعلم أن كل المعاصي يغفرها الله حتى الشرك ما دام العبد في الدنيا، كما قال الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]. وأما في الآخرة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. فيا أيها العبد العاصي! إنك في أيام بركة, فعد إلى ربك عز وجل، وطهر نفسك من دنس الذنوب والمعاصي قبل أن يأتيك ملك الموت فتنادي بأعلى صوتك: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، تقول: رب! أعدني إلى الدنيا لأعمل صالحاً ولأصلي الجماعات ولأقرأ القرآن ولأذكرك ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فعد إلى ربك، فالنفس قد يخرج ولا يعود، وقد يعود ولا يخرج، {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:84]. وقد اشترط العلماء للتوبة شروطاً، وهي: الشرط الأول: أن يندم العاصي على معصيته. الشرط الثاني: أن يقلع العاصي عن المعصية، فإن كنت مع أصدقاء سوء فاهجرهم، لأن {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. وكل الصداقات الزائفة في الدنيا تنقلب إلى عداوات يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:166]، وقد كان هؤلاء الأتباع يهتفون في الدنيا بحياتهم ويقيمون لهم السرادق ويهتفون بحياتهم، وأما يوم القيامة فقد {تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة:166 - 167]. وأول من يتبرأ منهم الشيطان الذي زين لهم المعاصي، وأضلهم عن ذكر ربهم، {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22]. وفي سورة (ق) يقول ربنا سبحانه: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27]، فقرينه الجني يقول: يا رب! أنا ما أطغيته، بل هو الذي ضل، فيقول الله لهما: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:28 - 29]. الشرط الثالث: العزم على عدم العودة، فالعزم من عمل القلوب, فلا تقل: تبت، وأنت مصر على العودة إلى المعصية، فهذا استهزاء. الشرط الرابع: رد المظالم إلى أهلها إن كانت حقوقاً لآدميين. فإن توفرت هذه الشروط الأربعة في التائب فإن الله عز وجل يبدل سيئاته حسنات، ولا ينبغي علينا أن نذكر العاصي بمعصيته، أو نفضحه بذنبه، فالمؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح، ومن ثم يأمرنا ربنا عز وجل بالإعراض عن الزانية والزاني إن تابا قال تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:16]. فالكلام عن أخبار الفواحش لا يجوز شرعاً؛ لأن فيه إشاعة الفاحشة وتشهيراً بالعاصي على الملأ، وإنما ينبغي الأخذ بيد العاصي وستره، بحيث إذا عاد إلى ربه لا نذكره بمعصيته، ومن منا لم يعص الله؟ وما منا إلا من قد ستره الله ولم يفضحه، (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي الحديث الصحيح أن رجلاً قد قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهو سفاك، سفاح، ومتخصص في إهدار الدماء، فأراد أن يتوب إلى الله، فسأل عن أعلم أهل الأرض، وحسن السؤال نصف العلم، (قال: دلوني على أعلم أهل الأرض)، ولم يقل: أعبد وإنما قال: أعلم، (فدلوه على راهب)، ولكن الراهب ما كان عالماً، فأتاه فقال: (هل لي توبة؟ قال له: لا، ليست لك توبة، فقتله فأتم به المائة). فقتل مائة نفس، وربنا في القرآن ما توعد أحداً بوعيد كما توعد الذي قتل نفساً مؤ

الاستغفار

الاستغفار المطهر الثاني: الاستغفار، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، ونوح قال لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10 - 12]. وكل ذلك باستغفار الله عز وجل، فينبغي على العبد أن يكثر من استغفار ربه، ومن سمات الأتقياء الصالحين {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. فهم يطلبون المغفرة من الله. وسيد الاستغفار أن تقول: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). وليكن شعارك: إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني وكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومن يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني فطلب المغفرة يكون من الله، وفي آخر البقرة {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286]. وقد أخرج الإمام التقي الحافظ الزاهد ابن أبي الدنيا في كتابه الدعاء المستجاب -وقد زادت مصنفاته عن المائتين مصنف، وهو مؤدب أولاد الخلفاء في العهد العباسي- (منع بنو إسرائيل القطر من السماء فجاءوا إلى موسى عليه السلام يقولون له: يا كليم الله! ادع لنا ربك أن ينزل الغيث، فدعا موسى ربه وهم يؤمنون خلفه -يقولون: آمين- ولكن الغيث لم ينزل، فأوحى الله إلى موسى: يا موسى فيهم عبد عصاني أربعين سنة مرة فأمره أن يخرج من بين صفوفهم). فالله عز وجل بسبب هذا العاصي حجب الماء، فنقول لأصحاب المعاصي الذين يحولون رمضان إلى منكرات وسهرات باطلة ويتنافسون على ما يقدمونه للناس من ضلال: اتقوا الله في خلقه، واتركوهم يعبدون ربهم، أما يكفيكم إضلال البشر في أحد عشر شهراً، حتى تكرسون الجهد وتضاعفون الضلالة في رمضان؟ (ونادى موسى على العبد العاصي: أيها العبد! اخرج من بين صفوف الناس، فلقد حرمنا الماء بسبب معاصيك، ووصل النداء إلى العبد بإذن الله، فعلم أنه هو المقصود، فطأطأ الرأس، وقال: يا رب! عبد عصاك الآن يستغفرك ويتوب إليك، رب استرني ولا تفضحني، فاطلع ربنا على صدق توبته وحسن استغفاره، فأوحى إلى موسى: أن ادع الله، وأمن الناس فنزل الماء مدراراً، فقال موسى لربه: العبد لم يخرج يا رب! قال: يا موسى! بسببه سقيتكم الماء، فقال موسى لربه: دعني أنظر إليه، فقال: يا موسى! لم أفضحه وهو عاص، فكيف أفضحه وهو تائب؟). فالله عز وجل يحب من العباد أن يستروا أصحاب المعاصي. فالمطهر الثاني: الاستغفار ولاسيما في الثلث الأخير من الليل، عندما تنام العيون إلا عين الحي الذي لا ينام، فقم في ذلك الوقت، الذي (ينزل الله إلى السماء الدنيا وينادي: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

الحسنات الماحية

الحسنات الماحية المطهر الثالث: الحسنات الماحية، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). ويقول ربنا: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. ومن ثم شرعت الكفارات؛ لتطهر العبد من دنس المعاصي. وقد قال بعض أهل العلم: إن جامع الرجل زوجته وهي حائض استحب له أن يكفر عن تلك المعصية بالتصدق بنصف دينار؛ لأن الصدقة تطهره من هذا الذنب، وكلما كان للذنب كفارة كانت الرحمة من الله، وهناك ذنوب عظيمة ليست لها كفارة، كاليمين الغموس، وهي الحلف بالله كاذباً ليأخذ حق أخيه، فهي ذنب عظيم ليست لها كفارة لعظمها، فإذا اختفت الكفارة فهذا يدل على أن الذنب عظيم، ومن فضل الله وكرمه علينا (أنه قد كتب الحسنات والسيئات، فمن هم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة فإذا فعلها كتبت له عشرا). وفي الحديث الآخر: (اقرءوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته). وكل حرف بعشر حسنات، فإذا قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2] فكم حسنة فيها؟ فإن أتممت البقرة فحدث ولا حرج عن أجر ربك عز وجل. وفي الحديث الآخر: (دخل رجل على رسول الله وقال: السلام عليكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر حسنات، ثم دخل آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي: عشرون، ثم دخل الثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي: ثلاثون). وفي الحديث الآخر: (من صلى الفجر في جماعة وجلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كتبت له حجة وعمرة تامة تامة تامة). فكم نفرط في الأجر؟. في حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان عند البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة ثم تبعها حتى يفرغ منها كتب له قيراطان، كل قيراط كجبل أحد. فبكى أبو هريرة وقال: كم ضيعنا والله من قراريط). وإن كان أبو هريرة ضيع قراريط فماذا ضيعنا نحن؟ والمسلمون منهم من تدخل الجنازة إلى المسجد ويظل ينتظرها خارج المسجد، لا يصلي فرضاً ولا نفلاً ولا على الجنازة، وإنما ينتظر خروجها ليتبعها، ولا يوجد شيء يمنعه أن يصلي الفرض والجنازة إلا إذا كان عنده حيض في زمن يحيض فيه بعض الرجال! نسأل الله العفو والعافية. وجمع الحسنات يسير على من يسره الله عليه، ففي الحديث (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). ولعل هذا الحديث هو دليل الشيخ حافظ حكمي صاحب كتاب معارج القبول على وزن العامل أو العمل أو صحائف الأعمال يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود: (إن قدم عبد الله أثقل يوم القيامة عند الله في الميزان من جبل أحد). فهذا دليل على أن قدمه توضع في الميزان، فإذاً العامل يوزن. ويقول ربنا عن المجرمين: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]. فلا يزن المجرم جناح بعوضة، فيؤتى بالرجل الطويل العريض ويوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة. ويوزن العمل، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (ثقيلتان في الميزان)، وصحائف الأعمال توزن بدليل حديث البطاقة، (إن الله يخرج للعبد تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل منها مد البصر فيظن أنه قد هلك، فتخرج له بطاقة فيها لا إله إلا الله، فتوضع في كفة والسجلات في كفة، فلا يثقل مع اسم الله شيء). وهذا معناه: أن صحائف الأعمال توزن. فإذا فعلت ذنباً فسارع بفعل طاعة، فإن الحسنة بعشرة أمثالها، كما قال ربنا سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [الأنعام:160]. يقول ابن القيم: إن الله قال: (من جاء) ولم يقل: من فعل؛ لأنه ربما يفعل الحسنة ولكنه يبددها ويحبطها قبل لقاء الله، ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، وقد يأتي بحسنات من صيام وحج وزكاة وأمر بالمعروف، ولكنه يأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وقذف عرض هذا واغتاب هذا وفتن على هذا ووقع في عرض هذا، ولابد من القصاص، فهذا يأخذ من حسناته وهذا يأخذ من حسناته، فهو مسكين، يفعل الحسنات لغيره، فهو يصلي لغيره، حتى إذا انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في نار جهنم. نسأل الله العافية. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

المصائب الدنيوية

المصائب الدنيوية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. المطهر الرابع: المصائب التي تنزل بالعبد المؤمن، فكل مصيبة تنزل بك فتصبر عليها، لأن الله يكفر بها من خطاياك، حتى الشوكة تدخل في قدمك تكفر الخطايا، وإذا تعددت المصائب على العبد فصبر عليها فليعلم أن هذا تمحيص وابتلاء، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156]. فالمصائب التي تنزل على العبد يكفر الله سبحانه وتعالى بها من ذنوبه.

سكرات الموت

سكرات الموت والمطهر الخامس: سكرات الموت، وهي كرب الموت وشدته، وأهوال الموت لم ينج منها أحد ولو نجا منها أحد لكان أحق بالنجاة منها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري أنه لما جاءه الموت ودخل في سكراته أمر عائشة أن تأتيه بإناء، فوضعوا الإناء بجواره، فكان يأخذ من الماء البارد ويصب على رأسه الطاهرة ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم هون علي سكرات الموت). (ودخل ابن مسعود عليه وهو يوعك وعكاً شديداً فقال: يا رسول الله! إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، فقال ابن مسعود: ذلك لأن لك أجرين؟ قال: أجل). فكلما اشتدت السكرات زاد الأجر. وكما قال ابن تيمية شيخ الإسلام: حال الروح مع الجسد كحال الماء مع الإسفنجة، فالإسفنجة حينما تمتص الماء يكون الماء في كل أطرافها، وكذلك الروح تسكن في كل أنحاء الجسد، فعندما يأتي ملك الموت يجمعها من القدمين ومن الساقين إلى الفخذين ثم إلى البطن ثم إلى الصدر حتى تصل الحلقوم ثم إلى التراقي، ثم عند ذلك ينزعها ملك الموت لتفارق الجسد؛ لأن الموت عند العلماء هو مفارقة الروح للجسد، فإذا أراد ملك الموت أن ينزعها شعر العبد عند ذلك بشدة وبكرب شديد، ولذلك يقول ربنا: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:19 - 20].

ضمة القبر

ضمة القبر المطهر السادس: ضمة القبر، للقبر ضمة لن ينحو منها أحد؛ لأن سعد بن معاذ سيد الأنصار الذي اهتز عرش الرحمن لموته كما عند البخاري ما نجا من ضمة القبر، وهذه الضمة يكفر الله بها من خطايا العبد المؤمن.

كرب يوم القيامة والشفاعات

كرب يوم القيامة والشفاعات ثم كرب يوم القيامة وساعات الانتظار تكفر الخطايا والذنوب. ثم الشفاعات يشفع الله عز وجل فيك من شاء، وسنتكلم عن الشفاعة بعد الجمعة إن شاء الله لأهميتها.

عفو الله عز وجل

عفو الله عز وجل ثم عفو الله عز وجل. فإن مررت على هذا كله وشاء الله أن تدخل النار فإنك تدخلها للتطهير لا للخلود.

حال الأمة الإسلامية اليوم

حال الأمة الإسلامية اليوم إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم يجد أن الأمر قد تبدل، وأن المهانة قد علت على هذه الأمة التي هي {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. فلما دخل التحالف الشمالي الأثيم إلى أفغانستان المسلمة خلع النساء النقاب. وإخوان القردة والخنازير لا يريدون لأي بلاد أن يكون فيه سمت إسلام أو نقاب أو لحية أو صلاة أو حكم بالشرع، مع أنه حتى البقر لها بلد تحميها، فالهندوس في الهند يعبدون البقر بحرية، وأما الإسلام فليس له الآن إلا الله رب العالمين، فكلما أرادت بلد أن تطبق شرع الله أو تلزم به الرعية اجتمع عليها إخوان القردة والخنازير، فهم لا يريدون أن يقوم للإسلام قائمة، وأنا أقول لهم: إن دين الله قادم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. وبالأمس القريب أصدر جورج بوش اللعين الملعون عليه من الله ما يستحق قراراً لأتباعه أن يضعوا السودان والصومال واليمن على رأس خريطة ضرب دول العالم الإسلامي، والدور سيأتي تبعاً على الباقي يا عباد الله! أسأل الله سبحانه أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين. اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم إنا نسألك رفعة لراية التوحيد في ربوع العالم يا رب العالمين! وأن تمكن لدينك في الأرض يا رب! وأن تنتقم من الكفرة المشركين، وتمكن لعبادك المستضعفين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك -يا رب! - سلمنا. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين. اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وسجودنا، واختم يا رب! بالباقيات الصالحات أعمالنا. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشفاعة

الشفاعة من مطهرات الذنوب الشفاعة، وقد وجد في زماننا الآن من يتحدث عن عدم ثبوتها، وعندنا الآن حرية كفر لا حرية فكر، فهم يقولون: حرية فكر، ونحن نقول: حرية كفر وردة، فالآن من يريد أن يتحدث يتحدث في كل شيء، حتى وإن طعن في القرآن، أو في الصحيح المتواتر الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، مع أن الشفاعة متواترة، يقول الشيخ التاؤدي رحمه الله: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض فالشفاعة أحاديثها متواترة، ومنكر المتواتر كافر عند العلماء؛ لأن المتواتر يفيد العلم القطعي؛ لأنه رواه جمع عن جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، والشفاعة نقلت إلينا بالتواتر.

أقسام الشفاعة

أقسام الشفاعة الشفاعة تنقسم إلى قسمين: شفاعة في الدنيا، وشفاعة في الآخرة.

أقسام الشفاعة في الدنيا

أقسام الشفاعة في الدنيا شفاعة الدنيا تنقسم إلى قسمين: شفاعة مقبولة مأمور بها، وشفاعة مردودة محرمة. فأما الشفاعة المقبولة فهي: أن تشفع لنصرة مظلوم على ظالم، أو أن تشفع لإيصال حق لصاحبه، أو أن تشفع لقضاء مصلحة لأخيك المسلم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا). ويقول الله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء:85]. وأما الشفاعة المردودة فهي الشفاعة لتعطيل حد من حدود الله، أو لنصرة ظالم على مظلوم، وقد حاول ذلك أسامة رضي الله عنه يوم أن جاء يشفع للمرأة التي سرقت فقال: يا رسول الله! المرأة في مجتمعها لها حسب ونسب فلا تقم عليها الحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها). فهذه شفاعة مردودة، ولذلك يقول ربنا: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء:85]. وفي البخاري أن مغيثاً كان متزوجاً من بريرة، فأعتقتها السيدة عائشة، فأصبحت حرة لها أن تختار إما أن تظل مع زوجها وإما أن تخلع نفسها منه، فخلعت نفسها، وكان مغيث يحبها فكان يبكي خلفها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمه العباس: (ألا تعجب يا عم! من حب مغيث لـ بريرة ومن بغض بريرة لـ مغيث)، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بريرة! زوجك مغيث عودي إليه، قالت: يا رسول الله! أتشفع أم تأمر؟ قال: بل أشفع، قالت: إذاً: أنا لا أريده يا رسول الله!). ففرقت المرأة بين الشفاعة والأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. فإذا أمرت امرأة بالحجاب أو الرجل بإعفاء اللحية فليس لهما إلا أن يقولا: سمعنا وأطعنا، وينفذان الأمر دون مناقشة أو معرفة العلة. يقول عمر للحجر الأسود: والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كما قال ابن مسعود.

أقسام الشفاعة في الآخرة

أقسام الشفاعة في الآخرة أما الشفاعة في الآخرة فقد قسمها العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية والطحاوي في الطحاوية وغيرهما إلى أنواع متعددة: شفاعة المقام المحمود، وهي الشفاعة الثابتة لنبينا عليه الصلاة والسلام؛ لقول ربنا سبحانه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]. والشفاعة لإقامة الحساب أو للفصل بين العباد في الآخرة. والشفاعة لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهم أهل الأعراف، فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة. والشفاعة لأناس في النار فيخرجون منها بشفاعة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، كما جاء في مسند الإمام أحمد: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، أي: أنه يشفع لهم بعد دخولهم النار. ويشفع لأناس في النار كـ أبي طالب، فينتقل من عذاب شديد إلى عذاب أقل مع بقائه في النار؛ لأنه مات على الشرك والكفر. والشفاعة لأناس في الجنة ليرتقوا من درجة إلى درجة أرفع منها.

كيفية التعامل مع الأدلة الشرعية

كيفية التعامل مع الأدلة الشرعية بعض الناس لا يحسن التعامل مع النصوص الشرعية، فقبل أن تصدر حكماً شرعياً لابد أن تجمع في المسألة كل النصوص، لا أن تأتي بدليل واحد، فتجمع كل النصوص، وإن ظهر التعارض بين بعضها فتحاول أن توفق وتجمع بينها، فإن استحال الجمع نظرنا إلى الناسخ والمنسوخ، ثم نلجأ إلى الترجيح، فالتعامل مع الأدلة الشرعية يكون على خطوات. 1 - جمع الأدلة. 2 - محاولة الجمع والتوفيق. والشيخ الشنقيطي رحمه الله صاحب كتاب أضواء البيان له كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، مثل قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة:9]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فأتوها وأنت تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون). فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السعي والآية تأمرنا بالسعي، فقال العلماء: السعي في الآية يختلف عن السعي في الحديث، إذ السعي في الآية معناه: جمع الهمة، يعني: اترك التجارة واجعل همك الصلاة، والسعي في الحديث معناه: إسراع الخطا، وكقول ربنا عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1]، وفي موضع آخر قال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين:1 - 3]، ففي الموضع الأول قال: لا أقسم، وفي الثاني قال: وهذا البلد، فلا أقسم الأولى يعني: أقسم. فهذه الآيات والأحاديث ظاهرها التعارض، وهي بحاجة إلى جمع وإلى توفيق، وكثير من العلماء جمعوا بين ما ظاهره التعارض؛ لأنه يستحيل أن تتعارض آيات ربنا عز وجل، وعلينا أن نتهم أنفسنا بعدم الفهم لا أن نتهم الأدلة بالتعارض أو بالبطلان، كما رد الدكتور مصطفى محمود حديث البخاري الذي فيه أن موسى فقأ عين ملك الموت، وقال: أنا لا أقبل هذا الحديث، وكذب البخاري وكذب الرواة وكذب الدنيا كلها وطعن في الصحيح؛ لأنه لم يفهم الحديث، وكان عليه أن يتهم فهمه قبل أن يتهم البخاري بالكذب. وهذا الحديث له معان، منها: أن ملك الموت جاء إلى موسى وتسلق الجدار فدخل بدون إذن في صورة بشرية، ويجوز لك في الشرع إذا دخل عليك الدار أحد دون أن يستأذن ونظر في بيتك أن تفقأ عينه، ثم لما عرف أنه ملك الموت اختار الموت. ففقه الحديث مهم. وهناك الآن مدرسة تسمى بالمدرسة العقلانية، وهناك أعلام من العلماء يتبعون هذه المدرسة، وهذه المدرسة تقول: نعرض الحديث على العقل، فإن قبله العقل قبلناه، وإن رفضه العقل رد، حتى وإن كان في الصحيح. فنقول لهم: اتقوا الله في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وفي مسألة الشفاعة هناك آيات أثبتت الشفاعة وآيات نفتها، فعلينا أن نوفق بينها، فإن استحال التوفيق، فالنسخ، فإن لم نجد نسخاً عملنا بالترجيح، ويرجح بأكثر من مائة مرجح كما عند علماء الأصول، منها: أن ما رواه البخاري ومسلم مقدم على ما انفرد به البخاري، وما رواه البخاري مقدم على ما رواه مسلم، والدليل القولي مقدم على الدليل الفعلي، والمثبت مقدم على النافي، وغيرها من القواعد المعمول بها عند العلماء. فالمسألة ليست حسابات بسيطة، بل هي مسألة علماء، فهناك آيات قالت: إن هناك شفاعة، كقول ربنا عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28]. وكقول ربنا عز وجل: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87]. وقول ربنا عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]. فهذه تثبت الشفاعة بشروط. وهناك آيات نفت الشفاعة، كقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]. فـ (حميم) يعني: صديق، وفي قول ربنا عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]. والتوفيق موجود هنا ومعمول به ومقر؛ لأن الأدلة من السنة تبين هذا المعنى، فالشفاعة المنفية في القرآن هي الشفاعة للمشركين والكفار، فقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ} [غافر:18] يعني: ما للكافرين، فالظلم أحياناً يأتي بمعنى الكفر، وهناك ألفاظ في القرآن لكل لفظ منها أكثر من عشرة معان، مثل: لفظ النكاح، يأتي بمعنى عقد الزواج، وبمعنى البناء، وبمعنى بلوغ الرشد. ففي قول ربنا: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:6] النكاح هنا المقصود به الرشد، وفي قول ربنا سبحانه: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:22] المقصود به العقد، فإن عقد الأب على المرأة يحرمها على الابن حتى وإن

شروط الشفاعة

شروط الشفاعة فالآيات التي نفت الشفاعة نفتها عن المشركين والكافرين، والآيات التي أثبتتها أثبتتها لمن مات على كلمة التوحيد، بشروط ثلاثة: 1 - إسلام المشفوع فيه، فلابد أن يكون مسلماً موحداً. 2 - الإذن للشافع بالشفاعة، فلابد أن يأذن الله لمن يشفع. 3 - الرضا عن المشفوع فيه، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]. فهي مقيدة بهذه الثلاثة، وأما ضرب النصوص ببعضها دون جمع ولا توفيق فهذا من سوء الفهم وعدم العلم. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً يا رب العالمين!

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لمن لا تلبس الحجاب

نصيحة لمن لا تلبس الحجاب Q كيف أقنع زوجتي بالنقاب، أرجو تقديم النصيحة لزوجتي؟ A ماذا أقول: أتريدين للذئاب البشرية في زمننا أن تنظر إلى لحمك وعورتك؟! ألا تتقين الله عز وجل؟ أما تعلمين أنك غداً ستدخلين قبراً، وأن هذا الوجه الجميل ستأكله الدود؟ أما تعلمين أنك ستسألين غداً عن كل فساد أحدثتيه للشباب المسلم، وإن كان العلماء قد اختلفوا في وجوب النقاب إلا أن الذين قالوا بعدم وجوبه قالوا: وفي زمن الفتنة يجب على المرأة أن تنتقب، وأي فتنة أعظم من التي نحن فيها الآن؟ فيا أيتها الأخت المسلمة! نقابك واجب كما تصلين، فاستجيبي لأمر ربك، وزوجك يدعوك إلى الطهارة والعفاف. أسأل الله لك الهداية والتوفيق. والله أعلم.

كفارة إفطار رمضان للحامل

كفارة إفطار رمضان للحامل Q قال بعض أهل العلم: إن للحامل أن تفطر وتطعم وليس عليها قضاء، فهل إطعام المسكين يكون في رمضان أم بعد الانتهاء من شهر رمضان؛ لأنها ستظل مفطرة حتى نهاية رمضان؛ وكم المبلغ؟ A مسألة الحامل من المسائل الخلافية، والذي أفتى به ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنها تفدي ولا تصم، فقد كانا يقولان: إن الحامل عليها الفدية وليس عليها قضاء، ولكن جمهور العلماء أنها يلزمها القضاء بعد وضع الحمل وانقضاء مدة النفاس، وإن أرادت أن تأخذ برأي ابن عمر وابن عباس فلها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً في رمضان، فإن أفطرت اليوم تطعم؛ لأن التعجيل بالكفارة أمر واجب، فلعلها تموت بعد رمضان قبل أن تكفر، فالتعجيل بالكفارات أمر واجب، فإن كانت لا تستطيع القضاء، فلتطعم عن كل يوم مسكيناً، والله تعالى أعلم. ولا أقول أنها تخرج مالاً؛ لأنها إذا أعطت الفقير مالاً فلا تضمن أنه يأكل به، وقد خرجت عن مقصود الشارع وهو الإطعام، فإن لم تستطع الإطعام، فلتوكل جمعية خيرية حتى تطعم بدلاً عنها، والله تعالى أعلم.

حكم إخراج زكاة الفطر مالا

حكم إخراج زكاة الفطر مالاً Q سيدة أخرجت زكاة الفطر نقداً وأعطتها لامرأة فقيرة، فهل يجوز ذلك أم لابد أن تعيد إخراجها مرة أخرى من الحبوب؟ A هذه مسألة مهمة، وقد بحت أصوات العلماء فيها، والناس لا تزال تجادل، فزكاة الفطر تخرج عيناً كما في حديث ابن عمر في الصحيح: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أرز) وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم توجد النقود، ومع ذلك أخرج الزكاة عيناً، فقد كان يخرج زكاة المال مالاً، وزكاة الزرع زرعاً، وزكاة الماشية ماشية، وزكاة الفطر عيناً، وأنا أقترح على تجار الحبوب من أهل السنة أن يعملوا أكياس ثلاثة كيلو وربع ويبيعوها أمام المساجد وفي الميادين، ويكتبوا عليها صدقة الفطر للفرد الواحد، فكل من يمشي يشتري كيسين أو ثلاثة أو أربعة بحسب حاجته. وقد قال الحنابلة: من أخرجها نقداً فعليه أن يعيد إخراجها مرة ثانية، والأحناف على أنها تخرج نقداً، وأما الحنابلة والمالكية فعلى أنها تخرج عيناً، ومنهم من قال: إن أخرجها نقداً تجزئ، ومنهم من قال: لا تجزئ. وأنا أقول: اخرج من دائرة الخلاف يا عبد الله! والتزم الشرع كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

الهجرة

الهجرة أول السنة الهجرية يذكر المسلم بنقص عمره وقرب فنائه، فتكون هذه الذكرى سبباً في توبة المسلم ورجوعه إلى ربه واستعداده للموت، كما أن أول السنة الهجرية يذكرنا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دار الكفر إلى دار الإسلام، والتي كانت مرحلة انتقال للمسلمين من الضعف إلى القوة والتمكين.

مفهوم الهجرة وأقسامها

مفهوم الهجرة وأقسامها الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وعلمنا من جهل، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن من حكمة الحديث أن يوافق الزمان، واليوم الأمة تنتظر عاماً هجرياً جديداً، فلابد أن يكون الحديث متعلقاً بالهجرة، لكن من منظور آخر ألا وهو مفهوم الهجرة. يقسم العلماء الهجرة إلى ثلاثة أقسام: هجرة أوطان، وهجرة أبدان، وهجرة أعمال. فهيا بنا نعيش مع هذه الأنواع؛ لنربط بينها وبين سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ننظر في واقعنا: متى تجب هجرة الأوطان؟ ومتى تجب هجرة الأبدان؟ ومتى تجب هجرة الأعمال؟ الهجر لغة: هو الترك، يقول ربنا: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]. وقال للزوج في حال المرأة الناشز التي لا تطيعه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] فالهجر هنا بمعنى: الترك.

هجرة الأوطان

هجرة الأوطان فأنت تهجر الوطن عندما لا تأمن فيه على دينك، وتضطهد فيه في عقيدتك، ولا تظهر فيه شعائر الإسلام؛ ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام أذن لأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة. أذن لهم بالهجرة من مكة وهي أشرف بقاع الأرض، لكن حينما يضطهد المرء في دينه، ولا يستطيع أن يظهر الصلاة، ولا يستطيع أن يظهر شعائر الدين، فلابد -إن كان قادراً- أن يهاجر، يقول ربنا: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:97]. ولذلك الفرق بين دار الحرب، ودار الإسلام موضوع مهم جداً، فما هي دار الكفر التي يجب على المسلم أن يتركها؟ يعرف العلماء -وهو الراجح-: دار الكفر: هي التي لا يأمن المرء فيها على دينه، يضطهد في عقيدته، لا يظهر الشعائر؛ ولذلك الفتوى الراجحة لمن تضطهد في دينها بعدم الحجاب الشرعي: إن كانت قادرة على الهجرة يجب عليها أن تهاجر، أو تلازم البيت؛ إلا إذا كانت مستضعفة ولا تملك حيلة. كذلك من الهجرة: هجرة مواطن السوء، وهذه نقطة مهمة جداً، فلا ينبغي أن تكون في موطن يعينك على المعصية، ينبغي أن تهجر هذه المواطن إلى مواطن الطاعة، فإنه لما أراد الرجل الذي قتل مائة نفس أن يتوب إلى الله قال له العالم: لابد أن تهجر أرض السوء التي تقيم فيها، وهذه من شروط التوبة، إذ إن من شروط التوبة: أن تقلع وتعزم. وانظروا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزاني البكر، إذا زنى وهو بكر قبل الزواج عقوبته الشرعية جلد مائة، وتغريب عام، يغرب عاماً حتى ينسى أرض المعصية، وتنساه أرض المعصية؛ ولذلك من حكمة الشرع: أنه لا ينبغي أن يعير العاصي بمعصيته، ولا أن ننشر معصية العاصي بين الناس؛ لأن هذا من قبيل إشاعة الفاحشة؛ ولذلك اشترط لثبوت جريمة الزنا شرعاً أربعة شهود، وهذا شرط صعب للغاية، فإنه ما أقيم حد الزنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة شهود، وإنما بالإقرار، كإقرار ماعز وإقرار الغامدية، فتوافر أربعة شهود صعب حتى نقضي على الفاحشة في مهدها، فما لأولئك القوم يكتبون ويسطرون في جرائدهم وفي صحفهم: أخبار الحوادث، أو جريمة زنا في مكان كذا تعريضاً؟ إن الله يقول عن الزانية والزاني: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:16] ومعنى الإعراض: عدم تذكير العاصي بمعصيته. يقابلك الرجل من هؤلاء فيقول: أتذكر يوم أن كنت؟ هو يذكره، لكن الله قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]. والتوبة تجب ما قبلها، ومن مضمون التوبة هجرة الأوطان، فيجب على المسلم أن يكون في الوطن الذي يعينه على طاعة الله، واليوم يسافر شبابنا من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين)، قال ذلك؛ لأن المجتمع الكافر سيساعده على المعصية. فمن العبث أن ترى المسلم في المسجد ثم تراه في مقهى، هل هذا الرجل يهجر الأوطان؟ هل هذا الرجل يهجر أوطان السوء؟ هل يكون في المسجد، ثم يكون في أماكن الفواحش؟! لا يمكن بحال، لذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة. إن فتنة الدين تتمثل في السخرية والتضييق والاضطهاد، والصحابة خرجوا جميعاً وتركوا المال والولد مصداقية مع الله، أما نحن فنجيد رفع الشعارات فقط، ونجيد الهتافات، فإن من بلاء الصحابة: البلاء الأول: الاضطهاد. البلاء الثاني: ترك الوطن الذي يعيش فيه، وترك الولد أحياناً، وترك البيئة التي ارتبط بها، فالجميع ما إن أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلا وهبوا جميعاً للهجرة، وتركوا كل متاعهم خلف ظهورهم، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله! لم يبق في مكة إلا علي بن أبي طالب) والنبي صلى الله عليه وسلم تركه لينام في فراشه ويرد ودائع المشركين، فطالما أمنونا عليها لا ينبغي أن نستحلها. كل الصحابة هاجروا سراً إلا عمر هاجر جهراً، وطاف بالبيت ثم قال للناس: من أراد أن تفقده أمه، وييتم أولاده، فليلقني خلف هذا الوادي، فما خرج إليه أحد. جاء الصديق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأذن له بالهجرة فقال بأدب: (يا رسول الله! ائذن لي. قال: يا أبا بكر! لعل الله يأمرني بالهجرة فانتظر فهي الصحبة)، فبكى أبو بكر من الفرح؛ لأنه سيكون صديق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة. تقول أمنا عائشة: كنت لا أعرف أن هناك من يبكي من الفرح إلا لما بكى أبي الصديق. يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بالعتيق صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في

هجرة الأبدان

هجرة الأبدان القسم الثاني من الهجرة: هجرة الأبدان، وهي أن تهجر أصحاب السوء، فقد لعن الله بني إسرائيل لأن الرجل منهم كان ينصح الآخر فيقول: اتق الله أنت لا تصلي، اتق الله أنت تأكل الربا، وفي الصباح يؤاكله ويجالسه ويسافر معه. إنا لله وإنا إليه راجعون، فأنت مأمور أن تهجر أبدان أهل السوء إن أصروا على معصية، والهجر وسيلة للزجر، وإن رافقته وهو يعصي الله عز وجل فكأنك تقره على معصيته، لذلك قال إبراهيم لقومه: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم:48]. وقال الله تعالى حاكياً عن أصحاب الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف:16]. ولا يستقيم أن امرأة منتقبة تسير مع امرأة مبنطلة وليس معنى ذلك: عدم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن لا بد أن يكون هناك توافق وتجانس؛ ولذلك ربنا يقول: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

هجرة الأعمال

هجرة الأعمال يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه). فمفهوم الهجرة المهم: أن تهجر المعاصي وأماكن السوء، هذا هو المفهوم الواسع للهجرة.

الدروس والعبر المستفادة من هجرة خير البشر صلى الله عليه وسلم

الدروس والعبر المستفادة من هجرة خير البشر صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام الأحباب! نبينا صلى الله عليه وسلم هاجر وفي الطريق وقعت له المعجزات؛ ليبين للدنيا أن الله عز وجل هو الذي يحفظ دينه، فالمشركون دبروا وخططوا في دار الندوة، وما أشبه الليلة بالبارحة! إن كانت العراق سقطت بالمدفع فهناك بلاد إسلامية مقصودة يدخل فيها أنواع من الغذاء للإبادة الجماعية، وسلوا التقرير الطبي؛ فإن معظم الأمراض كأمراض الكبد وأمراض الكلى والأمراض التي لا نعرفها سببها أنواع الأغذية التي نأكلها ليل نهار بصنع أعدائنا، دمروا البنية الأساسية لبلاد المسلمين، والأمة لا زالت تأكل إلى الآن. لذلك إن كان هناك حرب استنزاف بالمدفع، فهناك حرب استنزاف بطرق أخرى، فهناك أنواع من الأغذية تطعن في خصوبة الرجال، إذ أن الرجل لا يقدر على المجامعة، وسلوا أهل التخصص في هذا المجال. يا عباد الله! الأمة مستهدفة من أعدائها وهي ما زالت سافرة في شهواتها تلهو وتلعب. وقعت للنبي النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة بعض الأمور التي ينبغي أن نشير إليها سريعاً: أولاً: الذي دله على طريق المدينة عبد الله بن أريقط وهو مشرك، فهل يجوز الاستعانة بالمشرك في نصرة دين الله؟ نعم. بضوابط شرعية. وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب كاملة في الهجرة، منها دخوله الغار، ونحن ما زلنا نقول: الحمامة باضت على الغار، وهي من جنود الله، والله يقول في كتابه: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40]، والحمامة من الجنود المرئية، وللأسف ما زلنا نعتقد أن جنود الهجرة هي الحمامة والعنكبوت، ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، ما زلنا نردد هذا، مع أن ابن كثير وعلماء الأمة طعنوا في هذه القصة من وجوه. إن الإعجاز الحقيقي: أن يقف المشركون والله سبحانه وتعالى يسلب أبصارهم عن رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم، كما أدركه سراقة بن مالك فكفاه الله إياه، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26]. أخذ الصديق للهجرة ماله كله، وكان مقداره خمسة آلاف درهم، ولم يترك لأبنائه شيئاً، فهذا حب حقيقي لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله!) صلى الله عليه وسلم. وكان عامر بن فهيرة يمحو بماشيته آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ووصل النبي إلى المدينة بعد أن تآمرت قوى الشرك والكفر على قتله، فإنه لا يملك الباطل مع الحق إلا سلاح القتل. قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر:26]، وأرادوا قتل إبراهيم بحرقه بالنار، ودائماً يظن الباطل أنه بقتله للحق يكسب الجولة، وما أصحاب الأخدود عنكم ببعيد، قتلهم الملك الظالم لإيمانهم برب الغلام، وبعد موته قال الجميع: لا إله إلا الله. آمنا برب الغلام. فالنصر قد يأتي لعباد الله من المستضعفين بعد رحيلهم عن الدنيا. يا عباد الله! مفهوم الهجرة مفهوم واسع ينبغي أن ننظر فيه، وأن نتعلم العبرة والعظات منه.

حفظ الله لكتابه يقتضي حفظه للسنة الشارحة له

حفظ الله لكتابه يقتضي حفظه للسنة الشارحة له أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن الله عز وجل حفظ القرآن، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وحفظ القرآن يقتضي حفظ السنة؛ لأن القرآن بغير سنة لا يفهم، فلابد لأصحاب العقول أن يفهموا أن من تمام حفظ القرآن: أن يحفظ الله سنة النبي صلى الله عليه وسلم. هناك كتاب وزع في معرض الكتاب مجاناً يطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: إن البخاري كتب صحيحه ومات، ولم نجمع صحيح البخاري كمخطوطة إلا بعد موته بأكثر من خمسمائة سنة، وهذا معناه: عدم مصداقية صحيح الإمام البخاري، فكانت مقدمته الوافية أن السنة دخل فيها الموضوع والمكذوب حتى في صحيح البخاري. ثم عاد يطعن في أحاديث لا يفهمها فضلاً عن أن يتهم عقله بعدم الفهم، وأخذ يتهم الأمة بالتدليس والكذب. فهذه هجمة شرسة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهجمة شرسة على الدعاة بالتدنيس المباشر لسمعتهم، فاحذر أن تقع فريسة لهؤلاء وهؤلاء، فإن الأمور واضحة وضوح الشمس، فكن مع الحق ولو كنت وحدك. أيها الأحباب الكرام! إن الله عز وجل حفظ السنة؛ لأن السنة تبين مجمل القرآن، وتخصص العام، وتقيد المطلق، ولا يمكن أن نفهم القرآن بغير سنة، لذلك سخر الله سبحانه لهذه السنة من يدافع عنها ومن يحفظها من حفاظ الأمة. أسأل الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه وعطفه ورضاه. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ونعوذ بك يا رب! من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يستجاب لها. نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الموت شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً. اللهم استر عوراتنا، وحجب نساءنا، واهد شبابنا، وعليك يا رب بأعدائنا، اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض ومشارقها، اللهم أيد عبادك المستضعفين بنصرك يا رب العالمين! اللهم أرسل جنودك على أعدائك فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، خطأنا وعمدنا، هزلنا وجدنا، وكل ذلك عندنا. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

تأملات في صفات عباد الرحمن

تأملات في صفات عباد الرحمن ذكر الله عز وجل في سورة الفرقان صفات لعباده المؤمنين، من تواضع وحلم وقيام وصدقة وغيرها؛ وذلك حتى يتخلق بها المسلم، فيفوز ويسعد في الدنيا والآخرة.

صفات عباد الرحمن الواردة في سورة الفرقان

صفات عباد الرحمن الواردة في سورة الفرقان الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:120]، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، قال للناس في حجة الوداع يوم عرفة وكانوا يزيدون على المائة الألف: (إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ فارتفعت الأصوات تقول: نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، فجعل يرفع سبابته إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض قائلاً: اللهم فاشهد)، ونحن نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين، شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وكما قال حسان: وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فحديثنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه يحمل عنوان: تأملات في صفات عباد الرحمن، وهي اثنتا عشرة صفة في سورة الفرقان لعباد الرحمن. فما هي صفاتهم؟ اسمع إلى قول الله سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [ا

التواضع من صفات عباد الرحمن وضده الكبر

التواضع من صفات عباد الرحمن وضده الكبر الصفة الأولى: قال تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، صفة التواضع وضده الكبر، ورب العالمين تبارك وتعالى قد ذم الكبر في كتابه فقال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60]، أي: يستكبرون عن دعائي: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الكبر في أكثر من حديث، فما هو الكبر حتى نتجنبه؟ وما هي أنواع الكبر؟ وما هي درجات الكبر؟ ثم نذكر نماذج من تواضع سلفنا الصالح، أضف إلى ذلك تواضع خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، فأقول: قد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الكبر هو: رد الحق واحتقار الناس، ففي الحديث عند الإمام مسلم لما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي نظيفاً، وثوبي نظيفاً، أذاك من الكبر يا رسول الله؟ قال: لا، الكبر بطر الحق)، يعني: رد الحق، ولذلك كان من صفات عباد الرحمن: أنهم يقبلون الحق ولو من صبي صغير طالما معه دليل، وأما الكبر على الحق، ورد الحق فهو من صفات عباد الشيطان، واحتقار الناس بأن ينظر إليهم وكأنهم أدنى منه. ثم انظر إلى تواضع النبي محمد صلى الله عليه وسلم: فقد كان يلتحف الأرض، ويردف خلفه، وكان صلى الله عليه وسلم يصافح الصبية، تقول أمنا عائشة: (كان يخصف نعله في بيته عليه الصلاة والسلام، ويكنس بيته، ويعاون زوجاته صلى الله عليه وسلم). ولذلك يقول الأحنف بن قيس: عجباً لابن آدم، يتكبر على وجه الأرض وقد خرج من مجرى البول مرتين: من مجرى بول أبيه ثم من مجرى بول أمه. بنا إلى درجات الكبر وأنواعه:

أشد أنواع الكبر: الكبر على الله عز وجل

أشد أنواع الكبر: الكبر على الله عز وجل أولاً: الكبر على الله عز وجل، كفرعون وقارون والنمرود بن كنعان، وكذلك من يرد الآن أحكام الشرع كبراً وعناداً وترفعاً، وأيضاً الإلحاد في آيات الله كبر، فهذه تكتب وتقول: إن الإسلام قد ظلم المرأة بإعطائها نصف نصيب الرجل في الميراث، أليس هذا كبراً على آيات الله؟ أليس لهم عقول يعقلون بها؟ والآخر علماني يرد شريعة رب البريات، فيرد تعدد الزوجات في الإسلام، لأن مسلسل الحاج متولي قد أحدث الآن بحثاً علمياً، ومن الذي يبحث؟ علمانيون، شيوعيون، ملحدون، وأناس لا صلة لهم بدين رب العالمين، فيقول أحدهم: أنا أرفض، والآخر: أنا أقبل، كيف ذاك؟ ومن أنتم حتى تناقشوا شرع الله، وحتى تدلوا بدلوكم في هذه القضية؟! إن القضية واضحة وبينة، وإن من محاسن شريعتنا أن الإسلام قد أباح التعدد للرجل إن استطاع أن يعدل، يقول رب العالمين تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، فهذا من محاسن الشريعة، بل إن النظم الغربية الآن تدرس قضية التعدد، ونحن إسلامنا قد أباح التعدد بضوابطه، لكن يأتي آخر ويقول: الإسلام قد أباحه في موضع، وقال في موضع آخر: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء:129]، فكأن الأصل واحد! نقول له: أنت خضت في بحر لا تجيد السباحة فيه. فدع عنك الكتابة لست منها ولو خضبت وجهك بالمداد ثم إنك لم تطلع على قول السلف في المراد بالعدل في الآية الثانية: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129]، أي: في الميول القلبية، من الحب والعاطفة، وأما العدل في الآية الأولى فالمقصود به: العدل في المسكن والملبس، أي: العدل المادي، وعليه فالجهة منفكة، وأيضاً انظر إلى كل أنبياء الله ورسله، فهذا سليمان بن داود عليهما السلام قال: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، وفي رواية: مائة امرأة -يعني: أنه كان متزوجاً بتسعين أو مائة بل يزيد- تنجب كل واحدة منهن مجاهداً يقاتل في سبيل الله) فانظر ماذا يتمنى؟ لا تلد مطرباً، أو لاعباً للكرة، أو ممثلاً، وإنما يتمنى أن كل امرأة تلد مجاهداً في سبيل الله عز وجل، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فلم تلد إلا امرأة واحدة وولدت نصف ذكر، يعني: عنده شلل نصفي، ولذلك يقول ربنا في هذا: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص:34]، وهذا القول الراجح عند المفسرين من أن هذه الآية ترتبط بهذه القصة، وكذلك سيدنا يعقوب عليه السلام كان متزوجاً بأكثر من عشرين امرأة. ولذا فإن التعدد من محاسن شريعتنا بضابط العدل، لكن الذين يتكبرون على آيات الله، فيرفعون قضية المرأة لمنظمة حقوق الإنسان، وللدفاع عن حقوق المرأة؛ لأن المرأة لا تحب الشريك، نقول لها: أيتها الأخت الفاضلة لابد أن تقبلي شرع الله وإن خالف هواك، فشرع الله بين وواضح، فإن استطاع الرجل أن يضبط مسألة العدل فلا نستطيع أن نضع له حداً لواحدة وإنما نقول له: عدد طالما أنك تستطيع أن تعدل، ولذلك بعض الفقهاء يقولون: زوج الواحدة يحيض عندما تحيض، وينفس عندما تنفس، يعني: يظل هكذا، وليس معنى ذلك أننا نهدر الضوابط بل نقول بها، تعدد مع ضوابط شرعية، فاقبلوا أنتم أو لا تقبلوا، والقضية ينبغي أن يناقشها من لهم سبق في دين الله، ومن لهم دراية بشرع الله، أما أن تناقش القضية من أناس لا ناقة لهم ولا جمل، كموضوع الخلع قبل ذلك، فقد أتوا برجل علماني وآخر شيوعي، فقالوا له: ما رأيك في قضية الخلع؟ فيقول: أما الخلاع، لا يستطيع أن ينطق بالكلمة! يقول عن الخلع خلاع، خلع الله كتفك يا هذا! قد وسد الأمر إلى غير أهله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (وكل العلم إلى الأصاغر) لا في زمن الفتن، بل زمن المحن والإحن. وهذا آخر يكتب ويقول: حوار مع إمام من أهل النقل، فيقول: صليت في القاهرة مع إمام من أهل النقل؛ فهو يقول عنا أننا من أهل النقل وهو من أهل العقل، وانظروا إلى عفن عقله وإلى خباثة فكره، فقد كتب في صحيفة رسمية هي الأكثر انتشاراً، فيقول في مقاله: ذكر الخطيب حديثاً عند مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالليل فجاء حذيفة بن اليمان ووقف عن يمينه، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة البقرة، فقال حذيفة لعله يركع، فقرأ النساء فقلت لعله يركع، فقرأ آل عمران فقلت لعله يركع ثم ركع)، يقول: عقلي لا يقبل هذا الحديث! رغم أن الحديث في البخاري ومسلم، والداهية الكبرى أنه يقول: وليس للبخاري عصمة عندنا، فـ البخاري فيه أحاديث مكذوبة وموضوعة! فانظروا إلى حرية الكفر لا حرية الفكر، ثم من أنت حتى تحكم على أحاديث البخاري بالضعف أو الوضع؟! ولماذا رددت الحديث؟ يقول: حسبت المدة الزمنية التي تقرأ فيها

الكبر على رسل الله عز وجل

الكبر على رسل الله عز وجل ثانياً: الكبر على رسل الله، وما أكثر الذين يتكبرون على الرسل بحجة أن الرسل بشر مثلهم! وبحجة أن الرسل يصيبون ويخطئون! فنقول: إن الرسل أرسلهم الله ليطاعوا بإذنه، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64]، ولا يقرهم الله على اجتهاد إن خالف الأولى، فإذا اجتهد الرسول وخالف الأولى نزل القرآن ليرد الأمر إلى وضعه، وذلك كما حدث في أسرى بدر عندما نزل النبي عليه الصلاة والسلام على رأي الصديق وقبل منهم الفدية، فنزل الوحي: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67]، يقول العلماء: إن حال الأنبياء -دائماً- في أمور الدين يئول إلى الوحي، ولذلك أقول: إن هناك من يتكبر على رسول الله فيرفض الأحاديث، ويرفض أن يمتثل لأمر الرسول، وذلك أن يقصر الثوب، والمسألة ليست أزمة قماش أو أزمة ملابس! بل نحن نمتثل ونعمل بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن الإمام الذهبي اعتبر إسبال الإزار من الكبائر في كتابه الكبائر، واسمع أيضاً إلى هذا الحكم، يقول الحنابلة: إن من صلى في ثوب مسبل فصلاته باطلة، خلافاً للجمهور القائلين بصحة الصلاة مع الإثم. ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هذا الملبس حرام لوصفه؛ لأن الملبس إما أن يكون حراماً لوصفه، وإما أن يكون حراماً لكسبه -يعني: مسروق، أو مغصوب- أو حراماً لذاته، كالحرير للرجال، أو كلبس البنطال للنساء، وما أدراك ما البنطال في زمن نتبع فيه سنن اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع؟! ولا ندري ماذا بعد البنطال؟! فأصبحت المرأة سلعة رخيصة، وأصبحت أعراضنا تباع وتشترى حتى إن أرادوا في مباراة كرة قدم للرجال أن يقدموا الهدايا للحكم واللاعبين قدم ذلك بعض النساء! حتى تنفتح نفوسهم للعب، فما علاقة هذا بهذا؟ إنه استخفاف بهذه المرأة، كما أصبحت سلعة رخيصة في إعلاناتهم، إن تاجراً أصيب بحالة ركود، فيأتيه آخر ويقول له: أنا أعرف لك مفتاحاً لسعة الرزق، وظف امرأة عارية فستجلب لك الشباب! فيطلبون الرزق في معصية الله عز وجل.

الكبر على العباد

الكبر على العباد ثالثاً: الكبر على العباد، ولذا فاحذر أن ترى نفسك أفضل من أحد، بل لابد أن تشعر أنك أقل من الجميع، واهضم حق نفسك، وتأمل إلى عمر وهو يقول لـ حذيفة أمين سر رسول الله في المنافقين الذين تخلفوا في غزوة تبوك أو غيرهم، فيبكي ويقول: يا حذيفة! أستحلفك بالله أسماني رسول الله مع المنافقين أم لا؟ عمر يخشى على نفسه من النفاق، أما نحن فقد أمنا من مكر الله عز وجل، ثم انظر إلى حال الأغنياء الذين يريدون أن يقيموا الناس بأموالهم، فيقولون: يا رسول الله إن للفقراء رائحة تزعجنا وتؤلمنا فاجعل لنا مجلساً آخر غير مجلسهم، فلا نريد أن نخالط الفقراء في مجلس واحد، فأنزل الله قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]. ثم أيضاً من الناس من يتكبر على الخلق بمكانته الاجتماعية: سواء بملكه، أو رئاسته، أو منصبه، فنقول له: اعلم أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وهذه قصة تبين لنا أن الملك لا يساوي شيئاً: فقد أمر ملك من الملوك خادمه أن يأتي له بكوب من ماء، فلما جاءه الخادم بكوب الماء وشربه ثم سأله أحد جلسائه -وكان حكيماً- ماذا تصنع إن عز الماء فلم تجد شربة ماء؟ قال: أنفق نصف ملكي لأحصل عليها، قال: فإن حبس الله هذه الشربة في بدنك فما أنت صانع؟ قال: أنفق النصف الآخر، قال: فمال هذا الملك الذي لا يساوي شربة ماء؟! فانظر إلى من ابتلاهم الله -نسأل الله أن يعافينا ويعافيكم- بحبس البول في المثانة، فيعملون لهم قسطرة لإخراج هذه القطرات من البول. فالذي يتجبر بملكه وبمكانته يوم أن يصاب بأدنى أذى يجأر إلى ربه عز وجل، ومن الناس من يتكبر بماله، ومن الناس من يتكبر بمظهره وجماله، وهذا أكثر ما يكون في النساء، لذا لابد أن يعلم الجميع أن الدود سيأكل هذا الجمال، وسيضم بين القبر ويفنى. ولذا ينبغي على العبد العاقل أن يتواضع لربه عز وجل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]، فهذه هي الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن، صفة الحلم، وهذا ما سنبينه في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب

الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن من صفات عباد الرحمن بعد التواضع الحلم، قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]، وصفة الحلم بينها ربنا في قوله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، مر نفر من اليهود بعيسى عليه السلام فسبوه ولعنوه، فأحسن لهم القول فسئل: يسبونك وتحسن إليهم! فقال: كل إناء ينضح بما فيه، فهذا دأبهم وهذا دأبي، وانظر أيضاً إلى حلم خير الأنام عليه الصلاة والسلام، ففي سنن أبي داود والحديث عند البخاري أيضاً في كتاب العلم: (أن رجلاًَ دخل المسجد فبال فيه، فاجتمع الصحابة عليه لينهروه وليزجروه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه حتى يكمل بولته -أي: لا تقطعوا عليه بولته- ثم أريقوا عليه سجلاً من ماء). يقول ابن حجر في الفتح: انظر إلى حلم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما اختار أقل المفاسد؛ لأنه حينما يتبول في المسجد فإنه سيصيب مكاناً واحداً، لكن حينما يمنع ويزجر فسيفر من بين يدي الصحابة ويصيب المسجد كله، فهذه الأولى، والثانية: أنه ربما يصاب بأذى نظراً لحبس البول في جوفه فاختار عليه الصلاة والسلام أقل المفاسد، ثم قال لأصحابه: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، وألان عليه الصلاة والسلام الحديث للرجل وعلمه، حتى إن بعض الروايات جاء فيها: (خرج الرجل وهو يقول: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أيها الأعرابي لقد حجرت واسعاً)، وأنا أسأل: لو فعل رجل جاهل اليوم هذه الفعلة في أي مسجد من مساجدنا ماذا سنصنع به؟! يحمل مباشرة إلى خشبة غسله، فيغسل مع أهل القبور! لعدم الحلم من الناس، وما دخل العنف في شيء إلا شانه، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه. عطس رجل عند عبد الله بن المبارك ولم يقل: الحمد لله، فقال له ابن المبارك: أخي في الله ماذا يقول المسلم بعد أن يعطس؟ قال: يقول: الحمد لله، قال: إذاً يرحمك الله، لكن لو أن واحداً منا عطس ولم يحمد الله لقال له آخر: تعلم يا جاهل! عطست دون أن تحمد الله، لكن الأدب الإسلامي أن تعلمه برفق، وتأمل وانظر إلى إبراهيم وهو يقول لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:42 - 45]، يقول الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: انظر إلى التلطف في العبارة فقد كرر لفظ: (يَا أَبَتِ) أربع مرات؛ ليستحث عند أبيه مشاعر الأبوة، وفي المقابل انظر إلى غلظة الأب: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي} [مريم:46] ولم يقل: يا بني ولكن قال: {يَا إِبْراهِيمُ} [مريم:46]، وكأنه يتنكر لبنوته، {يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:46 - 48]، يا له من حلم من إبراهيم عليه السلام، فالحلم من صفات عباد الرحمن عز وجل، فإياك إياك أن تجهل لجهل سفيه عليك، فإن معك ملكاً يرد على السفيه حتى إذا رددت عن نفسك رحل الملك وتركك معه. وهذا موقف آخر يحكي لنا حلم النبي عليه الصلاة والسلام: (ففي حنين عندما وزع الغنائم بين المسلمين قال له رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل! فقال: رحم الله أخي موسى لقد أوذي أكثر من ذلك فصبر) فقد قالوا عن موسى عليه السلام كما عند البخاري في كتاب الغسل: أنه آدر، يعني: به انتفاخ في الخصيتين، وقالوا: موسى لا يغتسل معنا عرياناً، وكان في شريعتهم أنه يجوز للرجل أن يغتسل عرياناً مع الرجال، فقد أخرج البخاري في كتاب الغسل، باب: من اغتسل عرياناً وحده: أن بني إسرائيل قالوا: إن موسى لا يغتسل معنا عرياناً، فهو مريض بكذا، وأشاعوا ذلك، فنزل يوماً يغتسل وترك ملابسه على حجر، فإذا بالحجر ينطلق بملابسه، فخرج موسى من البح

الأسئلة

الأسئلة

السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم

السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم Q أرجو توضيح السنن المؤكدة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ A ركعتا الفجر القبلية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهما فلا يدعهما في سفر ولا في حضر، وكذلك سنة الظهر فقد اختلف العلماء بشأنها، والراجح من أقوال العلماء: أنها أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وهذا من حديث عائشة، وأما في حديث ابن عمر: فركعتان قبلها، لكن يقول العلماء: حديث عائشة أرجح؛ لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخبرت بالمجموع، ولعله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في حجرة عائشة ثم صلى ركعتين في المسجد، وابن عمر قد أخبر بما رأى، وعائشة أخبرت بالمجموع، يعني: في الأمور الشخصية الذاتية لنبينا عليه الصلاة والسلام يرجح قول الزوجة على قول غيرها، وهذا من المرجحات عند العلماء، إذاً يصلي أربعاً قبل الظهر واثنتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وعليه فتصبح اثنتي عشرة ركعة ثابتة مؤكدة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وأما بالنسبة لصلاة الضحى التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين -صلاة الضحى- حينما ترمض الفصال)، أي: عندما لا تستطيع أن تضع قدمها على الأرض من شدة الحرارة، فهذا هو أفضل وقت لصلاة الضحى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأقلها ركعتان، ويمكن أن يزيد المسلم إلى أربع ركعات، وست وثمان على قول بعض العلماء.

حكم مس الجنب لشريط الكاسيت المحتوي على القرآن ودخول الحمام به

حكم مس الجنب لشريط الكاسيت المحتوي على القرآن ودخول الحمام به Q هل للجنب أن يمس شريط القرآن، وكذلك دخول الحمام به؟ A نعم، لأن الشريط لا يأخذ حكم المصحف، وهو قياس مع الفارق، والله تعالى أعلم.

حكم إيصال المرأة المتبرجة إلى حاجتها بسيارة

حكم إيصال المرأة المتبرجة إلى حاجتها بسيارة Q هل على سائق التاكسي الذي يوصل النساء المتبرجات إلى حاجتهن إثم أم لا؟ A العمل بحد ذاته مشروع، لكن بالشروط الشرعية: أن يكون مع المرأة محرم، فلا تصعد معك امرأة بدون محرم؛ لأنها خلوة، فإن كانت متبرجة ومعها محرم فلا بأس؛ لأننا لا نستطيع أن نقول: إن أصحاب المعاصي يقاطعون ولا يعاملون، بل يجوز لك معاملتهم، وصاحب التاكسي يمكن أن يضع في مسجلته شريطاً عن حكم التبرج لعل الله عز وجل أن يهدي هذه المرأة، وليس لنا الانعزال عن الناس، فلو أن طبيباً جلس في عيادته وكلما دخل عليه مريض قال: لا أمل في شفائك، فاذهب فلن أكشف عليك، وهذا لا يأمل وذاك لا يأمل، إذاً من سيكشف على المرضى؟! وكذلك الداعية إلى الله عز وجل الذي ميدانه الناس العصاة، فإذا لم يأخذ بأيديهم فمن يأخذ بأيديهم؟! والخلاصة أن الضابط الشرعي: أن تكون المتبرجة معها محرم، وما سوى ذلك لا أستطيع أن أقول لك: لا تركبها فهذا ربما يقطع عليك الخير وربما يقطع عليك باب الدعوة، والله تعالى أعلم.

حكم الجمع في النية بين نوافل الصلاة والنوافل الأخرى

حكم الجمع في النية بين نوافل الصلاة والنوافل الأخرى Q هل يصح الجمع في النية بين نوافل الصلاة والنوافل الأخرى، كسنة الوضوء والمغرب وتحية المسجد؟ A نعم، فإن دخلت المسجد قبل المغرب والوقت لا يتسع إلا لصلاة ركعتين فيمكنك أن تصلي تحية المسجد بنية سنة المغرب مع نية سنة الوضوء، والله تعالى أعلم.

أدعية الاستفتاح الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام

أدعية الاستفتاح الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام Q ما هي أدعية الاستفتاح الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ A هناك أدعية عديدة لاستفتاح الصلاة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: حديث أبي هريرة الذي يقول فيه: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فسكت قبل أن يقرأ الفاتحة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ماذا تقول قبل قراءة الفاتحة؟ قال صلى الله عليه وسلم: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، ومنها: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، وأيضاً: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). وأما بالنسبة لصلاة التهجد فلها دعاء استفتاح خاص: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، ودعاء الاستفتاح يقال في كل الصلوات، فريضة كانت أو نافلة إلا صلاة الجنازة فلا يقال فيها دعاء استفتاح، والله تعالى أعلم.

حكم إخراج الفدية عن الست من شوال لمن لم يصمها

حكم إخراج الفدية عن الست من شوال لمن لم يصمها Q أنا مريض بالقلب، وقد أفطرت أياماً في رمضان بأمر الطبيب المعالج، وأخرجت الفدية -طعام مسكين- عن كل يوم أفطرته، فهل يلزمني إخراج الفدية عن الأيام الستة من شوال، لأنني لم أستطع صيامها؟ A لا، لأن صيام الست من شوال ليس فرضاً وإنما هو مستحب والأحكام التكليفية ستة: واجب، ومندوب، ومباح، ومحرم، ومكروه، وصيام الست من شوال من الأحكام التكليفية المندوبة التي يثاب عليها العبد بفعلها ولا يعاقب إذا تركها، والله تعالى أعلم.

حكم انتقال العامل من شركة إلى أخرى وضوابط ذلك

حكم انتقال العامل من شركة إلى أخرى وضوابط ذلك Q أنا أعمل في إحدى الشركات، وقد تعلمت كيفية عمل هذه الشركة، وأريد أن أنتقل منها إلى شركة أخرى تعمل في نفس المجال بمرتب أعلى وأكثر، فهل إذا ذهبت إلى العمل بها أكون قد خنت صاحب الشركة الأولى أم لا؟ A لا، لأن العامل أجير فله أن يبحث عن الأجر الأعلى، شريطة أن لا يفشي سراً للشركة الأولى، لأنه بذلك يكون قد خان الأمانة، وليس لصاحب الشركة الأولى أن يشترط على العامل عند خروجه أن لا يعمل في شركة تعمل في نفس المجال، إلا إذا كان هناك شرط في العقد بين صاحب العمل والعامل، ففي هذه الحالة هو شرط تم بين الجانبين ولا يصادم شرع رب العالمين، وعليه فليزمه -أي: العامل- الوفاء به، والله تعالى أعلم.

حكم منع الزوج لزوجته من الاعتكاف في العشر الأواخر

حكم منع الزوج لزوجته من الاعتكاف في العشر الأواخر Q هل علي إثم لو منعت زوجتي من الاعتكاف في العشر الأواخر؟ A لا، وإنما الزوجة هي التي تأثم لو خرجت للاعتكاف بدون إذن زوجها، وكذلك صيام النافلة بدون إذن زوجها، فلا يحل لها أن تصوم إلا بإذن الزوج طالما أن الصيام مندوب وتطوع وسنة ونافلة، لأن الزوج له الطاعة المطلقة على زوجته إلا إن أمر بمعصية الله، أو أمر بترك واجب، وصيامها كما هو معلوم نافلة، فلا تقدم السنة على الواجب، والله تعالى أعلم.

حكم الاشتراك في النقابات التي تودع الاشتراكات في البنوك ليأخذها الموظف بصورة راتب بعد التقاعد

حكم الاشتراك في النقابات التي تودع الاشتراكات في البنوك ليأخذها الموظف بصورة راتب بعد التقاعد Q ما حكم الاشتراك في نقابة التطبيقيين، حيث يدفع المشترك اشتراكاً سنوياً ثم عند خروجه من المعاش يأخذ معاشاً؟ A حرام؛ لأنهم يوسطون فيه البنك، النقابة تأخذ المبالغ وتضعها في البنك بفائدة سواء لتطبيقيين، أو تجاريين، أو مهندسين، فصندوق التكافل أو الاشتراك يأخذ منك الاشتراك بوديعة ثم يضع هذا المبلغ بسعر فائدة ثابت، حرام طالما أن البنك قد توسط في التعامل، والله تعالى أعلم.

حكم كتابة الوالدة ميراثها لبعض أبنائها دون البعض

حكم كتابة الوالدة ميراثها لبعض أبنائها دون البعض Q توفي والدي وترك مساحة من الأرض، ونحن خمسة رجال وبنت، وكان أخي الكبير يزيد عن بقيتنا بثلاثة قراريط، فطلبت منه والدتي أن نتساوى في التوزيع فرفض، فأرادت والدتي أن تساوي بيننا، فكتبت ميراثها للخمسة الأفراد الآخرين وحرمت الأخ الأكبر، فهل هذا يجوز أم لا؟ A هل أخوك تميز بالثلاثة القراريط من أبيك، أم هي من جهده وكسبه؟ وذلك حتى يكون السؤال واضحاً، لأن القضية عندنا هي الظلم في توزيع الميراث، فقد يقول واحد: ابني هذا الفلاح لم يتعلم، والثاني في الطب فيعطي للفلاح أكثر من الثاني، فهذا غلط، لأن الله يقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فقال: للذكر وكلمة (الذكر) مطلقة فجمعت الكل، ولم يقل: الذكر المتعلم يأخذ أقل من الذي يأخذه غير المتعلم، فهذا تحريف لا يجوز، ولا يقول: هذا علمته وصرفت عليه ثلاثة آلاف بينما الآخر لم يتعلم، فهذا قدره أن لا يتعلم وذاك قدره أن يتعلم، وعليه فهذا الأخ الأكبر أن أخذ هذه الثلاثة القراريط من أبيه حال الحياة فإنها ترد إلى التركة وتوزع حسب الأنصبة الشرعية، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، واحذر يا عبد الله من قوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} [الفجر:19]، وعندنا في القرى للأسف الشديد إلى الآن يقولون: نحن لا نورث البنات؛ لأن البنت ربما تتزوج في القاهرة أو في الإسكندرية، ولكن نعطيها مالاً في مواسم عاشوراأ، أو في عيد الأضحى والفطر، وهذا هو ميراثها، ويقول: عندما أورث البنت فكأنني أورث زوج أختي، فلا ينبغي أبداً لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحرف ما قاله الله في كتابه، فالمواريث قد وزعت فلا مجال فيها لا تباع الهوى، وإن رفض هذا الابن الرد، فعليهم أن يعطوه أقل من نصيبه، يعني: لو أن له ثمانية قراريط، فيأخذ خمسة فقط؛ لأنه أخذ من قبل ثلاثة، والله تعالى أعلم.

حكم القنوت في صلاة الجمعة

حكم القنوت في صلاة الجمعة Q هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في صلاة الجمعة أم لا؟ A لا، إنما الصحيح أنه كان يقنت في الخمسة الفروض في النوازل، والجمعة تكون بدلاً عن الظهر، فهي تدخل ضمن الخمسة الفروض، فنقنت على أنها حال نازلة، وليس لأنها جمعة، والأحناف على عدم القنوت؛ لأنهم قالوا: دعاء الجمعة يكفي عن القنوت، لكن الراجح من أقوال العلماء: أن الجمعة بدل عن الظهر، فيجوز فيها القنوت في حال النازلة، والله تعالى أعلم.

إدراك تكبيرة الإحرام في صلاة الجمعة

إدراك تكبيرة الإحرام في صلاة الجمعة Q ورد في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أدرك تكبيرة الإحرام أربعين ليلة مع الإمام كتب له براءتان: براءة من النفاق، وبراءة من النار) فأنا أحرص على إدراك تكبيرة الإحرام، لكن يوم الجمعة لم أحضر إلا بعد جلوس الإمام على المنبر، فهل أكمل بعد هذا اليوم أم أبدأ من الأول؟ A أنت هنا أدركت تكبيرة الإحرام في صلاة الجمعة لكن فاتك ثواب التبكير إلى الجمعة، والله تعالى أعلم.

حكم الصوم عن غير القادر على الصيام

حكم الصوم عن غير القادر على الصيام Q أفطر والدي في رمضان قبل الماضي ثمانية أيام بسبب المرض، وقد ذكرته بصيامها لكنه لم يصمها تكاسلاً، فهل أصومها نيابة عنه مع العلم أن عمره ست وخمسون سنة؟ A طالما أن الوالد على قيد الحياة ويستطيع الصيام فيلزمه الصيام، ولا يجوز الصيام عنه، ويلزم الابن أن يذكر والده بالقضاء، وعظم العقاب من الله عز وجل لمن ترك يوماً من رمضان وكان قادراً على قضائه، ثم إن عليه مع القضاء الإطعام لأنه جاء رمضان آخر قبل أن يقضي، والله تعالى أعلم.

حكم مقاطعة الأخ لأخيه العاصي

حكم مقاطعة الأخ لأخيه العاصي Q لي أخ تعامل مرة بالربا فأخذ فلوساً من أحد الأشخاص بفائدة ثم أعاد هذه الفلوس، والشيء الآخر أنه لديه محل طيور ولا يراعي الله عز وجل في البيع، وأيضاً أنا ملتزم في بداية الطريق وهو لا يرضى بحالي، فهل لي أن أقاطعه لأنه لا يرضي الله في البيع والشراء منذ عشرين سنة، ولأنه تعامل مرة بالربا؟ A لا، وإنما يلزمك أن تنصحه وتعامله بالحسنى، والمقاطعة ربما قد لا تأتي بنتيجة، ولعله يتوب من معصية المعاملة بالربا، فإن تاب وأقلع وندم وعزم فلا تذكره بمعصيته، فالله عز وجل يغفر كل الكبائر إلا الشرك إن مات على ذلك. وأما محل البيع فينبغي عليك أيضاً أن تنصحه وتكون دائم النصح له، وإن تعسرت الإجابة فادفع عليه آخر لينصحه، إما نصيحة مكتوبة، أو نصيحة في شريط، أو نصيحة في كتاب، ولا تقاطع أخاك، لأن الفجوة ستزيد بينك وبينه، إلا إذا كان الهجر سيأتي بنتيجة إيجابية، يقول العلماء: هناك الزجر بالهجر، لكن شريطة أن يكون الهجر مظنة تحقق الزجر، يعني: هناك من الناس من إذا نصحته لم يستجب وإذا هجرته استجاب، وهذا على حسب حال المدعو، والله تعالى أعلم.

حكم تصوير كتب الكلية أو غيرها من كتب العلم

حكم تصوير كتب الكلية أو غيرها من كتب العلم Q ما حكم تصوير كتب الكلية، وهل تعتبر سرقة، مع العلم أنها غالية الثمن؟ A صور ولا حرج، وهذا رأي الشيخ محمد بن صالح رحمه الله، وحرمة تصويرها يعني حجب للعلم، وهذا الذي يصنف كتاباً ويقول: حقوق الطبع محفوظة، ولا يجوز التصوير إلا بإذن المؤلف، فإنه بذلك يحجر العلم عن الناس، ويكتم العلم عن الناس، وشرطه هذا غير شرعي، وأما قوله: هذا إنتاج ذهني، فنقول له: هذا عطاء الله عز وجل، ولذا فيجوز لك أن تصور لحاجة نفسك لا للبيع، فإن صورت للبيع فهذه سرقة لا تجوز، ومن عرف أنه يصور للبيع فلا يشترى منه؛ لأن في ذلك مساعدة له على الإثم والعدوان، والله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، وهذا أصل عظيم عندنا، ولذلك يفهم بعض الناس أن الحرام نوع واحد، لا، فالحرام أنواع: حرام لذاته، وحرام لغيره، فالحرام لذاته مثل: الخمر، والسرقة، والزنا، والحرام لغيره مثل: بيع البنطال للمتبرجة، فهو في الأصل حلال، لكن هناك صفة جعلته حراماً، وكمن يبيع (إريل) للتلفزيون؛ ليساعده على أن يرى المناظر المحرمة، وكمن يقول لك: أعطني سكيناً لأقتل بها، فإن بعت له فأنت مشارك له في القتل؛ لأنه سيستخدم السكين في القتل، وكذلك الذي يكوي بناطيل النساء، فصنعته حرام؛ لأن لبس البنطال حرام وأنت تيسر للبس الحرام، فتكويه لتلبسه المرأة، سيقول لك قائل: تلبسه في البيت، لا، حتى إن لبسته في البيت فهو حرام؛ لأن فيه تشبهاً، قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال)، ومعلوم أن لبس البنطال يكون للرجال، لذلك هناك مسألة مهمة جداً ذكرها الشيخ صفوت الشوادفي رحمه الله تعالى، ألا وهي: الثياب البيض للمرأة المحرمة غير مشروعة، وإنما يلزمها أن تلبس ملابس مخالفة للرجال؛ لأن الرجل يلبس أبيض، إذاً المرأة يلزمها أن تلبس غير الأبيض حتى لا يختلط الأبيض بالأبيض، ولا نعرف الرجل من المرأة عند الطواف، لكن النساء المصريات تصر إحداهن على أن تلبس أبيض، فنقول: يلزم المرأة أن تحرم في ملابسها، وأفضل ملابس المرأة هي السواد، والله تعالى أعلم.

حكم لبس المرأة للسراويل تحت جلبابها

حكم لبس المرأة للسراويل تحت جلبابها Q ما حكم لبس السراويل للمرأة تحت جلبابها؟ A لا بأس بلبس السراويل تحت الجلباب، مع الحذر من السروال الذي هو مثل البنطلون الموجود في هذا الوقت، إذ إنه يجسِّم جسم المرأة تماماً وكأنها عارية، وقد عمت به البلوى وزادت به الفاحشة، وللأسف الشديد كل يوم يظهر موديل جديد في عالم البنطلون، وهناك بنطلون بلون البشرة وكأنها تماماً عارية كما ولدتها أمها، فهل هذا يرضي الله عز وجل؟ أيضاً الأعجب من يقول لك: الدكتور فلان -من غير ذكر أسماء- يقول: لا بأس بالبنطال؛ لأنه ييسر حركة المرأة ويسهل التنقل، خبت وخسرت يا هذا! أما تستحي من الله؟ أما تستحي من نفسك؟ إن لم يكن في البنطال إلا التشبه فيكفي لحرمته، وفوق ذلك فهو يجسد العورة ويحجمها، إلى غير ذلك من المفاسد التي ذكرناها قبل ذلك.

حكم رفع اليدين عند الدعاء في يوم الجمعة

حكم رفع اليدين عند الدعاء في يوم الجمعة Q ما حكم رفع اليدين عند دعاء الإمام في يوم الجمعة؟ A لا يجوز للمأموم أن يرفع يديه عند الدعاء، وإنما يؤمن فقط، هذا هو الثابت، والله تعالى أعلم.

حكم خروج الموظف من وظيفته قبل انتهاء وقت العمل

حكم خروج الموظف من وظيفته قبل انتهاء وقت العمل Q أخ يشتغل في وظيفة حكومية، ووقتها من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية، فهل له الخروج قبل موعد انتهاء العمل بحجة أنه لا يوجد عمل أم لا؟ A لا يجوز له ذلك، وإن عمل ذلك فهذا إجرام في حق العمل؛ لأنه وقع على عقد حبس وقت من الساعة الفلانية، وعليه فلا يجوز له مغادرة مكان العمل إلا بعد انتهاء موعد العمل؛ لأنه محبوس لصالح العمل، وهذا مثل بعض أئمة الأوقاف عندنا، إذ أنه يأخذ معه دفتر الحضور إلى البيت، فيوقع لنفسه وللمؤذن ثلاثين يوماً! ولا يرونه نهائياً إلا مرة في السنة، فهل هذا يرضي الله عز وجل؟ نقول: لا، فهذا حبس وقت يا عبد الله، فكما لو أن هناك رجلاً استخدم عاملاً ليبيع ويشتري، ثم فتح العامل في الساعة الثامنة صباحاً ولم يوجد بيع ولا شراء حتى الساعة الثانية، فهل يجوز للعامل أن يقفل المحل؟ لا؛ فهو منتظر للزبون في أي وقت، سواء باع أو لم يبع، وهو قد عقد عقداً يسمى حبس وقت، والله تعالى أعلم. بخلاف العمل بالإنتاج فهو مطالب بإنتاج شيء معين، فإذا قام به قبل انتهاء الوقت جاز له الخروج من مكان العمل، وهذا يسمى عملاً بالإنتاج لا بالوقت.

حكم تعدد الجماعات في المسجد الواحد

حكم تعدد الجماعات في المسجد الواحد Q ما حكم تعدد الجماعات في المسجد الواحد؟ A اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: للأحناف والمالكية والشافعية: أن إنشاء جماعة بعد الجماعة الأولى مكروه، فلو صلينا في هذا الوقت جماعة، ثم دخل رجل بعد الظهر فلا يقيم جماعة، وإنما يصلي منفرداً طالما أن المسجد له إمام راتب. القول الثاني: للحنابلة: يجوز إنشاء جماعة بعد الجماعة الأولى، لكن بإذن الإمام الراتب، ودليلهم حديث علقمة والأسود وابن مسعود عندما ذهبوا إلى المسجد فوجدوهم قد صلوا الفرض فعاد ابن مسعود وصلى بهم في بيته. ودليل الفريق الأول: جاء في مصنف ابن أبي شيبة أن الحسن البصري ذهب إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا، فصلى منفرداً. ولذا فإن دخل أناس المسجد وصلَّوا قبل الجماعة الكبرى وأثناء صلاتهم أقيمت الجماعة الراتبة فصلاتهم باطلة؛ لأنها جماعة دون إذن الإمام، ولأن الإمام الراتب هو صاحب الأمر، فله أن يقدم وله أن يؤخر، وهذه مسألة مهمة جداً. وقد مال الشيخ محمد بن صالح إلى رأي الحنابلة في تكرار الجماعات لكن بإذن الإمام.

حكم من نام عن صلاة الفجر حتى تشرق الشمس

حكم من نام عن صلاة الفجر حتى تشرق الشمس Q من نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد شروق الشمس فمتى يقضي هذه الصلاة؟ A يصلي في نفس اليوم بعد شروق الشمس، يعني أنا استيقظت الساعة العاشرة صباحاً، فأصلي الفجر مباشرة ولا أدعها إلى اليوم الثاني، فيكون القضاء بعد الاستيقاظ.

حكم الكذب في عقود الزواج

حكم الكذب في عقود الزواج Q ما حكم الشرع في الكذب في عقود النكاح؟ A الكتابة في العقد بخلاف الواقع مخالف للشرع ويترتب عليه فساد كبير كما في حال الزواج، فيكتب المقدم جنيه والمؤخر ثلاثة آلاف والمقدم ليس بجنيه، وإنما يريد أن يهرب من الرسوم، فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فالشرع يقول: لها النصف، أي: نصف الثلاثة الآلاف والواحد، لكن مهرها في الحقيقة ليس ثلاثة آلاف وواحد، وإنما هو عشرون ألفاً، فضاع الحق لعدم التدوين، ولذا أقول: دون الحقيقة واغرم بعض الرسوم حتى تحفظ الحقوق، والله تعالى أعلم.

حكم الولد الذي جاء من المرأة المخطوبة قبل العقد بها

حكم الولد الذي جاء من المرأة المخطوبة قبل العقد بها Q شابة خطبها شاب وأُعلنت الخطبة على ملأ من الناس وقبل عقد الزواج حملت منه، وبعد ذلك دخل بها وأصبحت زوجة له حتى اليوم، فما حكم هذا الابن الذي ولدته وهو يعلم أنه ابن له؟ وما حكم من ولدت بعد ستة أشهر من الدخول بها؟ A الولد في هذه الحالة هو ولد زنا، لأنه جامعها قبل أن يعقد بها، فعليهما التوبة والاستغفار. أما فيما يتعلق بالولد الذي يولد بعد ستة أشهر فقد ذكر فيه الشافعي قاعدة عامة فقال: إن وضعت المرأة الولد بعد ستة أشهر فلا يعتبر زنا؛ لأن الله قال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233]، يعني: أربعة وعشرين شهراً، ثم قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ} [الأحقاف:15]، أي: ثلاثين من أربعة وعشرين، فإن قال: أقل الحمل ستة، ثم وضعت بعد ستة أشهر بعد العقد فلا يعد ابن زنا، وإن وضعت بعد أربعة أشهر بعد العقد فيعد ابن زنا، ويقام عليهما الحد في هذه الحالة إن كانت هناك دولة إسلامية، لكن أقول بشأن المرأة المخطوبة التي أنجبت ولداً: عليهما التوبة إلى الله والاستغفار.

حكم شراء سلعة بالتقسيط عن طريق البنك

حكم شراء سلعة بالتقسيط عن طريق البنك Q أخي يعمل في أجهزة الكمبيوتر والترجمة، فيأتي بالعميل إلى الشركة والشركة تقسط الجهاز للعميل عن طريق البنك فهل يجوز ذلك أم لا؟ A إذا وسط البنك في أي معاملة فالتعامل لا يجوز، لأن البنك يحملك فائدة فوق الدين الأصلي، فمثلاً عجزت عن تسديد ألف جنيه فإن البنك يحملك -مثلاً- مائة جنيه فائدة، وربنا يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وانظروا في قصة هذا الرجل الذي اقترض من بنك التنمية والائتمان خمسة آلاف جنيه، وأصبحت الفوائد عليه خمسة عشر ألف جنيه، وهو عاجز عن سداد الدين، فهم بدلاً أن يمهلوه حتى يسدد ما عليه كبلوه بالفوائد، فلا ينبغي أن تكبل المدين بدين إضافي، والبنك يعمل هكذا، وهذا هو الحرام، والله تعالى أعلم.

حكم قراءة المأموم للفاتحة والسورة في السر مع الإمام

حكم قراءة المأموم للفاتحة والسورة في السر مع الإمام Q هل يجوز للمأموم أن يقرأ الفاتحة والسورة في السر مع الإمام؟ A نعم، يجوز للمأموم أن ينازع الإمام في الفاتحة، فيقول الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ويقول هو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وهذه تسمى منازعة، ففي الحديث: (لا تنازعوني إلا في أم الكتاب)، فالمنازعة في أم الكتاب ثابتة وما في سواها لا يجوز، والله تعالى أعلم.

حكم لبس الدبلة

حكم لبس الدبلة Q هل ارتداء الدبلة حرام؟ A نعم، فهي من العادات غير الإسلامية، وقد كانوا يقولون عند لبسها: باسم الأب والابن والروح القدس، ويضعون الدبلة في إصبع -البنصر- بحجة أن هذا الإصبع يرتبط بعرق في القلب، وكلما وجدت الدبلة وجدت المحبة، وكلما انخلعت الدبلة انخلعت المحبة، ومن المضحك أن أحد الإخوة قال لي: هب لو أن رجلاً متزوج أربع نسوة، فكم سيلبس دبلة؟! أربع دبل! إن هذا مخالف للهدي النبوي، الهدي النبوي هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتماً في خنصره مكتوب عليه محمد رسول الله وهذا عند البخاري، وهذا الحكم يشمل الرجل والمرأة، والمرأة لها أن تلبس الخاتم حتى تخالف صنيع أهل الكتاب؛ لأن الدبلة هذه ليست من سنن الإسلام، والله تعالى أعلم.

حكم الأرباح المتولدة عن إيداع المال في البورصة

حكم الأرباح المتولدة عن إيداع المال في البورصة Q وضع أحدهم مالاً عند آخر على سبيل الأمانة، فقام هذا بإدخاله في البورصة حتى جنى هذا المال أرباحاً فما حكم هذه الأرباح؟ A أصلاً صاحب المال أعطاه المال أمانة وهو وضعه في البورصة فكسب فوائد، فعليه أن يتخلص من هذه الفوائد، وصاحب المال ليس له دخل، يريد أصل المبلغ، فتخلص منها أنت ولا أجر لك في شيء.

حكم أخذ نسبة من الربح الناتج عن استثمار مال الأمانة

حكم أخذ نسبة من الربح الناتج عن استثمار مال الأمانة Q من استأمنني على مال، فاستثمرته له فهل لي أن آخذ نسبة من ربح هذا المال؟ A تعطيه المبلغ وما كسب، للحديث الذي في البخاري وهو حديث الثلاثة الذين كانوا في غار، وفيه أن الثالث لما جاءه الأجير بعد مدة يطلب أجرة قال له: لك كل هذه الغنم والإبل؛ لأنه استثمر المال له ونماه، فأعطاه الأصل والنماء الحلال؛ لأن أصل المبلغ هو سببه، إلا إذا استسمحت بإذنه أن تأخذ جزءاً وسمح به (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

حكم التدخين أثناء الوضوء

حكم التدخين أثناء الوضوء Q هل التدخين ينقض الوضوء؟ A لا، لكنه حرام.

رمضان شهر الدعاء

رمضان شهر الدعاء رمضان شهر التوبة والغفران وشهر القرآن والدعاء، ففيه تفتح أبواب الرحمة وتغلق أبواب النار، ولذا شرع للمؤمن في هذا الشهر الكريم الإكثار من الدعاء آناء الليل والنهار، لاسيما في أوقات الإجابة، مع مراعاة آداب الدعاء.

مشروعية الدعاء في رمضان

مشروعية الدعاء في رمضان الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد. أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم يحمل عنوان: (رمضان شهر الدعاء)، وقد تحدثنا في اللقاء السابق أن رمضان شهر القرآن، وهو أيضاً شهر الدعاء، ودليلنا لذلك أن آية الدعاء جاءت بين آيات الصيام، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وهذه الآية جاءت في وسط آيات الصيام؛ لتبين حقيقة وهي: أن العبد في هذا الشهر الكريم ينبغي أن يلح في الدعاء على ربه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) أي: أنها من الدعوات المستجابات. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بروايات مختلفة، فرواية البخاري: (إن الله سبحانه لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء) وهذه رواية البخاري. أما رواية أحمد: (لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله). ورواية أحمد في مسنده: (إن الله لم يضع داء إلا وأنزل له شفاء إلا الهرم) والهرم: كبر السن والشيخوخة، فليس لها دواء، فالله سبحانه وتعالى حينما أنزل الداء أنزل معه الدواء، فالجهل داء ولا شك في هذا، ودواء الجهل هو العلم وسؤال العلماء. وفي الحديث الذي في سنن أبي داود أن رجلاً أصابه حجر في رأسه وقد أصابته الجنابة، فسأل بعض الصحابة: هل عليه من غسل؟ فقالوا: لا نرى لك إلا الغسل، فاغتسل فدخل الماء في رأسه فوقع ميتاً، فوصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما دواء العي السؤال) فجعل الجهل داء، وجعل له دواء وهو سؤال أهل العلم، وربنا قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. والإمام البخاري بوب في صحيحه: (لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح)، فالذي يتكبر على طلب العلم لا يتعلم، وكذلك الذي يستحي من طلب العلم لا يتعلم. والقرآن شفاء من كل داء حتى الأمراض الحسية؛ لأن (من) هنا ليست للتبعيض وإنما لبيان الجنس في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]. يقول ابن القيم رحمه الله: مكثت في مكة تنتابني بعض الأمراض الجسدية، فكنت أستخدم الفاتحة في الرقية فأجد لها مفعولاً في شفائي لا يعلمه إلا الله. وفي صحيح البخاري أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا على حي، وقد لُدغ سيده -أي: لدغه ثعبان- فطلبوا له الطب فلم يجدوا له سبيلاً، وعجز الطب عن علاجه، فجاءوا إلى ذلك الرهط من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وسألوهم: هل عندكم من شيء لسيدنا؟ قالوا: نعم، إلا أننا أردنا منكم الضيافة فلم تفعلوا، لن نرقيه حتى تجعلوا لنا جُعلاً -أي: مقابلاً- ثم تقدم أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرجل وأتى بمكان الجرح، وتفل عليه، ثم قرأ عليه فاتحة الكتاب، وما إن انتهى من قراءة الفاتحة إلا وقام الرجل صحيحاً معافى كأنه انفك من عقال بعير. إذاً: الفاتحة لها تأثير مباشر على الأمراض العضوية وهذا الكلام ربما لا يفهمه أحد أو يقول: هذا كلام لا يمكن أن يصدق، لكن ابن القيم يقول: ولتأثر الدعاء على كل مكروه وبلاء شروطاً؛ لأن البلاء الذي ينزل بالعبد داء، والمكروه الذي ينزل به داء يحتاج إلى دواء، ودواء المكروه والبلاء هو الدعاء. ورمضان هو شهر الدعاء. والدعاء هو العبادة، كما قال ربنا سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَ

شروط الدعاء

شروط الدعاء وهكذا الدعاء حتى يحقق الإجابة له شروط: الشرط الأول: أن يكون الدعاء في ذاته مقبولاً، فلا تدعو بقطيعة رحم ولا تتعدى في الدعاء. الشرط الثاني: أن يكون القلب في حالة يقين أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ وغافل، وإنما أن تدعو وأنت موقن بالإجابة. الشرط الثالث: ألا يكون هناك مانع من موانع الإجابة، فأكل الحرام مانع من موانع الإجابة، وانصراف القلب مانع، وارتكاب الذنوب والمعاصي مانع من موانع الإجابة.

أحوال الدعاء مع البلاء

أحوال الدعاء مع البلاء وللدعاء مع البلاء أحوال ثلاثة، فأي بلاء ينزل بالعبد علاجه الدعاء، والأحوال هي ما يلي: الحال الأول للدعاء مع البلاء: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه، ويمنعه من النزول. الحال الثاني: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء، فينزل البلاء لكن ينزل مخففاً. الحال الثالث: أن يتصارع الدعاء مع البلاء إلى يوم القيامة.

آداب الدعاء

آداب الدعاء وللدعاء آداب ينبغي أن نراعيها: أولاً: أن نلتمس أوقات الإجابة في الدعاء، وأوقات الإجابة عدها بعض العلماء ست: 1 - عند النداء. 2 - بين النداء والإقامة. 3 - في الثلث الأخير من الليل. 4 - عند صعود الإمام إلى المنبر في يوم الجمعة حتى نزوله وحتى انقضاء الصلاة. 5 - آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن يوم الجمعة فيه ساعة إجابة. 6 - أدبار الصلوات المكتوبة. ثانياً: الذل والخضوع والانحناء والانكسار بين يدي الله عز وجل. ثالثاً: الطهارة واستقبال القبلة. رابعاً: حمد الله والثناء عليه. خامساً: الصلاة على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فهو مفتاح قبول الدعاء. سادساً: البدء بدعاء المكروب والملهوف والمهموم. فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل به كرب يقول: (لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم) فيستجير بالله عز وجل، وكذلك كان دعاء يونس: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. قالوا: (يا رسول الله! أهي ليونس خاصة أم لنا عامة؟ قال: اقرءوا قول الله: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]). وفي الحديث: (ما أصاب أحد من هم) فكلنا لنا هموم، كلنا عندنا بلاءات متعددة على اختلاف أنواعها، فإذا نزل بك الهم قل: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو علمته أحداً من عبادك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي، ونور صدري فمن قال ذلك الدعاء فرّج الله همه)، ثم ادع باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. ومن حكمة الله ورحمته بنا أن أخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى، حتى ندعوه بكل أسمائه، والأحاديث متعددة في بيان ما هو اسم الله الأعظم، فحديث يقول: الرحمن الرحيم. وآخر يقول: لا إله إلا هو رب العرش العظيم. وآخر يقول: اسم الله الأعظم في ثلاث آيات من القرآن: البقرة، وآل عمران، وطه كما رواه الحاكم، قال القاسم راوي الحديث: فنظرت في البقرة فوجدته في قول الله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:111]، وفي آل عمران: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:2]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث). ثم تجمع القلب على الدعاء، وبعد ذلك تختم بالاستغفار والتوبة والإنابة، فلا يمكن أن يتخلف الدعاء عن الإجابة إلا إذا كان لحكمة يعلمها الله.

أحوال الصالحين مع الدعاء

أحوال الصالحين مع الدعاء

قصة زكريا عليه السلام

قصة زكريا عليه السلام حال الصالحين وكيف كان الدعاء معهم؟ زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتياً، واشتعل رأسه شيباً، وكانت امرأته عاقراً، فهذه المقدمات والمعطيات لو طرحت لأساتذة طب النساء والعقم في عالمنا اليوم لاستبعدوا إيجاد الولد؛ لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء، فاحذر أن تستبعد أمراً على الله، فقام زكريا يصلي لربه في المحراب، يقول ربنا سبحانه: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم:2 - 3] والدعاء كلما كان خفياً كان أدعى للإجابة، وليس الدعاء مظاهرة رمضانية، فأشرطة الدعاء تباع على السيارات العامة، وفيها الدعاء برفع الصوت والصياح والتهليل، وكلما كان العبد متضرعاً خاشعاً إلى ربه كان أدعى للإجابة، فنرى الآن العجب العجاب في واقعنا، وهذه المخالفات الرمضانية التي سأتحدث عنها في الخطبة الثانية قد تصل إلى المائة مخالفة، منها هذا الدعاء الذي في القنوت فإن بعض الأئمة يطوّلون به ويرهقون الناس، بل يتعدون في الدعاء أحياناً، ويعددون أسماء الله: يا نافع يا ألله يا رحمن يا ألله يا رحيم يا ألله، وهذا ليس دعاء وإنما مظاهرة، وهذا ليس من آداب الدعاء بل هو تعدٍ في الدعاء. ودعا زكريا ربه، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم:4] أي: لم أشق يا رب وأنا أدعوك أبداً، {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم:5] أي: أريد ولداً ذكراً صالحاً؛ {يَرِثُنِي} [مريم:6] فطلب الذكر لا بأس به، لأنه يرث العلم والنبوة {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم:6] أي: ولداً صالحاً لا عاصياً. وكانت النتيجة كما قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران:39]. وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم:8 - 9]. يقول السائل الكريم: طفت على أساتذة الطب فقالوا لي: حيواناتك المنوية ميتة، وأنابيب الزوجة مغلقة، عندك ضعف لا يمكن معه الإنجاب، فاعلم أن لك إلهاً يجيب المضطر إذا دعاه.

قصة يونس بن متى

قصة يونس بن متى وكان يونس عليه السلام يكثر في دعائه لربه، وهذا هو السلاح الذي نغفل عنه كثيراً، ادع ربك في اليوم والليلة، ادع ربك وأنت صائم وبعد الفجر وعند الظهر وفي العصر وقبل تناول الفطور، وعند القيام إلى السحور، وبعد التراويح، وفي دبر الصلوات، أكثر من الدعاء بكل ما تحتاج إليه. خرج يونس عليه السلام من بين قومه غضبان؛ لأنهم لم يستجيبوا له، فأعرض عنهم وخرج قبل أن يأذن له الله، فركب سفينة، فبينما هم في وسط البحر جاءها الموج من كل مكان، عند ذلك تعلم علم اليقين أن الناس لا تقول إلا يا رب، فلا ملجأ من الله إلا إلى الله، يشعر بهذا من قطع مسافة العمرة أو الحج في الباخرة، حينما يعلو الموج لا ملجأ من الله إلا إلى الله، فعند ذلك قرر من في السفينة أن يتخلصوا من واحد حتى يخففوا الحمولة فوقعت القرعة على يونس ثم الثانية ثم الثالثة، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت في ظلمة الليل، وفي ظلام البحر وفي ظلمة بطن الحوت، وما احتمال النجاة إلا صفر %، فهو في قاع البحر وبطن الحوت وفي سواد الليل، ولا يمكن أن يكون هناك احتمال للخروج، فنادى من بطن الحوت في ظلام الليل: {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، فقالت الملائكة: يا رب! صوت معروف من عبد معروف، إنه عبدك يونس بن متى، فأوحى الله إلى الحوت: لا تكسر له عظماً، ولا تأكل له لحماً. يقول ربنا: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ومن الناس من لا يدعو ربه إلا في حال الكرب والضيق! قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات:145]، أي: نبذه الحوت على شاطئ البحر وخرج ضعيفاً متعباً مريضاً منهكاً، لكن الله إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب، فقد أنبت عليه شجرة من يقطين، واليقطين نبات يزحف لا ثقل له على الأرض، واراه وغطاه حتى لا يصاب بأذى، حتى أصبح معافى سليماً، فأوحى الله إلى يونس أن يرجع إلى قومه، يقول ربنا: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:147 - 148].

قصة أيوب عليه السلام

قصة أيوب عليه السلام وأيوب عليه السلام مرض (18) سنة، كما أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه، والمرض كفارة للذنوب ورفع للدرجات، فالله يريد منك أن تدعوه، فأيوب عليه السلام لما مرض تركه البعيد والقريب، والكل تخلى عنه، فمن الناس من يعرفك في حال الصحة، وأول ما تشعر بمرض طويل وابتعدوا عنك، لكن -يا عبد الله! - كن مع ربك عز وجل. خرج أيوب يوماً يقضي حاجته، فجلس مع زوجته الصابرة التقية المحتسبة، فسمع رجلاً يقول لأخيه: إن أيوب قد أذنب ذنباً، ولو لم يذنب لما ابتلاه الله، فحزن أيوب فرفع يده إلى السماء قائلاً: (رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب)، يقول ربنا سبحانه في سورة الأنبياء: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء:83 - 84] تقول الروايات: إن أيوب ضرب بقدمه الأرض، فانبثقت منه عينان، قال له الله: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42] فشرب من الأول واغتسل من الآخر، فعاد صحيحاً معافى بإذن الله. فإذا كانت عليك ديون، أو عليك هموم وكروب، أو أن الزوجة لا تطيع، والابن عاق فعلاج كل ذلك الدعاء، فلا تيأس ولا تحزن.

قصة الرجل التاجر وقاطع الطريق

قصة الرجل التاجر وقاطع الطريق روى ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء المستجاب أن رجلاً يكنى أبا معلق من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كان تاجراً في ماله ومال غيره، وكان يقطع المسافات ويتاجر، وفي يوم انطلق بقافلته في صحراء، فلقيه قاطع طريق يريد أن يأخذ ما معه من مال ويقتله، فأعطاه المال وقال: لا بد من قتلك قبل المال. وانظروا إلى حال الصالحين مع الدعاء فقال: أما وقد عزمت على قتلي، فدعني أصلي لربي أربع ركعات، فقال: صل. فدخل الرجل في صلاته ولما سجد دعا ربه قائلاً: يا ودود يا ودود، يا فعال لما تريد، يا ذا العرش المجيد، أسألك بملكك الذي لا يضام، وبعزك الذي لا يرام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تفرّج عني ما أنا فيه يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني. فلما أن أنهى الصلاة مباشرة أتاه الفرج من الله عز وجل، إذ جاء رجل يركب جواداً وسيفه بين أذني جواده، وتقدم إلى اللص وضربه ضربة أطاح بها عنقه، فقال له: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ ومن أي البلاد أنت؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، حينما قلت: يا مغيث أغثني قلت: يا رب عبد مكروب فوكلني به. فلا تيأس ولا تحزن، فرمضان شهر الدعاء، فهلموا إلى ربكم عز وجل، وألحوا عليه في الدعاء. أسأل الله سبحانه أن يبلغنا رمضان، وأن يفرج لنا فيه الكروب. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

آداب الصيام

آداب الصيام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فأيها الإخوة الكرام!. هناك آداب للصيام ينبغي أن نراعيها، وهي ما يلي: الأدب الأول: تبييت النية من الليل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيّت النية من الليل فلا صيام له)، فمدار الأعمال على النيات، ومعنى النية أن تنوي صيام الشهر، ليس بلسانك وإنما بقلبك؛ لأن النية من أعمال القلوب، فالتلفظ بها بدعة؛ لأن النية تنصرف إلى الفعل إن عزم عليه الفرد بقلبه، فالذي يريد أن يشرب الماء لا يقول قبل الشرب: نويت أن أشرب، أو إذا أراد أن يخرج إلى عمله لا يقول: نويت أن أذهب إلى عملي، فالنية محلها القلب. والراجح أن نية صيام الشهر في أول ليلة منه تكفي له، إلا إذا انقطع الصيام بعذر كسفر أو مرض، فعليك أن تجدد النية مرة ثانية. الأدب الثاني: السحور، والسحور فيه بركة كما يقول البخاري في صحيحه: بركة السحور من غير إيجاب. يقول ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن السحور مندوب. أي: مستحب وليس بواجب. يقول أنس عن زيد بن ثابت والحديث في البخاري: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة بعد السحور، فقال أنس لـ زيد: كم كانت المدة بين سحوركم وبين صلاة الفجر يا زيد؟ قال: قدر قراءة خمسين آية من القرآن). قال العلامة ابن حجر: وفي الحديث فوائد: الفائدة الأولى: تأخير السحور إلى أن يزاحم الفجر. ومن المخالفة التي يقع فيها الناس مدفع الإمساك إذ لا يترتب عليه أحكام شرعية بحال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) أي: حتى يشرع في النداء، وحتى هنا للنهاية. وفي الحديث: (إذا أذن الفجر وعلى فمك الإناء فلا تضع الإناء حتى تقضي حاجتك منه) أي: اشرب ما في الإناء ولو أذن المؤذن، فالإسلام دين الرحمة ولا يمكن أن نقول له: انزع الإناء ثم اسكب ما في فمك، فهذا تعذيب، فلا تضع الإناء إلا وقد أخذت حاجتك من الإناء، لكن لا تشرع في الشرب بعد سماع النداء، فهذا لا يقبل بحال. فمدفع الإمساك يمكن أن يقال عنه مدفع تنبيه وهذا أفضل، فلو كان الأمر بيدي لقلت: مدفع تنبيه لاقتراب نداء الفجر، أما مدفع الإمساك فليس من شرع الله. يقول ابن حجر في فتح الباري كلاماً وكأنه نظر إلى واقعنا، وإن كان هذا في زمانه: وقد ابتدع الناس في زماننا -أي: زمان ابن حجر - أذاناً قبل الفجر حتى يمنع الناس من الطعام، ويؤخرون الفطر. يقول بعض الناس في الأرياف: لا تأكل حتى يتشهد المؤذن، أي: إذا غاب قرص الشمس وجب الفطر. ومن سنن هذا الدين تأخير السحور وتعجيل الفطور. يقول ابن حجر: فبكروا السحور وأخروا الفطور، فقلَّ فيهم الخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الفطر وأخروا السحور)، فتعجيل الفطر وتأخير السحور من مقومات الخيرية. ثم انظر إلى زيد رضي الله عنه وهو يقول: (تسحرنا مع رسول الله)، وفي الحديث مشروعية السحور الجماعي، وليس كل من يستيقظ يأكل بمفرده، وإنما العائلة جميعها تستيقظ وتتكاثر الأيادي على الطعام الأب، والأم، والأبناء، فالكل على مائدة واحدة في الساعة الرابعة والربع مثلاً أو الرابعة وعشر دقائق، أو الرابعة، والكل يقول: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار، وهذا في وقت السحر، وربما يستجيب الله لأحد الأفراد فيقول: خلّصت رقاب الجميع من النار. وفي الحديث: مشروعية السير بالليل؛ لأن زيداً لم يكن يبيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قطع المسافات ليتسحر معه، فنتعلم الأدب حتى في استخدام حرف الجر، لم يقل زيد: تسحرنا ورسول الله، وإنما قال: (تسحرنا مع رسول الله) ومع تشعر بالتبعية، فلم يشأ زيد أن يعطف تسحره بتسحر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس من الأدب، أما في زماننا فقد فُقد فيه الأدب إلا من القليل. الأدب الثالث: تعجيل الفطر. الأدب الرابع: حفظ الجوارح عن المعاصي. عباد الله! هناك آداب للصيام ينبغي أن نراعيها في شهر الصيام، ونبتعد عن كثير من المخالفات الرمضانية التي نقع فيها، وللحديث بقية إن شاء الله. اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان، اغفر لنا فيه الذنوب، واستر لنا فيه العيوب، فرج فيه الكرب والهموم، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، يا رب إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، لا تدع لنا في هذا الشهر الكريم برحمتك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مكروباً إلا وفرجت كربه، ولا مهموماً إلا وفرجت همه، ولا مسجوناً إلا وفرجت كربه برحمتك يا رب العالمين! اللهم استر عوراتنا، وآمن روعا

الخطبة الجامعة يوم عرفة

الخطبة الجامعة يوم عرفة أرسى النبي عليه الصلاة والسلام قواعد ومبادئ عظيمة في خطبته يوم عرفة، فبين مكانة الدماء في الإسلام، وأبطل كل أمر من أمور الجاهلية، وأوصى بالنساء خيراً، وأمر بالأخوة الإسلامية، وأمر بالتمسك بالكتاب والسنة؛ لأن بهما الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة.

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه- مع حجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المعروفة بحجة الوداع، نعيش مع الخطبة الجامعة التي ألقاها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة. والعالم إن كان يفتخر اليوم بأن له منظمات لحفظ حقوق الإنسان، فنقول لهم: لقد أصدر خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وثيقة حرمات المسلم، أقول: وثيقة حرمات، لا حقوق، هذه الوثيقة بين فيها عليه الصلاة والسلام حرمة المسلم على أخيه المسلم. فإلى منظمات حقوق المرأة أقول لهم: ها هو خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم يوصي بالمرأة في يوم عرفة، ثم يبين أن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمه عليه الصلاة والسلام. وأبت الأمة إلا أن تخرج أمور الجاهلية من تحت قدم رسول الله؛ لتعود الجاهلية تطل برأسها، وبتبرجها السافر، وإذا كان الله سبحانه قد وصف التبرج في المجتمع الأول بأنه تبرج الجاهلية فقال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فما بالك بتبرج النساء اليوم؟! يظلم الجاهلية من أراد أن يقارن بين الأمرين! إن المرأة في الجاهلية الأولى كانت تلبس جلباباً يواري جسدها، ولا تبدي إلا شيئاً من نحرها وصدرها، ووصف الله ذلك التبرج بأنه تبرج الجاهلية، فما بالنا اليوم؟ إننا نجد تبرجاً أشد بكثير من تبرج الجاهلية الأولى.

الأدلة على دنو أجل النبي عليه الصلاة والسلام

الأدلة على دنو أجل النبي عليه الصلاة والسلام وقبل أن نسترسل في خطبة النبي عليه الصلاة والسلام، ونقف عند بنودها نبينها ونوضحها ونستنبط منها العبر والعظات، أقول: بعد أن تم إبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع إسلامي في المدينة المباركة، استشعر الحبيب عليه الصلاة والسلام دنو أجله، ودليلنا ما يلي: أولاً: أنه لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة، أي: قبل موته بعام صلى الله عليه وسلم أو بأشهر- قال له: (يا معاذ! لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك تمر بمسجدي أو بقبري، فبكى معاذ وقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله!). ثانياً: كان جبريل يدارسه القرآن في كل سنة في رمضان مرة، وفي العام الذي مات فيه النبي عليه الصلاة والسلام دارسه القرآن مرتين. ثالثاً: قال للناس وهو يؤدي المناسك: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا). رابعاً: أنزل الله عليه بعد أن أتم خطبة عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، فسمع عمر الآيات، فأخذ يبكي، فتعجب الصحابة من بكاء عمر، فقال: يا قوم! وهل بعد الكمال إلا النقصان؟ أي: أن الله رب العالمين يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} [المائدة:3]، فلا بد بعد الكمال من نقصان، وكان النقصان الذي توقعه عمر هو موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. خامساً: في أيام التشريق أنزل الله عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]، فكان ابن عباس يقول: في هذه السورة نعي من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، واستنبط هذا المعنى من قول الله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3]؛ لأن الاستغفار هو ختام كل شيء، فكأن الله عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام في ختام حياته أن يختم حياته باستغفار الله. وفي العام العاشر من الهجرة أذن في الناس: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج إلى بيت الله عز وجل، فجاء الناس من كل فج عميق، ليتأسوا بالحبيب عليه الصلاة والسلام، ويتعلموا منه المناسك، ويقفوا على آخر الأمور الشرعية العبادية؛ لأن الحج هو آخر ما فرض من العبادات، فقد فرض في العام (9هـ‍ـ) على القول الراجح. خرج النبي عليه الصلاة والسلام لأربع ليال بقين من ذي القعدة كما يرجح ذلك ابن حجر في الفتح، ثم ذهب إلى ذي الحليفة وبات فيها، وقبل صلاة الظهر اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم ولبس ملابس الإحرام، تقول عائشة: ووضعت المسك على رأس ولحية النبي صلى الله عليه وسلم ومفارقه، حتى إن رائحة المسك كانت تفوح من لحيته وشعره عليه الصلاة والسلام. ثم صلى الظهر ولبى بعمرة وحج؛ لأن أرجح الأقوال أنه حج قارناً عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ساق الهدي من الحل إلى الحرم، ولذلك قال لأصحابه بعد أن أدى العمرة: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، فأمر من لم يسق الهدي بالتحلل عليه الصلاة والسلام، ثم أهل بعمرة وحج؛ لأنه حج قارناً، ودخل مكة بعد ليال ثمانية، أي: أنه قطع الطريق في ثمان ليال صلى الله عليه وسلم، وفي يوم أربعة من ذي الحجة دخل مكة -حتى نتعلم أنها رحلة جهاد- ثم دخل من باب بني شيبة إلى الحرم المكي، وطاف بالكعبة وسعى بين الصفا والمروة، ولم يتحلل؛ لأنه ساق الهدي، وأمر أصحابه أن يتحلل من لم يسق الهدي. ثم ظل على إحرامه صلى الله عليه وسلم حتى جاء اليوم الثامن من ذي الحجة المعروف بيوم التروية، وذهب إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فصلى الرباعية قصراً دون جمع. وفي فجر اليوم التاسع يوم عرفة -وهو خير يوم طلعت فيه الشمس- حين أشرقت الشمس ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى عرفة، وأمر بخيمته فضربت بنمرة، ثم بعد الزوال قام يخطب في الناس عليه الصلاة والسلام، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع، وأول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب، اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التو

مجيء الإسلام بالحفاظ على مقاصد الشريعة الخمسة

مجيء الإسلام بالحفاظ على مقاصد الشريعة الخمسة كان يستمع لرسول الله مائة وأربعة وعشرون ألفاً، وعمدتنا حديث جابر الذي انفرد به مسلم في وصف حجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول جابر: وقف عن يمينه وعن يساره ومن أمامه ومن خلفه بشر لا تصل العين إلى مداهم، فبعد جهد في الدعوة إلى الله، وبعد أن كان بمفرده مع نفر قليل قبل عشرين سنة بقليل، هذا الحشد الذي جاء يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم هو نتيجة جهد في الدعوة إلى الله، والإخلاص في الدعوة إلى الله، أراد الله عز وجل أن يرى الحبيب صلى الله عليه وسلم ثمرة ذلك الجهد قبل موته، فقام يقول للناس: (إن دماءكم)، فذكر أولاً: حرمة دم المسلم، كما قال في الحديث الآخر: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه). ومقاصد الشريعة الإسلامية خمسة: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وقد أحاط الإسلام هذه المقاصد بسياج، فكانت الحدود لحفظ النفس، كما قال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، فمن قتل يقتل، وكان ابن عباس يقول وينفرد برأيه عن جمهور الصحابة: ليس لقاتل المسلم عمداً توبة، وطبعاً رأيه يخالف رأي جمهور الصحابة، ولكن قال ذلك لشدة الوعيد، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، ولا تجد في القرآن وعيداً أشد من هذا الوعيد، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93]، فهذا غضب ولعن في آية واحدة، ووعيد بالعذاب العظيم، فـ ابن عباس نظر إلى الآية وقال: ليس له توبة، لكن جمهور العلماء على أن له توبة، وابن عباس حاجه الصحابة بقول الله في سورة الفرقان: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]. فأحاط الإسلام هذه المقاصد بالحدود، فكان لحفظ النفس القصاص، وكان لحفظ الدين حد الردة، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، والمرتد يستتاب ثلاث مرات وإلا قتل ردة، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولحفظ العقل كان حد شرب الخمر أربعين جلدة، وعمر جعلها ثمانين: أربعين حداً وأربعين تعزيراً، ولحفظ المال كان حد السرقة، ولحفظ العرض كان حد الزنى وحد القذف، فجاءت الحدود لتحفظ مقاصد الشريعة، ولذلك يوم أن أهدرت الحدود عمت الفوضى، وساد البلاء، فلو أن حدود الله تطبق في مجتمعاتنا لتردد السارق ألف مرة قبل أن تمتد يده، ولوقف الزاني مع نفسه؛ لأنه يعلم أنه سيقف في ميدان عام ويجمع الناس لينظروا إليه وهو يجلد أو يرجم. لذلك يقولون: الحدود زواجر وجوابر، والمقصود بكونها زواجر: أنها تزجر العاصي فيرتدع عن المعصية، والمقصود بكونها جوابر: أنها تطهره من دنس معصيته قبل لقاء الله عز وجل، فأين الحدود في مجتمع المسلمين؟ ومن الذي أهدرها؟ ولمصلحة من؟ ولحساب من؟ إنه لا يخشى من إقامة حد الزنى إلا الزاني، وأما إن كنت على الطريق المستقيم فلم تخشى من إقامة حدود الله في أرضه؟ فحدود الله في أرضه أمان وحفظ للمجتمعات، فلم تحرفون في دين الله؟ فالذي قال لكم: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام:72]، هو الذي قال لكم: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2]، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]، أخبروني يا قوم! أليس هذا قرآناً؟! ثم بعد ذلك تجد من ينتسب إلى العلم زوراً وبهتاناً يحرف الكلم عن مواضعه، حتى يحافظ على مقعده وكرسيه.

مكانة الدماء في الإسلام

مكانة الدماء في الإسلام قال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم)، وأول جريمة قتل وقعت على الأرض هي قتل ابن آدم أخاه. يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فكل نفس تقتل ظلماً في صحيفة ابن آدم، فانظر إلى صحيفته كم امتلأت الآن بمقتولين ظلماً، ولذلك جاء في الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، لذلك كل أوزار المتبرجات في صحيفة قاسم أمين يوم يلقى ربه، لقد كانت المرأة محتشمة مختمرة منتقبة في مصرنا إلى فترة قريبة حتى جاء تحرير المرأة، ولا أدري ما المقصود بتحريرها؟ هل هو تحريرها من الخمار والحجاب والنقاب، وتحريرها من أن تتقي الله وتطيع ربها عز وجل، وتذهب إلى السفور والتبرج والإباحية والاختلاط؟ ماذا يريدون بتحرير المرأة؟ فالإسلام حرر المرأة، ورفع شأن المرأة، فقد كانت المرأة تقتل في الجاهلية، وكانت المرأة تورث كأنها عقار، وكانت تحرم من حقوقها، فجاء الإسلام ليقول للناس جميعاً: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} [النساء:7]، جاء الإسلام ليقول لهم: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]. فالإسلام جاء بحرمة الدماء، ولذلك جاء في الأثر: (من ساعد على قتل مسلم ولو بشطر كلمة بعث يوم القيامة مكتوب على جبهته: آيس من رحمة الله)، فالقاتل يتحمل ذنوب المقتول كاملة، أي: أن كل سيئات المقتول يتحملها القاتل، ويأتي المقتول يوم القيامة فيتعلق بكتفي القاتل ويقول: يا رب! سله فيم قتلني، ولذلك اسمع إلى قول الله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:27 - 30].

إبطال وتحريم الإسلام للربا

إبطال وتحريم الإسلام للربا ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فانتهى ربا الجاهلية، لكنه عاد إلى واقع المجتمع الآن، فإن لم تكن فوائد البنوك ربا فما هو الربا إذاً؟! فاتق الله في دين الله يا من تحل ما حرم الله، ولا تخرق إجماع الأمة، وتختلف مع جبهة العلماء، وتنفرد برأيك لتحل ما حرم الله، فلمصلحة من؟ ولحساب من تبيع دينك بدنيا غيرك؟ فخرج الربا من تحت قدم رسول الله، وعاد إلى تعامل المسلمين في مجتمعاتهم، وفي بيعهم؛ فإن بعض أنواع البيوع الآن ربا، كبيع العينة، وهو: أن يأخذ سلعة ثم يبيعها لنفس التاجر بسعر أقل، أي: أنه يحتاج إلى مال فيوسط السلعة حيلة كما احتالت بنو إسرائيل، وهو يسمى بلغة التجار: الحرق، يقول لك: أعطني سلعة واحرقها، وهو ربا، بل عين الربا. والربا قسمان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، فـ (1000) جنيه من البنك تسددها (1200) جنيه بفائدة 13، أو 14، أو 17 بالمائة، إذاً فالفائدة محددة سلفاً وواضحة، فأي عاقل يقول: إن هذا ليس ربا؟! ولذلك ساد الربا، ومن لم يأكل من الربا أصيب من غباره، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن كل ربا موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب)، ويخطئ من يظن أن الجاهلية فترة زمنية، بل الجاهلية سلوك وخلق، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر لما عير بلالاً بلونه ولون أمه وقال له: يا ابن السوداء، قال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، أي: لا تزال يا أبا ذر! فيك جزء من الجاهلية لم تتخلص منه: تعيره بلون أمه، ولذلك ينبغي علينا إن استقمنا وأردنا الاستقامة أن نخلع عباءة الجاهلية، فالجاهلية سلوك وخلق، فلنخلع حمية الجاهلية، وعصبية الجاهلية، والاعتزاز بالحسب والنسب، فإن كل هذا من الجاهلية. ومهما ادعت المجتمعات المعاصرة أنها في مدنية وتطور ورقي وثورة معلومات فأقول: إنها تعيش في عفن الجاهلية، فالتبرج تبرج الجاهلية، والحكم حكم الجاهلية، قال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، فنحن في مجتمعات إسلامية، لكن فيها مظاهر جاهلية، لذلك تقديس الحجارة من مظاهر الجاهلية. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فيا من استقمت على شرع الله عز وجل! ضع أمور الجاهلية تحت قدمك، ولا يكفي أن تستقيم ظاهراً وتترك الباطن يغوص في عفن الجاهلية. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة يوم عرفة

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة يوم عرفة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء، فللمرأة حقوق قررها الشرع؛ فإن أرادت المرأة أن تضرب بأحكام الشرع عرض الحائط عادت تتخبط في الجاهلية الأولى. فهناك دعوة للمساواة، ويضحكون على المرأة ويقولون لها: أنت كالرجل لا فرق بينكما، فإذا كان قاضياً فأنت قاضية، وإن أصبح عمدة لا بد أن تكوني عمدة، وإن كان حكماً لمباراة لابد أن تنزلي وتحكمي، وإن كان لاعباً في الملاكمة فاخلعي أنت أيضاً ولاكمي، وإنا لله وإن إليه راجعون. وهذا أمر مضحك، فإن الذي خلق المرأة سبحانه وتعالى قال: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، فالمرأة لها طبيعة، ولذلك هناك أحكام شرعية كثيرة جداً تختلف فيها المرأة عن الرجل، في الميراث، وفي الشهادة، وفي العقيقة، وحتى في البول، فإذا بال الصبي على الثياب قبل أن يفطم ينضح، وإن بالت البنت يغسل؛ لحديث أم قيس عند البخاري: (جاءت أم قيس بولدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! هذا ولدي قيس حنكه وباركه يا رسول الله! فحمل النبي صلى الله عليه وسلم قيساً على حجره فبال، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بماء ونضحه)، وبين أن بول الذكر ينضح وأن بول الأنثى يغسل، يقول ابن حجر في الفتح: ولعل العلة أن النفس البشرية مجبولة على هذا؛ فإنها ترتبط بالذكر أكثر من الأنثى، ومعنى ذلك: أن الذكر يحمل أكثر من الأنثى، فإذا بال هنا وبال هنا فإن المشقة تجلب التيسير، وليس هذا قدحاً في المرأة. ولذلك أقول للمرأة المسلمة: أنت مستهدفة من أجل تدمير الأمة الإسلامية، فلا تستجيبي للمخططات، ولا تستجيبي للعلمانية العفنة التي تريد لك أن تخلعي النقاب، وأن تختلطي بالرجال، وأن تكوني رأساً برأس مع الرجل، بل كوني مع أوامر خالقك عز وجل، فكرامتك وعزتك في اتباع شرع الله سبحانه، فهناك أحكام كثيرة لا تجوز للمرأة، فلا يجوز للمرأة أن تؤذن، ولا يجوز للمرأة أن تخطب الجمعة، ولا يجوز للمرأة أن تكون ولي أمر للأمة؛ فإن الهدهد استنكر على الرجال أن تملكهم امرأة، قال عز وجل حاكياً عنه: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23]، فالهدهد يرفض هذا، وقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]. فأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء وقال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ولذلك انظر إلى حياته في بيته عليه الصلاة والسلام. فيا أيتها الأخت الفاضلة! ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصي بك في حجة الوداع، ومن ثم إن أردت عزة وإن أردت كرامة فلا تعبئي بهذه الشعارات التي صنعها لنا الأعداء، قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). لذلك لويس التاسع لما أسروه في المنصورة أخذ يفكر في أمر الأمة فقال لقومه: لا قبل لنا مع المسلمين في مواجهة عسكرية، فالحرب دائماً النصر سيكون للإسلام فيها؛ لأنهم يقاتلون طلباً للنصر أو الشهادة، ونحن نحرص على الدنيا، لكن أعطوني كأساً وغانية وأنا أدمر لكم هذه الأمة. إذاً: الحرب الآن ليست حرباً عسكرية، وإنما هي حرب أخلاقية، وحرب على الأخلاق، وحرب على القيم، وحرب على الثوابت الأخلاقية.

إكمال الله عز وجل الدين

إكمال الله عز وجل الدين بعد أن ألقى النبي صلى الله عليه وسلم خطبته في عرفة أنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، فأمر بلالاً أن يؤذن أذاناً واحداً للظهر والعصر ثم يقيم إقامتين، فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وبعد أن صلى الظهر والعصر وقف بعرفة في بطن الوادي يدعو الله عز وجل حتى غابت الشمس وتم غروبها، ولم يفض من عرفة إلا بعد غروبها، ثم بعد أن أتم الوقوف بعرفة أفاض إلى مزدلفة، قال عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة:198]. وفي مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ثم نام بعد العشاء صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ لصلاة الفجر وصلى الفجر، وما انصرف من مزدلفة إلا بعد أن أسفر جداً، أي: بعد أن وضح النهار وقبل شروق الشمس، فالمبيت في مزدلفة واجب يهدر من كثير من الحجاج، وترك الواجب يجبر بفدية، وهي بدم، أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وبعد أن أسفر صلى الله عليه وسلم في مزدلفة توجه إلى منى فأخذ الحصيات السبع، ورمى جمرة العقبة قبل شروق الشمس في يوم النحر، ثم ذبح صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة وأعطى علياً تمام المائة. وأريد أن تتأمل في النص؛ فقد ذبح ثلاثاً وستين ومات لثلاث وستين صلى الله عليه وسلم. وبعد أن رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة عاد إلى مكة وطاف طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج. ثم بعد ذلك عاد إلى منى في أيام التشريق يرمي الجمرات، وكان آخر شيء أن ودع البيت بالطواف؛ لأنه قال: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت)، فطواف الوداع واجب على النحو الذي سنبينه إن شاء الله تعالى. وبهذا تمت أعمال الحج، ووضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة النسك، ثم عاد بعد ذلك إلى المدينة، لا ليستريح، وإنما ليواصل رحلة الدعوة إلى الله عز وجل. وشاء الله سبحانه أن يمكث أشهراً من حجته، ثم جاءه ملك الموت ليخيره بين لقاء ربه وبين الخلود في الدنيا، فخرج إلى أصحابه وهو يقول لهم: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار لقاء ربه، فقال أبو بكر: فداك أبي وأمي يا رسول الله! قال أبو سعيد: فتعجبنا، علمنا أن المخير هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمنا أن الصديق هو أفقهنا لدين الله سبحانه)؛ لأنه علم أن المخير بين لقاء ربه وبين الخلود هو النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك أهل السنة مجمعون على أن الصديق هو أفضل الأمة بعد نبيها، يقول أبو نعيم في حليته في ترجمة أبي بكر: هو الصديق الملقب بالعتيق صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً. اللهم قدر لنا الصلاة في بيتك الحرام، اللهم قدر لنا الوقوف بعرفة. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا. اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك وموتة في مدينة نبيك. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين يا رب العالمين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم حرر الأقصى من الغاصبين وطهر الأقصى من نجس المشركين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم أيد مجاهدي فلسطين بنصرك يا رب العالمين! اللهم اربط على قلوبهم، اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم. اللهم زلزل اليهود، اللهم جمد الدم في عروقهم، اللهم أرنا فيهم آية؛ فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! أنت ربنا ورب المستضعفين، إلى من تكلنا يا رب العالمين؟ أيد دينك بنصرك يا رب العالمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

ذكر بعض الأحكام المتعلقة بأيام ذي الحجة

ذكر بعض الأحكام المتعلقة بأيام ذي الحجة هناك بعض الأحكام المتعلقة بأيام ذي الحجة، وهي كثيرة جداً، نذكر منها أموراً: أولاً: حديث مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أهل ذو الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من أظفاره وشعره حتى يضحي)، والمقصود: إن أردت أن تضحي فلا ينبغي لك أن تأخذ من شعرك ولا أظفارك إلا بعد أن تذبح الأضحية، وهذا الحديث صحيح عند مسلم ولا شك فيه، والكلام فيه للمضحي، أما من يضحي عنهم كالزوجة والأبناء فلا. ثانياً: نحن على مقربة من أيام ذي الحجة، وهي أيام مباركة ينبغي على العبد أن يضاعف فيها الجهد والعبادة؛ لأن ذا الحجة من الأشهر الحرم، فضلاً عن أن هذه الأيام أيام مباركة، وفيها يوم عرفة، وصيامه مشروع لغير الحاج، وفيه يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وفيه سنة الأضحية، ولابد من بيان أحكامها؛ لأن البعض يضحي بأضحية لا تجزئ. فالماعز لا ينبغي أن يقل عن سنة، والضأن لا يقل عن ستة أشهر، والبقر لا يقل عن سنتين، والإبل لا يقل عن خمس سنوات. ولا يجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها، فإن كانت العوراء لا تجزئ فمن باب أولى العمياء، والأعور أحسن من الأعمى، وكذلك العرجاء، وكذلك التولاء، أي: المتولة، وكذلك العضباء، وهي التي كسر قرناها، وكذلك الهزيلة والمريضة، كل ذلك لا يجزئ في الأضاحي، فينبغي يا عبد الله! أن تبين للناس هذه الأحكام في هذه الأيام. ولا يشرع صيام يوم العيد وأيام التشريق أيضاً، وهي أحد عشر واثنا عشر وثلاثة عشر، فلا يجوز صيامها لغير الحاج؛ لأن هناك نهياً عن صيام أيام التشريق، إلى غير ذلك من أحكام هامة ينبغي أن نوضحها للناس في هذه الأيام المباركة.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التعامل مع الولد العاصي

كيفية التعامل مع الولد العاصي Q ابن غير مستقيم مع أن أخواته مستقيمات ملتزمات، والأب ملتزم على شرع الله عز وجل، وهذا الولد مسرف على نفسه مضيع، فماذا نصنع معه؟ A أولاً ينبغي على أخواته أن يعظنه وأن يذكرنه بالله عز وجل، ثم ادع له بالهداية، وأعطه أشرطة وكتباً، ونسأل الله عز وجل أن يهديه، فخذ كل الأسباب، فإن لم تنفع الأسباب فالله ما أراد له الهداية، قال عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، ونقول له عندئذ: هذا فراق بيننا وبينك، لك سبيل ولنا سبيل، فنحن اتخذنا كل السبل والإجراءات من ترغيب وترهيب، وموعظة، ثم المقاطعة والهجر، فكل الوسائل نتخذها معه؛ لعله يعود إلى ربه عز وجل.

حكم زكاة المال المدخر

حكم زكاة المال المدخر Q وضعت مبلغاً من المال لابني القاصر في البنك؛ لكي أدخره له ليكمل تعليمه ومشواره في الحياة، فهل على هذا المبلغ زكاة؟ A نعم إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، والنصاب: ثلاثة وثمانون جراماً ذهباً.

حكم تعجيل الزكاة

حكم تعجيل الزكاة Q هل يجوز إخراج زكاة المال قبل أن يحول عليه الحول؟ A نعم، قال العلماء: التعجيل بالزكاة يجوز قبل موعدها؛ لأن التعجيل بالطاعة من المستحبات.

حكم تبيين نوع المال المعطى للفقير

حكم تبيين نوع المال المعطى للفقير Q إخراج زكاة المال للفقير هل أقول له: إن هذا المبلغ من زكاة المال أم تكفي النية؟ A أعطه الفقير، وهو حر في أن ينفقه كيف يشاء.

ذكر بعض الأمور الهامة في الحج والعمرة

ذكر بعض الأمور الهامة في الحج والعمرة الحقيقة لا نريد أن نسترسل في الأسئلة بقدر ما نريد أن نوضح بعض الأمور الهامة في الحج والعمرة، فنبين بعض الأخطاء المنتشرة حتى نبلغ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)، فضلاً عن المخالفات الكثيرة جداً التي تقع في الناس أو من الناس بجهل أو بغير علم، ولذلك أقول: لابد قبل أن يذهب الإخوة إلى الحج نبين لهم المناسك، وكيف حج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأقول: أنواع نسك الحج ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقران، أي: لك أن تحج متمتعاً أو مفرداً أو قارناً، وأفضل النسك هو التمتع، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)، ونبين كيفية حج التمتع: أولاً: قبل أن يرحل الحاج ينبغي عليه أن يكتب وصية، ويبين فيها الديون التي عليه، فلربما لن يعود من حجه، ولذلك لا ينبغي عليك أبداً أن تهدر الحقوق، ولذا اكتب وصية بما عليك من مال وبما لك قبل أن تذهب، وعليك أن تستأذن من الدائن وتقول له: عن إذنك أنا ذاهب لأحج، فمثلاً: أنت لك ألف جنيه عندي، وقد أوصيت بها، فإن مت فالورثة سيعطوك من مالي الذي تركت. ثانياً: عليك أن تترك لأهل بيتك مالاً يساعدهم على الإنفاق في عدم وجودك، فتعطيهم نفقة ثلاثة أسابيع أو أربعة حتى تعود، ولا تذهب من غير ما تترك لأولادك ولزوجتك شيئاً، حتى لا تدق الزوجة على الجيران ليعطوها، والجيران يقولون: كيف ذهب يحج وترككم بدون أكل؟ بدل أن يحج يطعمكم أولاً، ستجد هذا الكلام، لذا لا بد قبل أن تذهب إلى الحج أن تترك مبلغاً من المال لأهل بيتك. ثالثاً: عليك أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً، لا أن تضع العلم الأبيض على السيارة وتكتب على العمارة والبيت: حج مبرور وذنب مغفور، ويدق الطبل عند ذهابك وعند مجيئك، ويقال: الحاج ذهب والحاج جاء، وبعد أن تأتي لا جماعة ولا قرآن، وأكل ربا وقسوة قلب، فأنت على هذا ما حججت لكن حجت العير، فسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى الحجاج كثر فقال: الركب كثير والحج قليل. فالذي يحج بنية صادقة ويطلب الأجر من الله عز وجل يختلف عن الذي يطلب اللقب، فلابد أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً قبل أن تذهب لأداء المناسك. رابعاً: الحج رحلة جهاد في سبيل الله، فلازم أن تتحمل فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة إلى مكة لمدة ثمان ليال حتى وصل إلى مكة، وأما نحن فبضع ساعات أو أقل ونحن في مكة، وتجد أحدنا ضجراً، بينما تجد أصحاب الكرة يعملون قبل المباراة شهرين معسكراً، ومن معسكر إلى معسكر، ويبقون ثلاثة أو أربعة شهور؛ لأجل الحصول على كأس، فأنت أيها الحاج ذاهب لتؤدي مناسك الحج فلا تضجر أو تمل، ولا تكن كمن يضيع واجباً ويهدر سنة، بل ويهدر ركناً. فهناك مخالفات جسيمة يقع فيها الحجاج، وحجة الإسلام ينبغي أن تكون صحيحة.

أركان العمرة وواجباتها

أركان العمرة وواجباتها ونبدأ ببيان أركان العمرة وواجباتها، فأول شيء يفعله الحاج العمرة؛ لأنه متمتع، فسيؤدي العمرة، وأركان العمرة ثلاثة، وواجباتها: اثنان، وستجد كتباً وسيديهات وأشرطة لا تفرق بين الركن والواجب، وهذا غير صحيح، فالعمرة لها أركان ولها واجبات، وفرق بين الركن والواجب: فالركن لا يجبر بدم، والواجب يجبر بدم. أركان العمرة ثلاثة: الركن الأول: الإحرام، والإحرام من الميقات واجب، وفرق بين الإحرام وبين الإحرام من الميقات؛ لأن الإحرام من بعد الميقات يجبر بدم، أما شخص لم يحرم بالمرة فعمرته باطلة، ففرق بين الإحرام والإحرام من الميقات. الركن الثاني: الطواف. الركن الثالث: السعي. أما الواجبات فهي: الأول: الإحرام من الميقات. الثاني: التحلل. إذاً: أركان العمرة: ثلاثة، وواجباتها: اثنان، ومعظم الكتب لم تميز بين الركن والواجب، وهي نقطة مهمة جداً.

صفة الحج

صفة الحج فيبدأ الحاج بالإحرام من الميقات، ولكل بلد ميقات، وينبغي أن لا يحرم قبل الميقات، وهناك فرق بين الإحرام والتهيؤ للإحرام، فإذا لبس من المطار فهذا تهيؤ، إنما انعقاد النية والتلبية يكون عند الميقات، فإذا لبس في المطار وبعد ذلك تعطر فليس عليه شيء؛ لأنه لم يصل إلى الميقات، فقبل الميقات رغم أنه لابس ملابس الإحرام إلا أننا ما عاملناه كمحرم، ففرق شاسع بين الحالتين. يغتسل ويلبس الإزار والرداء، والإحرام للرجل إزار ورداء، والمرأة تحرم في ملابسها بشرط أن تكون صفيقة فضفاضة، لا تصف ولا تشف، غير متشبهة بالرجال، والأولى للمرأة أن تحرم بثياب غير بيضاء، كسوداء داكنة، والآن تجد بعض النساء يحرمن بملابس بيضاء، وهذا ليس من السنة أبداً، فتحرم بملابس تخالف ملابس الرجال، حتى لا تشبه الرجال. ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين، وهناك من يقول: النقاب ليس له أصل في الشرع، بل هو عادة جاهلية! فأقول له: أما قرأت هذا الحديث؟ وتجد آخر يقول: النقاب ليس له دليل من كتاب ولا سنة، وقائل هذا رجل عالم لا داعي لذكر اسمه، وتجده يكتب هذا في الجرائد، فلا تنتقب المرأة المحرمة، إذاً: غير المحرمة تنتقب، وهذا مفهوم المخالفة؛ ولذلك تقول عائشة: كنا نرفع النقاب عند الحج والعمرة، فإذا اختلطنا بالرجال أسدلنا، أي: أنها كانت تضع على وجهها شيئاًَ، وبالنسبة لليد تكون العباءة طويلة بحيث تدخل يدها من غير قفازين، لكن لا تظهر اليد للأجانب ولا الوجه. وطبعاً هذه الأيام يصعب أن يكون هناك عدم اختلاط، فالمرأة لا تنتقب، لكن تسدل عند الاجتماع مع الرجال، وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كلام واضح بين، والأحاديث بينة واضحة، فالذين يريدون أن يقضوا على النقاب لماذا؟ ولصالح من؟ ولمصلحة من؟ وتجد آخر يقول: لا بأس بالبنطال للمرأة؛ لأنه ييسر لها الحركة، ويدفعها للعمل! فنقول: استح على دمك يا رجل! أما تستحيي من الله؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلصالح من تقول هذا الكلام؟ لو لم يكن في البنطال إلا التشبه لكفى في تحريمه، والله عز وجل يقول: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] وليس من بناطيلهن، فالقرآن وضح في كون الجلباب للمرأة. وتجد قائل هذا يقوله في التلفزيون، ويخشى أن يمنع، فنقول له: لا تخف، (فمن أرضى الله في سخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى عنه) فلن يمنعوك من البرامج، فترضي من؟ عليك أن ترضي الله أولاً، ولا تكن جسراً إلى جهنم يعبر عليك يا عبد الله! محمد بن واسع من علماء المالكية كان لا يفتي في الطلاق أبداً، فقيل له: لماذا؟ قال: أفتي في مسألة طلاق، فتعود المرأة لزوجها يستمتع بها على فراشه وأنا أقذف بها في نار جهنم! فكان عندهم ورع. فالإحرام للرجل: إزار ورداء بعد أن يغتسل، ويتطيب، والتطيب يكون في الجسد وليس على الملابس، أي: في الشعر، وفي اللحية، وعلى الجسد، وفي المفارق. والمرأة لا تتطيب؛ لأنه لا ينبغي للمرأة أن تتعطر وسط الرجال. ولا يوجد شيء اسمه سنة الإحرام؛ فإن كان الظهر صلى ظهراً، وإن كان تحية مسجد أو سنة وضوء صلى، ولا يوجد شيء اسمه سنة إحرام. وميقات أهل مصر الجحفة التي هي الآن رابغ، وهي لأهل مصر والشام وأهل المغرب، وميقات أهل اليمن يلملم، وميقات أهل العراق ذات عرق، وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وميقات أهل نجد قرن المنازل، قال صلى الله عليه وسلم: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، أي: من جاء على الميقات وحاذاه إن لم يكن من أهله، ولا ينبغي أن تمر على ميقات مكان دون إحرام. وأهل جدة يحرمون من جدة؛ لأنها بعد الميقات، وأهل مكة يحرمون من مكة نفسها، وللعمرة من أدنى الحل، يعني: أن العمرة تختلف عن الحج، فيهلون بالحج من أماكنهم، أما بالعمرة فيخرجون إلى أدنى الحل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أن يعمر عائشة من التنعيم، ولو كان يجوز من مكة لأحرمت من مكة. فإذا أحرم الحاج يحظر عليه محظورات تسعة: التطيب، وأن يغطي رأسه، ولبس المخيط، وأن يأخذ من شعره ومن أظفاره، والخطبة لنفسه أو لغيره، والجماع ومقدماته، وصيد البر، وقطع شجر الحرم، فكل هذه من المحظورات، والجماع من أكبر المحظورات. فإن ارتكب محظوراً من المحظورات فعليه فدية، والفدية: عبارة عن شاة تجزئ أضحية، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، هذا لو ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام متعمداً، أما الناسي والجاهل فلا شيء عليه. وبعد أن يحرم ويقول: لبيك عمرة، يلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، والتلبية الجماعية بدعة، فلا ينبغي لشخص أن يقول: قولوا بعدي: لبيك اللهم لبيك، وهم يرددون خلفه، وإنما كل شخص يلبي بمفرده، وأما شخص يلبي وجماعة يرددون خلفه فما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك كتب تباع في الخارج، وفيها: دعاء الشوط الأول كذا، ودعاء الشوط الثاني كذا! ودعاء الوقت ا

الأسئلة

الأسئلة

حكم ذهاب الحاج إلى المدينة قبل الحج

حكم ذهاب الحاج إلى المدينة قبل الحج Q هل يجوز للحاج أن يذهب إلى المدينة أولاً؟ A يجوز للحاج أن يذهب إلى المدينة أولاً ثم يحرم من ذي الحليفة.

حكم زيارة الحاج لقبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم زيارة الحاج لقبر النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم زيارة الحاج لقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ A بعد أن تتم أعمال الحج في مكة تذهب إلى المدينة، ولا تشد الرحال إلا إلى المسجد، وزيارة القبر تكون تبعاً، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فلا تشد الرحال إلى القبر، وإنما تشد الرحال إلى المسجد، وتزور القبر تبعاً، وليس ذلك من واجبات الحج.

حكم من ترك أكثر من واجب في الحج

حكم من ترك أكثر من واجب في الحج Q ما حكم من ترك أكثر من واجب؟ وهل على أهل مكة عمرة؟ A من ترك أكثر من واجب عليه أكثر من دم، فمثلاً: أحرم بعد الميقات، ولبس الطاقية على رأسه، إذاً: عليه فدية لترك واجب، وفدية لترك محظور، وهكذا لو ترك المبيت في مزدلفة، وترك رمي الجمرات، فعليه فديتان، إذ إن كل واجب عليه دم. وأهل مكة عليهم عمرة، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: عليهم عمرة على أن يحرموا من أدنى الحل كالتنعيم، ومنهم من قال: إن عمرة أهل مكة الطواف.

حكم كتابة الحاج المناسك والأذكار في ورقة

حكم كتابة الحاج المناسك والأذكار في ورقة Q هل يجوز أن يكتب المناسك والأدعية في ورقة حتى لا ينسى؟ A يجوز أن يكتب ورقة حتى يتعلم منها إن كان ينسى.

حكم المبيت في منى

حكم المبيت في منى Q ما حكم المبيت في منى؟ A المبيت في منى يوم ثمانية سنة وليس بواجب.

حكم المبيت في مزدلفة

حكم المبيت في مزدلفة Q ما حكم المبيت في مزدلفة؟ A أهل الأعذار فقط هم الذين يجوز لهم أن يتركوا مزدلفة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل؛ لأن أهل الأعذار ومن يسقي الحجاج ماءً أباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم ترك المبيت لعذر، أما من سواهم فلا، وأهل الأعذار: النساء، والضعفاء، والشيوخ كبار السن وغيرهم.

شروط صحة عقد الزواج وأنواع الزواج الباطل

شروط صحة عقد الزواج وأنواع الزواج الباطل عقد الزواج من أجل العقود في الإسلام، جعله الله رباطاً بين الرجل والمرأة ليكون أساساً لبناء الأسرة المسلمة، والزواج الشرعي له ضوابط وشروط لا بد أن تتوافر فيه، وإذا فقد شرط منها كان النكاح باطلاً، وصارت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة غير شرعية، مما يؤذن بفساد عريض وشر مستطير يقوض أركان المجتمع ويهدم بناء الأسرة.

شروط صحة عقد الزواج

شروط صحة عقد الزواج الحمد لله رب العالمين، الذي جعل الزواج سبيلاً للعفة والحصانة، وأمر المسلمين بتيسير طرقه وأسبابه، ووعد الراغبين فيه بالتيسير وسعة الرزق فقال سبحانه: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، تنزه عن الزوجة والولد: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، القائل: (أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). أما بعد: فنظراً لانتشار أنواع من الزواج -لم يعرفها المسلمون قبل ذلك- في زمننا هذا، أردت أن أبين حكم الشرع فيها، حيث يحتج البعض بأنهم ما عرفوا الحكم، وما هي شروط صحة عقد الزواج عند العلماء؟ حتى نسقط هذه الشروط على أنواع الزواج الباطل في زمننا اليوم: كزواج الهبة، والزواج العرفي المسمى ظلماً بالزواج، وإن كان في الحقيقة هو زنا وإن شئت فقل: الزواج السري، ونكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، والنكاح الدموي، وزواج الفرند، وزواج المسيار، وأنواع تعددت في زماننا نسمعها بين الحين والحين. فما هو حكم هذه الأنواع؟ وما هي شروط صحة عقد الزواج؟ اشترط العلماء لصحة عقد الزواج شروطاً أربعة وسأذكرها إجمالاً ثم أقوم بشرحها شرطاً شرطاً: الشرط الأول: إذن الولي. الشرط الثاني: رضا المرأة. الشرط الثالث: الشهود. الشرط الرابع: القبول والإيجاب بصيغة التزوج، كقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك. وقول الخاطب: قبلت.

إذن الولي

إذن الولي الشرط الأول: إذن الولي؛ لأن الزواج باطل إذا حصل بدون إذن الولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وأبو داود والحديث صحيح: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وقول الله عز وجل مؤكداً هذا المعنى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء:25]، فلابد للولي أن يأذن في زواج ابنته، والولي هو الأب، فإن غاب الأب انتقلت الولاية إلى العصبات: كالابن، أو الأخ، أو العم، أو الجد إلى غير ذلك، لكن هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها؟ أبداً ما سمعنا بهذا إلا في زمننا هذا، فتجد المرأة تزوج نفسها وتسميه زواجاً، ثم تقول: أنا ثيب، يعني: هي مطلقة أو أرملة فلها أن تزوج نفسها! فمن الذي أفتاها بهذا؟ إن زواجها هذا باطل، وسأذكر في نهاية المحاضرة قصة لمؤمنة من واقعنا المعاصر أصبحت فريسة عندما جنت على نفسها، وهانت عندما خانت كما يقول العلماء، ولنتأمل في قصة زواج موسى عليه السلام، من الذي زوج موسى؟ الأب: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، فالذي زوج موسى هو الأب، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، وحديث: (أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، وإن كان فيه مقال عند بعض العلماء، إلا أن الأدلة الأخرى توضح وتؤكد أن إذن الولي شرط من شروط صحة الزواج، وهذا هو رأي جمهور العلماء. ونجد العجب عندما نرى بنتاً في الجامعة قد أحبت صديقها فأخرجوا ورقة من دفتر المحاضرات وكتبوا في صدرها عقد زواج عرفي: أنه في يوم كذا الموافق كذا تزوج فلان من فلانة، ثم أشهدوا على هذه الورقة شاهدي فجور وفسق، ويشترطان على الشهود بعدم إذاعة الخبر؛ حتى لا يفضح السر، ويظل يعاشرها معاشرة الأزواج في مدة الدراسة الجامعية، وأبوها قد أرسلها من المنوفية أو الدقهلية أو الشرقية إلى القاهرة العاصمة الكبرى؛ لتتعلم فإذا بها تتزوج دون علم من الأب، ثم تنقضي السنوات الأربع وهو يعاشرها معاشرة الأزواج، وبعد السنة الرابعة يمزق الورقة التي بينه وبينها ويقول لها: هذا فراق بيني وبينك، وتكون هي الضحية، ثم تنقلب الأمور إن حملت منه فتقول: كيف أعود إلى أهلي وأنا حامل؟ الأمر يسير، طبيب ليس عنده ذمة يقوم بعملية الإجهاض، ثم آخر لا خلق له يقوم بعملية رتق غشاء البكارة، ورتق غشاء البكارة ما نسميه نحن: بعملية الترقيع المعروفة عند الكثير، مائتين وخمسين جنيه للطبيب الأول، ومائتين وخمسين جنيه للطبيب الثاني أو ألفاً لكل واحد منهما، وأنا أذكر أرقاماً متواضعة، وإلا فإن الآلاف ستدخل جيوبهم، فسحقاً وبعداً لمن ينشر الفاحشة!! إن أمثال هؤلاء ييسرون لأمر الفاحشة، فتأتي بعد ذلك البنت إلى بلادها وقد حصلت على المؤهل العالي، ثم يتقدم لها من يخطبها، فيوافق أهلها على ذلك، ثم يشهر النكاح بين الناس، وهي في الحقيقة ليست بكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وكم رأيناه بأعيننا، فلنحذر منه؛ لأن هذا الكلام ينبغي أن يصل إلى كل امرأة عاقلة، وإلى كل شاب يتقي الله عز وجل، لكن قد يقول قائل: يا شيخ إن ذهبت إلى المأذون الآن فسيعقد دون أن يسأل عن الولي! سأقول لك: هذا عدم أخذ برأي جمهور العلماء، واستناداً إلى رأي الأحناف، وهو باطل؛ لأنه مخالف للنص النبوي: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

رضا المرأة

رضا المرأة الشرط الثاني: رضا المرأة، فالإسلام قد كرمها ورفع من شأنها، ولذا فيا أيتها المرأة العاقلة لا تسمعي إلى الدعاوى الهابطة، كالدعوة إلى أن المرأة كالرجل سواء بسواء! فهل يريد هؤلاء للرجل أن يحيض، في زمن يحيض فيه بعض الرجال؟ نسأل الله العافية، ما هذا الهراء؟! فالمرأة ليست كالرجل؛ لأن ربنا يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]. وعليه، فالدليل على رضا المرأة لصحة عقد الزواج: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)، إذاً فالثيب تصرح برغبتها في الزواج من عدمه؛ لأنها قد دخلت حياة الزوجية قبل ذلك، فأصبح الحياء عندها أقل من البكر، بينما البكر تسكت، وإن طلب أبوها الإجابة منها تقول: الذي تراه يا أبت، وهذا دليل على الموافقة؛ وهذا عندما يكون عندها حياء، أما الآن فتأتي الفتاة من الجامعة فتقول لأبيها: أقدم لك زوجي! نسأل الله العافية، زوجك من أين؟! المهم أن يقر العقد والزواج. وفي الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، قيل: يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم، قال: إذنها سكوتها)، ولذا يشبهون حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحياء المرأة البكر في خدرها، والمرأة البكر إذا سمعت كلمة تخدش الحياء يتغير وجهها، ولذلك جاء في حديث الحاكم عن أمنا عائشة قالت: لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرتي كنت أضع الخمار عن رأسي -لأن الذي في القبر هو زوجها- ولما دفن بجواره أبو بكر كنت أضع الخمار عن رأسي -لأنه أبوها- ولما دفن عمر كنت لا أضع الخمار حياء من عمر في قبره. شدة حياء يا عبد الله، (ولكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء)، أما اليوم فقد نجح الأعداء في نزع الحياء من كثير من نسائنا ومن شبابنا، سواء بالمواقع الفاسدة في الإنترنت أو بالقنوات الهابطة، حتى أنك لا تجد الآن إلا القليل القليل، وحينما تتحدث اليوم مع البنت المخطوبة فإنها تدخل معك مباشرة في التفاصيل دون مقدمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأين الحياء؟ لذلك جاء في البخاري: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء -كأنه يقول له: الحياء ضيعك، الحياء ضيع حقك- فقال: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]، وقال عمر بن الخطاب: تضع يدها على وجهها تخاطب رجلاً أجنبياً لا يحل لها، فتخاطبه باقتضاب وبعبارة مركزة: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]، أما في عصرنا فتبدأ بالتعارف، وأخذ رقم المحمول، وتسأل الفتاة: ماذا تتمنين؟ فتقول: والله الذي أريده شخصية فيها مواصفات كذا وكذا، لكن هو أمامها ويبدءان بالتعارف والتداخل. وآخر يأتي ويقول: يا أختي الفاضلة هل حضرت المحاضرة السابقة للأستاذ الدكتور فلان؟ فتقول له: نعم. فيقول: هل يمكن أن أنقل المحاضرة منك؟ فتكون ذريعة للقاءات والجلسات. إن هذا الهراء الذي نراه قد تسبب في ضياع شبابنا، وأقسم لكم بالله أننا في كل أسبوع نسمع العجب العجاب؛ بسبب هذا الاختلاط وبسبب ضياع الحياء، فأقول للمرأة المسلمة: عرضك أمانة فلا تفرطي فيه، واحذري أن تقعي فريسة لذئب بشري بأي مدخل من مداخله، فقد جاء في الحديث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها: (دخلت عليها فتاة فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها)، أي خيرها بين فسخ العقد أو إمضائه؛ لأن العقد الآن باطل؛ إذ إنه تم بدون رضاها، (فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم: هل للنساء من الأمر شيء؟)، وفي رواية أخرى: (ولكني أردت أن تعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شيء)، يعني: ليس للأب أن يكره ابنته على الزواج، وإنما لابد أن ترضى. ولذا فإن هذا الكلام ينتشر في أريافنا، فيزوج الأب ابنته لابن أخيه رغماً عنها، حتى لا يدخل في العائلة أحد ويبقى الميراث فيما بين العائلة، فتكره البنت على الزواج ممن لا تريد ولا ترضى، فتعيش مكرهة، وإذا عاشت المرأة مكرهة مع زوجها فإما أن تمتنع عنه، وإما أن تنظر إلى غيره، فيترتب على ذلك الفساد، ولذلك في حديث أبي داود: (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي

الشهود

الشهود الشرط الثالث: الشهود، ويمكن أن يكونوا أكثر من اثنين، لكن لا يقل العدد عن اثنين، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، فلابد أن يكون الشاهد عدلاً، أي: إنسان معروف بصلاته، بتقواه، بورعه، بدينه، أما أن تأتي بشاهد من الطريق العام وتعطيه مبلغاً وهو لا يعرف شيئاً إلا أن يشهد، كما في الأنكحة الباطلة، فهذا لا يجوز، ثم يُشترط ألا يشترط على الشاهدين أن يكتما خبر عقد النكاح، وهذا من أنواع الزواج التي انتشرت في زمننا اليوم، والتي أردنا أن نبين حكمها فيما بعد.

الإيجاب والقبول

الإيجاب والقبول الشرط الرابع: القبول والإيجاب بصيغة التزوج أو الإنكاح، كقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، وقول الخاطب: قبلت.

أنواع الأنكحة الباطلة

أنواع الأنكحة الباطلة وأما أنواع الأنكحة الباطلة المعاصرة، فهي كالتالي:

نكاح الشغار

نكاح الشغار أولاً: نكاح الشغار، وهو منهي عنه، للحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار)، والشغار من الوظيفة الشاغرة، أي: الخالية، ومعنى ذلك: أنه يخلو من المهر والصداق، فهو زواج بدل، كأن تقول لرجل: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، فهو بضع ببضع، وكأن المهر هو بضع المرأة، فلا نسمي للأولى مهراً ولا للثانية، وإنما مقايضة، سلعة بسلعة، وهذا فيه تدني بحق المرأة؛ لأن المهر في الإسلام تقييم للمرأة، وللأسف أن هذا الزواج يوجد الآن في بعض القبائل العربية، وهو حرام وباطل، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا.

زواج المتعة

زواج المتعة ثانياً: زواج المتعة، وهو زواج أحلته الشيعة في كل وقت، فيتزوج في كل نصف ساعة زوجة! فإن نزل إلى مصر مثلاً كنزول بعض الأجانب، أو بعض الوفود العربية في مدة الإجازة فله زوجة يستمتع بها في هذه المدة، وبعقد مؤقت؛ لأن قصده يوم أن تزوج أن يطلق، وهو نكاح باطل نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

النكاح الدموي

النكاح الدموي ثالثاً: النكاح الدموي، وهو موجود في الجامعات، وصورته: أن يأخذ دبوساً ثم يجرح به يده، وكذلك الطالبة تفعل نفس الفعل، ثم يتعانق الدم مع الدم، وبهذا يكون قد تم الزواج وهو زواج باطل.

زواج الفرند

زواج الفرند رابعاً: زواج الفرند، والفرند يعني: الصديق، فالعريس من الشرقية والعروسة من القاهرة! وصورته: أن العريس لا يستطيع أن يقتني بيتاً، فيقولون له: يشترط في الزواج حتى يكون صحيحاً أربعة شروط، لكن هي تستقر في بيتها مع أبيها وأنا أستقر في بيتي! وعند نزولي إلى القاهرة تقابلني هناك! والأعجب إن حملت الزوجة فأين يستقر الولد؟ وأين سكن الزوجية؟ وأين الاستقرار الذي يهدف إليه الزواج؟ إنه غير موجود رغم توافر الشروط التي ذكرناها فيه.

الزواج العرفي وصوره

الزواج العرفي وصوره خامساً: الزواج السري العرفي له صور وأشكال منها: الصورة الأولى: لو أن زوجة مات عنها زوجها، وحصلت من بعده على معاش شهري، فإن نكحت غيره سقط المعاش بوثيقة رسمية عند المأذون، وهي تريد للمعاش أن يستمر، فتنكح زوجاً غيره بدون أن يوثق العقد عند المأذون، لأنه لو وثق عند المأذون سقط المعاش، وتوثيق العقد من المصالح المرسلة، وعليه فالزواج صحيح؛ لأنه استوفى شروط الزواج الصحيح، وإذا أنجبت ولداً نسب إلى والده، لكن إن طلقها فستضيع حقوقها؛ لأن عقد النكاح غير موثق عند المأذون، إذ توثيق العقد يضمن للمرأة حقوقها. الصورة الثانية: زواج الأجانب، أي: أن الرجل ينزل من بلدته إلى بلدة أخرى، وحتى يتزوج لابد أن يحصل على ترخيص بالموافقة على الزواج من أجنبية، وذلك بأن يقدم طلباً إلى القنصلية، والقنصلية توثق هذا الأمر، وهذا أمر عسير، فيلجأ إلى الزواج السري العرفي، وعليه فيكون الزواج صحيحاً؛ لأنه استوفى شروط الزواج الصحيح، لكن ينتابه ما انتاب الصورة الأولى. الصورة الثالثة: رجل أصبحت حياته مع الزوجة الأولى لا تطاق، فلا يستريح معها، فهي لا تستجيب لأمره، وتأبى عليه، لكنه مدير عام، فكيف يتزوج وله أبناء في الجامعة يحتلون أماكن ووظائف مرموقة؟! فالزواج في حقهم إهانة -هكذا ينظر المجتمع- وحياة الزنا والصداقة كرامة، يعني: أباحوا العشيقات ولم يبيحوا الزواج، وأنا أعلم من هؤلاء الكثير، فيأتي إلى امرأة يريدها لنفسه، فيقول لها: أتزوجك بشرط أن يكون الزواج سرياً لا يعلمه إلا أنا وأنت، واحذري أن يعلم الأبناء وزوجتي بذلك، ويشترط على الشهود التكتم، وربما قد يتزوجها بدون إذن الولي، فيكون نكاحها باطلاً؛ لعدم استيفاء الشروط الأربعة. فيا عبد الله أحل الله لك النكاح، وأحل لك أن تتزوج إلى أربع إن استطعت أن تعدل بينهن، فلماذا تواري رأسك من أمر أحله الله لك؟! لكن يقول: أنا غير قادر على المواجهة، إذاً لا تفعل، لأن الأمر سيظهر إما عاجلاً أو آجلاً، وقد يكون حال هذا الرجل عندما يدخل العمارة أن ينظر عن خلفه وعن يمينه، ولو رآه أحد الناس سيقول: رأيت فلاناً أمس يصعد العمارة في الساعة الثانية عشر! فيقول آخر: إنه رجل محترم، لا تتكلم في حقه ولا كلمة، فهو متزوج زواجاً عرفياً! فلا حول ولا قوة إلا بالله، وخذ من ذلك الكثير والكثير. الصورة الرابعة: لو أن رجلاً أراد زوجة أخرى، لكنه يخاف فيستأجر لها شقة في (العاشر من رمضان) وهي مدينة عمرانية جديدة، فإذا أراد أن يذهب إليها قال لأهله السابقين: صاحب العمل أرسلني في مهمة وظيفية في مدينة العاشر من رمضان، تستغرق أسبوعاً كاملاً، فيكون في ضيافة الزوجة الثانية لمدة أسبوع كامل، فإن تسرب الخبر وعلمت به الأولى فستطلب منه الطلاق أو ستخيره بين نفسها والأخرى، وكذلك أبناؤه سيقيمون على رأسه الدنيا، ويطلبون منه طلاق الثانية، وتصبح هي الضحية، وعند ذلك يتأسف لزوجته الأولى، لكنه لا يتعلم من التجربة، فيعود مرة أخرى إلى تكرارها، حتى أن هناك كباراً في السن يكونون في نادي يسمى بنادي المسنين، حيث يبلغ الواحد منهم سن السبعين أو الثمانين، وثلاثة أرباعهم متزوجين زواجاً عرفياً؛ لأنه يخاف من المجتمع أن يقول: رجل كبير في السن يتزوج! فيا عبد الله! إن الزواج من سنن المرسلين ومن سنن الفطرة، وهل يمكن للإنسان أن يستغني عن الطعام والشراب؟ لا يمكن، وكذلك لا يمكن أن يستغني عن الزواج: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، ولا يمكن للمرأة أن تعيش بغير رجل، ولا الرجل أن يعيش بغير امرأة، فلابد لكل امرأة من زوج. ثم أخبروني كيف إذا زاد عدد النساء على عدد الرجال فكيف نحقق التوازن في ذلك؟ إن التعدد علاج لذلك، وهذا ما جاء به الإسلام، وما عدا ذلك فإما أن يكون للرجل امرأة أخرى دون أن تعرف زوجته الأولى، وأما أن يكون له عشيقات. وأخيراً أقول: إن الزواج السري باطل شرعاً؛ لأن العلاقة الزوجية يترتب عليها آثار كثيرة، منها: الحمل والأولاد، والميراث، فلو مات الأب والجميع يعلم أن له زوجة واحدة، وأبناءه فلان وفلان، ثم تظهر الثانية وأولادها، فتقول الأولى وأولادها: إن أبانا لم يخبرنا بأنه متزوج، فتخرج لهم المرأة الثانية وثيقة النكاح، فيترتب على ذلك ما لا يحمد عقباه، لذا فإن الإسلام يأمرنا أن نكون في تمام الوضوح في التعاملات، فإذا سار مع امرأة يعلم الناس جميعاً أنها زوجته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (على رسلكما إنها صفية)، ولذلك كان من محاسن شريعتنا أنها نظرت إلى هذا الموضوع نظرة موضوعية، فهذا هو حكم الزواج السري في شريعة رب العالمين أردت أن أبينه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزوج شبابنا، وأن يحصن فروجنا، وأن يكفينا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زواج المسيار وصورته

حكم زواج المسيار وصورته Q ما هو زواج المسيار؟ وما حكمه؟ A زواج المسيار هو: أن ينزل إلى بلد فيتزوج فيها مدة الإقامة، وإذا ما رحل طلق، وهو نوع من أنواع المتعة، وحكمه أنه حرام وباطل، لكن هناك مسيار قد أباحه بعض العلماء، مثل: أن يتزوج بامرأة في هذه البلدة، ويأتيها كلما نزل هذه البلدة، والمرأة موافقة على أن يأتيها كلما نزل، ولا يطلقها، فهذا زواج قد أباحه بعض العلماء، والله تعالى أعلم.

حكم زواج الهبة

حكم زواج الهبة Q ما حكم زواج الهبة؟ وما صورته؟ A زواج الهبة هو أن تقول المرأة للرجل: وهبتك نفسي، وهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب:50]، وقال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]، وأما في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم فهو نكاح باطل، والله تعالى أعلم.

حكم الخلوة بالمعقود عليها

حكم الخلوة بالمعقود عليها Q هل يجوز للعاقد أن يخلو بالمرأة التي عقد عليها؟ A لا يجوز للعاقد أن يخلو بالمرأة التي عقد عليها، والخلوة: أن يكون في مكان آمن لا يدخل إليه أحد، فيأمن على نفسه، ويكون ذلك مدعاة إلى فعل ما يريد، لكن يجوز له أن يجلس مع المعقود عليها في بيتها، وباب الحجرة مفتوح على مصراعيه، بحيث يراه أولياء المعقود عليها، وإن خرج معها فلا بد من محرم يحرسهما، وإلا أشهر البناء، وبذلك له الخلوة بها؛ لأنه قد يحدث أن الرجل يعقد على امرأة ثم يدخل بها، دون أن يشهر البناء، وربما قد يتأخر إعلان الزواج، فتأتي المرأة بمولود! فهل يقومون بإنزال الجنين أم تقع الفضيحة والعار؟!

حكم اشتراط المرأة في العقد ألا يتزوج زوجها بأخرى

حكم اشتراط المرأة في العقد ألا يتزوج زوجها بأخرى Q ما الحكم في عدم موافقة الزوجة الأولى على زواج زوجها بالثانية؟ A إن اشترطت ذلك في عقد الزواج فلها ذلك، وإن لم تشترط فليس من حقها أن تمنعه؛ لأنها تمنعه من أمر شرعي.

حكم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم

حكم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم Q لنا جيران من أهل الكتاب، ودائماً يبدءوننا بالتهنئة في أعيادنا، فهل يجوز لنا أن نهنئهم في أعيادهم؟ A لا يجوز أن تهنئهم بأعيادهم؛ لأن الله قال في وصف عباد الرحمن: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72]، قال بعض المفسرين: هي أعياد الكافرين.

حكم زواج المسلم في بلاد الكفر من أجنبية لأجل الإقامة أو الجنسية

حكم زواج المسلم في بلاد الكفر من أجنبية لأجل الإقامة أو الجنسية Q ما حكم زواج المسلم المسافر في أوروبا من أجل الإقامة؟ A لا يجوز ذلك، كأن يذهب إلى ألمانيا يريد أن يأخذ إقامة أو جنسية، فيتزوج بألمانية ربما قد تكبره بسنوات، وربما لا تعرفه أصلاً، وإنما المهم والغرض من الزواج الحصول على العمل، وليس الغرض من الزواج تحقيق الحكمة منه، ثم بعد فترة تأتي له الزوجة بأصدقائها ولا يستطيع أن يقول: لا، وإن رزق منها بولد سماه باسم أجنبي! فهل يقبل هذا مسلم عاقل؟! وهل يقبل مسلم عاقل بأن يبيع دينه بقليل من المال؟! والأعجب أيضاً: أن يذهب المسلم من بلده إلى بلاد الكفر ويعود وقد غيّر اسمه، ويعود ومعه زوجة أجنبية كافرة! إنه المسخ والعياذ بالله. وأخرى: جاءتها فرصة عمل في الكويت، وكان من شروط عقد العمل أن تكون متزوجة، فتزوجت رجلاً على الورق، ودفعت له مبلغاً من المال، دون أن يقربها أو يمسها! وكل هذا من أجل الحصول على المال.

حكم الوكالة في الزواج

حكم الوكالة في الزواج Q هل يجوز الزواج بالتوكيل؟ A نعم، وذلك إذا رأى الرجل أن يوكل غيره في العقد له على فلانة، كما يجوز له أن يوكل غيره في طلاقها.

حكم جعل العصمة بيد الزوجة

حكم جعل العصمة بيد الزوجة Q هل يجوز أن تكون العصمة بيد الزوجة؟ A عند جمهور العلماء يجوز، ومعنى العصمة بيد الزوجة: أن الزوج في عقد الزواج قد وافق على أن يطلق الزوجة متى تطلب ذلك، ودليلهم: قول الله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]، فوكلوا أحدهم في الشراء بالنيابة عنهم. إذاً: يجوز لي أن أوكل غيري في الطلاق، أما أن العصمة بيد الزوجة بمعنى: أن أمر تطليقها إليها، فتطلق الزوج فتقول: أنتَ طالق! فهذا خطأ، وهو من الخلط الإعلامي، وإنما العصمة معناها كما ذكرنا: أن تطلب منه الطلاق، فلا يجوز له أن يمتنع، بل يجب عليه أن يطلقها، وأن يستجيب لطلبها متى طلبت، والله تعالى أعلم.

حكم تزويج المرأة نفسها من غير ولي

حكم تزويج المرأة نفسها من غير ولي Q امرأة تزوجت زواجاً عرفياً عند محاميها، ولكنها لا تريد أن تخبر أبناءها؛ لأنهم سيرفضون ذلك، فهل من الممكن أن تعلن هذا الزواج لأبنائها؟ وكيف تخبرهم بذلك؟ وكيف يرضى الأبناء بهذا الزواج؟ A هذا الزواج باطل؛ لعدم وجود الولي، وكان يجب على هذه المرأة قبل أن تقدم على الزواج أن تخبر أبناءها، أما أن تتزوج سراً ثم تحمل ثم يكون للأبناء أخ لا يعرفونه، وربما أنجبت بنتاً ثم تموت هذه الأم ولا يعرف الأبناء أن هذه أختهم فيتزوج الأخ من أخته! إن هذا تضييع واختلاط، فأرجو أن يكون هذا الموضوع على كل الألسنة، ألا وهو: شروط الزواج الإسلامي الأربعة، وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طلب العلم ومأساة الأمة

طلب العلم ومأساة الأمة العلم نبراس حضارة الأمم ومعيار ارتقائها وتطورها، وقد حث الإسلام على العلم والخروج في طلبه والترحال لتحصيله؛ لما فيه من فضل ورفعة في الدنيا والآخرة، وينبغي لطالب العلم أن يلتزم الأدب؛ إذ لا علم بلا أدب، وينبغي له أن يكون مقتدياً بالسلف الصالح في طلبهم العلم، شاحذاً همته، مخلصاً لله عز وجل.

أهمية طلب العلم والخروج لطلبه

أهمية طلب العلم والخروج لطلبه الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً فهي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا مثيل ولا نظير له، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فأيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم مع رحلة من رحلات العلم، بوّب عليها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم باباً سماه: باب: الخروج إلى طلب العلم. ومعناه: الارتحال لأجل طلب العلم، فهل رأيت في زمننا أحداً يرحل لطلب العلم الشرعي؟ الجميع يرحل لقوت الدنيا ولمتاعها ولطلب الرزق وسعة العيش، فهل رأيت إنساناً يرحل من طنطا إلى المنوفية لأجل طلب العلم وهي رحلة داخلية؟ فالرحلة لطلب العلم تنقسم إلى قسمين: رحلة داخلية -أي: داخل القطر الواحد- ورحلة خارجية، فيمكن أن ترحل من مصر إلى الشام كي تطلب العلم، وانظروا إلى فتور الهمم في زماننا، وإلى ما سنتحدث عنه اليوم كما أخرجه البخاري في صحيحه. أيها الإخوة الكرام! العلم هو أثمن درة، فمن رزقه الله علماً فهو مؤشر لحب الله له، ليس دليل حب الله لي أنه أعطاني أموالاً وعقارات وأولاداً ومناصب. هذا كذب؛ فإن الله يعطي الدنيا لمن أحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فإن أحبك الله يسر لك طلب العلم، وليس العلم علماً نظرياً، ليس العلم أن تحفظ النصوص وتهز المنابر، بل العلم هو العمل، فكلما ازددت علماً ازددت لله خشية وعملاً وتواضعاً. لذلك قالوا: العلم ثلاثة أشبار، من حصل الشبر الأول تكبر، ومن حصل الشبر الثاني تواضع، ومن حصل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم، فلا تكن أبا شبر، فصاحب الشبر الأول يتكبر، وصاحب الشبرين يتواضع، وصاحب الثلاثة الأشبار يعلم أنه لا يعلم. وكذلك قالوا: من دخل إلى العلم وحده خرج من العلم وحده. والمعنى: أنه لا بد لطالب العلم من شيخ، حدثوني عن عالم من السلف لم يكن له شيخ، أما الآن فكل منا يطلب العلم على طريقته، يقرأ الكتب ويتربى على الإنترنت والسيديهات والأشرطة ويكتفي بها. لا يا عبد الله! من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، فلا تأخذ العلم من صحفي -تربى على الكتب- ولا القرآن من مصحفي -قرأ القرآن دون أن يتلقاه على يد شيخ- قديماً كان الشيخ يلقن الطلبة القرآن تلقيناً. يعني: معظم القراء الذي نسمعهم لا يعرفون إدغاماً ولا غنة ولا مداً لازماً ولا مداً منفصلاً، ولكنهم يقرءون بالتلقي عن شيوخهم، ونحن لا نقول بهذا، وإنما نقول: لا بد من تلقي العلم على يد شيخ.

منزلة الأدب من العلم

منزلة الأدب من العلم إن الإسلام علمنا كيف نحترم العالم في زمن ضاع فيه الأدب إلا من القليل. يقول ابن سيرين: علم بلا أدب كالنار بلا حطب. ولذلك المتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن قضية الأدب احتلت مساحة كبيرة في القرآن؛ وذلك لأن الأدب مقدم على العلم. قالوا: فليكن أدبك دقيقاً، وعلمك ملحاً، فأنت حين تصنع الخبز تحتاج إلى الدقيق أكثر من الملح، كذلك نريد للأدب أن يكون دقيقاً، وللعلم أن يكون ملحاً، فإذا كان العلم بغير أدب فإنه لا قيمة له ولا وزن له. وانظر إلى قول موسى للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66]. هذه الآية تحمل مجموعة من الآداب: 1 - التواضع وهضم حق النفس: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} [الكهف:66]، فموسى عليه السلام تابع والخضر متبوع، لم يقل موسى: أنا أعلم منه وأنا كليم الله، وأنا أحد أولي العزم من الرسل. فانظر إلى التواضع قال: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف:66]. 2 - يقول موسى للخضر عليه السلام: أنا أريد أن أتعلم على يدك، فأنت عالم وأنا متعلم. 3 - لا أريد أن تعلمني كل ما علمت، ولكن مما علمت، أي: أعطني شيئاً مما علمك الله. وهذا معناه: أن طالب العلم لا يمكن أن يصل إلى مرتبة العالم حتى يأخذ عن كل أحد. كذلك قال الله لعيسى عليه السلام: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116]، هذا هو السؤال، وكان الجواب المتوقع أن يقول: لم أقل، لكن انظروا إلى هذا الأدب: {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة:116 - 117] إلى أن قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، يا له من أدب! كل هذه الإجابة للتأدب مع الله سبحانه. كذلك فعلها يوسف مع إخوته عندما خرج من السجن، فليس لإخوة يوسف ذنب في قضية السجن، إنما السبب المباشر فيه هو امرأة العزيز، وإخوة يوسف كان لهم ذنب في إلقائه في الجب، فانظر يوم أن التقى مع إخوته بعد طول فراق، وبعد أن تأكد أنهم دبروا له المكيدة قال لهم: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:92]، ثم قال لهم بعد ذلك: إن الله أحسن إلي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو. فما علاقة الإخوة بالسجن، هذا معناه: أنه يذكر ما لا يؤرق الإخوة. لأنه لو قال: إذ أخرجني من الجب لذكرهم بفعلهم وهو لا يريد إزعاجهم، فذكر السجن دون أن يذكر الجب. وحتى نعرف سريعاً بصحيح الإمام البخاري نقول: كتاب البخاري مقسم إلى كتب، والكتب قسمها إلى أبواب: فبدأ بكتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم، ثم كتاب الوضوء، ثم كتاب الغسل، ثم الحيض، التيمم، الصلاة، مواقيت الصلاة، وهكذا قسم الكتاب إلى كتب، ثم قسم الكتب إلى أبواب. وفقه البخاري في تبويبه، أي: أن عنوان الباب يدل على فقهه. إذاً: البخاري يضع حكماً فقهياً في هذا الباب من وجهة نظره، ثم يأتي بالأحاديث التي تترجم لهذا الباب. مثلاً: حديث الليلة وهو حديث أبي بن كعب ترجم له البخاري في كتاب العلم بباب: الخروج إلى طلب العلم، ثم أعاده مرة أخرى في باب آخر، وهو باب: من سئل أي الناس أعلم؟ أي: أن البخاري قد يعيد الحديث أكثر من مرة. واللطيف أنه يجعل للمتن عنواناً آخر أي: باباً مختلفاً؛ لأن هذا الحديث يمكن أن تؤخذ منه أحكام كثيرة.

سوء فهم النصوص الشرعية من المصائب التي ألمت بالأمة

سوء فهم النصوص الشرعية من المصائب التي ألمت بالأمة إن حفظ النصوص العلمية سهل، لكن الفهم أن تفهم عن الله وأن تفهم مراده. تقول: اللهم يا معلم آدم وإبراهيم! علمنا، ويا مفهم سليمان! فهمنا. ومصيبة الأمة الآن تتجسد في كلمة واحدة هي سوء الفهم، ومن صفات الخوارج أنهم يقتلون الموحدين، ويقومون بعمليات ضرب السياح والنسف والقتل، وتكفير عصاة المسلمين، واستحلال الدماء، وهجر المساجد، والصلاة في الصوامع، وتكفير المجتمع، هؤلاء فعلوا كل ذلك بسبب سوء الفهم؛ لذلك نحن أمرنا أن نفهم القرآن والسنة بفهم السلف قاطبة، فـ الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك وعلماء الأمة كـ ابن تيمية وابن القيم وابن عبد البر والبغوي وابن قدامة والنووي والشوكاني يقولون في مجلداتهم: أن ختان الذكور والإناث مشروع، وإنما الخلاف في الحكم: هل ختان الإناث مستحب أم واجب؟ فـ الشافعي على الوجوب، وأحمد في رواية على الوجوب، ومالك وأبو حنيفة على الاستحباب، ولم يقل أحد من علماء الأمة أنه غير مشروع. فيأتي أحد الناس ويهمل هذا الفهم، ويشذ ويخرج عن سلف الأمة، ويأتينا بفهم جديد، فإننا نقول له: شققت عصا الطاعة وخالفت الجماعة، وجئت بفهم جديد لمصلحة من؟ ولحساب من؟ فالكتب مليئة بالحكم الشرعي. عد إليها، هل أنت مالكي أم حنبلي أم شافعي أم حنفي؟ هذا إذا كنت تدعو إلى التمذهب، فإن قلت: أنا مذهبي كذا. فإن أئمة المذاهب الأربعة ذهبوا إلى أنه مشروع، واليوم ظهر مذهب جديد في عصرنا، هو مذهب الفتوى حسب الطلب، يعني: نأتي بفتوى واسعة حسب الأحوال، نسأل الله العافية. أقول هذا الكلام لأني وجدت أمراً عجيباً، ففي المجلد الواحد والعشرين من مجلدات دار الإفتاء المصرية نقلاً عن مجلة اللواء الإسلامي الصادرة في جمادى الآخر سنة (1998م) أن الدكتور سيد طنطاوي سئل: ما حكم ختان الإناث في شرع الله؟ فأجاب: ختان الإناث مشروع بالكتاب والسنة، وقال: وتلك هي الأدلة. فعدد الأدلة من الكتاب والسنة، لكنه سبحان الله! في عام 2003م يأتي بفتوى أخرى، والله المستعان، فيا عبد الله! نحن أمرنا أن نفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.

الدعوة إلى الله لا تعرف أرضا ولا زمنا

الدعوة إلى الله لا تعرف أرضاً ولا زمناً أحبتي الكرام! إن البخاري جاء بحديث في باب: الفهم في العلم، ونفس الحديث أعاده في باب: الإمام يطرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من علم. فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما موسى عليه السلام قام واعظاً في بني إسرائيل)، يعظهم يذكرهم بالله؛ لأن الموعظة من أساليب الدعوة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعظ أصحابه بين الحين والآخر، ولا نقصر الموعظة على المساجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعظهم وهو على الدابة يركب الدابة: (يا معاذ!)، ويقول: (يا ابن عباس! أتدري ما حق الله على العباد؟)، (كان متكئاً فجلس)، (وخط خطاً واحداً، وخط خطوطاً متعرجة)، ففي كل مقام كان يعظ الناس، فالدعوة إلى الله لا تعرف أرضاً ولا وقتاً ولا زمناً، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5]، دعوة شاملة في كل وقت، وقال تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39]، فيوسف وهو في السجن يدعو إلى التوحيد، كذلك إذا كنت طبيباً ودخل عليك مريض قل ما شئت؛ لأن المريض جاء لتكشف عليه ويستمع إليك وتعطيه الدواء، فاجعل له جلسة؛ لأنه صاحب حاجة، وصاحب الحاجة مستمع، وهذا ما صنعه يوسف مع صاحبيه في السجن: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36]، فالسؤال كان عن تفسير رؤيا، فهل فسرها يوسف أولاً؟ ابداً، بدأ أولاً بالدعوة إلى الله. قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:39 - 40]، هذه كلها مقدمة قبل تفسير الرؤيا، وبذلك يكون قد فعل ما يجب عليه وهو أمر الدعوة إلى الله. مدرس دخل الفصل فكتب التاريخ الهجري قبل التاريخ الميلادي وقال لتلامذته: السلام عليكم ورحمة الله، ثم بدأ قبل أن يشرح بنقطة في العقيدة، أخذ يعلمهم أن الذي يُسأل هو الله، وأن لله واجباً عليهم هو حق العبادة، ثم بعد ذلك يأخذ في الشرح، يبدأ بالدعوة ويختم بالدعوة، إذا رأى طالباً حلق حلاقة قزع قال له: قم يا بني! هذه الحلاقة منهي عنها، وأنا أحبك وأريد الخير لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، وهو أن تحلق جزءاً وتترك جزءاً آخر، والقزع سمت من لا خلاق له، وأنت مسلم من أبوين مسلمين، فاحذر يا بني أن أراك على هذه الطريقة. فإذا بالطالب يأتي في اليوم التالي وقد ترك القزع. فإذا رأيت أمراً يخالف الشرع وأنت في موطن سلطة ينبغي عليك أن تغير على حسب الطاقة، كذلك عند الأذان يوقف المدرس الشرح ويقول لتلامذته: رددوا النداء: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، كذلك إذا كانوا لا يعرفون الصلاة يعلمهم في الفصل كيف يصلون؛ لأن المدرس أسوة وداعية إلى الله عز وجل. فالدعوة إلى الله هي وظيفة الأمة؛ لأنها آخر الأمم؛ ولذلك لما قام موسى عليه السلام يعظ بني إسرائيل ذكرهم أولاً بالله، وأنت تعلم من هم بنو إسرائيل -نعوذ بالله من أفعالهم- فقد فضحهم القرآن الكريم وبين صفاتهم وخصائصهم وما يدور بداخلهم، وبين إلحادهم في جانب الاعتقاد، وخلقهم مع ربهم وأنبيائهم بل مع الفرد، وهذا قول لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان كما يقولون، فمن صفاتهم: أولاً: هم قساة قلوب، قال الله في وصفهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:74]، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، والله سبحانه شبهها بالحجارة ولم يشبهها بالحديد؛ لأن الحديد إذا دخل النار لان، لكن الحجارة تزداد صلابة. كذلك قلوب اليهود. ثانياً: السعي في الأرض بالفساد، قال سبحانه: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:33]، فما من فساد في الأرض إلا وهم وراءه. كذلك قال الله سبحانه وتعالى في وصفهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة:64]، وقال: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:100]، والمتتبع لصفات بني إسرائيل سيجعل لهم محاضرة مستقلة بل رسالة دكتور

تحري السؤال النافع والأدب فيه

تحري السؤال النافع والأدب فيه لما قام موسى يعظ بني إسرائيل قام إليه رجل منهم وسأله. يقولون: إن السؤال نصف العلم، والجواب هو النصف الآخر، وحينما يكون السؤال صحيحاً يكون الجواب صحيحاً، والسؤال مع الجواب له أحوال في القرآن والسنة، فقد يكون الجواب أكبر من السؤال، كما قال الله لموسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} [طه:17]، فكان الجواب أكبر من السؤال. قال: {عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18]، قال ذلك طمعاً في أن يقول له الله: وما هي المآرب الأخرى؟ أراد أن يطيل اللقاء مع الله فأطال الجواب. وقد يكون الجواب بخلاف السؤال؛ وذلك لأن السائل سأل عن أشياء لا ينبغي أن يسأل عنها، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة:189]، فقال الله: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة:189]، أي: كان ينبغي أن تسألوا عن حكمة الأهلة لا عن شكل الهلال، فالأحرى أن تسأل عن شيء تنتفع به؛ لذلك نهى الإسلام عن الأغلوطات وهي أشياء لم تقع في واقع الناس ويفترضها السائل من عنده كأن يقول: يا شيخ! ما حكم المسح على الرأس لرجل عنده أربعة رءوس؟ أو يقول: ما حكم الصائم الذي أكل وهو نائم؟ لذلك قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث في البخاري - قال: يا رسول الله! من أبي؟ فهل هذا سؤال بين مجموعة الصحابة؟ إذا لم يكن حذافة ماذا سيصنع بالجواب؟ لا شيء. غير أنه سيفضح أمه بأنها زانية، فاحمر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وغضب عمر غضباً شديداً، فقال: (أبوك حذافة)، فقام آخر وقال: وأنا من أبي يا رسول الله؟! فكبر عمر وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، فينبغي للسائل أن يكون حكيماً ويختار الألفاظ المحددة الواضحة، ويسأل السؤال من أقصر الطرق. فلما سأل هذا الرجل موسى عليه السلام: من أعلم الناس؟ قال موسى عليه السلام: أنا، ولم يقل: أنا، والله أعلم، ويرد العلم إلى الله، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه. لذلك بوب البخاري لذلك باباً وقال: باب من سئل: أي الناس أعلم؟ يقول: فلان. والله أعلم.

الهمة العالية في طلب العلم والرحلة إليه

الهمة العالية في طلب العلم والرحلة إليه لما عتب الله على موسى أوحى إليه: يا موسى! إن لي عبداً هو أعلم منك. قال: يا رب! كيف السبيل إليه؟ قال: عند التقاء مجمع البحرين، وعند انفلات الحوت من غلامك يوشع، عند ذلك: {قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60] فانظروا إلى الهمة في طلب العلم، يقول: سأظل أسير على قدمي سنوات متتالية حتى أصل إلى مجمع البحرين. روى البخاري تعليقاً: أن جابر بن عبد الله سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً)، ما معنى غرلاً؟ يعني: غير مختونين، والختان شعار الحنيفية السمحة وعلم على دخولها، والله أمرنا أن نتبع ملة إبراهيم، وإبراهيم عليه السلام اختتن، الحديث في البخاري ومسلم وأحمد ومالك المتفق عليه: (اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة، واختتن بالقدوم)، رواية مسلم: (بالقَدُوم)، وفي بعض روايات البخاري: (بالقدُّوم)، والقَدُوم: آلة النجار، والقَدُّوم: مكان في أرض الشام، والذي نريده من الحديث أن إبراهيم عليه السلام اختتن، وهاجر اختتنت، والمسيح اختتن. إن الذين يقولون بعدم الختان للإناث الآن لا نفهم منهم إلا معنىً واحداً، وهو أنهم يريدون للفاحشة أن تنتشر؛ لأن عدم الختان معناه: انتشار الفاحشة. في الأدب المفرد للبخاري: تقول أم المهاجر: أسلمت أنا وجماعة من النسوة كبار، فأمر بنا عثمان بن عفان فاغتسلنا واختتنا. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثاني والعشرين من الفتاوى: هل تختتن المرأة؟ فقال: نعم. ختان الإناث مشروع بالكتاب والسنة، ثم أورد حديث أم عطية الحسن بمجموع طرق يرتقي إلى الصحة. قال الشيخ الألباني: صحيح. وقال ابن حجر في الفتح: صحيح. وقال الهيثمي: صحيح. وقال الطبراني في الأوسط: صحيح. ثم قال ابن تيمية: ولأن نساء التتار والإفرنج لا يختتن، فتجد الزنا في وسطهن أكثر من النساء المسلمات. وإن الرجل كان يعير في العرب إن لم تكن أمه مختونة، فيقولون له: يا ابن القلفاء! والقلفاء غير المختونة، والأقلف: غير المختون. لذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (ما رأيت داهية أدهى من هذا الأقلف) يعني: هرقل. فيا إخواني! لا داعي إلى أن نعقد لهذه المسألة المؤتمرات، وأن تطبع لها المنشورات، وأن تحتل هذه المساحة الكبيرة في هذا الوقت. لما سمع جابر بن عبد الله هذا الحديث سأل: من الذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقيل له: عبد الله بن أنيس. قال جابر: وأين هو؟ قيل له: في أرض الشام. وكان جابر يستطيع وهو في المدينة أن يقول: حدثني فلان أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول: قال رسول الله، لكن جابر يريد أن يعلو بالسند، ولا يترك واسطة بينه وبين ابن أنيس فجمع المتاع وأعد العدة وأعد دابته ورحل من المدينة إلى الشام، وطرق الباب فقيل له: من؟ قال: جابر بن عبد الله صحابي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ فعانقه عبد الله بن أنيس والحديث فيه مشروعية معانقة القادم من سفر. قال ابن أنيس: ماذا جاء بك يا جابر؟! قال: يا ابن أنيس! سمعت أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً)، قال: نعم. سمعته بأذني هاتين، فعاد جابر يحدث به. انظروا إلى همة جابر في قطع المسافة من المدينة إلى الشام؛ حتى يروي الحديث بسند عال، أين هذه الهمم؟ هل نحن الآن نعطي فضل أوقاتنا للدعوة؟

التناوب في طلب العلم وعدم الاعتزاز بجمع حطام الدنيا

التناوب في طلب العلم وعدم الاعتزاز بجمع حطام الدنيا نحن لسنا ضد أن يكون لك عمل تتكسب منه، لكن نحن ضد أن تكون جيفة بالليل حماراً بالنهار، كما جاء في الحديث، بالليل ينام العبد كالجيفة وبالنهار كالترس المعلق. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب العلم باب: التناوب في طلب العلم، يقول عمر بن الخطاب: شغلتني التجارة عن سماع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولي جار من الأنصار أيضاً فقلت له: هيا بنا نعقد اتفاقاً: أنا أتخلف عن السوق يوماً وأسمع الحديث، وأنت تتخلف عن السوق يوماً وتسمع الحديث. فالذي نريده أن تجعل لطلب العلم وقتاً، فالأسبوع سبعة أيام فاترك يوماً من الأسبوع لطلب العلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، يعني: عندما يصل إلى المليون -ربنا يعافينا وإياكم من رحلة المليون إلا في رضاه عز وجل- يقول: أريد المليون الثاني، وإذا وصل إلى الثاني قال: الثالث. يقول العلماء: جامع المال كشارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، فجامع المال كشارب ماء البحر كلما أعد رصيداً أراد إضافة، وكلما أعد أراد حتى إذا جاءه الموت قال: يا ليتني! وقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28]، وأنت تسمع الآن أن فلان الملياردير مات، ماذا أخذ معه؟ (يتبع الميت ثلاثة: ماله وعمله وأهله، يرجع المال والأهل ويبقى العمل) ويأخذ الورثة المال، كل وارث يأخذ حفنة، وكل واحد منهم يقول: الله يرحمه ويحسن إليه لمدة أسبوع واحد فقط، وبعد ذلك ينسونه. لكنك لو تركت علماً تدارسه الأجيال من بعدك، ففي كل يوم نقرأ في تفسير ابن كثير ونقول: رحمه الله، ونقرأ في البخاري ونقول: رحمه الله، فـ البخاري مات سنة (256) هـ يعني: في القرن الثاني، بيننا وبينه آلاف السنين، وما زلنا نترضى عليه ونترجم له بسبب العلم الذي تركه لنا، فانشغل بالعلم، واترك علماً ينفع الناس، ربِّ ولدك على العلم، وقل: يا ولدي! أريدك أن تصحح حديثاً، أو تعرف سبب نزول آية، لكننا يا إخوة لا نجد إلا همماً فاترة، فكل بلد فيها عجز تام في العلماء الشرعيين، فلماذا لا يكون هناك خمسة علماء أو عشرة أو عشرون يعرفون الأحكام الشرعية في الفروض وتوزيع الأنصبة؟ لأننا في الحقيقة فترنا عن طلب العلم وانشغلنا بالدنيا، وبجمع المال وتأمين المستقبل، مع أن المستقبل بيد الله ليس بيدي ولا بيدك، فإن أردت رفعة في الدنيا والآخرة فبالعلم.

فضل العلماء ورفعتهم في الدنيا والآخرة

فضل العلماء ورفعتهم في الدنيا والآخرة دخل البخاري إلى بلد، فنثروا عليه الدراهم والدنانير، فقالت أم لابنها: من هذا يا ولدي؟! قال: ذاك محمد بن إسماعيل البخاري يا أمي! قالت: يا ولدي! هذا هو الملك لا الملك قارون. فالعلماء هم ملوك الدنيا والآخرة، لما مات أحمد بن حنبل في بغداد شيع جنازته ألف ألف رجل أي: مليون، فانظر يا أخي في الله! إلى منزلة العالم بعد موته، ولذلك قطع موسى عليه السلام هذه المسافات من أجل أن يطلب العلم على يد ذلك العبد الصالح الذي قال عنه جمهور العلماء: أنه كان نبياً، قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60]، لذلك صدق من قال: الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواءُ ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئٍ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء فخذ بعلم تعش حياً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياء إن أهل العلم إن ماتوا ماتوا لكنهم أحياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). أيها الإخوة الكرام! ذكر الله فضل العلماء في كتابه، فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، والعلم لا ينال براحة الجسد، وإنما ينال بجد واجتهاد وبلغة: أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان كان الإمام أحمد يكتب كتبه وصحفه من محبرته فقيل له: يا إمام! متى تترك المحبرة؟ قال: مع المحبرة إلى المقبرة. والمعنى: لن أترك المحبرة حتى أحمل إلى المقبرة.

طلب العلم وملازمة العلماء في الصغر والكبر

طلب العلم وملازمة العلماء في الصغر والكبر يقول البخاري: تعلموا العلم قبل أن تسودوا وبعد أن تسودوا، يعني: قبل أن تصبحوا أسياداً وبعد أن تصبحوا أسياداً. وقال بعضهم: قبل أن تتزوجوا؛ لأن الله قال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25]، والزواج بالفعل يجعلك تقل في طلب العلم رغم إرادتك، فابنك يريد كذا، والزوجة تريد كذا، وانشغال بالحياة الزوجية، وهذا مطلوب طبعاً بدون أدنى شك، فاطلب العلم قبل أن تصل إلى سن الزواج. فقوله: (قبل أن تسود) يعني: قبل أن تكون سيداً، فالمدير العام أعباؤه أكثر من أعباء الموظف الصغير؛ لأن المدير يمر على كل الأقسام ويحقق الحضور والإنصراف، ويسأل عن كل جنيه. فقبل أن تسودوا يعني: قبل أن تكونوا أسياداً فتزداد المهام الملقاة على عاتقكم. خشي البخاري أن يفهم أحد أن طلب العلم في الصغر فقط، فقال: وبعد أن تسودوا، يعني: اطلبوا العلم حتى في الكبر، ولنا في أبي هريرة أسوة، أسلم رضي الله عنه سنة 7هـ في عام فتح خيبر، فهو من آخر الصحابة إسلاماً، ولم يلازم النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث سنوات وبضعة أشهر، وكان أكثر الصحابة بلاغاً لحديث رسول الله، فقد بلغ أكثر من (7000) حديث؛ وذلك لأنه في هذه المدة القصيرة استطاع أن يحصل ما لم يحصله غيره، قال رضي الله عنه: لازمت النبي صلى الله عليه وسلم كظله. فيا عبد الله! شمر عن ساعد الجد، وابدأ في طلب العلم بالأولويات القرآن ثم السنة بفهم السلف الصالح، تعلم أصول الفقه وعلوم القرآن وأصول علم الحديث وعلم العقيدة ونحوها من العلوم ثم بعد ذلك تلقى العلم على يد شيخ. أيها الإخوة الكرام! أسأل الله سبحانه أن يرزقنا علماً نافعاً، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ونعوذ بك يا رب! من علم لا ينفع، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعوة لا يستجاب لها. آمين آمين آمين.

الأسئلة

الأسئلة

وجوب الالتزام بشعائر الدين لمن أراد الجهاد في سبيل الله

وجوب الالتزام بشعائر الدين لمن أراد الجهاد في سبيل الله Q سمعت منك أبياتاً في مسجد قبل ذلك، أريد أن تذكرها؟ A هذه الأبيات تتعلق بأناس يرفعون شعار الجهاد لكنهم يضيعون الجماعات، ويفرطون في الواجبات، ويرتكبون بعض المحرمات قال: لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح فالذي لا يستجيب لحي على الصلاة لن يستجيب لحي على الكفاح، وهذا واضح بين في كتاب ربنا في قصة طالوت وجالوت، لما كتب الله عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم رغم هتافاتهم ومظاهراتهم وأناشيدهم وأشعارهم، قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246]، فهم الذين طلبوا أن يقاتلوا، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:246]. والله تعالى أعلم.

حكم التصوير الفوتوغرافي

حكم التصوير الفوتوغرافي Q بوب البخاري في حكم التصاوير والمصورين، فهل يندرج تحت هذه الأحكام التي ساقها البخاري الذين يصورون بالكاميرات الفوتوغرافية؟ A نعم. يندرجون بدون أدنى شك، فالتصوير حرام فوتوغرافي أو غير فوتوغرافي إلا لضرورة: بطاقة، جواز، سفر، شهادة، رخصة، فما سوى ذلك لا يجوز، فالتصوير للذكرى الخالدة لا يجوز، وهل من اللائق أن تضع صورة الممثل أو الممثلة على؟! بل إن البعض لا يتقي الله، في ليلة عرسه يأخذ الزوجة ويذهب إلى الأستوديو ويلتقط له صورة مع زوجته، ثم يأخذ الصورة ويبروزها ويضعها في الصالون، فيدخل الضيف ويقول: ما شاء الله! إنها جميلة! وزوجها الديوث في المطبخ يعد الشاي، نسأل الله العافية. فالتصاوير حرام بالجملة إلا للضرورة الشرعية، ومن قال: إن التصاوير هي التماثيل، فالنص واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عند عائشة وجد عندها ستارة فيها تصاوير، فجذبها ومزقها وجعلها تحت رأسه وسادة وقال: (إنها شغلتني عن صلاتي)، فالستارة كان بها تصاوير، فلا يجوز أبداً أن تصور ما فيه روح، فإن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون، يطالب المصور يوم القيامة بنفخ الروح فيما صوره وهو ليس بفاعل. طبعاً وأول ما وقع الشرك وقع عن طريق هذه التصاوير والتماثيل، فبعض المتصوفة -وأنا أعرفهم- يضع في بيته صورة لشيخه، فإذا أتاه كرب قال: يا مولانا! فرج الكرب، يكلم الصورة! وهناك رجل آخر وضع صورة لأبيه قد مات منذ عشرين سنة، وكان يقول للصورة: الله يرحمك يا أبي! ألا ترى ما الذي أنا فيه؟ يكلم الصورة! ومن تقاليدنا -للأسف- أن الرجل إذا التزم بشرع الله وأنزل صورة أبيه قال الناس فيه: هذا رجل لا يحب أباه؛ لأنه أنزل صورة أبيه، هذا دليل على عدم حبه لأبيه، فهذه التصاوير تجر علينا الوبال. لذلك إخوتي الكرام! أقول: نعم. ينطبق على التصاوير الفوتوغرافية ما ذكره البخاري في صحيحه.

مشروعية الزيادة في الدعاء

مشروعية الزيادة في الدعاء Q أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ بالله من أربع، فهل يجوز لنا أن نزيد بعدها بدعاء أو استغفار؟ A نعم. يجوز؛ لأن الصلاة لغة بمعنى: الدعاء، والدعاء مطلوب في الصلاة، تأتي بالدعاء المسنون ثم تزيد ما تريد، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، ومن عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ثم إذا أردت أن تسأل الله عز وجل حسن الخاتمة أو تسأله ما شئت فلا تحجر واسعاً، والله تعالى أعلم.

حكم أخذ الحق من المحاكم الوضعية إذا رفض الخصم شرع الله

حكم أخذ الحق من المحاكم الوضعية إذا رفض الخصم شرع الله Q هل يجوز أخذ الحق من المحاكم الوضعية إذا رفض المختصم شرع الله؟ A نعم. يجوز طالما رفض الشرع، وإذا كانت المحاكم الوضعية ستعطيك الحق فلا بأس في أن يأخذ حقه، مع عدم قبولك لهذا الحكم الوضعي وعدم إيمانك به.

حكم قص الشعر بالتدريج

حكم قص الشعر بالتدريج Q ما حكم قص الشعر بالتدريج من الجانب وليس بالطريقة الواضحة؟ A الشعر لا بد أن يسوى كله مع بعضه البعض، لا تختلف بقعة عن بقعة.

الكتب النافعة والمحذرة من الصوفية

الكتب النافعة والمحذرة من الصوفية Q أريد أن أهدي لأحد الصوفية شيئاً، فدلني أي الكتاب أهديه له؟ A كتب كثيرة، من أفضلها: كتاب الفكر الصوفي للشيخ: عبد الرحمن عبد الخالق مجلد. وكتاب: حقيقة الصوفية، وكتاب: مصرع التصوف، وكتاب: هذه هي الصوفية للشيخ الوكيل، وحوار مع الصوفية، وكتب كثيرة جداً موجودة في السوق، ولعل الدكتور عمر بن عبد العزيز القرشي له كتاب طيب جداً في هذا المقام أنصحك أن تقرأه، اسمه: شبهات حول التصوف وهو مجلد، والدكتور عمر من مناقب كتابه أنه متخصص باحث، والباحث في عرضه يلتزم النقد العلمي، فالدكتور عمر رجل تدرب على كتابة الرسائل العلمية، فأنصحك أن تقرأ كتاب الدكتور عمر: شبهات حول التصوف.

وجوب حمل هم الدين وتغيير المنكر

وجوب حمل هم الدين وتغيير المنكر Q توجيه نصيحة لطلبة العلم والإخوة بحمل هم الدين، إذ كثر منهم من يرى المنكرات ولا يغير المنكر حتى بلسانه؟ A هذه مصيبة كبيرة، لا بد للمسلم أن يكون هم الدين في قلبه، فإذا رأى منكراً يغيره بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يغير المنكر بمنكر أشد، لكن ينبغي عليه أن تكون قضية الدين هي شغله وشاغله، والله تعالى أعلم.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها) Q ما معنى: (أن تلد الأمة ربتها)؟ A للعلماء فيها أقوال ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وهي كثيرة ومتعددة منها: أن يعامل الولد أمه معاملة الأمة، أي: إشارة إلى العقوق في آخر الزمان، أن تلد الأمة يعني: المملوكة، ربتها يعني: سيدتها. المعنى الثاني: انتشار الحروب وأن الأمة المملوكة تلد سيدها، وترى الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البينان.

حكم صلاة من وضع السجائر أمامه وأخذ يصلي والنصيحة التي توجه إليه

حكم صلاة من وضع السجائر أمامه وأخذ يصلي والنصيحة التي توجه إليه Q رجل دخل المسجد بالسجائر ووضعها أمامه أثناء الصلاة، فما حكم الصلاة، وكيف أنصحه؟ A صلاته صحيحة بدون أدنى شك، لكن تنصحه أن هذا حرام، وأن هذا من أعمال الشيطان، وأن هذا تدمير للصحة والمال، فلا ينبغي أن تدخل بمحرم إلى بيت الله سبحانه، وأن تضع الحرام بين يديك وأنت تصلي، هذا لا يليق بك أبداً. إن هذه ظاهرة غريبة وعجيبة من إخواننا الذين نحبهم، بعض الناس طبعاً عندهم فلسفة، منهم من يقول: إن كان حراماً حرقها حلالاً شربها، يحاول أن يحلل لنفسه الأشياء، أقول: هل تجد عاقلاً يقول عند شرب السيجارة: باسم الله، وعند الانتهاء يقول: الحمد لله؟ لن تجد هذا؛ لأنه يعلم أن ما يتجرعه هو سم، بل إنه عند دخول المسجد يطفئها قبل دخوله، وإن دخل دورة المياه يشعلها؛ لأن مقرها الحمامات مع الخبث والخبائث. فحينما تجد شخصاً يشعل السيجارة كأنه يشعل في الأموال حريقاً، لو أخرجت الآن كبريتاً، وأشعلت بها نقوداً في يدي ماذا ستقولون؟ تقولون: الشيخ في عقله خلل، يشعل في الأموال النار! وكذلك الذي يشعل السيجارة، أتي برجل مدخن بعد أن مات، أخرجوا رئته وأخذوا يعصرونها، فخرج منها النيكوتين والقطران سائلاً أسود وإذا أتيت بشاشة تلفزيون بيضاء، وأتيت بمدخن وأمرته أن ينفخ الدخان على الشاشة فإنك ستجد الشاشة سوداء معتمة كذلك الدخان ينزل في الرئة ويغلق مسامها، فتجد المدخن لا يستطيع أن يتنفس إلا بجهد. هل رأيتم رجلاً عاقل يقتل نفسه بالتدرج؟ فالدخان يسبب السرطان في الحنجرة والرئة، وضرراً في الأحبال الصوتية، ومع ذلك إذا نصح المدخن بترك الدخان يقول: أنا لا أستطيع، أعرف أنها حرام لكن لا أستطيع. يا رجل! أليس لك إرادة؟ أليس لك عزيمة؟ فلا بد أن تقلع من الآن. إن علبه السيجارة قيمتها (6. 5) جنيهات، فإن كنت تدخن علبتين في اليوم ضيعت مالاً قدره (13) جنيهاً ولو ضربت (13) جنيهاً في ثلاثين يوماً كان مقدار المال المضيع (390) جنيهاً، هذا للسجائر فقط، فما يأكل الأولاد؟ يا رجل! هذه إضاعة للمال. كذلك حين تركب سيارة تجد أحدهم يدخن بجانبك، فتقول: لو سمحت أطفئ السيجارة، فيقول: انزل إن لم يعجبك ذلك، أنا حر! انظر إلى أسلوب النقص، لست حراً إن لم تحترم حرية الآخرين، تلوث الجو والهواء وتقول: أنا حر؟ الذي يدخن بجوارك يؤذيك بنسبة 100% وكأنك تدخن أيضاً، فهذه مصيبة كبيرة، ومن الأشياء المضحكة أنهم يكتبون على علبة السجائر: التدخين ضار جداً بالصحة، بما أنه مضر للصحة لماذا تروجون بيعه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. قام محاسب بإحصائية لما ينفقه العالم في السجائر، فوجد أنه ينفق بلايين الدولارات، ميزانية دولة كاملة تنفق في السجائر! فنحن نحتاج إلى حملة لدحض هذه المسألة، ونأخذ بيد المدخن شيئاً فشيئاً، ولا بأس أن يذهب إلى طبيب ويطهره ويأخذ بيده. في صلاة المغرب رأيت رجلاً أفطر عند أذان المغرب بسيجارة وهو يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. نسأل الله العافية.

معتقدات الشيعة الفاسدة وأباطيلهم

معتقدات الشيعة الفاسدة وأباطيلهم Q كيف تحذر من الشيعة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله؟ A الحقيقة يا إخواني! هناك مسألة تسمى بخلط الأوراق بين المسلم السني السلفي والمسلم غير السني السلفي، فالشيعة فرقة ضالة، وقد سمعت للأسف بعض الذين يعملون في الحقل الإسلامي يهتفون في اجتماعاتهم ويقولون: مسلم سني مسلم شيعي أرضك أرضي دينك ديني فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. هؤلاء يلبسون على الناس، لو قرأت في كتب الشيعة ومعتقداتهم فإنك تجد العجب العجاب، فالشيعة يسبون أبا بكر وعمر، ويحكمون على الصحابة بالكفر، ويتهمون عائشة بالزنا، ويقولون بتحريف القرآن الكريم، وأن القرآن الموجود بين أيدينا الآن ليس هو القرآن الحقيقي، ويقولون بعقيدة الرجعة، يعني: المهدي المنتظر عندهم اسمه: محمد بن الحسن العسكري، دخل سرداباً في سامراء عاصمة الخلافة العباسية بعد بغداد، كانت مدينة مهجورة، وفي عهد الخلافة العباسية زينوها وزخرفوها فسموها: (سر من رأى) يعني: سرت من رآها، وبعد أن خربت سموها: (ساء من رأى) يعني: ساءت من رآها، واختصاراً سموها: سامراء، يقولون: المهدي دخل السرداب في سامراء، وهم الآن ينتظرون أن يخرج كل يوم، ومعه المصحف الحقيقي. وتعتقد الشيعة بعقيدة البداء، ومعنى عقيدة البداء: أن الله كان لا يعلم ثم علم، وهذه الأشياء موجودة في معتقدات الشيعة الإسماعيلية. وقال بعضهم: إن الولاية الإمامة؛ لأنهم يقولون بعصمة الإمام، والخميني يقول: زيارة قبر الإمام عندنا تعدل حج البيت سبعين مرة. يعني: أفضل من حج البيت بسبعين مرة، والإمام عندهم معصوم، بل الإمامة أعلى من النبوة عندهم. ويقولون: إن الإمامة كانت للولد الأكبر من ذرية الحسن، فأعطوها للولد الأصغر، فلما سئلوا عن سبب ذلك قالوا: إن الله أعطاها للأكبر، ثم بدا له أن يغير رأيه. يعني: ربنا يغير رأيه عند الشيعة، هذه عقيدة البداء والرجعة ونكاح المتعة والتقية وحدث ولا حرج، والطعن في السنة والصحابة. لكن عند مداهمة العدو لأرض المسلمين يتحد المسلم مع الشيعي في الدفاع عن الأرض، هذا هو الواجب المفروض ولا شك في هذا، لا شك أننا في هذه الحالة نقول: الدفاع عن أرضنا واجب على الجميع، فقضية الدفاع شيء وقضية أن تكون عالماً بمعتقدك شيء آخر، أرجو أن يكون هذا واضحاً.

التحذير من منهج الصوفية في تلقي العلم

التحذير من منهج الصوفية في تلقي العلم Q قلت: لا ينبغي أن نتعلم الكتاب دون شيخ، فهل معنى ذلك: أننا لا نقرأ أي كتاب؟ A لا. أنا أقول: اقرأ لكن راجع فهمك على يد شيخ، وهل أنا صوفي أقول بالعلم اللدني، أو العلم الذي ينزل من السماء، لا بخاري ولا مسلم ولا كتاب عقيدة؟ وهل نحن نأخذ العلم بالتجافي؟ هل أنتم لكم علم الورق ونحن لنا علم الخرق؟ أنتم لكم العلم الظاهر ونحن لنا العلم الباطن؟ هل أقول: حدثني قلبي عن ربي؟ قيل لرجل منهم: ألا ترحل لتسمع الحديث من عبد الرزاق في اليمن؟ قال: وما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يتلقى من الخلاق؟ يعني: يتلقى العلم مباشرة من الله عز وجل، وهذا موجود الآن عندهم، يقول لك: بخاري من؟ مسلم من؟ كتب من؟ ابن كثير من؟ شيخهم العلم اللدني والعلم الباطن وعلم الفتوحات والإشراقات، ضلوا بها عن الطريق وأضاعوا بها العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حكم البيع والشراء في الموالد التي تشد إليها الرحال

حكم البيع والشراء في الموالد التي تشد إليها الرحال Q هل يجوز البيع والشراء في الموالد التي تشد إليها الرحال؟ A لا يجوز.

حكم الطلاق عند الغضب والإكراه

حكم الطلاق عند الغضب والإكراه Q حكم الطلاق عند الغضب؟ وحكم الطلاق المكره؟ A طلاق المكره لا يقع، والطلاق عند الغضب لا بد أن يعرف حد الغضب، فالغضب عند العلماء: ألا يشعر بما قال، وألا يشعر بما قيل له، تحدثه فلا يسمع ولا يعي ما يقول، ليس الغضب معناه: أن يصل إلى درجة الاستفزاز ثم يطلق، وهو يعي أن اللسان أخرج هذا اليمين، فالطلاق يقع. أما طلاق المكره فلا يقع، وهذه الفتوى هي التي جلد من أجلها الإمام مالك، لما سئل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: هل طلاق المكره يقع؟ فقال: طلاق المكره لا يقع. والمشكلة في ذلك: أن ولي أمر المدينة بايعه الناس بالإكراه، فطالما طلاق المكره لا يقع إذاً: بيعة المكره لا تقع، فأرسل إليه ولي الأمر وقال: يا مالك! عد إلى مجلسك وقل: بل طلاق المكره يقع، غيّر رأيك؛ لأنك تعرف كيف توليت أنا الإمارة. قال: لا يمكن أن أقول هذا، فأمر به ولي الأمر فجلدوه، فمحنة الإمام مالك في فتوى ليست فتوى حسب الطلب، وإنما فتوى شرعية يتقي الله عز وجل فيها.

معنى تجديد الخطاب الديني والتحذير منه

معنى تجديد الخطاب الديني والتحذير منه Q ما رأيكم في الدعوة الخبيثة إلى تجديد الخطاب الديني؟ A تجديد الخطاب الديني مصطلح جديد ابتدعوه؛ ليقضوا به على المنهج الأصيل والأصولية والمرجعية، وهو كلام خبيث يريدون به أن نتنازل عن الثوابت، فكلمة التجديد كلمة حق أريد بها باطل.

حكم الدعاء بقولك اللهم إني أدعوك بنبيك

حكم الدعاء بقولك اللهم إني أدعوك بنبيك Q من دعا: اللهم إني أدعوك بنبيك أن تشفيني؟ A لا يجوز، المعنى الصحيح أن تقول: اللهم إني نسألك بحق إيماني بنبيك صلى الله عليه وسلم.

فدعا ربه أني مغلوب فانتصر

فدعا ربه أني مغلوب فانتصر لقد خلق الله العباد حنفاء على التوحيد فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم من عبادة الله سبحانه إلى عبادة الأصنام والأحجار وغيرها من المعبودات الباطلة، وأول ما حصل الشرك في قوم نوح كان بتعظيمهم لبعض صالحيهم وتصويرهم صوراً لهم، ثم عبدت تلك الصور بعد فترة من الزمن، ثم أرسل الله الرسل ليقيموا الحجة على العباد، فكان نوح أول رسول إلى أهل الأرض، فدعا قومه إلى عبادة الله سبحانه بشتى الوسائل، واستمر ألف سنة إلا خمسين عاماً، حتى أخذ الله أهل الشرك من قومه بالطوفان بسبب إعراضهم عن دعوة نوح عليه السلام.

بيان سبب ظهور الشرك في قوم نوح عليه السلام

بيان سبب ظهور الشرك في قوم نوح عليه السلام الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:120]، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71] ثم أما بعد: أحبتي الكرام! حديثنا بحول الله وتوفيقه وعونه يحمل عنوان: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) ربنا إنا مغلوبون فانتصر. أحبتي الكرام! نوح عليه السلام أول رسول أرسله الله إلى البشرية، والبشرية كانت على التوحيد الخالص بعد آدم عليه السلام عشرة قرون كما قال ابن عباس عند البخاري، عشرة قرون بين آدم ونوح على التوحيد وإفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له، ولكن الشيطان أعلنها، وبينها، حينما أخذ على نفسه أن يضل العباد، فأمهله الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة: (إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، أي: عن صراط الله عز وجل إلى الشرك وعبادة غير الله. بعد أن كان الناس على التوحيد حادوا عن طريق التوحيد إلى عبادة الأصنام، وبداية الأمر أن قوماً من الصالحين كان قوم نوح يعظمونهم، فلما ماتوا علقوا لهم صوراً في نواديهم، ثم جاء الجيل الثاني وحول الصور إلى تماثيل، ثم بعد ذلك عبدت التماثيل من دون الله عز وجل، ولذلك فإن الغلو في الصالحين هو طريق الشرك دائماً، وإن أردت أن تعرف فشدد النظر إلى ما يحدث عند الأعتاب والقباب، فستجد شركاً صريحاً واضحاً، فهذا ينادي صاحب القبر: اشفني، وتلك تنادي صاحب الضريح: ارزقني الولد، والله يقول سبحانه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:14]، فالذي يملك جلب النفع ودفع الضر هو الله وحده لا شريك له، فكانت بداية الشرك في الأمة تعظيم الصالحين، نقولها لكل من يغلو في حبهم فيطلب منهم المدد من دون الله ويطلب منهم الرزق من دون الله. فعندما ظهر الشرك في الأرض أرسل الله نوحاً عليه السلام وهو أول رسول إلى أهل الأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة نوح هي دعوة جمي

صبر نوح عليه السلام في دعوة قومه

صبر نوح عليه السلام في دعوة قومه نوح عليه السلام جاء إلى قومه ورغبهم، وحذرهم، وبشرهم، ورهبهم، وهذه طريقة الأنبياء كما قال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء:165]. وبعض الناس يقول: كفاكم حديثاً عن عذاب القبر، وعن القيامة والنار، حدثوا الناس في أمور واقعها. ونقول لهم: إن دعوة الأنبياء تقوم على الترغيب والترهيب، فماذا قال نوح لقومه؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} [نوح:1] ماذا قال لقومه؟ {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، ثم قال لهم: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:59]. أحبتي الكرام! وطريق الدعوة إلى الله غير ممهد، وينبغي لأصحاب الدعوات أن يعرفوا ذلك، فإن إجابة القوم: إعراض وسخرية وجدل. قال نوح: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5]، فالدعوة إلى الله ليست منبراً، وليست محاضرة، وليست مقالة، وليست كتاباً، إنما الدعوة إلى الله تكون بالليل والنهار، بالسر والعلن. قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:5 - 14]، قال المفسرون: استخدم كل سبل الدعوة إلى الله: الدعوة الفردية والدعوة الجماعية، والدعوة الجهرية، والدعوة السرية، والدعوة بالليل والنهار، فلم يقصر عليه السلام فقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

اعتراضات قوم نوح

اعتراضات قوم نوح وقد كان الجدال بين نوح وبين قومه على النحو الآتي: الاعتراض الأول قالوا: يا نوح! إنك بشر والنبوة لا تكون في البشر، لو شاء الله أن يرسل نبياً لأرسل ملكاً. هذا هو الاعتراض الأول، ولذلك -إخوتي الكرام- أركز هنا على أمر هام إلا وهو بشرية الأنبياء والرسل، الأنبياء جميعاً بشر، ويترتب على هذه البشرية أنهم يمرضون، كما قال الله عن إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]، وأنهم يبتلون، كما قال الله عن يوسف: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف:42]، وأنهم يعملون، كما قال الله عن داود: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء:80]، كل ذلك ثابت في حق الرسل، وأنهم يتزوجون، وأنهم يصابون، فلقد أصيب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد بجرح في فمه فنزف الدم من فمه الطاهر عليه الصلاة والسلام، وشج رأسه وأخذ يمسح الدم من على وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم)، ويوم أن ذهب إلى أهل الطائف يدعوهم إلى العبادة والتوحيد، رموه بالحجارة وهددوه، وهذا هو حال الدعاة إلى الله في كل الأزمنة والعصور، يقذفون بالحجارة، ولكنهم يعطون رطباً جنياً كحال النخلة كما قال علماؤنا. هذا هو طريق الدعوة إلى الله، ليس مفروشاً بالورود، طريق الأنبياء والرسل، طريق البذل والعطاء، طريق التضحية بالنفس والمال والولد، طريق الأنبياء هو طريق الدعوة إلى الله عز وجل، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف والناس يرمونه بالحجارة، وزيد يتلقى كل حجر برأسه ليدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت الحجارة إلى قدم الحبيب محمد فأدمت قدميه، والحديث ضعفه بعض العلماء وصححه البعض، خرج من الطائف والدم يسيل من قدمه وهو يقول: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الرحمين أنت ربي ورب المستضعفين إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي)، وكذلك كان في غزوة الأحزاب يوم أن تحالفت كل قوى الشرك -كما يحدث الآن- على ضرب الدولة الإسلامية في مدينة رسول الله. أرسل اليهود وفداً من بني النضير يجوب القرى ويجمع الموافقات لضرب المدينة المنورة، ضربة واحدة لا يقوم للإسلام بعدها دولة أبداً، فجمعوا عشرة آلاف مقاتل، بينما كل من في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل عددهم إلى هذا الحد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف، إذاً: لا توازن في القوى: عشرة مقابل ثلاثة، ولكن النصر لا يأتي بكثرة العدد؟! إن الذي يملك النصر هو رب العالمين سبحانه، ولذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم واستشار أصحابه؛ لأنه لم يكن يوماً ينفرد بقرار، إن لم يكن في المسألة حكم شرعي فإنه يستشير أصحابه، ونزل على رأي سلمان وحفر خندقاً حول المدينة؛ ليحول بين قوة المشركين وبين دخول المدينة، ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصدار الأمر بحفر الخندق وجلس يتابع عن بعد الذين أصدر لهم الأمر لأنه الإمام، يقول البراء بن عازب وجابر بن عبد الله: نظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الأحزاب والتراب يعلوا صدره ورأسه، وأخذنا ننفض التراب عن رأسه، وكان الصحابة لشدة الجوع يربطون حجراً على بطونهم، فكشف الحبيب عن بطنه فإذا بحجرين على بطن رسول الله، هم يربطون حجراً وهو يربط حجرين، وإذا بالحبيب صلى الله عليه وسلم ينظر إلى وجوه أصحابه فيجد ألم الجوع في وجوههم فيقول (اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجرة فيجيبون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا). ويدخل النبي عليه الصلاة والسلام ويتضرع إلى ربه والصحابة نيام: (اللهم يا مجري السحاب ويا منزل الكتاب اهزم الأحزاب)، فإذا بالله عز وجل يرسل ريحاً على المشركين دون قتال: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. الاعتراض الثاني: أن الذين اتبعوه أراذل القوم، أي: ضعفاء فقراء، قال تعالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27]، يا نوح! الذين يتبعونك حفنة، شرذمة خارجة عن الشرعية وخارجة عن الحكم، فلماذا لا يتبعك الأسياد؟! الاعتراض الثالث: أنكم تريدون أن تكونوا أفضل منا. الاعتراض الرابع: أن قوم نوح يريدون أن يكونوا سادة وأن يكون الباقون تبعاً لهم، وقد ذكر القرآن الكريم هذه المجادلات والمحاورات، قال سبحانه: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود:32]، وذلك عند يأس نوح من إيمان قومه، فأوحى الله إليه: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا

الاستهزاء والسخرية بالدعاة دأب المجرمين

الاستهزاء والسخرية بالدعاة دأب المجرمين وعندما كان نوح يصنع السفينة بأمر من الله كان يجد الأذى من قومه، قال تعالى: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]، إذاً: سلاح السخرية من الموحدين سلاح قديم، كان في زمن نوح، فإذا مر بك أحد هؤلاء السفهاء يضحك على التزامك كلما أظهرت سنة لرسول الله، فتذكر قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29 - 31]. قال سبحانه عن نوح: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ} [هود:38] يعني: جماعة، {مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]. إن من أسباب الردة والخروج من الدين السخرية من شرع رب العالمين، أو التعريض بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليضحك الناس، وهذا دأب البطالين والسفهاء لا يجدون ما يضحكون الناس به إلا القرآن، وإلا السنة، يعرضون بحديث، أو بسنة، أو بقرآن؛ حتى يضحك الناس، وفي غزوة من الغزوات كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المنافقين فرأوا حملة القرآن وهم في طريق العودة فقالوا لهم: ما نراكم إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء، فإذا بالوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. وفي هذا العصر يكتب عربيد في أحد رواياته: الله في مدينتي مشرد طريد، الله في مدينتين تبيعه اليهود! الله سلعة عند هذا الكافر المرتد! وآخر يرسم كاريكاتير لرجل يركب الحمار، وتحت الحمار تسعة نسوة، ثم يكتب تحت الكاريكاتير هذا محمد وأزواجه التسعة! يسخر من سيد البشر محمد خاب وخسر، وتارة يسخرون من النقاب، وتارة من اللحية، ومن تقصير الثياب تارة، ومن صلاة الجماعة تارة: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29]، فإن ضحك عليك المجرمون فهنيئاً لك؛ لأنك على طريق الحق، ومن ضحك هنا بكى هناك ومن بكى هنا ضحك هناك، قال الله سبحانه: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:34 - 36]، ضحكوا هنا على عباد الله، فبكوا هناك بكاءً شديداً، بل زادهم الله على ذلك سواد الوجه قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:38 - 42]. {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]، يا نوح! أصبحت نجاراً بعد أن كنت نبياً رسولاً، يا نوح السفينة التي تصنعها متى ستسير؟ وأين الماء الذي ستسير عليه؟

نجاة نوح عليه السلام والمؤمنين وهلاك الكافرين

نجاة نوح عليه السلام والمؤمنين وهلاك الكافرين أوحى الله سبحانه إلى نوح بقوله: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود:36 - 37]، ثم جعل الله لنوح علامة يعرف بها قرب نزول العذاب، يقول ربنا سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] (التَّنُّورُ): هو مكان الخبز، (فَارَ التَّنُّورُ)، فهذه علامة على نزول العذاب، ثم أوحى الله إلى نوح أن: احمل في السفينة: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود:40]، وكلمة (وَأَهْلَكَ) هنا: يدخل فيها الولد وتدخل فيها الزوجة، لكن الله قال: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]. أيها الدعاة! لا تنتظروا إلى كثرة العدد فإن العدد لا يقدم ولا يؤخر، إن النبي قد يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، مع أنه بلغ، وأقام الحجة، ولكن كما قال الله سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272]، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22]. يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود:41 - 42]، أنزل الله الطوفان على الإنسانية في زمن نوح ولم ينج إلا عدد قليل، ثم أهلك الله الأرض ومن عليها، تقول بعض كتب التفاسير: إن الذين نجو مع نوح في السفينة اثنا عشر شخصاً، فالعبرة ليست بالكثرة، أرسل الله على الإنسانية طوفاناً من أعلى ومن أسفل، والله عز وجل له جنود لا يعلمها إلا هو، اسمع إلى قول الله: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:5 - 7] متتابعة، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7]. أرسل الله الطوفان فأغرق جميع أهل الشرك والكفر ولم ينج إلا من آمن مع نوح. يقول الله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:42 - 43] وهذا فيه إشارة إلى أن النسب الحقيقي هو نسب العقيدة والدين، نوح ينادي ربه ويقول: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45]، فيقول الله له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] هذا ولاء وبراء، أخوك الحقيقي هو من يحمل العقيدة التي تحملها، وإن كان أخوك لرحم وخرج عن دائرة الإيمان فهو ليس أخاك. يقول الله تعالى: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} [الممتحنة:4]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)، ولذلك يقول تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. أحبتي الكرام: إن مفتاح النصر لأمة الإسلام هو التضرع والدعاء لله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر، فإن كنا لا نملك شيئاً لإخواننا المسلمين الذي يعذبون الآن بيد إخوان القردة والخنازير فيجب علينا أن ندعو لهم: اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم اهلك عدوهم إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود

مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أحبتي الكرام! لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره الله عز وجل أن يستقبل المسجد الأقصى كقبلة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان لا يحب أبداً أن يشارك أهل الكتاب في شيء، كانوا لا يصلون في نعالهم وكان يصلي في نعله، وكانوا لا يغيرون البياض في لحاهم ورءوسهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بالتغيير، ولما أرادوا دعوة الناس إلى صلاتهم قالوا: نشعل ناراً كما تفعل اليهود، أو يدقون ناقوساً كما تفعل النصارى، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدق الناقوس أو أن يشعل النيران حتى نزل الوحي بالأذان، فكان يحب أن يخالفهم في كل شيء، ونحن الآن نوافقهم في كل شيء، وإن أردت أن تعرف هذا الواقع فصوب النظر يميناً أو يساراً فستعلم أننا نتبعهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (شبراً بشبر، وذراعاً بذراع). لما أمره الله أن يستقبل المسجد الأقصى امتثل النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الله، وامتثل من معه لأمر الله، وكان الأمر على غير رغبتهم، ولكني أقول: متى كان للمؤمن رغبة أمام أمر الله؟ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، ولذلك الدرس الأول من الاتجاه إلى المسجد الأقصى هو: الامتثال الفوري لأمر الله حتى وإن خالف الهوى، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى المسجد الأقصى وبعد أن ينتهي من صلاته يقلب بصره في السماء في أدب مع ربه عز وجل سائلاً الله أن يحول القبلة إلى المسجد الحرام؛ لأن اليهود قالوا: محمد تبع قبلتنا وغداً سيتبع ديننا، وأخذوا يرجفون في المدينة، فأنزل الله عليه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، فاستدار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: أنه مكث ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، قال ابن حجر في فتح الباري: إن كانت ستة عشر فيكون تحويل القبلة في نصف رجب، وإن كانت سبعة عشر فيكون التحويل في نصف شعبان على اختلاف بين الرواة. استدار النبي صلى الله عليه وسلم وصلى إلى المسجد الحرام، ووصل الخبر إلى اليهود وهم أساتذة في نشر الشائعات، قالوا: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-! إن كانت القبلة خاطئة فلم صليت إليها؟ وإن كانت صحيحة فلم تركتها؟ ثم أخبرنا عن حكم أصحابك الذين ماتوا وهم يصلون إلى المسجد الأقصى، فأنزل الله رداً عليهم فقال سبحانه: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة:142]، لذلك هناك كتاب يحمل عنوان: برتوكولات حكماء صهيون، والصواب أن يسمى: برتوكولات سفهاء صهيون، لأن الذي سماهم سفهاء هو الله، قال سبحانه: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} [البقرة:142 - 143]، أي: المسجد الأقصى {الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] أي: اختباراً للإيمان، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] يعني: صلاتكم. والبخاري لفقهه العالي في كتاب الإيمان يبوب أبواباً، فيقول: باب إقامة الصلاة من الإيمان، باب إلقاء السلام من الإيمان، باب إطعام الطعام من الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، أتدرون لماذا؟ ليجيب على المرجئة الذين قالوا: إن الإيمان قول بدون عمل، كما يقول بعض المسلمين اليوم إذا قيل له صل، فيقول: أنا لا أصلي لكن قلبي أبيض والحمد لله؛ لأن الإرجاء معناه: أن يؤخر العمل عن القول، فأراد البخاري أن يبين: أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، واعتقاد بالقلب.

العلم مناط التكليف

العلم مناط التكليف أحبتي الكرام! آخر درس -وهو هام جداً-: أنه كان في مسجد قبا جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون وما وصلهم خبر تحويل القبلة إلا في صلاة الفجر، يعني: أنهم صلوا العشاء والمغرب إلى القبلة القديمة: المسجد الأقصى، والقبلة قد تحولت إلى المسجد الحرام، لكن صلاتهم صحيحة؛ لأنهم يعذرون بعدم علمهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا المغرب والعشاء، يقول ابن كثير: فالعلم مناط التكليف، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، ولذلك ما أمرهم بالإعادة. ولذلك لما قرأ عدي بن حاتم قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فهم الآية فهماً خاطئاً، فأتى بخيط أبيض وأتى بخيط أسود ووضعهما تحت الوسادة، وجعل ينظر إلى الخيطيين فلا يميز فيأكل ويشرب، فظل يأكل ويشرب حتى تبين له الخيطان، فلما وصل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنك رجل عريض القفا، وإنما هو بياض الفجر وسواد الليل) ولم يأمره بإعادة الصيام؛ لأن الله قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، فالخطأ مرفوع عن أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. أحبتي الكرام! مخرج الأمة في العلم، ولا مخرج لنا إلا بالعلم، فتعلموا العلم الشرعي، عضوا عليه بالنواجذ؛ لأن المشكلة مشكلة عدم فهم للنصوص، فيوم أن نكون على علم لن تحدث الفرقة أبداً، ولن يحدث الاختلاف إلا بغياب نص أو بسوء فهم. أحبتي الكرام! وشهر شعبان من الأشهر المباركة التي كان يكثر من صيامها النبي صلى الله عليه وسلم، شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، ونحن على مقربة من شهر القرآن، شهر الصيام، شهر النصر، شهر الفتوحات. فاللهم إنا ندعوك ونحن في شهر شعبان أن تمكن لدينك في الأرض، اللهم مكن لدينك في الأرض، اللهم مكن لدينك في الأرض. اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، وانصر عبادك المستضعفين في أفغانستان، وانصر عبادك المستضعفين في كشمير، وانصر عبادك المستضعفين في البوسنة، وانصر عبادك المستضعفين في كل مكان، فأنت ربنا وأنت حسبنا، اللهم سدد رميهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم أيدهم بجنودك فإنك على ما تشاء قدير. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون. اللهم ارحم أطفال أفغانستان، وارحم نساء أفغانستان، وارحم شيوخ أفغانستان، برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم سلط على عدوهم الأمراض الخبيثة، اللهم أهلكهم بدداً، وأحصهم عدداً ولا تبق منهم أحداً، اللهم جمد الدم في عروقهم إنك على ما تشاء قدير وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ونعوذ بك من الذل بعد العز. اللهم مكن لدينك في الأرض. اللهم حرر الأقصى من الغاصبين، وحرر الأقصى من الظالمين، واكتب لنا فيه صلاة يا رب العالمين، فإنك على ما تشاء قدير. اللهم وفق الأمة لما تحبه وترضاه. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم ارحمنا إذا وارانا التراب، ارحمنا إذا فارقنا الأهل والأحباب، ارحمنا ونحن في القبور فراداً، وبيض وجوهنا عند سواد وجوه، وثبت أقدامنا على الصراط وأمنِّا عند الفزع الأكبر. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا حب القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا نور القرآن، وارزقنا بركة القرآن، واستر عوراتنا بالقرآن، وبارك في أرزاقنا بالقرآن، واحفظ أعراضنا بالقرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين، اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، ذكرنا منه ما نسينا. وارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين ظلموا ربنا إنك رءوف رحيم. اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العاقبة للمتقين

العاقبة للمتقين الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: أحبتي الكرام! هناك بعض المعاني الهامة جداً التي نريد أن نبينها، منها: أنه في غزوة الأحزاب -كما بينا- كان الذي جمع قوى الشرك هم اليهود، فبعد إجلاء يهود بني النضير من المدينة حقدوا على دولة الإسلام، فانطلقوا يؤلبون الناس على الإسلام والمسلمين، وهذا يشير إلى أن اليهود هم خلف كل فساد يقع على الأرض، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في وصفهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، ويقول سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، وقال ربنا سبحانه أيضاً في وصفهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109]. وهناك بعض ضعاف الإيمان يقولون: لو أن الحق مع المسلمين فلماذا لا ينصرهم الله؟ وهذا بلاء، وتمحيص، واختبار، ولكن ليعلم الجميع أن العاقبة للتقوى؛ لأن الله قال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، فالنصر للرسل وللمؤمنين الذين هم أتباع الرسل ولا شك، ولكن ما معنى النصر؟ قد يكون النصر بالقتل، فإن الغلام الذي جاء في قصة أصحاب الأخدود قتل وانتصرت دعوته، فيوم أن كان الغلام يتردد على الساحر والراهب -كما في صحيح مسلم - وسمع من الراهب ما سمع، وآمن بما يقول الراهب، وفي نهاية الحديث أنه قال للملك الظالم: إنك لن تقتلني إلا إذا فعلت ما أمليه عليك، فقال الملك: ماذا تريد؟ فقال الغلام: اجمع الناس في صعيد واحد، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإن فعلت ذلك فإنك قاتلي. هنا -أيها الإخوة الكرام- فعل الملك ما أملاه عليه الغلام، أمسك بالسهم وقال: باسم الله رب الغلام، وأطلق السهم فوقع في صدغ الغلام فوضع يده على صدغه فمات، فإذا بالحضور يقولون: آمنا بالله رب الغلام، فالغلام مات وانتصرت دعوته، فالنصر قد يأتي بعد الموت، وهذا مفهوم من مفاهيم النصر. وهذا زكريا عليه السلام نبي قتله اليهود، ويحيى عليه السلام كذلك قتله اليهود، والله يقول: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [غافر:51]، إذاً: إذا كان القتل لا يعني نصراً فقتل زكريا ويحيى يعني هزيمة، والله يقول: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]. والله عز وجل إذا أراد أمراً يسر له أسبابه، والعبد لا يعلم، ففرعون لما أخبر أنه سيولد في بني إسرائيل غلام سيكون على يده نهاية ملكه ماذا صنع؟ أصدر قانوناً بأن تتابع كل امرأة في بني إسرائيل، وهذا سلاح التحريات، فإذا وضعت ذكراً قتل، وإذا وضعت أنثى تركت، يقول ربنا في ذلك: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة:49]، وفي هذه الظروف وفي هذه الشدة، وفي وسط هذا القتل ولد موسى عليه السلام، يا فرعون! إن كنت رباً كما تقول فامنع ميلاد موسى، وليس ذلك فحسب وإنما سيربى موسى في بيتك وتحت يدك ويستمد قوته منك، أي: أنه سيكون صاحب حسب وقوة في مصر؛ لأنه تربى في بيت فرعون. يقول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7]. ولد موسى وامتثلت أمه لأمر الله فألقته في التابوت، فسار التابوت في البحر بأمر الله عز وجل حتى وصل إلى الشاطئ، والتقطه آل فرعون، فتح الصندوق فإذا فيه غلام، فاصدر فرعون أمراً بقتله، قالت امرأة فرعون: لا تقتلوه. -والفراعنة كثيراً ما يمتثلون لأمر نسائهم، فنشأ موسى في هذه الظروف وتربى، وكان على يده نهاية فرعون، من الذي رباه؟ فرعون، نشأ تحت عين من؟ فرعون، إن الله عز وجل إذا أراد شيئاً يسر له أسبابه.

اليهود وقلب الحقائق وكتمانها

اليهود وقلب الحقائق وكتمانها أحبتي الكرام: من دأب اليهود قلب الحقائق، كقصة الهيكل كما قلنا قبل، فالذي بنى المسجد الأقصى على الراجح هو داود عليه السلام، والذي جدد البناء ابنه سليمان، كما أن إبراهيم عليه السلام هو رفع قواعد المسجد الحرام، وليس هو أول بأن له إنما هو الذي رفع قواعده، كما قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:127]، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض للناس، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96]، وسليمان عليه السلام أعاد بناء المسجد الأقصى، فلما أتم بناء المسجد الأقصى بنى قصر الملك الذي يسمى: الهيكل بجوار المسجد، وأخذ فيه مدة أطول من بناء المسجد كما يقول العلماء، واليهود يزعمون أن المسجد الأقصى مبني فوق الهيكل، يعني: أن الهيكل هدم وبني مكانه المسجد الأقصى، فهم يريدون أن يهدموا المسجد الأقصى لأجل أن يقيموا الهيكل بدلاً منه، إذاً قصة الهيكل وأنه مكان المسجد الأقصى كذب وافتراء، فيا من تريدون الهيكل احترموا صاحب الهيكل، ومن صاحب الهيكل؟ إنه سليمان، ولكن ماذا يقولون في سليمان؟ في توراتهم في سفر التكوين أو غيره يقولون: لقد كان ابن داود ساحراً دجالاً، يتهمونه بالسحر والدجل، ولذلك قال ربنا في هذا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102]. ويقولون أيضاً: إن سليمان كان محباً للنساء، ويعشق النساء حتى إن محبته للنساء أنسته أن يبلغ الرسالة، ولذلك يسمونه بسليمان الحكيم ولا يعترفون بنبوته، فإن كانوا يريدون إقامة الهيكل فلماذا لا يوقرون صاحب الهيكل، لكنهم قوم لا خلاق لهم، يقول ربنا تبارك وتعالى عنهم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:100]، وكلمة (كُلَّمَا) تفيد الاستمرار والتجديد، ذهب نيتنياهو فجاء باراك، ذهب باراك فجاء شامير الإرهابي الذي قتل أبناءنا تقتيلاً، وبالأمس سحقت مدن كاملة في فلسطين، والأمة تكتفي بشعارات الشجب والاستنكار والمؤتمرات التي تصدر وصايا، ونتائج، ومقترحات. يا عباد الله! إن هذه الدماء أمانة في أعناقنا سنسأل عنها بين يدي الله عز وجل. أحبتي الكرام! في قصة نوح أردت أن أركز على معنى واحد، وهو أن سلاح نوح كان الدعاء، لم يكن مع نوح قنابل، ولا صواريخ، ولا أسلحة دمار شامل، ولا أسلحة كيماوية، ولا نووية، إنما كان مع نوح سلاح الدعاء، قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] فكانت الإجابة: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} [القمر:11 - 12]. ثم بعد أن أهلك الله من في الأرض: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود:44]، وهذا الأمر من الله إلى الأرض والسماء: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44]، (غِيضَ الْمَاءُ) يعني: جف الماء، وعندما تفتح أبواب السماء بالماء والأرض تتفجر عيوناً فكم هي المدة التي تحتاج إليها الأرض من أجل أن يجف الماء؟ إنها تحتاج لفترة طويلة، لكن الله قال: {وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود:44] يعني: جف، فالذي أمر الأرض أن تجف هو الله، والذي أمر السماء أن تفتح هو الله، فهو قادر على كل شيء. ولعل هذا البلاء خير للأمة حتى تستيقظ من غفوتها وتعود إلى ربها وتتضرع في سجودها، فقد جاء في الأثر: أن العبد قد يدعو ربه والإجابة تتأخر، فتقول الملائكة: يا رب! عبدك فلان -وليس هذا اعتراضاً، وإنما الملائكة تعرف أن هذا العبد صالح- فيقول الله عز وجل: أجلوا مسألته فإني أحب أن أسمع صوته، فالله عز وجل قد يريد بنا البلاء حتى يعود الناس إلى الله عز وجل.

قصة موسى وفرعون

قصة موسى وفرعون

هجمة علماني على الشريعة المطهرة

هجمة علماني على الشريعة المطهرة في الأسبوع الماضي وقع في يدي كتاب يحمل عنوان: (الفاشيون والوطن)، مؤلفه علماني صرف، معروف بعلمانيته، اسمه السيد القمني وأنا لا أعرف من هذا القمني، لما تقرأ في الكتاب تجد فيه طعناً مباشراً في سنة رسول الله، وطعناً مباشراً في دين رب العالمين، وسأعطيكم نموذجين فقط من كلامه، يقول: وحد الرجم حد تستنكره الطباع وترفضه المجتمعات وتأباه النفوس، لذلك ينبغي أن يلغى ذلك الحد من دين رب العالمين! يريد أن يلغي حد الرجم، وأحاديث الرجم متواترة صحيحة، والنبي قد رجم ماعزاً والغامدية، وعمر رجم، والصديق رجم، وتواتر حد الرجم، ولم ينكر الرجم إلا الخوارج؛ بل إن الرجم في التوراة: لما زنا رجل يهودي بامرأة يهودية وقرءوا في توراتهم فوجدوا أن حدهما الرجم، قالوا: هيا بنا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- لعلنا نجد عنده تخفيفاً. قالوا: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-! ما عقوبة الزاني المحصن عندكم؟ قال لهم: كما هي عندكم، قالوا: عندنا التعزير -يعني: ليس عندنا الرجم- وكان عبد الله بن سلام واقفاً، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بالتوراة. فأتوه بها فقام القارئ ووضع يده على نص الرجم، فقال ابن سلام: ارفع يدك، فإذا بحد الرجم، ولذلك قال ربنا: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة:43] (حُكْمُ اللَّهِ): الرجم، جاء القمني ليقول: لا رجم. الثانية: يقول: الطلاق كان قديماً يقع بالتلفظ؛ لأنه لم يكن هناك وثائق توثق الطلاق، أما الآن فأقول: إذا تلفظ الرجل بالطلاق على زوجته فلا ينبغي أن يقع إلا إذا وثق عند مأذون، وهذا طعن في الشريعة، ويقول: إن السنة جمعت بعد مدة طويلة، لذلك لا نأمن في نقلها؛ لأن الذين نقلوها رجال يصيبون ويخطئون ولا عصمة إلا للقرآن، أما السنة فليس لها عصمة، يريد أن يرد الناس إلى مصدر واحد، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في أمثال هؤلاء: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة:118]. أسأل الله تبارك وتعالى أن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، وأن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الإخلاص في القول العمل، وفي السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وثيقة حرمات لا حدود

وثيقة حرمات لا حدود بعد أن أكمل الله تعالى هذا الدين، وأتم نعمته على المسلمين اقترب أجل النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت خطبة الوداع التي تضمنت جملة عظيمة من الأحكام، وكانت وثيقة حفظ لحرمات المسلمين، ومن هذه الحرمات حرمة الدماء والأموال والأعراض، وبيَّن صلى الله عليه وسلم فيها أن كل أمور الجاهلية موضوعة، ومن ذلك الربا، فمن تعامل به بعد ذلك محقت بركة رزقه، فإنه سبحانه قد أعلن حربه على من تعامل به، وشواهد الزمان تصدق ذلك.

خطبة الوداع وما احتوتها من وثيقة حرمات

خطبة الوداع وما احتوتها من وثيقة حرمات الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:7]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، تنزه عن الزوجة والولد: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! ينبغي أن يكون الكلام موافقاً لمقتضى الحال، ونحن في هذه الأيام المباركة ينبغي علينا أن نعيش مع الحج؛ ولذلك سيتعلق الحديث بخطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، المعروفة عند العلماء بخطبة الوداع، أبلغ خطبة عرفها التاريخ، وأجمع خطبة جمعت فأوعت على جبل عرفة، وفي يوم التاسع من ذي الحجة، وبين المسلمين بعد أن أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وجاء الحق وزهق الباطل، وارتفعت راية التوحيد بعد أن أخرجوا من مكة أذلاء رغم إرادتهم، عادوا مرفوعي الرأس، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:81]، وشعارهم: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]. شاء الله عز وجل أن يرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم جهود ثمرة الدعوة في هذه اللحظات، فإلى أذن الدنيا نقول: وثيقة حرمات لا حقوق، إن كانت منظمات العالم تدعي اليوم أن هناك منظمات لحقوق الإنسان فنحن نقول: هي وثيقة حرمات وليست حقوقاً، يصدرها نبينا صلى الله عليه وسلم للدنيا بأسرها، نعيش مع بعض ملامحها ونتم في اللقاء القادم إن شاء الله.

حرمة الدماء

حرمة الدماء يقول عليه الصلاة والسلام: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)؛ لأنه استشعر اقتراب الأجل، والأدلة على ذلك ذكرها علماء السيرة من وجوه عديدة، فقال للناس وهو يؤدي النسك: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وقال لـ معاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن: (يا معاذ! لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا)، فهنا يقول: (اسمعوا عني فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، حرمة الدماء، وحرمة الأموال، وحرمة الأعراض. ثم قال لهم: (ألا إن كل شيء من الجاهلية تحت قدمي موضوع، ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي، ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، ثم قال: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم استحللتم فروجهن بأمانة الله)، ثم بين حق الزوج على زوجته وحق الزوجة على زوجها، ثم أصدر الأمر الخاتم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي). أيها الأحباب الكرام! وكل كلمة في هذه الخطبة تحتاج إلى لقاء، لكننا سنعيش مع اثنين من عناصرها: حرمة الدماء، وأكل الربا؛ وذلك لأننا نرى الاستهانة بأمر الدماء في هذا الزمن، ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أن دم المسلم دم لا يجوز أن يهدر بحال فقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). فالأول: القاتل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، ويوم أن ضاع هذه المعيار من الأرض استهين بأمر الدماء، فلو علم القاتل أنه سيقتل إذا قتل لكف يده عن قتل أخيه، وأول جريمة قتل وقعت على الأرض نعيش معها من خلال سورة المائدة، ثم ننظر إلى أحوال الأمة، فكل يوم نسمع ونرى بأعيننا موت الآلاف من الموحدين في بقاع الأرض، لم؟! بأيدي من؟ {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]، القتلى أطفال صغار، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل أصحابه إلى غزوة مؤتة أمرهم: ألا يقتلوا طفلاً ولا شيخاً وألا يقتلعوا شجرة من جذورها، وألا يهدموا صومعة على عابد أو متنسك، هذا هو الإسلام، أما هؤلاء فأباحوا دماء المسلمين. يقول ربنا في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} [المائدة:27]، الآيات تعلمنا منهجاً ألا وهو: الستر؛ لأن الأسماء لم تذكر في الآيات، فالقصص القرآني حق لا خيال كما يقول البعض، أو كما يقول أهل الكتاب: تعلمه من سابقيه، شبهات ألقوها في الآونة الأخيرة لا تصدر إلا من ضعاف العقول، يقولون: تعلم القرآن من ورقة بن نوفل، ومن بحيرى الراهب، وكان متزوجاً بأكثر من امرأة، وهذا يدل على أنه كان مزواجاً، هذه شبهات ركيكة لا ينبغي أن نلتفت إليها؛ لأن هؤلاء يقولون أقوالاً هم يعلمون أنها باطلة، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وعمره لا يتجاوز خمساً وعشرين سنة، وبقيت معه خديجة رضي الله عنها، وبعث إلى الناس وعمره أربعون، وظلت معه في مكة مدة العهد المكي ثلاث عشرة سنة، إذاً: من خمس وعشرين إلى ثلاث وخمسين لم يجمع زوجة على خديجة بل ظل زوجاً لامرأة واحدة، وبعد أن هاجر تزوج لأسباب دعوية، فهل بعد ثلاث وخمسين سنة يفكر الرجل أن يكون مزواجاً؟! أين كانت القوة في حال شبابه؟ {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء:78] حتى قال أحدهم: القرآن محرف، والدليل: أنه جاء بكلمة (الصَّابِئُونَ) مرفوعة، وجاء بكلمة (الصَّابِئِينَ) منصوبة، فهذا تعارض، ثم أخذ يدلل على إلاهية من يزعم أنه إله بأدلة من وحي الخيال. يقول: قال الله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، وقال عن ابن مريم عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ} [آل عمران:49]، فاشترك في الخلق عيسى مع الله، إذاً: هو إله، الله يخلق وهو يخلق. فيا عبد الله! أما تتوقف لحظة مع نفسك. إن الله يخلق من عدم، وابن مريم كان يخلق بأمر الله من وجود، لذلك قال: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} [آل عمران:49]، والله هو الذي خلق الطين، ثم قال: {بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49]، فلا يمكن أن نقول: إن معجزات عيسى عليه السلام التي أيده الله بها دليل على أنه الله، هل يكون هذا عاقلاً بحال؟! ومع ذلك تسربت هذه الأقوال إلى بعض شبابنا الآن وطرحو

حرمة المال وأحكام الربا

حرمة المال وأحكام الربا وفي آخر الوصية التحذير من الربا، فقد صحح علماء الحديث فيه أحاديث، منها ما صححه العلامة الألباني: (الربا أكثر من ستين باباً، أيسرها كأن ينكح الرجل أمه)، وحديث: (درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية) انظر -يا عبد الله- إلى حرمة الربا، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وعادة البنوك أن تحارب الله ورسوله، والله يقول: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]، ونحن الآن نرفع شعار الربا، ونقبل التعامل مع الربا في بيوعنا المتعددة: بيع العينة، بيع الملابسة، بيع المنابذة، بيع النجش، أو استبدال ذهب بذهب مع سداد الفرق، وكان آخر التعاملات التي ذاعت في وسطنا منذ أيام وصرحت بها الفتوى الدينار العراقي الأمريكي الجديد، فبعض الإخوة يأتون بملايين الدينارات أو بالآلاف، ويضاربون عليها إلى الوقت الذي يكون لها فيه سعر، فهل هذا مشروع يا عباد الله؟! إن أقل حكم فيه أنه بيع غرر غير معلوم القيمة، وليس له قوة شرائية تحوله إلى سلعة، وإنما أنت الآن تضارب على سعره بعد أن يكون له قيمة، لكننا تركنا الثوابت فتخبطنا يميناً ويساراً.

تعريف الربا لغة واصطلاحا

تعريف الربا لغةً واصطلاحاً الربا: هو الزيادة لغة، أما اصطلاحاً: فهو الزيادة عن أصل الدين مقابل المدة، أعطيتك ألف جنيه تسدد في الموعد المحدد، فإن جاء الموعد المحدد ولم تسدد فإن أي انتظار بعد ذلك بفائدة، والبنوك لا تفعل إلا ذلك، والله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، لم يقل: إن كان ذو عسرة فحملوه بالفوائد، بل الأمر المضحك أن رجلاً اقترض مبلغاً من بنك ربوي وعجز عن السداد، فظلوا يحسبون عليه فوائد إلى أن أصبحت الفوائد أكبر من المبلغ الذي اقترضه، فهم قد يسمونها فوائد أو عائداً؛ لأن من سمات أهل الضلال أن يسموا الأشياء بغير اسمها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275].

المخرج من الربا والحد من انتشاره

المخرج من الربا والحد من انتشاره إننا نريد إسقاط هذه التعاملات عن الواقع المؤلم الذي نعيشه، والذي دخل فيه الربا إلى غالب بيوت المسلمين، كذلك التأمين الزراعي لأريافنا، والتعاملات في القروض أو في الضمان البنكي إلى غير ذلك، فماذا نصنع؟ وما المخرج مما نحن فيه؟ إن من آخر الأحكام التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام أحكام الربا، كما قال بذلك علماء علوم القرآن، فآخر الأحكام نزولاً هي آيات الربا في سورة البقرة، والربا ذكر في سورة البقرة والروم والنساء وآل عمران، وأكثر الآيات تهييجاً وترهيباً قول ربنا سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]. قال قتادة: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً، علامة له على أنه آكل للربا، وجاء في البخاري في كتاب التعبير عن سمرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في بحر دم؛ كلما وصل إلى شاطئ البحر ألقم حجراً في فمه فيبلع الحجر، ويعود مرة ثانية ويسبح في بحر الدم) يسبح في بحر دم لأن غالب الربا يكون في الذهب والفضة، أي: في اللون الأحمر؛ ولذلك التعاملات في سوق الذهب تحتاج إلى ضبط شرعي؛ لأن غالب التعاملات تخالف الشرع، وفي حياتنا اليوم بيع الذهب بالتقسيط دون التقابض في مجلس العقد، وتبديل القديم بالجديد مع دفع الفرق، فكلها تعاملات ربوية. جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى التمر وقال: (يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟) أي: في جودته، (قال: لا يا رسول الله: إنما هذا تمر جيد استبدلناه بتمر رديء)، يعني: نعطيهم عدداً من التمر الرديء، ويعطوننا بدلاً عنه تمراً جيداً (قال: هذا عين الربا يا بلال!)، لذلك: (التمر بالتمر والفضل ربا). أيها الإخوة الكرام! إن ربا الفضل والنسيئة والتحذير من آكل الربا وبيان عقوبته هو الأصل الثاني في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا)، لكننا اليوم نصر على أن نخرج الربا من تحت قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم تعاملاتنا في بقاع الأرض.

مقارنة بين ربا الجاهلية وربا اليوم

مقارنة بين ربا الجاهلية وربا اليوم أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن كانت المنظمات العالمية تفتخر بأن لها وثائق لحقوق الإنسان؛ فقد أصدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وثيقة حرمات المسلم على المسلم في حجة الوداع، ونعيش مع بند من بنود هذه الخطبة، ألا وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، فما هو ربا الجاهلية؟ لنعقد مقارنة بين ربا الوقت المعاصر وربا الجاهلية، وبذلك سنظلم ربا الجاهلية؛ لأننا في ربانا فقنا الجاهلية كما فقنا الجاهلية في تبرجنا، فربنا قال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فتبرج الجاهلية أن المرأة كانت تلبس جلباباً، وتظهر جزءاً يسيراً من رقبتها أو صدرها فقط، هذا هو تبرج الجاهلية، لكن اليوم إن نظرت يميناً ويساراً ستجد المرأة لا تلبس شيئاً، فهي كاسية وفي ذات الوقت عارية، إن لبست تلبس ما يجسد العورة المغلظة، فنحن الآن نتمرغ في جاهلية تفوق الجاهلية الأولى في بعض صورها، وليس معنى ذلك: أن المجتمع الجاهلي لا يفهم شيئاً، لكن فيه جاهلية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر الغفاري عندما عير صحابياً بلونه فقال له: يا ابن السوداء! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، على قدم إسلامه، وكبر سنه لا يزال يعاني من آثار الجاهلية، فرغم تقدم الحضارات وتقدم المدنية إلا أنها ما زالت تتمرغ في وحل الجاهلية. من بعض المعاملات الحديثة نظام الفيزا بنك ونظام تمليك العمارات قبل أن تكتمل، كأن تبيع السمكة في الماء، أو الطير في الهواء، فهذا يسمى عند العلماء: بيع الغرر أو بيع الجهالة أو بيع المعدوم، ومعناه: بيع ما لا تملك، كأن تقول: أنت -إن شاء الله- ستحصل على الدور العشرين، وهو لا يزال في الدور الأرضي، فتكتب العقد على الدور العشرين، ويدفع هو ثمناً مقدماًً أو يتعاقد معك، هل عاين ما سيحصل عليه؟ هل تم البناء في الفعل؟ هل ملكت هذه السلعة حتى تتحكم أو تمتلك البيع؟ فلا يجوز أن تبيع إلا ما تملك، ولابد أن تملك قبل أن تبيع، فصور الربا تتعدد في كثير من معاملاتنا، فقد يحتاج هذا الرجل إلى سلعة، وليس معه الثمن، والآخر معه أموال، فالذي معه أموال يشتريها له ويقسطها، فيذهب الاثنان معاً إلى تاجر الجملة فيحصل على السلعة نقداً، ثم يقسطها على المشتري تقسيطاً، هل الذي باع السلعة ملكها؟ ما ملكها، كل الذي فعله أنه وسط المال ورابى، يعني: زاد على أصل المبلغ الذي حصله. أما ربا الجاهلية في أبسط صوره فهو أنه كان الرجل يقرض الرجل مبلغاً من المال، ويحدد له أجلاً للسداد، فإذا جاء الأجل المحدد ولم يستطع المدين أن يسدد ما عليه يمهله الدائن مقابل إضافة مبلغ آخر، وكلما تأخر المدين كبل بفائدة، وقد كانوا في الجاهلية الأولى يحملون المدين مبلغاً طفيفاً، لكن ربا اليوم فوائد مركبة، كلما تأخر أكثر زاد المبلغ، والبعض يقول: في نظام الفيزا بنك يحصل العميل على مبلغ من المال، فإن سدده في المدة التي يحددها البنك فلا فوائد عليه، وإن تعسر عن السداد يتحمل فوائد، فيقول العميل: أنا سأسدد في المدة المحددة. ف A أنت قبلت شرط الربا، وهو أنك إذا تأخرت ستتحمل فائدة إضافية، وهذا هو عين الربا؛ ولذلك في الحديث: (يأتي على أمتي زمان من لم يأكل فيه من الربا يصبه من غباره)، فغبار الربا قد عم الجو، وأصبح يسود العالم أجمع في التعاملات الربوية.

التدرج الشرعي في تحريم الربا

التدرج الشرعي في تحريم الربا إن المتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أن الربا كالخمر في تحريمه، ويسميه العلماء التدرج في التشريع، والتدرج في التشريع ليس معناه: أن نأخذ بالتدرج في الأحكام، فإن الحكم الآن قد استقر في قوله تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279]، فهذه آخر الآيات نزولاً في الربا. وانظر إلى التدرج في تحريم الربا، فقد حرم الربا في المدينة ولم يحرم في مكة، شأنه شأن الخمر، لكن بعض الناس يمر على آية تعتبر مرحلة من مراحل التحريم ويجعلها حكماً، فهؤلاء يتخبطون في فهم النصوص، مثلاً: الجهاد له مراحل تدرج في فرضه، فلا ينبغي أن نأتي إلى مرحلة من مراحله ونجعلها حكماً، كذلك حكم الخمر حرام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90]، وهي آخر آية نزلت في الخمر، فإن استدل مستدل بقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43]، نقول له: هذه مرحلة من مراحل التحريم؛ لأن النفوس البشرية لا تحتاج إلى قهرها مرة واحدة، بل لا بد من التدرج، وهكذا حدث التدرج في الربا في سورة الروم، ثم في سورة النساء، ثم في سورة آل عمران، ثم ختمت بسورة البقرة. ففي سورة الروم: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} [الروم:39]، وليس هذا نصاً بالتحريم، إنما هو لفت الانتباه إلى بشاعة الربا، أي: تحريك القضية في العقول. ثم جاءت سورة النساء لتبين أن الربا حرم في شريعة اليهود، فالربا محرم في كل الشرائع السماوية، قال الله سبحانه: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء:161]، فاليهود هم أكلة الربا. ثم جاءت بعد ذلك سورة آل عمران التي يستدل البعض بها الآن -وهو خطأ- بعمد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، فيقولون: إن الله عز وجل حرم الربا إذا كان أضعافاً مضاعفة، أما إن لم يكن أضعافاً مضاعفة فهو حلال. يقول علماء الأصول: إذا كان الكلام يقر واقعاً فليس له مفهوم مخالفة، كقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31]، فرجل قال: سأقتل ولدي، لكنني لن أقتله خشية إملاق، سأقتله من غنى! فيبيح لنفسه أن يقتل، ويعلق النص على قضية خرجت مخرج الغالب، وعلى هذا المنوال فهم البعض في قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور:33]، فلا يفهم أن القانون الوضعي يحرم الزنا أكثر من القرآن؛ لأن القرآن قال: {وَلا تُكْرِهُوا} [النور:33]، فهو كلام خرج مخرج الغالب، وكقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23]، قالوا: هي بنت الزوجة، فإن كانت في الحجر تحرم، وإن لم تكن في الحجر لا تحرم، نقول: بل تحرم أيضاً، لكنه ذكر (فِي حُجُورِكُمْ)؛ لأن غالب الربائب يكن في الحجر. فالمرحلة الثالثة في تحريم الربا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]. فجاءت الآية الرابعة في سورة البقرة، وهي آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الربا، يقول: الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275]، ثم جاءت الآية: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276]، فحدثوني عن رجل تعامل بالربا ولم تذهب بركة تجارته، وسبحان الله، لما تحدثنا عن الربا انهالت الأسئلة في التعاملات التي سادت في معاملتنا المعاصرة.

ذكر ما تعمله البنوك الربوية مع عملائها

ذكر ما تعمله البنوك الربوية مع عملائها بنوك الإسكان -مثلاً- تعطي الشاب شقة بفائدة مقدراها 3% ربا، و 17% ربا، وفي حالة الإيداع في البنوك الربوية إن أودعت مبلغاً تعطيك فائدة مقدارها 8%، وفي حالة الإقراض إن اقترضت منها تحصل منك على فائدة مقدارها 18%، إذاً: في حالة الإيداع 8%، وفي حالة الإقراض 18%، الفرق 10%، هذا هو عمل البنوك، استغلال لحاجة المسلم في حالة إقراضه وأخذ الأموال من المودع؛ ولذلك اجتمع في جدة (33) عالماً مسلماً وأصدروا بياناً بحرمة فوائد البنوك الربوية؛ وذلك ليردوا على من أباحها دون أن يتقي الله عز وجل، فإنه إن لم تكن فوائد البنوك ربا فما هو الربا يا عبد الله؟! كذلك بنوك الائتمان الزراعي تعطي الفلاحين في القرى أسمدة بالأجل، فإن تعسر عن السداد ألزموه بفوائد مركبة، يعني: الزيادة مقابل عدم السداد، هذا هو عين الربا. أما صندوق الزمالة في النقابات المهنية فإنهم يأخذون منك مبلغاً من المال ويضعونه في البنوك بفوائد، وعند استلامك لمرتبك أو حدوث مصيبة لك يعطونك مبلغاً إما أن يكون أكثر أو أقل من الإيداع. كذلك مصلحة التأمينات في كل النقابات، والتأمينات التي نراها الآن: التأمين على الحياة، والتأمين ضد خطر الوفاة، بل إن بعض المطربين أمن على الحنجرة، وعلى الأحبال الصوتية، كذلك التأمين على التجارة، والتأمين ضد خطر الحريق، وعقد التأمين عقد غرر وجهالة في أصله، فالعلماء أفتوا ببطلان عقد التأمين، حيث تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ من المال للمؤمِّن في حال وقوع الضرر، والإسلام يلزم الذي تسبب في الضرر بالضمان، لكن في التأمين الذي تسبب لا يدفع شيئاً، والذي يدفع هو شركة التأمين، وإما أن تعطيك مبلغاً من المال أو لا تعطيك، وإما أن تعطيك أقل، فالمبلغ الذي ستأخذه مجهول، فعقد التأمين فيه أربعة عناصر حرمته: فيه عقد غرر، فيه ربا نسيئة، فيه أن الضمان على شركة التأمين وليس على المتسبب في الضرر. معاملات حديثة كثيرة في حياتنا نقبلها وهي عين الربا، ففي سوق الذهب مثلاً يذهب الرجل أو المرأة إلى بائع الذهب ويعطيه الذهب القديم فيزنه، ثم يأخذ منه ذهباً جديداً ويدفع الفرق، وهذا ربا؛ لأن المعاملة تكون يداً بيد، ومثلاً بمثل، فأنت عليك أن تبيع الذهب القديم وتقبض ثمنه، ثم تشتري بالثمن ذهباً جديداً، هذا هو التعامل؛ فاستبدال ذهب بذهب مع دفع الفرق يسمى ربا الفضل، كما في الحديث: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والملح بالملح والفضل ربا، والبر بالبر والفضل ربا)، وإن اختلفت الأجناس فبع كيفما شئت، ولذلك اسمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا، ومؤكله، وشاهديه، وكاتبه)، فالجميع في اللعنة سواء، فأين نحن من شرع ربنا عز وجل في تعاملاتنا أيها الإخوة الكرام؟!

البيوع المحرمة

البيوع المحرمة لابد أن ننظر إلى أنواع البيوع المحرمة، منها: بيع النجش، وبيع النجش هو المزايدة في الوكالات، والمزايدة حلال في أصلها، والصورة المحرمة هي أن صاحب الوكالة يشجع على البيع بخمسة لا يبيعون ولا يشترون؛ فيدخل الأول المزاد ويقول: سأشتريها بعشرين جنيهاً، وهو لا يشتري ولا يبيع، وإنما يرفع السعر على أخيه المسلم، وفي آخر الأمر يقبض من صاحب الوكالة أجرته، هذا هو بيع النجش وهو حرام. كذلك بيع العينة حرام، وبيع العينة مثلاً أن رجلاً يحتاج إلى مبلغ من المال، وأصحاب الأموال -كما تعلمون- يخشون أن تخرج النقود فيصابون ببرد، فلابد أن يستدفئوا بأموالهم، والمكروب يسعى إلى تفريج كربه، لكن لابد أن يعمل مشروعاً، فيقابل أحد هؤلاء الذين يحتالون على شرع الله، فيقول: أنا أعرف طريقة تحصل بها على المال دون مشقة، عليك أن تذهب إلى تاجر سيارات وتشتري منه ما تحتاج ثم تحرق السلعة ببيعها ممن اشتريتها منه بسعر أقل، يعني: يشتري منه السيارة بعشرين ألف، ويبيعها له هو بعشرة آلاف أو خمسة عشر ألف، وكأنه أخذ الخمسة عشرة ألفاً بعشرين ألفاً ووقع على إيصالات مقابل السداد لعشرين ألفاً، ثم يبيعها له، هذا هو بيع العينة، فإن باعها إلى غيره سماه العلماء التورق، وهو أن أحصل على السلعة، وأنا لا أريد سلعة وإنما أريد مالاً، ثم أبيع السلعة من تاجر آخر لا من نفس التاجر، وأقل الأقوال فيه الكراهة، لكن ابن القيم في إعلام الموقعين ذهب إلى حرمته؛ لأن الأعمال بالباعث والإرادة، وهو لم يرد سلعة، وإنما أراد مالاً. وأساتذة الاحتيال على شرع الله حرم الله عليهم الصيد في يوم السبت، قال تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف:163]، واشتاقوا لأكل السمك، ورأوا السمك بأعينهم يخرج فوق سطح الماء في يوم السبت، وباقي أيام الأسبوع يختفي السمك، فربطوا الحيتان من رءوسها في يوم السبت، وجعلوا طرف الحبل عندهم في بيوتهم بحيث إذا مر السبت لم يصطادوا، حتى إذا كان يوم الأحد جذبوه، يعني: قيدوا حركة السمك في يوم السبت وقالوا: نحن لم نصطد يوم السبت، فماذا صنع الله بهم؟ مسخهم إلى قردة، يقول ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة:65]. لذلك داروين اليهودي الأصل نظر إلى هذه القضية في الكتب السماوية فعلم أن أجداده قد مسخوا قردة وخنازير، فوضع نظرية تسمى: نظرية النشوء والارتقاء، وفحواها أن الإنسان كان في الأصل قرداً، ثم تطور إلى أن أصبح إنساناً، فـ داروين عنده عقدة من القرود؛ وذلك لأن جده قرد، فوصف البشرية بأنها كلها قرود. فالمهم أن نتقي الله سبحانه وتعالى في شرائنا وفي بيوعنا، فإذا اشتريت قميصاً واشترط عليك البائع ألا تفتح القميص، فيعطيك إياه في الكيس دون فتح، وتدفع دون أن تنظر إليه فإن هذا لا يجوز؛ لأنه يشترط في البيع أن تعاين السلعة معاينة واضحة، فلا تشتر المجهول. وهكذا يترتب على عدم تطبيق شرع الله المشاكل، البيع والشراء لابد أن يكون لأجل معلوم، وبسعر معلوم، ولا تشتري دون أن تحدد السعر، وأن تشتري ما يملكه البائع، فهذه كلها تعاملات في حياتنا دخلها الربا دون قصد أو بقصد، فالله الله في تعاملاتكم، عضوا على سنة رسولكم صلى الله عليه وسلم بالنواجذ، فقد قال: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي).

فضل الأيام العشر الأولى من ذي الحجة وأحكام الأضحية

فضل الأيام العشر الأولى من ذي الحجة وأحكام الأضحية هذه الأيام المباركة قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام العشر -أي: العشر الأوائل من ذي الحجة- قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بأهله وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). والمقصود: أن العمل الصالح في هذه الأيام المباركة يضاعف أجره، وكلمة العمل الصالح عامة تجمع كل العمل الصالح، فالصيام من العمل الصالح، وقراءة القرآن من العمل الصالح، وقيام الليل من العمل الصالح، والذكر من العمل الصالح، والتكبير من العمل الصالح، والإنفاق من العمل الصالح، ففي هذه الأيام المباركة لابد أن نضاعف الأعمال الصالحة، (فما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام العشر)، وكفى أن نعرف أن في هذه الأيام يوم عرفة، وهو خير يوم طلعت فيه شمس العام، روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر سنة ماضية وسنة باقية)، فأي مسلم لا يحرم نفسه من هذا الفضل الكبير. أما نسك الأضحية ففي يوم النحر أو أيام التشريق، والمعنى: أن الأضحية تذبح بعد صلاة العيد، فمن ذبحها قبل الصلاة لا تجزئ، فإنما هو لحم قدمه لأهله، وعليه أن يذبح مرة أخرى، ولا يجزئ أن يقدم الغني مالاً بدلاً من الأضحية؛ لأن المقصود إراقة الدماء؛ ولذلك سمي بيوم النحر، وفي الحديث: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين) وضع رجله الطاهرة على صفاحهما وذبح الأول بيده وقال: (اللهم إن هذا عن محمد وعن آل محمد)، وذبح الثاني عن فقراء المسلمين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء في حديث آخر: (أن السيدة عائشة وزعت اللحوم ولم يبق في بيتها إلا كتف، فلما سألها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! ذهبت كلها ولم يبق إلا كتفها. قال: يا عائشة! بل بقيت كلها، ولم يذهب إلا كتفها)، {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]، فيا ليتنا نعيش هذا المعنى. ويجزئ في الأضاحي من الضأن الذي له من ستة أشهر، ومن الماعز ماله سنة، ومن الإبل ماله خمس سنين، ومن البقر ماله سنتان، ولا يجزئ من الأضاحي العوراء البين عورها، ومن باب أولى العمياء، ولا العضباء التي كسر أحد قرونها، ولا الهزيلة ولا المريضة، ولا الجرباء كما قال العلماء، أي: أن الأضحية لابد أن تكون سليمة؛ لأنك تقربها إلى الله عز وجل، فينبغي أن تقرب من طيب مالك، قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]. والمركز الإسلامي يقوم على هذه النسك بفضل الله سبحانه، والفقير -كما تعلمون- لا يأكل اللحم إلا في عيد الأضحى، فقد قرر المركز أنه من أراد أن يذبح أضحية يتوجه إلى قسم الصدقات، ويحصل على إيصال يسمي فيه ما يريد من ذبح أضحية؛ لأن ذبح الأضحية له شروط، وإذا أراد أن يتصدق بمبلغ يسير لشراء لحم للفقراء والمساكين فهذا أمر آخر. ففي هذه الأيام المباركة ينبغي أن نضاعف الأعمال الصالحة، فقد كان ابن عمر إذا دخل السوق في العشر الأوائل من ذي الحجة كبر فيكبر الناس لتكبيره، فيرتج السوق بالتكبير، قال تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:34]. فما أحوجنا أن نعود إلى ربنا، وأن نجدد التوبة والاستغفار، وأن نندم على فعل المعاصي، فلا ندري هل يمتد بنا الأجل لنشهد العشر الأول مرة أخرى أم أن أعمارنا قصيرة، فإن الآجال بيد الله، فكم من غال واريناه التراب، وكم من صديق فارقنا، وهكذا الدنيا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا. اللهم إنا نسألك يا ربنا! عيشة رضية، وميتة سوية، ومرداً غير فاضح. اللهم إنا نسألك أن تستر عوراتنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين بقوتك يا قوي يا متين. اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين. اللهم أرنا في اليهود آية فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين. اللهم ارزقنا قب

الدروس المستفادة من قصة ابني آدم

الدروس المستفادة من قصة ابني آدم قصص القرآن الكريم فيها العبر والدروس والعظات، لا يلحظها إلا صاحب العقل والقلب السليمين، وايم الله ما من أمة هلكت بعذاب الله إلا وكانت المعاصي هي السبب الرئيسي في إزالتها، وأول ذنب عصي الله به في السماء والأرض هو الحسد، فهو سبب كل بلاء يقع على وجه الأرض، وقصة قتل ابن آدم لأخيه خير دليل على ذلك.

ما يستفاد من قصة ابني آدم

ما يستفاد من قصة ابني آدم الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3] خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، وعلمنا من جهل {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78]. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! قصتنا اليوم: الدروس المستفادة من قصة ابني آدم. القصة وردت في سورة المائدة، وفيها دروس وعبر كثيرة؛ والمؤمن يتعظ بحال السابقين: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111]. فأصحاب العقول هم الذين يستنبطون العبر والعظات، ويتعظون بحال غيرهم حينما يُذكّرون، يقول الله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا} [المائدة:27 - 31]، والغراب من الفواسق الخمس التي تُقتل في الحل والحرم بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالله أرسل فاسقاً ليعلّم فاسقاً، قال تعالى: ((فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)) أي: جثة أخيه المتغيرة بالموت لكراهتها {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31].

تلاوة الآيات التي فيها قصة ابني آدم على اليهود دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

تلاوة الآيات التي فيها قصة ابني آدم على اليهود دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة أيها الأحباب! خطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ)) مأمور من الله عز وجل أن يتلو على من حوله جميعاً ما أوحاه الله إليه، فالتلاوة على اليهود تبيّن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن قصة ابني آدم وردت في التوراة، ووردت في الإنجيل، وجاء القرآن مهيمناً على الكتب السابقة، فلو أن أهل الكتاب عقلوا قليلاً لعلموا أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدّق ما في أيديهم إن كانوا يعقلون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14].

وجه عدم الاعتناء بالأسماء التي لا تؤثر في مضمون القصص في القرآن

وجه عدم الاعتناء بالأسماء التي لا تؤثر في مضمون القصص في القرآن إن القرآن له منهج يختلف عن الكتب السابقة في قصصه، فمن منهج القرآن عدم الاعتناء بالأسماء التي لا تؤثر في مضمون القصة، وفي الكتب السابقة ذكر أسماء ابني آدم، ومما يدل على أن القرآن لا يعتني بما لا يؤثر في القصة قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص:20] ما هو اسم الرجل؟ اسم الرجل لا يؤثر، أصحاب الكهف كم عددهم؟ عددهم لا يؤثر، قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} [يوسف:39] من هم أصحابه في السجن؟ هذا لا يؤثر. فالقرآن منهجه عدم الاعتناء بالأسماء طالما أنها لا تؤثر في مضمون القصة، كذلك عدم الاعتناء بالأرقام والصفات، {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة:73] ببعض البقرة برأسها أو بذيلها أو بقدمها بأي جزء منها لا يؤثر، والله قال لموسى عليه السلام: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه:12] ما صفة النعلين؟ ما طولهما؟ ما طبيعتهما؟ لا يؤثر، فهذا يعلمنا أن نعتني بما يؤثر. قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة:27] ففي كتب السابقين: قابيل وهابيل، ولم يثبت عندنا نص صحيح من رسولنا صلى الله عليه وسلم في شأن اسمي ابني آدم. والإسرائيليات معناها باختصار: القصص التي جاءتنا من كتب السابقين، وهي على ثلاثة أقسام، إما أن تكون الإسرائيليات توافق شرعنا فهذا نقبله، فقصة الأبرص والأقرع والأعمى من قصص السابقين، وقصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً من قصص السابقين، وقصة غلام أصحاب الأخدود من قصص السابقين، وهذه القصص جاءت على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا هو القسم الأول من الإسرائيليات. القسم الثاني: إسرائيليات تعارض ما عندنا من الشرع، ترد ولا تقبل. القسم الثالث: إسرائيليات مسكوت عنها عندنا، يقول في حقها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نصدقهم ولا نكذبهم). فهذا هو منهجنا في تلقي الإسرائيليات، أما الإسرائيليات التي تصطدم مع شرعنا فكثيرة وعديدة، الأمر الذي دفع بعض علمائنا إلى أن يفند للإسرائيليات مصنفات: الإسرائيليات في كتب التفاسير، الإسرائيليات والموضوعات في التفاسير للشيخ أبي شهبة؛ لأنك تقرأ أن داود عليه السلام في كتب التفاسير أحب زوجة رجل من جنوده، فأراد أن يتخلص من زوجها فجعله في مقدمة الجيش؛ لأنه أراد أن ينفرد بها! فهل هذا يليق بنبي؟ لا يمكن أن يُقبل. وتقرأ أن يوسف عليه السلام خلع سرواله، وهم بامرأة العزيز ليزني بها ويقع عليها، لولا أن رأى جبريل يعض على يده على هيئة أبيه، فهل تقبل هذا يا عبد الله؟! لا تقبله، حتى وإن ذكر عند ابن كثير والطبري والقرطبي لا يُقبل، فهذه الإسرائيليات مرفوضة؛ لأنها تسللت إلى كتب التفاسير فسماها العلماء الدخيل في التفسير، أي: الذي يصطدم مع أصول شرعنا، فلا نقبل بحال أن يُقدح في عصمة نبي، كذلك يقولون: إن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بيت زيد بن حارثة ليسأل عنه، فخرجت زينب بنت جحش، فرفعت الجلباب عن قدميها وعن ساقها، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسن ساقها، فوقعت في نفسه، فأمر زيد أن يطلقها لينفرد بها، هل هذا يقبل في حق رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وبعض الناس حاطب ليل يجمع دون تمييز. فيا عبد الله! إن الأمة الإسلامية مستهدفة، فقد وضع لها الأعداء إسرائيليات موضوعات مكذوبات تصطدم مع ما في شرعنا.

تقرب العبد بأجود ما يملك لربه دون ما سواه

تقرب العبد بأجود ما يملك لربه دون ما سواه قال تعالى: ((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا)) ما العلة من تقديم القربان؟ روى الطبري بسند ضعيف عن السدي: أن آدم كان يُنجب من زوجته في كل بطن ولداً وجارية، ولا تتزوج الجارية الولد التي ولدت معه، وهذا الأمر أيضاً في كتب السابقين، ففي شرعنا رواه الطبري في تفسيره وفيه ضعف؛ إذ إن المسافة بين السدي راوي الحديث وبين قصة ابني آدم لا يستقيم معها القبول؛ لذلك نكتفي بما ورد في القرآن وبما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ((قَرَّبَا قُرْبَانًا)) والقربان إلى الله عز وجل، فهذا قرب قرباناً، وهذا قرب قرباناً، وعلامة قبول القربان بنص القرآن: أن تنزل نار من السماء فتأخذ القربان الذي تقبّله الله، فعمد الصالح إلى أجود ما يملك، فهذه علامة الصلاح أن يجعل العبد لربه خير ما يملك، وبعض طلاب العلم يقول: أنا لن أذهب إلى الدروس إذا لم يكن عندي وقت، ولن أحصل على العلم إلا لو تفرغت في وقت. وأحد السائلين يقول: يا شيخ! أنا مدرس للدروس الخصوصية والحمد لله، وأدرس مجموعات كثيرة، مجموعة تلو مجموعة، وليس عندي وقت للصلاة، فهل يجوز أن أجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد صلاة العشاء؟ أقول: هذا رجل يريد للشرع أن يوافق هواه، جحدري جيفة بالليل وحمار بالنهار، يريد للشرع أن يوافق أعماله، كلا، إنما ينبغي أن تستقيم حركة الحياة على حساب شرع الله. فلو أننا نظرنا في ظروف كل واحد منا لاختلفت، فنحن يا عباد الله! لا بد أن نجعل لله ما نحب في أوقاتنا، وفي أولادنا، فإن ولد الواحد منا إذا جاء بنسبة 99% دفع به للطب والصيدلة والهندسة، وإن جاء بمجموع ضعيف وكان الولد غير متفوق في دراسته دفع به لحفظ القرآن وتعليمه؛ ليقرأ القرآن للناس ويأخذ مقابلاً: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62] فليس هذا من صفات المؤمنين، بل من صفات المؤمنين أن يقدموا أفضل ما يملكون لربهم عز وجل. أخرج البخاري في صحيحه في كتاب العلم باب التناوب في طلب العلم: قال عمر بن الخطاب: تناوبت أنا وجار لي من الأنصار، قال له عمر: أنت تسمع الحديث من رسول الله يوماً وتبلغني ما سمعت، وأنا أتخلف عن السوق يوماً وأسمع وأبلغك ما سمعت. هذا معناه: التناوب في طلب العلم، لكن أن تجعل الأوقات كلها للدنيا ولا وقت للعلم ولا لرضا ربك سبحانه! فإن هذا يا عبد الله! لا يستقيم، فإن ابن آدم الصالح عمد إلى أجود ما يملك فقربه إلى الله، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني ثلاثة: رجل ملك بضع امرأة ولم يبن بها)، أي: أنه عقد الزواج، لكنه لم يدخل عليها، (ورجل بنى داراً ولم يرفع سقفها)؛ لأنه يريد أن يسكن الدار فهذا يشغله عن أمر الجهاد (ورجل ملك خلفات)، أي: ماعز (وينتظر نتاجها) وما في بطنها. فغزا هذا النبي على بركة الله، وقد بدا له النصر بعد صلاة العصر، وكان في شريعته لا يجوز أن يقاتل بالليل إذا غربت الشمس، فبعد أن اقترب من الفتح اقتربت الشمس من الغروب، فتوجه إلى الشمس قائلاً: أنتِ مأمورة وأنا مأمور، أنتِ مأمورة بالغروب بأمر الله سبحانه، وأنا مأمور بالجهاد في سبيل الله سبحانه، اللهم أمسكها علينا -احبسها- فلا تغيب، حتى يكتمل لنا الفتح، فأخّر الله الشمس عن الغروب، والحديث في الصحيحين، فلما فتح ما أراد جمع الغنائم من المعركة التي كان فيها، وكانت تنزل نار من السماء لتأخذ هذه الغنائم؛ لأن الغنائم لم تحل إلا لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأحلت لي الغنائم)، فالغنائم في شرع السابقين حرام، فنزلت النار لكنها امتنعت عن أخذ الغنائم، وهذا معناه في شرعهم: أن في الغنائم سرقة، أي: أن أحداً من الجنود الذين اتبعوه تسلل إلى الغنيمة، وأخذ منها بغير وجه حق، وفي الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع أصحابه يقولون: (يا رسول الله! هنيئاً لفلان الجنة فقد مات في أرض المعركة، ولم يترك شارداً ولا وارداً ولا أحداً من المشركين إلا أجهده، فقال صلى الله عليه وسلم) اسمعوا يا من تأكلون أموال الأمة سحتاً وظلماً! (إن الشملة التي أغلها -أخذها من غنائم الحرب بغير حق- لتشتعل عليه الآن ناراً)، هذا غل شملة، فما بالك فيمن يسخّر السيارات والوظائف لمصالحه الشخصية؟! فما بالك بمن يسرق الملايين من حقوق الكادحين؟! ما بالك يا عبد الله؟! ماذا سيقول لربه؟ إن الشملة التي غلها: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]، أي: يوم القيامة يحمل فوق رأسه ما غل، فالذين يغلون العمارات كيف يحملونها؟! لما رأى يوشع أن النار لم تنزل إلى الغنائم قال لأتباعه: فليخرج من كل قبيلة قائدها ويصافحني، فالتصقت يده بيد رجلين من ال

عدم إدراك الحق بسبب الذنوب

عدم إدراك الحق بسبب الذنوب وفي القصة يا إخواني: أن الذنوب تعمي صاحبها عن إدراك الحق، فالولد العاصي القاتل لم يدرك بفهمه وبنور بصيرته كيف يواري سوءة أخيه، فنحن نستفيد من الآية: أن الذنوب تعمي صاحبها عن إدراك الحقائق، قال تعالى: {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف:58] عرفهم بنور طاعته، وأنكروه بظلمة معصيتهم، فالمؤمن يرى بنور ربه سبحانه، يفرق الله له بين الحق والباطل، قال تعالى: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة:27]، وانظروا إلى منهج القرآن: ((مِنْ أَحَدِهِمَا))، ((مِنَ الآخَرِ)) فيه عدم الاعتناء بالأسماء {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة:27] ما ذنبي إن لم يتقبل الله عز وجل قربانك يا عبد الله؟! يجب أن تراجع نفسك وتحاسبها على عدم قبول القربان، أو يجب أن تسألني ما الذي تسبب في قبول قرباني عند الله؟ والمؤمن يستفيد من المواقف، فلا يمر عليها سلبياً، لا بد أن ينتفع. ففي صحيح مسلم أن رجلاً يمشي في الصحراء، سمع صوتاً في السماء ينادي سحابة: اسق زرع فلان، لو أن واحداً منا لأكثر من الأسئلة: من فلان؟ ما الزرع؟ وهذا لا يعنيه، ولذلك جل النظريات العلمية المعاصرة نتيجة فكر المحلل، والمحلل هو الذي يتأثر بالمواقف والأحداث، أي: أن التفاحة حينما سقطت على رأس قانون الجاذبية قال: لماذا سقطت إلى أسفل ولم ترتفع إلى أعلى؟ فاكتشف قانون الجاذبية الأرضية؛ وذلك لأنه ينظر إلى الأمور بفكر المحلل، لا بفكر المشاهد، وفرق بين من يحلل ومن يشاهد، فأنت مأمور أن تحلل المواقف بما يستقيم مع عقيدتك. فهنا كان ينبغي على العاصي أن يسأل، لكن انظر إلى A (( لَأَقْتُلَنَّكَ)) فهل جزاء الذي تقبل الله منه قربانه أن يقتل؟! يقول سلفنا: وأول ذنب عُصي الله به في السماء والأرض هو الحسد، ففي السماء كان حسد إبليس، وفي الأرض كان حسد ابن آدم لأخيه. فالحسد مدمّر للعلاقات الإنسانية، وهو سبب كل بلاء يقع على وجه الأرض، ففي الحسد بغض المحسود وتتبع النعمة وتمني الزوال كما يقول ابن القيم رحمه الله، فما الذي دفع إخوة يوسف إلى أن يطرحوا يوسف في البئر؟ إنه الحسد، وما الذي منع أهل الكتاب من قبول نبوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟ إنه الحسد، فقد كانوا يتربصون انتظار النبي صلى الله عليه وسلم، وينتظرون بعثته إلى أن جاء من ذرية إسماعيل، ولم يأت على هواهم، وكانوا يتمنون أن يكون من ذرية يعقوب، ولذلك يقول ربنا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] أي: يعلمون أنه الصادق صلى الله عليه وسلم.

ضرورة تذكير من يتجرأ على حدود الله

ضرورة تذكير من يتجرأ على حدود الله ثم توجه الصالح للطالح بالوعظ، وهذا درس مهم في القصة، أن الذي يتجرأ على الحدود ينبغي أن تذكره بالله، فمنهج القرآن {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم:18] وهنا تذكره بالله عز وجل، أي: إن كنت تقياً فأنا أذكّرك بتقواك، اتق الله! واحفظ حدود الله! فابن آدم الصالح وقف واعظاً يذكر أخاه بالله كحال صاحب الجنتين مع أخيه الصالح. قال له: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:28 - 29]، لكن الوعظ لا ينفع إلا من أنار الله بصيرته، فقد يخطب إلى الصباح، لكنه لا يتأثر بخطب ولا مواعظ: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، فالقلوب إذا أصابها العمى لا ينفعها الوعظ والإرشاد، واعلم أن الوعظ ينفع في كل مقام ومجال، فحديث الغار ذكر الرجل الذي انفرد بابنة عمه وجلس إلى شعبها الأربع كما يجلس الرجل إلى زوجته، امرأة يريد أن يزني بها وقد فوضت أمرها إلى الله، وأغلق الأبواب وكل المنافذ، ووعظته في لحظة الصفر فقالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فماذا كانت النتيجة؟ قام من عليها وتذكر ربه عز وجل، فالقلوب بيد من؟ بيد علام الغيوب، فلا تقل: لا أمل في الوعظ، فهذا شعار السلبية الذي لا نقبله، إنما ازرع الكلمات واترك النتيجة لرب البريات، فالله هو الهادي إلى سواء السبيل. وهكذا قام واعظاً، لكن نور البصيرة قد انطفأ عند العاصي {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:30]، أول جريمة قتل تقع على سطح الأرض: قتل الأخ لأخيه، يا له من عار! يا له دمار! يا له من بلاء شديد لآدم وحواء عليهما السلام.

الخسران وعدم الفلاح بسبب المعاصي

الخسران وعدم الفلاح بسبب المعاصي قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30]. يشير هذا إلى أن المعصية نتيجتها الخسران وعدم الفلاح، فوقف حائراً بعد قتل أخيه ماذا يفعل بجسده؟ والعبد بعد موته تتغير رائحة جسده، وتخرج منه رائحة كريهة، فلا بد للحضور أن يواروا جسده التراب، فوقف حائراً ماذا يفعل؟ وهذا ينتصر لرأي من قال: إن ابني آدم من صلبه لا كما قال بعض المفسرين: إنهما ليسا من صلبه، نقول: هما من صلبه؛ لأنه لا يعرف كيف يواري سوءة أخيه، أما في بني إسرائيل فقد كانت مواراة الجسد: الأرض، وكان ذلك معروفاً عندهم ومقرراً في شرعهم. قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا} [المائدة:31]، هذا هو المبعوث الأول في القرآن الكريم من غير البشر، بعث الله هدهداً، بعث الله نملة، هنا بعث الله غراباً، فهناك من بعثهم الله من غير الآدميين ليعلموا بني آدم. قال: {غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [المائدة:31]. تروي بعض كتب التفسير: أن غراباً قتل غراباً، وأنه واراه في الأرض، وهي قصة ليس عندنا ما يثبتها أصلاً، فنص القرآن يقول: بعث الله غراباً، ولا يقول: بعث الله غرابين، إذاً نكتفي بما ورد عندنا في كتاب ربنا، أن الغراب جاء فبحث في الأرض، فنظر ابن آدم فقال: ((يَا وَيْلَتَا)) ينادي ويلته، وكأنه يقول: يا أيها الويل! تعال لابن آدم الذي قتل أخاه ظلماً وعدواناً بلا ذنب ولا جريمة ولا قصاص.

تحمل من ابتدع بدعة وزر من عمل ببدعته

تحمل من ابتدع بدعة وزر من عمل ببدعته يا خيبة الإنسان! حينما يكون أدنى من الغراب. قال: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31]، لكنه بعد فوات الأوان، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقتل نفس ظلماً)، وكل النفوس التي تُقتل بعد هذه الواقعة على الأرض على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل. وفي القصة انظروا إلى شر البدعة السيئة، فمن ابتدع في الإسلام بدعة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. قال تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31]، اختلف العلماء في ندمه، فقالوا: من النادمين على فراق أخيه، ولم يكن من النادمين على فعله. وقال آخرون: من النادمين على أنه لم يكن كالغراب في تورية جسده؛ لأن من شروط التوبة الصحيحة أن يندم صاحبها على ما فعل، وندم ابن آدم لم يكن توبة، وإلا لِم لم يتقبّل الله منه؟ مع إيماننا أن القاتل له توبة. لكن انظر إلى عِظم خطورة الحسد، وإلى السنة السيئة، وظلمة البصيرة، ووعظ العبد الذي أترف وأسرف على نفسه. فهذه دروس مستفادة من قصة ابني آدم. أسأل الله سبحانه أن يبصّرنا بالقرآن، وأن يرزقنا حب القرآن، ونور القرآن، وعطاء القرآن، وفهم القرآن.

العلامات التي يعرف بها حسن خاتمة العبد وسوءها

العلامات التي يعرف بها حسن خاتمة العبد وسوءها أيها الأحباب الكرام! إن من علامات حسن الخاتمة للعبد: أن يوفقه الله للطاعة، وأن يقبضه على الطاعة، ومن علامات سوء الخاتمة للعبد: أن يموت على معصية، وأن يصر على معصيته. وابن القيم في الجواب الكافي يقص علينا قصصاً من الذين أسرفوا على أنفسهم، فيقول: حضر الموت لرجل كان قد أسرف على نفسه في تجارته، فلا يعرف إلا التجارة في وكالته، يبيع بالمزاد ويعقد الصفقات، ويزايد على الصفقات بين الناس من الفجر إلى غروب الشمس، فلا يعرف الصلاة، ولا يعرف دروس العلم، ولا يعرف القرآن، ولا الحدود الشرعية، كل همه التجارة. فحضره الموت، فقام من حوله يذكره بالله، فقالوا له: يا عبد الله! من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة، فاذكرها قبل موتك، فنظر إليهم وهو يقول: من يشتري مني باثنين أو ثلاثة؟ فمات على ما انشغل به، فمن انشغل بشيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه. وفي حديث البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخمّروا رأسه، ولا تحنّطوه -لا تطيبوه- وكفّنوه في إحرامه، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)، وهذا معناه كما قال العلماء: أن من مات على شيء بُعث عليه. فمن مات على معصية بُعث على معصيته، ومن انشغل بشيء في دنياه انشغل به عند موته. وقص علينا ابن القيم أيضاً: أنه حضرت الوفاة لموسيقار، كانت حياته كلها في الموسيقى، وعند الموت قال له الناس: يا عبد الله! من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، وأخذوا يذكرونه بكلمة التوحيد، فنظر إليهم وقال لهم: تن تن. يدندن عند موته، هذا معناه: أنه انشغل أيضاً بالموسيقى، فمن انشغل بشيء مات عليه، ومن انشغل بالصلاة مات وهو يذكر الله، ومن انشغل بالقرآن مات وهو يردد آيات الله سبحانه، وفرق بين هذا وذاك، وشتان بين الخبيث والطيب.

شهادة الناس للميت بحسن عمله أو سوء عمله

شهادة الناس للميت بحسن عمله أو سوء عمله إن من الواجب عليّ، بل من اللازم والوفاء بالعهد لرجل كان يحفظ القرآن، وهو الشيخ عبد اللطيف إمام هذا المسجد الذي كان يصلي بنا المغرب والعشاء، ويتلو من آيات ربنا ذهاباً وإياباً، نفتقد الآن صوته وحضوره، لقد كان يصلي معنا الجمعة والفروض، وكنا نحترم قدومه، فنجلس في درس العلم حتى يأتي، ويُعطي الإشارة إلى المؤذن أن يقيم الصلاة، وهذا هو الأدب، فلا يجوز لأحد من الحضور أن يأمر بإقامة الصلاة إلا الإمام حتى وإن تأخر نصف ساعة، وكان البعض ينظر إلى أن الشيخ عبد اللطيف تأخر، لكن أحداً لا يستطيع أن يقول: أقم الصلاة، وهذا أدب رفيع تعلمناه ولا شك في هذا، لكنني أقول لحضراتكم: أحسب أن القرآن سيشفع له عند ربه، أحسب ذلك ولا أزكيه على الله، فالرجل كان حافظاً لكلام ربه مع كبر سنه، وكان يقرأ من التوبة والأنفال والأنعام والنساء والأعراف ذهاباً وإياباً في كتاب ربه، فكان يحب القرآن وأهله ويتقرب إليهم. روى البخاري في صحيحه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع أصحابه، فمرت عليه جنازة فقال الصحابة: من الميت؟ فلما عرفوه قالوا: كثير الصلاة، الصيام، حسن الخلق، حافظ للقرآن، مقيم لحدود الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مرّت جنازة أخرى، فذكره الصحابة بسوء خلقه، وبتضييعه للفروض، وبأكله للحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال الصحابة: يا رسول الله! ما وجبت؟ قال: أما الأول فذكرتموه من حسن خلقه ومن كثرة صلاته وصيامه، ومن اتقائه لربه فوجبت له الجنة، وأما الآخر فذكرتموه من سوء خلقه ومن تعديه لمحارم ربه، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض). أيها الأحباب الكرام! إن المسلم بعد موته يترك أثراً طيباً. قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84]، إن مات إنما يموت واقعاً بين الناس، لكنه يترك بين الناس أثراً طيباً وسيرة طيبة. أسأل الله سبحانه بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يغفر له، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم شفّع قرآنه فيه، وشفّع صلاته فيه، اللهم كن له تحت أطباق الثرى خير أنيس لوحشته، وخير جليس لوحدته، اللهم ثبته بالقول الثابت عند سؤال الملكين، اللهم نقّه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، اللهم إنك عفو كريم حليم تحب العفو فاعف عنه. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، وأمّنا في أوطاننا، وبدّلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسرنا يسراً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم إنك عفو تحف العفو فاعف عنا. {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة:286]. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً، اللهم ول أمورنا خيارنا، يا رب! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، يا رب! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، علّمنا من القرآن ما جهلنا، ذكّرنا من القرآن ما نُسّينا، ارزقنا حب القرآن، وفهم القرآن، ونور القرآن، وعطاء القرآن، بيّض وجوهنا بنور القرآن، احفظ أعراضنا ببركة القرآن، بارك لنا في أرزاقنا ببركة القرآن، اجعلنا من أهل القرآن يا ربنا! اجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فاصبر صبرا جميلا

فاصبر صبراً جميلاً الصبر نصف الإيمان، لذا حض الإسلام عليه، وبين فضله وأهميته، والجزاء المترتب عليه لمن تخلق به، فبالصبر تعلو الدرجات، وتنفك الأزمات، وتغفر السيئات، وتزيد الحسنات، وهو أنواع: صبر على طاعة، وصبر عن معصية، وصبر على المكاره، ولا بد من الصبر في مواجهة الأعداء الذين يطعنون في ثوابت الدين وأصوله، فمع الصبر واليقين ينجلي الصباح ويقترب النصر، وتعود إلى الأمة عزتها وقوتها.

علاقة الصبر بالإيمان

علاقة الصبر بالإيمان الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع سورة المعارج، وتوقفنا عند قول الله سبحانه: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:5 - 7]. حديثنا اليوم عن الصبر، عن أنواعه ومعناه، وأقسامه كما بينها العلماء، ثم نتأمل في سيرة الأنبياء والمرسلين؛ للنظر كيف كانت حياتهم في الصبر على الشدائد عند نزول المكروه. فالإيمان نصفان: نصفه صبر، ونصفه شكر. فمن الناس من يعبد الله في حال السراء، فإن نزل به مكروه انقلب على وجهه فخسر الدنيا والآخرة، كما قال ربنا سبحانه: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر:15 - 16] أي: ضيّق عليه الرزق، {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ} [الفجر:16 - 17] مقاييس فاسدة من العبد، فإنه ليس غنى الغني دليلاً على رضا الله، وليس فقر الفقير دليلاً على سخط الله، فإن الله يعطي الدنيا لمن أحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب. لذلك إبراهيم عليه السلام دعا ربه قائلاً: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:126] وأتبعها بقوله: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:126] أي: لا ترزق إلا من آمن بالله واليوم الآخر، فقال الله له: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:126].

تعريف الصبر

تعريف الصبر الصبر لغة: هو الحبس. والصبر اصطلاحاً: هو حبس النفس، إما على طاعة، أو عن معصية، أو على مقدور الله. وعلى هذا قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام، والآية تقول: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:5]، والصبر الجميل كما يقول العلماء: أن يكون صاحب المصيبة بين الناس ولا يدرون من هو؛ لأنه لا يشكو مصيبته إلا لربه، لا ملل ولا ضجر ولا شكوى لمخلوق أبداً، يكون بيننا صاحب مصيبة لكننا لا نعرفه؛ لأن علاقته بربه سبحانه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] فهو يصبر ولا يشعر به أحد، هذا هو الصبر الجميل. يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم آمراً إياه بالصبر في أكثر من موضع: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35]. ويقول: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم:48]. ويقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]. ويقول: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127].

أقسام الصبر

أقسام الصبر

الصبر على الطاعة

الصبر على الطاعة الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: الصبر على الطاعة، والصبر على الطاعة مهم؛ لأن الطاعة فيها مشقة على النفس، فتحتاج إلى صبر: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]. فالذي يزيل الغطاء عن رأسه في هذا البرد، ويستيقظ قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ويتوضأ بالماء البارد ويخرج لصلاة الفجر في هذا الجو، يصبر على الطاعة. والذي يُخرج من خزائن ماله صدقة ماله أو زكاة ماله، وينفق على الفقراء والمساكين وطلبة العلم، ويدعم المشروعات الخيرية، فهذا يصبر. والتي ترى نفسها في غربة حينما ترى التبرج قد ساد وعم، والولاية والرئاسة أصبحتا للهابطات السافرات، فيتقدم أهل السفه، ويتأخر أهل العلم، وحينما يشار إليها بالبنان: من هذه؟ والناس تنظر إليها لحجابها ولعفافها وتؤذى، وربما تؤذى بقول سفيه أو بكاريكاتير هابط، فهذه تصبر. والذي يُضيّق عليه في رزقه، ويلقى من مكان إلى آخر؛ لأنه لا يريد شيئاً إلا تقوى الله، واتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فيضطهد في رزقه ويُضيّق عليه في ماله وولده، فهذا يصبر. وحينما تكون الأولوية والقيادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في زمن انقلاب المعايير والمقاييس للكع بن لكع: (يوسد الأمر إلى الأصاغر، ويتراجع الأكابر، وينطق الرويبضة) يصبر المؤمن أو لا يصبر؟ يصبر. قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [القلم:48]. وقال سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10]. فاصبر يا أخي! على طاعة ربك سبحانه.

الصبر عن المعصية

الصبر عن المعصية الثاني: الصبر عن المعصية، أي الصبر عن المحرمات والبعد عنها وعدم اقترافها، فالشهوات مع الشيطان، ومع النفس الأمارة بالسوء، ومع أصدقاء السوء، كلهم يحيطون بالإنسان، ويريدون منه أن يقترف المعصية، فبعدك عنها صبر؛ لذلك ربنا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} [آل عمران:200] أي: عن المعصية، {وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] أي: على الطاعة، {وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فأكثروا من فعل الخيرات، واصبروا وصابروا ورابطوا.

الصبر على مقدور الله

الصبر على مقدور الله الثالث: الصبر على مقدور الله، وله عند العلماء أربع مقامات: المقام الأول: السخط، فمن الناس من يستقبل المقدور بسخط وعدم قبول وعدم رضا، ويشكو الخالق إلى المخلوق، ويُحاسب ربه، ويسأل: يا رب! لماذا فعلت بي هذا؟ ولم اخترتني من بين العباد؟ يُحاسب ربه ولا يقبل مقدور الله في نفسه، فيتسخط على قدر الله، إما بالقلب وإما باللسان، وإما بالجوارح، فالسخط بالقلب عدم الرضا عن قضاء الله، والسخط باللسان القول، والسخط بالجوارح كشق الجيب ونتف الشعر وأفعال الجاهلية التي لا ينبغي لمسلم أبداً أن يكون عليها. المقام الثاني بعد السخط: الصبر. المقام الثالث: الرضا. المقام الرابع: الشكر، وهذا حال المتقين، عند حلول المصيبة لا يصبر ويرضى فقط وإنما يشكر، كحال الصحابية التي قطع لها إصبع فإذا بها تشكر الله، وتقول: إن حلاوة الأجر أنستني مرارة الصبر. الله أكبر! شكر عند نزول المصيبة؟ نعم؛ لأنها تعلم أن المصيبة إما لرفع الدرجات وإما لتخفيف الذنوب والسيئات: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157].

نماذج من صبر الأنبياء والصالحين عند النوازل

نماذج من صبر الأنبياء والصالحين عند النوازل روى البخاري في صحيحه: (دخلت فاطمة على أبيها وقد اشتد به مرض الموت) يصبر في حال المرض. يقول ربنا عن أيوب: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44] لم يتضجر أيوب عليه السلام أبداً، فإن الله يقول: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً)) على بلاء الله في جسده. قال: (فوجدت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثقل) أي: اشتد به الوجع؛ لأنه يوعك كما يوعك رجلان منا؛ لعظم أجره ولعلو منزلته صلى الله عليه وسلم، فقالت فاطمة: (وا كرب أبتاه! فنظر إليها قائلاً: لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة!)، لا كرب عليه؛ لأنه سينتقل من الحياة الدنيا إلى الآخرة، إلى الفردوس الأعلى، إلى رضوان الله، فإذا بها تنادي بصوتها وتقول: (يا أبتاه! أجاب رباً دعاه، يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه! إلى جنة الفردوس مثواه، فلما أدخلوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التراب وأهالوه عليه، بكت وهي تقول لـ أنس: يا أنس! أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟ قال: والله ما طابت، ولكنه أمر الله عز وجل). وانظر إلى حياة نبي الله يعقوب، إذ إن الصبر متعدد الأنواع، قال تعالى على لسان يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] حينما قال لأولاده: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} [يوسف:18] والمقابل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] صبر جميل لا تضجر معه ولا ملل، ولا شكوى إلا إلى الله عز وجل، أخذوا منه يوسف أحب أبنائه إليه، وحب الأبناء فطري، والعبد لا يملك معه شيئاً، فهو قد أحب يوسف ولا اختيار له في هذا الحب، أخذوا يوسف من يعقوب عليه السلام بعد العهود والمواثيق، ووضعوه في الجب وحيداً، طفل لا اختيار له، ولم تأخذهم به رحمة، وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف:16]، جاءوا عشاءً؛ لأن الكذاب كذبه في العادة يبدو على وجهه، ويستحيل أن يداري الكذب، لذلك يقول عبد الله بن سلام: (لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نظرت إلى وجهه فعرفت أنه ليس بوجه كذاب). قال تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف:16]، والدموع متعددة، فهناك دمعة النفاق، وهناك دمعة الحزن، وهناك دمعة الخوف، وهناك دمعة بكاء المجاورة، وكل دمعة لها مذاق وطعم خاص وحرارة مختلفة، قال تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:16 - 17] فقال لهم أبوهم يعقوب: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] وهكذا رأى يعقوب بنور البصيرة. ويمر الزمان، ويدخلون على يوسف بعدما فعلوا ما فعلوا {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف:58] فقد رآهم يوسف بعين البصيرة، فالمؤمن يرى بنور البصيرة، والعاصي قد ران على قلبه الذنوب والمعاصي. ذكر البخاري حادثة الإفك، وهذا أيضاً يحتاج إلى صبر في العرض وفي الجسد وفي الرزق وفي الاضطهاد وفي الإيذاء القولي وفي الإيذاء المعنوي، فربما يتهمك الناس ظلماً فاصبر، وربما تذهب ضحية قضية وأنت لست مذنباً فاصبر، فإن مع العسر يسراً وبعد الضيق فرجاً، ومحك الإيمان هو الصبر على المكروه. لما حدث في المدينة ما حدث وتجلجلت بحادثة الإفك، وصل الأمر إلى أذن عائشة فعلمت به، وبعد مدة زمنية ذهبت إلى بيت أبيها، تقول أمنا عائشة: (فظللت أبكي حتى انقطعت الدموع من عيني وظننت أن البكاء سيفلق كبدي، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: يا عائشة! إن كنت قد اقترفت من ذلك شيئاً فتوبي إلى الله، وإن كنت بريئة فسيبرئك الله، قالت: يا أبي! أجب رسول الله، قال: ما أقول يا ابنتي؟ قالت: يا أمي أجيبي رسول الله، ثم قالت: إن قلت لكم: إني صادقة كذبتموني، وإن قلت: إني اقترفت من ذلك شيئاً اتهمت نفسي بشيء لم أرتكبه، إنما شأني وشأنكم كشأن يعقوب مع أولاده، لا أقول لكم إلا كما قال لهم: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18]) عند ذلك جاء الوحي ببراءة عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سماوات. ومن الصبر أيضاً: الصبر في طلب العلم، قال الخضر لموسى عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ ت

ضرورة الصبر في مواجهة الطاعنين في ثوابت ديننا

ضرورة الصبر في مواجهة الطاعنين في ثوابت ديننا يا عبد الله! ما أحوجنا اليوم إلى الصبر، ربما يقول أحد: نفد الصبر يا شيخ! أقول: لم ينفد الصبر، بل سنصبر، مع تآمر المتآمرين سنصبر، ومع كيد الماكرين سنصبر، ومع انتهاك حرمات دولة الإسلام سنصبر، ومع الطعن في السنة سنصبر، وسنرد كيد الكائدين إلى نحورهم. هناك طعن في السنة ليل نهار، طعن في الثوابت، وطعن في الأمور التي أجمعت عليها الأمة، وآخر أمر نسمعه سب علني على شبكة الإنترنت من عالم يدعي أنه عالم، كان يخطب في الجيزة على مرأى ومسمع من الناس، وتنقل له الشاشات اللقاء في برنامج أسماء الله الحسنى، وأخيراً سقط النقاب عن وجهه؛ لأنه قد تشيع، فقال في أبي بكر وعمر كلاماً لا يمكن أن يقال، فلا نقول إلا كما قال المؤمنون: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]. هناك طعن في ثوابت الدين وفي الأمور المتفق عليها، وهي طعون عجيبة وغريبة، لا يقولها من عنده أدنى علم. يقال: النقاب في حق الإسلام جريمة، ولا يقول هذا إلا سفيه أو رجل ممسوخ العقل أو قد غاب وعيه، لمصلحة من؟ ولحساب من؟ أقل الأقوال فيه عند الفقهاء أنه مكرمة يا عبد الله! بل الوجوب فيه الراجح؛ بل في زمن الفتنة يجب على المرأة أن تغطي وجهها؛ وآخر أمر تقام برامج على الشاشات والإذاعات المسموعة، وأمور لا ينبغي أبداً أن تتداول بين الأمة.

ضرورة الإعداد لتمكين الأمة وعزتها والصبر على ذلك

ضرورة الإعداد لتمكين الأمة وعزتها والصبر على ذلك أيها الإخوة الكرام الأحباب! يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:5 - 7] وينبغي ألا نغفل عن المنهج أبداً، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الساعة: (متى الساعة؟ قال له: وماذا أعددت لها) فهذا الذي ينبغي أن ننشغل به. امرأة رأت في منامها أنها ترضع القمر، فقال المفتي: إنه ظهور المهدي، وهكذا أقوال ما أنزل الله بها من سلطان، وهناك كتب في السوق تستهوي العامة، ولا ينبغي أن تستهوي طالب العلم. فينبغي أن ننشغل بما أعددنا ليوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ربما يقول قائل: أغرس الفسيلة في الأرض وأنا لا أضمن أن أحصد ثمرتها؛ لأن القيامة ستقوم والدنيا ستنتهي، فلم أغرس الفسيلة؟ A ضع الفسيلة واترك أمرها إلى الله عز وجل، هذا هو المنهج القويم. قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:6 - 7] فكل آت قريب. وقال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]. وقال تعالى: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]. إن ما يحدث الآن من إنتاج لكتب أو أشرطة على حسب رغبة المستمعين، تتحدث في أمور غيبية ليس لها من الله برهان، ويستهويها الناس، هناك حديث عن المهدي، وعن المسيح الدجال وعن عذاب القبر، ولا بأس بذلك، لكن لا يكون هو الشغل الشاغل؛ لأنه لابد أن تتعلم العلم النافع الذي تصلح به حركة الدنيا. كما أن منهج التغيير عندنا واضح، فإننا لم نرَ صلى الله عليه وسلم جمع الصحابة في مكة، ورفع الأعلام، وهتفوا في مظاهرة: يسقط أبو جهل وعاشت الكعبة، وكل يردد خلفهم، ماذا صنعنا من المظاهرات؟ تظاهروا لأجل فلسطين وقد انتهت المظاهرات والقتل لا يزال مستمراً، أخبروني متى كانت المظاهرات وسيلة فعالة لدفع حرب أو لحفظ دم؟ القوى الوطنية ستجتمع في القاهرة، وبالأمس يعبرون عن الشجب والاستنكار، مسلم ملتزم وبجواره شيوعي ومن خلفه علماني وعن يساره امرأة متبرجة ترفع العلم وتقول: بالروح بالدم. خبتِ وخسرتِ. فأسلوب المظاهرات هذا الذي نراه لا يقره شرع، وكفاكم مزايدة باسم الدين، كفاكم أن تركبوا هذه المزايدات باسم الإسلام، إن المظاهرة ليست من وسائل التغيير في شرعنا، إنما في شرعنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، فهل سيغير الواقع امرأة متبرجة تظهر شعرها وثديها، وتلبس البنطال الذي يجسد العورة، وترفع الشعار وتهتف وهي لا تصلي لله؟! هل يمكن أن تقف بجوارها أنت وتدعمها في مسيرة واحدة؟! يا عبد الله! كفانا أن ننجرف خلف التيار الخادع، يقولون لنا: دول أوروبا عبرت بالمظاهرات، لكننا نحن لا نعرف أسلوب المظاهرات في شرعنا إنما نعرف الإعداد، والإعداد معناه: العلم بالقرآن والسنة وبفهم سلف الأمة. لابد من صنع الرجال، وصنع الرجال يحتاج إلى وقت ومثله صنع السلاح، فكما أن هناك مصانع للسلاح كذلك هناك مصانع لصنع الرجال، قال تعالى: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب:23] من هم الرجال؟ لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح نعم، قال بنو إسرائيل لنبيٍ لهم: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246] كما أننا نقول: بالروح بالدم لا نريد أن نقاتل، نريد أن نغير الواقع، قالوا: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:246] وقد قال لهم نبيهم: أخشى أن يكتب عليكم القتال فلا تقاتلوا، ومعلوم أن الشعارات لا تصنع أمماً، ومع ذلك هتفوا بالقتال {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:246]. فيا عبد الله! إن لم تستطع أن تجاهد النفس في قيام الليل، وصلاة الفجر، والصبر على الطاعة، والصبر عن البعد عن المعصية، فإنك كذاب إن قلت: أصبر في ميدان الجهاد؛ لأن أدنى أمر لم تصبر عليه وأنت في أمن وأمان. قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:6 - 7]، نعم، نرى أن النصر للإسلام قريب، وأن التمكين لدين رب العالمين قريب، ولكن قبل الفجر لابد من سواد الليل، وقبل الوضع لابد من ألم المخاض، وقبل التمكين لابد من الغربلة؛ حتى يميز الله الخبيث من الطيب: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُ

إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا

إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً يصور الله سبحانه أهوال يوم القيامة في كتابه تصويراً في غاية الدقة والتعبير، لعل العبد حين يسمع أو يعي هذا التصوير يترك صفات الجزع والبخل والإعراض، ويكتسب صفات الخير والبر؛ حتى تكون سبباً في نجاته يوم القيامة، وفوزه برضا الله وجنته.

وقفات وتأملات في سورة المعارج

وقفات وتأملات في سورة المعارج الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً فهي كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين وفي الآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع سورة المعارج، وقد انتهينا عند قول الله عز وجل: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج:5 - 34]. هذه الآيات تتحدث عن يوم القيامة: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:6 - 7]، وكما قلت قبل ذلك: كل آت قريب: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ} [النحل:1]، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، فمما لا شك فيه أنه قريب؛ لأنه آت، وما مضى من زمن الدنيا بالنسبة لما بقي فيها قليل؛ لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى). والحديث له مفهوم عند بعض العلماء: إذا قارنت بين السبابة والوسطى تجد أن الوسطى تزيد عن السبابة بربع عقدة فقط، فما مضى من عمر الدنيا هو هذا القدر، وما بقي فيها تلك الزيادة. إذاً: لم يبق منها إلا اليسير؛ ولذلك الساعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وليس بعده نبي؛ لذلك في حديث البخاري: (أنه كان يبيت عند زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقام فزعاً بالليل وقد تغير وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، وحلق بين السبابة والإبهام، فقالت زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كث

تصوير القرآن العظيم ليوم القيامة وما يتقدمه من أحداث

تصوير القرآن العظيم ليوم القيامة وما يتقدمه من أحداث أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن الحديث عن القيامة في القرآن الكريم جاء متعدداً: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:6 - 7]، ثم جاءت العلامات: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج:8]. أولاً: عبر عن القيامة في القرآن باليوم العظيم، وباليوم العسير، يقول ربنا سبحانه: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8 - 10]. وعبر عنه في قوله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4 - 6]. فالقرآن الكريم صور لنا مشاهد القيامة كأننا نراها رأي العين، يشيب فيها الولدان، فالولد الصغير الرضيع يقول الله في حقه: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل:17]، من شدة الهول والفزع، تصل فيه القلوب إلى الحناجر فلا تعود إلى مستقرها ولا تخرج من الأفواه، يقول ربنا سبحانه: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:18]. ويقول سبحانه في وصفه أيضاً: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. عندما أصبنا بزلزال في التسعينات كان كل الناس يجري، ربما يترك ولده وينزل، وربما يترك زوجته وينفض، ومن لطائف هذا الأمور أن زوجة رفعت قضية طلاق على زوجها بعد الزلازل، فسألوها عن سبب ذلك. قالت: لأنه أخذ التلفاز وتركني، أي: أن كل الذي شغله هو التلفاز، وترك الولد والزوجة. إخوتي الكرام! زلزال القيامة يختلف: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1]، ترى الناس فيه سكارى، وزلزال التسعينات كان الناس فيه حيارى، وفرق بين السكارى والحيارى. كذلك تذهل فيه المرضعة عما أرضعت، في زلزال التسعينات تأخذ ولدها وتفر به وتنزل من الطابق التاسع، أما زلزال الآخرة فتترك الرضيع من هول ما رأت، تذهل عما أرضعت. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج:2]، قبل الموعد المحدد لنزوله من شدة الخوف والفزع، {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].

مآل السماوات يوم القيامة

مآل السماوات يوم القيامة تصوير القيامة في القرآن الكريم جاء في أكثر من موضع، لكن ما يهمنا هنا هو الانقلاب الهائل الذي يحدث في هذا الكون الآمن، فما بالك أيها المخلوق الضعيف؟! ما هو مآل السماء، ومآل الأرض، ومآل الجبال، ومآل البحار، ومآل الشمس، والنجوم، والقمر، والوحوش؟ اسمع إلى قول الله عز وجل عن السماء والأرض: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104]. ويقول سبحانه: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]. وجاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب العالمين يأتي يوم القيامة وقد حمل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، وينادي في خلقه: أين ملوك الأرض؟ أنا الملك يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16]) فلا يجيب أحد، يا ملوك الدنيا! سيزول ملككم ولا يبقى إلا ملك الحي سبحانه؛ لذلك هارون الرشيد في مرض موته وهو يحتضر نظر إلى السماء، وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه. الله أكبر! أما السماء فقد جاء في حقها آيات: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج:8] أي: كالرصاص المذاب. وكذلك تتشقق: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان:25]. ويقول ربنا في هذا: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37]. ويقول ربنا سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:13 - 16]، هذه النفخة الأولى في الصور هي نفخة الاضطراب الكوني وتدميره، تتشقق السماء وتنفطر وتصبح واهية كالرصاص المذاب.

مآل الجبال والبحار والنجوم والشمس والقمر والوحوش

مآل الجبال والبحار والنجوم والشمس والقمر والوحوش قال تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:9]، الجبال مآلها كما يقول ربنا: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ:20]، أي: أن الجبال الراسية الثابتة تسير، وتصبح {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:5]، والعهن: هو الصوف المصبوغ الذي يطير في الهواء، تتحرك الجبال من مكانها، وتصبح كثيباً مهيلاً، وتسوى الأرض، يقول ربنا في ذلك: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا} [طه:105 - 106] أي: يذر الأرض {قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:106 - 107]، لا انخفاضاً ولا ارتفاعاً. أما البحار فتشتعل نيراناً على أهل الأرض، أما النجوم فتتناثر وتتساقط ويذهب ضوءها، والقمر ينخسف، والشمس تكور، والوحوش تحشر، والموءودة تسأل، يقول الله: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ} [القيامة:7 - 11]. أي: لا مفر من الله إلا إليه؛ لذلك فروا إلى الله. إخوتي الكرام! يحدث انقلاب في الكون بالنفخة الأولى في الصور، والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام، ينفخ النفخة الأولى فيدمر الكون، عند ذلك تشخص الأبصار، أي: لا تنظر إلا إلى اتجاه واحد، وتصل القلوب إلى الحناجر. يقول الله في هذا: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:18]. إن القرآن الكريم يتحدث عن هذا الانقلاب في الكون، فنقول نحن لأنفسنا: ماذا نفعل ونحن ضعفاء؟

حال الإنسان ومآله مع نفسه ومع غيره يوم القيامة

حال الإنسان ومآله مع نفسه ومع غيره يوم القيامة قال تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج:10]، يقابل القريب قريبه، وابن العم يقابل ابن عمه، والأب يقابل ابنه، والزوجة تقابل زوجها، والصديق يقابل صديقه، فهل يلتفتون إليه؟ لا، كأنهم لا يعرفونه، ينشغل كل بحاله، فانشغل بنفسك، وأعد لهذه الساعات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً -يعني: غير مختونين- فقالت عائشة: يا رسول الله! يرى النساء عورة الرجال ويرى الرجال عورة النساء؟ قال: يا عائشة الأمر أكبر من ذلك، قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37])، فهب لو أن رجلاً يقف أمام السكة الحديدية، وجاء القطار من خلفه مسرعاً، التفت فوجده، فقيل له: كلم ابن عمك بجوارك، هل يكلمه؟ لا؛ لأن الهلاك يلحق به، ولو وقفت أمامه امرأة عارية لا ينظر إليها؛ لأنه يشتغل بما هو أهم من ذلك، فانظر إلى القرآن كيف يصور النتيجة يوم القيامة، يقول ربنا سبحانه: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج:10] أي: لا يسأل قريب قريباً، لا يسأل صديق صديقه، كل ينشغل بحاله وبنفسه قال: {يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج:11]، رغم أنه يراه ويعرفه، لكنه لا يهتم إلا بحاله. قال: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} [المعارج:11]، يود الكافر العاصي الذي انشغل بهذه الدنيا ورتع فيها يميناً وشمالاً، وظلم وتجبر ونسي ربه وضيع حدوده، وكلمة (المجرم) تأتي بمعان عديدة في القرآن الكريم، قد تأتي بمعنى الكافر، وقد تأتي بمعنى العاصي الظالم، وقد تأتي بمعنى المنافق. قال: (يود) والود عمل من أعمال القلوب، قال: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعارج:11]، فيا لها من مصيبة كبيرة إن سألت من يجمع المال من حرام: لماذا تجمع المال؟ يقول: أريد أن أؤمن مستقبل الأولاد بعد موتي، أبني العمارات، وأشتري السيارات والعقارات؛ حتى أورث بعد موتي. وأول من يضحي به يوم القيامة هم الأولاد، فيا لها من معادلة مقلوبة ومنكوسة: {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعارج:11]، يا رب! خذ أبنائي ونجني من عذابك فلا يقبل منه، قال تعالى: {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ} [المعارج:12]، الصاحبة بمعنى: الزوجة التي كانت في حضن دافئ، زوجها يوم القيامة يضحي بها! قال: {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ} [المعارج:12]، فيا من تبحثون عن اسم العائلات! يقول تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]. قال: {وَفَصِيلَتِهِ} [المعارج:13]، أي: عائلته {الَّتِي تُؤْويهِ} [المعارج:13]، التي ينضم إليها ويتشرف بها، يوم القيامة يقول: يا رب! خذ الأبناء، خذ الزوجة، خذ العائلة. قال تعالى: {وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:14] خذ كل من أعرفه ونجني من عذابك، فيقول الله سبحانه: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:15 - 18]، هذه (لَظَى) ملتهبة، تأخذ الأعضاء الظاهرة والباطنة؛ حتى قال بعض المفسرين: تحرق فروة الرأس، {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا} [المعارج:15 - 17] النار تدعو إلى نفسها: تعال يا من أعرضت عن كتاب الله وعن سنة رسول الله! تعال يا من ضيعت حياتك في المعاصي! {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:17 - 18]، أي: جمع المال وجعله في وعاء، وظل يعدد المال، ولا يؤدي حق الله فيه، جمع المال كل ليلة، وإذا خرج منه جنيه يظن أن في خروجه الفقر، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268].

مكانة الدنيا عند المؤمنين

مكانة الدنيا عند المؤمنين نحن ننظر إلى الدنيا نظرة مختلفة، ولابد أن ننظر إليه كأننا فيها غرباء: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) بالله عليك لو أنك من الزيتون، وذهبت إلى الإسكندرية هل ستكون فيها غريباً؟ كذلك هذه الأرض هل تعمر فيها طويلاً؟ هل تخطط لسنوات؟ نحن هنا نخطط ل (2100م)، ول (2200م) فهل هذا هو فعل الغرباء؟ ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة للإنفاق في غزوة تبوك، وهي من الغزوات المهمة في دراستها، إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يخبر أصحابه بالجهة التي سيقاتلون فيها، إلا في هذه الغزوة، وذلك لسببين: الأول: العدو هم الروم وهم كثر، والمسافة طويلة جداً آلاف الكيلو مترات. الثاني: الجو حار؛ لذلك قال المنافقون: {لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة:81]. لما ندبهم النبي صلى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة أتى عثمان بن عفان بماله وجهز ثلث الجيش، ثلث جيش العسرة جهزه عثمان من ماله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، أما الصديق فأتى بكل ماله، وأما عمر يقول: راودتني نفسي أن أسبق الصديق، ما سبقته أبداً، فقلت: اليوم أسبقه، فأسرعت إلى بيتي وأحضرت نصف مالي، وتركت النصف لأهلي، فجئت بنصفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعته بين يديه، وجاء الصديق يحمل مالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمر! ما أبقيت لأهلك؟ قال: جئت بنصفه وتركت النصف يا رسول الله! فجاء الصديق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت يا أبا بكر؟! قال: جئت بكل مالي وتركت لهم الله ورسوله) فيا له من يقين وإيمان! هل يقبل ذلك أحد؟ يعني: حينما يقال لك: ائتني بنصف مالك أو بربع مالك يا عبد الله! هل تفعل هذا؟ لا والله الذي لا إله غيره، لكنه اليقين، ولذلك يقول في حقه صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـ العتيق، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنز ل فيه من عالم الأسرار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] رضي الله عنه.

ذكر صفات الإنسان وصفات المؤمنين في سورة المعارج

ذكر صفات الإنسان وصفات المؤمنين في سورة المعارج يذكر الله صفات الإنسان، فيقول: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج:19]. ويقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. ويقول: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا} [العصر:1 - 3] استثناء. قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج:19]، ذكر فيها الهلع، وفسرتها الآيات التي بعدها على التو: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج:20] أي: إذا أصيب بمرض أو بفقر أو بفقد حبيب أو مال أو صديق يجزع، ولا يصبر على قضاء ربه، قال: {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج:21] أي: إذا نزل به الفرج ومنع المال. فيستثني سبحانه ويقول: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:22 - 23] فإن أردت أن تنظر في دين عبد انظر إلى صلاته، فإن ضيع الصلاة كان لغيرها أضيع. أقول: إن حال سلفنا الصالح كان عجباً والذي نفسي بيده، منهم من قال عن نفسه: مكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء، قد يقول قائل: هذا مخالف للسنة، لكن نقول: يا عبد الله! هذا معان من ربه، وفعله ليس للأسوة، أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما يفعل يفعل ليشرع؛ لذلك سأل العلماء سؤالاً مهماً: أيهما أفضل في الأضحية: البدنة أم الكبش؟ فقال جمهور العلماء: البدنة يعني: الإبل، وقالت المالكية: الكبش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى، وقال جمهور العلماء: البدنة أولى بدليل حديث البخاري في فضل الجمعة والتبكير إليها: (من راح في الساعة الأولى إلى الجمعة فكأنما قرب بدنة -فبدأ بالبدنة- ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) فقدم في الحديث البدنة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين؛ لأنه أسوة، فإنه ربما لا يمتلك الفقير إلا ثمن الكبش، عند ذلك يضحي كما ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، أما إن استطاع أن يذبح بدنة فهذا هو الأولى ولا شك في هذا، وهذا قول الجمهور. قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23] أي: يحافظون عليها في أوقاتها فلا يضيعون صلاة في جماعة، بل يؤدونها وقد استكملوا الشروط والأركان والسنن بخشوع. قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24]، الصدقة والزكاة مقدار كل واحدة منهما معلوم، لا يبخسون الناس حق الله عز وجل، قال: {لِلسَّائِلِ} [المعارج:25] الذي يسأل، {وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:25]، الذي يكف عن السؤال، يحسبه الجاهل غنياً من التعفف، تعرفه بسيماه؛ لذلك ربنا يقول: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:36] أي: من الهدي {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36]، والقانع: الذي يقتنع بحاله ولا يسأل الناس، والمعتر: الذي يسألهم، فأطعموا من يسأل ومن لا يسأل، وإياك أن تطعم من يسأل وتترك من لا يسأل. يقول ربنا عز وجل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24] وكلمة (حق) تشير إلى أن للفقير في مال الغني حقاً، فأنت حينما تعطيه لا تعطيه فضلاً منك، إنما هو حق لابد أن يأخذه؛ لذلك قاتل أبو بكر المرتدين حينما منعوا الزكاة، فلو أن المجتمع يؤدي زكاة ماله لما وجد فيه الفقراء، ولا الذين بدون زوجات، والحالات التي تعرض ليلاً ونهاراً تجعلنا نبكي دماً بدلاً من الدموع؛ وذلك لأن الأغنياء يحبسون ما أعطاهم الله عز وجل. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج:26 - 27]، خائفون وجلون يخشون عذاب ربهم عز وجل، إذ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج:28]. ومن صفاتهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:29]، حفظ الفرج عما حرم الله، والمحرمات متعددة، فلا يضعون فروجهم إلا فيما أحله الله من الزوجة أو ملك اليمين، أي: الأمة، أما ما سوى ذلك فحرام، واستدل العلماء من هذه الآية بحرمة نكاح اليد، لا يقربون بفروجهم ما حرم الله، لا يقربون دبراً ولا امرأة في حيض، ولا أي شيء حرمه الله، وذلك كما قال تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:30]. ثم قال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المعارج:32]

المنهجية الصحيحة في مواجهة أعداء الأمة

المنهجية الصحيحة في مواجهة أعداء الأمة أيها الأحباب الكرام! منهجنا ثابت وواضح ومعروف لا نغير فيه ولا نبدل، فلسنا مع التخريب والمظاهرات بحال، قلناها ونقولها مراراً: لا لحساب أحد، وإنما هو شرع ربنا نوضحه ونبينه، ونقول: إن الشرع قد ألزمنا أساليب شرعية للتغيير والتعبير عن الرأي، وليس منها مظاهرات تدعو إلى التكسير والتخريب والاختلاط بين الغث والسمين، والمزايدة بشعارات واهية، يرفعها من يركب الموجة، ويحسب على التيار أو المجموع، فاتقوا الله! فدعوتكم أمانة، ودينكم أمانة، ومسجدكم أمانة، فنحن لا نملك لإخواننا في فلسطين أو في العراق إلا أن ندعو أولاً، قد يقول قائل: ماذا يصنع الدعاء، وقد مللنا من الدعاء؟! أقول لك: اتق الله، فالدعاء يحرق الصخور ويحطم الشرك والكفر: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10]، ما زاد نوح على ذلك وما قام بمظاهرة، فكان جواب ربه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12]. وفي حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار، فأطبق على باب الغار صخرة، ماذا صنعوا؟ هل حطموها بمعول أو بفأس؟ هم في ظلام دامس، وعلى باب الغار صخرة يعجزون عن تحريكها حتى وإن جاءوا بأكبر الآلات، ماذا صنعوا يا عباد الله؟! قالوا: هيا بنا نتذكر أعمالنا الصالحة ونتوسل إلى الله بها، لعله يفرج عنا ما نحن فيه، فقام الأول وقال: يا رب! إنك تعلم ولا يعلم سواك أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت باراً بهما، وكنت في كل ليلة آتيهما بغبوق اللبن فأسقيهما قبل أن يناما، فيناما بعد أن يشربا، ففي ليلة تأخرت وجئت بغبوق اللبن فوجدتهما نائمين، والصغار عند قدميَّ يتضاغون، فأبيت أن أسقي أبنائي حتى يشرب أبوي، فلما استيقظا في موعدهما أعطيتهما فشربا، ثم سقيت أبنائي بعدهما. يا قوم! يأتي الزوج بالفاكهة ويدخل بها على الزوجة، فيضعها في الجيب، أو يخبئها وراء الظهر حتى لا ترى الأم؛ لأنه يأخذ التعليمات الشفوية المشددة: لا تدخل على أمك إلا بإذني، أمي لا أبرها إلا بإذن زوجتي، يا قوم! ماذا حدث لنا؟! قال: اللهم إن كنت تعلم -والله يعلم- أني فعلت ذلك لأجل وجهك وابتغاء مرضاتك؛ ففرج يا رب! عنا ما نحن فيه. فتحركت الصخرة، والذي حركها هو الله، الصخرة تتحرك بالدعاء يا قوم! هذا الدعاء من عبد أخلص لله. رب عبد فينا لا نلتفت إليه يقول: يا رب! عليك بأعداء الدين، فيحطمهم الله وهو قادر. أما الثاني فقال: يا رب! إنك تعلم أنه كان عندي أجير يعمل بالأجرة، ففي يوم ترك أجره دون أن يأخذه، فأخذته ونميته واستثمرته له، فجاء بعد مدة يقول: يا عبد الله! تركت عندك أجراً منذ زمن، قلت: انظر إلى هذا القطيع من الأنعام هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قلت: استثمرته لك. فيا من تأكلون حق الأجير! اتقوا الله في أنفسكم، يا من تستعبدونهم بغير وجه حق! اتقوا الله في أنفسكم. قال: فأخذ القطيع، فيا رب! إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لأجلك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة مرة ثانية دون أن يمسها أحد. فجاء الدور على الثالث، يقول العلماء: والثالث أفضلهم؛ لأنه لو لم تتحرك لما خرجوا، إذ إن المكان لا يتسع للخروج. قال: يا رب! إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها، فجاءتني يوماً تسألني فأبيت أن أعطيها حتى تمكنني من نفسها، فلما جلست بين شعبها الأربع كما يجلس الرجل إلى زوجته قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانتفضت من عليها خوفاً منك يا رب! وتائباً إليك، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة فخرجوا بإذن الله. إذاً: الدعاء يحرك الصخر، أما أنا وأنت إن كنا معهم في الغار، وقلنا: يا رب! فرج عنا ما نحن فيه فربما أتت صخرة فوق صخرة؛ وذلك بفعل ذنوبنا، فنحن نقول: يا رب! انصرنا، لكننا لا نجد أعمالاً صالحة نتوسل بها إلى الله. فلا تغتر بمظاهرة جماهيرية، هي غثاء كغثاء السيل، والذي نفسي بيده لا عقيدة ولا التزام بمنهج ولا التزام بحدود، إنما هي فقاقيع تطير في الهواء. منهجنا في هذا المسجد ثابت وواضح وبيّن. الأمر الأول: ندعو، الأمر الثاني: ندعم بالوسائل الشرعية، كمقاطعة السلع، ومقاطعات المنتجات؛ وكالدعم المادي إن أمكننا ذلك، هذا ما نملكه إلى بعض الوسائل المشروعة الأخرى. أيها الإخوة الكرام! أما حرية النعيق وحرية الصراخ ولطم الخدود وتمزيق التماثيل وحرق الصور، هذه أمور صنعها أعداؤنا لنا؛ لنفرغ فيها الشحنة، ويقع بعضنا في بعض وهم يشاهدون، فلا تغيير للواقع، أخبروني ماذا صنعت المظاهرات لأي قضية على وجه الأرض؟ وماذا حصدنا بها؟ أقول هذا احتساباً لله عز وجل، ودفعاً لشبهة زرعت في بعض الرءوس. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، وانصر عبادك المستضعفين في العراق، اللهم أيدهم بنصرك يا قوي يا متين! اللهم عليك بأعداء دينك

مقومات الشخصية اليهودية في القرآن الكريم

مقومات الشخصية اليهودية في القرآن الكريم أيها الإخوة الكرام الأحباب! معرفة العدو لا يمكن لنا أن نتعرف عليه على سبيل الثقة واليقين إلا من كتاب ربنا عز وجل: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء:45]، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، سبحانه وتعالى، فصفات ومقومات الشخصية اليهودية في القرآن الكريم واضحة بينة، حتى إن بعض المتخصصين أخذ رسالة دكتوراة في صفات بني إسرائيل في القرآن، أو مقومات الشخصية اليهودية من القرآن، وحينما نقول من القرآن فهو الكتاب الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، فما هي صفات هذه الشخصية؟ إن تتبعنا بالحصر لن ننتهي، ولكننا سنأخذ نماذج لها.

الإلحاد في العقائد

الإلحاد في العقائد أولاً: الإلحاد في العقائد، وكلمة الإلحاد في العقائد تعني الانحراف، واللحد: هو المكان المائل الذي يفتح في الأرض ليدفن فيه الميت، فالإلحاد يعني: الميل والانحراف، فعقيدتهم في الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64]. {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]. وقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، وقالوا: إن الله خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ثم تعب، فأراد أن يستريح فاستراح يوم السبت، وربنا يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، فعقيدتهم في الله عقيدة إلحاد وتحريف. أما عقيدتهم في الجنة: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]، أي: أن أي دعوة ليس عليها برهان دعوة ساقطة، ربما يقول قائل: فلان كذا، يتهمه {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:111]، فلابد أن تقيم البرهان على كل دعوة، ولو سرنا بهذا المنهج لاستقامت الحياة دائماً وأبداً، شخص يقول: سمعت فلاناً يقول: كذا عن فلان، فلا بد أن تقول له: هل عندك دليل؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]، فلان من الخوارج، فلان مرجئي، فلان اعتزالي وهكذا تهم، بعضنا يتهم بها البعض، أين البرهان والدليل؟ وأين الكلام الواضح البين؟ كما أنه محظور أن تقذف، لكن إذا قذفت لابد من أربعة شهود، ولو أننا سرنا على منهج هذه الآية فقط لاستقامت الحياة في تعاملاتنا، يقول الله تعالى لليهود والنصارى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:111] في قولكم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة:111] فهذه أماني: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111]. أما عقيدتهم في النار: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة:80]، سندخل النار مدة أربعين يوماً فقط، وهي مدة عبادتهم للعجل، صنعوا العجل وعبدوه من دون الله، يقول الله لهم: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80]. أما عقيدتهم في الملائكة، فقد قالوا لرسولنا صلى الله عليه وسلم: لو نزل عليك ميكائيل لآمنا بك، أما جبريل عدونا اللدود، نحن نبغضه؛ فأنزل الله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:97].

تحريف الكلم عن مواضعه

تحريف الكلم عن مواضعه ثانياً: من صفات هذه الشخصية أيضاً: أنها تحرف الكلم عن مواضعه، يقول ربنا في حقهم: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:46]، فقد قال الله لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة:58]، على هيئة معينة {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:58]، فحرفوا في الفعل والقول، دخلوا على مقاعدهم ولم يدخلوا سجداً وقالوا: حنطة! لذلك هم أساتذة التحريف في الدنيا، يقول الله سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79]. أورد العلامة ابن حزم في كتابه القيم (الأدلة العقلية في تحريف التوراة)، منها: أن التوراة بها أماكن لم تسم بهذه الأسماء أيام نزول التوراة، مثال هذا: أن هذا الحي يسمى (الزيتون). قبل خمسمائة سنة ماذا كان اسمه؟ كانت أرضاً صحراء ليس فيها منازل ولا زيتون، فإن جاء رجل وقال: مررت بالزيتون منذ ألف سنة. كاذب أم صادق؟ سنقول: كذاب (100%)، فحين تحدثنا التوراة عن أسماء أماكن موجودة الآن، وسميت بهذه الأسماء بعد نزول التوراة بآلاف السنين، هل هذا كلام صدق أم كذب؟ A كذب. إذاً: ابن حزم يستدل بالأدلة العقلية في تحريف التوراة فضلاً عن الأدلة النقلية، والأنبياء معصومون اصطفاهم الله وجعلهم للناس أسوة: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]، فهل أقتدي برجل منحرف في سلوكه؟ اقرأ عن أنبياء الله في التوراة، بل العجب في سفر التكوين والأسفار الخمسة التي عندهم أن نبياً شرب الخمر فأخذت عقله وزنى ببنتيه زنا محارم، يعني: نبي يزني ولا يزني بامرأة أجنبية، وإنما يزني ببنتيه بالصغرى ثم بالكبرى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5].

السعي في الأرض فسادا

السعي في الأرض فساداً ثالثاً: من صفاتهم كما قال ربنا: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:33]، أي فساد في الأرض من خلفه اليهود، أقسم لكم بالله أن ما يحدث الآن على الواقع الذي نعيشه من خلفه اليهود، هم الذين يحركونه لمصالح ولأغراض، فينشغل الناس بالعراق كما هو حادث، وينصرفون عن فلسطين فيبيدونها ويهجرون أهلها وينفردون بها في غيبة المسلمين عن إدراكها، فهذا أمر مقصود، ودولتهم مرسومة من النيل إلى الفرات، فهو مخطط معروف ومكتوب، وقد صرح بيجن تصريحاً يضر بسياستهم، برر ذلك بقوله: اطمئنوا. فإن العرب لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يحسنون الفهم، وإذا فهموا لا يحسنون العمل. هذا تحليل رجل يهودي للشخصية المسلمة، فنحن ينبغي علينا أيضاً أن نحلل تلك الشخصية: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:33]، فبيوت الأزياء العالمية يهودية، وكل الموديلات التي يلبسها البنات المسلمات اليوم صناعة يهودية، ولعبة كرة القدم صناعة يهودية، اسمع ولا حرج. دخلت امرأة مسلمة إلى سوق اليهود في المدينة يسمى سوق بني قينقاع، وكانت منتقبة، فراودها يهودي على أن تكشف الوجه فقط فأبت، فربطوا آخر ثوبها بمقدمته. يعني: ذيل الجلباب ربطوه بمقدمة الجلباب بحيث إذا قامت بدت العورة، وهذا يبين لك أنهم يريدون لعورات المسلمين أن تبدو، وهذا ما نجحوا فيه الآن، فالعورات الآن تبدو دون ربط للمقدم بالمؤخر. فلما قامت المرأة انكشفت عورتها فصرخت بأعلى صوتها؛ لأنها حرة يا أخي! أما التي تظهر العورة هذه ليست بحرة ولا عفيفة، ألا تغار؟ ألا تستحي من شكلها ومن مظهرها؟ فصرخت بأعلى صوتها، وكان بجوارها رجل مسلم. ما قال مثل جحا يقول: صباح الخير يا جاري. أنت في حالك وأنا في حالي، وأنا مالي، الضرب عنده هناك، أما أنا فمالي وله، هذه مشكلته، اعلم أن الأدوار تتوالى، وصراعنا صراع وجود لا صراع حدود، ولا هي مشكلة نزع أسلحة، إن المقصود السيطرة على بلاد المسلمين ومقدراتهم. ولن يرحم التاريخ من تخاذل، والذي نفسي بيده سيكون العار في سجلاته، وسيقص التاريخ أن هناك جيلاً بطن الأرض كان أفضل له من ظهرها؛ وذلك لأن التخاذل ليس من شيم المسلمين أبداً، أعيش كريماً وبحرية أفضل من أن أعيش ذليلاً، ولذلك هب ذلك المسلم على اليهودي فقتله في الحال دفاعاً عن العرض: (من مات دون عرضه فهو شهيد) عند ذلك اجتمع اليهود فقتلوه؛ لأنه لا يستطيع أن يقتله بمفرده؛ لأن الله قال في حقهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]، هذه طبيعة اليهود. اجتمعوا عليه فقتلوه، ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجهز جيشاً وذهب إلى بني قينقاع، وأدبهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن لقنهم درساً في احترام أعراض المسلمين، ولا تفهم اليهود إلا هذه اللغة، لغة السك على الدماغ، لا يعرفون سواها، أما أن تقول لي: محاورة محاورة، فكم لنا من سنوات ونحن نحاور؟ وسنظل نحاور إلى متى؟ فدائرة المفاوضات ومائدة المائدة طالت جداً، أنا لا أعرف ما هي هذه المائدة؟ هؤلاء هم اليهود ولن يكونوا يوماً بخلاف ما قال الله.

تشديد اليهود على أنفسهم بكثرة جدالهم وسؤالهم

تشديد اليهود على أنفسهم بكثرة جدالهم وسؤالهم رابعاً: من صفاتهم: أن الله أمرهم أن يذبحوا بقرة، وذلك عندما قتل فيهم رجل، والذي قتله واحد منهم، وأراد أن يلفق التهمة بغيره، وهذا يعطيك مؤشراً إلى أنهم يقتلون ويتقبلون العزاء، يقتلون ويذبحون ويرفعون الشعارات الكاذبة، أي: أن فعلهم يختلف عن قولهم، وهذا ما صنعه ذلك الرجل، قتل عمه ثم ذهب إلى موسى عليه السلام يقول له: عمي قتل، فمن الذي قتله؟ فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] أي: الآمر لكم هو الله، لكنهم يهود: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة:67] أتمزح معنا يا موسى! وهل يجوز لموسى أن يمزح في أمر الله، قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة:67]، فكانت الإجابة: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:67 - 68] ولم يقولوا: ادع لنا ربنا، {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:68] أنت {يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:68] خير الأمور أوسطها {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة:68 - 70]، هذا يشير إلى أنهم قوم جدل ومراء وكثرة سؤال بغير حق، فالله أمرهم أن يذبحوا (بقرة) جاءت نكرة في سياق الشرط وأفادت العموم، فأي بقرة كانت تجزئ، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:71] أي: سالمة من العيوب، {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:71] الآن جاء بالحق، وقبل ذلك جاء بالباطل؟! {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، فأمرهم الله أن يأخذوا جزءاً من البقرة ويضربوا القتيل به ففعلوا، فأحياه الله عز وجل بعد موته وأخبر عن قاتله، فيا لها من مؤامرات ودسائس!

قساوة قلوب اليهود وسفاهتهم وحقدهم على المسلمين

قساوة قلوب اليهود وسفاهتهم وحقدهم على المسلمين خامساً: يقول ربنا في وصفهم أيضاً: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، والذي نفسي بيده نرى طفلاً يرضع لا يملك أن يدافع عن نفسه فيطير رأسه، وامرأة يدفنونها حية ثم يخرجونها هكذا أمام الناس، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، وهم السفهاء الذين قال الله في حقهم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} [البقرة:142]، وهم الذين قال الله في شأنهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5]، فضرب لهم مثلاً بالحمار سبحانه وتعالى حتى نتعظ ونأخذ الدروس والعبرة. أيها الإخوة الكرام! مقومات الشخصية اليهودية في كتاب رب البرية يحتاج منا إلى سعة دراسة وإلى تحقيق؛ حتى نعلم العدو. اللهم إنا نسألك يا ربنا! أن تنصرنا عليهم. إنك على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

شروط الجهاد في سبيل الله لاسترداد أرض مغصوبة

شروط الجهاد في سبيل الله لاسترداد أرض مغصوبة Q سمعت من أحد الإخوة أنه ليس لنا جهاد في أرض العراق ما لم ترفع راية الإسلام، بل على العراق وحده الجهاد في سبيل استرداد وطنه، ولا نملك إلا الدعاء، فهل لنا جهاد في العراق، أم الدعاء لهم بالنصر فقط؟ A الحقيقة هذه مسألة خطيرة جداً؛ لأني أسمع كثيراً من الأصوات ترددها الآن، الجهاد في الإسلام له شروط: أولاً: أن يكون تحت راية واضحة ومرفوعة على أرض العراق، ونحن مع العراق لا شك، لكنني كسلفي موحد أجاهد تحت هذه الراية، لا أملك هذا. ثانياً: لابد أن يكون للمسلمين دولة ولها خليفة يبايعه الناس، ويرفع راية الجهاد، عند ذلك يجب عليك أن تدخل تحت الراية، فلا يلزمك الجهاد أبداً، وإنما هو فرض عين على من بداخل البلاد، وهذا قول العلماء، أما أنت فتصنع ما تستطيع أن تصنعه وأنت في بلدك، أما أن تخرج دون راية واضحة ودون إعداد عدة ودون أن يكون هناك دولة للمسلمين ترفع راية الإسلام فهذا لا يجوز، ولا أريد أن أحبط أو أثبط، لكن ينبغي أن نعرف معرفة اليقين أن نظام العراق نظام بعثي يقوم على حزب البعث الذي أسسه ميشيل عفلق فضلاً عن تشيع بعضهم، وهذا كله ليس معناه أن نتخلى، لكني أريد أن أقول: إن الراية راية عمية، ليست هي الراية التي يجب علينا أن نجاهد تحتها، وعلى ذلك لابد أن ننصر إخواننا في العراق بالدعاء، وبكل ما نملك من وسائل، أما أن تقول: إن الجهاد فرض عين، وعلي أن أذهب، هذا كلام غير مقبول، والله تعالى أعلم.

حكم القنوت في الصلوات الخمس بسبب احتلال أرض العراق

حكم القنوت في الصلوات الخمس بسبب احتلال أرض العراق Q هل نقنت في الصلوات الخمس الآن بعد احتلال العراق من الأمريكان؟ A نعم. هذه نازلة حلت ببلد مسلم، فيجوز أن نقنت في الفروض الخمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظل شهراً كاملاً يقنت في الفروض الخمس على رعل وذكوان، وهما قبيلتان قتلتا حفظة القرآن، والقنوت يا إخواني! في النازلة فقط، وأجد البعض إذا قنت في الظهر يقول: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، يقول دعاء قنوت الوتر، ودعاء القنوت يكون في النازلة، وأن تسمي النازلة باسمها، والله تعالى أعلم.

ما يلزم من قذف المحصنات وقد أدركهن الموت

ما يلزم من قذف المحصنات وقد أدركهن الموت Q كيف يكون التكفير عن ذنب قذف المحصنات إذا كان قد مر على ذلك سنون والشخصيات غير موجودة؟ A الحقيقة قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ذنب عظيم يحتاج منك إلى توبة وإقلاع وندم، أما إن كان القذف لشخصيات غير موجودة فيكفيك أن تتوب بينك وبين الله، وأن يتوب الله عليك، والله عز وجل يوم القيامة يرضيهم عليك طالما حسنت توبتك، ولشيخنا ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين قولاً مثل هذا، فلترجع إليه، والله أعلم.

حكم ضرب الأمريكان ودول الخليج وبعض الدول العربية للعراق عند غزوه الكويت

حكم ضرب الأمريكان ودول الخليج وبعض الدول العربية للعراق عند غزوه الكويت Q هل يكون العراق العدو المشترك لأهل الصليب والمسلمين؟ وهل لأمريكا أن تضرب العراق من الكويت مع سكوت العرب المسلمين؟ A الحقيقة مثل هذه المسائل لا يجوز المتاجرة بها، فهرمجدون أظهروا المهدي والمسيح الدجال بعد اقتراب الساعة، هذا الكلام المستهلك الذي لا يتحدث فيه إلا من يريد أن يروج لكتاب أو يزايد بقضية، لا يا عبد الله! هذا ليس طريق منهج السلف الصالح، ربما يقول قائل: صدام هو الذي يسمى في هرمجدون بـ السفياني، وفي صحيفة أبي نعيم كلام خطير ليس عليه أدلة، أن هذه الحرب مقدمة للملحمة، وسينتصر فيها كذا، ويحمل النصوص ما لا تتحمل، ما أنزل الله بذلك علماً، ولا ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أما قولك: إن أمريكا تضرب العراق من الكويت، فهي مسألة لا يختلف عليها اثنان، ولا ينتطح فيها كبشان أو عنزان، مسألة واضحة أنت تفهمها وأنا أفهمها، فاجعلها هكذا مفهومة، ماذا أقول يا عبد الله؟! فنسأل الله العافية.

التشجيع على محاربة عملة الدولار وغيرها من عملات الكفار

التشجيع على محاربة عملة الدولار وغيرها من عملات الكفار Q لو أننا سحبنا الودائع التي بالدولار واستغنينا عنه ولم نطلبه، فأنا معي عشرون ألف جنيه لا أحولها إلى دولار، ولا أطلب هذه العملة أبداً ولا أتعامل بها، ماذا سيحدث لهذه العملة؟ A هذا رجل على الفطرة والله، الطلب عليها يقل، وبالتالي سعرها يقل، وبالتالي يتدهور الدولار، فهذه وسيلة، لكن كل واحد منا يقول: غير الجنيه واجعله دولاراً، فعلى المسلم أن يدعم اقتصاد بلد مسلم وعملة بلد مسلم، أما أن تقول: أنا لا أحمل إلا دولاراً يا عبد الله هذه من الأمور التي لا ينبغي أبداً أن تخفى علينا، فهي ألف باء المسائل الاقتصادية. والمعروف أن اليورو بثمانية جنيهات، والدولار بستة جنيهات، بعض إخواننا في هذين اليومين كان يشتري الدولار بخمسة وأربعين جنيهاً ويضعه وديعة، ثم يقبضه ليكسب، فمنهم من كسب مائة ألف بضربة واحدة عند ارتفاع سعر الدولار، وهو بذلك، يدعم اقتصاد عدوه، وهذه مصيبة كبيرة، لا يجوز ذلك يا عبد الله! قاطع هذه العملة لينخفض الطلب عليها حتى يتدهور السعر، وحينما يتدهور السعر ربما يقوم الشعب الأمريكي بنفسه بمظاهرة على رئيسه لتدهور الحالة الاقتصادية، فيقتلونه بأيديهم، فالأمور تحتاج منا إلى سعة أفق. أخبرني أحد الأشخاص أن شركة (بيبسي كولا) تراجعت مبيعاتها إلى ستين مليون جنيه في السنة الماضية بسبب المقاطعة التي حصلت، وفي إحصائية في مركز صغير كمركزنا أيضاً يشير إلى مثل هذا المعنى، تراجع في مبيعات الشركة على هذا النحو، فلا ينبغي أبداً أن نغفل عن مثل هذا الأسلحة، والله تعالى أعلم.

المقصود من قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية))

المقصود من قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)) Q قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]، هل معنى هذا أن الله نجى الله جسد فرعون في زمنه فقط، أم أن جسده إلى الآن موجود، وهل فرعون هو رمسيس الثاني، أم لا؟ A الحقيقة أن الله عز وجل أمر البحر فألقى جسد فرعون؛ حتى يتحقق اليهود من موته، وبعض الكتب تقول: إن فرعون هو رمسيس الثالث، وهذا التحقيق ليس عندنا فيه يقين، ولا ندري أين كان لما أنجاه الله ببدنه بعد موته وهلاكه.

حقيقة المومية المنسوبة لفرعون

حقيقة المومية المنسوبة لفرعون Q هل المومية الموجودة الآن هي لفرعون أم لا؟ A تحتاج إلى تحقيق تاريخي أيضاً، والله تعالى أعلم.

حكم خروج المرأة إلى المسجد واضعة المكياج في وجهها تحت النقاب

حكم خروج المرأة إلى المسجد واضعة المكياج في وجهها تحت النقاب Q هل يجوز أن تأتي المرأة المنتقبة إلى المسجد وتضع المكياج في وجهها؟ A الحقيقة جاءتني أكثر من شكوى من هذا الموضوع، أن بعض الملتزمات يخرجن إلى المسجد بطريقة غير شرعية، إذا خلعت النقاب تجد فيها ألوان الطيف السبعة، ما هذه المصيبة؟! تتقي الله عز وجل؛ لأن هذا لا يستقيم مع الزينة التي تلبسها. كذلك جاءتني شكوى أن بعضهن يأتين بطريقة سافرة أكثر من التبرج، يعني: منتقبة، لكنها تلبس النقاب بطريقة استفزازية، لا يا أمة الله! لا ينبغي أن يكون اللباس لباس زينة، فاتقي الله في نفسك، هذا شيء لا يرضي الله عز وجل. وبغضِّ النظر عن أصابع اليد والوجه، نحن نقول: ملابس المرأة ينبغي أن تكون مطابقة للشرع، وألا تكون على هذا النحو، والله تعالى أعلم.

حكم الوشم

حكم الوشم Q ما حكم الوشم؟ A حرام (لعن الله الواشمة والمستوشمة).

الأمور التي تساعد على الإقلاع عن الذنب تماما

الأمور التي تساعد على الإقلاع عن الذنب تماماً Q كيف أتوب إلى الله توبة نصوحاً وعدم الرجوع إلى المعاصي مرة أخرى، والاعتصام منها، والثبات على الإيمان؟ A التوبة إلى الله تكون بالندم والعزم والإقلاع، لكن يبدو أنك على ذنب كبير وتعود إليه، هذا السؤال أفهم منه هذا، ويبدو أنك لا زلت تسكن في أرض المعصية، يعني: قد تكون في كلية الآداب مثلاً، وتقول: وقعت في جريمة مع صديقة لي في الفرقة الثالثة، وأريد أن أتوب إلى الله، وما دامت هي بجوارك في مدرج المعصية تراودك، سنة أو شهراً أو شهرين فإنك ستقع في الآخر، فعليك أن تنقل من آداب القاهرة إلى آداب عين شمس، واترك أرض المعصية؛ فمن شروط التوبة إلى الله أن تقلع عن أرض المعصية الإقلاع التام، والله تعالى أعلم.

حكم نهي الوالدين لابنتهما عن التستر والحجاب

حكم نهي الوالدين لابنتهما عن التستر والحجاب Q أهلي يرفضون أن ألبس النقاب الآن، ويقولون لي: بعد أن تتزوجي البسيه، وخطيبي يخيرني بينه وبين النقاب، وأمي كذلك تقول لي: إن النقاب سيوقفك عن العمل، أما أنا فأريد أن أرتديه، ولكن إذا حدث إذا قدر الله حرباً في مصر أريد أن أكون من المجاهدين، فكيف سأجاهد وأنا بالنقاب، وكيف أثبت عليه؟ A لا. لا نريدك أن تجاهدي، أين سيذهب الرجال إذا خرج النساء؟ جهادك يكون في بيتك، فحسن تبعلك لزوجك وتربية أولادك التربية السلفية الصحيحة على المنهج هو جهادك، وجهادك هو الحج كما قال صلى الله عليه وسلم. لا ينبغي للأب والأم أن يمنعا البنت من لبس النقاب أبداً، هذا أمر بمعصية، ولا يجوز للبنت أن تسمع الأمر في معصية الله عز وجل، والذي يزوج البنات هو الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي أن نقول: كشف الوجه سيأتي بالعريس، الذي يذلل العريس ويأتي به هو رب العالمين عز وجل، وحينما تسجدين وتدعين ربك عز وجل أن يرزقك الزوج الصالح هذا هو الطريق، والله تعالى أعلم. نكتفي بهذا القدر لضيق الوقت. بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، ولا تنسوا إخوانكم من الدعاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وقفة مع سورة الإنسان

وقفة مع سورة الإنسان ذكر الله عز وجل في سورة الإنسان فضل إطعام الطعام والإنفاق مما يحبه الإنسان ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى، وأن من فعل ذلك سيكون جزاؤه الجنة، يتنعم فيها بالحرير والحور العين وأنواع الفواكه والأطعمة وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وينجيه سبحانه ويقيه شر يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)

تفسير قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) الحمد لله رب العالمين الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن نبينا ورسولنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين اصطفاه الله على الأنبياء والمرسلين. ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها لجنة أبداً أو لنار أبداً. أيها الإخوة الكرام! نواصل الحديث مع سورة الإنسان في اللقاء الأول، وفي اللقاء الثاني أقف وقفة لا بد منها دفاعاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد طفح الكيل، ففي الأجهزة المرئية والمسموعة، بل وفي المناهج التي تدرس على أبنائنا في المرحلة الإعدادية سب واضح بيِّن لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فكان لا بد من وقفة؛ لعل من استطاع أن يبلغ أو استطاع التغيير أن يغير، فهذا واجبنا تجاه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: ونبغض من أبغض أصحاب رسول الله؛ لأن حبهم إيمان وإحسان، وبغضهم كفر وعصيان. وسأؤجل الحديث عن هذه القضية إلى اللقاء الثاني، وأقرأ على مسامعكم من كتاب الدراسات الاجتماعية الذي يدرس على الصف الثاني الإعدادي في مصر ما سطر وكتب في شأن عثمان رضي الله عنه، وفي شأن معاوية رضي الله عنه، وفي شأن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهؤلاء هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الأعلام، وقد حذر من سبهم أو التعريض بهم أو الدخول في الخلاف الذي وقع بينهم، فهي فتنة طهر الله منها أيدينا، فعلينا أن نطهر منها ألسنتنا، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عن أصحاب رسول الله. توقفنا عند قول الله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8]، أي: على حب الطعام، والدليل أنه على حب الطعام: قول الله تبارك وتعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177]، وأفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولذلك كان الربيع بن خثيم من السلف إذا جاء سائل يطرق بابه، قال: أعطوه سكراً؛ فإن الربيع يحب السكر، فكان يختار ما يحب لينفقه للسائلين والمساكين واليتامى، فيخرج ما يحبه لربه؛ لأن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]. وقال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177]، أي: مع حاجته له، ومع رغبته فيه، ومع ذلك يتصدق به لربه عز وجل. يختار أصحاب الحاجات: (مسكيناً) وقد عرفنا المسكين في اللقاء السابق، (ويتيماً)، اليتيم: هو من مات أبوه. والذي أعاد البسمة إلى وجوه اليتامى هو سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نشأ يتيماً حيث مات أبوه وهو في بطن أمه؛ فقال له ربه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6]، ثم قال له: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9]. فالمسح على رأس اليتيم عبادة، وكفالة اليتيم عبادة، فهل تريد أن تكون بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؟ أي شرف ومنزلة؟ ومن منا لا يرغب في هذه المكانة؟ اسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وقرن بين السبابة والوسطى)، انظر إلى هذا الشرف! فإن أي كافل يتيم يقف في الجنة بجوار رسول الله، فيا له من شرف! فاطرق أبواب اليتامى، ولذلك لما أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10]، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والآية فيها زجر وتهديد ووعيد شديد لمن يأكل أموال اليتامى، وقد كان من كان عنده يتيم في حجره يعزله بماله بمأكله بملبسه، فلم يخالطه؛ فأنزل الله سبحانه فيه رفعاً للحرج: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُ

تفسير قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله)

تفسير قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله) قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9]، أي: إنما نطعمكم ابتغاء وجه الله سبحانه، وطلباً لرضا الله، ولا نريد منكم أن تكافئونا على هذا الإطعام، ولا أن تشكرونا بين الناس، لا نريد منكم جزاءً لنا، ولا شكوراً عند الناس، ((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ))، وهذا هو الإخلاص. ولذلك يوم أن يتحقق الإخلاص في قلوبنا تكون الأعمال اليسيرة كثيرة، فكم من عمل صغير عظمته النية، وكم من عمل كبير حقرته النية، ولذلك قالوا: كم من قتيل بين الصفوف الله أعلم بنيته. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل. والإخلاص هو طريق الخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وكان السلف يتحرون الإخلاص في كل أعمالهم، حتى إنهم كانوا يؤدون الأعمال ولا يعرفها أحد من البشر، ولا تعرف إلا بعد موتهم، فبعد الموت يكتشفون أن فلاناً كان يقوم على رعاية فلان، أما في حال حياته فكان يخفي عمله بينه وبين ربه. دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أرض معركة بعد أن وضعت الحرب أوزارها يتعرف على القتلى من المسلمين، فوجد رجلاً مسلماً وقع شهيداً، فنادى على الحضور: من يعرفه؟ فقلبوه، وإذا بالكل لا يعرفه، فبكى عمر وقال: ما ضره أن عمر لا يعرفه، يكفي أن الله يعرفه. فلا يقدم ولا يؤخر أن يعرفك الناس، ولكن لا بد أن تبتغي بعملك وجه الله، لا أن يقال عنك: العالم العلامة، والحبر الفهَّامة، وأستاذ الأساتذة، فإن كانت نيتك أن تتعلم علماً لتماري به العلماء، أو تجادل به السفهاء، أو لتلفت أنظار الناس إليك؛ فعملك حابط يا عبد الله! فابكِ على عملك وعلى نفسك، وكن على خوف بعد العمل الصالح ألا يتقبله الله عز وجل، وألا يكون عملك كما قال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. وقال عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. وقال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:9 - 10]، قال ابن عباس في قوله: (عبوساً): ضيقاً، وقال في قوله: (قمطريراً): طويلاً، وهذا اختيار الحافظ ابن كثير رحمه الله. ولذلك تعبس فيه الوجوه، ويتقلص فيه الجبين، من شدة هوله، ولذلك ربنا يقول في هذا الشأن: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10].

تفسير قوله تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا)

تفسير قوله تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً) ثم قال تعالى: {فَوَقَاهُمْ اللَّهُ} [الإنسان:11]، دفع عنهم، {شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً} [الإنسان:11] في وجوههم، {وَسُرُوراً} [الإنسان:11] في قلوبهم؛ لأن النظرة تكون للوجه، والسرور للقلب، (كان صلى الله عليه وسلم إذا سرَّ استنار وجهه كأنه القمر)، فسرور القلب على التوِّ والفور يعطي نضرة في الوجه؛ كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. فقوله تعالى: {فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:11]، فجزاهم حسن الظاهر بنضرة الوجه، وجزاهم حسن الباطن بسرور القلب، وكل إنسان يسعى إلى السرور، وكل إنسان يبحث عن السعادة، فجامع المال يظن أن في المال السعادة، والذي يسعى إلى الملك والمنصب والكرسي يسعى إلى تحقيق السعادة، والذي يريد الولد يسعى لتحقيق السعادة، فهل السعادة في كثرة المال؟ وهل السعادة في كثرة الولد؟ وهل السعادة في تحقيق الملك والمنصب؟ وهل حقق المال السعادة لـ قارون؟ قال عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76]، يعني: مفاتيح الخزائن يعجز جماعة الرجال عن أن يحملوها، فما بالك بالخزائن؟ {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص:79]، يركب المراكب الفارهة، والحرس عن يمينه وعن يساره، والطبل يدق بين يديه، والعلم يرفع فوق رأسه زينة وبهرجة، والناس ينقسمون إلى قسمين: قسم ينظر ويقول: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]، وهؤلاء هم طلاب الدنيا، ينظرون إلى الأغنياء فيقولون: يا ليت لنا مثل ما عندكم، فيا عبد الله! لا تتمن هذا، فعنده الكثير الذي يخفى عليك من الهم والمرض، لكنك لا تعرف، ورغم وجود المال فالمال لا يسعد، يقول ربنا سبحانه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص:81 - 82]، ثم قالوا: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص:82]. وهل حقق الملك السعادة لفرعون؟ قال عز وجل حاكياً عنه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فكان له ملك مصر، وكل الناس يأتمرون بأمره، ولذلك أرسل الله كل نبي إلى قومه، إلا موسى أرسله إلى فرعون، كما قال تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه:24]؛ لأنه في ذلك الوقت كانت الرعية في مصر تأله فرعون، قال عز وجل: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54]، لذلك لما أغرق الله فرعون قال له: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]، آية لكل ظالم، وكما قال: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] أجراها الله من فوقه، والجزاء من جنس العمل، وقد قال قائلهم الظالم للموحدين: لو نزل ربكم لحبس معكم في زنزانة؛ فابتلاه الله بأن كان على طريق الإسكندرية الصحراوي، فدخل بسيارته في سيارة تحمل أسياخ حديد، فقطع الحديد جسده إرباً إرباً، قال عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم:42]، والقصاص في هؤلاء يكون فيه عبرة وعظة لغيرهم، فحدثني عن أي ظالم لم يكن فيه عبرة وعظة لعباد الله سبحانه؟ فالظلمة وأصحاب المعاصي حياتهم تنتهي بكارثة لا شك، فهذا يقتل زوجته التي تزوجها زواجاً عرفياً، ثم يقتل مدير أعماله، ثم يقتل نفسه؛ ليكون عبرة لمن كان على شاكلته، وهذه هي النهاية، فحياتهم رخيصة، لكن حياة المؤمن غالية، لها ثمن عند الله عز وجل، هذه هي نهاية العصاة، يموتون كالجيف، والله عز وجل لا يرضى عنهم، والناس تلعنهم بما قدموا، وبما كسبت أيديهم، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2]، اعتبروا يا شباب! فيا من تبحث عن الشهرة ويا من تبحث عن المال، ليست السعادة في المال ولا الشهرة، واسمع إلى قول ربك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]، يا لها من حياة! فحياة المؤمنين وحياة الذين يسجدون آناء الليل وأطراف النهار حياتهم هنيئة سعيدة.

تفسير قوله تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)

تفسير قوله تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) قال سبحانه: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12]، الصبر: هو حبس النفس على طاعة الله، أو حبس النفس عن معصية الله، أو حبس النفس على أقدار الله المؤلمة، فهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن تصبر على الطاعة. الثاني: أو تصبر عن المعصية. الثالث: أو تصبر على قدر الله. والأقدار إما أن تكون مؤلمة، وإما أن تكون ملائمة، وفي الصبر على القدر المؤلم الخير الكثير، (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه -أي: بعينيه- فصبر عوضته الجنة)، هذا الجزاء لأنه صبر على قضاء ربه سبحانه. وبعد غزوة حنين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم بين أصحابه، ومن الناس من إذا أعطيته رضي، وإن لم يعط يسخط، ويطعن فيك، ويقول: هذا عمل لا يراد به وجه الله عز وجل، فإن أعطيته فأنت نعم الرجل، وإن لم تعطه فأنت بئس الرجل وهكذا. فأعطى النبي عليه الصلاة والسلام الأقرع بن حابس مائة من الإبل، والأقرع بن حابس كان حديث عهد بكفر، وأعطى من أعطى ومنع من منع؛ لحكمة ولعلة؛ فقال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! فوصل ذلك إلى سيد البشر عليه الصلاة والسلام، فأمسك بالرجل وقال له: (ويلك! إن لم أعدل فمن يعدل، رحم الله أخي موسى! لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر)، وفي ذلك يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69]، فلابد أن تصبر على الطاعة، وتصبر عن المعصية، وتصبر على أقدار الله المؤلمة. وهكذا تصبر على مجتمعك، فربما إذا كنت ملتزماً يسخر منك الكثير، ويعرضون بك في الكاريكاتيرات، ويعرضون بك في الأفلام والمسلسلات، ويسخرون من الذين آمنوا، ويقولون: أتعرف صاحب اللحية هذا؟ إنه يأخذ بدلاً مادياً بطول اللحية، ثلاثة آلاف جنيه شهرياً للحية، وخمسة آلاف جنيه لتقصير الثياب، وألف جنيه للسواك. فهؤلاء يا عبد الله لا يتورعون في أن يتمضمضوا بأعراض الموحدين ليل نهار، وكلما نزلت إلى الصلاة سخروا منك، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29 - 31]. يقول ربنا: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12]. والذي علمنا الصبر في مجال الطاعات والبعد عن المعاصي، والصبر على أقدار الله المؤلمة هو سيد البشر عليه الصلاة والسلام، أرسلت إليه ابنته تقول له: (يا أبت! إن ابني يحتضر الآن، فأريد أن تأتي، فأرسل إليها مع الرسول يقول لها: مرها أن تصبر وأن تحتسب، فحلفت أن يأتي، فجاءها وأخذ الولد على صدره وروحه تقعقع، فسكب الدموع حزناً عليه، فقال له أحد الصحابة: ما هذا يا رسول الله؟! قال: تلك رحمة يجعلها الله في قلب من شاء من عباده). قال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12]، لم يلبسوا الحرير في الدنيا فلبسوه في الآخرة؛ لأنهم التزموا حدود الله، والتزموا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير، ولا تأكلوا في آنية الذهب والفضة؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)، فكانوا لا يأكلون في آنية الذهب والفضة، ولا يلبسون الحرير، فكان جزاؤهم: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج:23] {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان:21]، وفي الآية الأخرى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31]، ففي الآخرة يحلون من الذهب والفضة، ويلبسون الحرير؛ لأنهم لم يلبسوها لتحريم الله لها، فيا من تلبس دبلة الخطوبة من ذهب أو من فضة، إن كانت من ذهب فهي حرام، وإن كانت من فضة فليست من هدي المسلمين، وإنما هي من هدي أهل الكتاب؛ فالتزم شرع الله سبحانه، لأنهم كانوا يعتقدون أن الدبلة كلما كانت في الإصبع فإنها تتصل بعرق في القلب، ووجودها دليل على الحب، فإذا خلعت الدبلة خلع معها الحب، وهذا كلام لا ينبغي أن يصدقه عاقل، فالإسلام أباح للرجل أن يتزوج من أربع نسوة، فإن تزوج بأربع فأين يلبس الدبل الأربع؟ فهذا تقليد لأهل الكتاب لا ينبغي أن نسير خلفه.

تفسير قوله تعالى: (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا)

تفسير قوله تعالى: (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً) قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} [الإنسان:13]، والاتكاء: هو التمكن، أو هو التربع، والأريكة لا تطلق إلا على السرير المزين بالستائر، ولا تسمى أريكة إلا إذا زين السرير، {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان:13]. وفي الحديث: (إن الجنة سجسج، لا حر فيها ولا برد)، (سجسج) أي: ليس فيها برد مؤلم، ولا حر مفزع، وإنما كالمدة بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس، لا حر فيها ولا برد. قال تعالى: {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان:13]، أي: لا يرون فيها حراً ولا برداً، وإنما هو جو يناسب النعيم الذي هم فيه.

تفسير قوله تعالى: (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا)

تفسير قوله تعالى: (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً) قال تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} [الإنسان:14]، تظلل الأشجار على أهل الجنة مع هذا الجو. قال تعالى: س {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:14]، إذا نظر إلى غصن يريد أن يأخذ منه ثمرة أو فاكهة في الجنة يتدلى فوق رأسه فيأخذه، وإذا كان مضطجعاً يتدلى إليه، وإذا كان جالساً يأتيه، ولذلك ربنا يقول: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23]، يأخذ منها فلا يمنع أيديهم شوك، ولا يمنعهم شيء، ولذلك قال: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} [الإنسان:13 - 22]. وللحديث بقية إن شاء الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

تحريم الطعن في الصحابة وتنقصهم

تحريم الطعن في الصحابة وتنقصهم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى أصحابه الغر الميامين. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا قيمة للأقزام إن ناطحوا السحاب، فأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكفيهم شرف أن الله أثنى عليهم، والآيات في الثناء عليهم كثيرة، كفى أن تعلم أن الله قال في حقهم: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]. وكفى أن تعلم أن الله قال في حقهم: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح:26]. وكفى أن تعلم أن الله قال فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] والبعض يقول: إنها نزلت في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. وكفى أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال فيهم: (أنتم شهداء الله في الأرض). بالأمس عرض مسلسل رجل الأقدار! عمرو بن العاص. وأعيد ويعاد؛ لفرط إعجابهم به، وفيه حوار بين عمرو بن العاص وبين معاوية، يقول عمرو: يا معاوية! لن أقبل أن توليني على مصر إلا أن أستأثر بخراجها فلا تأخذ منه جنيهاً واحداً، أي: أن عمراً يسعى للدنيا، ويحب المال، فيصورون الصحابة على أن كل صحابي يريد الدنيا لنفسه، ولا يتأدب مع أخيه، وهذا إجرام أيما إجرام. واسمع إلى ما كتب هذا المصنف فيما يدرس على أبنائنا، يقول هداه الله: لم تلق سياسة عثمان قبولاً من بعض المسلمين في الأمصار، فعابوا عليه أنه عزل الولاة، وأنه أحل أقاربه. يعرضون به أنه ولى ابن أبي السرح أخاه من الرضاعة على مصر، وولى معاوية الشام، وأخذ يعزل من عينهم عمر، وعين الأقارب رغم عدم كفاءتهم، ولم يكن على هدي أبي بكر وعمر، يقول هذا في عثمان، وأنه يحابي أقاربه على حساب دين الله، هكذا يكتب! ثم انظروا إلى ما كتب المؤلف في حق عمرو بن العاص: اتفق الطرفان - معاوية وعلي - على أن يختار كل منهما رجلاً، فاختار علي أبا موسى، واختار معاوية عمرو بن العاص إلى أن قال: فرفض أبو موسى حكم عمرو بن العاص؛ لأنه غدر به وخانه. فـ عمرو كائد وخائن، ويحب الدنيا! هكذا يصورون لنا أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يطعنون في عثمان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم). والذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان). يطعنون في الصحابة الذين منهم من غسلته الملائكة، ومنهم من اهتز عرش الرحمن لموته، ومنهم من كان يفر الشيطان من طريقه، ومنهم من يدخل من أبواب الجنة الثمانية؛ هؤلاء هم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن الأقزام ومرضى القلوب يطعنون في هديهم، حتى وإن حدث شجار بين صحابي وآخر، فهذا اختلاف نقول فيه: المجتهد فيهم إن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر. فهذا سب لـ معاوية وسب لـ عثمان وسب لـ عمرو بن العاص من أرباب الفن. والطامة تزيد حينما يدرس على أبنائنا هذا الكلام، حينما يدرسون اتهاماً لـ عمرو بالخيانة والمكيدة، واتهاماً لـ عثمان أنه حابى أقاربه. فيا قوم! عودوا إلى كتاب (العواصم من القواصم) لـ ابن العربي، فقد ردَّ على هؤلاء جميعاً، وهكذا (منهاج السنة النبوية) لـ ابن تيمية، وما ولى عثمان معاوية الشام منفرداً، إنما تولى معاوية الشام في عهد عمر، فقد ولاه عمر الشام، وسار عثمان على هديه. قال: وولى الوليد بن عقبة وكان سكيراً، وطعنوا في الوليد، وهذا إجرام، قال: وخان وولى فلاناً وعزل فلاناً، واستأثر بالخراج، وطعن في نيته إلى غير ذلك. وعلماء السلف يقولون: نكف عما شجر بين الصحابة من خلاف. فلا تعرض نفسك أبداً لخلاف كان بينهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تسبوا أصحابي)، واحذر من الوقوع فيهم، ومن التعرض لأحدهم، وأما هل يجوز تمثيل الصحابي؟ فهذا ما أجيب عنه في اللقاء القادم إن شاء الله. ففي حكم تمثيل الصحابي فتوى لدار الإفتاء أستصحبها معي، وفي التمثيل ترى زوجة عمرو أو

أخلاق المسلم في القرآن والسنة - خلق العفة

أخلاق المسلم في القرآن والسنة - خلق العفة كان الناس في الجاهلية في ظلام دامس وجهل ذريع، ومع ذلك كانت المجتمعات لا تخلو من بعض الأخلاق الكريمة، كالكرم وحسن الجوار ونصرة المظلوم، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وكان من الأخلاق التي حث عليها الإسلام: خلق العفاف، وهو الكف عما لا يحل، ويكون العفاف في جميع نواحي الحياة، فعلى المسلم أن يعف عن المحارم وعن المعاصي والآثام.

أهمية الأخلاق الكريمة وفضلها في الدين

أهمية الأخلاق الكريمة وفضلها في الدين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا الليلة مع خلق من الأخلاق الحسنة، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، وحرم وجهي على النار)، فكما أن للإنسان صورة ظاهرة وهي الخَلْق، فإن له صورة باطنة ألا وهي الخُلُق، فلا تغني الصورة الظاهرة عن الصورة الباطنة؛ ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصورتين في الدعاء فقال: (اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي)، وقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، فالأخلاق قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام لم تكتمل، وقد كان الكذب عند العرب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام مذموماً، وكانوا لا يحبونه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ومن الأدلة على أن الكذب كان مذموماً عند العرب ما قاله أبو سفيان قبل أن يسلم في حواره مع هرقل: خشيت أن يؤثر القوم علي كذباً؛ أي: حتى لا يقولوا عني: إنه كذاب، وكان عندهم بعض الحياء أحياناً، لكن الشرك هو شر الأخلاق. إن النبي عليه الصلاة والسلام حدد الهدف من بعثته بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والروح الخلقية الإيمانية تسري في الشريعة: في المعاملات، في العبادات، في العقائد، وفي كل جزئية من أجزاء الدين تسري الروح الخلقية فيه. ففي مجال العقيدة: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، أي: أن الأمانة من الإيمان. وفي روح العبادات: كل الفروض والشرائع التي فرضها الله علينا؛ لتزكية الخلق، فلا نفع في صلاة ولا ثمرة منها إن لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الصيام والحج إلى غير ذلك. لذلك يذهب الدكتور دراز في رسالة الدكتوراه التي أعدها في فرنسا وعنوانها: دستور الأخلاق في القرآن، إلى أن القرآن كتاب أخلاقي، فقصصه وأمثاله ومحكمه ومتشابهه وعقيدته وعباداته ومعاملاته تحتوي على الجانب الأخلاقي، ونحن اليوم مع خلق جديد، وقد تحدثنا قبل ذلك عن خلق الحياء، واليوم عن العفة.

تعريف العفة لغة وشرعا

تعريف العفة لغة وشرعاً من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى). فما هي العفة؟ يقول العلماء: العفة: هي الكف عما لا يحل، أي: منع النفس عما لا يحل، ومنها: عف اللسان عن الغيبة، وعف البصر عن النظر إلى ما يغضب الله، وعف الفرج عن الحرام، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33]. فالشاب الذي لا يقدر على الزواج يصوم، ويكف نفسه عن الحرام بالعفة، ولذلك فإن العفاف: هو الكف عن الحرام، والكف عن سؤال الناس؛ فهذه عفة، وربنا يقول: {يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273]، وفي حق مال اليتيم قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]، أي: أنه يعف نفسه عن مال اليتيم الذي في رحابه؛ ولذلك التعفف: هو تكلف العفة، والاستعفاف: هو طلب العفاف؛ فهذا هو التعريف اللغوي عند علماء اللغة. أما التعريف الشرعي فيقول الأصفهاني في كتابه القيم (المفردات): العفة: هي ضبط النفس عن الملاذ الحيوانية. ويقول الجاحظ: هي ضبط النفس عن الشهوات. ويعرفها الجرجاني في المفردات: بأنها هيئة للقوة الشهوية بين الفجور والخمود. ولذلك العفيف في الشرع عندنا: من يباشر الأمور طبقاً للشرع والمروءة. إذاً العفة في مجملها: ضبط النفس عما حرم الله؛ وهذا خلاصة ما سبق. والإنسان يتكون من قوى: قوة شهوانية، وقوة عاقلة. فالقوة الشهوانية تحتاج إلى ضبط وكبح، والإسلام وضع لهذه القوة سبيلاً إلى الحلال؛ ولذلك كان الزواج وغير ذلك.

أنواع العفة

أنواع العفة تنقسم العفة عند العلماء إلى قسمين:

العفة عن المحارم

العفة عن المحارم العفة عن المحارم تعني: الكف عن محارم المسلمين، من الدم والمال والعرض، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم في أكبر تجمع إسلامي في خطبة الوداع في يوم النحر -والحديث صحيح في البخاري وغيره- قال لأصحابه: (أتدرون في أي بلد أنتم؟)، وهل الصحابة لا يدرون في أي بلد هم؟ لا، لكن الصحابة تعلموا الأدب، والأدب مقدم على العلم؛ ولذلك كان الصحابة يتعلمون سبعين باباً من الأدب، ويتعلمون باباً واحداً من العلم، وكما قيل: علم بلا أدب كالنار بغير حطب، فليكن علمك ملحاً وأدبك دقيقاً كما قالوا، وهذا معناه: أن الأدب يقدم على العلم، ومعناه: أنك تطلب العلم بأدب، وقد جاء ذكر الأدب في طلب العلم في القرآن في أكثر من سورة، وليس هذا هو مقامه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتدرون في أي بلد أنتم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم)، وهذا تسليم مطلق، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن الصحابة أنه سيسمي البلد بغير اسمه، ثم سألهم: (أتدرون في أي يوم أنتم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم)، لا يسأل هذا السؤال إلا لأمر مهم. (أتدرون في أي شهر أنتم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ألستم في بلد حرام، وفي يوم حرام، وفي شهر حرام؟! قالوا: بلى! قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام يحدد الحرمات، فأول أنواع العفة: العفة عن المحارم: عفة اللسان عن الغيبة، وعفة العين عن النظر، وعفة الفرج عن الحرام. عفة المحارم قال عنها العلماء: ضبط الفرج عن الحرام، وكف اللسان عن الأعراض. ربما يكون المسلم طيباً ورعاً تقياً مصلياً، لكنه يترك للسانه الحرية، وهذه مصيبة الأمة، نتمضمض بأعراض بعضنا ليل نهار، لا هم لنا إلا قيل وقال، والاتهام المتبادل، وسوء الظن، والغيبة، وعدم تحري الصدق في الحديث، وهذا مصيبة ما بعدها مصيبة، لذلك لما قال معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، وقال الحسن البصري يخاطب اللسان: يا لسان! قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. فلسان المؤمن مقامه ومكانه خلف قلبه، ولسان المنافق أمام قلبه، والمعنى: أن المؤمن لا يتكلم الكلمة إلا إذا مرت على قلبه ووعاها، وعرف معناها وقصدها؛ لأنه يعرف تمام المعرفة أنه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

العفة عن المآثم والمعاصي

العفة عن المآثم والمعاصي والعفة عن المآثم والمعاصي نوعان: الكف عن المجاهرة بالظلم، وكف النفس عن الإصرار على الخيانة. فالمجاهرة بالظلم أن تظلم جهاراً، أو أن تخون سراً، تعصي ربك عز وجل، فإذا كان العبد بين الناس كان تقياً محافظاً على الحرمات، وإذا خلا بنفسه انتهك المحارم؛ فهذا إنسان لا يوصف بالعفة.

شروط العفة

شروط العفة أما عن شروطها فقد اشترط العلماء للعفة ستة شروط: الأول: ألا تكون العفة انتظاراً لأكثر منه؛ لأنها لو كانت بهذا الشكل فلا تسمى عفة، مثال ذلك: أنت تعطي أخاك عشرة جنيهات، فيقول: لا أريدها، يعف نفسه عنها انتظاراً لخمسين، إذاً: هو ينتظر أعلى منها؛ فيرفض الأدنى، فهذا لا يسمى عفيفاً. الثاني: ألا تكون العفة عن شيء لأنه لا يوافقه، مثال ذلك: لو قسمنا لرجل مقداراً من اللحم في طعامه، فقال: لا آكل اللحم، أعف نفسي عنه، وفي واقع الأمر عنده نقرس، فمنع من أكل اللحم بأمر الطبيب، فهو يعف نفسه عن اللحم؛ لأنه لا يوافقه. الثالث: ألا تكون العفة لجمود شهوة، كرجل مريض ليس عنده قدرة على مجامعة النساء، فإن عف نفسه عن الشهوات وعن الحرام لا يسمى عفيفاً؛ لأن لديه جموداً عن الشهوة. الرابع: ألا تكون العفة عن شيء خوفاً من عاقبته، مثال ذلك: كنت في طريق مسجد العزيز بالله، فإذا برجل يسبك، فنظرت إليه فإذا به صاحب جسم، فقلت: لن أرد عليه؛ لأنك خائف، أما لو كان ضعيفاً فسترد، إذاً: تعف نفسك هنا خوفاً من العاقبة، فإنك لو تكلمت كلمة ستعرف مصيرك، فهل تسمى هذه عفة؟ لا. الخامس: لا تكون العفة عن شيء لمرض أو ما شابه ذلك، فإذا قيل لك: خذ هذا الشيء واشربه، فقلت: أنا أعف نفسي، وفي واقع الأمر قد نُهيت عن شربه لمرض فيك؛ فهل هذه تسمى عفة؟ لا. السادس: لا تكون العفة عن شيء لا يعرفه لقصوره، فهو يعف نفسه عن هذا الشيء لعدم معرفته. إذاً: خلاصة الأمر: أن العفة لها شروط ستة، وقد ذكرها العلماء في بيان مكانة العفة.

بيان تمام العفة

بيان تمام العفة من تمام العفة ما قاله ابن القيم رحمه الله: ولا يكون الإنسان تام العفة حتى يكون عفيف اللسان والسمع والبصر -الجوارح- فعفة اللسان تشمل عدم السخرية: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11]، وعفة اللسان تشمل: عدم التجسس، وعدم الغيبة، والنميمة، والهمز، والتنابز بالألقاب. وعفة البصر تشمل: عدم مد البصر إلى المحارم، وزينة الحياة الدنيا. وعفة السمع تشمل: عدم سماع كل ما هو قبيح ومحرم من المسموعات. إذاً: الذي يجلس ويسمع ما يغضب الله لا نستطيع أن نصفه بأنه عفيف. وعفة اللسان وعفة الأذن وعفة البصر من تمام العفة. وجماع العفة: أن تحفظ الجوارح، ولا يطلقها صاحبها في شيء يغضب الله عز وجل. رأى بعض السلف رجلاً قفز من فوق السفينة إلى الشاطئ، وقد بلغ من العمر مائة سنة، فعاتبوه ولاموه، وهذه القصة ذكرها ابن رجب في كتابه القيم: (نور الاقتباس في مشكاة النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عباس)؛ لأن حديث: احفظ الله يحفظك شرحه ابن رجب في مجلد خاص، قال: إن بعض السلف رأوا رجلاً كبيراً عجوزاً تقدم به السن قفز قفزة طويلة من فوق السفينة إلى الشاطئ، فقيل له: يا رجل! أما خفت على نفسك؟ فقال: هذه جوارح حفظناها في الصغر؛ فحفظها الله لنا في الكبر.

الآيات القرآنية الواردة في العفة

الآيات القرآنية الواردة في العفة لا بد أن نحاسب الجوارح عما تقدم، يقول ربنا في سورة البقرة: {لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273]، ويقول ربنا في سورة النساء: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6]، والابتلاء: الاختبار، واليتيم عندنا: من مات أبوه، وفي الطيور: من ماتت أمه، واللطيم: من فقد الأب والأم، واليتيم في البشر الذي لم يبلغ الحلم، فإن بلغ الحلم لا يسمى يتيماً، فلا يصح أن يطلق لقب يتيم على من بلغ الأربعين: (لا يتم بعد احتلام ولا رضاع بعد فطام)، رواه الدارقطني، والله يقول: ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَى))، أي: اختبروهم ((حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ))، أي: سن الرشد والتمييز، ((فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ))، أي: إذا كان عندي يتيم في حجري أقوم برعايته، وماله عندي، فإنني أستعفف عن ماله طالما أنني غني، {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]. وقال ربنا سبحانه في سورة النور -سورة العفاف والطهر-: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33]، والمعنى: أن من لم يجد القدرة على الزواج عليه أن يعف نفسه بطاعة ربه، ثم قال في سورة النور أيضاً: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:60]، أي: امرأة بلغت من السن ما بلغت، عجوز ولا ترجو زواجاً؛ لأنها تنتظر الموت، لكن بعض الهابطات يتجاوزن السبعين سنة وما زلن كالشابات، فهؤلاء لا يدخلن في القواعد، وإنما نقصد بالقواعد: جدتي وجدتك اللاتي لم يعد لهن قدرة على النكاح، حتى وإن كان عندهن رغبة، لكنهن لا يستطعن أن يتكلمن، قال: ((فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ))، أي: تضع من ملابسها ولا تتزين، بل تخفف، وليس المقصود: أن تظهر العورة، فمثلاً الخمار ترخيه عن وجهها شيئاً يسيراً؛ لأنها لا ترجو نكاحاً؛ ولذلك قال الله: ((غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ))، ومع ذلك قال: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور:60]، أي: إن يتركن هذا فهو الأفضل. ومما جاء في العفة قوله تعالى: ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ))، انظروا إلى العفة! قال: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23]، لم يمتنع يوسف عن الفاحشة لأنه ليس له القدرة على الجماع، بل كان شاباً عنده تمام الرجولة والفحولة على مجامعة النساء، لكن الذي منعه هو العفة، {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23].

بعض الأحاديث النبوية الواردة في العفة

بعض الأحاديث النبوية الواردة في العفة جاءت أحاديث في العفة كثيرة، ومنها: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى). وحديث الطبراني: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم). حديث آخر عند الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف). أذكر هذا الحديث لإخواني؛ لأن البعض يقول: أنا لا أملك إلا خمسة آلاف جنيه الآن، أأتقدم للزواج أم لا؟ أقول له: توكل على الله وأقدم، فإنك ستجد الخمسة آلاف تحولت إلى خمسين ألفاً؛ لأن رسول الله قال: (الناكح الذي يريد العفاف)، فأنت تدق الباب وتريد أن تعف نفسك، فالله عز وجل يفتح لك السبل والطرق؛ طالما أنك تريد العفاف. وعند الترمذي: (عرض عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه). وحديث آخر في البخاري: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف). وحديث عند البخاري ومسلم: (قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق)، والبخاري ذكر هذا الحديث في كتاب الزكاة، وسأذكره لأنك ستخرج يوماً بصدقتك تبحث عمن يقبلها فلا تجد، وذلك عندما يفيض المال في آخر الزمان ويقول لك الفقير: لو جئت بالأمس لقبلت منك، أما الآن فلا حاجة لي به. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، وقال: (والصدقة برهان). وهكذا خرج الرجل بصدقته فوضعها في يد من لا يعرف، فقيل: (تصدق اليوم على سارق، فقال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يقولون: تصدق الليلة على زانية، فقال الرجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فبينما هو نائم إذ جاءه من الله البشرى قال له: أما صدقتك على سارق، فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله). وفي الحديث الآخر: أن صحابياً جليلاً أخرج صدقته إلى وكيله في المسجد، والبخاري بوب في كتاب الزكاة: باب من تصدق على ولده وهو لا يعلم، مثاله: جئت إلى مسجد العزيز فأعطيت الصدقة لإمام مسجد، فقلت له: أنت وكيلي في إخراج الصدقة في مصارف الزكاة، فجاء ولد المتصدق وأخذ صدقة والده، ثم عاد بها إلى البيت، والحديث صحيح أورده النووي في رياض الصالحين، ولعله في السنن، فلما جاء إلى والده رأى الدنانير في يده، فقال له: هذه دنانيري، ما أردتك يا ولدي! أنت لا تستحق الصدقة، ولا يجوز لي أن أخرج صدقتي على ابني؛ لأنه فرع، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (لك ما نويت يا يزيد! ولك ما أخذت يا معن)، فهذا يشير إلى أن الصدقة تقع على حسب نية صاحبها. وجاء في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، ثم أرفعها لآكلها، فأخشى أن تكون صدقة فألقيها). وحديث آخر في البخاري: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها).

ما قيل في العفة

ما قيل في العفة قال لقمان الحكيم لولده: حقيقة الورع: العفاف. وقال ابن مفلح: زينة الغنى: الشكر، وزينة الفقر العفاف، أي: كما أن الغني الشاكر له زينة في شكر نعمته، فكذلك الفقير العفيف. وقال ابن حجر: العالم إذا كان عالماً ولم يكن عفيفاً كان ضره أشد من نفعه. أما محمد بن الحنفية فقال: الكمال في ثلاثة: العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة. وقال أحد الشعراء: ليس الظريف بكامل في ظرفه حتى يكون عن الحرام عفيفاً فإذا تعفف عن معاصي ربه فهناك يدعى في الأنام ظريفاً اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والهدى والغنى، فالعفة يا إخواني! من جماع الأخلاق ومن محاسنها، هذا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العفة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تقبيل الرجل لأخته من الرضاعة

حكم تقبيل الرجل لأخته من الرضاعة Q رجل ملتزم، له أخت من الرضاعة، فهل يجوز له أن يقبلها بنية صادقة؛ لأنه لم يرها منذ فترة؟ A المحرمات ينقسمن عند العلماء إلى أنواع، وقد بينت هذه الأنواع سورة النساء في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23]، فالمحرمات ثلاثة أقسام: محرمات بالنسب، ومحرمات بالمصاهرة، ومحرمات بالرضاعة. فأخوها من الرضاعة لا يجوز له أن يقبلها كما قال العلماء؛ لأن ذلك قد يفضي إلى مفسدة، حتى ولو كانت حرمة نسب، وخاصة إذا كان الرجل عنده خفة في الدين، بل لا ينبغي أن تخفف الملابس بين يديه، وزنى المحارم لا يخفى على أحد في زمن خفة الدين، فمن باب سد الذرائع نقول: لا يجوز، والله تعالى أعلم.

حكم لبس الدبلة

حكم لبس الدبلة Q هل لبس الدبلة حرام؟ A لبس الدبلة تقليد غير إسلامي، وإنما هو تقليد لأهل الكتاب، فيظنون أن الدبلة تربط بين الرجل والمرأة، وعليه فالدبلة ليست من تقاليد الإسلام ولا من شرائعه، وإنما هي تقاليد عند أهل الكتاب؛ لذلك يجب عدم التشبه بهم، والله تعالى أعلم.

حكم إسقاط الجنين

حكم إسقاط الجنين Q ما حكم الدين في المرأة التي تريد إسقاط جنينها إذا اكتشفت أن به مرضاً معيناً، علماً بأن لديها مريضاً به نفس المرض، وهي الآن تعالجه؟ A لا يجوز هذا شرعاً؛ لأنها لا تعلم، فلربما يخرج وقد شفاه الله عز وجل، ولو قلنا -كما يقترح بعض العلمانيين- بالتخلص من جميع المعاقين ذهنياً، وأن كل من عندهم إعاقات لا حرية لهم في الحياة، فهذا من البلاء، والصبر على البلاء مهم، فلا يجوز لك أيتها السائلة الكريمة! أن تفعلي ذلك مطلقاً.

حكم وجود مادة الكحول في العطر

حكم وجود مادة الكحول في العطر Q ما حكم الكحول في العطر؟ A إذا لم تزد النسبة عن (5%) فقد جوزها شيخنا ابن عثيمين في فتاواه، وإن زادت النسبة فمن باب الورع أن تركه.

ضرورة الاهتمام بفقه الأولويات في الدعوة

ضرورة الاهتمام بفقه الأولويات في الدعوة Q يهتم بعض الإخوة ببعض السنن، مثل: غطاء الرأس والكحل وإطالة الشعر اهتماماً مبالغاً فيه، حتى إن بعض الإخوة لا يخرج إلا بعد أن يكتحل؟ A إنَّ التركيز على الجزئيات الصغيرة وترك الأوليات الكبيرة نقطة خطيرة جداً؛ وذلك لأننا لا نفهم فقه الدعوة، ولا نعرف كيف ندعوا الناس، ولا نعرف الأولويات في الدعوة. وقد اتصل بي أحد رؤساء تحرير صحيفة، وقال لي: كنت في شارع العزيز ويا ليتني ما ذهبت، فقلت له: لم؟ قال: سألني أحد إخوانك الذين يحضرون دروسك: أين الله؟ وهذا المسئول لا يعرف أين الله، وهو معذور بجهله. فقال: في كل مكان -وهذه عقيدة الجهمية، وهي عقيدة باطلة- فإذا بالأخ العزيز يقول له: أنت كافر! يوزع شهادات من عنده، والختم في يده يختم بالكفر لمن يشاء! فاتصل بي الرجل وقال: هؤلاء جمهورك نسأل الله العافية! فلو أنه قال له: أنت تقصد أن الله في كل مكان بذاته، أم أنه يعلم كل شيء عن خلقه؟ يستفهم منه! ثم يقول له: الله في السماء، ويوضح له الأدلة، والرجل سيقبل، أما بسهولة وبساطة يقول له: أنت كافر! ويخرجه من الملة؛ فهذا يجعل الناس يأخذون انطباعاً عن كل الملتزمين بهذا الشكل. يا إخواني! بعض الإخوة يهتم بالعطر والعطر خير وبركة، لكن الكحل الذي كان يكتحل به النبي صلى الله عليه وسلم لا لون له، وفعل المستحبات في مجتمع لا يقبلها لا تفعلها، يقول ابن تيمية: وترك المستحبات لأجل تأليف القلوب واجب، فبعض الإخوة يركزون على المستحبات ويتركون الواجبات، يستيقظ الساعة العاشرة صباحاً من النوم ولم يصل الفجر، وإن قابلك قال لك: أين السواك؟ أمور عجيبة وقلب للمقاييس، يا لها من عقد اجتماعية وتراكيب عجيبة! يا عبد الله! أقول: لا بد أن نهتم بفقه الأولويات. مثال ذلك: رجل لا يصلي، هل تعظه بقيام الليل؟! أو رجل لا يعلم العقيدة، هل تكلمه في الكحل والسواك؟! امرأة هداها الله، ووارت جسدها بثوب فضفاض وبخمار وجاءت إلى المسجد، لا تُنفر، طالما أن هناك أصولاً نتفق عليها، نتعلم أولاً العقيدة، ثم العبادات المشروعة، ثم بعد ذلك نزداد شيئاً فشيئاً، هذا هو الفقه الغائب في حياة المسلمين.

الآداب التي يجب على المنتقبة أن تلتزم بها

الآداب التي يجب على المنتقبة أن تلتزم بها Q أرجو من شيخنا أن يتكلم عن أخلاق المنتقبات، فإني أرى منتقبة تخرج مع شاب على الكورنيش، أو زوجة منتقبة تخرج مع زوجها إلى الحديقة، وتجلس وتمد رجليها وزوجها يضع رأسه على رجليها أمام الناس، أو منتقبة تصطاد على الكورنيش سمكاً؟ A نسأل الله العافية، هذا من العجب؛ ولهذا أقول: الإسلام سلوك وحسن خلق، وبعض الأخوات ترتدي النقاب وتكشف القدمين واليدين، يعني: تظهر ما أجمع العلماء على وجوب ستره، وتغطي ما اختلف العلماء في وجوب ستره، فهذا انقلاب في المقاييس، وهذا هو الذي نحن فيه الآن، اهتمام بالظاهر على حساب الباطن، والإسلام ظاهر وباطن. فينبغي أن يركز على السلوك العام، فمثلاً: امرأة منتقبة تلبس وسط المتبرجات في حفلة رقص وغناء، هذا كلام لا ينبغي أن يكون؛ لأن هذا هو المنكر بعينه، فلا بد أن ندقق في الأمور الرئيسية، والله تعالى أعلم.

حكم تسليم الإمام من الصلاة الرباعية بعد جلوسه في التشهد الأول

حكم تسليم الإمام من الصلاة الرباعية بعد جلوسه في التشهد الأول Q نسي الإمام وسلم في صلاة العشاء بعد جلوسه في التشهد الأول، ثم أمر من خلفه أن يسلموا، فماذا يفعل من اتبع الإمام؟ A إن نسي وسلم لا يتبعه المأموم، وإنما يذكره بالتسبيح حتى يقوم ويأتي بالثالثة والرابعة، ثم يسجد للسهو، فالإمام لا يتابع على خطأ، وإنما يتابع في الصواب فقط، فإن سلم معه لجهل جاز، أو سلم معه لعدم معرفة بالحكم لا مشكلة.

حكم جماع الرجل لزوجته في دبرها

حكم جماع الرجل لزوجته في دبرها Q تقول إحدى الزوجات: زوجي جامعني من الخلف؟ A هذه مصيبة! فإن الله يقول: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]، وقال العلماء: الحرث هو موضع الإنبات، فموضع خروج الولد من المرأة الفرج، فلا بد أن تحافظ على هذا؛ لأن مجامعة المرأة في دبرها من كبائر الذنوب، ولا بد له فيها من الندم والاستغفار والإقلاع والتوبة، وعدم العودة إلى هذا الفعل، ثم الإكثار من الطاعات: بصيام وتصدق وصلاة؛ لأن {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. ولا ينبغي للمرأة المسلمة أبداً أن تستجيب لطلب شاذ كهذا من قبيل إرضاء الزوج، فإنها لو طلبت الطلاق تطلق للضرر مع أخذ كامل حقوقها الشرعية؛ لأن هذا من الضرر الذي يقع على الزوجة، فأقول للزوج: اتق الله في نفسك! وكفاك تقليداً لأوروبا، فالناس عندهم الآن ترف، ويسيرون خلف الأعاجم، ويقلدونهم في كل شيء، وهذا مما عمت به البلوى.

بيان الأوجه التي ينتفع بها الميت

بيان الأوجه التي ينتفع بها الميت Q هل يجوز إخراج شيء من أموال الميت لتكون له صدقة جارية أو بعض الكتب من ماله؟ A الصدقة الجارية أن يكون قد تصدق في حياته، أو الورثة ينشئون له صدقة جارية، فمكتبات طلب العلم لا شك أنها من الصدقة الجارية، وأوجه نفع الميت بينها النبي عليه الصلاة والسلام، وهي: أن تحج عنه إذا لم يحج. أن تصوم عنه إن كان عليه أيام لم يصمها. أن تستغفر له وأن تدعو له وأن تتصدق بصدقة جارية. أما قراءة القرآن ففيها خلاف. قال بعضهم: تصل إلى الميت من وليه، بشرط ألا تكون على القبر أو بأجر. وقال الشافعي: لا تصل، ورأيه أرجح، والرأي الأول رأي الحنابلة.

حكم ممارسة الألعاب الترفيهية على الكمبيوتر

حكم ممارسة الألعاب الترفيهية على الكمبيوتر Q انتشرت ظاهرة الكمبيوتر في المحلات من أجل التعلم، لكنها تحولت إلى ألعاب ترفيهية لمستخدميها، فهل هذا العمل حلال أم حرام؟ A الكمبيوتر جهاز يمكن أن يستعمل في الحلال ويمكن أن يستعمل في الحرام، فعلى حسب الاستخدام يكون الحكم.

حكم الاشتراك والعمل في القنوات الفضائية الهابطة

حكم الاشتراك والعمل في القنوات الفضائية الهابطة Q جاءتني أخت فاضلة تقول: إن ابنها اشترك في قناة ( ART)، وأراد أن يوصل سلكاً للمشتركين بخمسة عشر جنيهاً، ويصل دخله إلى ألف جنيه شهرياً، فما الحكم؟ A هذا يتعاون على الإثم والعدوان، وينشر الفساد والضلال، فكل حضن أو قبلة يراها الناس في بيوتهم إثمها على ولدك؛ لأنه سن سنة سيئة، فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة، فأي فاحشة تقع بسبب القنوات الفضائية إثمها على من كان سبباً في إدخالها، وبعض الناس يعجز عن إدخال الدش؛ لسعره المرتفع البالغ، فقد يصل إلى أربعة آلاف جنيه أو خمسة آلاف جنيه، لكن هذا جاء بسلك فوفر لهم المهمة، نسأل الله العافية.

حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور

حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور Q هل يجوز الصلاة في المساجد التي فيها قبور؟ A الصلاة في المساجد التي فيها قبور لا تجوز، وهذا هو اختيار سلف الأمة، وبوب البخاري على ذلك باباً في صحيحه في كتاب الصلاة فقال: باب كراهية الصلاة في المساجد التي بها قبور، أما صلاة الجنازة في مثل هذه المساجد فتجوز؛ لأن ليس فيها ركوع ولا سجود.

حكم الصلاة في الفنايل الحمالة

حكم الصلاة في الفنايل الحمالة Q قال صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فهل يجوز الصلاة في الفنايل الحمالة؟ A هذا الحديث في البخاري، والصلاة في الفنايل الحمالة لا تجوز لهذا الحديث؛ لأنه لا بد من تغطية أحد الكتفين، فيكره الصلاة بالفانيل الحمالة؛ لأنها تظهر الكتفين معاً.

معنى التفضيل في قوله تعالى: (وأني فضلتكم على العالمين)

معنى التفضيل في قوله تعالى: (وأني فضلتكم على العالمين) Q هل التفضيل في قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47] تفضيل زماني أم أبدي؟ A التفضيل في الآيات بالنسبة لبني إسرائيل يرتبط بزمانهم، يقول الله لبني إسرائيل: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47]، فهو تفضيل زماني، أي: إني فضلتكم على العالمين في زمانكم. ثم إن الله عز وجل بعث عليهم العماليق فأذاقوهم سوء العذاب، وكان الرجل من العماليق يحمل الإسرائيلي في كم ثوبه؛ ولذلك في قصة طالوت وجالوت التي ذكرها الله في كتابه أنهم قالوا: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:246]، فهذا هو الذل الذي كان في بني إسرائيل. أما رفعتهم في الأرض فهي رفعة وقتية، فبنو إسرائيل -اليهود- جيل منقلب، وسينقلب إلى قيام الساعة، فالرجل اليهودي لا يدعو غيره لاعتناق اليهودية؛ لأنهم يظنون أنفسهم أنهم شعب الله المختار، فاليهودية لا نستحقها نحن؛ ولذلك إذا مات يهودي قامت الدنيا عند اليهود؛ لأن ذلك انقراض لهذا الشعب تماماً، فالله عز وجل فضلهم على العالمين في زمانهم، أو فضلهم إن أقاموا التوراة وآمنوا بكل ما فيها، وعليه فآيات بني إسرائيل يا أخي الفاضل! لا بد أن تفهمها في إطارها الزمني.

دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة

دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة Q هل المسجد النبوي من المساجد التي بها قبر؟ A النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في مسجده، وإنما دفن في حجرة عائشة.

حكم الصيام عن الآباء الأحياء

حكم الصيام عن الآباء الأحياء Q هل يجوز صيام الأبناء عن الآباء وهم ما زالوا أحياء، أم الصيام عنهم بعد الموت فقط؟ A لا، الصيام عنهم يكون بعد الموت، أما الحي الذي يعجز عن الصيام فله أن يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، فإن عجز عن القضاء فله حكم المريض مرضاً لا يرجى برؤه.

معنى قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها)

معنى قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها) Q ما معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم:71]؟ A الورود هنا بمعنى: المرور، أي: ما من أحد إلا وسيمر على الصراط في جهنم، نسأل الله العافية.

حكم سماع الغناء الخاص بالأفراح

حكم سماع الغناء الخاص بالأفراح Q الاستماع للأناشيد الخاصة بالأفراح، هل يجوز تشغيلها واستماع الرجال لها، أم الغناء والفرح خاص بالنساء؟ A خاص بالنساء فقط.

حكم تأمين العامل صحيا واجتماعيا

حكم تأمين العامل صحياً واجتماعياً Q هل من حقوق العامل في الشرع أن أجعل له تأميناً صحياً واجتماعياً؟ A إن كان إجبارياً فلا بأس.

حكم تسييد النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة

حكم تسييد النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة Q هل يجوز تسييد النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة؟ A الاتباع هو السنة، فلا تبتدع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث كعب بن عجرة وحديث عبد الله بن مسعود وحديث ابن عباس وابن عمر قال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، ولم يقل: اللهم صل على سيدنا محمد، فالسنة وحي كالقرآن، كما في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، فهل يجوز لك أن تقول: سيدنا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم؟ لا شك لا. فكما أنه لا يجوز لك أن تزيد في القرآن كلمة فكذلك السنة ينبغي أن تلتزم بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم طلب خطيب شرعي زيادة فيما يأخذه من بدل انتقال

حكم طلب خطيب شرعي زيادة فيما يأخذه من بدل انتقال Q أنا خطيب في جمعية شرعية آخذ بدل انتقال ستين جنيهاً، وأريد الزيادة للحالة المادية، فهل طلبي ذلك فيه شيء؟ A طلبك لا شيء فيه، وارفع الطلب إلى الجمعية بارك الله فيك.

بيان من هو عزير

بيان من هو عزير Q { وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، من هو عزير؟ A رجل من الصالحين.

حكم مصافحة امرأة أجنبية كبيرة السن

حكم مصافحة امرأة أجنبية كبيرة السن Q إذا مدت امرأة كبيرة في السن من القواعد يدها للسلام فهل في ذلك إثم؟ A ليس في ذلك إثم إلا إذا كنت صغير السن وتستهوي النساء فلا يجوز، والقواعد من النساء لا يصافحن إن لم تؤمن الفتنة.

كيفية معالجة النفس الأمارة بالسوء

كيفية معالجة النفس الأمارة بالسوء Q كيف نعالج النفس الأمارة بالسوء؟ A بأشياء كثيرة، منها: المداومة على الذكر، وقراءة القرآن، والمحافظة على الجماعات إلى غير ذلك. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا! اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا. آمين آمين آمين! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

آداب طالب العلم

آداب طالب العلم العلم من أشرف الغايات وأجلها عند الله عز وجل؛ إذ به يوحد الله ويعبد، والعلماء وطلبة العلم المخلصون هم أفضل الناس وأرفع المؤمنين درجة عند الله، ولا يتأتى هذا العلم إلا بحسن الطلب والجد والمثابرة، وهناك بعض الآداب الجليلة ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها، سواء في نفسه أو مع شيخه.

الآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم

الآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم الحمد لله رب العالمين الذي رفع شأن العلم في كتابه، فقال عز وجل: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85]، والآمر لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزود من طلب العلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا إلى الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه. ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! المرض الخطير جداً هو أن طالب العلم لا يعرف الآداب ولا الآفات التي يجب أن يتحلى بها وأن يتخلى عنها، فالعلم له آداب يجب أن يتحلى بها طالب العلم، وله آفات يجب أن يتخلى عنها، ومن هنا كانت مجالس العلماء تدرس فيها حلية طالب العلم. وحينما نسمع أدب طالب العلم مع شيخه، نرى أننا نعيش في واد والآداب في واد آخر تماماً، ومن الآداب: أنه لا يجوز لطالب العلم أن ينادي الشيخ باسمه مجرداً، أو أن يقول له: يا شيخي! -بياء الخطاب- أو يا شيخ! وإنما له آداب في المناداة، وله آداب في التقدم عليه، وله آداب في سؤاله، وله آداب في مراجعته، وله آداب في محاورته، وإذا وهم -أي: خرجت منه كلمة بسبق لسان- فهناك آداب أيضاً في الرد عليه. ويبدو أن الموضوع شائك، لكننا في عجالة شديدة سنحاول أن نبين الآداب التي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها، والآفات التي ينبغي لطالب العلم أن يتخلى عنها. فهناك آداب للطالب في نفسه ينبغي أن يتحلى بها، وآداب للطالب مع شيخه، وآداب للطالب مع زملائه، فلا ينبغي أن يمشي مع طالب يشينه، ولا أن يوجد في مكان يشينه. لا تكن أبا شبر؛ لأنهم قالوا: العلم ثلاثة أشبار، من حصَّل الشبر الأول تكبر، ومن حصَّل الشبر الثاني تواضع، ومن حصَّل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئاً، فلا تكن أبا شبر، فصاحب الشبر يتكبر، وصاحب الشبرين يتواضع، وصاحب الثلاثة يعلم أنه لا يعلم شيئاً، فكلما ازداد المرء علماً ازداد تواضعاً. وهناك آداب خاصة لطالب العلم كتب فيها العلماء؛ كآداب حملة القرآن، وآداب المحدث، وآداب المفتي، وآداب القاضي والتقاضي، وآداب المحتسب. وهناك آداب على العموم ذكرها العلماء في مراجعهم: منها: الفقيه والمتفقه للحافظ البغدادي. تعليم المتعلم طريق التعلم للزرنوجي. أداب الطلب للشوكاني. أخلاق العلماء للآجري. آداب المتعلمين لـ سحنون من المالكية. جامع بيان العلم وفضله لـ ابن عبد البر المالكي. مفتاح دار السعادة لـ ابن القيم رحمه الله. الحث على طلب العلم للعسكري. وهكذا تجد أن العلماء إما أن يتحدثوا عن آداب خاصة، أو آداب عامة لطالب العلم.

آداب طالب العلم في نفسه

آداب طالب العلم في نفسه وآداب الطالب في نفسه كثيرة، وحتى تبدأ في طلب العلم؛ لأن البعض يبدأ الطريق خطأ، ويدخل إلى الطريق خطأً، ولا يعرف آداب الطريق، ومن هنا نجد الاهتمام الموجود في الساحة الإسلامية بالكم وليس في النوع، ولذلك: فإن من الآداب ما يلي: أولاً: أن يعلم طالب العلم أن العلم عبادة، قال السلف: صلاة السر وعبادة القلب هي العلم، وكل عبادة تحتاج منك إلى تصحيح النية، فما هي نيتك في طلب العلم؟ ولماذا تطلب العلم؟ هل لتماري به العلماء؟ أو تجادل به السفهاء؟ أو تلفت به أنظار الناس إليك حتى يقال: فلان طالب علم؟ أو يقوم في المجلس بنية أن ينظر الناس إليه؛ بئس العلم الذي تعلمت؛ ولذلك فإن أول أدب من آداب طلب العلم: أن يخلص طلب العلم لله سبحانه؛ لينجو بنفسه، ويدل غيره على طريق النجاة. ثانياً: الثبات والتثبت، فقديماً قالوا: من ثبت نبت. ومن آفات طلب العلم: التنقل من كتاب إلى كتاب آخر قبل إكمال الكتاب الأول، لهذا لا بد أن تثبت في الطلب على كتاب، وأن تثبت في الطلب على شيخ، ولا تحضر لكل الشيوخ وهدفك تتبع الزلات، وإظهار العورات، ونقل الكلمات، والطعن فيهم ليل نهار، والإيقاع بينهم، وهذا يحصل كثيراً، وهذا مما انتشر في زماننا، وهو ليس من الأدب في شيء. فإذا سمعت كلمة من شيخ لم تدرك معناها، ولم تلق عندك قبولاً، ولا توافق الحق الذي معك، فلا بد أن تتثبت من هذا القول من مصدره. وبعض الطلبة يسمع الكلمة ثم يطير بها قائلاً: أخطأ الشيخ في كذا، ويظهر العورات، وهو الذي يسمع خطأً، وهو الذي لا يدري ما يقال، وهو النائم في المحاضرة أو في درس الشيخ؛ فلابد من التثبت والتأكد من قول العالم. والشجرة كثيرة التنقل لا تثمر، وهذا هو طالب العلم الذي يطوف على كل العلماء، فهذه الطريقة تخرج رجلاً يعلم مسائل فقهية لكنه غير فقيه، فلابد من دراسة الكتب العلمية والثبات على دراستها، كفتح الباري شرح البخاري، فلا تتركه حتى تنتهي منه. فلابد من ثبات حتى الممات، حتى يكتمل الطلب، والتنقل بين الكتب والشيوخ لا يجوز. ثالثاً: التأمل، وقالوا قديماً: تأمل تدرك، ومعنى التأمل: أن يركز طالب العلم فيما يقول، وفيما يقال، ويتأمل ويحلل، ولا يتكلم الكلمة إلا بعد أن يمررها على قلبه؛ لينظر: أفيها نفع أم لا؟ رابعاً: التحلي بالرفق، وهو أن يكون طالب العلم رفيقاً، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما دخل العنف في شيء إلا شانه، طالب العلم لا يأتي متأخراً في يوم الجمعة فيجد المسجد قد امتلأ، والشوارع قد امتلأت، فيتخطى رقاب الناس، ويقفز من على الحائط، فهذا ليس من أدب طلبة العلم. أما أدبه مع شيخه: فالبعض يقبل الشيخ في كتفيه فهذا لا بأس، إنما الخطأ هو أن يحني الرأس كما تفعله الصوفية المبتدعة، فمن الأدب عند مصافحتك للشيخ لا تقل له: سيدي ومولاي، وتقبل لحيته! فإن هذا من الغلو والإطراء الذي نهينا عنه، هناك أدب في احترام الشيخ، لكن ليس على طريقة الصوفية، أو الذين غالوا في حب آل البيت كما نعلم. وأحاديث التحلي بالرفق كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يعلم الجاهل كان يعلمه برفق عليه الصلاة والسلام. وذلك حينما نهى الصحابة عن زجر الرجل الذي بال في المسجد، وعن زجر الرجل الذي عطس في الصلاة ثم شمته من بجواره، فهذا هو الرفق في التعلم. خامساً: الإعراض عن مجالس اللغو، وهو ألا يكون في مجالس اللغو أبداً، قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون في المقهى يلعب الطاولة، أو في ملعب القاهرة يرفع الراية، ويشجع النادي الذي يحبه، فهذا ليس من سمت طالب العلم!! فلا بد من الإعراض عن مجالس اللغو، فلا يدخل إلى أماكن اللغو، فإنه لا يمكن الجمع بين مجالس العلم ومجالس اللغو، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4]. سادساً: هجر الترفه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البذاذة من الإيمان)، وهو أن يتعود طالب العلم على الخشونة، لا يكن طالب علم مائعاً، ولذلك ترى بعض العلماء أحياناً يسيرون بدون نعل، ولقد رأينا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يخرج من المسجد النبوي إلى البقيع حافي القدمين، فهذه الخشونة من تعلم البذاذة، فقد كان يؤدب نفسه ويعلمها التواضع. أما العالم أو طالب العلم الذي يجلس في برج عالي فلا بأس، لكن لا بد أيضاً أن يتعلم الخشونة، وأن يأكل وينام على الأرض أحياناً، وأن يؤدب نفسه بعدم الترفه، فهذا هو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. سابعاًً: أن يكون سلفياً، وهذه نقطة مهمة جداً، والسلفية منهج وفكر، ليست جماعة ولا حزب، ولا خروج على حاكم، ولا تكفير الحكام، ولا تكوين أحزاب على الأرض، إذ كل ذلك طرق بدعية. وفي الحديث المتفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط

آداب طالب العلم مع شيخه

آداب طالب العلم مع شيخه آداب الطالب مع شيخه أكثر من عشرين أدباً سأذكرها إجمالاً: أولاً: أن يكون الشيخ محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف عند جلوسك والتحدث معه. ثانياً: حسن السؤال والاستماع. ثالثاً: ترك المجادلة والمماراة، فكثرة الأسئلة على الشيخ معناها أنك تماري الشيخ وتزيد في السؤال، وتقاطعه عند حديثه، وهذا ليس من الأدب. رابعاً: عدم التقدم عليه بكلام أو مسير. خامساً: عدم إكثار الكلام عنده. سادساً: عدم الإلحاح عليه في الجواب إذا كان لا يريد أن يجيبك في ذلك الوقت. سابعاً: لا تناده باسمه مجرداً، كما أنك لا تنادي أبيك باسمه مجرداً، أو تقول له: يا أب! فمن الأدب أن تقول له: يا أبتي! تقدره وتعظمه، أيضاً من الأدب ألا تنادي الشيخ باسمه مجرداً، ولا تقل له: يا شيخ! إنما تقول: يا شيخي أو يا شيخنا! من باب التعظيم والإكرام. ثامناً: لا تناده من بعد إلا لضرورة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4]. تاسعاً: توقير مجلسه، كأن تجلس منتبهاً إلى درسه بطريقة فيها احترام وتقدير، أما اللعب في مجلس العالم والالتفات يمنة ويسرة، أو الاستياك والتعطر، فهذا من عدم احترام مجلسه. عاشراً: إظهار السرور من الدروس والإفادة به، كالاعتراف بالاستفادة والدعاء له، مع أنه يمكن أن يكون ما أضاف إليك جديداً، لكنك تدخل السرور إلى قلبه، وتظهر له أنك تستفيد من دروسه. وهنالك مواقف تدل على عدم احترام الشيخ: منها: رسالة أرسلها إلي أحد الإخوة في درس يوم الإثنين -بارك الله فيه وجزاه خيراً- وخلاصة الرسالة: ونحن لا نستفيد من هذا الدرس أبداً، وهو درس ضعيف جداً، جزاك الله خيراً وبارك فيك! وفي مرة من المرات حصل لي سبق لسان قلت: (ولتستبين سبيلَ المجرمين)، وهي: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، رغم أن (سبيلَ) قراءة متواترة صحيحة، فأرسل أحد الأخوة رسالة أخرى: لقد أخطأت في القرآن أمس، فقلت: (سبيلَ) وهي (سبيلُ). وفي درس الربا حينما قلنا: إنه لا يجوز أن يقايض مكيلاً بموزون، وهذا كلام صاحب العدة، لكن ابن تيمية رجح أنه يجوز إذا كان لا فرق بين الموزون والمكيل، فأحد الأخوة قرأ المسألة ثم أرسل لي رسالة قال فيها: أنت الآن تتضارب، مرة تقول كذا وأخرى تقول كذا، ثم لا تفرق بين الكيل والوزن، فهذا ليس من الأدب، وقبل أن تناقش عد إلى المسألة وابحثها، وقبل أن تسارع في التخطئة ابحث المسألة علمياً، وتأنى في الطلب. ثم إذا وهم الشيخ، أو سبق لسانه بشيء فقال مثلاً: لا يجوز وهو يقصد: يجوز، فهذا يسمى وهم، ومَن مِن العلماء لا يهم؟ وكثير من علماء السلف كان يهم في مجلسه، فبعض طلبة العلم إذا وهم الشيخ كان ينشر هذا الإيهام سريعاً، فإذا وهم الشيخ فلا يسقطه ذلك من عينك؛ لأنه إذا سقط من عينك معناه أنك لن تطلب العلم، وكلما وهم الشيخ اترك مجلسه، إذاً: لن تجد من تتعلم على يده، وهذه النقطة من الخطورة بمكان. الحادي عشر: عدم امتحانه على القدرة العلمية والتحمل، كأن يأتي الطالب بسؤال لشيخه وهو يعرف الإجابة، لكن مقصوده هو الاختبار له، فيقول له: ما الحكم في كذا؟ والشيخ لا يدري، وهذا من سوء الأدب، واختبار العلماء مصيبة. الثاني عشر: استئذانه، فإذا أردت أن تنتقل من مسجد إلى آخر، فعليك أن تستأذن شيخك في حضور هذا الدرس أو عدم حضوره، وهذا من الآداب؛ لعل صاحب الدرس الآخر مبتدعاً، ولعل شيخك يعرف عنه ما لا تعرفه أنت، ولعله يمنعك من الحضور لأسباب، فتعود إليه. الثالث عشر: احذر صنيع الأعاجم من الخضوع الخارج عن الآداب الشرعية، وهو لحس الأيادي والكتف والرقبة، وهذا صنيع المخانيث، إذا أردت أن تقبل يد العالم فلا بأس، لكن في عزة ورجولة وعدم تخنث، إنما الممنوع هو التقبيل تبركاً، حتى إذا صار الشيخ بسيارته يحملونها فوق رءوسهم، وإذا أراد أن يشق طريقه لا يستطيع، هذا من الغلو، وهذا من عدم فهم النصوص الشرعية في التأدب مع العلماء. الرابع عشر: لا تقلده في مشيته وحركته وهيئته، إذ لا يقلد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. الشيخ ليس له قدوة إلا فيما وافق فيه النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا وافقه فأنت تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أسوتك وقدوتك. الخامس عشر: لا تكن سبباً في فتوره وكسله وقطع علمه؛ لأن نشاط الشيخ على قدر نشاط الطالب، والمعنى: أن تكون في مجلس علمه نشيطاً ومنتبهاً، ونشاطك يعطي الشيخ نشاطاً، وإن كسلت في الطلب تأخذه إلى الأدنى. السادس عشر: الحذر من المبتدعة من أهل الضلال والبدع؛ فإن مجالستهم ضلال. هذه أيها الإخوة الكرام! بعض الآداب التي جمعها العلماء من كتبهم في آداب طالب العلم مع نفسه، وآداب طالب العلم مع شيخه. أختم الحديث أيها الأحباب الكرام! بأن شركة الإبداع -وهذا ليس إعلان لتجارة، والله يعلم ال

التدخين وأضراره

التدخين وأضراره من فضل الله على هذه الأمة أنه ما من خير إلا ودلها عليه، وما من شر إلا وحذرها منه، فأحل لها الطيبات وحرم عليها الخبائث؛ رحمة وشفقة بها، ومن جملة ما حرمه عليها من الخبائث: التدخين بأنواعه؛ إذ إن أضراره متعددة، وخبثه لا يخفى، والأدلة من الكتاب والسنة واضحة في تحريمه وبيان خبثه.

مظاهر التدخين وأضراره على الفرد والمجتمع

مظاهر التدخين وأضراره على الفرد والمجتمع الحمد لله رب العالمين الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل وقوله الحق: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم عام في مسألة عمت بها البلوى، والبعض قد أفتى وقال فيها على الله بغير علم فضلّ وأضل، رغم وضوح الأدلة على تحريمها، فالجميع يقر بأن الدخان من الخبائث، فلا نجد عاقلاً قبل أن يشرب الدخان يقول: بسم الله، وبعد أن يشربه يقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وهذا إقرار بأنه من الخبائث، لكنه في زمن الإحن والمحن، وحينما وسد الأمر إلى غير أهله نجد من يقول: إن التدخين للأغنياء حلال وللفقراء حرام، حتى التفرقة أصبحت بين الأغنياء والفقراء في أمر التدخين، وبعضهم يقول: التدخين ليس حراماً وإنما هو مكروه؛ لأنه ليس فيه نص قطعي الثبوت والدلالة، معنى ذلك: أن الحرام لا بد أن يكون بنص قطعي الثبوت، والقطعي الثبوت يعني به: القرآن أو الحديث المتواتر، والقطعي الدلالة يعني به: الواضح المعنى، وبهذه القاعدة الأصولية التي رددها البعض في الفضائيات وسمعها الجميع يصير كل الحرام المبني على حديث الآحاد ليس بحرام، فالذهب حرام على الرجال، وحديث تحريم الذهب آحاد، إذاً: هو ظني الثبوت، إذاً: وفقاً لهذه القاعدة التي أصّلها البعض ممن ينتسبون إلى العلم زوراً: أن كل حرام يبنى على أحاديث الآحاد مردود، وبذلك هدموا الدين. وقبل أن أبدأ في أدلة بيان تحريم الدخان، وقبل أن أبدأ في بيان نشأة هذه الظاهرة: لِم تدخن؟ فليسأل كل عاقل نفسه لماذا أنت تدخن؟ الجواب متعدد طبقاً للمشارب والصفات والمواصفات، فقائل يقول: أنا أدخن لأشعر أنني رجل، فالرجولة لا تكون إلا بالدخان، غلام صغير لم يبلغ الحلم يمسك بالسيجارة فيشعر بذلك أنه أصبح من الرجال. وآخر يقول: أنا أدخّن لأن أبي يدخّن، ولأن شيخي يدخّن، هذا الكلام يغضب منه البعض، لكن إذا ابتليتم فاستتروا: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) كما قال صلى الله عليه وسلم، وثالث يقول: أنا أدخّن لأخرج همي بالسيجارة. يا عبد الله! أرأيت عاقلاً يقتل نفسه ليخرج همه؟ أليس الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، أنا معي دراسة من الأطباء تثبت أن الدخان يسبب الأمراض، فسرطان الرئة، وسرطان المثانة، وسرطان الحنجرة، وتشوه الأجنّة سببها التدخين. إن المدخّن عند تدخينه يغيب عنه العقل، ولو حضر العقل وحكّمه في القضية لرد الأمر في الحال، جاءوا لمدخن عاقل بشاشة تليفزيونية بيضاء، فظل يدخّن وينفخ على الشاشة حتى تحولت الشاشة البيضاء إلى سوداء قاتمة؛ لأن الدخان به مادة النيكوتين التي تدخل في فتحات الرئة فتغلقها؛ لذلك تجد المدخّن يلهث، أي: أنه حينما يسير مشواراً طويلاً أو يصعد السلّم لا يستطيع؛ وذلك لأن رئته مغلقة. فيا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟! وآخر يقول: أنا أدخّن لأن حبيبتي أغضبتني فأريد أن أنسى إغضابها لي بالسيجارة. امرأة في السيارة تدخّن وتريد أن تكون كالرجال، فتراها مترجّلة تشعل السيجارة وتشعر أنها من الرجال وفي عداد الرجال. فهذه الظاهرة عجيبة، وتختلف الإجابات بحسب اختلاف المشارب. فلماذا أدخّن؟ هذا سؤال ينبغي أن يطرحه كل عاقل على نفسه: لماذا أنا أدخّن؟ ربما يقول قائل: إن كانت حرام سنحرقها، وإن كانت حلال نشربها: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام:121]. ولنأتِ إلى البعد الاقتصادي: كم ينفق العالم على السجائر؟ هب أن رب أسرة يدخّن في اليوم علبة واحدة من المالبورو أو السوبر الذي هو أرخص، فلو قلنا بأن سعر السوبر بالجنيه المصري (2. 5) × (30) يساوي (75) جنيهاً في الشهر، فكم في السنة؟ (75) × (12) يساوي (900) جنيه في السنة، أي: أنه يقترض من أجل الدخان، ولا يجد ما ينفقه على رغيف الخبز، فتقول له الزوجة: نريد خبزاً للأولاد، فيقول: لا أملك شيئاً، فتقول: وقيمة السجائر معك؟ يقول: لا أستطيع أن أفارقها، ولا أستطيع أن أقلل من شربها، فهذا إدمان إن زاد به الحال يشربها محشية. هذا الذي يحدث، وسندهم أن البعض أفتى بأن التدخين ليس حراماً لكنه مكروه، والذي يكرهه هو الله عز وجل، فلماذا تفعل المكروه؟ والله إني أحبك أيها الأخ! فأقول لك: أدلة تحريم التدخين عديدة. يقول بعض العلماء: التدخين عادة مارسها الهنود الحمر في أمريكا قبل أن تُكتشف، وانتقلت إلى أوروبا مع المستكشف

أدلة تحريم الدخان من الكتاب

أدلة تحريم الدخان من الكتاب إن أدلة تحريم التدخين في الكتاب والسنة هي أكثر من دليل نسوقها إلى هؤلاء؛ لأن التحريم يقوم على أدلة، ولا نحرم إلا بنص. الدليل الأول: في سورة الأعراف، يقول ربنا سبحانه في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] إذاً: القرآن أتى بقواعد عامة، وعلى هذه القاعدة نقيس المستحدثات، فإن قيل: التدخين مبتكر ومستحدث، وليس عليه دليل في القرآن والسنة، فإننا نقول: وهذا البنج كذلك مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، وكذلك الهروين جديد مستحدث وليس عليه دليل في القرآن والسنة، إذاً: الهروين مكروه، والبنج مكروه، فهل أحد يسلم بذلك؟! أقول: هذا الكلام ينشر في الفضائيات ويُسمع ويُكتب في الجرائد والصحف، ممن ينتسبون إلى العلم زوراً وبهتاناً. إذاً: من قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ} [الأعراف:157] نستطيع أن نضع قاعدة، هذه القاعدة هي: كل طيب حلال، وكل خبيث حرام، وإذا جئنا نسأل أنفسنا: هل السجائر والشيشة والبوري والسيجار من الطيبات أم من الخبائث؟ هل هناك عاقل يقول: إنها من الطيبات؟ لا يمكن. إذاً: خذوا هذه الأدلة التي تزيد عن عشره، وادفعوها في وجوه هؤلاء لعلهم يستيقظون؛ لأن الشباب يريد فتوى يتعلق بها، فأفتى البعض بجواز التدخين وبعدم حرمته، وبأنه مكروه وليس بحرام، ويفهم الشباب من هؤلاء الذين يُنسبون إلى الفتوى بأن التدخين ليس بحرام. إن مفتي الديار المصرية الشيخ: نصر فريد واصل أصدر فتوى وعُلّقت في المساجد، فحواها: التدخين حرام شرعاً، والدخان أشد حرمة من شرب الخمر، هو قال ذلك، لكن مع تحفّظنا على الجزء الأخير في الفتوى؛ لأن التدخين مقاس على الخمر، وليس الخمر مقاساً على التدخين، فالخمر أصل والتدخين فرع يقاس عليه، فلا يمكن أن نقول: إن الفرع يزيد عن الأصل؛ لأن العلة في تحريم التدخين هو الضرر الذي سيعود على المسلمين. ومن أمثلة القياس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فقاس العلماء على الخطبة الإيجار، فإذا استأجرت محلاً في شارع العزيز ووقعت عقد الإيجار مع المالك، فجاء آخر وقال للمؤجر: أنا أزيدك في الإيجار فافسخ العقد، ففسخ العقد معك، هل يجوز هذا أم يحرم؟ يحرم؛ لأن العلة واحدة، فالعلة في عدم الخطبة هي عدم إيغال الصدر، وعدم إثارة الفتن بين المسلمين، وكذلك العلة في الإيجار قال العلماء هي نفس العلة في الخطبة، فالشريعة تضع أصولاً عامة، ونحن نقيس على تلك الأصول ما يتفق معها في العلة، لماذا حرّم الله الخمر؟ هل لأنها صفراء؟ إذاً: الفانتا حرام، والشبس حرام، وعصير البرتقال حرام! إذاً: لم تحرم لأنها صفراء، فهل حرمت لأنها سائل؟ إذاً: كل السوائل تحرم، إذاً: ليست هذه هي العلة، إنما حُرّمت الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتُذهب العقل وتفتر الجسد، وفيها ضرر، وربنا يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219]. وبهذه الآية نضع قاعدة وهي: كل شيء إثمه أكبر من نفعه فهو حرام. الدليل الثاني: يقول ربنا في سورة البقرة: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، والدخان إلقاء باليد إلى التهلكة، قال: ((وَلا تُلْقُوا)) نهي يفيد التحريم، فالإنسان لا يجوز له أن يقتل نفسه. الدليل الثالث: قول ربنا في سورة النساء: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، وهذه الآية لها مناسبة، فقد نزلت في عمرو بن العاص حينما كان في غزوة من الغزوات وأصابته جنابة، وكان من الصحابة من يستيقظ على هذه الحال، وهذا رد على بعض الناس الذين يظنون أن هذا لا يجوز، فـ عمرو بن العاص حين استيقظ رأى الجنابة في ثوبه، فنظر فإذا بالجو رطب، ودرجة الحرارة تحت الصفر، أي: أن الجو بارد شديد البرودة، فإذا اغتسل أصيب بأذى، ومن الممكن أن يتجمد، فماذا صنع عمرو؟ تيمم وصلى بأصحابه صلاة الفجر، وهذا الحديث عند البخاري يقول فيه: المتيمم يؤم المتوضئ، وهو حكم فقهي، فـ عمرو بن العاص رفع الجنابة بالتيمم، ثم صلى بأصحابه، وبعد الصلاة علم أصحابه بما صنع، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أصليت بهم وأنت جنب يا عمرو؟! قال: يا رسول الله! تذكرت قول ربي عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فابتسم النبي عليه الصلاة والسلام وأقره على فعله). إذاً: حدّثوني أيها الأطباء! أيها العقلاء! عن الأمراض التي يجذبها التدخين وتسبب الموت، فبعض ا

أدلة تحريم الدخان من السنة

أدلة تحريم الدخان من السنة الدليل الأول: يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده: (لا ضرر ولا ضرار) فأي شيء يسبب لك ضرراً فهو حرام. الدليل الثاني: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم: (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). فربما يقول قائل: النص يقول: كره لكم، ولم يقل: حرم عليكم، ف A يقول الله في سورة الإسراء بعد أن عدد المحرمات من الشرك والقتل وغيرها: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38]، فهل معنى ذلك: أن هذا ليس بحرام؟ إن العلماء يعبّرون عن الحرام بالكراهة؛ ولذلك الإمام الشافعي كان أحياناً يقول عن الحرام: أكرهه، أي: أحرمه، فيعبّرون عن الحرام بالمكروه، وعليه فإضاعة المال حرام. الدليل الثالث: حديث متفق عليه أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير). ونافخ الكير هو الحداد الذي يعمل النار بيده ليليّن الحديد، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب مثلاً للجليس السوء بنافخ الكير. فهل الذي يشعل السيجارة حامل مسك أم نافخ كير؟ ألست تجد في ثوبه فتحة؛ لأنه كان يشرب فطارت قطعة من النار على ثوبه، فكل ملابسه محروقة، فيحرق ثيابه وثياب صاحبه، وكم من الحوادث حدثت بسبب السيجارة، يقف عند محطة بنزين ويشعل السيجارة فيلقيها وسط المحطة فيحدث الحريق، فكل الحرائق معظم أسبابها السيجارة، كذلك الأب في بيته ينسى السيجارة على المنضدة ويغلبه النوم، فأشعلت السيجارة المنضدة والتهمتها، ثم أشعلت في البيت حريقاً، فاستيقظ الرجل على احتراق بيته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء)، فإن من أسباب التدخين قرناء السوء، ففي المآتم البدعية الشيخ يقرأ، وأهل الميت يوزعون السيجارة على الناس، فلا يصبرون عند قراءة القرآن على تقديم الأذى والمصيبة الأدهى والأمر بعد أن ينتهي الشيخ من القراءة يصير الجميع مدخنين، نسأل الله العافية! فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، أين الأسوة؟ أين القدوة؟ مدرس يدخّن، وأستاذ جامعي يدخّن، ومقدم برامج في التلفزيون يدخّن. كذلك مدرب كرة قدم يجلس في المباراة فيرى فريقه مغلوباً فتزاد حرقته، ثم يتبع السيجارة بالأخرى، وصاحب الكاميرا يقول: والمدرب متوتر ويشعل السيجارة ويشعل الأخرى، حتى قال بعضهم: أنا بفضل الله وحده أشرب علبة السيجارة في اليوم بعود كبريت واحد، أي: أنه يشعل واحدة تلو الأخرى، وأنه سيدخل الأولمبيات بفضل التدخين، هذه مصيبة ما بعدها مصيبة، والثاني يقول: بفضل الله أنا ولي من أولياء الله الصالحين، وتراه يدخن! حتى رأيت العجب العجاب في السبعينات، جاءونا في بلدتنا برجل من الصعيد وقالوا: هذا شيخ يوحى إليه بطريقة، ونحن كنا صغاراً، فاجتمع الناس في صعيد واحد على مسرح، والرجل يقف بجواره من يقدّم له السيجارة ليشرب منها ويتبع الأخرى ويقول: يا سندي! ويدخن ويظن أنه يتلقى الوحي بالدخان. إذاً: الدليل الثاني في حرمة التدخين: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يهديك- وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك؛ وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) فهذا معناه: أن المدخن إما أن يحرق الثياب وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. وأنا أستحلفك بالله أن تشم فم المدخّن، فستجد أنه تخرج منه الرائحة الكريهة فضلاً عن الآثار الأخرى. الدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)، والمدخّن يجاهر بالمعصية، ويلوّث الهواء، ويضر غيره فضلاً عن ضرره بنفسه. الدليل الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) متفق عليه. والعلة في عدم قرب آكل الثوم والبصل المسجد هي الرائحة التي تخرج من فمه، فتؤذي الملائكة، وهنا نقول: الدخان أشد كرهاً من رائحة الثوم والبصل. الدليل السادس: أن معظم الفقهاء قد حرموه تحريماً قطعياً. الدليل السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه؟ وعن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فسيسأل المدخّن عن ماله، فماذا يقول لربه عز وجل؟

أضرار الدخان الأخلاقية والصحية

أضرار الدخان الأخلاقية والصحية إن لم يجد الابن المال الذي يدخّن به، فإنه يسرق من أبيه والأب يكدح، فهذا معناه: أن الدخان يعلمه السرقة، فإن لم يكن لدى الأب ثمن علبة السجائر فإنه يسرق من غيره، ولذا فالتدخين ضرره الأخلاقي على المجتمع مدمّر. وإن كان المدخن صاحب أخلاق ولا يريد أن يسرق يسأل الناس إلحافاً، فيقول: أتملك سيجارة؟ لا، هذا يدخن بجواره فيقول له: أعطني واحدة، أو يقول: إذاً: فأعطني تخميسة! فتراه يذل نفسه لسيجارة؛ وذلك لأنه معدوم الإرادة إذ لا إرادة له، فأقول: التدخين له ضرر أخلاقي على المجتمع، وكذلك له ضرر اجتماعي على المجتمع؛ لأنه يسبب الأمراض بأعضاء المجتمع إن لم يأخذوا على يد المدخنين فضلاً عن الضرر الصحي الذي بيّنت. يقول بعض العلماء: أجمع الأطباء على أن الدخان سبب هام مباشر لسرطان اللسان، وسرطان البلعوم، وسرطان القصبة الهوائية، وسرطان الحنجرة، والذبحة الصدرية، والسكتة القلبية، والسل، وقرحة المعدة؛ وذلك لاحتوائه على سموم عديدة؛ من أهمها: النيكوتين الذي هو كالزفت الأسود، وقد جاءوا برجل مدخن مات وأخرجوا رئته؛ لينظروا في حالها، فإذا برئته تحمل شيئاً شديد السواد، فأخذ الطبيب يعصرها فنزل منها القطران الأسود، وهو الذي أغلق المسام والفتحات.

وسائل التخلص من التدخين

وسائل التخلص من التدخين فيا عبد الله! استيقظ لنفسك، وقل: ما هي الوسائل التي تساعدني على ترك التدخين؟ أقول: صنعوا سيجارة من نعناع كأنها رضاعة، كالطفل حينما يبكي نعطيه الرضاعة حتى يسكت، فالمدخن حينما يشعر بحاجته إلى السيجارة يضع في فمه سيجارة النعناع، وهي وسيلة طيبة لمواجهة التدخين؛ لأن هذا الرجل لا يقوى، وما سمي الرجل رجلاً إلا لإرادته وعزمه وقراره، فأنا أريد من كل مدخّن أن يقف مع نفسه وقفة: لِم أدخّن؟ وما هي الفائدة المترتبة على هذا التدخين؟ وما هي الإحصائيات؟ أريد من علمائنا الاقتصاديين أن يقدموا لنا كم ينفق العالم كله وليس مصر فقط على الدخان من الدولارات؟ فلو تحوّل هذا المبلغ للفقراء والمساكين والمرضى لكان أفضل، لذا فكم من الإنتاج الذي سيضيع بسبب الدخان؟ وكم من الحرائق التي تحدث بسبب الدخان؟ حدّث ولا حرج عن مثل هذا، وفي ختام المحاضرة نذكر وسائل أو كيفية التخلص من التدخين: أولاً: الاستعانة بالله عز وجل، وأنت ساجد بين يدي ربك قل: اللهم أعني على ترك هذا الأمر الخبيث، اللهم خلّصني منه. ادع الله في السحر وفي كل صلواتك. ثانياً: إذا أعطاك صديقك سيجارة ارفضها واعتذر عن قبولها، ثم اسد له النصيحة في أسباب عدم القبول. ثالثاً: ابتعد عن المدخنين وعن رائحة الدخان. رابعاً: عليك بالسواك؛ فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب. خامساً: التدخين عادة سيئة، والعادات يمكن تركها، فاحذر أن تعود إليها بعد أن تتركها. سادساً: ابحث عن دواء عند الأطباء لمعالجة هذا الداء الذي ابتليت به نفسك يا عبد الله! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يخلص الأمة من هذا الداء، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

بعض مظاهر التدخين والمدخنين

بعض مظاهر التدخين والمدخنين ربما بعض الناس يصلي وعلبة السجائر في جيبه، وإذا ما أراد أن يسجد وقعت العلبة على الأرض، ماذا يصنع وهو ساجد؟ لأنه يشعر أن من بجواره سينظر إليه نظرة لا تليق به، فأقول له: يا عبد الله طالما أنك تعلم أن هذا إثم، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس، فاترك التدخين، كما أن غالب المدخنين يشرب الدخان في دورة المياه مع الخبث والخبائث؛ لأن هذا مكانها اللائق، وهل رأيتم عاقلاً يدخل إلى مسجد العزيز أو غيره ثم يجلس بيننا ويشعل السيجارة؟ إذا حصل ذلك الكل ينظر إليه ويزجره بالخروج، فهذا اتفاق بين المسلمين أن السيجارة من الخبائث، ولا تليق في بيت الله عز وجل. إن هؤلاء الذين يبيحون التدخين لا يملكون في بيوتهم أن يمنعوا هذه الظاهرة، فأرادوا للأمة جميعاً أن تدخن، فطالما أنا لا أتحكم في ولدي فلا بد للجميع أن يدخن حتى تعم البلوى، وهذه هي المصيبة. هناك بعض المظاهر التي تحدث للمدخنين، منها: الخبر الأول: أن بعض المصلين الذين يدخنون إذا دخل المسجد بعلبة السجائر يضعها في الحذاء وفي أماكن الأحذية. الخبر الثاني: أن الذي يقدم الإعلان للمالبورو توفاه الله بسرطان الرئة، وقال للناس وهو يموت: الدخان حرام ودليله أنا. ألا نتعظ بهذه الدروس يا عباد الله! ونجد البعض يبرر جواز التدخين للشباب الذي يدخّن يقول: نريد أن نتمسك بفتوى أي رجل ينتسب إلى الشرع! فليتقوا الله عز وجل. والآباء عليهم مسئولية، فلا بد أن يدخل بالليل على أولاده وهم نائمون، ويشم رائحة فم ولده، فإن وجد النيكوتين يخرج منه عرف أنه يدخّن، فيحاسبه على ما أنفق، ثم يقدّم له الأسوة الطيبة والنماذج التي ماتت بسبب هذا المرض العضال، حتى يفهم الولد أن هذا من الخبث، ويبعده عن أصدقاء السوء الذين يأخذون بيده إلى التهلكة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q فضيلة الشيخ آسفة على جرأتي في السؤال ولكني مضطر إلى ذلك، هل ممارسة الرجل للعادة السرية وهو مستيقظ حلال أم حرام، علماً بأنه متزوج؟ A هذا إدمان ومرض، فإن عندك ما أحل الله لك، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5 - 7]، فالعادة السرية حرام حرام حرام، وإن كنت متزوجاً فالحرمة أشد؛ لأن الحرام يزداد أكثر حينما تكون دوافعه أقل؛ لذلك الزنى حرام، والزنى بزوجة الجار أشد حرمة؛ لأنه من المفترض أن يحافظ الجار على جاره، وإذا جاء الرجل من خارج البيت ووجد جاره في بيته لعلة أو لسبب لم يستغرب من هذا الأمر، لكنه يستغرب إذا وجد رجلاً أجنبياً، فاستغلال الجار لثقة جاره وزناه بامرأته يجعله أشد حرمة؛ لذلك حينما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم؟ قال: الشرك بالله، قيل: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك، قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يُطعم معك).

أخذ العلم من العلماء مع غض النظر عن أي خلاف بينهم

أخذ العلم من العلماء مع غض النظر عن أي خلاف بينهم Q إن أحد العلماء يحذر الإخوة من الحضور إلى مسجد العزيز؛ لأن الدرس فيه تكفير، وبالفعل قد امتنع البعض، فما رأيكم؟ A الذي يمتنع عن الحضور له أن يمتنع، لكن يا إخوة! كفانا نقلاً للكلام، خذ الحق واترك الباطل، ولا تنقل الباطل، واطو ولا ترو صراع الأقران، فالعلماء الأقران من عادتهم أن يقع بعضهم في بعض، والغيرة والحسد لا تزال موجودة عند العلماء أو طلبة العلم، فأقول: اسمع من أذن وأخرج ما تسمع من الأخرى طالما أنك تنتفع وتستفيد، فمن قال لك: اسمع لفلان ولا تسمع لفلان إنما يتهمك في عقلك، وكأنه يقول لك: أنت لا تعرف التمييز، إذاً: فهذا اتهام لعقلك أنت؛ لأنك لا تستطيع أن تميز بين الحق والباطل، فاحضر الجميع وميّز، واقبل الحق ورد الباطل، ولا تترك لنفسك الحرية في نقل الكلام بين العلماء، فهذا مضيعة للوقت، واستهلاك للعمر في غير ما يجدي. فإن كان هناك من يحذّر من دروس هذا المسجد ومن خطبه اسمع وكأنك لم تسمع، طالما أن الكلام على غير الواقع، فإن كان على الواقع وقد شاهدت بنفسك الواقع فاستجب، المهم أن تسلم نفسك لنفسك أنت، ولا تسلّم نفسك لسواك ليحدد لك الطريق، فتلك هي المصيبة الكبرى، فأنت لك عقل ولك فكر، وأنت مخلوق مثل الشيخ، فطالما أن الشيخ يحذرك من فلان فلا تكن كالصوفي الذي يقول لأخيه عند الدخول على الشيخ: اخلع عقلك على الباب كما تخلع الحذاء، أي: أنه لا عقل لك، وكن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسلّ، وهذا تسليم بكل شيء، لكننا مع الحق ونقبل الحق حتى ولو كان الحق من الشيطان الرجيم، فلقد قبِل أبو هريرة رضي الله عنه قول الشيطان في حديث البخاري: إذا أويت إلى مضجعك فاقرأ آية الكرسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن).

حكم الغرامة عند عدم الإتيان بالمستعار في وقته المحدد

حكم الغرامة عند عدم الإتيان بالمستعار في وقته المحدد Q يوجد عندنا في المسجد مكتبة لاستعارة الأشرطة، ومدة الاستعارة يومان، وبعد ذلك غرامة تأخير قدرها خمسون قرشاً عن كل يوم تأخير، وتُجمع الغرامات لشراء أشرطة للمكتبة، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز هذا الفعل في المسجد، فإنني حين أعطي الشريط ثم أفرض غرامة لعقوبة التأخير فهذا هو الربا، وعليه فالتأجير يجوز، لكن التأخير بغرامة لا يجوز؛ لأن الله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وأين الميسرة في هذا الفعل؟ أنتم الآن تقلدون البنوك الربوية، فهذا لا يجوز.

حكم التجارة في العملة وبيان شروطها

حكم التجارة في العملة وبيان شروطها Q ما حكم التجارة في العملة؟ وما هي الشروط الواجب توافرها فيها؟ A التجارة في العملة حرام؛ لأنها إخلال بالمصالح المرسلة وضرر بالاقتصاد الوطني. وأما ما الشروط الواجب توافرها فيها فيحددها ولي الأمر.

تعليم الناس الخطأ والصواب وغض النظر عن أي جماعة إسلامية فيها أخطاء

تعليم الناس الخطأ والصواب وغض النظر عن أي جماعة إسلامية فيها أخطاء Q ما رأي فضيلة الشيخ في جماعة التبليغ؟ A يا أخي الفاضل! نحن في حاجة إلى التجميع ولسنا في حاجة إلى التفريق، حتى ولو كانت الجماعة عندها خلل بطرق كتابة العلماء فيها، ثم من منا ليس عنده خلل؟ كلنا لا يسلم من خلل، فالمشكلة أن يتفرغ بعضنا لبعض: مرجئة، معتزلة، خوارج، مكفرة، ونظل نتهم بعضنا البعض، يا أخي! انشغل بالعلم وبتعليم الناس الصواب، والناس تفهم الصواب من الخطأ بمفردها دون أن تجرّح، فإن هذه مصيبة ابتلينا بها في هذا الزمن.

من منهج القرآن: عدم التعميم في إصدار الأحكام

من منهج القرآن: عدم التعميم في إصدار الأحكام Q أصبح الناس الآن معدومي الأخلاق، وكلما أذهب إلى أي مسجد أجد الأخوات معدومات الأخلاق؟ A هل أنت من غير الناس؟ صاحب السؤال يبدو أنه لُدغ فكتب السؤال منفعلاً، ويقول: كل الناس. يا أخي! ربنا يعلمنا العدل في القرآن فيقول: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75]، فهذه الآية تعلمنا عدم التعميم: منهم ومنهم، وهذا هو المنهج العلمي، فأنت لا تقل: كل الناس لا أخلاق عندهم، ولكن قل: بعض الناس، أو قل: يوجد من الناس، فالقرآن يعلمنا عدم التعميم في الأحكام، أي: أن واحداً يتعامل مع أخ ملتح لُدغ منه بالتعامل المادي، فهل تقول: كل الملتحين هكذا؟ هل هذا منطقي؟ وإذا رأى منتقبة مثلاً يصدر منها فعلاً ليس شرعياً يقول: كل المنتقبات هكذا، وتلك هي المصيبة، فإن لغة التعميم لا تقبل حتى في البحث العلمي، وطالب العلم لا يُقبل منه أن يعمم الأحكام، فربنا عز وجل يقول في كتابه حينما يتحدث عن أهل الكتاب: وإن منهم، وإن منهم ليعلمنا عدم التعميم في الأحكام.

حكم التبول واقفا

حكم التبول واقفاً Q هل يجوز التبول واقفاً سواء بعذر أو من غير عذر؟ A يجوز من عذر، أما من غير عذر فلا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وللحديث بقية إن شاء الله، وجزاكم الله خيراً.

بناء البيت دروس وعبر

بناء البيت دروس وعبر أمر الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يرفعا قواعد البيت الحرام، فامتثلا أمر ربهما عز وجل، واستجاب الله لدعوة نبيه إبراهيم عليه السلام، فبعث الله رسولاً في هذه الأمة من أنفسها، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وقد كان العرب قبل ذلك في ضلال مبين.

المؤامرة على الحج والعمرة

المؤامرة على الحج والعمرة الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل البيت مثابة للناس وأمناً، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه القائل: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد)، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فقال للناس في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فاسمحوا لي أن أتوقف عن التفسير في أشهر الحج؛ لأن الله يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وهذا رأي جمهور العلماء، وهذا أولاً. ثانياً: أني ألمح مؤامرة خبيثة على الحج والعمرة ممن رضعوا من عصارة العلمانية، وممن دفعتهم يد خبيثة تكره الإسلام، وتبغض للأمة أن تلتف حول بيت ربها عز وجل، فإذا بأقلام مسعورة تكتب: لابد أن ننظر في قضية العمرة والحج؛ لأنها تستنزف اقتصاد البلاد، وتؤثر على الخزينة العامة، وتضيع أموالنا في غير موضعها، الله أكبر! أما نظروا إلى حفلات الرقص الماجنة في الفنادق، والتي ينفق فيها في ساعات قليلة أكثر من مائة ألف أو من خمسين ألفاً، وربما ينفق على رقصة هابطة خمسين ألفاً، أما نظروا إلى البلايين التي تتسرب من أموال الفقراء إلى بنوك أوروبا، أما نظروا إلى مظاهر الترف والإسراف الذي نعيشه ولا يخفى على أحد، لقد ضاقوا ذراعاً بالحج والعمرة، فقالوا: لا يمكن لأحد أن يكرر العمرة في أقل من خمس سنين فضلاً عن الحج، فنقول: نحن مع التنظيم، لكن من رزقه الله سعة في ماله فأنفق، وأدى حق الله عليه، وأراد أن يطوف كل عام ببيت الله فهل يملك أحد أن يمنعه؟ تعالوا بنا إلى سيرة السلف لننظر كم كانوا يحجون، وكم كانوا يعتمرون، والنبي في حديث يبين لنا أن علاج الفقر هو المتابعة بين الحج والعمرة، وأن من مفاتيح الرزق أيضاً المتابعة بين الحج والعمرة، ولذلك عندنا مفهوم خاطئ ألا وهو: أننا نؤخر الحج إلى آخر الحياة، فتجد غالب حجاج مصر قد جاوزوا السبعين أو الستين بعد سن المعاش، وربما لا يستطيع أن يؤدي النسك، وهو يملك أموالاً لا حصر لها، لكن مع ذلك يقول: أولاً أبني العمارات، وأزوج البنين والبنات، وأغير موديلات السيارات، وأقتني أرقى الأجهزة، ثم أحج بعد ذلك! لابد أن تعلم أن الله يقول: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]، وتأمل لـ سعيد بن جبير وهو يقول: كان لي جار موسر، فمات ولم يحج بعد، فأبيت أن أصلي عليه. وأريد من الدارسين أن يأخذوا شريحة واحدة من المجتمع، كالأطباء، أو المحامين، أو أي شريحة تتقاضى أجوراً مرتفعة، وانظر إلى دخلها، فيقول لك: أنا غير قادر على الحج! وهو يملك الآلاف المؤلفة من المال، لكن الشيطان يوهمه، لذلك كانت قضية الحج والنظر إليها من أهم القضايا. فهذا هارون الرشيد كان يحج عاماً ويجاهد عاماً، وابن حنبل حج خمس مرات؛ أربعاً راكباً ومرة ماشياً على قدميه، يقول: خرجت مع يحيى بن معين نقصد الحج، ثم بعد الحج عزمنا على أن نرحل إلى صنعاء لنسمع الحديث من عبد الرزاق، فهمه حج ثم طلب للعلم، فبينما يحيى يطوف بالبيت إذ قابل عبد الرزاق فقال: يا أحمد ها هو عبد الرزاق قد كفانا مشقة السفر إلى اليمن، فهيا بنا نسمع الحديث منه هنا بجوار بيت الله، فقال ابن حنبل: يا يحيى خرجت من بغداد ونيتي أن أسمع الحديث في صنعاء، فلن أغير نيتي في طلب العلم، وأبى أن يسمع شيئاً ورحل بعد الحج إلى صنعاء. لذلك أقول: لا داعي لهذه الترهات، فمليوني موحد في ليلة سبع وعشرين من رمضان يؤمنون خلف إمام واحد، ومكة قد أغلقت كل طرقها، والجميع على قلب رجل واحد، والكل يبكي لربه، إنه مظهر يزعج قوى الشرك ويقلق قوى الكفر، إذاً: سيقول الحاقدون: لابد أن نخطط لتدميره، والأقلام المأجورة تكتب دون وعي ولا حس، فاتقوا الله في الأمة، فإنه لم يبق لنا إلا الحج والعمرة، ثم ماذا تريدون بعد ذلك؟ أخشى أن يوجهوا الناس إلى مكان آخر للحج!

منهجية البخاري في التصنيف وترجمة سعيد بن جبير رحمه الله تعالى

منهجية البخاري في التصنيف وترجمة سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أما حديثنا اليوم فحول حديث أورده البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء، من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقبل أن أسترسل في الحديث الذي يحكي لنا قصة بناء بيت الله عز وجل، وكيف بناه إبراهيم، وما الدروس المستفادة من هذا الحديث الطويل، أريد أن أنبه سريعاً، أو أن ألفت النظر سريعاً إلى منهج البخاري في التصنيف، وترجمة لـ سعيد بن جبير رحمه الله تعالى. إن منهجية البخاري في صحيحه أنه قسم الكتاب إلى كتب، وعدد كتبه سبعة وتسعون كتاباً، أولها كتاب: بدء الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم، ثم الوضوء، ثم الغسل، وهكذا حتى ختم بكتاب التوحيد، ثم قسم الكتب إلى أبواب، وفقه البخاري في تبويباته جدير بأن يدرسه العلماء. وحينما أقول سعيد أذكر في الحال الحجاج بن يوسف الثقفي؛ لأنه هو الذي قتل سعيداً ظلماً، فقد جاء في ترجمة الحجاج: أنه لما كان على فراش الموت وجاءه ملك الموت كان ينتفض ويقول: ما لي ولـ سعيد، ما لي ولـ سعيد، تذكر ذلك الدم الذي قتله ظلماً. أخذ سعيد بن جبير الحديث والقرآن من فم ابن عباس رضي الله عنهما، وتتلمذ على يده، وسمع منه القرآن تلاوة وتفسيراً ولازمه، وهذا معناه: أنه لابد لك أن تلازم شيخاً، فالعلم لا يؤخذ هكذا كما بينا قبل ذلك، فقد صعد سعيد يوماً إلى سطح المسجد مع تلامذته فقال لهم: سلوني عما شئتم، فيوشك ألا تروني بعد ذلك، وكأنه استشعر باقتراب أجله، وفي هذا دليل على أن العالم ينبغي له أن يخرج على الناس ويقول: سلوني، وهذا ليس فيه شيء، ولا ينبغي للعالم أن يضع العراقيل أو القيود على بابه، بل عليه أن يعرض نفسه على الناس، فقد جاء في الحديث عند البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرز للناس ليسألوه)، فلا مكان للعالم الذي يحجب نفسه ويغلق هاتفه ويقيد حركته، لابد للعالم أن يكون متواضعاً مع طلبة العلم، فيعطيهم من وقته، ولا يبخل على أحد منهم طرق بابه في ليل أو نهار، لأن ذلك هو زكاة العلم، والعلم يزكو بالإنفاق والمال تنقصه النفقة، وهذا نقصان ظاهري حتماً. أيضاً في قول سعيد -سلوني- إشارة إلى منزلة العلماء الربانيين، العلماء الذي لا يصدرون الفتوى حسب الطلب والأهواء، وحسب الحجم والظروف والأحوال، فتارة فوائد البنوك حرام بإجماع مجمع البحوث، وتارة فوائد البنوك حلال بأغلبية مجمع البحوث، الله أكبر! من قال بالأمس: إنها حرام عاد يحلها اليوم، ما الذي حدث يا عبد الله؟! وماذا يكون الربا إن لم تكن فوائد البنوك ربا، ببساطة شديدة: البنك شخص معنوي، واعتبرني بنكاً مثلاً فآخذ منك مبلغاً وأعطيك فائدة ثابتة 10%، والآن انخفضت إلى 8% في حالة الإيداع، فيأتي آخر يريد أن يقترض من البنك، ففي هذه الحالة هو مقرض، وفي الحالة الأولى مودع، فبكم يعطيه؟ 18%، يعني: عمله يأخذ المال من هذا بسعر فائدة قليل، ويعيد إقراضه بسعر فائدة أعلى، أليس هذا هو عين الربا يا عباد الله؟ إن الربا هو: النماء والزيادة، ولكن لمن نقول؟ ومن يسمع؟!

الغيرة عند النساء

الغيرة عند النساء وعلى كل فقد أخذ تلاميذ سعيد بن جبير يسألونه حتى أكثروا عليه السؤال، وفي هذا إشارة إلى حرصهم على طلب العلم أيضاً، فلما أكثروا عليه السؤال سألوه عن قصة مقام إبراهيم، فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لما كان بين إبراهيم وزوجه ما كان، أي: لما كان بين إبراهيم وزوجته سارة؛ لأن إبراهيم عليه السلام تزوج من سارة وظل أكثر من ثمانين عاماً لم ينجب منها، ولما نزلت سارة إلى مصر، ودخلت على ملك ظالم فراودها عن نفسها، والقصة معروفة في حديث آخر، والمهم أنها دعت عليه فأصيب بشلل نصفي مرات عديدة، فقال: أخرجوها فلقد أدخلتم علي شيطانة، وأعطاها مملوكة أو أمة اسمها: هاجر، فلما أخذتها أعطتها لإبراهيم عليه السلام، فتزوج إبراهيم من هاجر، ولما تزوج من هاجر حملت منه، وغيرة النساء معلومة، فالأولى لم تحمل والثانية حملت. لذا لابد أن القديمة ستغار، ولا يمكن أن نغض الطرف عن الغيرة في الصالحات، ففي الحديث عند البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بات عند عائشة في ليلتها، فأرسلت إليه إحدى زوجاته طعاماً في إناء، فقالت عائشة: هو في ليلتي وترسل إليه طعاماً! فأخذت الإناء وألقته إلى الأرض فانكسر إلى نصفين)! غيرة منها رضي الله عنها، (فأخذ النبي يقول: غارت أمكم، ويجمع الطعام من الأرض) دون تعنيف، (ثم دخل إلى حجرة عائشة فأحضر إناء بدل الإناء المكسور، وأرسله عليه الصلاة والسلام إلى زوجته)، وقد غارت عائشة كثيراً من خديجة رضي الله عنها، وما غارت من أحد من زوجاته بقدر ما غارت من خديجة رضي الله عنها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان وفياً لـ خديجة رضي الله عنها، وهذا هو خلق النبي عليه الصلاة والسلام، فكان كلما جاءته امرأة يعرفها أيام خديجة يقوم لها ويقول: (كانت تأتينا أيام خديجة)، فكان يذكرها عليه الصلاة والسلام في المدينة بعد مدة طويلة، وعائشة تستمع لذلك فتأخذها الغيرة فتقول: (يا رسول الله لا تزال تذكر عجوزاً من عجائز قريش، لقد أبدلك الله خيراً منها، قال: والله ما أبدلني الله خيراً منها، لقد صدقتني حين كذبني الناس، وآمنت بي حين كفر الناس، وأعطتني حين منعني الناس، ورزقني الله منها الولد)، رضي الله عنها وجاء جبريل يقول: (يا رسول الله! إن ربك يأمرك أن تقرئ خديجة السلام منه، وأخبرها أن لها بيتاً في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا وصب). والغيرة قد تكون أحياناً محمودة، وقد تكون أحياناً مذمومة، وطالما أن الشرع يقيدها فلا بأس؛ لأنها من طبائع النساء، فلما غارت سارة فرق بينهما إبراهيم عليه السلام، والرجل الحكيم هو الذي لا يجمع بين زوجتين في مكان واحد، وذلك حتى لا تدب الغيرة بينهن، فأخذ إبراهيم هاجر وانطلق بها إلى مكة بأمر ربه عز وجل بعد أن ولدت له إسماعيل عليه السلام، واتخذت هاجر لباساً أو معطفاً يجر على الأرض، وربطته على رأسها أو في وسطها، حتى تخفي أثرها على سارة فلا تعرف لها طريقاً.

الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل

الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل وعند وصول إبراهيم وزوجه إلى بيت الله عز وجل وجده مكاناً قحلاً لا زرع فيه ولا نبات، ولا ماء ولا طائر، فوضع إبراهيم إسماعيل وأمه في هذا المكان القحل وتركهما، فنادته هاجر يا إبراهيم! فما التفت إليها، لكنه ما ضيع زوجته وولده، فقد وضع لهما إناء فيه ماء، وجراباً فيه تمر، وهذا يشير إلى أن الإنفاق على الزوج والولد مسئولية الزوج، والله هو الذي أمر بذلك، لكن للأسف الشديد تجد بعض الرجال يغيب سنوات ولا يدري من أين تنفق الزوجة والأولاد؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون، أو يعمل نفسه -أي: الزوج- أنه ليس بفاهم، فيأتي في الظهر ويجد طعام الوجبة تساوي مائتي جنيه ومرتبه كله مائة وعشرون جنيهاً، واليوم الثاني كذلك، بل والشهر كله، ولا يسأل عن مصدر الدخل؟! ولذلك هناك أمور لا ينبغي للزوج أن يتغاضى عنها، كالسؤال عن مصدر الدخل والإنفاق وغيرها من الأمور، وظلت هاجر تنادي على إبراهيم ولا يجيب، حتى وصلت إلى مكان اسمه (كداء)، وهو بعد مكة بقليل، فسألته فقالت: يا إبراهيم أربك أمرك بهذا؟ فلا يمكن أن تتركنا على هذه الطريقة إلا إذا كان ربك أمرك بهذا، فالتفت إليها قائلاً: نعم، فقالت المرأة المؤمنة التقية المحتسبة: إذاً فلن يضيعنا الله، ولننظر لو أن أحدنا فعل هذا مع زوجته لاتهمته بالجنون؛ لأنه ليس عندها ثقة ويقين في الله، بينما هذه امرأة تعلمنا أن نثق في وعد الله، وأن نثق في نصر الله، ونوقن أنه كلما ضاقت الأمور سيأتي الفرج بإذن الله سبحانه، والله حافظ دينه مهما تآمر المتآمرون {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، وكلما ضاقت فرجت، وأن بعد العسر يسراً، وأن بعد ظلام الليل فجراً، وبعد ألم المخاض وضعاً، فلا تحزن فإن النصر قادم لا محالة، لأنه دين رب العالمين، فهو الذي يحفظه، وهو الذي يؤيده، وهو القادر سبحانه وتعالى. ولما قال ذلك إبراهيم سلمت الأمر إلى ربها ثقة ويقيناً به عز وجل، ولما ذهب إبراهيم من عندها واختفى عنها وعن ولدها دعا ربه -وهذا من حكمته عليه الصلاة السلام- حتى لا تصاب بقلق واضطراب، فرفع يديه قائلا: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، دعا إبراهيم ربه ثم انصرف إلى أرض الشام، لكنه ترك هاجر المحتسبة الصابرة، فنفد الماء، ونفد التمر، وانقطع الغذاء، وجف صدرها عن اللبن، وما وجدت لبناً لإرضاعه، ويوماً بعد يوم وإسماعيل يتلوى على بطنه وظهره من شدة العطش وألم الجوع، والأم لا تجد شيئاً، فتقوم بأخذ الأسباب، فتتركه وتصعد إلى أعلى جبل الصفا؛ لعلها تحس من أحد أو تجد أحداً، ثم تنزل إلى بطن الوادي تلك المنطقة المحصورة بين علمين أخضرين الآن، ثم تهرول سريعاً إلى آخر الصفا لعلها تجد أحداً، وهي بعد كل شوط تعود إلى ولدها فتنظر في حاله، وللأسف الشديد نجد اليوم بعض الآباء والأمهات يتركون الأبناء سنوات عديدة لا يعرفون هل هم أحياء أم أموات؟! وكأنهم ما أنجبوا ولداً، والولد أمانة لابد أن تطمئن عليه في كل يوم وليلة، لذلك صدق من قال: أرضعوا الأطفال في المهد الحرام علموهم فحشهم قبل الكلام هدهدوهم بغناء بفسوق فإذا شبوا فماذا يصنعون؟ فأول أمر نعلمه للأبناء الصغار: يا ولد سب عمك، وابصق في وجه جدك، الله أكبر! ولا نعلمه التوحيد، ولا نأخذ بيده إلى الفقه، ولا نعلمه الأذكار، (علموا أولادكم الصلاة لسبع)، (يا غلام احفظ الله يحفظك)، غلام لم يبلغ الحلم، ومع ذلك يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الصحيحة والسليمة. ولم تيأس هاجر عليها السلام، بل أخذت بالأسباب، وما تركت السعي بعد شوطين أو ثلاثة، بل قطعت سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، لعلها تجد فرجاً، ولعلها تجد مخرجاً، فإذا بصوت ينادي فقالت لنفسها: صه، أي: أنصتي فهناك صوت، فإذا بجبريل يأتيها في صورة حسنة فقال: من أنت؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، تفتخر بزوجها، فقال لها: كيف ترككم هنا؟ ولمن وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله، فقال جبريل: لقد وكلكما إلى عظيم، ثم ضرب الأرض بجزء من عقبه أو بطرف جناحه، والشك من الراوي كما جاء في الرواية. وقد أخبرني أحد الإخوة أنه سمع عالماً يتحدث في الإذاعة ويقول: من قال: إن للملائكة أجنحة فهو كذاب؛ لأن الملائكة ليس لها أجنحة، وإنما هي مجاز، كقول الله سبحانه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24]، يشير إلى التواضع، يا عبد الله! أما تتقي الله في دينك، أما علمت أن النبي قال: (رأيت جبريل وله ستمائة جناح)، أما علمت أن جبريل حمل قرى لوط على جزء من جناحه، أما قرأت في قول المفسرين لقول

حرص الإسلام على الزوجة الصالحة

حرص الإسلام على الزوجة الصالحة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. أما بعد: فبعد أن نبع الماء أتى فوق الماء طير، والعرب كان عندهم ذكاء، إذ كانوا يفهمون بالإشارات والقرائن، وعلم القرائن مهم جداً، ولذلك قالها شاهد يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف:26]، فالقرينة دائماً تفيد معنى، ومن ثم قال الفقهاء: لو أن امرأة بكراً حملت لكان ذلك قرينة على الزنى، لأنه كيف تحمل وهي بكر؟! إذاًَ لابد من قرينة واضحة، فكذلك رأت قبيلة جرهم -قبيلة عربية أصيلة تتحدث العربية بطلاقة- طائراً يحلق من بعيد، فأرسلت رسولها إلى مكان الطائر فوق الماء لينظر هل هناك من أحد أم لا؟ فوجد هاجر مع ولدها والماء بجوارهما، فأخبر قبيلته فجاءوا جميعاً إلى هاجر يستسمحونها أو يأخذون الإذن منها على أن يقيموا معها في هذا المكان، فوافقت هاجر على ذلك، لأنها تحب الأنس، والإنسان أليف بطبعه وليس انطوائياً، وهو اجتماعي يؤثر ويتأثر، وكما يقول علماء الاجتماع: هو وليد البيئة، يعني: يتأثر بالبيئة وتؤثر فيه، وهذا لا شك فيه، ولذلك كان من شروط توبة الزاني غير المحصن أن يقام عليه الحد: (جلد مائة وتغريب عام)، فتغريبه عن المكان سنة، لينسى البيئة وتنساه البيئة، وأيضاً فإن أرض المعصية تذكره فلابد أن ينساها وتنساه، ومن ثم قال العلماء: الهجرة أنواع، منها: هجرة الأوطان، فإن كان الوطن لا يساعدك على طاعة الله وإنما يدفعك إلى معصية الله فارحل إلى بلد آخر يعاونك على طاعة الله عز وجل. ولما جاءت قبيلة جرهم عند هاجر وابنها إسماعيل وشب إسماعيل بينهم، ألهمه الله الفصاحة والتحدث بالعربية بطلاقة، فأعجبت قبيلة جرهم بشخصية إسماعيل، فأرادوا أن يزوجوه منهم فتزوج منهم، وبعد أن ماتت هاجر رحمها الله تعالى جاء إبراهيم يطمئن على أهل بيته، فلم يجد هاجر ووجد بيت إسماعيل عليه السلام، فلم تعرفه زوجة إسماعيل، وإنما رأته شيخاً كبيراً وعليه غبار السفر، إذاً يحتاج إلى رعاية وضيافة وحسن استقبال، لكن أول ما وصل إلى بيت إسماعيل سأل عن حالهم، وانظر إلى هذه الزوجة -وما أكثرهن إلا القليل- تشكو زوجها للغريب، ولا تعرف للزوج الحقوق، ولا تعلم أنه إبراهيم والد إسماعيل، فقال لها: كيف حالكم؟ قالت: شر حال: في ضيق عيش وفي كد وتعب، وظلت تشكو الخالق إلى المخلوق، وما حمدت الله وأثنت على زوجها، وإنما كانت ناكرة جاحدة، فقال لها إبراهيم: إن جاء إسماعيل فأقرئيه السلام، وفي الحديث: إن إسماعيل خرج للصيد، وإلى شبابنا أقول: احذر أن تكون كسولاً لا عمل لك، وعلى شماعة الالتزام تلقي هذا الإهمال، فتقول: أنا لست فاضياً للعمل وإنما عندي ورد، وعندي دراسة، وعندي مجلس علم، فتتأخر في دراستك ولا تكون منتجاً، وتعيش عالة فتسيء إلى نفسك وإلينا جميعاً، وإنما اعمل، واكدح، (فإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)، والعمل قيمة يا عبد الله فلا تركن أبداً، فهذا إسماعيل يخرج للصيد، وموسى يرعى الغنم عليه السلام، وما من نبي إلا وله صنعة يأكل منها، وهي مصدر وسبب في رزقه، ولذلك عندما جاء إبراهيم إلى بيت ولده لم يجده نائماً، أو جالساً أو مضطجعاً، لا، وإنما وجده في عمله. ثم قال إبراهيم لزوجة ابنه: وأخبريه أن يغير عتبة بيته، فشبه المرأة بالعتبة، لأن العتبة تحفظ البيت وتصونه، وهي محل الوصل أيضاً، فكذلك المرأة صيانة للبيت وحفظ له، ولما جاء إسماعيل من الخارج لابد أن يطمئن ماذا حدث حال غيابه؟ ومن اتصل؟ ومن سأل؟ وما أخباركم؟ وما حالكم؟ فهذا هو الزوج، والذي ينام دون أن يسأل يلقي التبعة على غيره، فقالت زوجته: جاء رجل صفته كذا وكذا، ووصفته بأقبح الوصف، ولم تكن حتى في لسانها طيبة، ثم قال لها: ماذا قال لك؟ قالت: قال: أقرئيه السلام، وأخبريه أن يغير عتبة بيته، قال: أنت العتبة وهذا أبي، فالزمي بيت أهلك، طاعة لوالده. وهنا نقول: إن أمرك الأب بطلاق زوجتك أتفعل؟ المسألة تحتاج إلى توقف، فإن كان الأب يأمر بذلك لسبب شرعي ديني فاستجب، وإن كان يأمر لهوى في نفسه فلا، ولذلك لما أمر عمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله أطع أباك وطلق امرأتك)، فسئل شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة فقال: إن كان أبوك إبراهيم وأنت إسماعيل فافعل! لذا قد تجد بعض الآباء يأمر بطلاق زوجة ابنه لأنها لا تحمل نعله عند دخوله إلى البيت! فهل هذا سبب يدعوه لطلاقها؟! وبعضهم قد يجبرها على أن تفعل أشياء ربما لا تكون في الشرع أصلاً، أو ربما يأمر ابنه بطلاق زوجته لأنها من

أمر الله لإبراهيم وإسماعيل بأن يرفعا قواعد البيت الحرام

أمر الله لإبراهيم وإسماعيل بأن يرفعا قواعد البيت الحرام ثم عاد مرة ثالثة وقد شب إسماعيل وكبر، فجاءه متأخراً وقال له: يا بني إن الله أمرني أن أرفع قواعد بيته، فقال الابن: يا أبت افعل ما تؤمر، قال: وأمرك أن تعاونني، قال: سمعاً وطاعة، فأخذ إبراهيم يرفع القواعد وإسماعيل يعاونه حتى انتهى إبراهيم إلى طوله فجاء بحجر فوقف عليه، وذلك هو المقام، فقام إبراهيم حتى رفع الكعبة إلى تسعة أذرع وعاد بها إلى بناء آدم وهو يقول هو وولده: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ} [البقرة:127 - 128]، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، أي: لا دين مقبول عند الله إلا الإسلام، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، دين الأنبياء هو الإسلام، قالها إبراهيم وهو يرفع القواعد، {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:128 - 129]. قال عليه الصلاة والسلام: (أنا دعوة أبي إبراهيم، ونبوءة أخي عيسى، ورأت أمي حين ولدتني نوراً أضاء لها قصور الشام)، والحديث في سنن أبي داود وهو صحيح، وعلى كل بنى إبراهيم الكعبة أو أعاد بناءها، ورفع القواعد -وكان مقامه بجوار الكعبة إلى أن جاء زمن عمر فأبعد المقام من الكعبة حتى يتسع المطاف- وعند ذلك ارتقى إبراهيم فنادى: إن الله قد فرض عليكم الحج، فسمعه من شاء الله أن يسمعه، وقال من قدر الله له: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إجابة تلو إجابة، وستستمر الإجابة رغم أنف الحاقدين إلى أن يشاء الله رب العالمين سبحانه: يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي طبتم وطاب دليلكم يا حيرتي الشوق أقلقني وصوت الحادي ويطيب لي ما بين زمزم والصفا عند المقام سمعت صوت منادي من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مرادي اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، اللهم ارزقنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً صالحاً متقبلاً. اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب يوم العرض. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين، اللهم اربط على قلوب الموحدين. اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، فرج كرب المكروبين، ارفع الظلم عن المظلومين، استجب لدعاء الموحدين فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت بكل جميل كفيل. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

التحذير من الاحتفال بأعياد المشركين

التحذير من الاحتفال بأعياد المشركين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فقبل أن أجيب عن الأسئلة هناك أمر لابد أن نحذر منه، وأن نرشد من لنا عليه ولاية، ألا وهو: الاحتفال بأعياد (الكريسمس)، أو ما يسمونه بـ (رأس السنة)، حيث تعم المعاصي ويسود الفجور، فتشرب الخمور ويحصل الرقص والدعارة، وأهل الباطل يتنافسون، فمنهم من يقول: عندنا أفضل الرقص، وأجود الغناء، ومع النجم الساطع الساهر إلى طلوع الفجر، والناس تحجز من الآن بآلاف الجنيهات، وأنا أقول لمن يدعون إلى حفظ الأموال: بدلاً من أن تحاربوا الحج والعمرة حاربوا هذه الخلاعة، نسأل الله العافية، ولذلك لابد أن نعلم أنه لا شأن لنا بهذه الأعياد أبداً من بعيد أو من قريب. وقد قال كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]، أي: الذين لا يشهدون أعياد المشركين، وإبراهيم عليه السلام حينما دعاه القوم للاحتفال معهم في أعياد النمرود قال لهم: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89]، أي: سقيم من فعلكم، سقيم من حالكم ومما تصنعون، وقد كانوا يخرجون بالأصنام وليس هناك طبل ولا رقص، ولا اختلاط ولا شرب لما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا سهر إلى الفجر فيما لا يرضى عنه رب العالمين. ولذا فأقول: ينبغي أن تحذر من لك عليهم ولاية، وانصح فقط لا غير، لكن لا يمكن بحال أن تأمر وتنهى من لا يستجيب لك، وإنما أقم عليه الحجة بحكمة ورفق ولين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272]، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22]، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، وهذه نصوص تبين أن وظيفتك البلاغ لا أكثر ولا أقل، ومن سار على نهجه صلى الله عليه وسلم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، أي: على علم، والبعض قد يخرج ورقة كتب عليها حكم الاحتفال ويوزعها، وربما قد تحدث ضجراً أو تحدث قلقاً، أو تكون سبباً في مشاكل معينة، فلا داعي لذلك، وإنما بلغ في إطارك، فإن البعض قد يتعجل وقد يكون عنده انفعال في التغيير، فنقول له: الحكمة ودراسة المصالح والمفاسد لابد منها في الدعوة إلى الله عز وجل، وربما توزيع الورقة مصلحة، لكن المفسدة المترتبة على ذلك أكبر بكثير، فتتسبب في كذا وكذا، وعند ذلك أنت لم توازن بين المصالح والمفاسد، فأقول: الدين كله مبني على المصالح والمفاسد، فادرس هذه المسألة مع العلماء، وقل وبلغ دون ضرر بأحد، وأيضاً لابد أن ننبه لهذا، وأن نناشد الناس بالمخالفة. لكن قد يقول قائل: قد يكون يوم كذا إجازة، فهل أذهب إلى العمل أم لا؟ فنقول: لا شك أن ذلك لا يمكن، لأن المقصود بالمخالفة: أنك لا تخرج إن خرجوا، ولا تصوم إذا صاموا، ولا تحتفل إذا احتفلوا، وإنما استثمر هذا اليوم في طاعة الله عز وجل، فاعتكف في بيتك، أقم الليل، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قيام الليل جماعة بعد رمضان

حكم قيام الليل جماعة بعد رمضان Q ما حكم القيام جماعة بعد صلاة العشاء في غير رمضان؟ A بدعة، لأن القيام في جماعة لا يكون إلا في رمضان، ولم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، وإنما الذي يجوز هو ما ورد في البخاري من حديث ابن عباس في كتاب الصلاة أنه قال: (بت عند خالتي ميمونة)، (وكان عندها النبي صلى الله عليه وسلم، فقام من الليل ليصلي، فقمت وتوضأت وقمت بجواره)، فقيام ابن عباس رضي الله عنه بجوار النبي صلى الله عليه وسلم كان قدراً لا ترتيباً مسبقاً، وعليه إن حصل الترتيب المسبق فذاك بدعة، لكن سيقول قائل: سيدنا عمر قال: نعمت البدعة هي، فالرد: أن عمر بن الخطاب أراد الفعل الذي فعل، فهو عندما جمع الناس على إمام واحد -وهو أبي بن كعب - كان له أصل في الإسلام، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم اليوم الأول والثاني ولم يخرج في اليوم الثالث خشية أن تفرض عليهم، فـ عمر عاد إلى الأصل، وانتفت العلة فقال: نعمت البدعة، وقال ابن تيمية: المراد بالبدعة بمعناها اللغوي وليس بمعناها الشرعي، والبدعة لها معنيان: لغوي، وشرعي. وأما إذا جمع الرجل أهل بيته وصلى بهم فلا إشكال في ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله زوجاً قام من الليل فأيقظ أهله ليصلوا معه)، وسواء صلى مفترضاً وهم متنفلون، أو هم مفترضون وهو نفل، فلا حرج في ذلك. وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه، ألا وهو: قيام بعض الناس في ليلة أول يوم من شوال، وعدم قيامهم في أول ليلة من ليالي رمضان! وهذا مخالف لما عليه الهدي النبوي.

حكم قيام ليلة رأس السنة الهجرية جماعة

حكم قيام ليلة رأس السنة الهجرية جماعة Q هل يجوز صلاة قيام الليل جماعة ليلة رأس السنة؟ A لا يجوز، والمقصود المخالفة لهم في كل شيء، والله تعالى أعلم.

حكم أخذ الفارق بعد وزن الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة

حكم أخذ الفارق بعد وزن الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة Q هل يجوز لي عند شرائي أو بيعي للذهب أو الفضة أن أزن هذا بهذا وآخذ الفارق بينهما من الثمن؟ A لا يجوز، وعليه إن أردت أن تشتري ذهباً أو فضة، أو تبيع ذهباً أو فضة أن تجعل كل بيعة على انفراد، فتقبض في مجلس العقد، ثم تعود لصفقة أخرى، أما أن توزن هذه وتوزن هذه وتأخذ الفارق بينهما فلا يجوز؛ لأن بيع الذهب والفضة يخضع لمعايير تختلف عن غيره، والله تعالى أعلم.

حكم بقاء المرأة مع زوجها العاصي

حكم بقاء المرأة مع زوجها العاصي Q زوجة عندها من الأولاد خمسة، منهم بنتان متزوجتان، وهي تصلي بانتظام، لكن الزوج تارك للصلاة ويشرب الخمر، وهي لا ترغب في العيش معه، لكنها تخشى على أولادها، فما نصيحتكم لها؟ A لابد أن تقيمي عليه الحجة وأن تنصحيه، وأن ينصحه أهل العلم، وأن تتخذي معه كل السبل اللازمة أولاً، ثم إن أصر على ترك الصلاة وشرب الخمر ففارقيه ولا تخشي على الأولاد من البقاء معه، فإن الحافظ هو الله تعالى. والمرأة التي لا تصلي أيضاً كافرة يا عبد الله! فكيف تبقيها؟! وهل بعد ترك الصلاة من ذنب؟ الناس اليوم يتهاونون في الحكم على من ترك الصلاة، هذا إبراهيم أمر ابنه أن يطلق امرأة جاحدة تشكو الخالق إلى المخلوق وليست تاركة للصلاة، فقال: غير عتبة بيتك، فالمرأة إذا قلت لها: لئن لم تصلي لأطلقنك، فتقول لك: طلقني لكن لن أصلي، فهي اختارت الطلاق على الصلاة، فهذه جاحدة للصلاة تختار الانفصال على أن تصلي وتبقى في بيتها، إذاً الصلاة ثقيلة عليها، وهذا كلام خطير جداً ينبغي أن يكون واضحاً بيناً. وعليه فإذا نصحت الزوجة زوجها، وأخذت السبل معه، والزوج لا يزال يصر على شرب الخمر وترك الصلاة فيلزمها أن تنفصل عنه في الحال، إما بالطلاق وإما أن تخلع نفساها إن أبى أن يطلقها، أما الأولاد فمن الخطر أن يظلوا تحت هذا الرجل شارب الخمر وتارك الصلاة، وحفظ الأولاد في بقائهم مع أمهم الصالحة، وضياعهم في بقائهم مع هذا الأب الفاسد، وليس من أجل الأولاد نضيع الشرع يا إخواني بارك الله فيكم.

حكم غياب الزوج عن زوجته مدة طويلة

حكم غياب الزوج عن زوجته مدة طويلة Q هل يجوز للزوج أن يترك الزوجة كما فعل سيدنا إبراهيم عند ما ترك هاجر مدة طويلة؟ A ترك إبراهيم لزوجته كان لأسباب شرعية، لذا قال العلماء: لا يجوز إلا إذا أذنت الزوجة، والمدة التي يجوز للزوج أن يبتعد عن زوجته هي ستة أشهر أو أربعة أشهر: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، قال العلماء: إن زادت إلى ستة شهور فلا شيء عليه، لكن لو قالت الزوجة: لا أطيق أن أفارقك أكثر من ذلك، لزمه أن يأتي، وإلا تطلق للضرر، قال تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227]. وعليه لابد أن يراعى حق الزوجة في هذا، وإن قالت الزوجة: امكث السنة وأنا موافقة، فلا حرج في ذلك، لأن ذلك باختيارهما كما فعلت سودة عندما أعطت ليلتها لـ عائشة رضي الله عنهما، لكن العجب أن بعض الرجال يذهب من بيته فيمكث السنة والسنتين والثلاث، ثم يأتي بالأموال الهائلة وقد ضاع عرضه وأولاده! فبقاؤه مع أهله بجوار زوجته وأولاده في حال ضيق وكرب أفضل بكثير من بنائه للعمارات مع ضياع الزوجة والأولاد، وحدث ولا حرج عن هذا، ثم هل هناك زوج يستطيع أن يفارق الزوجة لثلاث سنوات متتابعات؟! يقول العلماء: من أسباب التعدد: أن بعض الرجال لا يطيق أن يفارق امرأته في مدة الحيض الستة أو السبعة الأيام، ويمكن أن تطول المدة إلى خمسة عشر يوماً، لذلك يقولون: زوج الواحدة يحيض حينما تحيض، وينفس حينما تنفس، وهذا كلام ليس فيه شيء، وإنما لبيانه، فإن كان الرجل عنده قوة ولا يستطيع أن يفارق الزوجة في مدة الحيض، فله أن يتزوج، لكن انقلبت الآن المعايير عند النساء، فتوافق على الزنى ولا توافق على الزواج! وأنا أقول هذا الكلام بشواهد من الواقع، فتوافق المرأة على أن يكون للزوج صديقة ولا توافق أن يكون له زوجة، لكن نقول: التعدد يجب أن يكون بالضوابط الشرعية: من العدل، وعدم الظلم، وإعطاء الحق لكل واحدة منهن، والله تعالى أعلم.

حكم الذهاب إلى الحج بشرط تغيير المهنة أو تحت مسمى خدمة الحجاج

حكم الذهاب إلى الحج بشرط تغيير المهنة أو تحت مسمى خدمة الحجاج Q عرض علي أحد أقاربي أن أحج، لكن بشرط أن أغير مهنتي إلى جزار، فهل ذلك يجوز، وما حكم الذين يذهبون للحج تحت مسمى خدمة الحجاج، ويدفعون مبلغاً إلى أشخاص؟ A جائز 100%، وكم من علماء يغيرون المهنة إلى جزار، ولا يوجد مشكلة في ذلك، وهذه قيود وضعتها البلاد، فبدل أن أدفع خمسة عشر ألفاً خير لي أن أدفع ألفاً ونصف، وكذلك جائز إذا ذهب أحدهم إلى الحج تحت مسمى خدمة الحجاج، وعليه فكل السبل التي توصلك إلى بيت الله طالما أنها مشروعة فلا بأس، والله تعالى أعلم.

حكم البقاء في مكة بعد العمرة إلى وقت الحج لعدم التمكن من توفير تكاليف الحج

حكم البقاء في مكة بعد العمرة إلى وقت الحج لعدم التمكن من توفير تكاليف الحج Q ما حكم الذين يذهبون إلى العمرة، ثم بعد أدائها يحبسون في سكن في أطراف مكة لمدة ثلاثة أشهر، ولا يحضرون الجمعة والجماعات حتى يأتي وقت الحج فيحجون، كل هذا هروباً من التكاليف الباهظة للحج في هذه الأيام؟ A لا يجوز، وذلك للأسباب التالية: أولاً: لأنه غير مكلف بالحج؛ أي: أنه غير مستطيع، والله عز وجل يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. ثانياً: تركهم للجمعة بلا عذر، والجمعة لابد أن تكون في مسجد جامع، وهذا ليس بمسجد جامع، لكن قد نجد بعض إخواننا من العلماء الذين ندين لهم بالحب والإجلال يفتون بالجواز، لكن نقول: ما هي الآثار المترتبة على الحبس؟ هناك تضييع للجمعة، وتضييع للجماعات، فضلاً عن الاختلاط بين الرجال والنساء في مكان واحد، وقد تعجب من رجل غني عنده مائة ألف قد حبس نفسه لمدة ثلاثة أشهر من أجل ألا يمس الرصيد، أو يفك الوديعة، ويقول لك: أذهب فأصرف تسعمائة بدل أن أصرف خمسة عشر ألفاً! فهو حسبها حسبة اقتصادية! بخل وتقتير على ربه عز وجل.

حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة بدون محرم

حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة بدون محرم Q هل يجوز للمرأة أن تذهب إلى الحج بدون محرم؟ A المرأة التي لا تجد محرماً ليس عليها حج؛ لأن من شروط الحج للمرأة: أن يكون معها محرم، وكذلك ذهابها إلى العمرة.

حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة مع رفقة مأمونة

حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة مع رفقة مأمونة Q هل يجوز للمرأة الذهاب إلى الحج أو العمرة برفقة صحبة مأمونة؟ A يجوز، وهذا قول للشافعي خلافاً للجمهور، ولو وجد الشافعي في زمننا اليوم لقال: أنا آسف على هذا القول، فأين الصحبة الآمنة؟ ثم إن المرأة وهي تركب الطائرة قد تصاب بدوار، أو بمغص، أو قد تتعثر على سلم الطائرة، وتريد أحداً يساعدها ويأخذ بيدها، وعلى كل فالمرأة بدون محرم فتنة ولا ينبغي أن نغفل عن هذا الأمر. لكن قد يقول قائل: لو قام أحد أقرباء المرأة بتوديعها من المطار على أن ينتظرها قريب لها في المطار الآخر، فكذلك لا يجوز، لأنه قد يركب بجوارها إنسان فاسد، وقد يستدرجها إلى أمر ما، وأيضاً قد تحتاج هذه المرأة إلى المساعدة في الطائرة، فمن ذا الذي سيساعدها؟! لذلك كان وجود المحرم مع المرأة ضرورياً، وحتى لا تقع المرأة في أخطاء في العمرة أو الحج، وهذه بعض المواقف التي حصل فيها أخطاء في العمرة أو الحج: الموقف الأول: ذهبنا عمرة وكان معنا شاب، وأول ما نزلنا من الباخرة سأل هذا الشاب جد أبي قائلاً: يا شيخ! الكعبة في مكة أو في المدينة؟! الموقف الثاني: امرأة مصرية في صلاة الفجر كانت تملأ أوعيتها بماء زمزم من البرادات التي في الخارج، وبينما هي على ذلك إذ بالإمام في السجدة الأخيرة، فتركت الإناء وسجدت معه وسلمت! وهي تظن أنها بذلك قد أدركت الصلاة بإدراك السجدة الأخيرة مع الإمام. الموقف الثالث: رجل آخر من طنطا بلغ من العمر فوق السبعين، نزل من الطائرة مباشرة إلى الحلاق، فحلق وظن أنه قد أتى بعمرة! فأين الطواف والسعي؟ الموقف الرابع: معظم البعثة النيجيرية يذهبون إلى الحج، فإذا ناموا من الساعة العاشرة صباحاً حتى الواحدة أو الثانية عشر ظهراً استيقظوا على أذان المؤذن، فيصلون دون وضوء! ولم يعلمون أن النوم ناقض للوضوء، ولذا فأقول: في مناسك الحج يحدث الجهل والخطأ الكثير، وحدث ولا حرج عن ذلك. لذلك أقترح على بعض المساجد أن يأتوا برسوم توضيحية للمناسك، ليعملوا الناس كيفية أداء المناسك بشكل تطبيقي عملي، وقد فعل هذا الصحابي الجليل مالك بن الحويرث كما عند البخاري، وذلك عندما قام على المنبر وصلى وقال: لا أريد صلاة، وإنما أردت أن أعلمكم كيف صلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان عندما أتى بماء وتوضأ بين أيديهم عملياً وقال: أردت أن أعلمكم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فالتعليم بوسائل الإيضاح لا يوجد فيه إشكال.

حكم الصلاة في المسجد الذي خلفه قبر

حكم الصلاة في المسجد الذي خلفه قبر Q هل يجوز الصلاة في المسجد الذي خلفه قبر، مع العلم أن المسجد يسمى باسم صاحب القبر؟ A لا تصل فيه سداً للذريعة؛ لأن المسجد حمل اسم صاحب الضريح، وإن كان مضطراً فله حكم خاص.

التوفيق بين حرمة الخلوة بين الرجل والمرأة وبين استقبال هاجر لقبيلة جرهم وهي بدون محرم

التوفيق بين حرمة الخلوة بين الرجل والمرأة وبين استقبال هاجر لقبيلة جرهم وهي بدون محرم Q كيف نوفق بين استقبال هاجر لقبيلة جرهم وهي بدون محرم وبين حرمة الخلوة بين الرجل والمرأة؟ A أولاً: كان إسماعيل معها. ثانياً: أنه لا يوجد إشكال في ذلك، فقد هاجرت امرأة صحابية مع صحابي وليس معها محرم، قال العلماء: لأن بقاءها في دار الكفر فتنة، وهجرتها مع غير ذي محرم فتنة، فأيهما أشد فتنة: البقاء في دار الكفر أم الهجرة مع غير ذي محرم؟ لا شك أن هجرتها مع غير ذي محرم أقل مفسدة من بقائها في دار الكفر، وكذلك هاجر حينما وافقت على أن ينزلوا عندها كان لضرورة شرعية، ولأن بقاءها بدون أنس فتنة، وبقاءها مع أنس ليسوا بمحارم لها فتنة، لكن ذلك أقل ضرراً من بقائها بدون أنس. ثالثاً: أنه يمكن لأي امرأة مات عنها الزوج أن تعيش في بيتها في وسط الرجال، وليس هذا باختلاط، فهي في بيتها وهم في بيوتهم، والله أعلم.

حكم صعود المرأة التاكسي بمفردها

حكم صعود المرأة التاكسي بمفردها Q هل يجوز للمرأة أن تصعد التاكسي بمفردها؟ A لا يجوز، لأن ذلك خلوة، وكذلك مثله صعود (المصعد الكهربائي)، فلا يجوز للرجل أن يصعد مع المرأة، وإذا حصل وأن التقى رجل وامرأة عند باب المصعد، فإما أن تصعد هي ويبقى هو، وإما أن يصعد وتبقى هي، وإن كانوا أكثر من رجل فيمكن لها أن تركب معهم، وإن كان سد الذريعة هو الأولى بأن لا تركب امرأة واحدة مع رجل بمفرده أو رجلين أو ثلاثة.

حكم مطالبة الابن بحق أبيه من أعمامه

حكم مطالبة الابن بحق أبيه من أعمامه Q عند مطالبتي لأعمامي بحق أبي قال لي أخي: إن أباك قد تنازل عن حقه لعمك فلان وفلان، فهل يجوز أن أطالب؟ A إن تنازل الأب عن حقه في حياته لأحد أعمامك فلا حق لك في المطالبة، ما لم يكن هناك حيلة ليحرم الأبناء أو يحتال على الشرع.

حكم الحج بالمال الذي يأتي عن طريق الفوز ببعض المسابقات

حكم الحج بالمال الذي يأتي عن طريق الفوز ببعض المسابقات Q إذا فاز أحدهم بمسابقة من المسابقات وأراد أن يحج بهذا المال فما حكم ذلك؟ A حج المسابقات فيه تفصيل، فإن كانت المسابقة شرعية فلا بأس، وإن كانت المسابقة غير شرعية فحج الشخص لا يجوز، أما المسابقة القرآنية مع تحديد الفائز الأول وحجه على حساب المركز، أو مسابقة دينية فقهية والأول سيحج، أو بحث علمي في إذاعة القرآن فيجوز، وأما مسابقة إريل، وأمواج، ومن سيربح المليون فكلها لا تجوز، والله تعالى أعلم.

خطأ من يزعم بأن إبراهيم عليه السلام كان يعبد الشمس والقمر والكواكب قبل هدايته إلى التوحيد

خطأ من يزعم بأن إبراهيم عليه السلام كان يعبد الشمس والقمر والكواكب قبل هدايته إلى التوحيد Q سأل أحدهم سؤالاً فقال: كان إبراهيم عليه السلام يعبد الشمس والقمر والكواكب من دون الله، ثم هداه الله إلى توحيده، واستدل بآية من القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام:76]، فما قولكم في ذلك؟ A الذي يسأل ليس بفاهم، والذي يجيب أيضاً ليس بفاهم، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام قال هذا للقوم على سبيل المناظرة والجدال، ونزولاً إلى ساحة الخصم، وذلك كما يقول في الأرياف: خليك مع الكذاب إلى حد الباب، ولما أثبت لهم أن هذه الكواكب تغيب قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام:78 - 79]، يعني: أن إبراهيم لم يعلم إلا بعد هذا! والله يقول: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة:135]، فهو يريد أن يقول: إن إبراهيم كان مشركاً قبل البعثة! فكيف ذلك ونحن نبرئ الأنبياء من الكبائر قبل البعثة وبعدها، فما بالك بالشرك الذي لا يغفر الله لصاحبه!

حكم التكبير في عيدي الفطر والأضحى بصورة جماعية

حكم التكبير في عيدي الفطر والأضحى بصورة جماعية Q ما حكم التكبير بصيغة جماعية في العيد الإسلامي؟ A لا يجوز، وإنما كل يكبر بمفرده، فأنا أقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وأنت أيضاً تكبر في حالك، لا أن ننقسم إلى فريقين، هؤلاء يقولون: الله أكبر ويكملون، والآخرون يبدءون وهكذا، فهذا التقسيم ما ورد في الشرع أبداً، وأرجح الأقوال في التكبير ما ورد في مصنف ابن أبي شيبة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله لحمد، والثاني يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد، لكن الأصل كما ذكرنا أن الناس انقسموا إلى فريقين، فريق يقول هكذا وفريق يقول هكذا، ويرفع هؤلاء أصواتهم وأصبح هرج وفوضى وليس بعيد، ومعلوم أن صلاة العيد سنة مؤكدة، والتكبير فيها أيضاً سنة، واتفاق المسلمين واجب، فلا نضيع واجباً لأجل سنة، وفريق آخر يسرعون في تكبيرهم، وأصبحنا نهرج على بعض، وعليه فإن وجدت أن هناك إصراراً من هؤلاء على هذه الصيغية فكبر في نفسك، ولا تختلف معهم، فالخلاف شر كله، وإنما لابد أن تقيم السنة. ومرة كنت في ساحة من الساحات لأخطب خطبة العيد، وكان بجواري مدير إدارة أوقاف، وبينما أنا أكبر على السنة قال لي: صل على سيدك عليه الصلاة والسلام! فقلت: اللهم صل على نبينا محمد، ثم قال لي: قم فاخطب فلن أخطب، فهذه ومثلها أمور تريد فهماً وسعة صدر، وعدم تطاحن، وعدم تضييع فروض لأجل سنن، وفقه الأولويات وفقه المصالح والمفاسد مهم جداً قد غاب عنا اليوم.

ما يلزم الطبيب معرفته من أحكام فقهية

ما يلزم الطبيب معرفته من أحكام فقهية Q أعمل طبيباً وأرغب في معرفة الأمور الفقهية التي أحتاجها في أثناء عملي، فيما يخصني أو يخص المرضي، فبأي كتاب فقهي تنصحني؟ A أنصح أخي الفاضل الطبيب -بارك الله فيه وجزاه الله خيراً- بقراءة كتاب: أهل الأعذار لشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، وهو جزء من كتاب الممتع شرح زاد المستقنع، حيث بين فيه الأحكام الفقهية المتعلقة بصلاة أهل الأعذار، كالمسافر، والمريض، والمسجون، والمكروه وغيرهم.

حكم صيام القضاء والنافلة بنية واحدة

حكم صيام القضاء والنافلة بنية واحدة Q أفطرت والدتي خمسة عشر يوماً من رمضان بعذر، وبعد رمضان أرادت، أن تقضي ما فاتها مع صيام ست من شوال، وقد استمعنا إلى أحدهم فقال: لها أن تنوي بالصيام القضاء والسنة، فهل ذلك جائز؟ A الحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح، وهذه الفتوى أنا أعلم قائلها، وأعلم أنه قد عاد في حلقة ثانية، وبدأ يفصل أن الجمهور قالوا كذا وأبو حنيفة قال كذا، لكن الراجح من الأقوال ينبغي أن نعرضه على الناس، فمثلاً قال أبو حنيفة: يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير ولي، فلا ينبغي أن أخرج وأقول على الشاشة: يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير ولي، وهذا هو رأي الأحناف، ورأي الجمهور كذا، وتيسيراً على الناس نقول برأي الأحناف، فينقلب المجتمع إلى فوضى بسبب هذا الرأي. وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر فخلاف الأحناف في هذه النقطة غير معتبر، وإنما يطرح جانباً، ولا يمكن أن نترك رأي الجمهور وأدلته الساطعة لرأي اجتهادي خالف النص: (لا نكاح إلا بولي)، وعليه فلا ينبغي أن نقول: يجوز أن تصوم القضاء والسنة بنية واحدة، وهذا رأي للأحناف وهو مرجوح، فالقضاء له نية والسنة لها نية، ولا يجوز أن تقضي مع السنة أبداً، والقضاء أولاً ثم بعد ذلك تصوم الست من شوال، لأن الحديث يقول: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر)، والحديث لـ مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه.

حكم مصافحة النساء غير المحارم ونقض الوضوء بها

حكم مصافحة النساء غير المحارم ونقض الوضوء بها Q ما حكم مصافحة النساء غير المحارم، وهل ينقض الوضوء؟ A مصافحة المرأة حرام، إنما الخلاف هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ والراجح أنه لا ينقض إلا إذا أنزل.

تقديم قضاء رمضان على صيام الست من شوال

تقديم قضاء رمضان على صيام الست من شوال Q رجل عليه قضاء من رمضان، وأراد أن يصوم الست من شوال، فهل يبدأ بالقضاء أم بالست من شوال؟ A الجمهور على صيام القضاء قبل الست؛ لأن الحديث يقول: (من صام رمضان)، وهو ما صام رمضان بعد، والقضاء مقدم على السنة لاسيما والإنسان لا يضمن البقاء، وهناك قول بجواز القضاء إلى آخر شعبان، وهذا قول عند المالكية، لكن نقول: لم يكن أهل المدينة يصومون الست من شوال، لأن ذلك مخالفاً لما عليه عمل أهل المدينة، ومعلوم كما عند الإمام مالك أن عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد، وهذه قاعدة مرجوحة ولا يؤخذ بها، وعلى كلٍ فالقول بأن القضاء يؤخر إلى آخر شعبان لأن عائشة كانت تقضي في شعبان، نقول: لم يكن أهل المدينة يصومون الست من شوال، وبهذا يكون قد زال الإشكال، ويكون الاستدلال في غير محله.

الفرق بين الخوف من الله وسوء الظن به

الفرق بين الخوف من الله وسوء الظن به Q ما الفرق بين الخوف من الله وسوء الظن به؟ A الخوف من الله يدفعك لطاعته، ولزيادة الطاعة، وأن تفعل الطاعة وتخشى عدم القبول، وسوء الظن بالله أن تسيء الظن بربك، بأنه لا يغفر الذنب، أو أن تقنط من رحمة الله عز وجل.

كيفية طهارة أهل الأعذار

كيفية طهارة أهل الأعذار Q مصاب بالتهاب بالبواسير، وأجد أحياناً أثر هذا الالتهاب على الملابس الداخلية عند عودتي آخر النهار من العمل، وذلك بعد عدة فروض، فما حكم الصلاة والوضوء؟ A إن كنت من أهل الأعذار فتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وذلك كحال المستحاضة.

أنواع الخصام

أنواع الخصام Q ما هي أنواع الخصام، وهل يجوز أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث؟ A هناك خصام شرعي وخصام غير شرعي، (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، لكن قد يمتد إلى أكثر من ثلاث لمصلحة شرعية، وذلك كما هجر النبي الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، والهجر أكثر من ثلاث إن كان له أثر دعوي وإيجابي، يعني: رجل عاص علمت أنك إذا هجرته فسيرجع عن معصيته وجرمه فلك هجره، وإن كان هجره سيزيد في عصيانه فلا تهجره، إذاً فالمسألة لها ضابط وليس على إطلاقها كما يقول العلماء.

كيفية هجر الزوج لزوجته

كيفية هجر الزوج لزوجته Q ما هو حد هجر الزوج لزوجته؟ A يجوز للزوج أن يهجر زوجته في المضجع، وذلك لقول الله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34]، وكذلك بالضرب غير المبرح، كالضرب بالسواك، وأيضاً إن كان الهجر لأمر شرعي، كأن يهجر الرجل زوجته مدة حتى تصلي وتعود إلى رشدها.

حكم ترك الرجل لأهل بيته دون طعام

حكم ترك الرجل لأهل بيته دون طعام Q رجل يأكل ويشرب بمفرده في الخارج، ويدع أهله وأسرته بدون طعام، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز للزوج أن يأكل بمفرده في مطعم ويترك أهل بيته بدون طعام، إلا إذا كان العمل يفرض عليه ذلك، فله عند ذلك أن يدبر لهم طعام أو فلوس، ولا يتركهم يضيعون، فإبراهيم عليه السلام ترك لأهله طعاماً، وهذا هو الأصل.

حكم هجر الزوج لزوجته في الطعام

حكم هجر الزوج لزوجته في الطعام Q هل للرجل أن يهجر زوجته في الطعام فيأكل هو في ناحية من نواحي البيت وهي تأكل في الناحية الأخرى؟ A إن كان هناك سبب شرعي فلا بأس وإلا فلا، وذلك كأن يهجرها لعدم قيامها بالصلاة، فله أن يهجرها حتى تصلي، وإن كان الهجر لأمر دنيوي فلا يجوز.

حكم نظر الرجل إلى النساء في صلاتهن

حكم نظر الرجل إلى النساء في صلاتهن Q هل للنساء في العمل أن يصلين مع العلم بأن هناك كاميرات مراقبة من الرجال؟ A إذا صلت المرأة فستكشف وجهها وكفيها، وعليه فإذا صلت بمراقبة يمكن أن يرى الرجل الوجه والكفين، فنقول لها: صل بعيداً عن كاميرات المراقبة أو انتقبي للضرورة، وذلك كما كانت عائشة تفعل في الحج، تقول: كنا نطوف مع الرجال فإذا خالطناهم أسدلنا، رغم أن هناك نهياً عن أن تنتقب المرأة المحرمة، لكن هذه ضرورة شرعية.

حكم ترك الكليات الشرعية بحجة أن التعليم فيها دون المستوى المطلوب

حكم ترك الكليات الشرعية بحجة أن التعليم فيها دون المستوى المطلوب Q أنا طبيبة نساء وولادة، وقد دخلت كلية أصول الدين، وأنا الآن في السنة الثانية، ولكنني أرى أن معظم المواد في الامتحان تلغى فيها أكثر من النصف، وليس علم للعمل، فهل علي وزر إن خرجت منها؛ لأنني إنما دخلت لأحصل علماً؟ A لا أيتها الأخت الفاضلة الطبيبة، فقد كنا كحالك، يعني: عندما كنا في كلية أصول الدين والدكتور يحذف نصف المنهج فيفرح الطلاب لذلك، فلا تخرجي من التعليم من أجل هذا السبب، وإنما ادرسي معهم المقرر وأكملي الباقي بمفردك، واحذري أن تتركي الدراسة، فهذا تعليم شرعي، وكتاب شرعي، فادرسيه، والعلم الممنهج والدراسة المنهجية تفيد كثيراً.

تفريج الكربات

تفريج الكربات إن مما دعا إليه الإسلام وأرشد إليه: تفريج الكربة عن المسلم، فإذا رأى المسلم شدة وضيقاً وحرجاً بأخيه المسلم ففرج عنه وكشف همه وغمه كافأه الله تعالى بتفريج كربه يوم القيامة، وما ذاك إلا لعظم هذا العمل عند الله تعالى.

الأدلة من الكتاب والسنة على أن آدم خلق من تراب وأنه أبو البشر

الأدلة من الكتاب والسنة على أن آدم خلق من تراب وأنه أبو البشر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فدرس اليوم سيكون في علم الأخلاق وفي تفريج الكربات، وقبل أن نبدأ أريد أن أضع بعض النقاط على ما أثير في الفضائيات بشأن خلق آدم عليه السلام. تبدأ القصة بكتاب للدكتور عبد الصبور شاهين يسمى: (أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة)، والناشر: (الروافد الثقافية)، هذا الكتاب الذي ألفه الدكتور شاهين هو ما أعاد ذكره في القنوات الفضائية، وقد صنف الكتاب قبل خمس سنوات تقريباً أو تزيد، وطبع في عام 98م. خلاصة هذا الكتاب تدور على فكرة واحدة وهي: أن آدم عليه السلام هو أبو الإنسان وليس أبو البشر، وفرق بين الإنسان والبشر، جنس البشر كما يقول: هو الجنس المخلوق من طين، وآدم آخر ذرية البشر، وله أب وأم من البشر، ثم بعد ذلك جاء آدم وجاء الإنسان من بعد آدم، فآدم هو أبو الإنسان؛ لأن البشر سابق على آدم، فآدم له أب وله أم من البشر! إذاً: الكتاب من أوله إلى آخره يدندن حول معنى أن البشر سابق على الإنسان، وأن آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر، وأن البشر انقرض وجاء آدم من ذرية البشر من أب وأم، فيقول: آدم له أب وله أم ولم يخلق من تراب. وجاء على هذا بأدلة من الحفريات، وأجهض اللغة العربية كما يقول الدكتور المطعني في كتابه الذي بين يدي الآن؛ لأن هذا القول خرج به قائلة عن إجماع الأمة وأقوال السلف، وقال: إن اعتماد السلف على الإسرائيليات في قضية خلق آدم! وليس كل ما قاله السلف من الإسرائيليات كما قال الدكتور عبد العظيم المطعني في رده: (أبي آدم قصة الخليقة بين الخيال الجامح والتأويل المرفوض)، ويقصد بالخيال الجامح: أن الرجل اعتمد على خياله في فهم النصوص الشرعية. وأول حديث استدل به الدكتور في مطلع مقدمة الكتاب حديث لا أصل له، يقول: إن الله عز وجل يقول: (كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني)، وهذا الحديث موضوع مكذوب، وكان من الأحرى أن يتحقق من الأحاديث التي يوردها في الكتاب قبل أن يذكر ما ذكر. عموماً معي الآن ردود على هذا الخيال القائل: بأن آدم ليس أبا البشر، وإنما هو أبو الإنسان، وأنه خلق من أب وأم، حتى تجاوز الخطوط الحمراء، فقال: وقبر أبيه وأمه معروف أيضاً عند الناس، ولا أدري أين قبر أبيه وأين قبر أمه! أيضاً رد عليه أحد علماء مكة وهو الأخ عبد الله بن حسين المرجان في كتاب (آدم أبو البشر)، وجاء بأدلة من السنة صحيحة ومن القرآن بينة في أن آدم خلق من تراب، وأنه ليس له أب ولا أم، وأن البشر المقصودون في القرآن هم الإنسان، ولا فرق بين تعبير الإنسان وتعبير البشر. إنما كتاب الدكتور شاهين اعتمد على أشياء منها: أن كثيراً من المفسرين استقى قصة الخليقة من الإسرائيليات، فقال: ننحي هذه النصوص جانباً، وذهب يستنبط، حتى إن الدكتور المطعني أستاذ اللغة العربية الذي أبدع فيها قال: لقد انحرف عن قواعد اللغة انحرافاً تاماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص:71]، فهنا كلام لغوي ألخصه، يقول الدكتور المطعني: أجمع علماء اللغة على أن اسم الفاعل (خالق) إذا نصب ما بعده أريد به المستقبل، وإذا رفع ما بعده أريد به الماضي، والآية هنا: (إني خالق بشراً) إذاً: (خالق) أريد بها سأخلق بشراً، قال: أجهض اللغة العربية وأجرم في حقها؛ لأنه بإجماع أهل اللغة إذا نصب ما بعد اسم الفاعل يشير إلى المستقبل، إذاً: ((إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)) يعني: إني سأخلق بشراً لم يخلق بعد، على اعتبار أن ما بعدها نصب ولم يرفع، وهو يعلم ذلك أستاذنا علم اليقين؛ لأنه أستاذ لغة عربية في دار العلوم، فكان ينبغي عليه الأمانة في العرض، وأن يقول: إن اللفظ نصب على اعتبار أن اسم الفاعل يعبر عن المستقبل. ثم قال الله سبحانه: ((إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ))، فحدد أن الخلق سيبدأ من طين. وسأقرأ بعض الردود سريعاً؛ لأن هذا العرض سيطول بنا إن أردنا أن نقف على الردود الشرعية في هذه القضية؛ لأن البعض لبس عليه الموضوع، ولا يلبس إلا على من كان مبتعداً عن القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم جلى القضية. والشيخ عبد الله بن حسين المرجان من مكة أعد هذا الرد في قصة خلق آدم فقال: إلى كل باحث عن الحقيقة، إلى كل ملتزم بالكتاب والسنة، إلى كل من استضاء بنور الإيمان، إلى من لم تغره أحافير ولا أساطير؛ لأنه استدل على قوله بالحفريات، لكن المسلم يعتمد على فهم الكتاب والسنة بالقرآن والسنة وليس بالحفريات، وانظروا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم: (خلق الجان من نار، وخلقت الملائكة من نور، وخلق آدم مما وصف لكم)، فهذا يقتضي أنه خلق من

بيان المقصود بتفريج الكربات وعظم أجرها عند الله عز وجل

بيان المقصود بتفريج الكربات وعظم أجرها عند الله عز وجل يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). والفرج هو الخلل بين الشيئين، وفاتحات الأصابع يقال لها: التفاريج. أما ابن منظور فقد عرف تفريج الكربات بأنه: كشف الهم وإذهاب الغم ودفع الضرر. أخوك مهموم وأنت تفرج همه وتذهب غمه وترفع عنه هذا الضرر، والكربات جمع كربة، وهي تدل على الشدة والقسوة، والكرب هو الحزن والغم، لذلك قال ربنا عز وجل: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام:64]، {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:76]، {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ} [الصافات:75 - 76]، {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات:114 - 115]. إذاً: تفريج كربات المسلمين: أنك ترى مسلماً في شدة وضيق وحزن وغم فتأخذ بيده فتفرج همه وتحل مشكلته، هذا هو الذي غاب عن مجتمع المسلمين، ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق. فعن عبد الله بن أبي قتادة: (أن أبا قتادة طلب غريماً له)، أي: رجلاً عليه دين لـ أبي قتادة، فتوارى المدين من الدائن، (ثم وجده فقال له: إني معسر)، أي: أن المدين يقول لـ أبي قتادة: إني معسر، فقال: (آلله!)، يعني: أستحلفك بالله أنك معسر، قال: (آلله، فقال أبو قتادة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)). فـ أبو قتادة له دين على رجل، فقابل الرجل فهرب منه، فلما أمسك به قال له: إني معسر، وربنا يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، فإمهال المعسر أمر مطلوب، فلما استحلفه أبو قتادة على أنه معسر، قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر)، ومعناه: كأن نَفَسَ المعسر محبوس بصاحب الدين، وإن يسر له وأمهله في السداد فكأنه أعطاه نفساً، (فلينفس عن معسر أو يضع عنه)، أي: يضع عنه الدين. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم). رواه البخاري ومسلم. وعن طلحة بن عبيد الله: (أن عمر رضي الله عنه رآه كئيباً، فقال: ما لك يا أبا محمد لعله ساءتك امرأتك، قال: لا، وأثنى على أبيها أبو بكر خيراً، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرج الله عنه كربته وأشرق لونه، فما منعني أن أسأله عنها إلا القدرة عليها حتى مات، قال عمر إني لأعلمها: هي قول العبد: لا إله إلا الله)، أي: (من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي ويقول: (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يفرج كربات المحتاجين، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه جبريل في غار حراء وعاد إلى زوجته خديجة قالت له: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -الكل هو المعدم، والمعنى: أنك تعين المعدم- وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. هذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، كذلك أبو بكر -كما في البخاري - لما أراد أن يهاجر من مكة ويتركها قابله على مشارفها ابن الدغنة وهو رجل من المشركين، فقال: أين تذهب يا أبا بكر؟ قال: أريد أن أترك مكة؛ لأنكم آذيتموني وضيقتم علي، قال: مثلك لا يخرج ولا يُخرج، أي: مثلك في أخلاقه لا يخرج بإرادته ولا يُخرج من بلاده، فعاد به إلى الكعبة ومسك بيده وقال للمشركين: إن أبا بكر في جواري، وكان العرب يعرفون للجوار حقه، فقبل المشركون جوار أبي بكر، لكنهم اشترطوا على هذا الرجل المشرك أن يصلي أبو بكر في بيته وألا يرفع صوته بالقرآن؛ لأنه يفتن النساء والأولاد وبعض الرجا

من قصص الأولين في تفريج الكربات

من قصص الأولين في تفريج الكربات أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الحسن البصري يطلبه ليقتله، فقال الحسن البصري: لا إله إلا الله الكريم، سبحان الله، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، ولما جاء إلى الحجاج قال له: لقد أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك، أما اليوم فلأنت أحب إلي من كذا وكذا! من صاحب القلوب؟!! لا إله إلا الله، إن هذا يعلمنا صدق التوكل على الله. ويقص علينا ابن القيم في أحد كتبه قصة رجل بحراني سجن في زنزانة، وكانت الزنزانة كاملة العدد لا مكان له فيها لينام، فقال للمساجين: اقبلوني، فقالوا: لا مكان لك بيننا، إنك أتيت وعليك حكم سنوات، فقال: اقبلوني هذه الليلة وفي الليلة المقبلة سأترككم إن شاء الله، فبات الرجل ساجداً بين يدي الله، والناس نيام، وبعد أن صلى الفجر في زنزانته جاء السجان وفتح له الباب، وقال: يا بحراني اخرج فقد جاءك العفو من الأمير الآن، فوقف الرجل على باب السجن، يقول: أيها الناس! أطيعوا الله فإنه لا يضيعكم. إنه حسن التوكل على الله، وحسن الثقة في الله. ويروي علينا ابن أبي الدنيا في كتاب اسمه مستجابوا الدعوة: أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان في تجارة له في صحراء، فخرج عليه لص في الصحراء، فقال الرجل للص: خذ المال واتركني، قال: حاجتي إلى دمك أكثر من حاجتي إلى مالك، قال: أما وقد عزمت على قتلي -انظروا إلى تفريج الكربات- فدعني أصلي لربي ركعتين، ولأن اللص لا يعلم قدر الصلاة ولا قدر الدعاء تركه، فسجد الرجل بين يدي ربه وقال وهو ساجد: يا ودود يا ودود، يا فعال لما تريد، يا ذا العرش المجيد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وبنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات والأرض، يا مغيث أغثني، يا مغيب أغثني، ولما انتهى من صلاته قام إلى اللص ينتظر أمر قتله، فجاء رجل ثالث يركب جواداً فنادى على اللص، ثم تقدم إليه وضرب عنقه، وهذا يستقيم مع النصوص الشرعية، فقال العبد التقي لهذا الرجل: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ ومن أي البلاد جئت؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما قلت: يا مغيث أغثني. قلت: يا رب! عبد مكروب فوكلني به. وهذا ما حدث في قصة يونس عليه السلام، يقول ربنا في سورة الصافات: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات:139 - 140]، العبد الآبق هو الهارب من سيده: {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:140 - 141]، أي: أنه ركب السفينة وخرج من قومه دون أن يأذن له ربه، ومعنى (ساهم): اقترعوا، (فكان من المدحضين) أي: من المغرقين. سؤال فقهي: متى تجوز القرعة في الفقه؟ في أحوال: أولاً: في الأذان، وذلك لو لم يكن للمسجد مؤذن راتب وتساووا في حسن الصوت استهموا عليه. ثانياً: المساهمة بين النساء عند الخروج إلى الجهاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند الخروج إلى الغزو. ثالثاً: الوقوف في الصف الأول. رابعاً: عند تحرير العبيد: رجل عنده ستة من العبيد، وليس عنده إلا هم، وهم رأس ماله، وما يملك من الدنيا إلا هم، وقبل أن يموت أوصى بتحرير الستة، فهل هذا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن الوصية لا تتجاوز الثلث، إذاً: اثنين من ستة، فإذا أعتق الستة فنعمل قرعة بين الستة، فقال الفقه: الاقتراع عند تحرير العبيد جميعاً وليس له إلا هم. خامساً: رجل متزوج بامرأتين، وقال: طلقت امرأة من نسائي، وعزم على الطلاق وتلفظ به، لكنه لم يعين، قال بعض الفقهاء: نسهم بينهن؛ لأنه عزم على طلاق واحدة، لكنه لم يحدد. كذلك كانت القرعة أيضاً في شريعة زكريا: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} [آل عمران:44]، لما ولدت مريم وأرادوا أن يكفلوها -الكفالة يعني: الضم- قام علماء بني إسرائيل ومعهم زكريا عليه السلام يقترعون عليها، مع العلم أنه أحق بكفالة مريم، فهو زوج خالتها، لكن بني إسرائيل أرادوا الجدل، فاتفقوا على أن يقيموا قرعة، كل يأتي بقلمه الذي يكتب به التوراة ويلقوه في البحر، فالقلم الذي يقف صاحبه يكفل مريم، والقلم الذي يسير في التيار لا حق لصاحبه في كفالة مريم، فجاءوا بأقلامهم ثم ألقوها في البحر، وكل الأقلام مضت إلا قلم زكريا وقف، يقول ربنا سبحانه: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:44]. ثم يقول ربنا عز وجل: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات:142]، أي: ملام، فكان في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]، (تعرف إلى ا

الأسئلة

الأسئلة

حكم مؤخر الصداق ووقت أخذه

حكم مؤخر الصداق ووقت أخذه Q هل مؤخر الصداق دين في ذمة الزوج تأخذه الزوجة بعد موته من التركة قبل التقسيم، نرجو الإفادة والتوضيح لاختلاط هذه الأمور عند الناس؟ A مؤخر الصداق دين على الزوج، فإذا مات الزوج ينبغي أن يستقطع من التركة قبل توزيعها، فهو دين للزوجة يستحق بموت الزوج، أو بطلاق الزوجة، أو بمطالبتها، ويجوز للزوجة الآن وهي معك أن تطلب مؤخر الصداق؛ لأن هذا دين عليك يستحق عند المطالبة.

حكم الشبكة

حكم الشبكة Q هل تعتبر الشبكة من المهر؟ A ينظر إليها على أنها جزء من المهر في واقع الناس فتكتب في القائمة، إذاً هي من المهر، فإن قدم الشبكة قبل عقد الزواج فهذه هدية، وإن قدمها مع العقد فهي مهر، فإن طلقها قبل البناء تنصف كما ينصف المهر، وإن طلقها بعد الخطوبة وقبل العقد فتعد الشبكة من الهدية، وأرجح الأقوال فيها أقوال المالكية: إن كان النكول من الزوج فلا حق له في الشبكة، وإن كان النكول من الزوجة فترد عليه.

حكم اعتبار قائمة الأثاث من المهر

حكم اعتبار قائمة الأثاث من المهر Q هل تعتبر القائمة من المهر؟ A أيها الإخوة! بعض الإخوة يتشبث بآراء لا أدري من أين استقاها، الزواج في الإسلام الأصل فيه أن يدفع الرجل المهر للمرأة: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، وصداق المرأة إما أن يكون معجلاً، وإما أن يكون مؤخراً، وإما أن يكون جزء منه معجل وجزء مؤخر، فإذا تقدمت للزواج من فتاة فالمفروض أن أدفع لها مهراً، وأنا لا أدفع المهر إنما أشتري أثاثاً، ثم أتنازل عن ملكية الأثاث لها عن طريق القائمة، إذاً: القائمة الآن تحل بدلاً من المهر، قد يقول أحد: القائمة ليست في الدين، فهو لا يريد أن يدفع مهراً، ولا يكتب قائمة، بل يريد أن يأخذها بدون مقابل. ثم إن دفع لابد أن يحدد، يقول لأبيها: أدفع مهراً أم أكتب قائمة؟ ومهرها على ما اتفق عليه، كأن يكون عشرون ألفاً أو خمسة عشر أو ثلاثون ألفاً، فإن أعطيته خمسة بقي عليك خمسة عشر، هذه غرفة نوم بخمسة عشر سأكتبها لك، إذاً: المهر هنا خمسة زائد خمسة عشر، إذاً: اعلم كم مهرك أولاً، أما أن يعطيهم مبلغاً يسيراً ثم يعتقد أنه المهر، فلا؛ لأنهم يعتقدون أن الشبكة جزء من المهر لا كل المهر، فإن أردت أن تحسم القضية فحدد المهر أولاً، ثم بعد ذلك إما أن تدفع نقداً، وإما أن يكون في هيئة أثاث. ولا يأخذه في شرعنا ولي الزوجة، إنما تأخذ المهر الزوجة: {وَآتُوا النِّسَاءَ} [النساء:4]، في شرع موسى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص:27]، ففي شرع موسى عليه السلام كان الصداق لولي الأمر، أما في شرعنا فالصداق للزوجة، وعليه فهنا أكتب في القائمة: استلمت أنا الموقع أدناه محمد أحمد إبراهيم قائمة المنقولات الخاصة بزوجتي عائشة محمد أحمد، والموضح بيانها كما يلي: صنف مسلسل، صنف قيمة، حجرة نوم إلخ، وكل شيء في المواصفات بعشرة آلاف جنيه، ثانياً: سبعين جرام ذهب عيار واحد وعشرين، وهكذا يكون مجموع القائمة بثلاثين ألفاً، فهو مهرها، ولذا أنت لم تدفع شيئاً، وكل ما جئت به في القائمة، إذاً مهرها القائمة، فإذا طلقت فمن حقها أن تطالب بمهرها، أما إن كنت لا تريد أن تكتب قائمة فادفع، إن كان مهرها عشرة فتقول لها: هذه هي العشرة لا مؤخر ولا غيره. ولو أنه دفع عشرة وكتب قائمة، إذاً مهرها العشرة زائد القائمة، إذاً أنت أقريت بهذا، أو قل له: مهر ابنتك عشرة، فهذه العشرة فلا داعي للقائمة، أما إذا أعطيته خمسة فتبقى خمسة تكتب في القائمة. ألا تعلم أن الزوجة يحق لها أن تأخذ القائمة ولا حق لك وهي معك، أي: زوجاتنا الآن يمكن أن تأخذ القائمة وننام نحن على البلاط! فمن الذي ينام على السرير؟ أنت، ومن الذي يستهلك؟ أنت، إذاً: قيمة القائمة تأخذها الزوجة، إنما أن يقول شخص: أحضر لها غرفة نوم وهي بخمسة عشر فلا، سوف أحضر لها غرفة نوم بخمسة وأضعها في الشرطة وأقول لها ها هي الغرفة، أو أضع ماء النار على الغرفة قبل أن تأخذها؛ لأن هناك أناساً أعوذ بالله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، إن هناك إخوة يفجرون، يعاشر المرأة عشر سنوات ويريد أن يخرجها بلا شيء، أتريدين الطلاق؟ فتقول: نعم، اكتبي التنازل! ((وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ)) كيف تقبل هذا يا ظالم! أخذتها بكراً ورددتها ثيباً بأبناء، تريد أن تستمتع بها بدون مقابل؟ عشر سنوات استمتاع بامرأة بدون مقابل؟! بعض الناس ترى فيه العجب العجاب، تجد فيه انفصام في الشخصية، قل لها: حقك هذا وزيادة؛ لأنك الآن تريد أن تطلق، إن كانت ناشز معيبة أتت الفاحشة فهذه مسألة أخرى سنحقق فيها، إنما أنا أتكلم على الوضع العام؛ لأن الذي يحدث المشاكل هو عدم الاتفاق على الأسس الشرعية. وقبل أن تدخل بها لابد من تحديد المهر، والتيسير أمر مطلوب: (أقلهن مهراً أكثرهن بركة)، (التمس ولو خاتماً من حديد)، ليس المهر عشرة وعشرين وثلاثين، المهر يمكن أن يكون قرآناً يحفظه الزوج، أو سروالاً، أو خاتماً، أو حذاء، وليس شرطاً أن يكون المهر كثيراً. ثم ليعلم أن العفش قد تنازلت لك عن استعماله بمحض إرادتها، إذاً العفش بقيمته، غرفة النوم قد تكون أحضرتها سنة تسعين بخمسة عشرة، واليوم قد استعملت عشرين سنة، فهي تأخذ العفش حقها في الأعيان ليس في الأموال، لكن بما يرضي الله، لا تعطها حجرة رديئة فتقول: هذه مكان تلك. وانتبه أيها الأخ الفاضل! لا تكتب في القائمة إلا ما جاء، من البداية لتكن رجلاً ثابتاً فحلاً لك رأي، أنا أكتب ما جاء وألتزم به، وأما أن أكتب ما لم يأت على اعتبار أنه إلزام فهذا تنازل من البداية. وأولياء الأمور يفجرون، استدعوني قبل أسبوع في مشكلة كان ليلة البناء وغداً الدخلة، فأبو العروس كتب في القائمة: خمسة حبل بلاستك، دستتين مشابك غسيل! خمسة عشر ملعقة كوسة! ماذا الذي تكتبه يا أخي! اكتب ما زادت

حكم كتابة الآيات على السيارات والمحلات التجارية

حكم كتابة الآيات على السيارات والمحلات التجارية Q ماذا تقول في قوم اتخذوا القرآن في أغراض دنيوية مثلما يحدث في البلاد غير العربية، ككتابة القرآن على هيئة تميمة؟ A لا أفهم، لكن هذا استهزاء بآيات الله، وقبل أسبوع رأيت سيارة تمشي ومكتوب وراءها: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9]! وصاحب السيارة النقل هذا في سوق المواشي يركب فيها مواشي، فعندما يصعد الحيوان يضع رجله على الآية، هذا امتهان للقرآن، لا يكتب على الحوائط ولا على السيارات، بعض الناس يستهزئ بآيات الله ويتخذها هزواً، ولا يلذ ولا يطيب له إلا أن يكتب آية على المحل، فيكتب الترزي: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء:12]، والجزار: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21]، ومحل للصور يكتب: {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف:11]! وكل شيء يستشهد له من القرآن، وهذا استهزاء وتعريض بآيات الله سبحانه وتعالى.

تقييم كتاب (الوجيز في أصول الفقه) للدكتور زيدان

تقييم كتاب (الوجيز في أصول الفقه) للدكتور زيدان Q ما حال كتاب أصول الفقه للشيخ عبد الكريم زيدان؟ A كتاب الشيخ عبد الكريم زيدان في أصول الفقه كتاب طيب، وهو الآن متاح في السوق، واسمه: الوجيز في أصول الفقه، وعبد الكريم زيدان أصله عراقي، وكتابه هذا ليس كتاباً مذهبياً، ومثله: كتاب الدكتور خلاف، إذ أنه كتاب حنفي، ومعظم المصنفات في أصول الفقه مصنفات أحناف فانتبه.

تغريم العامل لما يكسر أثناء عمله

تغريم العامل لما يكسر أثناء عمله Q أعمل في محل يباع فيه مشروبات باردة، فإذا انكسرت الزجاجة بدون قصد ولا تعمد، فهل علي دفع الثمن؟ A أنت تدفع لصاحبها العوض طالما انكسرت منك بقصد أو بغير قصد.

حكم من طلق زوجته ثم تزوجت غيره ثم تزوجها

حكم من طلق زوجته ثم تزوجت غيره ثم تزوجها Q رجل طلق امرأته طلاقاً رجعياً فلم يرجعها حتى انقضت العدة، فأراد الرجوع بعد انقضاء العدة فأبت، ثم خطبها رجل آخر فنكحها ثم طلقها، وبعدما انقضت عدتها من الزوج الثاني رجعت لزوجها الأول، فما حكم نكاح هذا الرجل الثاني، وهل الزوج الأول بعد رجوعها يملك ثلاث طلقات؟ A الرجل طلق، وبعد أن يطلق الطلاق الرجعي له أن يراجع المرأة في ثلاث حيضات، دون اختيار منها ولا إرادة أو موافقة، ولا تخرج من بيتها طالما أن الطلاق رجعي، فإن لم يراجعها في الثلاث حيضات فقد بانت منه، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، فإن بانت منه وتزوجها غيره من الأزواج ثم طلقها، ثم عادت إلى الأول، هل ترجع بطلقتين أم بثلاث؟ خلاف بين العلماء، قالوا: ترجع بثلاث؛ لأنها ترجع بثلاث إن تزوجها بعد ثلاث، فمن باب أولى بعد الأولى ترجع بثلاث، وهذا رأي الجمهور، والله تعالى أعلم.

حكم إعمار المساجد من الزكاة

حكم إعمار المساجد من الزكاة Q هل يجوز أخذ زكاة المال في إتمام بناء المساجد؟ A لا يجوز، بناء المساجد من الصدقات وليس من الزكاة.

وجوب التحذير ممن يطعن في العلماء

وجوب التحذير ممن يطعن في العلماء Q أعرف شخصاً يعتلي المنابر ويتكلم في الشيخ الألباني والشيخ ابن تيمية، ويدعي بأنه يجمع أخطاءهم، ويقول: إن ابن تيمية مثل محيي الدين بن عربي، فهل إن حذرت منه الناس أكون بذلك مذنباً؟ A هذا جاهل فحذر الناس منه، وليس جاهلاً فحسب بل جاهل جهلاً مركباً، أتقارن ابن تيمية بـ ابن عربي؟! هذا رجل لا يعرف الماء من اللبن. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

خطبة عيد الأضحى 1424هـ - وصايا لقمان

خطبة عيد الأضحى 1424هـ - وصايا لقمان جعل الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام أياماً يحتفلون فيها وهي عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة وأيام التشريق، فالمسلم في هذه الأيام يرفه عن نفسه بما شرعه الله له من الطيبات والمباحات في المأكل والملبس والمشرب من غير سرف، وهذه الأعياد لأهل الإسلام شرعها الله سبحانه لهم بعد استكمالهم لما أوجبه الله عليهم من العبادات كصوم رمضان، وأداء فريضة الحج والوقوف بعرفة، فيجب على المسلم أن يعظم هذه الأيام لأنها من شعائر الله، وعليه أن يتذكر إخوانه المسلمين الذين يعانون الفقر والجوع والتشريد فيمد لهم يد العون.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في يوم عرفة

وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في يوم عرفة الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق ورازقهم أجمعين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد! الله أكبر كلما وقف الحجيج بصعيد عرفات! الله أكبر كلما باتوا في المزدلفة في أحسن مبات! الله أكبر كلما رموا تلك الجمرات! الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب! الله أكبر كلما استغفر عاص وأناب! الله أكبر كلما طيف ببيت الله الحرام، الله أكبر كلما ارتفعت راية الإسلام! الله أكبر كلما دكدكت دولة الأصنام! لا إله إلا الله يحكم ما يريد، وهو على كل شيء شهيد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، صاحب الحوض المورود، والصراط الممدود، والشافع المشفع لأمته في يوم الخلود. والحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة. أيها الإخوة الكرام! هذا يوم الحج الأكبر، هذا يوم النحر، هذا يوم إراقة الدماء تقرباً إلى الله، هذا يوم الذكر الذي قال الله فيه: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة:3]. هذا هو يوم الحج الأكبر، أيها الأحباب! أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن حبراً من أحبار اليهود قال لـ عمر رضي الله عنه: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] قال عمر: أعرفها، وأعرف متى نزلت، وعلى من نزلت، وفي أي زمان نزلت، نزلت في يوم الجمعة، في جبل عرفة، على سيد البشر محمد صلى الله وعليه وسلم، وهما لنا بفضل الله عيدان. أيها الأحباب! أكمل الله لنا الدين، وأتم الله علينا النعمة، وكفى بنعمة الإسلام نعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، فهو دين الأنبياء جميعاً، قالت اليهود: إبراهيم يهودي، وقالت النصارى: بل هو نصراني، فقال الله لهما: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67]، دين الأنبياء جميعاً هو الإسلام، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام ممثلاً للرسالة الخاتمة: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فشيده إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون بالبيت ويقولون: ما أجمله! ألا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)، صلى الله عليه وسلم. أكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة. أيها الأحباب الكرام! هذا اليوم الكريم يوم الأضحى عيدنا أهل الإسلام، ولكل قوم عيد، فمن الناس من ترتبط أعيادهم بمولد عظيم، أو بتنصيب ولي، أو بفترة زمنية، ولكن أعيادنا ربانية لأنها تأتي بعد طاعة، فبعد صيام رمضان يأتي عيد الفطر، ويأتي عيد الأضحى في الحج، وفيه رمي الجمرات، والذبح والطواف بالبيت، وفي عيد الفطر صدقة الفطر، وفيها التوسعة على الفقراء من المسلمين، وفي عيد الأضحى الأضحية والصدقة منها على فقراء المسلمين؛ لنبين للدنيا أن أعيادنا في طاعة الله عز وجل، ليس العيد في لبس الجديد، وإنما العيد لمن عاد إلى ربه، وعاد إلى كتابه، وعاد إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وصية لقمان الحكيم لابنه

وصية لقمان الحكيم لابنه أيها الأحباب الكرام! لا أجد في هذا المقام وصية أوصي نفسي وإياكم بها أفضل ولا أعظم من وصية الرجل الصالح لقمان لولده. ويا لها من وصية جامعة كان لقمان عبداً من عباد الله الصالحين، وكان أسود البشرة، لكن له منزلة عند الله ومن متى كان التمايز بالألوان والأجناس ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول عن ابن مسعود: (إن قدمه أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد)؟. أيها الأحباب! قال العبد الصالح لولده: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].

أهمية التوحيد ومحاربة الشرك

أهمية التوحيد ومحاربة الشرك وضع النبي صلى الله وعليه وسلم في يوم عرفة تحت قدمه أشياء، فماذا وضع؟ وضع شرك الجاهلية، وضع ربا الجاهلية، وضع تبرج الجاهلية، وضع دماء الجاهلية. إن التوحيد أول حق لله على العبيد، وكلمة التوحيد هي: لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، وبعد قليل إن شاء الله سننطلق لنذبح لله، وهذا توحيد عملي بعد التوحيد القولي، فبعد أن رددنا لا إله إلا الله سنعود لنذبح، فمن الناس من يذبح لضريح، ومن الناس من يذبح لولي، ومن الناس من يذبح للجن، ومن الناس من يذبح تبركاً بدماء الذبيحة على باب داره، أو على متجره، أو على سيارته، يذبح لغير الله سبحانه، أما نحن المسلمون الموحدون فنحن نذبح لربنا عز وجل؛ لأن شعارنا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]، ولا يمكن أن نسوي بين من قال لا إله إلا الله، وبين من قال: اتخذ الرحمن ولداً: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات:153 - 154]. أفمن وحد الله سبحانه وجعله ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه، كمن ادعى أن له زوجة وولداً؟! إن الزوجة والولد يشيران إلى النقص والاحتياج، ورب العالمين سبحانه هو الغني: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. أي أمة كنا قبل الإسلام يا عباد الله؟ لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الشرك تحت قدمه وقد خاب أقوام أرادوا للناس أن يشركوا بالله سبحانه؛ لأن الله قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]. فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة. هناك من يدعو إلى التقارب بين أهل السنة وغيرهم، ولا تقارب بين موحد وغير موحد، لا يلتقيان أبداً، لا في أول الطريق، ولا في منتصفه، ولا في آخره: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1 - 2]، هذه براءة واضحة، هذا هو المنهج: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:64].

الأمر بالحجاب الشرعي للمرأة

الأمر بالحجاب الشرعي للمرأة جعل النبي صلى الله وعليه وسلم تبرج الجاهلية تحت قدمه، وأقسم بالله العظيم أن تبرج الحضارة المعاصرة فاق تبرج الجاهلية، لقد كانت المرأة في الجاهلية الأولى تكشف جزءاً يسيراً من نحرها، ولكنها تواري بقية جسدها. أما الآن فقد خرجت كاسية عارية، وزعموا أن ذلك هو التقدم، وأن ذلك هو الحضارة، وأن الحجاب رجعية، حتى في البلاد التي تدعي الحرية صادروا حرية المرأة في لبس حجابها، وهذا عداء سافر وواضح لدين رب العالمين، لأن الحجاب يذكرهم بشريعة محمد، فلا وجود له على أرضهم، لكنهم وجدوا عندنا من سار في ركبهم، ومن أيد قرارهم، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، إن الذي فرض الصلاة هو الله، والذي فرض الحجاب هو الله! {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85].

الأمر بإقامة الصلاة ومراقبة الله

الأمر بإقامة الصلاة ومراقبة الله لقد أوصى لقمان ابنه بألا يشرك بالله فإن الشرك ظلم عظيم، ثم قال له: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]. يعلمه المراقبة لله في خلواته، في سره، فلا ينتهك حرمة الله، فأعمالك مهما دقت ومهما صغرت، فإن الله مطلع عليها، قال سبحانه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]. ثم قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] علموا أولادكم تلك الشعيرة، فإنه لا حظ في الإسلام لتاركها، وتاركها ملعون، ومن تركها في جماعة فإن النبي عليه الصلاة والسلام توعده بأن يحرق عليه داره، إياك إياك أن تفرط فيها، فإنها شعار المؤمنين، والفصل بين المنافق والمؤمن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة). كن إلى بيوت الله سبحانه وتعالى مرتاداً، فإن خطواتك إحداهما ترفعك درجة، والأخرى تحط عنك خطيئة. ثم قال الله سبحانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17]. ثم أمر لقمان ابنه أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر أينما كان، لا تسكت كما يسكت البعض؛ لأننا نركب سفينة واحدة، فإن أخذنا على أيدي العصاة نجوا ونجونا جميعاً، وإن تركناهم غرقوا وغرقنا جميعاً. ثم قال له: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18 - 19].

الأعمال التي يقوم بها المسلم في يوم الأضحى

الأعمال التي يقوم بها المسلم في يوم الأضحى لقد ضحى النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين موجوئين وضع قدمه على صفاحهما وقال: بسم الله، الله أكبر، اللهم إن هذا عن محمد وعن آل محمد، ثم ضحى بآخر عن فقراء المسلمين. أيها الأحباب الكرام! الفقراء يتطلعون إلى الأغنياء في هذا اليوم حتى نوسع عليهم، فكم أكلنا من لحوم في طوال السنة! وقد جاء يوم العطاء، والله سبحانه يقول: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:8] أي: على حب الطعام، كان الربيع إذا جاءه سائل وطرق بابه قال: أعطوه سكراً؛ لأن الربيع كان يحب السكر، والمعنى: أنهم كانوا يتصدقون مما يحبون، أما نحن الآن فجعلنا لله ما نكره، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62]. سنعود بعد قليل نوسع على أولادنا، فمن لليتيم والمسكين الذي ما تذوق اللحم في حياته أبداً؟! وسعوا على فقراء المسلمين أيها الأحباب، ولا يقولن قائل: إن من السنة أن تقسم الأضحية ثلثاً وثلثاً وثلثاً، أبداً، فقد قال بعض العلماء: يجوز أن تتصدق بها كاملة شريطة أن تأكل جزءاً يسيراً منها والكبد. أيها الأحباب! ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعاد إلى بيته، فسأل عائشة عما صنعت بالكبشين فقالت: (ذهبت كلها ولم يبق في البيت إلا كتفها، قال: يا عائشة! لا تقولي ذلك، بل قولي: بقيت كلها، ولم يذهب إلا كتفها). فيا عبد الله، ادخر عند ربك سبحانه، ادخر عند ربك عز وجل ليوم تشيب فيه الرءوس، ليوم كل إنسان يقول فيه: نفسي نفسي. يا عباد الله! انظروا إلى الأحباب والأولاد، كم فارقنا من حبيب وغالٍ، وتلك سنة الله عز وجل. وعليكم أن تصلوا أرحامكم، فإن الرحم معلقة بالعرش في مقام العائذ من القطيعة. البعض يقول: لا، فعل بي كذا، هجرني، لا يا عبد الله، صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، هذا هو العيد، وليس له معنى إلا ذلك يا عباد الله. أحبتي الكرام! في هذا اليوم المبارك، لابد أن نتصدق، وأن نشكر الله، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر عند شيخنا الألباني: (أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله عز وجل). فكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، ولكن شريطة أن تشكروا نعمة الله عز وجل عليكم. أيها الأحباب الكرام! ضحوا على بركة الله، ولا يجزئ شراء اللحم، وإنما لابد من إراقة الدماء للقادر في هذا اليوم المبارك، فهي أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وادع الله لإخوانك فنحن الآن نجلس، والجو بارد، لكن لنا إخوان في العراق وفي فلسطين، وفي أفغانستان شردوا من بيوتهم، وانتهكت أعراضهم، وديست مقدساتهم بأيدي إخوان القردة والخنازير، والأمة تطأطئ الرأس، وقد قبلت الذلة والمهانة. وصدق ابن الخطاب حين قال: كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. فلا عزة للأمة إلا بشرعها، وإلا بكتاب ربها، وإلا بسنة نبيها صلى الله وعليه وسلم، تذكروهم بالدعاء هذا هو أقل شيء، تذكروهم بالدعاء، فكم من كرامة ديست، وكم من بكر انتهك عرضها بأيدي أعدائنا!!. أرض بغداد سقطت ومن قبلها فلسطين، ومن قبلهما الخلافة، والأمة تتوالى عليها الأدوار، ولا تملك إلا الاستنكار. اللهم إنك تسمع كلامنا، وترى مكاننا، ولا يخفى عليك شيء من أمورنا، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم استر عوراتنا، وحجب نساءنا، واهد شبابنا، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا رب من الراشدين. اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، اللهم اشف مرضانا في هذا اليوم المبارك العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وعليك بأعدائنا، يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل له فجراً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم حرر بلاد المسلمين من كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين. اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير، اللهم أعط في هذا اليوم منفقاً خلفاً، اللهم من وسع على فقراء المسلمين، فوسع عليه يا رب العالمين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك يا رب سلمنا. تقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فتاوى الحج [1]

فتاوى الحج [1]

بيان ما يجب على الحاج فعله قبل السفر للحج

بيان ما يجب على الحاج فعله قبل السفر للحج الحمد لله رب العالمين، الذي جعل البيت مثابة للناس وأمناً، فكل شيء فيه آمن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر خليله إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج فقام إبراهيم ونادى فوصل النداء إلى من قدر الله له أن يصل، فقال سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:27 - 28]. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، قال لأصحابه في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من شيء يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شيء يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أنزل الله عليه في يوم عرفة في حجة الوداع في يوم الجمعة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، وأنزل الله عليه في أيام التشريق: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]. أيها الإخوة الكرام الأحباب! هنيئاً لمن قدر الله له أن يحج، سائلاً المولى عز وجل أن يكتب لمن لم يحج أن ييسر الله له حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وعملاً صالحاً متقبلاً؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وبعد: ففي مثل هذه المناسبات اعتدنا أن بيان الأحكام الفقهية من الأهمية بمكان، والأحكام الفقهية تزداد وضوحاً بالسؤال والجواب ومن ثم سنبدأ بحول الله وفضله وتوفيقه بيان مناسك الحج والعمرة من خلال أسئلة: Q ما الذي يجب على الحاج قبل أن يسافر لأداء هذه الفريضة العظيمة؟ A الواقع إخواني أنه يجب على الحاج قبل أن يسافر من بلده عدة أمور حتى يقبل منه الحج: الأمر الأول: أن يصحح النية، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ولما نظر عمر رضي الله عنه إلى حجاج بيت الله قال: الركب كثير والحاج قليل. والمعنى: أن حجاج بيت الله كثر، لكن أصحاب النية الصحيحة قليل، فمن الناس من يذهب للحج ليحصل على هذا اللقب، فتجده قبل الحج قد رسم طائرة على جدران بيته وكتب على الجدران: حج مبرور وذنب مغفور، وهذا قبل السفر، فيقطع بمغفرة الذنوب، ثم عند إقلاعه يركب السيارة وعليها العلم الأبيض يرفرف، والناس من خلفه بالسيارات تزفه! وهذا كله يدعو للرياء، فلابد أن تخرج وأنت تخلص النية لله عز وجل قاصداً بيت الله وتدعو الله أن يقبل منك. ثانياً: أن يرد المظالم إلى أهلها، فيراجع الأوراق ويفتش في العلاقات، فإذا أغضب هذا يصالحه، وإذا أساء إلى هذا يستحله، وإذا قذف عرض هذا يدعو له بالمغفرة، فالمظالم المادية لابد أن يردها أيضاً قبل رحيله. ثالثاً: أن يعزم على التوبة الصادقة، لا أن يرحل للحج وهو يعزم على أن يعود للمعصية بعد أن يعود، فقد سبق الإصرار على المعصية الحج، فلذلك عمله حابط؛ لأن من شروط قبول التوبة: العزم على ألا يعود إلى المعصية أبداً، فعليه أن يخلع عباءة الجاهلية؛ فإن كان مدخناً ترك التدخين وأقلع، وإن كانت زوجته متبرجة أمرها بالحجاب، ولا يصر على معصية ربه سبحانه وتعالى. هذه بعض الآداب التي ينبغي على الحاج أن يراعيها قبل سفره، والله تعالى أعلم.

واجب الحاج تجاه من يعول

واجب الحاج تجاه من يعول Q هل هناك ما يجب على الحاج تجاه من يعول سواء كان والداً أو والدة؟ A قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) ومن ثم اشترط الفقهاء للحاج قبل رحيله أن يترك لأبنائه ولزوجه ما يقتاتون به إلى أن يرجع، فلا يجوز أن يتركهم بدون إنفاق، ولا يجوز أن يتركهم يسألون الناس، كذلك بالنسبة لأبيه وأمه عليه قبل أن يرحل أن يقبل يد أبيه ويد أمه ويسألهما الدعاء له، فإن عدم رضا الأب أو الأم عن الحاج قبل رحيله يعرضه لأن يحبط الله عمله، ومن ثم أقول: لابد أن يؤدي الحاج الواجبات تجاه زوجته وأبنائه وأمه وأبيه، والله تعالى أعلم.

وقت فرض الحج وحكمه وشروطه

وقت فرض الحج وحكمه وشروطه Q متى فرض الحج؟ وما حكمه الشرعي؟ وما فضله؟ A فرض الحج على النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع من الهجرة، والآراء في هذه المسألة انقسمت إلى ثلاثة أقوال: منهم من قال: في العام السادس. ومنهم من قال: في العام التاسع. ومنهم من قال: في العام العاشر. وأرجح الأقوال: أنه في العام التاسع، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، ويترتب على قولنا: إن الحج فرض في العام التاسع أنه من آخر الفروض على نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام مات في العام الحادي عشر، فالذين يقولون: إن الحج على التراخي قالوا: إنه فرض في العام السادس والنبي صلى الله عليه وسلم حج في العام التاسع أو آخر التاسع، يعني: بعد أربع سنوات، لكننا نقول: بل الحج فرض في العام التاسع، وحج بعدها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وما أخر الحج في العام الذي يليه إلا لعلة؛ أرسل الصديق ليطهر البيت وليعلن في الناس أنه لا يطوف بعد اليوم بالبيت عريان، ومن ثم دليلهم أن الحج على التراخي دليل باطل مرجوح، ففرض الحج كان في العام التاسع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. وحكم الحج: أنه فرض على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، ويضاف إلى ذلك بالنسبة للنساء وجود المحرم، وهذا يجرنا للحديث عن سؤال ألا وهو: متى يجب الحج؟ وعلى من يجب؟ وهذا سؤال مهم لأننا إذا نظرنا في واقعنا المؤلم نجد أن الكثير يملكون القدرة على الحج ويؤخرونه بزعم أن النبي حج على التراخي، فتجد أحدهم يقول: أزوج البنات وأؤمن المستقبل ثم أحج، فيؤخر الحج إلى آخر حياته، وهذا لا يجوز أبداً. الإمام الذهبي في كتاب الكبائر ذكر كبيرة ترك الحج مع القدرة عليه ونقل عن سعيد بن جبير أنه قال: مات لي جار موسر وسع الله عليه فلم يحج، فأبيت أن أصلي عليه صلاة الجنازة. سعيد بن جبير أبى أن يصلي عليه لأنه ما حج مع قدرته على الحج، فربما المرء يمتلك عقارات وسيارات ويقول: أنا غير قادر على الحج. فنقول: يا عبد الله! اتق الله وحج. وشروط الحج خمسة، وبالنسبة للنساء تزداد شرطاً: أولاً: الإسلام، فلا يقبل الحج من كافر، قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] وعلى هذا نقول للحاج: ينبغي أن تطهر عقيدتك من الشرك، فلا تحج وتقول: المدد يا بدوي! أو تحج وتنذر لغير الله! أو تحج وتسبح لغير الله! فإن الشرك محبط للعمل. ثانياً: أن يكون بالغاً، فالحج لا يجب إلا على البالغ، ويصح من الصبي إن لم يبلغ ولكن لا يجب عليه، وعلامات البلوغ عند الذكور ثلاثة تزداد النساء بواحدة: أن ينبت شعر العانة، فإن نبت شعر العانة نقول: بلغ، أو الاحتلام، فإن احتلم نقول: بلغ، أو بلوغه خمس عشرة سنة، ويزداد في حق النساء الحيض، فإن حاضت المرأة في سن التاسعة فقد بلغت، فإن أدى الصبي الحج قبل بلوغه يقبل منه، لكنه لا يسقط عنه حجة الإسلام، بل لابد أن يحج بعد ذلك. ثالثاً: الاستطاعة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] والاستطاعة هي: أن يملك الزاد ويملك الراحلة، بمعنى: أنه يستطيع أن يصل إلى بيت الله عز وجل، كما أنه يملك النفقة التي تعينه على الوصول، كما أنه يترك لأهله ما يكفيهم في حال سفره، فهذا البند بند الاستطاعة لو قمنا بإعداد دراسة واقعية على مجتمع المسلمين في مصر سنجد العجب العجاب، في أي شريحة، سواء شريحة الأطباء أو شريحة المحامين أو شريحة المدرسين، فإن كثيراً منهم يملكون الآلاف المؤلفة ويبخلون على ربهم عز وجل بزعم أن الحج على التراخي، وهذا كلام باطل، فحجوا قبل ألا تستطيعوا أن تحجوا. الشرط الرابع: العقل، فالعقل مناط التكليف. الشرط الخامس: الحرية. الشرط السادس بالنسبة للنساء: وجود المحرم، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مع غير ذي محرم، وقد يقول قائل: حتى وإن كان مع صحبة آمنة؟ فنقول: حتى وإن كان مع صحبة آمنة. وأما قول الشافعي ومالك فمرجوح بالحديث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل أنه يريد أن يخرج للغزو وأخبره أن زوجته ذهبت للحج، فقال: (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يترك الجهاد ليحج مع امرأته، أما أن تخرج المرأة دون محرم فحجها إن كان صحيحاً فعليها هذا الإثم العظيم، والمرأة بدون محرم فتنة لا يجوز لها السفر بحال، فإن يسر الله لها الاستطاعة والقدرة ولم تجد المحرم فهي غير مكلفة، وتسقط عنها الفريضة؛ لعدم وجود المحرم، والله تعالى أعلم.

ذكر بعض فضائل الحج

ذكر بعض فضائل الحج Q تفضلتم بذكر بعض الشرائح من الناس التي يسر الله تبارك لها الحج ولم تحج، فهلا حفزت إخواننا الذين يسر الله تبارك وتعالى لهم الحج ولم يحجوا بذكر بعض فضائل الحج؟ A ورد الكثير من النصوص في فضل الحج، لا يتسع المجال لذكرها، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجته كيوم ولدته أمه، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، فانظر يا عبد الله إلى هذا الفضل العظيم، ترجع وقد نقاك الله عز وجل من ذنوبك، وصرت كيوم ولدتك أمك، ففضل الحج عظيم وخيره عميم، اللهم نقنا من ذنوبنا يا رب العالمين! والله تعالى أعلم.

حكم من استطاع الحج ولم يحج

حكم من استطاع الحج ولم يحج Q ما حكم الذين يسر الله تبارك وتعالى لهم الحج ولم يحجوا تقاعساً منهم؟ A قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: من يسر الله له الحج ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً إن شاء، ثم تلا: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] هو الحج (أعمل صالحاً) أي: أحج. ولذلك من يسر الله له الحج ثم تقاعس عن أداء الفريضة ومات على ذلك فهو على خطر عظيم، ولم يصل عليه كبار التابعين صلاة الجنازة، وهذا يشير إلى أنه لا يصلى عليه عندهم، والله تعالى أعلم.

حكم استئذان المرأة من زوجها للحج

حكم استئذان المرأة من زوجها للحج Q هل يشترط للمرأة أن تستأذن من زوجها لأداء فريضة الحج؟ وما الحكم إن لم يأذن الزوج هل تستجيب له أم لا؟ وما الحكم إن مات الزوج هل يجوز لها أن تخرج لأداء الفريضة مع موت الزوج؟ A هذه مسائل مهمة: المسألة الأولى: من باب حسن المعاشرة وأدب العشرة لها أن تستأذن فقط، فإن وافق فبها ونعمت، وإن أبى ورفض الزوج فلا عبرة لرفضه؛ لأن الحج فرض، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلها أن تحج شريطة أن يكون معها محرم كأخ أو أب أو غير ذلك. أما إن مات الزوج وقد عزمت على الحج وقد تحركت إلى المطار وجاءها الخبر بموته فعليها أن تعود في الحال ولا تخرج للحج في زمن العدة على زوجها، فلقد أرسل أمير المؤمنين عمر إلى امرأة مات زوجها وهي في ذي الحليفة في ميقات أهل المدينة، فأمرها أن تعود لداره، وأن تعتد في بيته أربعة أشهر وعشراً، وهذا من عظم حق الزوج على زوجته، والله تعالى أعلم.

حكم الإنابة في الحج وشروطها

حكم الإنابة في الحج وشروطها Q هل تجوز الإنابة في الحج؟ وما هي شروطها؟ A الإنابة: أن تنيب غيرك ليحج عنك، ويشترط في الإنابة ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون المسلم مستطيعاً للحج مادياً، أي: تكون النفقة موجودة، لكنه لا يستطيع أن يصل إلى بيت الله، كأن يكون مريضاً مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه أو لا يستوي على راحلة، بمعنى: أنه لا يستطيع أن يركب طائرة أو يركب سيارة أو يركب أي دابة لمرض أو نحوه، عند ذلك يجوز له أن ينيب غيره في الحج عنه، وهكذا من مات ولم يحج، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يحج ويطوف ويقول في طوافه: (لبيك عن شبرمة. فقال: من شبرمة؟ قال: رجل أحج عنه يا رسول الله، فقال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة). الشرط الثاني: أن يكون الذي يقوم بحج الإنابة قد حج عن نفسه. الشرط الثالث: أن يكون الذي أنابك مستطيعاً مادياً لكنه لا يملك القدرة على السفر لمرض مزمن، وليس لمرض عارض؛ لما ورد أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي لا تستوي على راحلة، يعني: لا تستطيع أن تستقر على راحلة لأداء المناسك أو السفر، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنيب عن أمها في الحج. أما بالنسبة للموت فقد ثبت أن امرأة خثعمية قالت: (يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج، أفأحج عنها يا رسول الله؟! قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء)، ومن هنا نقول: إذا مات رجل وترك تركة عمارات وأموال وكان يستطيع الحج في حال حياته لكنه فرط لا توزع التركة إلا بعد اقتطاع مبلغ من المال منها؛ ليقوم أحد الأولياء بالحج عنه، شريطة أن يكون قد حج عن نفسه، لكن السؤال الآن هو: إذا كنت تقيم في السعودية، وأبوك يقيم في مصر، وأنت تستطيع أن تحج عنه فهل يجوز لك أن تحج عنه مع عدم قدرته على الحج القدرة المالية؟ الجواب: لا؛ لأن الإنابة تكون في حالة عدم استطاعته الجسدية على الوصول إلى بيت الله؛ لمرض مزمن لا يرجى برؤه، أو كان قد مات فيجوز لك أن تحج عنه من باب البر، والله تعالى أعلم.

حكم حج من لبى بالحج وذكر غير اسم موكله

حكم حج من لبى بالحج وذكر غير اسم موكله Q وكلت من يحج عني بالشروط التي ذكرتها، وأنا اسمي محمد فذهب إلى الميقات ثم قال: لبيك عن محمود، ولم يقل: عن محمد، فما حكم هذا الحج؟ A حجه صحيح، لأن العبرة بنية الذي أناب، ثم إن قال: لبيك عمن أنابني، فحجه صحيح؛ فإنما الأعمال بالنيات، فلا يشترط لمن يؤدي الحج بالنيابة أن يعرف من يؤدي عنه. ثم هل يجوز أن يأخذ مبلغاً من المال؟ الدكتور صالح الفوزان لا يجوز الإجارة على الحج، ومعنى الإجارة: أن تقول له: هذا مبلغ للحج وهذا مبلغ لك كإجارة، هذا لا يجوز، إنما لو اتفقت معه على مبلغ من المال، فحج مثلاً مقابل مبلغ عشرة آلاف وأنفق على نفسه أربعة وادخر ستة فلا بأس، أما أن تقول: هذا للإجارة وهذا للحج، فهذا لا يجوز، والله تعالى أعلم.

وقت الحج وذكر مواقيته المكانية

وقت الحج وذكر مواقيته المكانية Q متى يبدأ الحج؟ وما هي مواقيت الحج المكانية؟ A قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذه هي أشهر الحج، والمعنى: أن من نوى الحج فلابد أن يقع منه الإحرام في هذه الأشهر، فله أن ينوي عمرة في هذه الأشهر، فإذا نوى عمرة في شوال -مثلاً- واعتمر ثم بقي في مكة إلى الثامن من ذي الحجة ففي هذه الحالة يصبح متمتعاً؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، فيلزمه هدي؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. وهناك نقطة مهمة: لو أن رجلاً من مصر أوقع العمرة في شوال ثم عاد إلى مصر في شوال، ثم ذهب إلى الحج في أول ذي الحجة، وفي ميقات مصر لبى مفرداً في ذي الحجة، فهل يلزمه هدي أم لا؟ الراجح: أنه لا يلزمه؛ لأنه عاد إلى بلده وأنشأ سفراً جديداً للحج، أما المتمتع فيسافر للعمرة والحج سفرة واحدة، وعلى هذا فالميقات الزماني للحج هو شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذا رأي الجمهور. ولكل بلد ميقات وقته لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فوقت لأهل المدينة ذا الحليفة التي يسمونها أبيار علي، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، وفي سنن أبي داود أنه وقت لأهل العراق ذات عرق، ثم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، والمعنى: أن هذه المواقيت لأهلها ولمن يمر عليها أو يوازيها، وعلى هذا فميقات أهل مصر الجحفة، والجحفة منطقة اندثرت الآن وهي توازي رابغ، فدول المغرب العربي ومصر العربية ميقاتها رابغ، فلا يجوز لمن خرج من مصر قاصداً الحج أو العمرة أن يمر على الميقات دون أن يحرم، فإن مر على الميقات دون إحرام فهي مشكلة كبيرة، وعلى هذا فقائد الطائرة يقول: نحن الآن على اقتراب من الميقات، وربان الباخرة يقول: انتبهوا فنحن الآن على مقربة من الميقات، ومعنى هذا: أنه يجب على الحاج أو المعتمر أن يتهيأ، فيمكن أن يتهيأ في بيته فيتطيب ويزيل شعر الإبط ويزيل شعر العانة ثم يغتسل ويلبس ملابس الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداء، وأما المرأة فتحرم في ملابسها شريطة ألا تكون شفافة ولا متشبهة بالرجال، فالرجل يحرم في ملابس بيضاء فلا يجوز للمرأة أن تحرم أيضاً في ملابس بيضاء إنما تحرم في ملابس صفيقة سميكة لا تشف ولا تظهر العورة، ولا يجوز لها أن تكشف الوجه للرجال؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة المحرمة)، فربما يفهم البعض من أنها لا تنتقب أنها تخلع النقاب وتظهر الوجه، وليس كذلك، بل إن خالطت الرجال فعليها أن تسدل؛ لقول عائشة. لكن مرضى القلوب من أتباع الفكر العلماني العفن في هذا الزمن أخذوا هذا الحديث حجة على أن النقاب عادة وليس عبادة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنتقب المرأة المحرمة) ففي أشرف المناسك والفرائض منعها أن تلبس النقاب، إذاً: لا تلبسه في مكان آخر! نحن نقول: إخواني هنا أمرها بألا تلبس النقاب ثم تأتي عائشة وتقول: (كنا إذا خالطنا الرجال أسدلنا)، فلا يجوز للمرأة المسلمة المنتقبة أن تكشف وجهها في مناسك الحج أبداً، ولا أن تلبس القفازين، وإنما تغطي يدها بالعباءة أو بما تلبس. فلا يجوز لأحد أن يمر على ميقات من هذه المواقيت وهو يقصد الحج أو العمرة إلا محرماً، لكن ما الحل إن مر عليها دون إحرام؟ وما الحل إن كان قاصداً جدة للعمل ولم ينو حجاً ولا عمرة، ثم بدا له أن يعتمر أو أن يحج، فنقول: يحرم من مكانه من جدة ولا شيء عليه؛ لأن القصد عنده من السفر ليس الحج أو العمرة وإنما كان قصده العمل ثم بدا له أن يحج، فيحرم من المكان الذي هو فيه، فإن كان في جدة أحرم من جدة، وإن كان في مكة أحرم من مكة، هذا في الحج، وأما إن كان في مكة ويريد أن يحرم بعمرة فعليه أن يذهب إلى أدنى الحل؛ لأنه لابد أن يجمع بين حل وحرم، فالمعتمر إن كان من أهل مكة لابد أن يخرج إلى أدنى الحل وهو التنعيم، والله تعالى أعلم.

أنواع النسك

أنواع النسك Q ما هي أنواع النسك؟ A ينقسم نسك الحج إلى ثلاثة أقسام: تمتع، وقران، وإفراد. فإما أن تحج متمتعاً أو أن تحج مقرناً أو وإما أن تحج مفرداً، لكن ما الفرق بين الأنواع الثلاثة؟ وما هي أفضل أنواع النسك؟ والنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً فما معنى أنه حج قارناً؟ أولاً: حج التمتع، إن جاء إلى الميقات المكاني يحرم ثم يلبي بعمرة فقط، فيقول: لبيك عمرة، ثم يؤدي العمرة من طواف وسعي وتحلل، ويتمتع، ومعنى يتمتع: يخلع ملابس الإحرام ويجوز له كل شيء حتى جماع الزوجة؛ لأنه متحلل، ويظل على هذا إلى يوم الثامن من ذي الحجة، فيلبس الإحرام ويلبي بحج من مكانه الذي هو فيه، ثم يؤدي مناسك الحج، ويطوف للحج طواف الإفاضة، ويسعى سعي الحج، ثم بعد أن يؤدي نسك الحج يتحلل التحلل الأصغر والتحلل الأكبر، كما سنبين في الحالتين. إذاً: المتمتع عليه سعيان: سعي العمرة وسعي الحج، وعليه ثلاثة طوافات: طواف العمرة، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، ويلزمه هدي؛ لأنه حج متمتعاً. ثانياً: حج القران، القارن هو الذي قرن بين العمرة والحج، فيلبي من الميقات المكاني فيقول: لبيك حجاً وعمرة -والمتمتع يقول: لبيك عمرة- ثم إذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، ثم يسعى بعد الطواف، ثم يؤدي مناسك الحج، ثم يطوف للإفاضة، وليس عليه سعي مرة ثانية. إذاً: الحاج القارن عليه سعي واحد، وعليه طواف قدوم وإفاضة ووداع، والقارن يلزمه هدي أيضاً، فالهدي على المتمتع والقارن. ثالثاً: حج الإفراد، الحاج المفرد يقول من الميقات: لبيك حجاً، ثم يطوف للقدوم ويسعى ويؤدي نسك الحج، ثم يطوف للإفاضة، ولا يسعى مرة ثانية. إذاً: عليه سعي واحد، وعليه ثلاثة طوافات: القدوم، والإفاضة، والوداع، ولا يلزمه هدي، فالهدي على المتمتع والقارن ولا هدي على المفرد. وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قارناً وأمر أصحابه بالتمتع فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي من المدينة ولجعلتها عمرة) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.

ذكر بعض مخالفات وبدع الإحرام

ذكر بعض مخالفات وبدع الإحرام Q تقع بعض المخالفات بالنسبة للإحرام، فلو تكرمتم بذكر هذه المخالفات التي تقع من المحرم؟ A الحقيقة أن موسم الحج يظهر بدعاً ويظهر جهلاً في الأمة، وهذا يبين مسئولية العلماء وطلبة العلم، فتجد أن البعض يمسك كتباً فيها لكل شوط دعاء، ويصنع بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، وكفى أننا نرى من يلبي تلبية جماعية، فواحد يردد والباقي يرددون خلفه، وهذا غير صحيح، إنما كل يلبي بمفرده، كما كان يفعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ففي كل منسك بدع. فمن بدع الإحرام أن البعض يظن أن صلاة ركعتي الإحرام واجب، وأن هناك ما يسمى بركعتي الإحرام، وليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام أبداً، إنما يجب على المرء إن نوى حجاً أن يغتسل ويتطيب ويضع الطيب في المفارق، ولا يضع الطيب على ملابس إحرامه، ثم يتوضأ بعد غسله إن لم يكن قد توضأ ويصلي ركعتين، وهاتان الركعتان إما سنة وضوء أو تحية مسجد أو فريضة، على حسب الوقت الذي هو فيه، لكن ليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام. وكذلك من مخالفات الإحرام أن الكثير يمر على الميقات دون أن يحرم، والإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، بمعنى: أنه لو مر على الميقات دون إحرام فنأمره أن يعود إلى الميقات، فإن عجز فيحرم من المكان الذي هو فيه ثم يلزمه فدية دم، يذبحها ويوزعها في مكة؛ فإن لم يستطع فيصوم عشرة أيام؛ لأنه أهدر واجباً وهو الإحرام من الميقات. إذاً: الإحرام من الميقات واجب، وأصل الإحرام ركن، والأركان لا تجبر بدم إنما الذي يجبر بدم هو الواجب. كذلك ظن بعض النساء أنها لا تحرم وهي حائض، فإذا حاضت المرأة عليها أن تحرم من الميقات وتفعل كل شيء إلا الطواف بالبيت؛ لما رواه البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها في ذي الحليفة فوجدها تبكي. قال: ما يبكيك يا عائشة؟! أنفست؟ -أي: أحضت- قالت: نعم يا رسول الله! قال: افعلي كل شيء إلا الطواف)، فالمرأة الحائض تحرم من الميقات. ومن البدع والمخالفات في الإحرام أن يحرم والدخان في فمه، فمثل هذا نقول له: اتق الله يا رجل! واستح من ربك، أو بعد أن يحرم يتصور وهو في ملابس الإحرام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا رياء، والتصوير حرام إلا لضرورة شرعية كجواز أو بطاقة أو نحو ذلك، إما للذكرى الخالدة وأن هذا الحاج فلان فهذا لا يجوز. هذه بعض بدع ومخالفات الإحرام، والله تعالى أعلم.

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام Q ما هي محظورات الإحرام؟ A الحاج يحرم إما قارناً أو متمتعاً أو مفرداً، وأفضل النسك هو التمتع، وهذا هو الرأي الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة به وبين أنه لو لم يسق الهدي لتمتع، أي: أن الذي منعه من التمتع أنه ساق الهدي، فكونه يأمر بالتمتع هذا يدل على أنه أفضل النسك، فالحاج إذا مر على الميقات ولبى: لبيك حجاً، أو لبيك عمرة، أو: لبيك حجاً وعمرة، فمن تاريخ الميقات نحاسبه، فلو لبس ملابس الإحرام من بلده وفي الطائرة وضع طيباً قبل أن يمر على الميقات فليس عليه شيء؛ لأن العبرة بما بعد الميقات، أما ما قبل الميقات فلا نحاسبه؛ لأن العبرة عندنا بالميقات. ويحظر على المحرم أشياء: يحظر على المحرم التطيب، فيترك الطيب ومن ثم الصابون ذا الرائحة العطرة لا يجوز له أن يستخدمه، ويحرم على المحرم أن يقص أظافره، ويحرم على المحرم أن يلبس المخيط، ويحرم على المحرم أن يغطي رأسه، ويحرم على المحرم الصيد، ويحرم على المحرم الجماع، ويحرم على المحرم مقدمات الجماع، فإذا أخذ المحرم معه الزوجة وبعد الميقات تجلس بجواره هو محرم وهي محرمة فلا يتحدثا في أي أمر من أمور الجماع، وهكذا مقدمات الجماع لا تجوز من قبلة أو مداعبة، كل ذلك لا يجوز للمحرم. والناس تفهم المخيط خطأً، الناس تفهم أن المخيط أي شيء فيه خيط، وهذا وهم، فأي شيء فيه خيط ليس مخيطاً، فالإزار فيه خيط والحزام الذي يلبسه الحاج فيه خيط، وليس هو المقصود، وإنما المخيط هو ما يأخذ شكل الجسد، ولو لبس الحاج خفاً تحت الكعبين يجوز، طالما أنه تحت الكعبين. كما أنه إذا ارتكب الحاج محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، فإذا قص أظافره وهو ناس فلا شيء عليه، أو تطيب وهو محرم ناسياً فلا شيء عليه، وإن ارتكب محظوراً وهو ذاكر فعليه فدية، وهي شاة تجزئ أضحية، يعني: شروطها كشروط الأضحية، وشروط الأضحية هي: أن يكون سن الضأن ستة أشهر، وسن الماعز سنة، وسن البقر سنتين، والإبل خمس سنين، ولا تجزئ العوراء ولا العرجاء ولا العضباء ولا الهتماء، هذه الأنواع لا تجزئ، فكما يشترط في الأضحية شروطاً فالفدية يشترط لها شروط أيضاً كشروط الأضحية، بمعنى: أن العوراء لا تجزئ والعرجاء لا تجزئ والهتماء لا تجزئ والتولاء التي تمشي وهي تترنح يميناً ويساراً لا تعرف كيف تسير، وهكذا التي كسر أحد قرونها لا تجزئ، فإن فعل محظوراً من محظورات الإحرام متعمداً -إلا الجماع- فنقول له: إما أن تذبح شاة توزع داخل الحرم، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام، ولا يشترط أن يكون في الحج، إنما يصومه متى استطاع، فهو مخير؛ لقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] هذا لمن فعل محظوراً من محظورات الإحرام، إلا الجماع، والله تعالى أعلم.

أركان الحج وواجباته

أركان الحج وواجباته Q ما هي أركان الحج التي يبطل بها الحج إن تركها الحاج؟ A لابد أن نفرق بين الركن والواجب والسنة، فالركن: لا يجبره دم، ولابد أن يأتي به الحاج، وإن تركه يعود لتحصيله. وأركان الحج هي: الإحرام، وطواف الإفاضة، والوقوف بعرفة، والسعي بين الصفا والمروة، فإن نسي الحاج أن يطوف طواف الإفاضة فنقول له: عد وطف، فلابد من تحصيل الركن مهما طال الفاصل؛ لأن هذه الأركان لا يجبرها دم. فالإحرام ركن، ولا أقول: الإحرام من الميقات، وإنما أصل الإحرام، وطواف الإفاضة نسميه طواف الزيارة، ثم الوقوف بعرفة، ثم السعي بين الصفا والمروة، هذه أركان الحج. أما واجبات الحج فمنها: الإحرام من الميقات، وطواف الوداع أيضاً واجب من واجبات الحج، وهكذا المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، والمبيت بمنى أيام التشريق، ورمي الجمرات أيضاً واجب من واجبات الحج، والوقوف بعرفة جزءاً من الليل، فلو نزل من على عرفة قبل غروب الشمس فحجه صحيح ويلزمه دم؛ لأنه ترك واجباً، وهو الوقوف بعرفة جزءاً من الليل، والوقوف بعرفة ركن والوقوف بعرفة جزء من الليل واجب. هذه بعض واجبات الحج والباقي من سننه، والله تعالى أعلم.

الفرق بين الهدي والفدية

الفرق بين الهدي والفدية Q ما هو الفرق بين الهدي والفدية؟ ومتى يكون الهدي؟ ومتى تكون الفدية؟ A هذه مسألة مهمة لابد أن تكون واضحة في الأذهان تماماً، الهدي: نسك يقدمه الحاج المتمتع والقارن، ولا بد أن يذبحه في الحرم، وله أن يأكل منه، وأن يتصدق منه، وأن يهدي منه، وله ميقات آخره آخر أيام التشريق. إذاً: أولاً: الهدي يذبح داخل الحرم. ثانياً: له أن يأكل منه وأن يتصدق منه وأن يهدي منه. ثالثاً: له حدود زمانية، وهو آخر أيام التشريق، يعني: رابع يوم العيد بغروب الشمس ينتهي الهدي. وأما الفدية فلا يأكل منها، شأنها كشأن النذر تماماً، الفدية لا يأكل منها، وتذبح أيضاً داخل الحرم، شأنها كشأن الهدي، وليس لها وقت زماني، بل متى استطاع ذبح، فإن لم يستطع في الحج فيمكنه أن يرسل إلى مكة لتذبح بعد أداء النسك، أما الهدي فهو مرتبط، فمثلاً لو أن رجلاً فقد مبلغاً من المال كان معه للهدي فعجز عن الهدي فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ لأنه عجز عن الهدي، وحينما أقول: عجز عن الهدي، يعني: ليس معه مال، وبعض المصريين يعجز عن الهدي لأنه يشتري بالمال هدايا، ثم يقول: أنا عاجز عن الهدي!، فنقول: لا يا عبد الله! فحينما نقول: يعجز، معناه: أنه لا يملك، وفي هذه الحالة يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. أما الذي عليه فدية فإما أن يذبح، وإما أن يطعم ستة مساكين، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وأما إن فعل محظوراً من محظورات الإحرام أو ترك واجباً فهناك فدية لترك الواجب، وهناك فدية لفعل المحظور. فمثلاً: رجل ما طاف طواف الوداع، وعاد إلى بلده، فنقول له: عليك فدية أن تذبح شاة داخل نطاق الحرم تطعمها لأهل الحرم، أو تصوم عشرة أيام إن كنت عاجزاً عن الفدية. والله تعالى أعلم.

حكم اغتسال المحرم

حكم اغتسال المحرم Q هل يجوز للمحرم أن يغسل الميت أو يغتسل؟ A لا بأس، يغتسل ويخلع ملابس الإحرام شريطة ألا يستخدم صابوناً به رائحة، وله أن يغير الملابس، ويشترط أيضاً ألا يستخدم شيئاً يترتب عليه إنزال بعض الشعر، فيجوز له أن يغتسل وأن يغسل وأن يغير ملابس الإحرام ولا شيء في ذلك شريطة أن يحافظ على عدم ارتكاب محظور من محظورات الإحرام. وإذا رأيت رجلاً يلبس إحراماً وتحت الإحرام شورت وهو لا يعلم أنه لابد أن يتجرد من كل ملابسه إلا الإزار والرداء، أو نسي وترك الشورت تحت الرداء أو تحت الإزار فقل له: انتبه يا أخي! وبين له أن هذا لا يجوز. أما المرأة فتحرم على حالها، والله تعالى أعلم.

حكم من فعل محظورا من محظورات الإحرام جاهلا

حكم من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً Q ما حكم من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً؟ A الجاهل بمحظورات الإحرام له نفس حكم الناسي، لكن لو كان جاهلاً لركن وتركه فلا بد أن يحصله، فمثلاً: حجر إسماعيل من البيت فلابد أن يطوف خارج الحجر؛ لأن الحجر من البيت، فلو طاف بداخل الحجر فنقول له: أي طواف طفت؟ هل هو طواف القدوم أم طواف العمرة أم طواف الإفاضة أم طواف الوداع؟ فإن كان طواف الإفاضة فلابد أن يعود ليطوف؛ لأن طواف الإفاضة ركن، وإن كان طواف الوداع فنقول له: يلزمك فدية؛ لأنك تركت واجباً، هذا مع أنه يجهل، إلا أن الجاهل بالنسبة للأركان والواجبات عليه أن يحصل ما يستطيع، والله تعالى أعلم.

حكم استعمال المحرمة حبوب منع الحمل لأجل إكمال المناسك

حكم استعمال المحرمة حبوب منع الحمل لأجل إكمال المناسك Q هل يجوز للمرأة أن تأخذ حبوباً لمنع الحيض حتى تستكمل النسك؟ A في الصيام قلنا: لا يجوز، وأما هنا فنقول: يجوز؛ لأن الوقت ضيق. ومن ثم قال العلماء: ليس على المرأة طواف وداع إن حاضت وكان الركب سيرحل، فيجوز لها ألا تطوف طواف وداع وليس عليها شيء؛ لأن الحيض يمنعها، وإن حاضت قبل طواف الإفاضة وكان الركب سيرحل فأرجح الأقوال لعلمائنا أنها تتدثر وتطوف للإفاضة رغم أنها حائض؛ لأن الركب سيرحل، فإن تناولت حبوباً لتأخير الحيض حتى تتمكن من أداء النسك فلا بأس بذلك، والله تعالى أعلم.

كيفية تغطية المحرمة وجهها

كيفية تغطية المحرمة وجهها Q كيف تغطي المرأة وجهها إذا خالطت الرجال؟ A هذه نقطة مهمة جداً، نرد بها على أصحاب القلوب المريضة، فتجد أحدهم يقول: النقاب عادة وليس عبادة، وعلماء الإسلام يقولون كذا، فنقول: من نصبهم علماء؟ ومن منحهم هذا اللقب؟ وكيف يخالفون جمهور السلف وحفاظ الأمة وأئمة العلم؟ فكيف يقال: النقاب عادة؟ فالنساء المؤمنات ألم يكن ينتقبن؟ والأحاديث في فضائله عديدة. تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: كنا إذا خالطنا الرجال أسدلنا، معنى الإسدال: أن تلقي شيئاً بعيداً على وجهها لكن لا يمس البشرة. وقد رأيت بعضهن تصنع بعض العصي يميناً ويساراً ثم تسدل، وبعضهن تلبس كتكتة لها رفرف، فيبتعد النقاب عن الوجه، وهذه صنعة لطيفة لا يوجد فيها مشاكل، لذلك أقول: إذا خالطت المرأة الرجال أسدلت وإن كانت بمفردها كشفت، أما أن تكشف لغير سبب فلا، وأصحاب القلوب المريضة يريدونها مكشوفة ونحن نريدها مستورة، فأي الفريقين أحق بالأمن؟! نسأل الله العفو والعافية، والله تعالى أعلم.

حكم مشط المحرم شعره

حكم مشط المحرم شعره Q هل يجوز للمحرم أن يمشط شعره؟ A نعم، شريطة ألا يبالغ في التمشيط، يعني: لا يستخدم الفرشة بشدة حتى ينزل معها شعر، لكن لنفترض أنه محرم وشعره غزير فلا نقول له: اتركه هكذا؛ فإنه لا مشكلة في أن تمشط بهدوء؛ حتى لا يترتب على ذلك أن ينزل بعض الشعر، وإن نزل مع تسريحك دون عمد فلا بأس، والله تعالى أعلم.

حكم لبس المحرمة النقاب جهلا

حكم لبس المحرمة النقاب جهلاً Q ما حكم من لبست النقاب حال إحرامها جاهلة بالحكم؟ A إن كانت جاهلة فلا شيء عليها، وبعض العلماء يقولون: إنها ارتكبت محظوراً من محظورات الإحرام، أما إن كانت عالمة فبعض العلماء يلزمها بفدية، وهذا كمن لبس المخيط أو تعطر أو قص بعض أظافره، والبعض قال: لا شيء عليها. والله تعالى أعلم.

حكم اصطياد المحرم

حكم اصطياد المحرم Q ما حكم رجل محرم اصطاد من عرفة ورجل اصطاد من مكة؟ A هذه مسألة مهمة، القاعدة تقول: يحرم على المحرم الصيد سواء من عرفة أو من بعد رابغ، فطالما أحرم يحرم عليه الصيد من الحرم أو من الحل، وصيد الحرم حرام على المحرم وغيره، كذلك لو كان غير محرم واصطاد من الحرم يحرم عليه، والله تعالى أعلم.

مكان ذبح الهدي

مكان ذبح الهدي Q رجل أخذ معه طائراً ثم ذبحه هناك، فما الحكم؟ A إذا أخذ معه طائراً من مصر ثم ذبحه هناك فلا شيء عليه، لكن الأدهى من ذلك: رجل أخذ الهدي من عرفة وذبحه في عرفة فهذا لا يجزئ؛ لأنه أخذه من الحل وذبحه في الحل، فلابد أن يذبحه في الحرم داخل نطاق مكة، أما إن ذبح في الحل فلا يجزئ، فلابد للفدية والهدي أن يذبح داخل حدود مكة في منى، قال صلى الله عليه وسلم: (كل فجاج مكة طريق ومنحر) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإن ذبح داخل الحرم أجزأ وإن ذبح في الحل لا يجزئ، فلابد أن تعرف أن الذبح لابد أن يكون داخل الحرم حتى وإن أتى من الحل. اللهم إنا نسألك حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً صالحاً متقبلاً يا رب العالمين! وللحديث بقية إن شاء الله.

فتاوى الحج [2]

فتاوى الحج [2]

حكم المبيت بمنى في ليلة التاسع من ذي الحجة

حكم المبيت بمنى في ليلة التاسع من ذي الحجة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فأيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل هذه اللقاءات مع مناسك الحج في سؤال وجواب، ونبدأ بحول الله وفضله وتوفيقه: Q ما حكم المبيت بمنى في ليلة التاسع من ذي الحجة؟ A ليلة التاسع من ذي الحجة هي ليلة عرفة، ويوم عرفة هو (أفضل يوم طلعت فيه الشمس) كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، ولذلك يسن لغير الحاج صيام ذلك اليوم، ويسن للحاج في يوم الثامن من ذي الحجة أن يحرم من مكانه الذي هو فيه ملبياً بحج إن كان متمتعاً أو إن كان قارناً يذهب إلى منى في ذلك اليوم فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها ويصلي الفجر. ثم يذهب بعد الفجر وبعد شروق الشمس إلى عرفة، والمبيت بمنى في هذه الليلة من السنة، وليس من واجبات الحج أو أركانه، والمعنى: أن من لم يفعلها فحجه صحيح، لكن ينبغي أن نعلم أن الحج الكامل هو أن يكون كما حج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: (خذوا عني مناسككم)، فلا ينبغي للحاج أن يترك تلك السنة إذا كانت الظروف تسمح له بذلك، كما يفعل الكثير يبقى في الفندق إلى أن يذهب إلى عرفة مباشرة، ولا أدري لماذا يضيع هذه السنة، ولا ينال شرف إحياء سنة النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.

معنى حديث: (الحج عرفة)

معنى حديث: (الحج عرفة) Q ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)؟ A من أهم أركان الحج وأعظم أركان الحج: الوقوف بعرفة، وأحياناً يعبر عن الشيء بأحد أركانه، وهذا مهم جداً في القرآن والسنة، فمثلاً: قول ربنا سبحانه وتعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: صلوا مع المصلين، فعبر عن الصلاة بالركوع؛ لأن الركوع أحد أركان الصلاة، والقيام كذلك، كما في قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، وقال: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] فقال: (واسجدي) أي: وصلي، فالتعبير عن كامل الشيء بأحد أركانه يشير إلى عظم الركن، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) أي: أنه لا حج بدون الوقوف بعرفة، ومن ثم تبدأ مناسك الحج الفعلية التي يجب على الحاج أن يقوم بها من لحظة الوقوف بعرفة، فمن ضيع الوقوف بعرفة فلا حج له، والله تعالى أعلم.

حكم صعود جبل الرحمة

حكم صعود جبل الرحمة Q هل صعود جبل الرحمة من مناسك الحج؟ A أحدث الناس كثيراً من البدع في مناسك الحج، ومن هذه البدع تقاتلهم وتزاحمهم على صعود جبل الرحمة، وليس ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين لنا مناسك الحج بياناً شافياً حتى الجمرات بين من أي مكان تلتقط وكيف ترمى، وما ترك منسكاً إلا وبينه عليه الصلاة والسلام، وقال لأصحابه: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا). ولذلك ما ثبت عنه ولا عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أن صعود جبل الرحمة من مناسك الحج، فمن زعم أنه من المناسك فقد ابتدع في دين الله سبحانه ما ليس منه، والله تعالى أعلم.

مدى صحة قول: إن حجة يوم الجمعة تعدل سبع حجج

مدى صحة قول: إن حجة يوم الجمعة تعدل سبع حجج Q هل حجة يوم الجمعة تعدل سبع حجج كما يزعم البعض؟ A هذه أيضاً من الأشياء التي تتردد على الألسنة، فيقولون: إن جاء يوم الحج يوم جمعة فالحجة تعدل سبع حجات، وهذا كلام لا أصل له في دين رب العالمين، نعم إذا وافق يوم جمعة فقد اجتمع لنا في هذا اليوم عيدان: عيد الجمعة وعيد الأضحى كما قال عمر رضي الله عنه وأرضاه، ففي البخاري: أنه قال له رجل من اليهود: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. فقال عمر: إني أعلم متى نزلت وفي أي مكان نزلت، نزلت في عرفة في حجة الوداع في يوم الجمعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك بفضل الله لنا عيدان. فيوم الجمعة عيد لا شك، والأجر فيه لا شك مضاعف، لكن ما يقوله البعض: إن حجة الجمعة بسبع حجات، فهذا كلام باطل لا دليل عليه، والله تعالى أعلم.

حكم صلاة النافلة يوم عرفة

حكم صلاة النافلة يوم عرفة Q هل تجوز صلاة النافلة يوم عرفة؟ A الاتباع أولى من الابتداع وفعل السنة يقرب العبد إلى ربه، ففي يوم عرفة صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، أذن بلال فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أولاً ثم أقام مرة ثانية فصلى العصر، وأما هل صلى مع الظهر أو العصر نافلة؟ فالجواب: لا، وكل خير في الاتباع، وكما نقول مثلاً: من السنة صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم، ومن السنة أن تقرأ في الركعتين في الركعة الأولى: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) وفي الثانية: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، وأن تخفف فيهما فلا يأتي رجل ويصلي ويطيل في صلاته ويقرأ في الركعة الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران حتى يزيد القراءة في هذا المكان المبارك، فهو هنا خالف السنة، فالسنة أن تصلي وتخفف، فلا يجوز لك أن تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

حكم المبيت بمزدلفة

حكم المبيت بمزدلفة Q ما حكم المبيت بمزدلفة؟ وهل يرخص للضعفاء ترك المزدلفة بعد منتصف الليل؟ A مناسك الحج منها ما هو ركن لا يجبر بدم، ولابد من أدائه، ومنها ما هو واجب يجبره دم في حال تركه، ومنها ما هو سنة، والمبيت بمزدلفة أرجح الأقوال فيه أنه واجب من واجبات الحج، فينبغي على الحاج بعد أن يقف بعرفة في يوم التاسع من ذي الحجة إذا غربت الشمس أن يجمع بين نهار وليل بعرفة، فإن نزل من عرفة قبل غروب الشمس فقد ترك واجباً من واجبات الحج وهو الوقوف بعرفة جزءاً من الليل، وبعد غروب الشمس عليه أن ينفر إلى مزدلفة ويصلي في مزدلفة المغرب والعشاء جمع تأخير، ولا يجوز له أن يؤخر العشاء إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة؛ يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاواه: فإن نفر من عرفة إلى مزدلفة فتعطل في طريقه وجاءت الساعة الثانية عشرة فينزل ويصلي في المكان الذي هو فيه، ولا يؤخر العشاء إلى بعد خروج نصف الليل الأول بحجة أنه لابد أن يصلي في مزدلفة. فإن وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء وبات بها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يبيت بها ليلة العيد يوم النحر ليلة العاشر، ويصلي بها أيضاً الفجر، حتى أسفر جداً صلى الله عليه وسلم، يعني: حتى أشرق النهار ورحل الظلام، عند ذلك تحرك من مزدلفة، والواقع الآن بخلاف ذلك تماماً فإن الذي يحدث أن معظم الحجاج ينزلون من عرفة إلى منى مباشرة بحجة أن المطوف لا يسمح لهم بنزول مزدلفة، فالمبيت بمزدلفة واجب، ومن تركه يلزمه فدية. لكن الواقع أنه أحياناً يركب الحجاج السيارات ويكون التحرك بصعوبة بالغة ربما لا يستطيع الواحد أن يصل إلى مزدلفة إلا بعد الفجر، وهذا لا شيء عليه؛ لأنه سعى أن يصل فما تمكن، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما جعل عليكم في الدين من حرج، لكني أقول: حاول أن تترك المطوف وخذ عنوان الفندق وأد المناسك صحيحة، فكثير منا لا يهتم بهذا الواجب، ولا يجبره بدم، وهذا لا يجوز، والله تعالى أعلم.

أعمال الحاج في يوم العيد

أعمال الحاج في يوم العيد Q ما هي أعمال يوم العيد بالنسبة للحاج؟ A نبين للحاج في ملخص سريع المناسك متصلة ببعضها، فنشرح حج التمتع: أولاً: يمر على الميقات المكاني، وقبل أن يلبس ملابس الإحرام يغتسل ويطيب مفارقه، ثم يصلي ركعتين، سواء كانت سنة وضوء أو تحية مسجد أو نافلة أو فريضة، ثم يلبي من الميقات المكاني: لبيك عمرة -هذا المتمتع- ويجوز له أن يشترط، فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذه العبارة تقال لأنه ربما يعترضه عارض في الطريق ولا يصل، فإن اشترط لا يلزمه شيء إن تحلل. وعند وصوله إلى مكة محرماً يطوف طواف العمرة، والقارن والمفرد يطوف طواف القدوم، وهناك فرق بين طواف العمرة وطواف القدوم، وهو أن طواف العمرة ركن لابد من تحصيله، وطواف القدوم واجب على الراجح، ويجبر بدم إن تركه، والمتمتع لابد أن يطوف؛ لأن الطواف ركن من أركان العمرة، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يتحلل بحلق شعره أو بتقصيره، ويبقى على حاله، ويجوز له كل شيء حتى النساء، إلى يوم ثمانية ذي الحجة فيحرم من مكانه بالطريقة التي أحرم بها للعمرة، فيغتسل ويتطيب ويلبس ملابس الإحرام ويقول: لبيك حجاً، ثم يذهب إلى منى في يوم ثمانية ذي الحجة فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم يرحل إلى عرفة بعد شروق شمس يوم التاسع ويقوم بعرفة إلى أن تغرب الشمس، ثم بعد غروب الشمس ينفر إلى مزدلفة فيبيت بمزدلفة إلى الفجر فيصلي بها الفجر حتى يشرق النهار فيذهب إلى منى. وأعمال يوم النحر تبدأ من هذه اللحظة برمي جمرة العقبة. إذاً: أول أعمال يوم النحر هو رمي جمرة العقبة كما رماها النبي صلى الله عليه وسلم بسبع حصيات، وتنقطع التلبية للحاج عند رمي جمرة العقبة، وبعد أن يرمي جمرة العقبة في يوم النحر يذبح الهدي، ثم يحلق، ثم يطوف طواف الإفاضة، ثم يسعى سعي الحاج إن كان متمتعاً، ثم يتحلل التحلل الأكبر، هذه هي أعمال الحاج المتمتع، ويكون عليه طواف الوداع واجباً عند رحيله من مكة. وعلى هذا فأعمال يوم النحر هي: أولاً: رمي جمرة العقبة. ثانياً: الذبح. ثالثاً: الحلق. رابعاً: طواف الإفاضة. خامساً: سعي الحج للمتمتع. هذه مناسك الحج للمتمتع، والله تعالى أعلم.

حكم حلق جزء من الرأس عند التحلل

حكم حلق جزء من الرأس عند التحلل Q بعض الحجاج يحلقون جزءاً من رءوسهم فهل هذا صحيح؟ A هذه ظاهرة منتشرة حتى في بعض الكتب وبعض الرسوم الإيضاحية؛ فحينما يريد أن يوضح كيفية التحلل يأتي بمقص ويأخذ جزءاً من شعره، وهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإما أن تحلق أو أن تقصر كل الرأس، ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم اغفر للمحلقين ثلاثاً وفي الرابعة قال: وللمقصرين). فإن كنت متمتعاً فقصر؛ لأنك ستتحلل مرة ثانية، فقصر في أول الأمر، أما إن كنت مفرداً فاحلق، والحلق خشوع لله رب العالمين، وبعض الحلاقين يقول لك: لا يوجد حلق بالموس؛ لأنه يأخذ منه وقتاً وهو ليس عنده وقت، فأقول: ينبغي أن تحافظ على السنة بالحلق أو التقصير لكل الرأس، أما المرأة فتأخذ جزءاً يسيراً من ظفيرتها قدر أنملة، أما الرجل فلا يجوز أن يأخذ هذا الجزء وإنما يحلق كل الرأس أو يقصر كل الرأس، هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

تعريف الرمل وبيان حكمه على النساء

تعريف الرمل وبيان حكمه على النساء Q ما هو الرمل؟ وهل على النساء رمل؟ A الرمل هو الإسراع في الخطى وفي طواف القدوم فقط، فلا رمل إلا في طواف القدوم فقط وفي الثلاثة الأشواط الأول؛ حيث فعلها النبي عليه الصلاة والسلام وأسرع الخطى وهو يطوف بالبيت في حال طوافه الثلاثة الأشواط الأول، ولا رمل على النساء، فليس للمرأة أن ترمل لا عند البيت ولا عند السعي بين الصفا والمروة، ولكني أرى بعض النساء يحاولن أن يهرولن، وهذه مخالفة جسيمة لا ينبغي أن تكون أبداً، إنما الرمل في طواف القدوم للرجال وفي الثلاثة الأشواط الأول، ومع الزحام قد يكون الرمل صعباً جداً، فلا تكن متحجراً وتقول: لابد أن أرمل فتزاحم الحجاج، وربما تصيبهم بأذى، فالرمل سنة وليس بواجب، فنريد أن ننبه إلى هذا، والله تعالى أعلم.

حكم المبيت بمنى أيام التشريق

حكم المبيت بمنى أيام التشريق Q ما حكم المبيت بمنى أيام التشريق؟ A هذه أيضاً من واجبات الحج، فبعد يوم النحر الذي بينا مناسكه من رمي لجمرة العقبة ومن ذبح ومن حلق ومن طواف ثم سعي، يجب على الحاج المبيت بمنى أيام التشريق، ولكن بعض أصحاب الحج السريع بعد يوم النحر يرحلون، وهذه أمور عجيبة! بل إن منهم من يذبح قبل يوم النحر، فتجدهم يذبحون في الفنادق في يوم تسعة ذي الحجة يوم عرفة وفي يوم ثمانية ذي الحجة، فمن الذي أفتاهم؟ يقولون: هناك فتوى من الشيخ الفلاني! فنقول: يا عبد الله! اتق الله؛ فالنحر لا يكون إلا في يوم النحر؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى منى من عرفة وبعد أن بات في مزدلفة ورمى الجمرة بدأ ببيان هذه المناسك، ولما سئل: يا رسول الله! إني حلقت قبل أن أذبح، وآخر: رميت قبل أن أحلق قال: (افعل ولا حرج) لكننا نبين نقطة مهمة جداً في يوم النحر وهي أنه لابد من تحصيل أمرين على الأقل حتى تتحلل تحللاً أصغر: الأولى: رمي جمرة العقبة، لابد أن تضم إليها شيئاً آخر مع الرمي، فإما أن تطوف طواف الإفاضة وبذلك تكون قد حصلت اثنين، وإما أن تذبح، يعني: تفعل هذا أو هذا حتى تتحلل التحلل الأصغر. وأيام التشريق هي: ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر، هذه الأيام الثلاثة نسميها أيام التشريق، قال عز وجل: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] فيجب على الحاج أن يبيت في منى أو يقضي بمنى غالب الليل، بمعنى: إذا غربت شمس اليوم العاشر وأصبحنا في اليوم الحادي عشر فعلى الحاج في هذه الليلة أن يبيت في منى حتى إذا جاء اليوم الثاني عشر يكون بها، فإن قضى بمنى غالب الليل فلا بأس؛ لأنه سيرمي الجمرات بعد الزوال في أيام التشريق، ويرمي جمرة العقبة قبل الزوال في يوم النحر، والله تعالى أعلم.

حكم رمي الجمرات أيام التشريق

حكم رمي الجمرات أيام التشريق Q ما حكم رمي الجمرات أيام التشريق؟ A الحاج يبيت في منى والغالب يتعجل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر، فإن غاب على الحاج شمس يوم الثاني عشر ولم يخرج من منى ولا من حدود منى فيلزمه أن يبيت فيها، وهذه نقطة مهمة جداً! لكن نفترض أنه حزم الأمتعة وتأخرت السيارة رغم إرادته فلا شيء عليه. فإن بات بمنى ليلة الحادي عشر بعد الزوال -يعني: بعد الظهر- فيرمي الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى، يرمي كل جمرة بسبع حصيات، يجمع هذه الحصى وينطلق بعد الظهر لرمي الجمرات في أول أيام التشريق وهو يوم أحد عشر ذي الحجة. ورمي الجمرات في أيام التشريق واجب من واجبات الحج إن تركه الحاج يجبر بدم؛ لأننا قلنا: القاعدة تقول: ترك الواجب يجبره دم، وترك الركن لا يجبره شيء، والسنن لا شيء في تركها، والله تعالى أعلم.

أنواع الطواف حول الكعبة وحكمها

أنواع الطواف حول الكعبة وحكمها Q للطواف حول الكعبة أنواع، فما هي هذه الأنواع؟ وما حكم كل منها؟ A ينقسم الطواف حول بيت الله عز وجل إلى أنواع منها: طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج. وطواف العمرة للمتمتع، وهو ركن من أركان العمرة. وطواف القدوم للمفرد والقارن، وهو واجب من واجبات الحج. وطواف النذر، وهو واجب على من نذر. وطواف الوداع، وهو واجب إلا على الحائض والنفساء. ثم آخر الأنواع هو طواف التطوع، فيجوز لك أن تتطوع وأن تطوف بالبيت. فعلى هذا أنواع الطواف حول البيت ستة، ولن تجد أكثر من هذا، والله تعالى أعلم. وأما ما حكم كل منها؟ فطواف الزيارة -الذي هو طواف الإفاضة- ركن، إن تركه الحاج لابد أن يؤديه حتى وإن عاد إلى بلده، فمن قال: حججت ولم أطف طواف الإفاضة، فنقول له: عد؛ لأن طواف الإفاضة لابد من تحصيله؛ لأنه ركن، فطواف الإفاضة ركن، وطواف العمرة ركن، وطواف القدوم واجب، وطواف الوداع واجب، وطواف النذر واجب، وطواف التطوع سنة، والله تعالى أعلم.

حكم من ترك طواف الإفاضة

حكم من ترك طواف الإفاضة Q بالنسبة لطواف الإفاضة إن تركه الحاج هل يجوز تعويضه في غير أيام الحج من عام قادم؟ A نعم، متى علم أنه لم يحصل طواف الإفاضة في الحال ينبغي عليه أن يذهب ويحصل طواف الإفاضة سبعة أشواط، ثم إن ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام -وطبعاً سيكون قد ارتكب، فربما يكون قد جامع زوجته- فعليه هدي يذبح ويوزع في داخل الحرم، والله تعالى أعلم.

شروط الطواف

شروط الطواف Q ما هي الشروط الواجب توافرها حتى يكون الطواف صحيحاً؟ A هذا سؤال مهم جداً؛ فإن البعض لا يعلم شروط الطواف، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة) ومعنى كونه صلاة: أنه لابد له من الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، ولكن هب أن الحاج كان يطوف بالبيت متوضئاً لابساً ملابس الإحرام ثم أحدث -أخرج ريحاً- فما الواجب عليه؟ الواجب عليه أن يخرج ليتوضأ، وهل يرجع فيتم الطواف أم يطوف من أول شوط؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إن الطواف كالصلاة، فلو أحدث في الركعة الرابعة فهل إذا خرج من الصلاة وتوضأ يعود إليها من أولها أم يتم؟ الجواب: يعيدها من أولها، ولا شك في هذا، ومن قال: إن كل شوط عبادة مستقلة فاعتبر أن عدد الأشواط التي طافها قبل أن يحدث سليمة صحيحة وعليه أن يتم، والراجح أن يبدأ من أول شوط، والله تعالى أعلم.

حكم طواف الحائض بالبيت وذكر صفة الطواف والاضطباع والرمل

حكم طواف الحائض بالبيت وذكر صفة الطواف والاضطباع والرمل Q ما حكم طواف الحائض بالبيت؟ وما هي صفة الطواف؟ وماذا عن الاضطباع والرمل؟ A المرأة الحائض لا يجوز لها أن تطوف بالبيت؛ لما ثبت عند البخاري في صحيحه في كتاب الحيض أن الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، هذا عنوان الباب في البخاري، فتفعل الحائض كل شيء في الحج إلا أن تطوف بالبيت؛ لحديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد الحج، فلما كنا بالميقات نفست -يعني: جاءها الحيض- فدخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام فوجدها تبكي. فقال: ما يبكيك يا عائشة؟! أنفست؟)، وبوب عليه البخاري: باب من سمى الحيض نفاساً، يعني: يجوز أن يسمى الحيض نفاساً (قالت: نعم. قال: هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، افعلي كل شيء إلا أن تطوفي بالبيت)، فلا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت أبداً وهذا من المحظورات على المرأة الحائض. وحينما يريد الحاج أو المعتمر أن يطوف بالبيت أولاً: عليه أن يبدأ من عند الحجر الأسود، وهناك خط مرسوم على الأرض يشير إليه. وحينما يشرع في طواف القدوم عليه أن يضطبع، والاضطباع هو: أن يكشف الكتف الأيمن من بدء الطواف، وأحياناً تجد معظم الذين يسعون بين الصفا والمروة في حال اضطباع، وبعضهم يبقى مضطبعاً إلى أيام التشريق، نسأل الله العافية، ولا يجوز هذا. والاضطباع يكون في طواف القدوم، فليس في طواف الوداع اضطباع، وليس في طواف الإفاضة اضطباع، وليس في أي طواف آخر اضطباع إلا القدوم. فيبدأ يستلم الحجر الأسود فيقبله كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه استوى وبكى وقال: (هنا تسكب العبرات)، لكن تقبيل الحجر سنة، وإيذاء المسلمين حرام، فلا تفعل سنة وترتكب محرماً كما تفعل بعض النسوة يزاحمن الرجال على الحجر، والبعض الآخر ربما يؤذي الضعفاء من أجل أن يقبل الحجر، فارتكب محرماً ليفعل سنة، فهل هذا من الفقه يا عبد الله؟! فالحجر إما أن تستلمه وإما أن تشير إليه بيدك اليمنى، وتقول: الله أكبر، ومن هذه اللحظة يبدأ الطواف، فتبدأ الطواف بالبيت سبعة أشواط، وبين الركن اليماني والحجر الأسود في هذه المساحة يسن لك أن تقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] ولا يسن أن تشير إلى الركن اليماني، ولكن تجد هذا كثيراً في الطواف من معظم الحجاج، فالركن اليماني يستلم ولا يشار إليه، ولا تقبيل له، وهذه نقطة مهمة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني دون أن يقبله. وفي الطواف حول البيت يشرع للحاج أن يدعو بما شاء بما فتح الله عليه وبما أراد، وكل يناجي ربه، أما ما يفعل من مظاهر كون معظم الحجاج كل فوج له قائد يمسك كتاباً فيه: دعاء الشوط الأول قولوا خلفي: اللهم اللهم، والآخرون اللهم فهذا غوغاء، ولا يجوز هذا، وليس لكل شوط دعاء مخصص كما في بعض الكتب، فهذه بدع محدثة، والدعاء الجماعي ما أنزل الله به من سلطان، فادع ربك بما شئت، وكل واحد يدعو ربه بمفرده، فهذا مريض يسأل الله الشفاء، وهذا مدين يسأل الله سداد الدين، وهذا في كرب يسأل الله تفريج الكرب، ويدعو بالدعاء المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يتعدى في الدعاء. وننبه إلى أن حجر إسماعيل من الكعبة، والحجر حائط بجوار الكعبة يأخذ شكل ربع دائرة، فمن من طاف بداخله فطوافه باطل، ولا يحسب الشوط، وإذا بطل الطواف بطل الحج؛ لأن بطلان طواف الإفاضة بطلان للحج، وطواف الوداع يجبر تركه بدم، وطواف التطوع لا بأس، أما طواف الركن هذا فلابد أن يكون صحيحاً. فننبه إلى أنه في حال الطواف لابد أن تطوف من خارج الحجر، فحجر إسماعيل من البيت. فيطوف الحاج سبعة أشواط يبدأ بالحجر الأسود وينتهي به بعد نهايته من السبعة أشواط، وربما يشك هل طاف سبعة أم ستة ماذا يصنع؟ يبني على اليقين، واليقين هو الأقل، فإنه يقيناً طاف ستة وشكاً طاف سبعة، فيطرح الشك ويبني على اليقين. وكذلك في حال الطهارة، هو متوضئ وشك في الحدث: أحدث أم لم يحدث؟ فيبني على الطهارة، ففي الطهارة يبني على اليقين. وبعد أن ينتهي من الطواف في الحال يعيد ستر الكتف الأيمن، فإذا انتهى من طواف القدوم أو من طواف العمرة ينتهي معه الاضطباع، ويذهب الحاج بعدها ليصلي ركعتين خلف المقام، ورب العالمين يقول: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] وربما يجد زحاماً عند المقام، وهذا موجود، والبعض يصر أن يصلي خلف المقام ويدوس الناس عليه وهو يصلي أو يحدث ارتباكاً في الطواف وهذا لا يجوز، ولكن بعض الناس عنده انغلاق عجيب، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: والحرم كله مقام في حال الزحام، فصل في أي مكان ولو في الطابق الثاني لا بأس؛ لأن هذه ضرورة. ويقرأ في هاتين الركعتين في الركعة الأولى بسورة الكافرين وف

حكم الكلام أثناء الطواف

حكم الكلام أثناء الطواف Q ما حكم الكلام العادي أثناء الطواف؟ A لا أدري ما معنى الكلام العادي؛ لأنني أرى العجب، أجد أنه تعقد الصفقات التجارية عند الطواف، وتحل المشكلات الاجتماعية عند الطواف، فيا عبد الله! أنت تطوف بالبيت وهذه فرصة اغتنمها، وإن كان الكلام في طاعة فلا بأس كقراءة قرآن وأحاديث ذكر الله والدعاء، إنما أن يكون الكلام في أمر من أمور الدنيا فلا، بل كيف تذكر الدنيا هنا؟ ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله، فهل في هذه الساعات التي تنزل فيها البركات بدلاً من أن تبكي لربك عز وجل وتتضرع وتدعو تتحدث في أمور الدنيا؟ فيا عبد الله لا يجوز الكلام في الطواف إن كان في أمر من أمور الدنيا، أما إن كان يتعلق بطاعة فلا بأس.

وقت بداية التلبية ووقت نهايتها

وقت بداية التلبية ووقت نهايتها Q متى تبدأ التلبية للحاج والمعتمر؟ ومتى تنقطع؟ A أما المعتمر فتبدأ التلبية من الميقات المكاني من عند وصوله للميقات يلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويستمر يلبي؛ لأن الملاحظ أنه يلبي عند الميقات ويسكت تماماً عن التلبية إلا إذا ذكره أحد فيلبي مجاملة، والمفروض على الحاج أو المعتمر أن ينشغل بالتلبية. كذلك الحاجة تبدأ التلبية عنده من الميقات المكاني، أما المعتمر فتنقطع التلبية بمجرد أن يدخل إلى الحرم ويبدأ في الطواف، وأما الحاج فتنقطع التلبية في حقه منذ رمي جمرة العقبة في يوم النحر، فإذا ذهب ليرمي جمرة العقبة تنقطع التلبية من هذا الوقت، وينبغي عليه أن يجتهد في التلبية، ففيها أحاديث تبين فضلها، والله تعالى أعلم.

حكم تأخير طواف الإفاضة

حكم تأخير طواف الإفاضة Q هل يكفي طواف الإفاضة عن طواف الوداع؟ A هذا سؤال مهم، فإذا كان الركب سيرحل الساعة الحادية عشرة يوم أربعة عشر أو خمسة عشر أو ثلاثة عشر في أي يوم من أيام التشريق لمن تعجل أو بعد هذه الأيام والحاج لم يطف طواف إفاضة فمن السنة أن يطوف في يوم النحر، لكن له أن يؤخرها؛ لأنه بمجرد أن يرمي جمرة العقبة ويذبح يحلق، وإذا فعل ذلك فقد تحلل تحللاً أصغر، وكل شيء يجوز له إلا النساء. إذاً: يمكنه أن يؤخر طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة يحلله تحللاً أكبر فيجوز له النساء. وأما هل يكفي طواف الإفاضة عن طواف الوداع فنعم، إذا طاف للإفاضة وكان هذا آخر عهده بالبيت وكان الركب سيرحل فيجزئ ذلك عن طواف الوداع، فإن كان طواف الإفاضة هو آخر عهده بالبيت فيمكنه أن يجمع بين طواف الإفاضة والوداع في طواف واحد، والله تعالى أعلم.

حكم طواف الوداع على الحائض

حكم طواف الوداع على الحائض Q هل يجوز للحائض ألا تطوف طواف الوداع؟ وماذا لو تركها الركب في طواف الإفاضة؟ A هذا سؤال هام، فالمرأة الحائض لا يجوز لها أن تطوف بالبيت، لكن طواف الوداع ما حكمه؟ وطواف الإفاضة ما حكمه؟ أما بالنسبة لطواف الوداع فيجوز للحائض ألا تطوف طواف الوداع، ويسقط عنها، ولا شيء عليه، أما بالنسبة للإفاضة فهو ركن، والمفروض أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، لكن إذا كان الركب سيرحل فماذا تصنع؟ قال علماؤنا: تربط خرقة على فرجها للضرورة وتتحفظ وتطوف طواف الإفاضة؛ لأن الركب سيرحل، ولا شيء عليها، والله تعالى أعلم.

حكم الطهارة للسعي بين الصفا والمروة

حكم الطهارة للسعي بين الصفا والمروة Q هل تجب الطهارة من الحدثين للسعي؟ A السعي يختلف عن الطواف، فاشترطنا للطواف الطهارة والوضوء ولا نشترط للسعي الوضوء؛ لأن السعي قديماً كان خارج المسجد تماماً، فالمسجد في ناحية والصفا والمروة في ناحية أخرى، ولكن الآن مع التوسعات أدخلت الصفا والمروة داخل المسجد، وأصبحت الآن داخل المسجد، فإن سعى وهو على غير وضوء فسعيه صحيح ولا يشترط للسعي الوضوء كما يشترط للطواف، لكن السؤال الآن: امرأة حائض هل يجوز لها أن تسعى داخل المسجد وهي حائض؟ لأن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تطوف، لكن هل يجوز لها أن تسعى، فمن قال: إن المسعى داخل المسجد منعها؛ لأن الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد. ومن قال: إن المسعى خارج المسجد أباح لها، ولكن الراجح أن المسعى الآن داخل المسجد لاسيما أن السعي دائماً يرتبط بالطواف، فأولاً الطواف ثم السعي، فأقول: لابد لها أن تتطهر، والله تعالى أعلم.

عدد السعي على المفرد والقارن والمتمتع

عدد السعي على المفرد والقارن والمتمتع Q كم سعياً على الحاج المفرد والقارن والمتمتع؟ A بالنسبة للمتمتع عليه سعيان: سعي العمرة وسعي الحج، وأما المفرد والقارن فعليهما سعي واحد عند قدومهما، يطوفان للقدوم ثم يسعيان للحج، ويوم النحر يطوفان للإفاضة دون سعي، والله تعالى أعلم.

حكم من لم يبت بمزدلفة

حكم من لم يبت بمزدلفة Q رجل أدى فريضة الحج ولكنه لم يبت بمزدلفة وذلك منذ عامين، فما الحكم إن فعل ذلك عامداً أو جاهلاً أو غير مستطيع؟ A الحال يختلف؛ فإن كنت غير مستطيع فلا شيء عليك، كحال من أخره الركب أو الناقلة أو الحافلة عن إدراك المبيت فهذا غير مستطيع، إنما إن كنت جاهلاً أو ناسياً فهذا واجب، والواجبات تجبر بدم، فنلزمك الآن أن ترسل إلى الحرم بمبلغ من المال ليشترى لك فدية تذبح في الحرم، والفدية التي تذبح تجزئ أضحية، أي: أنها لا تكون عوراء ولا عرجاء ولا هتماء ولا تولاء ولا عضباء ولا جرباء ولا عمياء، وفي الضأن لابد أن تكون قد بلغت ستة أشهر، وفي الماعز سنة، وفي البقر سنتين، وفي الإبل خمس سنوات، هذه أعمارها، فإن كنت جاهلاً أو ناسياً فأرسل إلى هناك لفعل هذا طالما أنك في مقدورك أن تحصل الواجب، فلا يجوز أن نسقطه عنك، والله تعالى أعلم.

حكم التوكيل بذبح الهدي

حكم التوكيل بذبح الهدي Q ما حكم دفع ثمن الأضحية إلى مكاتب الراجحي وهو يقوم بهذا العمل عن الحاج ويقوم بتوزيع اللحوم أو تعليبها؟ A لا نسميها أضحية وإنما نسميها هدياً؛ لأن الله قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] وأما ما حكم أن يقوم الراجحي أو أي شركة أو أي مندوب بالذبح عن الحاج فلا بأس بهذا، وبمجرد أن يعطيه الحاج تكلفة الهدي برئت الذمة، وإن قصر فالإثم على الموكل، فإن أعطيته فلابد أن تتأكد أولاً أنه لن يذبح إلا في يوم النحر، وأنه يوزع الهدي حسب السنة؛ لأن الله قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] وطبعاً هو لن يأكل منها، وإن أكل فسيأكل القليل، فإن أعطيت للراجحي أو أي مندوب فلا بأس في هذا، ولكني أحذر أن بعض الحجاج يعطون أموالهم لمن يذبح لهم قبل يوم النحر، وهذه مخالفة جسيمة لا تجوز، والله تعالى أعلم.

حكم تطويف الحاج غيره وهو يطوف عن نفسه

حكم تطويف الحاج غيره وهو يطوف عن نفسه Q وهل يجوز أن يقوم الحاج أو المعتمر بحمل طفل أو دفع عربة بها عجوز أو مسن خلال الطواف والسعي وهو يطوف ويسعى لنفسه أيضاً؟ A هذا فعلته امرأة حملت ولدها على صدرها وهي تطوف وتسعى، فإنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر)، فمن يطوف عن نفسه ثم يدفع غيره أو يحمل سواه فطوافه صحيح وطواف من يطوف به صحيح وله أجر على هذه المشقة، لاسيما أننا نرى بعض الإخوة -نسأل الله أن يعافينا ويعافيكم جميعاً- يعجز عن السير؛ لشلل بقدمه ونحو ذلك ويريد أن يطوف بالبيت، فمن الذي يقوم بدفعه؟ يقوم بذلك مسلم يطوف بالبيت عن نفسه ويطوف أيضاً به، ولا بأس بهذا مطلقاً. ومرة جاء شاب من الجزائر وهو مشلول شللاً كاملاً وجاء بعربيته ليطوف ويسعى بها في العمرة، فنام بجوارها فسرقت، فقام يبكي، فانظر إلى القسوة التي في قلوب بعض المسلمين، فلم يسرق إلا هذا القعيد! وأراد أن يطوف وأن يسعى فلم يجد حتى أتي له بعربية، ففي موسم الحج تظهر الأمراض العديدة والمعاصي والبدع، نسأل الله العافية، والله تعالى أعلم.

الأمور التي تلزم من يحج عن غيره

الأمور التي تلزم من يحج عن غيره Q هل على من يحج عن غيره أمور زائدة يلتزم بها؟ A ليس عليه إلا في الميقات أن يلبي عمن أنابه فيقول: لبيك عن فلان، ثم يتقي الله في أداء النسك؛ لأنه يؤديها عن أخيه المسلم، وهو موكل في هذه الحالة، ثم بعد ذلك لا ينبغي عليه أن يأخذ أجرة على هذا العمل، وإنما إن أعطاه مبلغاً فتوفر له شيء منه فلا بأس، والله تعالى أعلم.

حكم بقاء المرأة في مكة وحجها وسفرها من غير محرم

حكم بقاء المرأة في مكة وحجها وسفرها من غير محرم Q هل يجوز أن تسافر امرأة مع محرم إلى عمرة رمضان ثم يرجع المحرم ويتركها هناك حتى تحج، وهذه ستكون حجة الفريضة بالنسبة لها، مع العلم بأن المحرم لن يرجع لها مرة أخرى، أي: أنها سترجع بمفردها؟ A ماذا صنع المحرم الآن؟ تركها ورجع إلى بلده وهي سترجع بمفردها وستؤدي المناسك بمفردها وستبيت بمنى وبمزدلفة بمفردها، وهذا لا يجوز، فيا عبد الله! اتق الله في نفسك، فهذا لا يجوز للمحرم أن يصنعه، والله تعالى أعلم.

حكم المتمتع الذي لم يذبح هديا

حكم المتمتع الذي لم يذبح هدياً Q رجل حج خمس مرات مستمتعاً في مرة واحدة فقط وذبح فيها الهدي، وفي الأربع الحجات الأخرى لم يذبح هدياً فهل يجوز أن يذبح في بلده ويوزع على الفقراء أم يرسل نقوداً ويذبح هناك ويوزع هناك ويقوم بذلك أحد الأشخاص نيابة عنه؟ A لم يقل أحد من الفقهاء: إنه يذبح في بلده، بل لابد للهدي والفدية أن يذبح في الحرم، فطالما أنت لم تذبح الهدي وأنت متمتع وأنت قادر على الذبح فنلزمك الآن أن ترسل الهدي إلى الحرم ليذبح عنك من توكله ثم يوزعه على فقراء الحرم، أما إن عجزت عن الهدي عجزت هناك أو عجزت هنا، فنقول: صم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعت، وأنت قد رجعت فنقول لك: صم عشرة كاملة ولا بأس بذلك؛ لذلك أقول: ينظر إلى أمرك فإن كنت مستطيعاً فلابد من الذبح قضاءً وليس أداءً، وإن كنت لا تستطيع فنأمرك بصيام عشرة أيام، والله تعالى أعلم.

حكم الهدي على من لم يستطع وصام ثم استطاع

حكم الهدي على من لم يستطع وصام ثم استطاع Q حاج كان عاجزاً عن الهدي وبعد أن صام أصبح مستطيعاً فماذا عليه؟ A العبرة بحال الإلزام.

حكم البقاء في مكة من رمضان إلى الحج

حكم البقاء في مكة من رمضان إلى الحج Q ما حكم البقاء في مكة من العمرة في رمضان إلى الحج؟ A هل هو غير مستطيع أم مستطيع؟ فإن كان غير مستطيع ويغلق على نفسه الباب في عمارة فهذا رجل يعذب نفسه ويترك الجماعات والجمع دون مبرر، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها. أما بعض الأغنياء فيفعلون هذا للبخل، وأنا أعرف واحداً منهم معه مائتا ألف جنيه وجلس هناك حابساً نفسه وركب في سطح الباخرة بتسعمائة جنيه يريد أن يوفر الباقي ويسقط الفريضة، فهذا يبخل على نفسه، وأما الفقير فنقول له: يا عبد الله! لا تكلف نفسك فوق الطاقة، فمن كان قادراً فعليه أن يخرج في أيام الحج في شوال أو ذي القعدة ولا يجوز له أن يحبس نفسه هذه المدة، والله تعالى أعلم.

حكم سوق الهدي على المقرن

حكم سوق الهدي على المقرن Q هل سوق الهدي من شروط حج القران، وإن كان الأمر كذلك فقد أصبح من الصعوبة أو من المستحيل الحج مقرناً هذه الأيام؟ A ليس شرطاً للحاج القارن أن يسوق الهدي، ولكنه إن ساق الهدي فلابد أن يحج قارناً، وله أن يسوق الهدي من مكانه من بلده أو من ميقاته المكاني أو من بعد ميقاته أو من عرفة كما يقول العلماء، فلا يشترط أن يسوق الهدي من بلده، والله تعالى أعلم.

ميقات من مر على غير ميقات بلده

ميقات من مر على غير ميقات بلده Q إذا اتجه الذي نوى الحج إلى المدينة فهل يحرم من ميقات أهل المدينة عند انتهائه من الزيارة؟ A هذا سؤال مهم جداً، فمن خرج من مصر وهو قاصد المدينة ولم يقصد مكة ففي هذه الحالة نقول له: طالما أنت لم تقصد مكة مباشرة فعليك أن تحرم من ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، أما إن كان قاصداً مكة ثم نزل في جدة ترنزيت ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً فلا يجوز له أن يمر على ميقات مصر دون إحرام؛ لأن جدة ميقات لأهلها وليست ميقاتاً لأهل مصر، فهذا فرق كبير، فلننتبه إليه، والله أعلم.

حكم الهدي على من لم يبلغ

حكم الهدي على من لم يبلغ Q رجل اصطحب معه ابنته وعمرها تسع سنوات وابنه وعمره ثلاث عشرة سنة وحج متمتعاً ولم يذبح عن أبنائه فما الحكم؟ A إن بلغ الولد بأن نبت له شعر العانة أو احتلم فأصبح مكلفاً وحجه لابد أن يكون كاملاً فيلزمك أن تذبح عنه هدياً، فإن لم تذبح فقد فرطت في واجب، فنلزمك الآن أن ترسل ثمن الهدي إلى هناك ويذبح ويوزع. والبنت إن حاضت أو نبت لها شعر العانة أو احتلمت بأي علامة من هذه العلامات الثلاث أيضاً فنلزمك بهذا، وإن لم يبلغوا فحجتهم ناقصة، ففي حالة عدم البلوغ هذه الحجة لا تغني عن حجة الإسلام؛ لأن من شروط الحج أن يكون بالغاً، لكن إن حج قبل البلوغ فحجه صحيح، لكنه لا يسقط عنه حجة الإسلام، وإن كان دون البلوغ فنلزمك أيضاً أن ترسل حتى يكون الحج صحيحاً، والله تعالى أعلم.

حكم حج المرأة إذا سافرت للحج من غير محرم

حكم حج المرأة إذا سافرت للحج من غير محرم Q هل سفر المرأة بدون محرم للحج يبطل الحج أم أن الحج صحيح وهي آثمة؟ A جمهور العلماء على أن المرأة إذا حجت بدون محرم فحجها صحيح مع الإثم.

حكم تمتع من وصل إلى مكة في يوم الثامن من ذي الحجة

حكم تمتع من وصل إلى مكة في يوم الثامن من ذي الحجة Q إذا وصل الحاج إلى مكة يوم الثامن من ذي الحجة فهل يمكنه أن يحج متمتعاً، بمعنى: أن يعتمر ويتحلل يوم الثامن ثم ينوي الحج يوم الثامن أيضاً؟ A لا بأس مطلقاً، طالما أنه سيستطيع أن يلحق بالوقوف بعرفة؛ لأن المبيت بمنى سنة، فإن وصل إلى مكة يوم الثامن وطاف وسعى وحلق أو قصر ثم تحلل ثم أحرم من جديد بحج وذهب إلى منى ثم إلى عرفة فهو بذلك متمتع، والله تعالى أعلم.

حكم الفصل بين الطواف والسعي

حكم الفصل بين الطواف والسعي Q ما حكم من فصل بين طواف العمرة والسعي بين الصفا والمروة بوقت طويل؟ A الحقيقة هذا سؤال مهم، فربما يطوف الحاج أو المعتمر فيتعب -وهذا كثير- فيحتاج إلى أن يستريح أو يؤذن المؤذن فيصلي الفريضة أو ينزل ليشرب ماءً أو يخرج ليقضي حاجته، هذا كله جائز، طالما أن المدة الزمنية لم تطل. أما أن يسعى الشوط الأول ثم يذهب إلى الفندق وينام ست ساعات ثم يرجع يكمل فهذا فاصل طويل لا يجوز أبداً بحال، والعبرة بطول الوقت وقصره: العرف، فما يسميه الناس طويلاً فهو طويل، وما يسميه الناس قصيراً فهو قصير، فمثلاً: رجل كان يسعى ثم تعب وهو يسعى فنام ربع ساعة في المسعى للمشقة أو استراح بجوار حائط ساعة فلا بأس مطلقاً، أما أن يخرج من المسعى إلى الفندق ثم يستريح ساعات ثم يأتي ويبني على السعي الأول فهذا لا يجوز، والله تعالى أعلم.

حكم الاضطباع على المتمتع

حكم الاضطباع على المتمتع Q ذكرتم أن الاضطباع يكون في طواف القدوم وهو على المفرد والقارن، فهل على المتمتع اضطباع؟ A بالطبع نعم؛ لأن طواف العمرة هو طواف القدوم، ولعل السائل أراد أن يفرق بين طواف القدوم وطواف العمرة، وكلاهما قدوم، لكن التكييف الفقهي مختلف، فطواف العمرة ركن، وطواف القدوم واجب، لكنهما طواف قدوم، والله تعالى أعلم.

حكم صلاة المحرم مضطبعا

حكم صلاة المحرم مضطبعاً Q ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وليس على عاتقيه شيء)، وكثير من الحجاج يذهبون للصلاة بعد الطواف وقد كشفوا كتفهم الأيمن فهل هذا يؤثر على حجهم أو عمرتهم؟ A في الحديث: (وليس على عاتقيه) يعني: لابد أن يغطي عاتقاً على الأقل، يعني: ناحية واحدة، فإن غطى الأيسر وظهر الأيمن فصلاته صحيحة؛ لأنه ليس كلا عاتقيه ظاهراً، أما هذا فهو مضطبع ستر عاتقاً وترك الآخر فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، وعلى كل هذا الحديث في البخاري، وابن حجر بين أن هذا للكراهة وليس للبطلان، يعني من صلى وليس على عاتقيه شيء فصلاته صحيحة، لكن الصلاة فيها كراهة، والله تعالى أعلم.

عدد حصوات الرمي ومكان جمعها

عدد حصوات الرمي ومكان جمعها Q كم عدد الحصوات التي يجمعها الحاج؟ ومن أي مكان يجمع هذه الحصوات؟ A تكون الحصوات سبعاً في يوم النحر وواحداً وعشرين في اليوم الأول للتشريق وواحداً وعشرين اليوم الثاني فيكون المجموع (49) حصاة، وبالنسبة للحصى أو الجمرات في يوم النحر يأخذها من المزدلفة، وبالنسبة لأيام التشريق يأخذها من منى، والله تعالى أعلم.

حكم التأكد من وقوع الحصوات في الحوض، وحكم النيابة في الرمي عن أكثر من واحد

حكم التأكد من وقوع الحصوات في الحوض، وحكم النيابة في الرمي عن أكثر من واحد Q من الصعوبات في رمي الجمرات الزحام الشديد مع عدم التأكد من وقوع الحصيات في المنطقة المخصصة لها، فهل يلزم التأكد من وقوع الحصيات في مكانها؟ وهل يمكن الرمي بالإنابة عن عدد من الحجاج بمعنى أن عشرة مثلاً ينيبون عنهم واحداً ليرمي عنهم جميعاً؟ A هذا سؤال مهم، والحقيقة هناك زحام لا شك في رمي الجمرات، ولكن نقول: لابد من التيقن والتأكد أن الحصاة قد سقطت في الحوض؛ لأنها إن لم تسقط في الحوض فلا تحسب، ولا يجوز أن تأخذ الحصى من الحوض طالما أنها قد استخدمت، فلا يجوز أن تأخذها أنت لتستخدمها مرة ثانية. وحتى تتأكد من سقوطها في الحوض هناك عمود في وسط الحوض ارمها في العمود، فهذا يؤكد لك أنها سقطت في الحوض، فإن شككت فارم غيرها؛ حتى تدفع الشك باليقين. أما الإنابة في الرمي فنعم يجوز أن تنيب في الرمي من يرمي بدلاً عنك شريطة أن يكون قد رمى عن نفسه، ويجوز للفرد الواحد أن يكون نائباً عن أكثر من واحد. ونسينا أن نذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء والمرضى أن يتركوا المبيت بمزدلفة بعد منتصف الليل. ونسيت أن أذكر أيضاً أن تابع الضعيف ضعيف، فلو أن رجلاً معه زوجة والزوجة ضعيفة يجوز لها أن تترك المزدلفة بعد منتصف الليل، والزوج قوي لا يجوز له، لكنه تابع، وتابع الضعيف يأخذ حكم الضعيف، وعلى هذا يجوز للزوج أن يرحل مع زوجته من المزدلفة بعد منتصف الليل؛ لأنه مرتبط بها، والله تعالى أعلم.

شروط المحرم

شروط المحرم Q ما هي الشروط التي يجب توافرها في المحرم بمعنى أن هناك امرأة ليس لديها محرم إلا ابنها الذي لم يبلغ بعد فهل يجوز أن تتخذه محرماً وتسافر معه لأداء فريضة الحج؟ A المحرم لابد أن يكون بالغاً مميزاً مكلفاً تكليفاً شرعياً، فقد رفع القلم عن ثلاثة: وعن الصبي حتى يحتلم، يعني: حتى يبلغ، فلابد من البلوغ كشرط في التكليف، ولذلك أقول: الصبي غير المميز والذي لم يبلغ الحلم لا يجوز أن يكون محرماً.

حكم الإتيان بأكثر من عمرة في سفر واحد

حكم الإتيان بأكثر من عمرة في سفر واحد Q هل يجوز أداء العمرة لأكثر من فرد عن طريق معتمر واحد، وذلك بإحرامه من التنعيم؟ A عمرة التنعيم هي عمرة لأهل الأعذار والحيض، وليست عمرة لمن خرج من بلده يريد العمرة، ثم يمكث في مكة ثم يذهب إلى التنعيم ويجمع بين عمرات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه: وهذه عمرة أهل الأعذار، وليس عليها عمل السلف، ولذلك عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لما خرج مع أخته عائشة إلى التنعيم أحرمت هي وهو لم يحرم، لو كان يجوز أن يؤدي العمرة من التنعيم لأحرم عبد الرحمن معها، لكنه يعلم أن عائشة صاحبة عذر، ولذلك الراجح من أقوال العلماء: أن العمرة تكون بسفرة واحدة، أما أن تذهب إلى مكة فتؤدي عمرة ثم تذهب إلى التنعيم وتؤدي عمرة، فهذا لا يجوز، والله تعالى أعلم.

حكم لبس المرأة المحرمة الحلي

حكم لبس المرأة المحرمة الحلي Q ما حكم لبس المرأة لحليها حال الحج؟ A لا بأس، طالما أن الحلي في حال عدم ظهور، كالزينة الباطنة، فإذا كانت مستترة غير ظاهرة فلا يمنعها أحد من هذا، والله أعلم.

حكم رمي الجمرات قبل الزوال

حكم رمي الجمرات قبل الزوال Q يقوم العديد من الحجاج برمي الجمرات أثناء الليل نظراً للزحام الشديد على الجمرات أثناء النهار فهل يجوز ذلك؟ A هذه مسألة خلافية، لكن لابد أن ننظر إلى واقع المكلف؛ فإن كان مريضاً لا يقدر على الرمي بعد الزوال فهنا نرخص له أن يرمي؛ لأننا نقول: إن أهل الأعذار لهم حكم خاص، ولقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لهم في ترك المبيت بمزدلفة، فأقول: يجوز إن كان عاجزاً عن أن يرمي بعد الزوال، أما الواقع الآن فمعظم الحجاج مع استطاعته وقدرته يرمي الجمرات بالليل والنبي صلى الله عليه وسلم رماها بعد الزوال، وعلماء الحجاز يفتون بعدم إجزاء الرمي إلا بعد الزوال، فمن رمى قبل ذلك فلا يجزئ أبداً وعليه أن يعيد الرمي؛ لأنه ترك واجباً، لكن الواقع أننا ننظر في حال المكلف، فإذا كانت امرأة مريضة أو شيخاً كبيراً فلا شك أنه يرخص لهم في هذا، لاسيما أن الزحام الشديد يحتاج إلى فقه مرن، وليس معنى المرونة أن نهدر الواجبات، وليس معنى المرونة أن نتغاضى عن الأركان أبداً، وإنما ننظر في العلة، والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء أن يتركوا مزدلفة بعد منتصف الليل لعلة، والعلة واحدة، فلنتق الله! ولذلك أقول لإخواني العلماء وطلبة العلم: يا ليتنا نبحث الأحكام في حال الزحام، فمثلاً: الرمل في حال الزحام غير وارد، وهكذا بالنسبة أيضاً لبعض المناسك فإنها قد تسقط بالزحام والمشقة، فمثلاً: منى ضيقة وربما لا يتسع مكان منى أن يبيت به كل الحجاج فتمتد الخيام إلى خارج منى، فهل لو لم أجد مكاناً إلا خارج منى ثم بت فيه هل بذلك أكون قد تركت المبيت بمنى؟ الجواب: لا. لأن امتداد منى يأخذ نفس الحكم، ولو أن مزدلفة -وهي مكان ضيق- لا يتسع لكل الحجاج فلو أننا بسطنا المكان اتساعاً فإنه يأخذ نفس الحكم، فيا ليتنا ندرس مناسك الحج في ضوء الزحام، والله تعالى أعلم.

بداية وقت الزوال ونهايته

بداية وقت الزوال ونهايته Q متى يبدأ وقت الزوال ومتى ينتهي؟ A الزوال هو: انحراف الشمس عن وسط السماء، فإن الشمس تتعامد في وسط السماء وبمجرد أن تنحرف نقول: زالت الشمس. وقبل الزوال يعني: قبل انحرافها، وبعد الزوال يعني: بعد انحرافها. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وتقبل منا، وارحمنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فتاوى الحج [3]

فتاوى الحج [3]

الرد على المتهكمين بالحجاب والمحجبات

الرد على المتهكمين بالحجاب والمحجبات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قبل أن نستكمل الرحلة مع مناسك الحج في سؤال وجواب وبيان حكم الأضحية وأحكام الزيارة إلى المدينة المباركة وما فيها من مخالفات، دفع إلي أحد الإخوة ورقة لكاتب لا داعي أن نذكره وإنما سأقرأ لكم منها نصاً؛ حتى تعلموا أن الهجمة المتعددة على النقاب والحجاب واللحية والأصوليين -كما يسمونهم- وعلى الثوابت الشرعية بصفة عامة الآن على أشدها. يقول ذلك الكاتب في مقال بعنوان: ماذا يجري في مصر الآن؟ فما الذي شد انتباهه؟ وما الذي جعله يكتب هذا؟ ذكر أنه كان يسير على الطريق الدائري فرأى نساءً يلبسن النقاب، فشد الانتباه فكتب: ماذا يجري في مصر؟ ثم قال: وخلال هذه الجولة الكبيرة الواسعة وقع بصري على عدد كبير من سيدات وفتيات القاهرة الكبرى وكلهن في ملابس حيث الحجاب يغطي الرأس ونصف مساحة الوجه والكتفين والصدر، أمهات وشابات وفتيات على وشك زواج، وبنات في المدارس الثانوية والإعدادية وحتى أطفال في المدارس الابتدائية، وأسأل: هل حدثت هذه الخطوة عفوياً أو بتأثير تنظيم سياسي؟ ومن الذي تولى إقناع كل هؤلاء الناس بارتداء هذا الزي الذي يقال: إنه زي إسلامي؟! كيف تبدو القاهرة على هذا النحو الآن وقد كانت نساء وفتيات مصر يعتبرن في مقدمة نساء العالم العربي في بداية القرن، هل هي نتيجة أوضاع اقتصادية كما يقول البعض: توفير لمصاريف الكوافير والحلاق؟ والعبد لله لا يميل لهذا الرأي؛ لأنني أعرف حب المرأة لزينتها وحرصها على أن تبدو جميلة. هل هي نتيجة طبيعية لنشاط الدعاة الشباب الذين انتشروا في الفترة الأخيرة وتواجدوا بشكل دائم في القنوات الفضائية؟ هل هي رد فعل لحفلات الندب واللطم تحت مسمى الإنشاد الديني وأبطاله مثل الشيخ جبريل والطبيب صلاح الجمل؟ وأخذ يسب ويلعن الذين ذكرهم، وهذه القضية خطيرة، فهو يقول: ما الذي حدث؟ ولماذا بنات شابات يلبسن هذا وهن على وشك زواج؟ فما الذي جرى للمرأة في مصر؟ فالمرأة في مصر كانت تخرج عارية، فلماذا حجبوها الآن؟ وكأن هذا الرجل تأخذه الرحمة بها، ويرى أنه لابد من بحث المسألة، وأن المسألة تحتاج إلى بحث ومناقشة وجدول أعمال، فهذا يقول: السبب سوء الحالة الاقتصادية. والآخر يقول: لا. الحجاب والنقاب ينتشر في المناطق العشوائية أما في المناطق الارستقراطية فلا! فإنا لله وإنا إليه راجعون. أرأيتم إلى خبل كهذا الخبل؟ إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أننا في زمن الرويبضة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الرجل المسكين ظننت أنه سيكتب ماذا جرى لبناتنا من ظهور العورات والتسكع في الطرقات والزواج العرفي والزنا، وظننت أنه سيكتب أن الأعراض تباع وتشترى، إنما الذي يقلق المضجع هو أنه كتب: أن البنات والنساء والفتيات يلبسن زياً ليس على المعرفة، وأن المرأة المصرية كانت في ركاب التقدم والعري فما الذي حدث؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأنا أجيبه وأقول له: إن الذي نشر هذا الزي هو الله رب العالمين؛ لأنه هو الذي يملك مفاتيح القلوب وإن أوصدت أنت وأمثالك الأبواب، قال عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]. وهذا الكاتب معروف بأنه يكتب في جريدة قومية مشهورة وهي جريدة الأهرام، ويكتب المقالات الدعابية؛ نسأل الله العفو العافية؛ لأن البعض منهم يريد أن يكون له شأن، ويعتقد أنه لن يكون له شأن إلا إذا وقع في القرآن والسنة، ولكني أقول لإخواني مطمئناً: لا داعي لأن تدفعوا لي هذه المقالات فالأمر كما قال الشاعر: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار فلو ظللنا نتتبع ما يكتب فلن ننتهي، فآخر مقالة في صوت الأمة فيها: أن رجم الزاني لا يكون إلا في شريعة بربرية همجية. فوصف الشريعة الإسلامية بأنها بربرية همجية في زمن الحضارة والرقي، وهؤلاء يكتبون وهم آمنون كيفما شاءوا ولا حجر عليهم، وهؤلاء هم الذين يقال عنهم: أصحاب الفكر المستنير وأرباب الحضارة والذين يغذون الشباب بالأفكار، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولكن أقول: دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة، ويوم تقوم الساعة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. أسأل الله أن يثبت بناتنا ونساءنا على النقاب، وأقول لهن: انتشرن في القاهرة الكبرى، فكلما زدتم في العدد تغيظ أهل النفاق، حتى وإن كانت المسألة خلافية في الخمار لكن نقول الآن بوجوب النقاب؛ لأن أهل الفقه الذين قالوا بعدم الوجوب لو كانوا في زماننا لأعادوا النظر فيما قالوا. خرج عبد الله بن أم مكتوم الأعمى يوماً مع المجاهدين في سبيل الله للجهاد، فقيل له: لم تخرج وأنت عاجز عن الجهاد؟ قال: أردت أن أكثر جمع المسلمين. ونحن نقول: كثروا الجمع، أعفوا ا

حكم بقاء الحاج في بيته بعد الرجوع من الحج فترة من الزمن

حكم بقاء الحاج في بيته بعد الرجوع من الحج فترة من الزمن Q بعض الحجاج عند رجوعهم من الحج يلزمون بيوتهم مدة زمانية لا يخرجون فيها إلى الصلاة ولا إلى غيرها، فما الحكم في ذلك؟ A هناك بعض العادات والتقاليد والأعراف التي ينبغي أن نواجهها بقوة وبصراحة؛ لأنها تخالف الشرع، ومن هذه العادات ما يفعله الزوج الحديث عهد بالدخول؛ حيث يمكث بعد ليلة الدخلة لمدة أيام لا يخرج لصلاة، وإن خرج لصلاة الفجر قالوا له: أنت بالأمس تدخل على زوجتك وتخرج للصلاة؟! صل في البيت فأنت في شهر العسل! وهل من أسباب سقوط الجماعة شهر العسل؟! نسأل الله العافية. ومن هذه التقاليد أيضاً: إذا جاء الحاج بعد عودته إلى أرض وطنه سالماً يمكث في البيت لا يخرج لمدة أسبوع أو أكثر أو أقل؛ حتى يستقبل الضيوف، وكل ضيف جاء يريد هدية، سبحة أو طاقية، وأنت لن ترضي أي أحد، ولهذا تجد بعض الحجاج منشغلاً جداً بشراء الهدايا كلما ذهب إلى صلاة فرض اشترى، وكلما ذهب إلى فرض آخر اشترى، حتى إن بعضهم بعد أن كبر تكبيرة الإحرام وقف وانشغل بالهدايا فإذا به يقول: ستين إكس لارج! بدلاً من الفاتحة، فالرجل سيطرت على عقله وتفكيره الهدايا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فأقول: من هذه البدع: أن بعض الحجاج حينما يعود يمكث في البيت لا يخرج لصلاة الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة لا تسقط عن المسلم أبداً إلا بعذر من أعذار ترك الجماعة كمرض أو خوف أو قضاء حاجة أو مطر شديد إلى غير ذلك، أما أن يمكث في البيت لأنه رجع من الحج فأقول له: اتق الله في نفسك! وهذه الظاهرة ظاهرة غير مقبولة أبداً.

حكم صعود جبل النور للتبرك

حكم صعود جبل النور للتبرك Q ما حكم صعود جبل النور للتبرك، وكذا دخول الغار الذي كان يتحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ A هذه أيضاً من المخالفات التي يصر عليها الكثير في مكة، فتجد أحدهم يذهب إلى جبل النور ويصعد الجبل ثم يتبرك بالغار الذي كان يتحنث فيه النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يفعل هذا في القرون المفضلة أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين، وليس عليه عمل السلف مطلقاً، وإنما هو من الأمور المبتدعة التي ينبغي أن تغير، وينبغي أن نعلم الناس أن هذا المكان ليس من السنة أبداً أن يصعد إليه، بل فعل ذلك ذريعة للشرك؛ لأن التبرك بالأماكن هذه التي لم يرد فيها نص من كتاب ولا سنة لا يجوز أبداً، والله تعالى أعلم.

حكم زيارة الحاج المدينة النبوية

حكم زيارة الحاج المدينة النبوية Q هل يلزم الحاج زيارة المدينة أم أن زيارة المدينة ليست من مناسك الحج؟ A هذه أيضاً نقطة مهمة؛ فإن البعض حينما يرحل إلى الحج يعتقد أن الحج هو زيارة المدينة، فإن لم يزر المدينة كأنه لم يحج، حتى في العمرة، فمناسك الحج ليس منها من بعيد أو قريب زيارة المدينة أبداً بحال، بل بمجرد أن يطوف طواف الوداع في مكة ويرحل فقد انتهت أعمال الحج، أما زيارة المدينة فهي سنة؛ لأن بها المسجد النبوي الذي تشد إليه الرحال، فالزيارة لأجل طلب الأجر الزائد فيه عن غيره لا لأجل القبر، وإنما زيارة القبر تأتي تبعاً لزيارة المسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، وهذا الحديث له معنى سنبينه في سؤال مستقل لأهميته؛ لأن هناك أخاً دفع لي من جريدة اللواء الإسلامي مقالاً فيه: الصلاة في المساجد التي بها أضرحة لا هي مكروهة ولا هي محرمة ولا هي ممنوعة. وهذا الكلام يخالف كل آراء الفقهاء، فـ البخاري في صحيحه والحنابلة في فقههم والشافعية في فقههم ما قال أحد منهم: إنها لا مكروهة ولا محرمة ولا ممنوعة. يقول البخاري في صحيحه: باب كراهية الصلاة في المساجد التي بها قبور، ثم أورد بعض الآثار عن الصحابة أن بعضهم كان يصلي إلى قبر دون أن يراه، فنبهه آخر وقال له: القبر القبر، فتخطى القبر، والقبر مندس في الأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، وقال: (كل الأرض مسجد إلا المقبرة والحمام) إلى غير ذلك من نصوص واضحة تمام الوضوح. ولذلك شيخنا الألباني له كتاب اسمه: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد). فالقبور يا عباد الله لها أماكن تدفن فيها، أما أن يقام المسجد على قبر أو يشيد بداخل المسجد ضريح تشد إليه الرحال ويطاف به وينذر ويذبح له من دون الله ويتبرك عند أعتابه ويشرك بالله فيه فهل هذا هو الدين يا عباد الله؟! فالصلاة في المساجد التي بها قبور حرام، وتبطل عند الحنابلة، وإن قصد القبر فهي باطلة بإجماع أهل العلم، ليس منهم أحد قال: إن من قصد القبر صلاته صحيحة، لكن الخلاف فيمن قصد المسجد. فبعضهم قال: صحيحة مع الإثم. وبعضهم قال: باطلة. لكن الأصوليون يقولون: تحرم؛ سداً للذريعة إلى الشرك؛ لأن المسجد يحمل اسم صاحب المقام، وتأتي لصاحب المقام النذور والأموال الطائلة من جيوب المغفلين والسفهاء وتوضع في هذه الصناديق، ولذلك حزنت تمام الحزن حينما كنت في الحرم المدني وكان يتحدث أحد علماء المملكة عن قصة (سيدي جحش بمصر) قال لهم: في مصر (قصة سيدي جحش) أتعرفونها؟ فتعجب الناس، فقال: هو رجل اتفق مع أخيه أن يقيموا مقاماً ثم يقيموا عليه ضريحاً ولم يكن في الضريح إنسان وإنما هو جحش مات، فجعل الناس يطوفون بالمقام، وأطلق عليه (مقام سيدي جحش)، فاختلفوا على صناديق النذور في الأخير فقال أحدهما للآخر: نحن دفناه سواء. فإنا لله وإنا إليه راجعون. أرأيتم إلى ما يحدث؟ وتجد امرأة تأتي من آخر الدنيا تستغيث يا بدوي أنا مريضة أسألك الشفاء، وأخرى تأتي وتطلب النجاح لولدها، وثالث يأتي ويطلب تفريج الكرب، والله عز وجل يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:62]. قال شيخ الإسلام: إن كان المسجد أسبق يهدم الضريح، وإن كان الضريح أقدم يهدم المسجد؛ لأنه لا يجتمع مسجد وضريح في مكان واحد أبداً. وقد يقول قائل: إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، وهذا كلام باطل، ففي عصر الصحابة والتابعين والعصور التي بعد ذلك كان المسجد منفصلاً تماماً عن مكان وجود القبر؛ لأنه دفن في حجرة عائشة إلى أن جاء عهد الدولة الأموية في عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان وأقام توسعة للمسجد فأدخل الحجرة ضمن المسجد؛ إذاً: هل في زمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان المسجد داخل القبر؟ أبداً والذي نفسي بيده! ولذلك لما رأت الحكومة السعودية هذا أقامت على القبر أربعة جدران حتى تعزل القبر عن حدود المسجد. فلا ينبغي أن يستدل بهذا على هذا، والله تعالى أعلم.

الآداب التي على الحاج مراعاتها عند دخول المسجد النبوي

الآداب التي على الحاج مراعاتها عند دخول المسجد النبوي Q ما هي الآداب التي يجب على الحاج أن يراعيها عند دخول المسجد النبوي؟ A زيارة المدينة مستحبة وسنة لا شك؛ لأنك في المدينة ستزور قبر النبي عليه الصلاة والسلام وتزور قبر الصديق وقبر عمر رضي الله عنهما وموتى البقيع وشهداء أحد إلى غير ذلك من أماكن مباركة في هذه البلاد المباركة التي حرمها نبينا صلى الله عليه وسلم، إنما يسن عند دخول المسجد الحرام: أن تدخل بقدمك اليمنى شأنه كشأن أي مسجد، ثم تصلي ركعتين تحية المسجد، ويسن ويستحب لك أن تصليهما في الروضة المباركة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة). وهذا الحديث يرويه البعض (بين قبري) وهذا خطأ فادح، وإنما هو (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، في هذا المكان المبارك يستحب لك أن تصلي تحية المسجد، والسؤال الآن: هل الصلاة في الروضة أفضل أم الصلاة في الصف الأول؟ يعني: إذا أقيمت الجماعة هل تقف في الصف الأول خارج الروضة خلف الإمام أم تتأخر إلى الصف الرابع وتقف في الروضة؟ والجواب: لا شك أن الصلاة في الصف الأول أفضل إلا في النوافل، فيستحب لك أن تصلي في الروضة، أما الفروض التي لها إمام راتب فالصف الأول نصوصه مقدمة، والله تعالى أعلم.

ذكر بعض المخالفات التي تقع عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر بعض المخالفات التي تقع عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم Q هناك بعض المخالفات تقع عند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالرجاء التكرم بذكر هذه المخالفات؟ A هذه المخالفات متعددة، منها: أولاً: التبرك والتمسح بالأعتاب والحجارة والحديد، وهذا هناك نهي عنه. ثانياً: التوجه بالدعاء إلى القبر، والدعاء ينبغي أن يكون إلى القبلة؛ لأن من آداب الدعاء أن تستقبل القبلة، وليس من آداب الدعاء أن تدعو عند قبر، حتى ولو كان قبر سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)، فمن السنة عند الزيارة: أن تزور قبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد أن تتأدب بآداب الزيارة، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2]، وهذه الآية مهمة جداً؛ لأنني أجد البعض على المنبر يقول: (محمد) هكذا، فنقول له: اتق الله في نفسك! وتعلم الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز أن يطلق اسمه مجرداً دون أن تقول: رسول الله، أو صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى أمرنا ألا ننادي الرسول كما ينادي بعضنا بعضاً. ثالثاً: أن تتأدب عند قبره لأن حرمة النبي ميتاً كحرمته حياً، فرفع الصوت عند قبره لا يجوز؛ لذلك عمر رضي الله عنه رأى رجلين يرفعان أصواتهما عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: من أي البلاد أنتما؟ قالا: من الطائف. قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً -فعذرهما للجهل؛ لأنهما لا يعرفان الحكم- أترفعان أصواتكما عند قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ ولما نزلت هذه الآيات كان الصحابة لا يرفعون أصواتهم عند الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول لهم: ارفعوا. أما ثابت ذلك الصحابي الجليل الذي كان يتميز بصوت حاد مرتفع طبيعي فقد حبس نفسه في حجرة وقال: أنا الذي أحبط الله عملي، أنا من أهل النار، أنا الذي أرفع صوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سأل عنه النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: يا رسول الله فعل كذا وكذا بنفسه. فقال: (قولوا له: إنه من أهل الجنة)، وما خرج إلا لما جاءته البشرى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3]. فعند قبر النبي عليه الصلاة والسلام ينبغي أن تتأدب بهذه الآداب: أولاً: ألا تتبرك بأعتاب ولا بأحجار ولا بستائر. ثانياً: أن تسلم عليه في خشوع وبأدب وبصوت منخفض، فتقول: السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وتصلي عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن تدعو تستدير بظهرك فتجعل الظهر إلى القبر والوجه إلى القبلة؛ لأن الدعاء من آدابه أن تستقبل القبلة لا أن تستقبل القبر. ثم تسلم على أبي بكر ثم على عمر رضي الله عنهما وعن أصحاب رسول الله، والله تعالى أعلم.

معنى شد الرحال إلى الثلاثة المساجد

معنى شد الرحال إلى الثلاثة المساجد Q ما هي المساجد التي تشد إليها الرحال؟ وما المقصود بشد الرحال؟ وهل يجوز أن تشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ A الحقيقة هذا الحديث فهمه مهم، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) معناه: أنه لا يوجد مسجد له ميزة على مسجد، وأنك لا تسافر لطلب الأجر الزائد فيه، فمثلاً: ليس هناك أفضلية لأي مسجد في مصر على مسجد آخر، بل كل المساجد الأجر فيها سواء إلا المساجد الثلاثة، وقوله: (لا تشد الرحال) أي: أنه لا توجد مساجد يسافر إليها طلباً للأجر الزائد إلا هذه المساجد، وفي يوم الجمعة قد يأتي إنسان إلى مسجد من مكان بعيد، فهو شد الرحال لكنه لم يشد الرحال طلباً لزيادة الأجر وإنما طلباً للخطبة أو لعلم أو لمسألة، وأنت تسافر مثلاً إلى بلدان بعيدة من أجل أن تحضر دروساً فأنت الآن تشد الرحال، وركوبك المترو شد للرحال لا شك في هذا، لكن المقصود بالحديث: (لا تشد الرحال) يعني: لا تقطع المسافات لمسجد يطلب فيه الأجر الزائد إلا هذه المساجد الثلاثة. فالمسجد الحرام الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، نسأل الله أن يحرره بحوله وفضله. وهناك خطأ شائع نقع فيه كثيراً وهو: أننا نقول عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين. وهذا خطأ بالغ؛ لأن المسجد الأقصى ليس من المساجد الحرام، إنما المساجد الحرام هي مسجد مكة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أنها مساجد لها حرمة، أي: أن هناك أحكاماً شرعية فيها؛ فلا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، ولا ينفر صيدها إلى آخر الأحاديث، فلو أنك وجدت لقطة عند المسجد الأقصى فلك أن تأخذها؛ لأن المسجد الأقصى ليس من الأماكن المحرمة؛ لأن مكة حرمها إبراهيم عليه السلام، والمدينة حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك بوحي من الله. فلا يقال عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين، وإنما نقول: وثالث المساجد المباركة التي تشد إليها الرحال، فمثلاً: رجل اصطاد في المسجد الأقصى صيداً ما حكمه؟ وهل عليه شيء؟ الجواب: ليس عليه شيء، فكل الأمور التي تجوز في أي مكان تجوز بجوار المسجد الأقصى؛ لأن معنى الحرام: أن له حرمة وله أحكاماً. فلا نقول: أولى القبلتين وثالث الحرمين، وإنما نقول: وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وهي المساجد المباركة، والله تعالى أعلم.

سماع النبي صلى الله عليه وسلم لمن يسلم عليه

سماع النبي صلى الله عليه وسلم لمن يسلم عليه Q عندما نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له: جزاك الله خيراً عن المسلمين، وأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة، فهل يسمعنا؟ وهل الموتى يسمعون؟ A مما لا شك فيه أن الأحاديث جاءت تثبت أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم رد الله عليه روحه ليرد عليه السلام، وهو القائل: (أكثروا من الصلاة والسلام علي في يوم الجمعة، قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك وقد أرمت -يعني: مت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) فإن صليت عليه في القاهرة يسمع صلاتك صلى الله عليه وسلم بنص الحديث، إنما سماع الأموات المنفي هو سماع الإجابة، فالبعض يقولون: الأموات لا يسمعون، وهذا كلام غير صحيح، فالموتى يسمعون، يعني: يدركون الصوت وإلا ما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول عند دخول المقابر: السلام عليكم، بكاف الخطاب، ولو كانوا لا يسمعون لقلنا: السلام عليهم، فقولك: (السلام عليكم) يعني: أنك تخاطب من يسمع، ولذلك في الحديث الذي رواه البخاري: (إن الميت يسمع قرع نعل أصحابه عند انصرافهم) فالبعض يقول: يسمع قرع النعل فقط ولا يسمع سوى ذلك، ويتحجر في فهم النص؛ لأنه يريد أن يغلق باب الشرك. فالموتى يسمعون لا شك، لكن السمع المنفي عنهم هو سمع الإجابة؛ لأن السمع يأتي على ثلاث معان كما قال ابن القيم: سمع بمعنى إدراك الصوت، وسمع بمعنى الإجابة، وسمع بمعنى الفهم، والقرآن فيه المعاني الثلاثة، أما بمعنى إدراك الصوت فنحو قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] وأما بمعنى الإجابة فكقولك في الصلاة (سمع الله لمن حمده) أي: استجاب الله لمن حمده، فالسمع هنا بمعنى الاستجابة ومن السمع بمعنى الإجابة قوله تعالى: في سورة الملك: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] فنفوا عن أنفسهم السمع، والسمع الذي نفوه عن أنفسهم هو سمع الإجابة وليس إدراك الصوت، يعني: سمعنا لكننا لم نستجب، وقال عز وجل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]، فالنبي صلى الله عليه وسلم يسمع من يسلم عليه قولاً واحداً. وأما هل الموتى يسمعون؟ فقد أجبنا عن هذه النقطة، وابن تيمية في فتاواه على أنهم يسمعون، بمعنى: إدراك الصوت لا بمعنى الإجابة، والله تعالى أعلم.

حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم Q وهل يجوز شد الرحال خاصة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني: يسافر سفراً مخصوصاً للزيارة؟ A كما قلنا قبل -وهذا رأي جل السلف- إن الزيارة تكون للمسجد، وزيارة القبر تبعاً للمسجد، أما أن تشد الرحال خصيصاً لزيارة القبر فأنت لست أكثر حباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام من الصحابة والتابعين، فما أثر عن صحابي أو تابعي أو تابع تابعي أنه جاء من أقصى الدنيا لأجل أن يزور القبر، إنما يأتي للمسجد ثم يزور القبر تبعاً للمسجد، والله تعالى أعلم.

الرد على من يستدل على جواز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر بكون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده

الرد على من يستدل على جواز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر بكون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده Q لقد تكرمتم فضيلتكم بذكر عدم جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور، ويورد الكثير من الناس شبهة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، فالرجاء التكرم بتفصيل الرد على هذه الشبهة؟ A يقول رجل منسوب إلى أهل العلم: الصلاة في المساجد التي بها أضرحة لا هي مكروهة ولا هي محرمة ولا هي ممنوعة؛ لأنك تقول: نويت الصلاة لله، وتقول: الله أكبر وتقول: سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، فأنت لم تقل: صاحب الضريح أعلى، ولا صاحب الضريح عظيم، ولا صاحب الضريح أعلى، ولم تقصد في سجودك القبر ولا صاحب القبر، وهنا أريد أن أقول في يقين واطمئنان: إن الكعبة التي يطوف حولها المسلمون ويتجهون إليها في صلاتهم ولا تقبل الصلاة ممن اتجه إلى غيرها سيدنا إسماعيل وأمه هاجر مدفونان في حجر سيدنا إسماعيل الذي هو جزء من الكعبة والصلاة فيها بمائة ألف صلاة، فهل نمنع المسلمين من الطواف حول الكعبة أو نمنعهم من الاتجاه إليها في الصلاة؟ وإذا أردت المزيد فأدلك على الجزء الأول من سيرة ابن هشام، قال ابن إسحاق كذا، فلا تجعلوا هذه المسألة مجالاً للجدل والخلاف. فهذا الرجل يقول: إن إسماعيل وأمه هاجر مدفونان في الكعبة، فمن الذي حقق هذا؟ هل حقق هو المسألة؟ فهذا الكلام كذب وافتراء، وهب أنهما مدفونان هل سويت الأرض بهما؟ وهل الآن القبر مرتفع أم موازياً لسطح الأرض؟ يعني: هل القبر في استواء مع الأرض أم مرتفع؟ فنحن يمكن أن يكون تحتنا قبور منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة، أليس هذا وارداً؟ وهل كنا هنا منذ عشرين ألف سنة؟ ممكن أن يكون تحتنا خزانات نجاسة فما المشكلة؟ طالما أن الأمر مستتر والأرض مستوية فأنت لا تسأل عن هذا الحكم. فدليل هذا العالم أنه يقول: إن هاجر وإسماعيل مدفونان في الحجر ونحن نصلي في الحجر، فهل هذا دليل؟ نحن نتكلم عن الصلاة إلى الأضرحة المرتفعة عن الأرض وعن المسجد الذي يحمل اسم صاحب الضريح ويطاف حوله، فهرب من الإجابة عن هذا إلى كلام لا دليل عليه، وترك النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وهكذا النصوص الأخرى المبينة لهذه الأحاديث، وكل كلام الفقهاء تركه وجاء بشبهة لأجل هوى في نفسه، فمن الذي قال: إن هاجر مدفونة في الحجر؟ وهذا كما يقولون: إن بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير مختتنات، ومن يقول ذلك كذاب! كذاب! فقد كان الرجل عند العرب يعير بعدم ختان أمه، يقول شيخ الإسلام في فتاواه: من لم تكن أمه مختونة يقال له: يا ابن القلفاء! يعني: غير المختونة التي تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها، وفي الأدب المفرد عند البخاري: أسلمت أم المهاجر على كبر سنها مع مجموعة من النسوة فأمر بهن عثمان رضي الله عنه فاغتسلن واختتن، فختان المرأة مكرمة لها، وترى منهم الآن من يقول بحجج واهية، بل إن البخاري يبوب في كتاب الغسل: باب التقاء الختانين، وذكر حديث (إذا مس الختان الختان وجب الغس)، وهذا حديث صحيح لا شبهة فيه، فأقول: أحياناً يتركون الأمور الصريحة البينة وينحرفون إلى شبه باطلة كهذه الشبهة. فهل المصلي يقول عند ركوعه: صاحب الضريح أعظم، أو يقول: سبحان صاحب الضريح؟ هل هناك أحد يقول هذا؟ لكننا نقول: هذا مكان للقبر لا يجوز أن تصلي إليه أبداً، ولا أن تتوجه إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، هذا فضلاً عن الشرك الذي يحدث عند هذه القبور، والله تعالى أعلم. وأما قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن في المسجد، وإنما كان القبر في حجرة عائشة مستقلاً عن المسجد تماماً إلى أن جاء عصر الدولة الأموية فوسع الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد وألحق به الحجرة، فالقبر لم يكن في المسجد، والله تعالى أعلم.

الأماكن التي يشرع زيارتها في المدينة النبوية

الأماكن التي يشرع زيارتها في المدينة النبوية Q ما هي الأماكن التي يشرع زيارتها في المدينة النبوية المباركة؟ A هذه نقطة مهمة؛ لأن الكثير يزور مسجد الغمامة ومسجد القبلتين وغيرها من المساجد، وهذه المزارات ما أنزل الله بها من سلطان، إنما المسنون أن تزور البقيع وشهداء أحد وقبر النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء؛ لأن مسجد قباء فيه حديث صحيح: (من توضأ في بيته ثم أتى قباء وصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد قباء ويصلي فيه عليه الصلاة والسلام، فقباء يشرع أن تزوره، وما سوى ذلك من المساجد من البدع أن تزورها؛ لأنه شأنها كشأن سائر مساجد المدينة وليس لها فضل عما سواها، فلا يشرع أن تزور مسجد القبلتين ولا السبعة مساجد ولا مسجد الغمامة ولا غيرها، والله تعالى أعلم.

تعريف الأضحية وشروطها

تعريف الأضحية وشروطها Q ما هي الشروط الواجب توافرها في الأضحية؟ وما حكمها؟ وما هو المشروع فيها؟ A هناك حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه نريد أن نعلمه الناس لأهميته، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أهل ذو الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) والمعنى: إن عزمت على الأضحية فبمجرد أن يهل هلال ذو الحجة يحرم عليك أن تأخذ من شعرك ومن أظفارك شيئاً حتى تذبح، وهذه نقطة مهمة جداً، والنووي يقول بتحريم أخذ الشعر والأظافر. وقد يقول قائل: ولماذا نترك الشعر والأظافر هذه المدة؟ والجواب: تشبهاً بالمحرم، وإذا ذبحت فبعد ذلك لك أن تأخذه. والأضحية هي: اسم لما يذبح من بهيمة الأنعام من الغنم والبقر والإبل في يوم النحر أو أيام التشريق؛ تقرباً إلى الله عز وجل. فلابد أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وبهيمة الأنعام إما إبل وإما غنم وإما بقر. والأضحية فيها خلاف بين العلماء هل هي واجبة أم سنة مؤكدة؟ فبعضهم يقول: هي واجبة. وبعضهم يقول: هي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونبينا عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبح الأول وقال: (اللهم إن هذا عن محمد وعن آل محمد) ثم ذبح الثاني وقال: (اللهم إن هذا عن فقراء المسلمين من أمتي) فذبح عليه الصلاة والسلام عن غير المستطيع. والذبح لابد أن يكون بعد الصلاة، فمن ذبح قبل صلاة العيد فهو لحم يقربه لأهله، وليست أضحية، ولكنك تجد أن بعض الناس في المدن كالقاهرة والمحافظات الكبرى يذبحون بالليل؛ لأن الجزار عنده مواعيد حجز، فيذبحون بالليل قبل صلاة العيد، وهذه لا تجزئ أضحية، ولا تسمى أضحية، وأيضاً لا يجزئ أن تشتري لحماً من الجزار بدلاً من الأضحية، ولا يجزئ أن توزع نقوداً بدلاً من الأضحية، بل لابد من إراقة الدم في يوم العيد، ويمتد موعد ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد أربعة أيام، فوسع على نفسك يا عبد الله! والنبي عليه الصلاة والسلام بين لنا ما يجزئ من الأضاحي فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يجزئ من الأضاحي العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها) وهكذا الهتماء والتولاء والجرباء والعضباء وكل هذه أنواع قد بيناها، ولا يجزئ من الضأن إلا ما بلغت ستة أشهر، ومن الماعز سنة، ومن البقر سنتين، ومن الإبل خمس سنوات، فهذه الأعمار هي التي تجزئ في الأضاحي. ومن السنة أن تأكل منها، وأن تتصدق، وأن تهدي إلى الأرحام، ولذلك قال ربنا: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] وكان صلى الله عليه وسلم يأكل منها الكبد بعد الصلاة، وأقول: ليس شرطاً أن تأكل الثلث وتتصدق بالثلث وتهدي الثلث، فهذا قول الإمام الشافعي، وهو معتبر بلا شك، لكن لو أردت أن تتصدق بثلثيها فليس عليك بأس، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن خرج ثم عاد سأل عن الكبشين وقال: (يا عائشة ماذا فعلت بهما؟ قالت: يا رسول الله ذهبت كلها ولم يبق إلا كتفها. فقال: لا تقولي ذلك، بل قولي: بقيت كلها ولم يذهب إلا كتفها) قال عز وجل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] فلا تستكثر على الفقير أن يأكل اللحم في يوم العيد، فأنت تأكل اللحم كل يوم، ولا تكن إذا ذبحت في يوم عيد الأضحية تأخذ أحسنها وتتصدق بأرداها، بل لابد أن تتصدق لله بأحب ما تملك، ولذلك أقول: ينبغي عليك بعد ذبح الأضحية أن توزع قدر الإمكان للفقراء والمساكين، وأن تسأل الله عز وجل أن يتقبل منك هذا. فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره شيئاً حتى يضحي، وهذا الحكم للمضحي لا لمن يضحى عنه، كالزوجة والأبناء، فالأبناء يحلقون رءوسهم ويأخذون من أظافرهم؛ لأن المخاطب هو المضحي. ويجزئ أن يشترك السبعة في بدنة أو في بقرة، وأنت تضحي عن نفسك وعمن تلتزم بإعالتهم، فإن كان ولدك متزوجاً ويسكن في بيت مستقل وله أولاد فلابد أن يضحي عن نفسه وعن أولاده، إنما يلزمك الأضحية عن نفسك وعمن هم في إعالتك، هذا حكم مهم جداً. فالأضحية: اسم لما يذبح من بهيمة الأنعام، وأقول: من بهيمة الأنعام؛ لأن ابن حزم يقول: يجزئ أن تذبح ديكاً. والله تعالى أعلم.

حكم الأضحية وذكر أفضل أنواعها

حكم الأضحية وذكر أفضل أنواعها Q أيهما أفضل في الأضحية الكبش أم البقرة؟ وهل يأثم من استطاع أن يضحي فلم يضح؟ A ورد في الأثر: (من استطاع أن يضحي ولم يفعل فلا يقربن مصلانا)، وجمهور العلماء استدلوا على أنها سنة بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أراد)، وكلمة (من أراد) تشير إلى الاختيار، فليس هناك إلزام، ولكن الحقيقة أن القول بالوجوب له أدلة أقوى. أما أيهما أفضل: البقر أم الغنم أم الإبل؟ فـ أبو حنيفة والشافعي وأحمد على خلاف رأي الإمام مالك، أما الثلاثة فذهبوا إلى أن أفضل الأضحية البدنة ثم البقرة ثم الكبش، ودليلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في البخاري ومسلم - في يوم الجمعة: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثلاثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة). فبدأ بالبدنة ثم البقرة فعلم أن أجر البدنة أكثر من أجر البقرة، ثم الكبش، فاستدل الجمهور بأن البدنة أفضل من الكبش بهذا الدليل، وهذا كلام معتبر لا شك فيه؛ لأنها أنفع للفقير وأكثر لحماً. وأما الإمام مالك فقال: الكبش أفضل، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش، ففعله هو الأولى. قال الجمهور: قد يضحي بكبش مع كون البدنة أولى من باب التوسعة على الأمة رحمة بها؛ لأنه لو ضحى ببدنة لكان الجميع ينبغي عليهم أن يضحوا ببدنة؛ تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ورأي الجمهور لاشك هو الأقوى، والله تعالى أعلم. السؤال: أخت كانت تقيم في جدة منذ عشرين عاماً وأدت فريضة الحج وقيل لها: إن جدة من الحرم، لكنها لم تذبح ولم تصم وقتها، ولم يكن لديها المال الكافي للذبح، وكانت ستصوم إن كان عليها ذلك، والآن علمت أنه كان يجب عليها ذلك، فهل تأخذ مالاً من زوجها لتذبح أم تصوم؛ لأنه ليس لديها مال يكفي للذبح؟ الجواب: طالما أنها عاجزة عن الذبح فعليها أن تصوم، ولا تلزم الزوج أن يعطيها مالاً لتقدم فدية في الحرم؛ لأن الله تبارك وتعالى قال في حق غير المستطيع: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] فهي عاجزة عن الفدية فنقول لها: عليك الصيام هنا عشرة أيام، والله تعالى أعلم.

حكم من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام سهوا

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام سهواً Q شخص أثناء إحرامه قطع قطعة كانت بجانب أظافره بفمه سهواً بدون قصد فهل عليه شيء؟ A من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام سهواً فلا شيء عليه، كأن تطيب أو أخذ من أظفاره أو أخذ من شعره ناسياً أو ساهياً أو خاطئاً، قال عز وجل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]. وهذا لا شيء عليه؛ لأنه لم يأخذ من الظفر وإنما أخذ قطعة من جانب الظفر، فلا شيء عليه. والله أعلم.

وقت شراء المتمتع الهدايا من مكة

وقت شراء المتمتع الهدايا من مكة Q بالنسبة للمتمتع إذا أدى العمرة ثم أراد أن يشتري بعض الهدايا قبل أن يحج فهل له ذلك أم لا؟ A الأولى أن تشتريها بعد العمرة وأنت في الحل قبل أن تحرم بالحج؛ لأنك إذا أحرمت بالحج ودخلت في النسك وأردت أن تطوف للوداع فلا يجوز لك بعد ذلك أن تمكث في مكة ليكون آخر عهدك بالبيت، إلا أن تشتري طعاماً وشراباً للطريق فقط، ولذلك المتمتع بعد أن يؤدي العمرة ويتحلل يظل أكثر من ستة أيام إلى يوم ثمانية فيشتري في هذه الأيام، وهذا هو الأولى. لكن هناك بعض المخالفات أيضاً مهم جداً أن نذكرها ومنها: أن البعض يخترع فبعد أن يأتي من عرفة يوم تسعة يمر على مزدلفة ولا يبيت بها ويرمي جمرة العقبة ثم يرحل إلى بلده مباشرة، أو يطوف طواف الإفاضة ثم يرحل، فيترك المبيت بمنى، ويترك رمي الجمرات، أو يطوف للوداع قبل رحيله، وطواف الوداع لا يكون إلا بعد إنهاء أعمال الحج، وأعمال الحج لا تنتهي إلا يوم الثاني عشر من ذي الحجة؛ لأنك مطالب أن تبيت بمنى ليلة الثاني عشر. وبعضهم يطوف للوداع يوم إحدى عشر، فيريد إن يسافر سريعاً فيقول: أنا وكلت من يرمي عني الجمرات، ووكلت من يبيت عني في منى، ثم يطوف للإفاضة والوداع في يوم النحر، وفي يوم الحادي عشر يسافر، وهذا كله باطل لا يجوز أبداً، فطواف الوداع لا يكون إلا بعد انتهاء أعمال الحج، وأعمال الحج تنتهي للمتعجل يوم الثاني عشر من ذي الحجة، والله تعالى أعلم.

حكم الحج من مال من يعمل في الربا

حكم الحج من مال من يعمل في الربا Q أخي يعمل في أحد بنوك الحكومة وأعطاني الجزء الأكبر من المال لأحج مع أمي فما الحكم؟ A حج ولا شيء عليك، حتى وإن كان هذا المال فيه شبهة فالإثم عليه وليس عليك، والله أعلم.

حكم الهدي على النساء

حكم الهدي على النساء Q هل على النساء هدي؟ A نعم، إذا حجت المرأة متمتعة فعليها هدي، وإذا حجت مقرنة فعليها هدي، وإذا حجت مفردة فليس عليها هدي، فالرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية إلا إذا جاء دليل يخص المرأة، ولم يقل أحد: إن الرجال هم الذي عليهم هدي، وأما النساء فليس عليهن هدي، كما قال قائل: الحج فرض على الرجال ولم يفرض على النساء، قال: لأن الله قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:27] ولم يقل: (يأتوك نساءً) هو لم يفهم أن ((رجالاً)) يعني: على أرجلهم، فهذا قلب للنصوص، نعم.

حكم أذكار الحج على المسنة التي تعجز عن قول بعضها

حكم أذكار الحج على المسنة التي تعجز عن قول بعضها Q أمي عمرها ثمانون عاماً فهل عليها الأذكار الواردة في الحج والعمرة أم ما استطاعت أن تقوله تقوله؟ A ما استطاعت أن تقوله تقوله على حسب حالها، لكن أسألك: ما الذي أخرها عن الحج إلى هذا السن؟ هذا هو دأب المصريين للأسف، مر من عمرها ثمانون عاماً لم تحج إلى الآن وربما تكون غير مستطيعة وقبل ذلك كانت مستطيعة، لكن على كل حال تحصل من الأذكار ما تستطيع ثم تدعو بما شاءت على حسب طاقتها، والله تعالى أعلم.

حكم حج المرأة في عدتها

حكم حج المرأة في عدتها Q هل يجوز للمرأة في أيام العدة أن تحج إلى بيت الله الحرام؟ A ذكرنا قبل أنه لا يجوز للمرأة الحج في حال العدة بعد وفاة زوجها، يعني: إذا مات الزوج فلا يجوز لها أن تخرج من بيته في فترة العدة التي هي أربعة أشهر وعشرة أيام، أما إذا كانت طلقة رجعية فيجوز لها أن تحج؛ لأنه لا يلزم للحج أن تستأذن الزوج، فموت الزوج فقط هو الذي لا يجوز لها معه أن تحج، ولكن إذا كانت الطلقة رجعية -أي: أنها ما زالت زوجة- فيجوز لها أن تحج دون أن تستأذن الزوج.

حكم تحجيج الزوج زوجته

حكم تحجيج الزوج زوجته Q هل يجب على الزوج أن يدفع لزوجته تكاليف الحج إذا كان ميسوراً؟ A لا يجب على الزوج هذا إلا من باب إكرام العشرة وحسن المعاملة لا أكثر، أما أن هناك نصاً شرعياً يلزمه بذلك فلا، والله أعلم.

الحكم على حديث: (ماء زمزم لما شرب له)

الحكم على حديث: (ماء زمزم لما شرب له) Q حديث: (ماء زمزم لما شرب له) هل هو صحيح أم لا؟ A حديث: (ماء زمزم لما شرب له) مختلف فيه، والحقيقة وقع في يدي اليوم رسالة للعلامة ابن حجر العسقلاني يحسن فيها هذا الحديث، والرسالة بعنوان: (ماء زمزم لما شرب له) وإن كان هناك البعض ضعفه، والبعض صححه، فهو حديث مختلف فيه، إنما الحديث الصحيح المقطوع بصحته هو: (طعام طعم وشفاء سقم) رواه البخاري.

حكم لبس المرأة في الإحرام ملابس بيضاء

حكم لبس المرأة في الإحرام ملابس بيضاء Q أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيراً بالنسبة لارتداء النساء الملابس البيضاء في الحج والعمرة إن كان هذا لا يجوز فما الذي يجوز لهن؟ وهل على من صنعت ذلك إثم؟ A يجوز لها أن تلبس الملابس التي تلبسها في بلدها إن كانت تلبس ثياباً فضفاضاً سميكاً أسود تلبسه في الإحرام بشروط شرعية، منها: أن يكون صفيقاً، وأن يكون فضفاضاً، وألا يكون لباس زينة، وألا يكون شبيهاً لملابس الرجال ولا ملابس الكافرات، وألا يكون معطراً، وألا يكون مزركشاً ولا ملفتاً للنظر، فتلبس الملابس التي تلبسها في بلدها بشروطها، أما من تصنع الملابس البيضاء للمرأة لتحرم فيها فلا شك أنها تصنع مخالفة شرعية، لأنها تساعد على ذلك، والله تعالى أعلم.

حكم حج المكية من غير محرم

حكم حج المكية من غير محرم Q امرأة من أهل مكة هل يجوز لها أن تحج بدون محرم؟ A المرأة التي من أهل مكة ستسافر إلى منى وتبيت بها أيام المبيت بمنى، وستبيت بمزدلفة، وهذه كلها أعمال تحتاج فيها إلى وجود محرم بجوارها، فلا يجوز لها إلا أن يكون معها محرم، والله تعالى أعلم.

الحكمة من مناسك الحج

الحكمة من مناسك الحج Q مع التسليم التام لشرع ربنا الكبير المتعال هلا تكرمتم بذكر الحكمة وراء كل منسك من مناسك الحج مثل الوقوف بعرفة والمبيت في منى إلى آخره؟ A الأعمال التعبدية الأصل أن تفعل دون أن تسأل فيها عن الحكمة، فأنت تتوضأ وتغتسل ما الحكمة من الوضوء والغسل؟ الله أعلم، وأنت ترمي حجراً وتقبل حجراً ما الحكمة من تقبيل هذا ورجم هذا؟ الله أعلم، فلا داعي أن تسأل عن الحكمة، وأي حكمة قيلت في الكتب فهي اجتهاد، فالأمور التعبدية بالذات الحكمة فيها اجتهادية لا أكثر، والله أعلم.

حكم أداء عمرتين في سفرة واحدة

حكم أداء عمرتين في سفرة واحدة Q هل يجوز القيام بعمرتين في سفرة واحدة، بمعنى: أنه بعد أن ينتهي من العمرة الأولى يذهب إلى المدينة ثم يعود مرة أخرى للقيام بعمرة أخرى لأحد والديه؟ A إذا كان على النحو الذي ذكرت فلا بأس؛ لأنك من أهل مصر ويصعب عليك أن تعود إلى المملكة مرة أخرى، فيجوز أن تؤدي العمرة ثم تذهب إلى المدينة وتقيم بها أياماً ثم تؤدي عمرة لأحد أبويك فلا بأس بذلك؛ لأنك ستمر على ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، ولا نريد أن نحجر واسعاً؛ لأنه ربما ما اعتمر عن نفسه فأراد أن يعتمر عن نفسه ثم يعتمر عن أبيه، وإن عاد إلى مصر فقد لا يعود مرة أخرى، فهنا نقول له: إن ذهبت إلى المدينة ومكثت بها أياماً ثم عدت إلى مكة فلا بأس، أما من التنعيم فلا.

حكم أداء الرجل العمرة عن نفسه والحج عن غيره في سفرة واحدة

حكم أداء الرجل العمرة عن نفسه والحج عن غيره في سفرة واحدة Q من أحرم بالحج والعمرة وتحلل هل ممكن أن يعتمر عن أبيه وأمه الذين توفاهما الله قبل يوم التروية وخاصة أنه مرتبط بالسفر مباشرة بعد الحج؟ وأين الميقات هنا؟ A إن كان يقيم في مكة فلا ننصحه بأن يؤدي عمرة؛ لأنه سيذهب إلى التنعيم أدنى الحل، إنما إن كان أدى العمرة ثم رحل إلى المدينة قبل يوم التروية فيجوز له أن يذهب إلى المدينة ثم يرجع ليؤدي عمرة عن أبيه، أما إن كان أقام في مكة فلا نقول له: اخرج إلى أدنى الحل ثم عد وأد عمرة أخرى، فإن عمرة التنعيم هذه كما قلنا في اللقاء السابق: هي لأهل الأعذار. والسؤال المهم هو: أنا أريد أن أعتمر عن نفسي وأحج عن أبي، يعني: أجعل العمرة والحج في رحلة واحدة، فنويت العمرة عن نفسي وأنا حججت قبل ذلك والحج عن أبي الميت، فهل يجوز ذلك أم لا؟ الجواب: نعم يجوز أن تهل بالعمرة عن نفسك ثم بالحج عن آخر، والله تعالى أعلم.

حكم الهدي على من ضاعت نفقته وعلى غير المستطيع للصيام

حكم الهدي على من ضاعت نفقته وعلى غير المستطيع للصيام Q من أحرم بالحج والعمرة وبعد وصوله إلى مكة ضاعت نفقته ولم يستطع أن يفدي، هل ممكن أن يصوم قبل أيام التشريق؟ وإن كان لا يستطيع الصوم لكبر سنه فما حكمه؟ A أفضل الصيام أن تصوم قبل أيام التشريق، قال الله عز وجل: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة:196] قال العلماء: الأفضل أن يصوم هذه الأيام قبل التشريق، أما إن كنت لا تستطيع الصيام هناك لكبر سنك فيمكنك أن تصوم العشرة أيام كاملة في بلدك، وأما إن عجزت عن الصيام فيمكنك بعد أن ترجع أن تجمع المال إذا استطعت ثم ترسل إلى الحرم ليذبح عنك هناك، والله تعالى أعلم.

حكم من تجاوز الميقات وأحرم من غيره

حكم من تجاوز الميقات وأحرم من غيره Q من لم يحرم من الميقات وأحرم من جدة وتعذر عليه الرجوع إلى الميقات فماذا عليه: هل هو ذبح شاة فدية؟ وهل تجزئ الأضحية عنها؟ ومتى تذبح: بعد العمرة أم في أي وقت؟ A ترك الإحرام من الميقات ترك واجب يجبره دم، فمن أحرم بعد الميقات يلزمه فدية أن يذبح شاة، فإن عجز فصيام عشرة أيام؛ لأنه ترك واجباً، والإحرام ركن والإحرام من الميقات واجب، فإن استطعت فاذبح هناك شاة ووزعها، فإن لم تستطع فالصيام، فإن فعلت ولم تذبح ولم تصم ثم رجعت إلى بلدك وتبين لك الحكم فعليك أن ترسل مبلغاً من المال ليذبح عنك هناك فدية، فالواجب يحصل متى استطعت، والله تعالى أعلم.

أجر الصلاة في مكة في غير المسجد الحرام

أجر الصلاة في مكة في غير المسجد الحرام Q هل الصلاة في أي مسجد في مكة كأجر الصلاة في المسجد الحرام؟ A الحقيقة هذه مسألة خلافية، فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، لكن هل المقصود بالمسجد الحرام ذات المسجد أم المقصود بالمسجد الحرام مكة؟ رجح العلماء أن مكة كلها مسجد حرام، وهذا صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل لأداء حجة الوداع مكث في الأبطح بجوار العزيزية، ولم يأت للصلاة في المسجد الحرام إلا عند طواف الإفاضة، فكونه يقيم في مكة بعيداً عن المسجد الحرام ويصلي في المكان الذي نزل فيه، هذا يشير إلى أن مكة كلها حرم، والآيات تبين ذلك أيضاً، ولعل هذا ما مال إليه شيخنا المبارك الشيخ صفوت في نقاش معه، والله تعالى أعلم.

حكم صيام أيام التشريق

حكم صيام أيام التشريق Q ما حكم من أراد أن يصوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ضمن الثلاثة أيام القمرية وهو معتاد على صيامها كل شهر مع العلم أنه غير حاج؟ A لا يجوز أن تصوم أيام التشريق، فهناك نهي عن صيام أيام التشريق، أما اليوم الثالث عشر فيقضى بأن تصوم بدلاً منه أربعة عشر وخمسة عشر وستة عشر؛ لأن هناك نهي عن صيام أيام التشريق وصيام يوم النحر، وأقل الأحوال فيه الكراهة، فيكره صيام أيام التشريق واليوم الثالث عشر هو من أيام التشريق، والله تعالى أعلم.

حكم الحج على نفقة الغير

حكم الحج على نفقة الغير Q بعض الحكام يعين المسلمين على فريضة الحج ويكون ذلك على نفقة الدولة التي يحكمها، فإن كنا غير قادرين هل يجوز أن نرسل إليه لنحج على حسابه إذا كان ذلك متيسراً؟ A بالطبع لا، فأنت غير مكلف بالحج فلم تطلب وتراسل؟ والله تعالى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] وأنت غير مستطيع، ولن يسألك الله يوم القيامة عن فريضة الحج؛ لأنها تسقط عنك بعدم الاستطاعة، وأنا أعجب من بعض الإخوة لا يملك إلا مبلغاً يسيراً جداً يكفي لقوته ويقول: أريد أن أحج، وقد ذكرنا قاعدة أصولية فقهية مذكورة في أصول الفقه وهي: ما لم يتم الواجب المشروط إلا به فهو غير واجب، فغير واجب عليك أن تدخر من قوت أولادك لتحج، ويلزمك الشرع أن تدخر من قوت أولادك لتحج، إنما إن استطعت فلا بأس بذلك، لكني أقول: لا تكلف نفسك فوق طاقتك. ولو أنك في مسابقة قرآنية منحت حجاً فلا بأس، أو مسابقة علمية لا بأس، أو جهة حكومية اختارتك لتحج لا بأس، فهذا من خير الله عليك، والله تعالى أعلم.

ذكر بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الحجاج

ذكر بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الحجاج Q ختاماً نرجو التكرم بذكر المخالفات التي يقع فيها الحاج على سبيل الإجمال؟ A المخالفات عديدة، لكني قبل أن أذكر المخالفات أذكر أنه كل وقت تخرج علينا ورقة توزع، ونحن كما قلنا قبل ذلك: سنواجه الورقة بورقة، مثل وصية الشيخ أحمد، وهكذا جاء في ورقة أخرى: أن فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً كانت مريضة جداً، والأطباء عجزوا عن علاجها وفي ليلة القدر بكت الفتاة ونامت وفي منامها جاءت السيدة زينب عليها السلام فأيقظتها وأعطتها شربة ماء ولما استيقظت من نومها وجدت نفسها قد شفيت تماماً بإذن الله، ووجدت قطعة قماش مكتوب عليها: أن تنشر هذه الرسالة وتوزعها على اثني عشر فرداً، ووصلت هذه الرسالة إلى عميد بحري ووزعها فحصل على ترقية خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى تاجر فأهملها فخسر كل ثروته خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فوزعها فحصل على ترقية وحلت كل مشاكله خلال اثني عشر يوماً، أرجو منك أخي المسلم أن تقوم بنشرها وتوزيعها على اثني عشر فرداً، والرجاء عدم الإهمال!! ملحوظة عامة: قم بنشر هذه الرسالة، وفقنا الله وإياكم لخير الأمة، إمضاء أم الفتاة! فمن هي هذه الفتاة؟ نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والكلام كلام يضحك، فطالما أن هذه الورقة تحل المشاكل وتسدد الديون فلماذا لا ندفعها لرئيس الوزراء ليصورها ستين مليون نسخة لعل الله أن يسدد عنا ديون مصر، نسأل الله العافية. والحقيقة هذه كلام يضحك ويثير العجب! ونقول للتي أوصلت الورقة أو أرسلت الورقة: إن شاء الله نحن لن ننشرها وسنمزقها، ولن نخشى على أرزاقنا ألا تأتي، ونحن نتعبد الله عز وجل بتمزيقها وبعدم نشرها؛ لأننا لا نثق إلا في الله عز وجل، فمن وثق في هذه الورقة واعتقد أنها تقضي الديون وتفرج الكروب وتحل المشاكل فقد أشرك بالله سبحانه شركاً أكبر وخرج من دين الإسلام بالكلية، فالمسألة خطيرة. وأما بعض المخالفات الشرعية التي تقع في الحج فهي كثيرة: منها: الإحرام بعد الميقات. ومنها: التقاط الصور الفوتوغرافية في حال الإحرام، فهي فضلاً عن أنها حرام ففيها رياء؛ لأن الحاج يعود بعد الحج ويقول: انظروا إلى صورتي وأنا محرم، وربما يعلقها في المتجر أو في المنزل والناس تنظر إليه وهو محرم، ويباهي الناس بأنه كان محرماً. ومن المخالفات الشرعية أيضاً التي تقع في الحج: الاضطباع قبل طواف القدوم أو طواف العمرة. ومن المخالفات أيضاً: أن يطوف داخل حجر إسماعيل؛ لأن الحجر من البيت. ومن المخالفات أيضاً أن يطوف وهو محدث غير متوضئ. ومن المخالفات أيضاً: أنه في يوم عرفة يقف خارج عرفة، فيقف إما في عرنة وعرنة ليست من عرفة أو يقف خارج حدود عرفة. من المخالفات أيضاً: أن يرحل عن عرفة قبل غروب الشمس. ومن المخالفات أيضاً: ألا يبيت في مزدلفة، والمبيت في مزدلفة واجب من واجبات الحج. ومن المخالفات أيضاً: ألا يبيت في منى أيام التشريق، والمبيت في منى واجب من واجبات الحج. ومن المخالفات أيضاً: أن يرمي قبل الزوال، والرمي قبل الزوال كمن صلى الظهر قبل الزوال؛ لأن الرمي له أوقات لابد أن نلتزم بها. ومن المخالفات أيضاً: أن يترك طواف الوداع أو يترك بعض المناسك الواجبة عليه من غير عذر. هذه بعض المخالفات إجمالاً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم تقبل منا وارحمنا يا رب العالمين!

فتاوى رمضانية [1]

فتاوى رمضانية [1]

مقدمة

مقدمة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قيماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فبداية نعتذر عن مواصلة اللقاء مع المنظومة البيقونية ومع كتاب العدة، وسنبدأ من اليوم إن شاء الله تعالى في فتاوى وأحكام الصيام، لأنه ينبغي علينا أن نتعلم أحكام الصيام قبل حلول شهر رمضان، وحتى نستعد لاستقباله بفقه صحيح وعلم من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وجدت أن خير طريقة لعرض هذا الموضوع: أن يكون في هيئة سؤال وجواب، وسنختار من الأسئلة ما يرتبط بالواقع، وما يتكرر كثيراً من إخواننا وأخواتنا المسلمات، وإن شاء الله تعالى سيسأل الشيخ إيهاب وأنا سأجيب عن السؤال بتوفيق الله عز وجل وحوله ومدده.

حكم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان

حكم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان Q هل يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي في الصوم أم لابد من رؤية الهلال؟ A هذه المسألة في الواقع من أهم المسائل؛ لأنها تُطرح في كل سنة، ويخرج علينا من يقول: إن الحسابات الفلكية تؤكد أن ميلاد هلال شهر رمضان يوم كذا! فهل النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصيام لميلاد الهلال أم لرؤيته؟! قال صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فالرؤية سبب في الصيام، فإن لم نر فلا صيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الصيام على الرؤية. ومن ثم نقول: إن الأدلة الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة تؤيد أن الصيام لا يكون إلا بثبوت الرؤية، قال الله عز وجل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، ويقول ربنا سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]. ومن ثم إذا تراأينا الهلال فغم علينا فلم نره فلا صيام، حيث يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإن غم عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، وعليه فلا اعتبار مطلقاً للحسابات الفلكية في بدء الصيام أو إثبات دخول شوال، والله تعالى أعلم.

بيان ما يلزم عند رؤية أهل بلد هلال رمضان دون غيرهم

بيان ما يلزم عند رؤية أهل بلد هلال رمضان دون غيرهم Q ما الذي يلزم إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد ولم تثبت في البلد الآخر؟ A اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إذا ثبت الهلال في بلد مسلم وجب على كل بلاد المسلمين الصيام، حتى وإن اختلفت المطالع، وهذا قول مرجوح. القول الثاني: إن اشتركت بعض البلاد في جزء من الليل، أي: اتفقت في المطالع، فثبوت الهلال في أحدها كاف للبلدان الأخرى. القول الثالث وهو المعتبر: أن مرد الصيام للبلد إلى ولي الأمر وإلى الهيئة العلمية فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صومكم يوم يصوم الناس، وفطركم يوم يفطر الناس)، ومن ثم فلا يجوز لمسلم أن ينفرد بالصيام عن سائر أبناء بلده، فيصوم وحده ويفطر وحده، بل يصوم يوم يصوم الناس، ويفطر يوم يفطر الناس، حتى قال العلماء: إذا رأى الهلال ثم أخبر ولي الأمر فلم يعتد برؤيته -أي: أنه ردها- فله أن يصوم سراً ولا يشهر الصيام، حتى لا يخالف أهل بلدته. ولذلك يرى شيخنا العلامة ابن باز في فتاويه رحمه الله تعالى: أنه إن سافر مسلم إلى بلد تختلف مع بلده في الرؤية، كأن يسافر من مصر إلى الكويت في اليوم الثلاثين من رمضان، فوجد أهل الكويت قد صاموا بعده، أي: أنه قد أتم صيام رمضان، بينما هم متأخرون عنه يوماً واحداً، فيرى الشيخ رحمه الله أن تصوم معهم، حتى وإن زاد الشهر عن ثلاثين يوماً، لتوافق أهل البلد التي أنت فيها.

حكم صيام يوم الشك

حكم صيام يوم الشك Q هل يجوز صيام يوم الشك؟ A يخطئ البعض عندما يقول: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، لأن يوم الشك هو اليوم الذي نشك فيه هل هو من رمضان أم من شعبان؟ بمعنى: أننا نتراأى الهلال في ليلة التاسع والعشرين من شعبان، فإما أن يكون غداً هو المتمم لشعبان، وإما أن يكون هو أول أيام رمضان، فعند استطلاعنا منع الرؤية سحاب أو ضباب فلم نتمكن من الرؤية، عند ذلك نتم شعبان، ويكون هذا اليوم هو يوم الشك، فربما يكون من رمضان وربما يكون من شعبان، أما إذا كان الجو صحواً ولم يثبت هلال رمضان، فلا يسمى بيوم الشك؛ لأنه يقيناً من شعبان، وقد سمي بيوم الشك لاحتمال أن يكون من شعبان أو يكون من رمضان، وله أحكام فلننتبه إليها. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك، وعند البخاري: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل يصوم صوماً فليصمه)، فيجوز لك أن تصومه، إن كان لك عادة بصيام، والله تعالى أعلم.

حكم من أفطر بعد الغروب ثم رأى الشمس بعد إقلاع الطائرة به

حكم من أفطر بعد الغروب ثم رأى الشمس بعد إقلاع الطائرة به Q رجل أفطر في بلده بعد غروب الشمس، ثم ركب الطائرة وبعد إقلاعها وتحركها رأى الشمس، فما حكم صيامه؟ A صيامه صحيح؛ لأنه صام في بلده وأفطر في بلده، حتى وإن تحرك بعد ذلك فلا عبرة بوجود الشمس؛ لأنها لا تتعلق ببلده، والله تعالى أعلم.

حكم صيام من لم يعلم بدخول رمضان إلا بعد الفجر

حكم صيام من لم يعلم بدخول رمضان إلا بعد الفجر Q النية شرط في صحة الصيام، فلو أن رجلاً نام بعد صلاة العشاء ثم تبيّن له بعد الاستيقاظ في صبيحة اليوم التالي أن رمضان قد دخل، فما الحكم؟ A النية شرط من شروط صحة الصيام، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له)، ومعنى ذلك: أنه في الفرض لا بد من تبييت النية، والنية من أعمال القلوب، وقد عبر عنها القرآن بالقصد، وبالإرادة، وبالابتغاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)، فلا بد من تبييت النية، بخلاف صيام النافلة، فلا يشترط فيه تبييت النية، لما ثبت عند مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل عائشة قبل الزوال -قبل الظهر-: أعندكم طعام؟ فتقول: لا يا رسول الله، فيقول: فإني صائم)، ولو عاد واحد منا إلى بيته، ثم سأل زوجته: أعندكم طعام؟ فقالت: لا، فماذا سيصنع بها؟! إما التسريح بلا رجعة، وإما أن يرفع الصوت حتى يسمعه الجيران، ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم يحوّل الأمر إلى طاعة فيقول: (فإني صائم)، وهذا يدلك على الحياة التي كان يعيشها نبينا صلى الله عليه وسلم، فلم تكن هناك ثلاجات ملأى بما لذ وطاب، ورغم كل ما وسع الله به علينا إلا أنك مع ذلك تجد من يقول: لا أدري لم يضيقها الله عليّ؟! أي: أنه يشكو الخالق إلى المخلوق، رغم وجود السعة في بيته. وعلى كل قال العلماء: تبييت النية في صيام الفرض لا بد منه، وهذا نام بعد العشاء، ثم استيقظ بعد الفجر، فلم يتبين له أن رمضان قد ثبت إلا بعد الفجر، معنى ذلك: أنه لم يبيّت النية، قال بعض العلماء: عليه أن يُمسك ذلك اليوم ثم يقضي، لعدم تبييت النية. وقال بعضهم: هو معذور بعدم علمه، لأنه كان نائماً، ولا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، وهذا هو الراجح، والله تعالى أعلم.

حكم صيام رمضان كاملا بنية واحدة

حكم صيام رمضان كاملاً بنية واحدة Q هل يجوز أن ينوي الرجل صيام الشهر كاملاً بنية واحدة، أم لابد أن ينوي لكل يوم؟ A هذه مسألة أيضاً فيها خلاف بين العلماء، منهم من قال: لا بد أن ينوي الصيام في كل ليلة من رمضان، ومنهم من قال: إن النية في أول الشهر تجزئه للشهر كاملاً. والحقيقة أنه إن تأملنا هذا الأمر فسنجد أن تناول طعام السحور نية، لكن الراجح -كما قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى الصيام- أنه يجزئه نية واحدة من أول الشهر للشهر كاملاً، إلا إذا قطع الصيام لعذر، كسفر أو مرض، فلا بد أن يجدد النية، والله تعالى أعلم.

حكم الامتناع عن السحور عند سماع مدفع الإمساك

حكم الامتناع عن السحور عند سماع مدفع الإمساك Q هل يمتنع المسلم عن طعام السحور عند سماع مدفع الإمساك أم يفعل ذلك عند الأذان؟ A مدفع الإمساك بدعة ليست من دين رب العالمين في شيء، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (لا يغرنكم أذان بلال فإنه يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فمن السنة أن يكون للفجر أذانان، ويا ليتنا نحيي هذه السنة أحيا الله قلب من أحياها، فهي سنة ثابتة أكيدة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فالأذان الأول قبل الفجر الصادق لينبه الغافل ويستيقظ النائم ويغتسل الجنب، ثم الثاني لطلوع الفجر الصادق، وهذه السنة في رمضان وفي غير رمضان، فقد كان بلال يؤذن أولاً ثم ينزل، ثم يصعد ابن أم مكتوم ليؤذن الأذان الثاني، وكلمة: (حتى) في الحديث للغاية، أي: كلوا واشربوا حتى يؤذن للفجر الصادق، وعليه فلا يجوز لك أن تحرم ما أحل الله، فمن حرم الطعام بعد مدفع الإمساك فقد حرم ما أحل الله، وشرّع بأمر لا يجوز له، والله تعالى أعلم.

موضع قول (الصلاة خير من النوم) من الأذانين

موضع قول (الصلاة خير من النوم) من الأذانين Q هل يقال: (الصلاة خير من النوم) في الأذان الأول أم الثاني؟ A خلاف بين العلماء، منهم من قال: في الأذان الأول، ومنهم من قال: في الأذان الثاني، وهو ما نسميه بالتثويب، والواقع أن العمل الآن على أنه في الثاني، لكن بعض العلماء كأخينا الفاضل الشيخ مجدي عرفات له رسالة حقق فيها على أنه في الأذان الأول، والحقيقة أن المسألة خلافية، ومن الخلاف بين الأذانين: أن الأول بصوت والثاني بصوت مختلف، إذ كان الأول بصوت بلال والثاني بصوت ابن أم مكتوم. وبين الأذانين ما يقرب من ثلث ساعة.

حكم الصيام بدون صلاة

حكم الصيام بدون صلاة Q ما حكم من يصوم دون أن يصلي؟ A إن غالب المسلمين اليوم هكذا إلا من رحم الله، فيصوم ويترك الصلاة، ولا أدري لم نطلق عليه لفظ المسلم، فنحن في ذلك قد جاوزنا الحق، ففي حديث البخاري في كتاب الأذان: أن آخر من يخرج من النار قوم تعرفهم الملائكة بآثار سجودهم، فهؤلاء هم آخر الناس خروجاً من النار، فتارك الصلاة كيف ستتعرف عليه الملائكة؟! ويرى الحنابلة: أنه يخلّد في النار إن مات على ذلك. وعليه فأقول: إن الصلاة شرط لقبول سائر الأعمال، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، فلا أجر عند الله عز وجل للذي يصوم دون أن يصلي؛ لأن عمله محبط، وقد جاءت نصوص شرعية تبيّن أن تارك الصلاة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام. فاتق الله في نفسك يا من تصوم ولا تصلي، فالذي أمرك بالصيام هو الذي أمرك بالصلاة، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، واسمع إلى قول ربنا سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43]، فأول إجابة لهم هي أنهم قالوا: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43]. فليحذر الذين يتركون الصلاة أن يأتيهم ملك الموت بغتة، وعند ذلك ينادون بأعلى أصواتهم: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا} [المؤمنون:99 - 100]، فانتبه، واستيقظ أخي المسلم، والله تعالى أعلم.

السن التي يؤمر فيها الصبي بالصوم

السن التي يؤمر فيها الصبي بالصوم Q لقد أمرنا الله تبارك وتعالى أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة، فمتى نأمر الصبي بالصوم؟ A بوب البخاري في صحيحه في كتاب الصوم: باب صوم الصبيان، ولذا لا بد أن نعود أبناءنا على الطاعات، لا على المباريات، أو المسلسلات، أو اصطحابهم إلى المصايف والمسرح، فالعبد مأمور أن يعود ولده على الطاعة، (علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، وقد رفعت امرأة ولدها الصغير وهو على صدرها في حجة النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم ولكِ أجر) لِم؟ لأن الصبي حينما يتعود على الطاعة ينشأ عليها. وجاء في صحيح البخاري أن الصحابة حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بصيام عاشوراء صوّموا أبناءهم، وكانوا يصنعون لهم لُعَباً من صوف، لينشغلوا بها حتى يؤذن المغرب، أي: أنهم يدفعون الصبي إلى إتمام اليوم، يقول العلماء: إن استطاع الصبي أن يصوم فلا بد لأبيه أن يعوده على الصيام، ولو بعض اليوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، أما الصبي الذي هو دون السابعة فقد يكون عليه الصوم شاقاً، والله تعالى أعلم.

حكم صيام من أصبح جنبا في نهار رمضان

حكم صيام من أصبح جنباً في نهار رمضان Q ما حكم صيام من أصبح جنباً من جماع في نهار رمضان ولم يغتسل إلا بعد الفجر؟ A الجنابة إما أن تكون من جماع وإما أن تكون من احتلام، لكن حينما نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح جنباً فلا سبيل للاحتلام إليه عليه الصلاة والسلام. يقول ابن حجر في فتح الباري: إن النبي صلى الله عليه وسلم إن أصبح جنباً فجنابته تكون من جماع، وليس من احتلام، أما نحن فهذا وارد وهذا وارد. وقد ترجم البخاري في صحيحه باب الصائم يصبح جنباً، فصيامه صحيح، وقد اغتسل النبي عليه الصلاة والسلام من جنابة بعد الفجر، حتى يبيّن الحكم، فإن أصبح المسلم جنباً واغتسل بعد الفجر فصيامه صحيح ولا شيء عليه. لكن هذا يدفعنا للحديث عن مسألة مهمة وهي: صلاة الفجر، لأنه ربما يقول قائل: إن الشيخ يقول: لا بأس أن أصبح جنباً، وينام إلى الساعة العاشرة! لا يا عبد الله، فأثقل صلاة على المنافق صلاة الفجر والعشاء، وهي محك الامتحان والاختبار، يقول ربنا سبحانه: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد من لم يصل معه الفجر، وهذا كان دأب الصحابة أجمعين، حيث يسأل بعضهم عن بعض، بينما نحن -بلا فخر- قد نكون في عمارة واحدة مكونة من عشرة طوابق ويفتخر الجار فيقول: والله لا أعرف الذي يسكن بجواري! فإنا لله وإنا إليه راجعون، تمزّقت الأمة كما نرى. وقد تفقد عمر الناس في صلاة الفجر يوماً ففقد أحدهم فانطلق إلى بيته فطرق الباب وسأل عنه، فقالت الزوجة: يا أمير المؤمنين! ظل يصلي طوال الليل، أي: يتهجد، ولم يسهر على فيلم أو على الفوازير! بل انشغل بالتهجد عن صلاة الفجر، فقال عمر لزوجته: قولي لزوجك: إن صلاة الفجر في جماعة أفضل عند الله من قيام الليل كله. لأنه ضيّع فرضاً وأقام سنة، فلا يجوز ذلك أبداً، والله تعالى أعلم.

حكم صيام من احتلم في نهار رمضان

حكم صيام من احتلم في نهار رمضان Q ما حكم من احتلم في نهار رمضان؟ A عليه أن يغتسل وصيامه صحيح ولا شيء عليه، والله أعلم.

حكم الاستمناء في نهار رمضان

حكم الاستمناء في نهار رمضان Q ما حكم الاستمناء في نهار رمضان؟ A هذه ظاهرة خطيرة انتشرت بين شبابنا وبين نسائنا، إنها ظاهرة العادة السرية، أو ما يسمى بنكاح اليد، وسببها ضعف الإيمان وغياب الوازع الديني، وكذلك الإعلام الهابط، وكثرة الهابطات المتبرجات، والاختلاط ممن لا يراقب رباً ولا يراعي شرعاً. ولذا فأقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فالصيام وقاية وعلاج لهذه الظاهرة الخطيرة، أما أن ينكح يده في نهار رمضان فقد ارتكب إثماً عظيماً، وكما أن الحسنات تضاعف في رمضان فكذلك السيئات تضاعف لعظم الوقت ولحرمته، فرمضان له حرمة، فالذي يجترئ على حدود الله فينكح يده في نهار رمضان نقول له: عليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً بالإقلاع والندم والاستغفار والعزم على عدم العودة، وأن تقضي هذا اليوم، مع الإمساك لبقية اليوم، ولا كفارة عليك؛ لأن الكفارة لمن يجامع زوجته، والله تعالى أعلم.

مفطرات الصائم

مفطرات الصائم Q هلا ذكرتم لنا المفطرات التي تفطّر الصائم؟ A عد العلماء من المفطرات التي تفطر الصائم ما يلي: أولاً: الأكل عمداً. ثانياً: الشرب عمداً. ثالثاً: الجماع. رابعاً: نزول المني بشهوة حال اليقظة. لكن إن حصل ذلك فينبغي عليه أن يُمسك بقية اليوم، وأن يقضي بدلاً منه، مع التوبة والاستغفار كما ذكرنا في الجواب عن السؤال السابق. خامساً: الحيض والنفاس، وهذا موضوع مهم، ولعلنا نتحدث عنه بعد قليل، فالمرأة الحائض يجب عليها أن تفطر وأن تقضي الأيام التي أفطرتها، وكذلك المرأة النفساء التي أصابها النفاس بسبب الولادة. سادساً: القيء عمداً، يقول صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض)، أي: من غلبه القيء فلا شيء عليه، أما من استقاء بيده فعليه القضاء. سابعاً: من عزم وعقد النية على الفطر، حتى وإن لم يفطر فهو في حكم المفطر، والله تعالى أعلم. ثامناً: الحاجم والمحجوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم)، أي: أفطر المحجوم الذي سحب منه الدم، وأفطر الحاجم الذي يمص الدم بفمه، والله تعالى أعلم.

حكم الإبر المغذية والتبرع بالدم في نهار رمضان

حكم الإبر المغذية والتبرع بالدم في نهار رمضان Q ما حكم التبرع بالدم واستعمال الإبر المغذية في نهار رمضان؟ A لو تبرع أحدهم بالدم في نهار رمضان فإنا ننظر: فإن كانت كمية الدم كبيرة بحيث تؤثر عليه فإنه يفطر بذلك، أما إذا كانت كمية الدم قليلة فلا يفطر. وأما بالنسبة للإبر المغذية -كالجلوكوز والفيتامينات- فهي تصلح أن تكون بديلاً عن الطعام، وعليه فهي تُفطر بلا أدنى شك، والله تعالى أعلم.

حكم صوم الحاجم الذي يسحب الدم بكئوس الحجامة

حكم صوم الحاجم الذي يسحب الدم بكئوس الحجامة Q ما حكم صوم الرجل الذي يسحب الدم من المحجوم بواسطة كئوس تسمى كئوس الحجامة؟ A لا يفطر على الرأي الراجح عند العلماء، لكن إن مص الدم بفمه فيفطر كما ذكرنا قبل.

حكم استعمال فرشاة الأسنان للصائم

حكم استعمال فرشاة الأسنان للصائم Q ما حكم استعمال فرشاة الأسنان للصائم بمعجون وبدون معجون؟ A فرشاة الأسنان بمفردها دون معجون لا شيء فيها، لأنها كالسواك، لكن إن كانت بمعجون أسنان فالمعجون له نفاذ، فقد ينفذ إلى الحلق، ومن الحلق إلى الجوف، فمن الورع أن تترك استخدامه وأنت صائم، وقلت: من الورع؛ لأن العلماء اختلفوا في ذلك، فهو ليس على سبيل التغذية، وإنما له نفاذ، فقد تنفذ رائحته إلى الحلق، ومن الحلق إلى الجوف، فمن الاحتياط عدم استخدام معجون الأسنان إلا بعد الفطر، والله تعالى أعلم.

حكم استعمال السواك للصائم

حكم استعمال السواك للصائم Q ما حكم استعمال السواك للصائم؟ A قال النبي صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، وقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، والنصوص في استخدام السواك عامة، ولم يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم الوقت الذي يكره للصائم أن يستاك فيه، وعليه فمن قال بكراهية استخدام السواك بعد الزوال فلا دليل عنده، والراجح جواز استخدام السواك، ومن الورع أن تتجنب السواك المعطّر، والله تعالى أعلم.

حكم استعمال بخاخ الربو للصائم

حكم استعمال بخاخ الربو للصائم Q بالنسبة لمرضى الربو، هل يجوز لهم استعمال بخاخ الربو؟ A بخاخ الربو لا علاقة له بالتغذية من بعيد ولا من قريب، وإنما يتعامل مع القصبة الهوائية، فيفتح المسام فيها فقط، وقد أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين في فتاويه بجواز استخدامه، إذ إنه ليس غذاء وليس في معناه، والله تعالى أعلم.

حكم اغتسال الصائم في نهار رمضان

حكم اغتسال الصائم في نهار رمضان Q قد تأتي بعض الأيام في رمضان شديدة الحرارة، فهل يجوز أن يغتسل الصائم في مثل هذه الأيام؟ A لا بأس مطلقاً أن يغتسل الصائم في نهار رمضان، لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان في رمضان يبلل ثوبه من شدة الحرارة ويبرد به جسده، لكن بشرط أن يحترز من دخول الماء في فمه أو في جوفه، والله أعلم.

حكم استخدام الصائم الإبر والحقن العلاجية في نهار رمضان

حكم استخدام الصائم الإبر والحقن العلاجية في نهار رمضان Q هل الإبر والحقن العلاجية تؤثر على الصيام؟ A سائر الإبر والحقن العلاجية التي تؤخذ للعلاج ولا تكون بديلاً عن الطعام والشراب لا بأس بها مطلقاً، طالما أنها ليست جلوكوزاً ولا فيتامينات، أي: ليست إبراً مغذية.

حكم تناول المرأة حبوب منع الحيض في رمضان

حكم تناول المرأة حبوب منع الحيض في رمضان Q تحرص بعض النساء على أن تُكمل رمضان من أوله إلى آخره، فتتعاطى دواء لمنع الحيض في رمضان، فهل يجوز لها ذلك؟ A هذه مسألة خلافية، فمن العلماء من أباحها بضوابط، منها: ألا تسبب ضرراً، والضرر هو الذي يبينه الطبيب الثقة، لكن نقول: الحيض أمر قدّره الله على بنات آدم، فلا ينبغي للمرأة أبداً ألا تقبل قضاء الله فتمنع الحيض؛ لأن عدم خروج دم الحيض يسبب لها اضطراباً، فلا بد من خروجه في الموعد، ولا أدري هل نساؤنا اليوم أكثر إيماناً وورعاً من نساء الصحابة؟ لقد حاضت عائشة وأفطرت وقضت، ولقد حاضت نساء الصحابة وأفطرن وقضين، لكن العجب أنك تجد الورع الكاذب عند النساء المتبرجات، فتجدها تلبس البنطال وتُظهر الشعر وتخرج متعطرة ولا تصلي، وتقول: هل يجوز أن آخذ دواء لأمنع الحيض حتى أصوم؟! نسأل الله العافية، ولذا فالأولى والأفضل للمرأة أن تترك نفسها على فطرتها، ثم تقضي بعد رمضان، والله تعالى أعلم.

حكم صيام المرأة التي انقطع حيضها قبل الفجر

حكم صيام المرأة التي انقطع حيضها قبل الفجر Q لو أن امرأة كانت حائضاً فانقطع عنها دم الحيض قبل الفجر، لكنها لم تغتسل إلا بعد الفجر، فما حكم صيامها؟ A صيامها صحيح؛ لأنه لا يُشترط في الصيام الغسل، وإنما يُشترط فيه انقطاع الدم، وهذا بعكس الصلاة، فالصلاة لا بد لها من الغسل، والجماع لا بد له من الغُسل، ومس المصحف لا بد له من الغُسل، والمكث في المسجد لا بد له من الغسل، والطواف بالبيت لا بد له من الغسل، أما الصيام فيكفي أن ينقطع الدم، فإن انقطع الدم قبل الفجر فصيامها صحيح، والله أعلم.

حكم استعمال الصائم الطيب أو الروائح في نهار رمضان

حكم استعمال الصائم الطيب أو الروائح في نهار رمضان Q ما حكم استعمال الطيب أو الروائح في نهار رمضان؟ A قد جاءت النصوص التي تحبب استخدام الطيب، ولم تفرّق بين صائم وغير صائم، وعليه فلا بأس باستخدام الطيب للصائم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حُبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة)، فهذا الحديث أحياناً يرويه البعض بزيادة لفظة (ثلاث)، وهي زيادة لا أصل لها، فيقول: (حُبب إليّ من دنياكم ثلاث)، واستخدام الطيب سنة من سنن شرعنا، فيجوز للصائم أن يستخدم الطيب، لكن المرأة لا يجوز لها أن تخرج متعطرة، حتى لا يفهم البعض أن المرأة أيضاً تخرج متعطرة في نهار رمضان، أو تخرج متعطّرة من بيتها، فهذا يحرم عليها.

حكم استعمال الصائم قطرة العين والأنف والأذن في نهار رمضان

حكم استعمال الصائم قطرة العين والأنف والأذن في نهار رمضان Q ما حكم استعمال قطرة العين والأنف والأذن في نهار رمضان؟ A بالنسبة لقطرة العين قال العلماء: إن العين ليست منفذاً إلى الحلق، وعليه فلا بأس باستخدامها. وأما بالنسبة لقطرة الأنف وقطرة الأذن فإنه يمكن أن تنفذ القطرة إلى الحلق، وعلى ذلك قالوا من باب الاحتياط: يؤجل استخدام قطرة الأنف وقطرة الأذن إلى بعد الغروب، أما إن كان ولا بد فهو مريض فليفطر؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، والله تعالى أعلم.

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان Q ما حكم من جامع امرأته في نهار رمضان؟ A ربما يقول رجل: وهل هناك أحد يفعل ذلك؟! والجواب: نعم. والأسئلة تأتينا بكثرة لا سيما من المتزوجين حديثاً، أو من بعض من يغلبهم الشيطان، وقد فعل هذا أحد الصحابة، وذلك حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره وينتف شعره ويقول: (يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، قال له: اعتق رقبة)، إذاً من جامع في نهار رمضان لزمه القضاء مع الكفارة، والكفارة أن يعتق رقبة، (قال: يا رسول الله! لا أملك إلا هذه)، أي: رقبتي هذه، وأشار إليها، قال له: (فصم شهرين متتابعين)، وهذا على سبيل الترتيب، يعني: إن عجز عن الأولى عمل الثانية، قال: (يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم)، أي: لا أستطيع أن أصوم يوماً فكيف أصوم شهرين متتابعين؟! قال: (فأطعم ستين مسكيناً، قال: ليس في المدينة من هو أفقر مني، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقة، ثم قال له: خذه وأطعم أهلك)، قال العلماء: ومن جامع زوجته في نهار رمضان فعليه أن يقضي بدل اليوم يوماً، ثم يكفّر إما بعتق رقبة، فإن لم يجد فبصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فبإطعام ستين مسكيناً، ولا يكسو؛ لأن الكسوة غير واردة هنا، وكذلك إن صام شهرين متتابعين وأفطر في آخر يوم من الشهر الثاني فإنه يستأنف صيام الشهرين، ولا يجوز له أن ينتقل -مثلاً- من العتق إلى الصيام إلا إذا عجز عن العتق، وإن انتقل فصام فلا يجزئ. وأما المرأة فإن كانت مكرهة على الجماع فلا شيء عليها وصيامها صحيح، وإن تم الجماع برضاها فأرجح الأقوال أنه يلزمها القضاء والكفارة.

حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

حكم من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم Q ما حكم من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم، سواء في رمضان أو في غيره؟ A يفرّق البعض بين الناسي في الفرض والناسي في التطوع، وهذا التفريق لا أصل له، فهو قول بغير علم، فتجد البعض يقول: إن كان المسلم صائماً صيام نافلة وأكل ناسياً فعليه أن يفطر، وإن كان في رمضان فليمسك، إذاً فما الفرق؟! إن كان الله قد تجاوز لنا عن النسيان في الفرض، فمن باب أولى يتجاوز في النافلة؟! ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فإن أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه وليتم صومه، سواء في فرض أو نافلة، لكن يلزم من رآه يأكل أو يشرب أن يذكّره، ولا يقل: دعه يشرب ويأكل من باب الرحمة، فإن ذكره أحد أو تذكر من تلقاء نفسه فعليه أن يترك الطعام والشراب فوراً لا أن يواصل، والله تعالى أعلم.

حكم صيام المرأة التي جاءها الحيض قبل الغروب

حكم صيام المرأة التي جاءها الحيض قبل الغروب Q امرأة كانت صائمة فجاءها الحيض قبل المغرب بوقت قصير، فما حكم صيامها؟ A إن جاء الحيض قبل غروب الشمس بدقيقة فعليها أن تفطر في هذا اليوم وأن تقضي؛ لأن دم الحيض من المفطرات، والله تعالى أعلم.

حكم امتناع الحائض عن الطعام والشراب في نهار رمضان

حكم امتناع الحائض عن الطعام والشراب في نهار رمضان Q بعض النساء يمتنعن عن الطعام والشراب وهن حُيِّض، فهل ذلك جائز لهن؟ A هذه ظاهرة موجودة عندنا، وهو أمر لا يجوز، فإن المرأة إذا حاضت أفطرت ولزمها القضاء، ولا بأس أن تأكل وأن تشرب، لأن هذا أمر أحله الله لها، فلا ينبغي أن تحرم ما أحل الله، والله أعلم.

حكم صيام من رأت الصفرة بعد الطهر من الحيض

حكم صيام من رأت الصفرة بعد الطهر من الحيض Q امرأة طهرت من حيضها قبل طلوع الفجر، فصامت ذلك اليوم، ثم صلت الفجر ونامت، فلما استيقظت لصلاة الظهر رأت صفرة، فهل صومها صحيح؟ A صومها صحيح، لما ثبت أن نساء الصحابة كن لا يعددن الصفرة من الحيض، والله أعلم.

دم النفاس وأحكامه

دم النفاس وأحكامه Q ما هو دم النفاس، وما أكثره وما أقله، وما أحكامه؟ A دم النفاس هو: الدم الذي ينزل من المرأة عقب الولادة، وأكثره أربعون يوماً ولا حد لأقله، وإذا انقطع بعد الولادة -سواء بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو أربعة- فعلى المرأة أن تغتسل وأن تصوم وأن تصلي، لكن إن انقطع في وسط نهار رمضان فهذا اليوم يُقضى، وإن انقطع بعد غروب الشمس فعليها أن تنوي الصيام من الليل، لانقطاع دم النفاس، قال العلماء: ويجري على دم النفاس ما يجري على دم الحيض من الأحكام الفقهية، والله أعلم.

حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان

حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان Q ما حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان؟ A يقول العلماء: المرأة الحامل والمرضع إن خافتا على نفسيهما فعليهما الفطر والقضاء فقط، وإن خافتا على نفسيبهما وعلى ولديهما -أي: أن الحامل خشيت على الجنين، والمرضع خشيت على رضيعها- فعليهما القضاء والكفارة، أي: تقضي وتُطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو قول جمهور الصحابة، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله له رأي يقول عنه الشيخ ابن عثيمين: إنه رأي قوي، وهو أنه لا كفارة عليهما؛ لأنه ليس هناك دليل على الكفارة، وإنما يجب عليهما القضاء فقط، والله تعالى أعلم.

حكم الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه إذا لم يستطيعا الصوم

حكم الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه إذا لم يستطيعا الصوم Q ما حكم الشيخ الكبير العاجز عن الصيام، وكذلك المرأة العاجزة عن الصيام، والمريض الذي لا يرجى برؤه؟ A الشيخ الكبير، والمرأة العاجزة عن الصيام لكبر سنها، والمريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه لهم أن يفطروا وعليهم الكفارة، وليس عليهم قضاء. قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]: نزلت في هؤلاء، والله أعلم.

حكم الصيام في السفر

حكم الصيام في السفر Q لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة، وفي رواية (حجة معي)، وبعض المسافرين إلى العمرة -على الطريق البري- يتمون صيامهم كما لو كانوا مقيمين، فما حكم الصيام في السفر؟ A إن الله سبحانه وتعالى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مسافراً وقد أعياه الصوم، فسقط على الأرض، فاجتمع الناس حوله، فقال عليه الصلاة والسلام: (من هذا؟ قالوا: رجل أعياه الصوم وهو على سفر يا رسول الله، فقال: ليس من البر الصيام في السفر)، يقول العلماء: الإفطار في السفر رخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، والمسافر إن أراد الصوم فلا شيء عليه، بشرط ألا يدفعه الصوم إلى الهلاك، وقد كان الصحابة يسافرون فمنهم من يصوم ومنهم من يُفطر، فلا ينكر هذا على هذا ولا هذا على هذا، والله تعالى أعلم.

حكم النظر إلى الأفلام والمسلسلات في رمضان

حكم النظر إلى الأفلام والمسلسلات في رمضان Q يأتي رمضان فتنشط برامج التلفاز، حتى إن كثيراً من الناس يجلسون أمامه الساعات الطوال، فهل النظر إلى المتبرجات ومشاهدة المسلسلات والأفلام يبطل الصيام، نرجو توجيه النصح؟ A إن هذا من الظواهر السيئة في مجتمعنا، فتجد الرجل يصوم ويجلس أمام التلفاز بحجة أنه يسلي صيامه، ولا أدري ما معنى: يسلي، فهو يجرح صومه، ويُبطل أجر صيامه، فليتق الله فإن النظر إلى المرأة المتبرجة ذنب ومعصية، وكلما جلس أمام التلفاز تحمّل أوزاراً ربما قد تفوق أجر الصيام، فإن أردنا أن نعقد موازنة بين أجر صيامه وبين نظره إلى التلفاز رجحت هذه المعصية، فهو ينظر أكثر من ساعة ونصف وملك السيئات يسجّل عليه، وأما صيامه فصحيح، لكن نقول: يحبط أجر الصيام بنظره إلى هذه المعاصي، وعليه -حتى يفوز بالأجر العظيم والثواب الكبير من الله عز وجل- ألاَّ ينظر إلى هذه الأمور التي تغضب الله عز وجل، والله أعلم.

حكم صلاة التراويح وكيفيتها

حكم صلاة التراويح وكيفيتها Q هل صلاة التراويح سنة أم فرض، وكيف تصلى؟ A هذه المسألة من المسائل المهمة لا سيما وقد ابتدعنا فيها بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، كالأذكار التي يرددها البعض بين كل ركعتين، ففي بعض قرانا يقولون بعد الركعتين الأوليين: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله، وبعد الركعتين التاليتين يقولون: ألف صلاة وسلام عليك يا رسول الله، وبعد الركعتين التاليتين يقولون: ثلاثة آلاف صلاة عليك يا رسول الله، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً. وفريق آخر يقول بعد كل ركعتين: بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بصوت جماعي، ولا أدري من أين جاءوا بهذه السنة ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟! والذي يلزم المسلم أن يتبع ولا يبتدع، فقد كفي، لكن الشيطان زين لهم فأغواهم عن السنة إلى الابتداع. وأما بالنسبة لصلاة التراويح في ليالي رمضان فهي سنة مؤكدة، وحينما أقول: في ليالي رمضان فلننتبه، لأنه إذا ثبت أن غداً رمضان فستُصبح هذه الليلة من ليالي رمضان، فيُسن أن نصليها، بينما في الليلة الأخيرة عند استطلاعنا لهلال شوال إذا ثبت فلا صلاة، والواقع أننا نخالف، فلا نصلي في الليلة الأولى ونصلي في الليلة الأخيرة، وهي صلاة مسببة، أي: سببها رمضان وقد زال رمضان، فماذا تصلي يا عبد الله؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)، وقد صلاها النبي عليه الصلاة والسلام في جماعة يوماً، ثم جاء اليوم الثاني وصلى بالصحابة، وفي اليوم الثالث ظل الصحابة ينتظرونه في المسجد إلى الفجر، فلم يخرج إليهم، ثم قال لهم: (خشيت أن تُفرض عليكم) فلما جاء عهد عمر رضي الله عنه جمع المسلمين على إمام واحد وصلى بهم جماعة. وأما كيفيتها فهي مثنى مثنى، ويمكن أن تُصلى إحدى عشرة ركعة لفعل النبي عليه الصلاة والسلام، يقول العلماء: فإن زاد فلا بأس، وربما قد يزيد في عدد الركعات ويقلل في مقدار القراءة، فإن قلل في عدد الركعات زاد في القراءة، والحاكم في هذا المأموم؛ لأن البعض ربما يطيل في الصلاة فينفّر من خلفه، ويقول: لا عبرة بهم، لا يا عبد الله، فتحبيب الناس في الصلاة أمر واجب وإطالتها من السنة، لكن لا نقلل في القراءة إلى الحد الذي يخرج التراويح عن معناها كما يفعل في بعض المساجد، فتجد أشياء عجيبة، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، {وَالضُّحَى} [الضحى:1] الله أكبر، {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:2] الله أكبر، فيصلي إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق! لأن عندهم فوازير ومسابقات، ومن سيربح المليون، فيسرعون في الصلاة حتى لا تضيع عليهم هذه المواعيد، وإذا جلسوا بعد الركعتين فكأنهم جالسون على جمر، والتراويح ما سميت (تراويح) إلا لأنهم كانوا يستريحون بين كل ركعتين، فيستغفرون ويدعون ويسبحون ويهللون، أما حالنا اليوم فإنه بمجرد أن يقول الإمام: السلام عليكم ورحمة الله يقوم الواحد منا مباشرة ويقول: الله أكبر، نسأل الله العافية.

حكم ترك المأموم صلاة الوتر مع الإمام

حكم ترك المأموم صلاة الوتر مع الإمام Q هل يجوز للمأموم أن يترك الإمام في صلاة الوتر ويذهب إلى بيته فيصلي الوتر بمفرده؟ A هذه ظاهرة تعود عليها البعض، فيصلي مع الإمام حتى إذا قام الإمام ليوتر انفصل عن إمامه بحجة أنه سيوتر في بيته، وهذا أمر باطل، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام مع إمامه حتى ينصرف من صلاته كُتب له قيام ليلة)، فمن انفلت عن الإمام فقد حرم نفسه هذا الأجر، ولا بأس أن تصلي مع الإمام الوتر ثم تصلي في بيتك ما شئت بشرط ألا توتر مرة ثانية، وكذلك من الأمور التي تعود عليها البعض: أن الإمام عندما يطيل في القراءة يأتي المأموم فيجلس في الخلف خارج الصلاة حتى ينتهي من القراءة، فإذا كبر للركوع دخل معه، فهو لا يريد أن يدخل في حال القراءة.

حكم دعاء القنوت في ليالي رمضان وبيان بعض آدابه

حكم دعاء القنوت في ليالي رمضان وبيان بعض آدابه Q ما حكم دعاء القنوت في رمضان، وماذا يقال فيه، وما هي المخالفات الموجودة في الدعاء؟ A هذا سؤال مهم جداً، لأن بعض الأئمة يعتدي في دعائه، فيقول بعضهم: يا ضار، يا الله، والمأموم يؤمن، بينما الأصل أن قول آمين يكون بعد عبارات الدعاء، وأما عند عبارات الثناء فيسكت المأموم، ولذلك تجد بعضهم الآن في القنوت يعد أسماء الله الحسنى، فيقول: يا رحمن يا الله يا رحيم يا الله يا منتقم يا الله يا جبار يا الله! ما هذا يا عبد الله؟! ألا تتقي الله في نفسك، فقد خالفت السنة ولم تلتزم بها، فهناك أسماء لله عز وجل لا ينبغي أن تتلفظ بها إلا مقترنة، فتقول: الضار النافع، المانع المعطي، المعز المذل وهكذا، هذا أولاً. ثانياً: أن القنوت في الوتر سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقنت قبل الركوع وبعده أحياناً، ويترك القنوت أحياناً، ولذا كان من السنة أن نقنت أحياناً وأن نترك أحياناً، وكان يقول في قنوته: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وقني واصرف عني شر ما قضيت، فإنك سبحانك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، إنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت)، انتهى، إجمال في الطلب، (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، دعاء لا بد أن يكون بإجمال حتى لا نشق على الناس، وأنا أعرف بعض الناس الكبار قد وقع من طول الدعاء، والبعض الآخر يقول: يا شيخ! نحب الدعاء ونريد أن نبكي فأطل بنا في الدعاء! فهو لا يبكي في قراءة القرآن ويبكي في الدعاء! والعجب أيضاً أن تسمع بعض الأئمة يدعو فيقول: اللهم إنا نسألك الجنة اللهم ألبسنا من سندسها اللهم اسقنا من خمرها اللهم اسقنا من لبنها ويعدد نعم الجنة! فيا عبد الله! إذا دخلت الجنة فاطمئن فإنك ستأكل وتشرب، وإنما كان يكفي أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة، وكذلك قول بعضهم: اللهم انصر المسلمين في فلسطين، وفي الشيشان، وفي أريتريا، وفي الفلبين، وفي كشمير! فيعمل خريطة من آسيا إلى جنوب أفريقيا، وكان يكفي أن يقول: اللهم انصر المسلمين في كل مكان، أجملت أم لم تجمل؟ لا شك أنك أجملت. ودليل ذلك غلام أصحاب الأخدود، فقد كان فقيهاً حينما قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت إنك على كل شيء قدير. والبعض الآن يأتي بأدعية مسجلة في أشرطة لبعض المشاهير، والدعاء يحتاج إلى خشوع. حتى البكاء في رمضان لا نلتزم فيه السنة، فنرفع أصواتنا بالبكاء في الصلاة، وهذا لا يجوز، لقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويبكي، فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل) أي: الماء الذي يغلي، ولذلك كان إذا بكى عليه الصلاة والسلام لا يرفع صوته بالبكاء، وبعض الناس يرفع صوته كأنه ينوح، وهذا قد يكون أدعى للرياء، وأدعى للعجب، تقول بعض زوجات سلفنا الصالح: كنت أنام بجوار زوجي فيبكي من خشية الله فلا أشعر ببكائه، طلباً للإخلاص ودفعاً للعجب والرياء. فإذا أردت أن تبكي فابك دون أن يشعر بك أحد، وقد كان بعض السلف يصلي طوال الليل ويبكي، فإذا خرج إلى الفجر أخذ منديلاً وهو يقول: ما أشد الزكام، أي: أن الزكام هو الذي أسال دموعه، فهو لا يريد أن يُخبر أحداً ببكائه، حتى لا يدخله العجب ولا الرياء، والله أعلم.

شروط خروج المرأة إلى المسجد

شروط خروج المرأة إلى المسجد Q ما هي شروط خروج المرأة إلى المسجد، وهل صلاتها للتراويح في بيتها خير لها أم في المسجد؟ A هذا الموضوع مهم أيضاً؛ لأن بعض النساء يتخذن الخروج إلى المسجد ذريعة لا سيما في صلاة التراويح، فتخرج وتعود إلى بيتها عند منتصف الليل، فيقول لها الزوج: أين كنتِ؟ فتقول: كنت في التراويح، فلا يجوز هذا أبداً، لا سيما في زمن الفتنة، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكننا لا نمنعها من المساجد لحديث: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، أي: لا نمنعها، لكن تخرج بضوابط: الضابط الأول: أن تخرج مع محرم، فلو خرجت من البيت إلى المسجد فستركب السيارة، وستختلط بالرجال، وعليه لابد أن يكون معها محرم، وأيضاً: لا ترتكب مُحرَّماً في طريقها إلى المسجد. الضابط الثاني: أن تخرج متحجبة. الضابط الثالث: ألا تخرج متعطّرة. الضابط الرابع: ألا تخالط الرجال. فكل هذه الشروط لخروجها إلى الصلاة، فإن جاوزت هذه الشروط فصلاتها في بيتها أولى وأفضل، والله تعالى أعلم.

حكم التتابع في قضاء أيام رمضان

حكم التتابع في قضاء أيام رمضان Q بالنسبة لقضاء المرأة ما عليها من رمضان الماضي، هل يلزم التتابع في هذا القضاء، أم يجوز لها أن تقضي ما عليها متفرقاً؟ A قضاء رمضان لا يُشترط فيه التتابع، وهذا عام للرجال والنساء؛ لأن الله قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، فعلى مدار السنة قبل أن يأتي رمضان القادم لك ولها أن تقضي دون تتابع، لكن البعض قد يتكاسل عن القضاء حتى يأتي رمضان القادم، ففي هذه الحالة يلزمه القضاء والكفارة، والكفارة إطعام مسكين، عقوبة له على تأخيره القضاء، والله تعالى أعلم.

حكم صيام ست شوال قبل القضاء

حكم صيام ست شوال قبل القضاء Q رجل عليه قضاء من رمضان، فهل يقضي أولاً أم يصوم الست من شوال ثم يقضي؟ A ذهب جمهور العلماء -وهذا هو الرأي الراجح- إلى أنه ينبغي أن يبدأ بالقضاء أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، فمن كان عليه قضاء فإنه لم يصم رمضان، فلا بد أن يتم صيام رمضان أولاً ثم يشرع في السنة، وهذا من جهة النظر إلى الحديث، وأما من جهة النظرة الأصولية: فالقضاء واجب وصيام شوال سنة، فيقدم الواجب على السنة، لا سيما أنك لا تدري متى الموت؟ فتحصّل الواجب أولاً ثم السنة. والله تعالى أعلم.

حكم صيام يوم العيد لمن أراد صيام الست من شوال

حكم صيام يوم العيد لمن أراد صيام الست من شوال Q بعض الناس يحرص أشد الحرص على صيام الست من شوال، فيوالي بين صيام رمضان وصيام الست من شوال، فهل يجوز صيام يوم العيد أو أيام العيد؟ A يقسّم العلماء الصيام إلى أربعة أقسام: صيام واجب، وصيام مندوب ومستحب، وصيام محرم، وصيام مكروه. فالصيام الواجب: كصيام رمضان، وصيام النذر، وصيام الكفارات. وأما الصيام المستحب والمندوب: فهو صيام الست من شوال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) متفرقة أو متتابعة، وصيام يوم عاشوراء، وصيام يوم عرفة، وصيام الإثنين والخميس، وصيام عشر ذي الحجة، وصيام الأيام البيض، فهذه من الأنواع المستحبة. وأما الصيام المحرم: فكصيام يومي الفطر والأضحى، وأيام التشريق، وصيام الوصال، أي: يصل الأيام دون أن يتناول طعاماً ولا شراباً. وأما الصيام المكروه: فكصيام الجمعة أو السبت منفرداً، وصيام المرأة للنافلة دون إذن زوجها. وعليه، فلا بد عليك أن تفطر أول أيام العيد؛ لأنه يحرم عليك أن تصوم يوم العيد، وما بعد ذلك يجوز لك أن تصوم أيام شوال متفرقة أو متتابعة، والنص يسع لهذا، والله تعالى أعلم.

أفضل الأعمال في شهر رمضان

أفضل الأعمال في شهر رمضان Q ما هي أفضل الأعمال التي من الممكن أن نتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى في شهر رمضان؟ A من الأعمال الفاضلة أو المفضّلة في رمضان: قراءة القرآن؛ لأن رمضان شهر القرآن، والسلف كانوا يختمون القرآن في رمضان مرات ومرات، ثم التهجد والقيام وكثرة الصلاة في الليل، ثم الإنفاق في سبيل الله، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان، وأيضاً الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، والتماس ليلة القدر، والذكر والدعاء، والاستغفار والتسبيح، وغض البصر عما حرم الله، والإحسان إلى الأقارب، وصلة الأرحام، وإطعام المساكين، وإفطار الصائمين، كل ذلك من الأعمال الطيبة في رمضان، فنحن في موسم خير وطاعة. ونداء أخير إلى النساء -لا سيما طالبات الجامعة-: ألا فلتتقي الله عز وجل في نفسك؛ لأنكِ بخروجك متبرجة يعم فسادك، وربما تكونين سبباً في إفطار صائم، وربما تدفعينه إلى شهوة حيوانية، فتتحملين وزرك وزره أيضاً. وبعض النساء من طالبات وغيرهن لا يراعين حرمة هذا الشهر الكريم، فأذكرهن بأن الله سبحانه وتعالى يعلم بحالهن، فربما يأتيهن ملك الموت وهن على هذه الحال، نسأل الله العافية. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان، اللهم بلّغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، واغفر لنا فيه الذنوب، واستر لنا فيه العيوب، وتجاوز لنا فيه عن سيئاتنا، اللهم تقبل فيه منا الصيام، وتقبل فيه منا القيام، واختم يا رب بالباقيات الصالحات أعمالنا، واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، آمين آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فتاوى رمضانية [2]

فتاوى رمضانية [2]

مشروعية النقاب في الإسلام

مشروعية النقاب في الإسلام الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فنواصل اللقاء مع فتاوى الصيام، حيث يقرر العلماء أن كتمان البيان عند الحاجة لا يجوز، والمقصود من تلك القاعدة: أن هناك أوقاتاً تحتاج إلى بيان أحكام، فلا يجوز أن نؤخر بيان الأحكام عن وقته؛ لأن الكثيرين قد يتحدثون عن الصيام بعد حلول رمضان، وهذا استدراك؛ لأنه ينبغي أن نعرف الواجبات والسنن والمستحبات قبل أن نتلبس بالعبادة، ونعرف الأشياء التي ينبغي أن نعرفها من فقه الصيام. وإن شاء الله بعد هذا اللقاء سنلتقي بعد رمضان في مواصلة كتاب العدة والمنظومة وأصول الفقه، وننتقل إلى أخينا العزيز الشيخ إيهاب ليضع الأسئلة التي معه بإذن الله تعالى. وقبل الإجابة عن أي سؤال أحب أن أقول: دفع إليَّ بعض الإخوة ورقة فيها: أن علماء وشيوخ الإسلام يقولون: لا يوجد دليل واحد على النقاب! ومنهم شيخ الأزهر مفتي الجمهورية، ولا أدري من قال بهذا من علماء الأمة؟ وهل ابن حنبل والشافعي ومالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وعلماء الأمة كلهم كانوا على جهل، ونحن جئنا لنقرر أن النقاب ليس من الإسلام؟! والأحاديث قد وردت به، وتعرضت له كتب التفسير كتفسير ابن كثير عليه رحمة الله. إن أيسر الأقوال في النقاب: أنه فضيلة، أي: من قال بعدم وجوبه قال: إنه فضيلة ومكرمة للمرأة أن تستر وجهها، ولم نعرف كشف الوجه إلا مؤخراً، نسأل الله أن يعافينا، وأن يحفظ أعراضنا. فالنقاب من الإسلام، ومن قال بخلاف ذلك فهو متجن على دين رب العالمين {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. والأدلة التي قد جاءت بكشف الوجه والكفين موضع خلاف، فمن العلماء من قال بوجوب ستره، ومنهم من قال: يجب أن يستر في زمن الفتنة، وحينما يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة)، فالمفهوم أنها كانت منتقبة قبل ذلك، وهذا الذي نفهمه، لا كما يقول أحدهم: معنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّمه في الحج، فمن باب أولى أن يحرّم في غير الحج! فهذا انتزاع لمفهوم لم يقل به أحد، تقول أمنا عائشة: كنا نطوف بالبيت ونكشف الوجه، فإذا خالطنا الرجال أسدلنا، أي: ألقينا الخمار على وجوهنا دون أن يمس الوجه، وهذا فهم ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وبعض التابعين لقوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]. نعم الشيخ الألباني رحمه الله صحح حديث أسماء، لكن هناك من العلماء أيضاً من رد عليه، ورغم أنه قال بعدم وجوب النقاب إلا أنه قال: إنه فضيلة، وأنا أنقب نسائي وبناتي رغم هذا، أي: أنه يقر أنه من شرع الله، إذاً: المسألة فيها خلاف من حيث هل هو واجب أم مستحب؟ ولم يقل أحد: إنه ليس من الإسلام، والنزاع لم يكن في أصل المشروعية، لكن الآن انقلب النزاع إلى أنه من الإسلام، وأنه عادة وليس عبادة، وهو دخيل علينا، إلى حد أن يقول بعضهم: لا يُلبس النقاب إلا في الأحياء الشعبية أو مع الطبقات الجاهلة! نسأل الله العافية، فهؤلاء قد ترجلت نساؤهم، فلبست البنطال، واختلطت بالرجال، بل ولا يملكون عليهن القوامة، لذلك نقول: نحن نحفظ أعراضنا، أما أنتم فشأنكم وأنفسكم. ونحن في مصر كان النقاب عندنا هو الأصل إلى عام 1952م، حتى إنهم كانوا يعيرون المرأة التي تكشف وجهها فيقولون: يا عم! دع هذه المرأة فإنها تكشف وجهها، فكشف الوجه كان عندنا مسبة، وأيضاً كنا في الستينات والسبعينات ونحن صغار نرى الجدات يلبسن البرقع ويسدلن فوقه، ولم يكن عندنا في الريف امرأة تكشف الوجه أبداً، حتى إذا خرجت كانت تجعل الطرحة على الوجه طبقتين أو ثلاثاً، أما الآن فقد أصبح ليس من الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن بعد، نسأل الله العافية.

حكم قول المأموم في دعاء القنوت: (حقا أشهد أن لا إله إلا الله)

حكم قول المأموم في دعاء القنوت: (حقاً أشهد أن لا إله إلا الله) Q بعض المأمومين يقول في دعاء القنوت: حقاً أشهد أن لا إله إلا الله، وغير ذلك من الأقوال، فما الحكم في ذلك؟ A هذه من الأمور المبتدعة التي ليس لها أصل في الشرع: أن البعض يقول خلف الإمام في التراويح حينما يدعو الله عز وجل في القنوت: أشهد حقاً يا الله، وذلك كما يفعل البعض في الأدعية العامة، فيقول: يا غفور يا الله، يا رحمن يا الله، يا ودود يا الله! ويتحول المسجد إلى بكاء! فهل هذا ثبت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أم أن الدعاء يشترط فيه أن يكون بخشوع وعدم ارتفاع صوت، وأن يكون فيه طمأنينة وسكينة ووقار؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً)، فعبارات التأمين نؤمَّن عليها، فمثلاً: يقول الإمام: اللهم اهدنا فيمن هديت، فيقول المأموم: آمين، أما عند عبارات الثناء كقوله: إنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك فنسكت، ولا نقول: حقاً! فهذه عبارات باطلة لا أصل لها في الشرع، ولذلك فمن ذكاء الإمام أنه لا يأتيهم بالدعاء الذي فيه ثناء، وإنما يقول دعاء فيه تأمين، وذلك حتى لا يعطي فرصة لهذه البدعة التي أصبحت عامة في مساجدنا، والله تعالى أعلم.

أفضل أعمال البر في شهر رمضان

أفضل أعمال البر في شهر رمضان Q يكثر الخير في شهر رمضان وتكثر أعمال البر، فهلا أرشدتنا إلى أفضل الأعمال في شهر رمضان المبارك، وجزاكم الله خيراً؟ A الأزمان تختلف، وبعض العبادات يكون لها أفضلية في بعض الأزمان، فإن أذن المؤذن -مثلاً- فأفضل العبادات أن ننشغل بأن نردد الأذان خلف المؤذن، لا أن نقرأ القرآن في هذا الوقت، لأن هذا الوقت هو وقت عبادة معينة، ومن ثم فمن السنة أن توظف الذكر والعبادة في وقتها، فرمضان شهر مبارك فضّله الله على سائر شهور السنة، والعبادات فيه لا بد أن تضاعف، وأولى العبادات فيه بعد الصيام: القرآن، لأنه شهر القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان:3]، فأول العبادات التي ينبغي أن نعتني بها في هذا الشهر الكريم القرآن، وليس معنى هذا أن نهجر القرآن في سائر السنة كما يفعل البعض الآن، فيهجرون القرآن في كل الشهور، فإذا جاء رمضان أقبلوا على القرآن، بل نعتني به في أشهر السنة كلها، وقد كان السلف يضاعفون الجهد في قراءة القرآن في رمضان، وقد قلت على المنبر: إن الشافعي رحمه الله كان يختم القرآن في كل ثلاث، فإذا جاءت العشر الأواخر ختمه في كل يوم، فاعترض آخر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ختم القرآن في أقل من ثلاث لم يع)، أي: أن هناك نهياً عن ختم القرآن في أقل من ثلاث. قال العلماء والنووي في التبيان: هذا في الظروف العادية، أما في الأماكن والأزمان التي تحتاج إلى مضاعفة عبادة فلك أن تضاعف فيها الجهد. ثانياً: الإنفاق، قال ابن عباس فيما رواه البخاري في كتاب بدء الوحي: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)، قال ابن حجر في الفتح: وشبّه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة، لأن الريح المرسلة ريح رحمة وخيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض، وكذلك كان عطاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بين غني وفقير. ثالثاً: القيام، والتهجد في ليالي رمضان. رابعاً: الذكر، والدعاء، والاستغفار، والإنفاق على المساكين والفقراء، وصلة الرحم. ثم إن أعمارنا قصيرة، لكن الله سبحانه وتعالى فتح لنا أبواباً لمضاعفة الحسنات، كأن يفطر أحدنا صائماً فله مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء. ومعنى ذلك أنك لو جئت بكيلو تمر وأعطيته لولدك الصغير ليقف على أحد الشوارع وكل من يمر به عند النداء يعطيه تمرة، فأنت قد أخذت أجر الصائم كاملاً، وكأنك صمت رمضانين، وكذلك إن أردت أن تضاعف حسناتك فأنفق، يقول صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائماً كان له من الأجر كأجره لا ينقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يملك أن يفطّر صائماً، قال: من فطّره على شربة ماء، أو مذقة لبن، أو تمرة)، فانظر إلى البساطة، أعمال صغيرة لكنها عظيمة في شهر رمضان.

حكم صلاة الجمعة يوم العيد

حكم صلاة الجمعة يوم العيد Q إذا وافق يوم العيد يوم جمعة فما الحكم؟ A قال بعض الفقهاء: يجوز لمن صلى العيد ألا يصلي الجمعة، وإنما يصليها ظهراً بمفرده، والإمام لا بد له أن يصلي الجمعة؛ لأن الإمام الراتب سيخطب للجمعة، ولأن هناك من الناس من لم يصل العيد فيصلي جمعة، ومعنى ذلك: أن الجمعة ستُصبح فرض كفاية، إن فعلها البعض سقطت عن الآخرين، وقد خيّر النبي صلى الله عليه وسلم من صلى العيد في صلاة الجمعة، لكنه قال: (وإنا لمجمّعون) كما جاء في الحديث الثابت عنه عليه الصلاة والسلام، ولم يقل أحد من العلماء بأنه يسقط عنه الظهر، وهذا هو الرأي الراجح، والله تعالى أعلم.

حكم قضاء الست من شوال إن فاتت

حكم قضاء الست من شوال إن فاتت Q ما حكم قضاء الست من شوال إن لم يصمها الإنسان في شوال؟ A لا يجوز قضاؤها؛ لأن السنة لا تُقضى طالما فات وقتها، لا سيما أن وقتها مضيّق، كصيام يوم عرفة، فلا يجوز أن يقضى، لأنه مرتبط بزمن معين، فإذا مضى فلا قضاء، وهذا ما نسميه بالمندوب المضيق، فإذا مضى وقته لا يجوز أن يُقضى. لذلك قال العلماء: إن صادف يوم عرفة يوم جمعة فإنه يُصام ولا شيء في ذلك، وكذلك إن صادف يوم السبت؛ لأنه مندوب مضيّق عورض بوقت كراهة فيقدّم المُضيّق، والله تعالى أعلم.

حكم تأخير قضاء رمضان

حكم تأخير قضاء رمضان Q ما حكم تأخير قضاء رمضان؟ A هذا أمر يتساهل فيه الكثير من الناس، فيلزم من أخر قضاء رمضان حتى أتى رمضان الذي بعده أن يقضي ويكفر، والكفارة إطعام مسكين عن كل يوم، والله تعالى أعلم.

حكم الوصال

حكم الوصال Q ما حكم الوصال، وهو أن يصل الصوم بصوم يوم جديد؟ A لا يجوز للمسلم أن يصل الأيام ببعضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام الوصال، ولما أراد الصحابة أن يتابعوا النبي عليه الصلاة والسلام في وصاله قال: (أما إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

حكم من أكل أو شرب ظانا عدم طلوع الفجر

حكم من أكل أو شرب ظاناً عدم طلوع الفجر Q لو أن رجلاً استيقظ بعد الفجر، فنظر إلى السماء فإذا الجو مظلم بعد النداء الثاني للفجر، وسأل الزوجة بعد أن تحرى فقالت له: لم يؤذن للفجر بعد، فشرب وتناول الطعام على اعتبار أن الفجر لم يؤذن، ثم بعد أن تناول الطعام تبيّن له أن الفجر قد أُذّن له، فما حكم صيامه؟ A يقول العلماء: صيامه صحيح ولا قضاء عليه؛ لأن الأصل بقاء الليل إلى أن يتثبت من النهار، يقول تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة:187] وهذا ما تبيّن له، لكن بشرط أن يجتهد في معرفة دخول الفجر من عدمه، يعني: لا يقوم ثم ينظر إلى السماء ويشرب مباشرة، فهذا لا يجوز، لكن لا بد له أن يجتهد، فينظر إلى الساعة ويسأل ويفتح الراديو وهكذا، فإن أخطأ فلا شيء عليه، لما ثبت أن عدي بن حاتم رضي الله عنه وأرضاه قرأ قول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، ففهم من الآية أن الخيط الأبيض هو خيط يضعه تحت الوسادة، فوضع تحت الوسادة خيطاً أبيض وخيطاً أسود، فكان ينظر إليهما فلا يميّز بينهما، فظل يأكل، فلما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إنك رجل عريض الوساد، إنما هو بياض النهار وسواد الليل)، لكن لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، لأنه أخطأ، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فالأصل بقاء الليل إلى أن يثبت العكس، والله تعالى أعلم.

حكم القراءة من المصحف في صلاة التراويح

حكم القراءة من المصحف في صلاة التراويح Q ما حكم القراءة من المصحف في صلاة التراويح بالنسبة للإمام، وكذلك بالنسبة للمأموم الذي يحمل المصحف خلف إمامه ليتابع القراءة؟ A يجوز للإمام أن يقرأ في صلاة التراويح من المصحف؛ لفعل ذكوان مع أمنا عائشة رضي الله عنها؛ إذ كانت تصلي التراويح خلف مولاها ذكوان، وكان ذكوان يقرأ من المصحف، ففعل الصحابة حجة -لا شك- طالما أنه اشتهر بين الصحابة. لكن هناك استدراك على هذه الإجابة، ألا وهو: أن القراءة من المصحف سبب في تفلّت القرآن من الصدور، أي: من صدور حفظة القرآن، وأضف إلى ذلك أن من لم يحفظ لا يحفظ، ولذا يترتب على هذه الظاهرة تراجع مستوى الحفظ، فنقول: لا ينبغي أن نفعل هذا إلا إذا احتجنا إليه في أضيق الظروف، وعلى الحافظ أن يقرأ من حفظه وهذا هو الأولى، إلا إذا لم يوجد حافظ فلا بأس. وأما المأموم فلا يجوز له أن يحمل المصحف خلف الإمام، لا سيما إذا كان الإمام يقرأ من مصحف، فالإمام يقرأ من المصحف وأنت تمسك بالمصحف لماذا؟! يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: من السنة أن يضع المصلي اليد اليمنى على اليسرى على صدره، فإذا أمسك بالمصحف فقد أخل بهذه السنة. لكن العلماء جوّزوا ذلك إذا كان الإمام يقرأ من حفظه، بحيث يقف المأموم خلف الإمام مباشرة، فيفتح عليه إذا أخطأ، وما يحدث الآن من أن يمسك كل المأمومين المصاحف فهذه بدعة لا ينبغي أن تكون، والله تعالى أعلم.

حكم صيام يوم الجمعة إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء

حكم صيام يوم الجمعة إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء Q نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إفراد يوم الجمعة بصيام، فهل إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة أو يوم عاشوراء يجوز إفراده بالصيام؟ A نعم يجوز إفراد يوم الجمعة أو السبت إذا وافق يوم عرفة أو عاشوراء؛ لأن العلة ليست صيام يوم الجمعة وإنما العلة صيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء، وقد أبدع وأجاد في هذه المسألة العلامة ابن حجر في فتح الباري، فمن أراد أن يتوسع في البحث فعليه الرجوع إلى فتح الباري، وفتح الباري هو كتاب طيب جداً، رغم أن هناك ملاحظات على مؤلفه في باب الأسماء والصفات، فهناك من العلماء من تتبع تأويل الصفات في بعض المواطن لـ ابن حجر، وقد قيل للشوكاني في اليمن: اشرح لنا البخاري. والشوكاني هو صاحب كتاب فتح القدير في التفسير، وصاحب كتاب نيل الأوطار في الفقه، وهو عالم من علماء الأمة، فقال لهم معرضاً: لا هجرة بعد الفتح. يريد أنَّه بعد فتح الباري لا ينبغي لأحد أن يشرح البخاري، وقد كان على الأمة دين للبخاري أسقطه عنها ابن حجر العسقلاني المصري ولا فخر، وقد ظل ربع قرن وهو يشرح صحيح البخاري، ويوم أن أتم الشرح أقام وليمة فاستضاف لها العلماء والأمراء وكلّفت حوالي خمسمائة دينار كما قيل.

حكم الجمع في النية بين الفرض والنفل

حكم الجمع في النية بين الفرض والنفل Q هل يجوز الجمع في النية بين الفرض والنافلة، بمعنى: لو أن امرأة عليها قضاء أيام من رمضان، وتريد أن تصوم ستاً من شوال بنية واحدة، فهل هذا جائز؟ A لا يجوز، فالقضاء له نية مستقلة، وصيام النافلة له نية مستقلة، وقد سبق أن قلنا: إن رأي الجمهور أن القضاء مقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، إذاً: فيشترط أولاً أن يصوم رمضان، لأن الذي عليه قضاء ما صام رمضان بعد، ولم يوف الجزء الأول من الحديث، فالذي عليه قضاء لا بد أن يقضي ما فاته من رمضان أولاً ثم يصوم بعد ذلك إن شاء، وإن لم يصم فلا شيء عليه، لأن صيام الست من شوال سنة، من فعلها أثيب عليها ومن لم يفعلها فلا شيء عليه، والله تعالى أعلم.

حكم صوم المرأة النافلة بدون إذن زوجها

حكم صوم المرأة النافلة بدون إذن زوجها Q هناك بعض النساء يحرصن على الخير -زادهن الله تبارك وتعالى حرصاً- لكن قد تصوم المرأة بغير إذن زوجها حرصاً على الخير، كأن تصوم -مثلاً- الست من شوال، أو أن تكثر الصيام في شعبان، فهل هذا جائز؟ A لا يجوز للمرأة المسلمة التقية أن تصوم صيام النافلة دون أن تستأذن الزوج، إلا إذا كان مسافراً أو غائباً عنها فعند ذلك يجوز، حتى قال العلماء: إن أذن لها فصامت ثم في وسط النهار أرادها لنفسه بجماع فعليها أن تستجيب لأمره؛ لأن عدم استجابتها قد تعرضه إلى الفتنة، فلا بد أن تعلم المرأة المسلمة التقية أن حسن تبعّلها لزوجها وإعطاء الزوج حقه في الفراش أفضل من صيام النافلة ومن قيام الليل عند الله عز وجل؛ لأنها تعطيه حقاً يغض به بصره، ويحفظ به فرجه، وهذا أمر مقرر ينبغي أن ننبه إليه، والله تعالى أعلم.

حكم بيع الفوانيس واللعب التي تحتوي على الغناء

حكم بيع الفوانيس واللعب التي تحتوي على الغناء Q هل يجوز أن أبيع الفوانيس التي تغني، كلعب الأطفال مثلاً؟ A لا يجوز أن تبيع فانوساً فيه غناء؛ لأن الغناء حرام، ولكن ستجد من الرءوس الكبيرة أو من علماء كبار من يقول: أنا أحب أن أستمع لسيدة الغناء ولا حرج! أما تستحي من نفسك؟! أما تستحي من الناس يا عبد الله؟! يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} [لقمان:6]، قال ابن مسعود: والله إنه الغناء، ويقول ربنا سبحانه: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:59 - 61]، قال المفسّرون: معنى: سامدون، أي: مغنون، تقول العرب: أسمد لنا، أي: غن لنا، والأدلة على حرمة الغناء كثيرة، وقد تجد من يستدل لجوازه بقول فلان أو علان، وهذا لا اعتبار لرأيه أمام النصوص الشرعية، وبالله عليكم ماذا يسمع من الغناء؟! وماذا حصدت الأمة من الغناء؟! زنا وفواحش واختلاط؟! وماذا يقولون في الغناء؟ ويا ليته كلام طيب وحسن، لكنه حرام كله، فلم يحكموا العقول، ألم يسمعوا ما يقول أحدهم: جئت لا أدري؟! إذاً في هذه الحالة هو حمار، لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وهو يقول: أنا لا أعرف لماذا أتيت؟! وآخر يقول: قدر أحمق الخطى! فيصف القدر بأنه أحمق، وربنا يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فهل بعد هذا زندقة واضحة بينة؟! وأخرى تقول: لا تقل: شئنا، فإن الحظ شاء! فهل الحظ يشاء؟! وهل للحظ مشيئة؟! فهي أثبتت للحظ مشيئة. وهابط رابع يقول: كتاب حياتي يا عين ما شفت زيه كتاب الفرح في سطرين والباقي كله عذاب نسأل الله أن يعذّبه، نظر إلى كتاب حياته ثم تبيّن له هذا، نسأل الله العافية. وآخر يقول: حب الرسول يابا ذوبني ذوب جاء لي بمنامي يابا لبّسني ثوب فهل هذا هو حب النبي صلى الله عليه وسلم عندهم؟! جاء في المنام وألبسه ثوباً! إن الرسول منكم براء، يا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟! وكذلك الفانوس الذي فيه أذان لا يجوز أن يستخدم كلعبة في يد الأطفال، فيفتحه وربما يغلقه في وسط الأذان، وأيضاً كما يكتب البعض على السيارة أسماء الله عز وجل، أو آية: {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41]، وقد يذهب إلى سوق البهائم فتضع البهيمة قدمها فوق هذه الآية، وربما تغوطت عليها، فهل هذا يجوز؟! وأيضاً يكتبون على الحوائط آيات قرآنية، فإذا نزل المطر فربما انمحى حرف فيتغير المعنى، إذاً لا بد أن نحترم حدود الله عز وجل. ومن العجب أيضاً -بل ومما لا يجوز- أن يبدأ السحور بالضرب على الطبل، وربما قد تطول بنا الأيام فيبدأ السحور بالدق على البيانو! وهذا كله لا يجوز شرعاً.

بيان ما يلزم أن يخرج في صدقة الفطر

بيان ما يلزم أن يخرج في صدقة الفطر Q ما هو الرأي الراجح فيما تخرج منه زكاة الفطر؟ A الرأي الراجح فيها للعلماء: أن تخرج عيناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها عيناً، وكان في مقدوره أن يخرجها نقوداً، إذ كان في زمنه العملة موجودة، لكنه ما جوّز لأحد أن يخرجها، ويخرجها المسلم من غالب قوت أهل البلد، وربما يقول قائل: إن الأنفع للفقير هو المال! لا، فأنت لا تعلم الأنفع وإنما الذي يعلم الأنفع هو الله سبحانه وتعالى، فزكاة المال مال، وزكاة الزروع زروع، ولا يمكن لأحد أن يخرج زكاة الزروع مالاً، وزكاة المال زروعاً، فلماذا لا نستعيض في زكاة الزروع بالمال، ونستعيض في زكاة الفطر بالمال؟! إذاً نحن نتوقف عند النص، يقول ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من بر)، وما ذكر القيمة أبداً، وهذا رأي الحنابلة والشافعية والمالكية، وقد اجتهد أبو حنيفة فقال بجواز القيمة لمصلحة الفقير، وهو اجتهاد مردود. ولا يظن أحد أن الذي يخرجها عيناً لا بد أن يكون عنده أرض، بل له أن يشتري أرزاً أو غيره ويخرجه، أو يعطي من يخرج الزكاة فيخرجها، وهكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ في حديث أبي هريرة عند البخاري إذ يقول فيه: (وكّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ صدقة الفطر)، أي: جمع الزكاة، وأقام أبو هريرة حارساً عليها، ومعلوم أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحرس حبوباً لا مالاً، وهذا لا شك فيه، وهذا هو الرأي الراجح كما ذكرنا، والله تعالى أعلم.

بيان من تجب عليه زكاة الفطر وموضع دفعها

بيان من تجب عليه زكاة الفطر وموضع دفعها Q على من تفرض زكاة الفطر، وهل يجوز دفعها لأقارب فقراء يعيشون في غير بلدتهم؟ A زكاة الفطر تجب على كل مسلم صام رمضان، عن نفسه وعمن يعول، فإذا كان عنده أب أو أم يعيشون معه في بيت واحد وهو ينفق عليهم، فيلزمه إخراج الزكاة عنهم، وعن كل من يعولهم وينفق عليهم، وتخرج قبل صلاة العيد، لأن من السنة: أن تؤخر إلى آخر رمضان، لا أن يبكر بها، حتى إن بعض العلماء قال: إن أخرجت قبل عشرين يوماً فلا تجزئ، ومن السنة أيضاً أن تخرج في المكان الذي أنت فيه، فكل بلد يخرجونها في مكانهم الذي هم فيه، وهذا هو الأصل، والله تعالى أعلم.

سنن العيد

سنن العيد Q ما هي سنن العيد التي ينبغي لنا أن نعملها في يوم العيد؟ A إذا ثبت هلال شوال أصبحت تلك الليلة من ليالي شوال، وبها ينقضي رمضان ولا صلاة تراويح في جماعة، وإنما هناك تهجد في الليل فرادى. وأما حديث فضل قيام ليلة العيد فقد قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله: حديث ضعيف، ولفظه: (من قام ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب). وصلاة العيد سنة مؤكدة عند البعض، وواجبة عند البعض، وتصلى في العراء، أي: في الخلاء، فيجتمع الناس في مصلى واحد، لا كما يفعله بعض الناس اليوم، فتجد أهل المنطقة الواحدة يقيمون أكثر من مصلى، وهذا لا يجوز، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع كل المسلمين في مصلى واحد، ويترك مسجده صلى الله عليه وسلم ويصلي بالمسلمين في الفضاء (الجبَّانة). ولذلك كان الأولى أن نقلل عدد هذه الأماكن طالما أن المكان الآخر يتّسع، لكن للأسف تجد بعض المسلمين ممن يلعب بهم الشيطان يصلون في مكان صغير جداً، ويترك المكان المتسع مع المسلمين، ويفتح المكبر من الفجر ويظل يكبر، ويظن أنه يقيم السنة، فيا عبد الله! اتق الله فأنت تشتت كلمة المسلمين. ومن سنن العيد: أن تخرج النساء الحيض ليشهدن الخير، مع اعتزالهن المصلى؛ لحديث أم عطية: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج العواتق والحيض). وأيضاً من السنن: التكبير، فيبدأ من الليل وحتى خروج الإمام للصلاة، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أن يكون الإمام هو آخر من يخرج إلى المصلى، لكن لو خرج الإمام على القوم انقطع التكبير، لذلك كان هو آخر من يخرج إلى المصلى. وكذلك من سنن العيد: أنه يسن له بعد صلاة الفجر أن يأكل تمرات، حتى يميّز بين الصيام وبين الفطر، لحديث أنس عند البخاري: أنه كان صلى الله عليه وسلم في عيد الفطر يأكل تمرات قبل أن يذهب إلى المصلى، وهذه من السنن الغائبة في حياة المسلمين، ويمكن للإنسان أن يحيي هذه السنة، فيأخذ اثنين كيلو تمر ويوزعها بعد الفجر للناس في المساجد، حتى يعلم الناس أن هذه سنة قد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم. ومن السنن أيضاً: الغسل، ولبس أجمل الثياب، والتطيب، والتبكير إلى المصلى، والتكبير وهو خارج إلى المصلى، وفي المصلى كذلك، لكن لا يكون بصورة جماعية، وإنما يكبر كل واحد لوحده، فيقول هذا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وهذا يقول: الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا أن ينقسم المصلون إلى قسمين: قسم ينتهي وقسم يبدأ، فهذا غير وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، والسنة أن يكبّر كل بمفرده، حيث يختلط التكبير كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه. وكيفية صلاة العيد أن يكبر سبع تكبيرات في الركعة الأولى، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية، ويقرأ في الأولى بسبح والثانية بالغاشية كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يخطب بهم الإمام خطبة العيد، وكان عليه الصلاة والسلام بعد أن يخطب في الرجال يخطب في النساء في عيد الفطر وعيد الأضحى، فيعظ النساء موعظة خاصة، لذا من فقه الإمام أن يتوجه بالنصيحة إلى النساء، ولا يجوز -بحجة العيد- الاختلاط، لأن بعض النساء الفاضلات قد تأتي إلى المصلى وهي لابسة بنطلوناً وملابس شفافة وكذلك متعطرة، ولا أدري لماذا جاءت بهذه الطريقة إلى المصلى؟ فنحن في غنى عنها، فإن خرجت لتفتن الناس فلا تخرج أصلاً من بيتها، لذلك كان من الفقه أيضاً أن نجعل للنساء مدخلاً خاصاً وللرجال مدخلاً خاصاً، بحيث ينطلق هؤلاء من طريق وهؤلاء من طريق آخر بدلاً من هذا الاختلاط. ومن السنن كذلك: مخالفة الطريق، أي: إن جاء من طريق إلى المصلى فيُسن له أن يعود من طريق مخالف كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الأخطاء الشائعة في يوم العيد أن بعض المسلمين يقول: طالما أنه عيد فيُسن لنا أن نسمع فيه الغناء، لحديث (يا أبا بكر! دعهما فإنه يوم عيد)، بهذا يُطلقون لأنفسهم وشهواتهم أن يستمعوا إلى الغناء الهابط والطبل والمزمار، وهذا كله مما لا يرضي الله عز وجل، لكن يجوز لنا أن نفرح بالضوابط الشرعية، والله تعالى أعلم.

حكم الاعتكاف وآدابه

حكم الاعتكاف وآدابه Q متى يبدأ الاعتكاف ومتى ينتهي، وما هي آدابه؟ A الاعتكاف سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري: أنه اعتكف واعتكفت زوجاته عليه الصلاة والسلام، وفي البخاري أيضاً في كتاب الأذان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوائل من رمضان، فنزل عليه جبريل وقال: إن الذي تطلب أمامك -وهو يطلب ليلة القدر- فاعتكف العشر الوسطى من رمضان، فقال له جبريل: إن الذي تطلب أمامك، فنادى مناد: من كان قد اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليعتكف معه، ودخل الاعتكاف في صبيحة يوم عشرين من رمضان)، وفي الحديث أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا قبل الاعتكاف: أنه يسجد بين الماء والطين، فوكف المسجد ليلة إحدى وعشرين حتى إن أثر الطين كان على أرنبة النبي صلى الله عليه وسلم. والاعتكاف هو: الملازمة، قال تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52]، يعني: ملازمون لعبادتها، والمعتكف له أشياء ينبغي أن يراعيها: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، أي: لا يجوز للمعتكف أن يباشر زوجته، وكلمة (المساجد) كلمة عامة، ويقول البعض: لا يجوز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، وهذا قول مرجوح لا دليل عليه إلا حديث له فهم عند العلماء، والصحيح أن أي مسجد جامع تصلى فيه الجمعة والجماعات يصح ويصلح فيه الاعتكاف؛ لأن الله قال: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، ومن فقه البخاري أنه وضع باباً في صحيحه بهذا العنوان: (الاعتكاف في المساجد)، أي: جواز الاعتكاف في سائر المساجد، فإذا دخل المسلم إلى معتكفه لا يجوز له أن يخرج إلا لضرورة شرعية، كقضاء حاجة أو شراء طعام إن لم يجد أحداً يشتري له، قال بعض العلماء -كالشيخ ابن عثيمين -: لا يجوز له أن يخرج لتشييع جنازة، ولا يجوز له أن يخرج ليعود مريضاً، وإنما يجوز له أن يخرج -مثلاً- كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث صفية حينما جاءته لزيارته في معتكفه، فخرج معها ليقلبها إلى حجرتها أو بيتها، وفي أثناء الطريق رأى النبي عليه الصلاة والسلام صحابيين فأسرعا في المشي، فقال عليه الصلاة والسلام: (على رسلكما إنها صفية، قالوا: يا رسول الله! سبحان الله! قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن البعض قد يكون عنده عمل فيخرج في الصباح ويعتكف بالليل، وهذا ما نسميه بالاعتكاف ليلاً وليس اعتكاف نهار، لأن هناك فرقاً بين اعتكاف الليل واعتكاف النهار، فإن أردت أن تعتكف ليلاً فادخل قبل غروب الشمس، واخرج بعد الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم له من ذنبه)، فهي ليلة تبدأ من غروب الشمس إلى الفجر الصادق، قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]، والسنة في الاعتكاف أن تدخل في صبيحة اليوم العشرين، وتخرج من معتكفك إلى بيتك إذا ثبت هلال شوال، وقال البعض: يخرج المعتكف من معتكفه إلى المصلى، لكن طالما أن شوال قد ثبت فلا بأس بأن تخرج بانقضاء رمضان.

حكم الاعتكاف في مكان والصلاة في مكان آخر

حكم الاعتكاف في مكان والصلاة في مكان آخر Q هل يجوز أن أعتكف في مكان وأصلي في مكان؟ A لا يجوز.

ليلة القدر وفضلها وأحكامها

ليلة القدر وفضلها وأحكامها Q ما هو فضل ليلة القدر وأحكامها؟ A ليلة القدر من الليالي المهمة التي ينبغي أن نحييها بالطاعة والذكر، وأن نطلب فيها الإخلاص، وأن ندعو الله سبحانه وتعالى فيها؛ لأنها ليلة قال الله فيها: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] والألف شهر تساوي 83 سنة وأربعة أشهر، لذا كان من رحمة الله عز وجل أن أعطانا هذه الليلة المباركة، لتزداد أجورنا وأعمالنا في هذا العمر القصير، إذ إن أعمار هذه الأمة بين الستين والسبعين، فانظر إلى هذا الفضل الكبير. والتماس ليلة القدر من السنة، فيلتمسها ويتحراها المسلم في العشر الأواخر كما قال صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)، وقد خرج عليه الصلاة والسلام يوماً إلى أصحابه ليخبرهم متى هي، فوجد رجلين من أصحابه قد تلاحيا، أي: تشاجرا وتنازعا، فقال: (كنت قد خرجت لأخبركم متى هي، إلا أن الله أنسانيها)، ثم قال: (التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) أي: ليلة 21 و 23 و 25 و 27 و 29، فهذه هي الليالي الوترية، وابن عباس رضي الله عنهما كان له رأي، وهو: أنها ليلة السابع والعشرين، وله أدلة هو وأُبي بن كعب الموافق له: فعدد السماوات سبع، وعدد الأرضين سبع، والطواف حول البيت سبعة أشواط، والمصلي يسجد على سبعة أعضاء، وظل يعدد كل ما ورد فيه لفظ السبع، فيقول: أنا أرى أنها ليلة السابع والعشرين. لكن الحقيقة أن الله قد أخفاها لحكمة، وهي أن نحيي هذه الليالي المباركة بالذكر والطاعة، قالت عائشة: (يا رسول الله! أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، دعاء فيه إجمال، وماذا يريد العبد إذا عفا الله عنه؟! وفي آخر البقرة: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] والمساجد ينبغي أن يكون فيها صلاة طوال ليالي العشر الأواخر، فإذا تعب إمام ساعده إمام آخر، والمسلم إذا نام فلينم قليلاً، ثم يقوم للتهجد والقيام في ليلة القدر، وينبغي أيضاً أن نحيي هذه الليالي بطاعة الله تبارك وتعالى، وأفضل الأدعية التي تقال في هذه الليلة: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، والله أعلم.

حكم قضاء صيام أيام البيض

حكم قضاء صيام أيام البيض Q إذا لم يستطع المسلم أن يصوم الثلاثة الأيام القمرية من الشهر، فهل يجوز له القضاء؟ A نعم، يجوز له ذلك.

أثر الغيبة والنميمة على الصيام

أثر الغيبة والنميمة على الصيام Q هل الغيبة والنميمة من مفطرات الصوم؟ A هذه مسألة مهمة جداً، لأننا نصوم عن الطعام والشراب، ولا نصوم عن الغيبة والنميمة، وعن قذف المحصنات الغافلات، وعن تتبع العورات، وعن اللغو، وعن القيل والقال، لذا ينبغي للصائم أن يجتهد في حفظ لسانه، قال بعض العلماء: هناك حدث بالقول كما أن هناك حدثاً للطهارة، وقد كان بعضهم إذا اغتاب توضأ؛ لأنه يشبّه الغيبة بالحدث الذي ينقض الوضوء، وربما قال بعضهم -كـ ابن حزم -: الغيبة تبطل الصيام، لكن الراجح أن الرجل إذا اغتاب أحداً فصيامه صحيح، لكن عليه إثم الغيبة.

حكم وضع المرأة للمكياج في أثناء صومها

حكم وضع المرأة للمكياج في أثناء صومها Q ما حكم وضع المرأة المكياج أثناء صيامها، هل يفسد الصيام أم لا؟ A قطعاً لا يفسد الصيام، لكن لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تضع هذه المساحيق لا سيما في نهار رمضان، فالزوج صائم وهي صائمة، فلمن تضعه؟! لذا كان لا بد أن تحتسب للمواقف، فربما قد تتعرض لموقف يرتفع النقاب من على وجهها بدون إرادة منها، فماذا يرى الناظر يا عبد الله؟ فلا يجوز لها أبداً أن تفعل ذلك، لأنها فتنة، فضلاً عن أنها إذا خرجت متعطرة فهي زانية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وفي غير رمضان يجوز لها أن تضع ذلك لزوجها، والله تعالى أعلم.

حكم القضاء عن المريض أثناء حياته

حكم القضاء عن المريض أثناء حياته Q والدتي مريضة ويأتي عليها أيام من رمضان فتفطر فيها، فهل يجوز لي أن أقضي عنها هذه الأيام أثناء حياتها؟ A لا يجوز لك أن تقضي عنها هذه الأيام، وإنما الواجب في حقها أن تطعم عنها عن كل يوم أفطرته مسكيناً؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل القضاء للقادر عليه، أما العاجز فعليه أن يُطعم مسكيناً، فأُمك عاجزة عن الصيام فأطعم عنها عن كل يوم مسكيناً، والله تعالى أعلم.

حكم إفطار المريض

حكم إفطار المريض Q أنا مريضة بالقلب، وقد قال لي الطبيب في العام الماضي: لا تصومي رمضان، فماذا أفعل في رمضان هذا العام، هل أصومه أم أفطر حسب تعليمات الطبيب؟ A طالما أن الطبيب مسلم عدل وقد أمركِ بالفطر فعليك أن تلزمي تعليمات الطبيب، لأن الله عز وجل يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] فهذه أصول لا بد أن تكون واضحة. وعليه فإن كان المرض مزمناً فيلزمك الإطعام عن كل يوم مسكيناً، وإن كان المرض عارضاً وسيزول بعد فترة فعليكِ القضاء، والله تعالى أعلم.

حكم المرأة الحامل التي أفطرت ولم تجد وقتا للقضاء

حكم المرأة الحامل التي أفطرت ولم تجد وقتاً للقضاء Q امرأة حامل أفطرت أثناء الحمل، وما لبثت أن بدأت فترة الرضاعة فلم تجد وقتاً حتى تقضي، فماذا تفعل؟ A لا شيء عليها إلا أن تقضي بعد ذلك؛ لأنها لم تقض لعذر، فإذا توافرت لها الظروف التي تمكنها من القضاء فلتقض، والله تعالى أعلم.

حكم الصفرة والكدرة بعد الطهر

حكم الصفرة والكدرة بعد الطهر Q نحن -معشر النساء- نعتبر الصفرة والكدرة في زمن الحيض من الحيض، علماً بأن هناك حديثاً يقول: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً)، فهلا تكرمتم بتوضيح هذه المسألة؟ A هذه المسألة قد تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي وقلنا: إذا حاضت المرأة وطهرت من الحيض قبل الفجر ونوت الصيام، ثم بعد أن نوت الصيام رأت في ظهيرة ذلك اليوم من رمضان صفرة أو كدرة فلا تعده من الحيض، لما ثبت عن كثير من الصحابيات أنهن قلن: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً)، والمقصود بالصفرة والكدرة: ذلك السائل الأصفر أو الذي يميل إلى لون التراب والذي ينزل بعد انقطاع الدم، فهذا لا يسمى من الحيض ولا يأخذ حكم الحيض، والله تعالى أعلم.

حكم نزول المذي والودي في نهار رمضان

حكم نزول المذي والودي في نهار رمضان Q ما حكم المذي والودي في نهار رمضان بشهوة، وأثناء ذلك يكون مستيقظاً ومنتبهاً تماماً؟ A الودي لا يكون بشهوة؛ لأن الودي هو: سائل أبيض ينزل أحياناً بعد التبول أو في نهاية البول، وأما المذي فقد اختلف فيه العلماء، ولعلكم ستجدون في كتاب العدة الذي نشرحه حينما تقرءون في باب الصوم أن مذهب الحنابلة أن المذي يبطل الصيام؛ لأنه ينزل بشهوة، فإذا قبّل الرجل زوجته فأمذى فيبطل الصوم عندهم، لكن الراجح من أقوال العلماء: أن المذي لا يبطل الصوم، وإنما الذي يبطل الصوم هو المني إذا نزل بشهوة حال اليقظة، وهذا ضابط، لأنه إذا نزل وهو نائم فلا شيء عليه، والله تعالى أعلم.

حكم منع الزوج لزوجته من صيام النافلة

حكم منع الزوج لزوجته من صيام النافلة Q طلبت زوجتي مني أن آذن لها بصيام الإثنين والخميس من شعبان، فرفضت لأنها حامل في الشهور الأولى ولأنها متعبة، فهل عليّ شيء في ذلك؟ A ليس عليك شيء؛ لأنك تنظر إلى حالها وإلى حملها فتتلطف بها، لا سيما وأن صيام شعبان سنة، فلا يجوز لها أن تجهد نفسها حفاظاً على نفسها وعلى طفلها الذي في بطنها، والله تعالى أعلم.

حكم استنشاق الصائم البخور

حكم استنشاق الصائم البخور Q هل يجوز وضع البخور في البيت في نهار رمضان، وما حكم استنشاق البخور؟ A يرى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في فتاوى الصيام: أن البخور قد يفطر الصائم؛ لأن له منفذاً إلى الجوف، ورد البعض هذا الكلام بقولهم: إنه ليس من المفطرات لأنه ليس في حكم الطعام ولا الشراب، ولذا طالما أن المسألة خلافية فالأولى أن نحتاط، فيمكن أن يكون هناك بخور في البيت ولا حرج، لكن أن تستنشق البخور وأن يدخل إلى أنفك فقد قال بعض العلماء -كالشيخ ابن عثيمين -: أنه يُفطر، لكن بعضهم قالوا: لا يفطر، والاحتياط ألا تفعل، والله تعالى أعلم.

حكم تأجيل كفارة اليمين إلى رمضان

حكم تأجيل كفارة اليمين إلى رمضان Q هل يجوز أداء كفارة اليمين في شهر رمضان حتى يأخذ أجر إفطار الصائم؟ وما هي قيمة كفار اليمين؟ A يجوز ذلك، لكن هناك سؤال مهم وهو: هل تؤجل الكفارة إلى رمضان؟ والجواب: الكفارات ديون في الرقبة لا بد فيها من التعجيل؛ لأنك ربما تموت قبل رمضان فلا تدرك أن تؤديها، لكن إن كان عليك كفارة في رمضان فكفّرت بإطعام عشرة مساكين -وكانوا من الصائمين- فلا شك أنك تأخذ أجر إفطار الصائم وأجر الكفارة معاً. وقيمة الكفارة كما يقدرها البعض: من أوسط ما تطعمون أهليكم على حسب القدرة، أو ثلاثة أو أربعة جنيهات إن استطعت أن تطعمهم بها، أو أن تدفعها إلى جمعية لتطعم بالإنابة عنك فلا حرج، والله تعالى أعلم.

حكم من أفطر في رمضان لأعوام عديدة

حكم من أفطر في رمضان لأعوام عديدة Q من أفطر رمضان في سنوات ماضية وتاب من ذلك، ولكنه لا يعلم كم يوماً أفطر، فهل صيام السنن -إذا كان كثير الصيام- يجزئ عن هذا أم ماذا يفعل؟ وكذلك تارك الصلاة؟ A صيام السنن لا يجزئ عن قضاء الفرض، بل لا بد أن تقدر الأيام التي أفطرتها ثم تقضيها، لكن إن تعسّر عليك ذلك فتبني على غلبة الظن، بمعنى: ربما أفطرت عشرة أيام فتجعلها ظناً خمسة عشر يوماً، وعندها تبني على الأعلى حتى تحتاط، لأنه ينبغي عليك أن تقضي كل ما أفطرته في رمضان حتى تبرأ الذمة، والله تعالى أعلم. وأما الصلاة فهي مختلفة تماماً عن ذلك، والله تعالى أعلم.

حكم ترك صلاة المغرب جماعة بحجة الأمر بتعجيل الفطر

حكم ترك صلاة المغرب جماعة بحجة الأمر بتعجيل الفطر Q ما حكم من يحتجون بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالفطر، فيفطر أولاً ويترك صلاة المغرب في جماعة؟ A هذه ظاهرة خطيرة جداً، فإنه لم يُشرع الصيام لنغلق المساجد في صلاة المغرب، بل وما كان هدف الصيام أبداً هذا، لكن من السنة أن يفطر المسلم على تمرات أو ماء، ثم يصلي المغرب في جماعة، ثم يعود إلى بيته بعد ذلك، وأما من ترك صلاة الجماعة بحجة أنه يعجّل الفطر فهذا مضيّع للجماعة. لكن هناك نقطة مهمة جداً أريد أن أبينها: قال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام)، وقال: (إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدءوا بالعَشاء)، وهذا الحديث في البخاري، ومعنى ذلك: إذا حضر الطعام وحضرت الصلاة فينبغي لك أن تبدأ بالطعام، لذلك من فقهك أن تأمر الزوجة بعدم وضع الطعام إلا بعد أن تعود من الصلاة، لكن إذا حضر الطعام فلا يجوز لك أن تترك الطعام. بمعنى: أن الزوجة أحياناً قد تعد المائدة قبل الغروب بدقائق، فيؤذن المؤذن فيشرب ماء وينزل إلى الصلاة والطعام على المائدة، فيأتي يصلي والمائدة في ذهنه، فلا يستطيع أن يصلي. وكما يفعل بعض الناس، فربما قد يستضيف ضيفاً في رمضان، وبينما الضيف جالس والمائدة قد أعدت يقول له: هيا نصلي أولاً ثم نعود للطعام، فهنا الضيف يُعذّب ويتألم، وكان ينبغي ألا تضع الطعام أولاً، وإنما قل له: هيا نصلي قبل أن يُعد الطعام، وهذه نقطة مهمة جداً فلتنتبه لها.

حكم إظهار نوافل الطاعات

حكم إظهار نوافل الطاعات Q ما الحكم فيمن يخبر عن صيامه تطوعاً دون الحاجة إلى ذلك؟ A إخفاء العبادات أولى من إظهارها إلا في بعض الحالات، كان بعض السلف يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا تعلم به الزوجة ولا الأبناء، حيث كان يأخذ معه الطعام في الصباح وهو ذاهب إلى محل عمله فيتصدق به في الطريق، ثم يعود بعد غروب الشمس فيتناول معهم الوجبة الأخرى، وهم لا يعملون أنه صائم، فالوجبة التي يأخذها في الصباح يتصدق بها. وكان بعضهم ينام بجوار زوجته فيبكي من خشية الله، فلا تشعر ببكائه طلباً للإخلاص ودفعاً للعجب. فلا بد للصائم الذي يصوم نافلة ألا يعلن عن صيامه، حتى إن البعض إذا سُئل وقيل له: هل تشرب ماء؟ يقول: أنا صائم، فهو يعلن الصيام في كل مكان، فينبغي أن يعرّض، فيقول: لا أستطيع أن أشرب الآن، فهذا تعريض، فلا ينبغي الإعلان طالما أنه لا يُجبر على القول أنه صائم.

أهمية التفريج عن المؤمن المكروب

أهمية التفريج عن المؤمن المكروب Q هناك إخوة أفاضل يصلون ويخشعون في صلاتهم ويطلقون اللحى، لكنهم في الحقيقة لا يفرّجون عن مؤمن كربة، فما حكم ذلك؟ A من رأى أخاً له مكروباً فلا بد أن يبسط له يد المساعدة، ومن فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ولذا من الخطأ والتقصير أن نلتزم بالطاعات الظاهرة ولا ننظر إلى إنسان مدين، أو أخ لا يستطيع أن يتزوج، أو أخ معسر، أو أخ مريض، فهذا ليس من الإسلام في شيء، وإنما أمر الإسلام بأن نتعاون فيما بيننا. قال بعض السلف: إن سألك أخ لك: لم وضعت يدك في جيبه فليس لك بأخ، فانظروا إلى مقدار هذه الأخوة، بأن يضع الأخ يده في جيب أخيه ليأخذ ما يريد دون أن يسأله! وهذا آخر: يذبح شاة فيعطي ذراعها لأخ له، وهذا الأخ يعطيها لآخر، وظل الذراع يدور على سبعة بيوت حتى عاد إلى الأول! وكذلك: في إحدى الغزوات يأتي أحدهم ليسقي أخاه ماء قبل أن يموت، فيقول له: اسق أخي هذا الذي بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، فيذهب إليه فيقول له: اسق هذا الذي بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، وظل ينتقل من واحد إلى آخر حتى وصل إلى الأخير فقال له: عد إلى الأول، فعاد إليه فوجده قد فارق الحياة، والثاني فارق الحياة، والثالث فارق الحياة، وماتوا جميعاً دون أن يشربوا، وصدق الله إذ يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]، فأين هذه المعاني العظيمة والسامية؟! لقد ضاعت بيننا، ولذا قد نجد الإنسان لا يحسد ولا يحقد على أحد، وقد يكون لديه ثلاثة ملايين جنيه وهناك محتاج إلى ألفين أو ثلاثة آلاف، فإذا طلب منه أن يفرج عنه يقول: والله لا أستطيع فأنا أشكو من ضيق العيش! وزكاة الثلاثة الملايين: (75. 000) جنيه، هذا المبلغ يستطيع أن يزوج به كثيراً من الشباب أو يفرج به كرباً كثيرة عن بعض المسلمين، لأن البعض قد لا يجد قوت يومه، بل قد لا يجد شيئاً، وأصحاب الأموال في بذخ وإسراف ولهو! فهل هذا يرضي ربنا عز وجل؟! إن بعض الإخوة قد لا يستطيع أن يشتري كتاب العدة في المذهب الحنبلي، وقيمته ستة عشر أو سبعة عشر جنيهاً، وحين نقول لصاحب المال: أعطنا عشر نسخ لنوزعها على طلاب العلم يقول لك: لا أستطيع، فأنا أريد أن أعمل فرحاً في (الشيراتون) بثمانين ألف جنيه في الليلة الواحدة! فيدفع وعلى قلبه كالعسل، وينفق ماله في الرقص والدعارة، ويأتي بمطرب هابط لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة بعشرين ألفاً! فما الذي حدث؟! إنه السفه وانقلاب المعادلة. ولذا أقول لأصحاب الأموال: إن المال مال الله، والفقير له حق، وهذا حقه، فأنت يا صاحب المال لا تتفضّل عليه، وإنما: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24 - 25] فالذي فرض عليك هذا الحق هو الله عز وجل، وأنت مستخلف في هذا المال، فلا ينبغي أبداً أن تبخل وتمتنع عن أداء هذا الفرض. وقد أحسن الناظم حيث قال: إن في القرآن آية ذكرها للقلب طبُ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبوا أن تجعل لله ما تحب فهذا هو المعيار، أما نحن الآن فلا ننظر إلى بعضنا البعض أبداً والذي نفسي بيده، وأولى الناس بالإنفاق عليهم هم طلبة العلم الشرعي، كتاب وسنة بفهم سلف الأمة، خرّج لنا عالماً يدحض البدعة وينشر السنة، ويصحح العقيدة للناس، أقم مكتبة طالب علم، تحتوي تفسير ابن كثير وفقه السنة وغيرها من الكتب الصحيحة، فأت بعشر مكتبات، ثم أعط كل طالب علم مكتبة، وبهذا تكون قد أفدتهم. فيا عبد الله! لا بد أن تتلمس مواضع الإنفاق الصحيحة، ربما يكون لك أخ ليس مع أهله، أي أنه ذهب منذ سنوات وله زوجة وأولاد، هل سألت عنهم؟ هل رأيت حالهم؟ هل نظرت في حاجتهم؟ المغرب يؤذن وأنت مع أبنائك وهؤلاء لا يجدون عائلاً، ربما يكون مظلوماً فهل بسطت يدك إلى هذا المظلوم وإلى أهله؟ أرسل إليهم في أول رمضان مبلغاً دون أن تحدد الاسم، ودون أن يعرف الاسم أحد، وسّع عليه وعلى أسرته، لأنه ربما يكون لا يستطيع أن يقوم بحاجاتهم، أو يكون في ظروف لا يستطيع أن يتصل بأهله إلى غير ذلك. فأقول: إخواني ينبغي علينا أن نتعاون في هذا.

بيان حالة استقلال الولد عن والده في إخراج زكاة الفطر عن نفسه

بيان حالة استقلال الولد عن والده في إخراج زكاة الفطر عن نفسه Q متى يخرج ولي الأمر الزكاة عن الأبناء، ومتى يخرجها الابن عن نفسه؟ A إذا كان الابن مستقلاً ومنفصلاً عن أبيه في بيت وزوجة، وله إنفاق مستقل، فيخرج الزكاة عن نفسه وعن زوجته وعن أولاده، أما إذا كان مع أبيه وينفق عليه فيخرجها الأب عنه.

حكم إخراج زكاة الفطر لحما

حكم إخراج زكاة الفطر لحماً Q هل يجوز إخراج زكاة الفطر لحماً، وما مقدارها؟ A قد نص الشرع على أن زكاة الفطر تكون صاعاً من تمر، أو صاعاً من أرز، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من قمح، أو من غالب قوت أهل البلد، وكلمة (قوت) تعني: ما يقتات، لكن لا أعتقد أن أحداً قال بجواز إخراج زكاة الفطر لحماً، ولا أدري إن كان هناك نص أو من العلماء من قال بهذا. وأما مقدارها فحوالي ثلاثة جنيهات تقل لا تزيد، والله تعالى أعلم.

حكم فتح محلات الأغذية في نهار رمضان

حكم فتح محلات الأغذية في نهار رمضان Q ما حكم فتح محلات الأغذية مثل المطاعم والعصائر في نهار رمضان؟ A هذا موضوع يعود إلى أولياء الأمور، وعليه فأقول لهم: اتقوا الله في حرمة رمضان، فنحن لا نملك على أصحاب المحلات أن نقول لهم: أغلقوا المحلات، ونقول للمسئولين: أصدروا تشريعاً أو قانوناً بالحبس أو الغلق أو المصادرة لمن يفتح محله في رمضان، حتى ترضوا رب العالمين سبحانه وتعالى، وافعلوا شيئاً يرضي ربكم عز وجل، فهذه المحلات التي تفتح الأبواب في رمضان إنما هي تحارب الله ورسوله، وتجرح المشاعر الإسلامية، فاتقوا الله فينا يا ولاة الأمور، ولابد أن تأخذوا موقفاً حاسماً مع هؤلاء المجرمين، والله تعالى أعلم.

حكم ابتلاع البلغم أثناء الصوم

حكم ابتلاع البلغم أثناء الصوم Q ما حكم ابتلاع البلغم أثناء الصيام؟ A لا شيء في ابتلاع البلغم أبداً، والله تعالى أعلم.

حكم الأكل أو الشرب أثناء أذان الفجر

حكم الأكل أو الشرب أثناء أذان الفجر Q ما حكم من يأكل أو يشرب في أثناء أذان الفجر في رمضان، ثم يكمل صومه بعد ذلك، وهل يجوز أن نأكل ونشرب بعد أذان الفجر لمدة ثلث ساعة في المسجد الذي يؤذن فيه الفجر بأذان واحد كما سمعنا من بعض الإخوة؟ A بالنسبة للشق الأول من السؤال: إذا كنت تشرب أو تأكل وأذن المؤذن للفجر فأكمل الشرب والطعام، للحديث الذي صححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يضع الإناء حتى يقضي حاجته)، أي: إن أذن المؤذن للفجر وأنت تأكل أو تشرب فلا تضع الإناء حتى تقضي الحاجة. وأما بالنسبة لجواب الشق الآخر من السؤال: فهذا كلام لا ينبغي أن يقال أبداً، فما ثبت بيقين لا يزول بالشك، ودخول الوقت يكفي فيه غلبة الظن، وطالما أن هناك جهة متخصصة قد أعلنت وقت الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء في النتائج، فلا بد أن نحترم هذه الجهة، ولا نقدح في الأوقات أبداً، وهذا الكلام الذي يقال ويروج له البعض فتنة، ونريد لها أن تخمد، ونحن نرتبط بأوقات محددة، ولا ينبغي أبداً أن نقول: نأكل بعد الأذان لأن الوقت عندنا في مصر غير صحيح! فهذا لا يجوز أبداً، وأنا لا أعرف من الذي يفعل هذا، وقد أصدرنا بياناً في مجلة التوحيد، وذكرنا فيه أن وقت الفجر في مصر وقت صادق، ولا داعي للقدح فيه أبداً؛ لأن الذين يقدحون في وقت الفجر إنما هم الذين تركوا صلاة الفجر، وصلوا بعد شروق الشمس، وهذا إغواء واستدراج من الشيطان، وكان يكفي هؤلاء لدخول وقت صلاة الفجر غلبة الظن، فضلاً عن أن الوقت قد حدد من طريق جهات متخصصة، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، ثم ما مصلحة هيئة الأرصاد أن تضللنا في وقت صلاة الفجر؟! ثم إن هذا الكلام قد قيل قديماً ونُشر، ونحن لسنا أهل خبرة وتخصص، وإن كان هناك خطأ في تحديد وقت الفجر فالإثم على من دلّس علينا يوم أن يسألنا الله: لِمَ صليتم قبل الوقت؟ فنقول: هؤلاء يا رب هم الذين حددوا لنا الوقت، وعليه فأنا غير مطالب بأن أخرج وأنظر إلى السماء كبعض إخواننا عندما ينظر إلى الشمس، فإن غابت يصلي بلا أذان ولا إقامة، أو ينظر إلى السماء ليتلمس الهلال بعينه، ولا يثق في رؤية ولا في أرصاد، فما هذا الكلام؟ وهل أنت دولة لوحدك؟ وهل أنت ستقيم لنفسك مركز أرصاد؟ فيا عبد الله! أنت مع جماعة، ولا بد أن تحترم الجماعة، ولا بد أن تكون ملتزماً بأمر الجماعة، أما أن تنشق وأن تنفرد بعيداً وتصلي بمفردك فهذا لا نعرفه، والله تعالى أعلم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم بلغنا رمضان، واغفر لنا فيه الذنوب، واستر لنا فيه العيوب، وتجاوز لنا فيه عن السيئات. وجزاكم الله خيراً وبارك فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع خليل الرحمن إبراهيم [1]

مع خليل الرحمن إبراهيم [1] في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام عظة وعبرة، وفي منهجه للدعاة أسوة، حيث خصه الله تعالى بفضائل عظيمة، وحصر النبوة والرسالة بعده في ذريته، وأخبر عن عظيم صبره وتحمله الأذى في ذات الله، وحكمته في دعوة أبيه وجدال قومه عبدة الأوثان.

متعة الحديث عن إبراهيم عليه السلام

متعة الحديث عن إبراهيم عليه السلام الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل:53]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: أيها الإخوة الكرام! حديثنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. إبراهيم الذي وفى، واتخذه الله خليلاً، وهو أول من أكرم الضيف، وأول من لبس السراويل، وأول من اختتن، بذل جسده للنيران وماله للضيفان وولده للقربان، فاستحق أن يكسى عند الواحد الديَّان. إبراهيم قالت اليهود فيه: إنه يهودي، وقالت النصارى: إنه نصراني، فأنزل الله رداً عليهم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67]. وقد قال الله في حقه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120]. وقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً} [مريم:41]. الحديث عن إبراهيم ربما يستغرق جمعاً لا جمعة واحدة، وقد آثرت أن نعيش مع إبراهيم عليه السلام في هذه الأيام؛ لأننا في أشهر الحج: شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، التي قال الله في حقها: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، والذي أذن في الناس بالحج بإذن ربه هو إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27]. وقد قسمت الموضوع إلى أبحاث: المبحث الأول: في فضائله. المبحث الثاني: في دعوته لأبيه. المبحث الثالث: في دعوته لقومه من عباد الأصنام من دون الله. المبحث الرابع: في مناظرته لعباد النجوم والكواكب، كما وردت في سورة الأنعام. المبحث الخامس: في مناظرته للملك الظالم النمرود بن كنعان. المبحث السادس: في تكسيره للأصنام وإقامة الحجة على عابديها. المبحث السابع: في ذبحه لولده وامتثاله لأمر الله. المبحث الثامن والأخير: في بلائه وبنائه للكعبة.

فضائل إبراهيم عليه السلام

فضائل إبراهيم عليه السلام

وجه كون إبراهيم عليه السلام أمة

وجه كون إبراهيم عليه السلام أُمة أما فضائله: فقد أثنى الله عليه، فقال الله في سورة النحل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ} [النحل:120 - 122]. فقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة) قال بعض المفسرين: أي إماماً وقدوة، هذا المعنى الأول لكلمة (أمة). وقال بعضهم أيضاً: إنه رجل جمع صفات أمة كاملة، فهو رجل بأمة. وانظر كيف تكون إذا كان الحق معك، فإنك تكون قوياً ولو كنت وحدك، فإبراهيم كان وحيداً لكنه كان أمة، ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً))، أي: خاشعاً مطيعاً لله، {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]، فلم يكن مشركاً أبداً.

براءة إبراهيم عليه السلام من الشرك

براءة إبراهيم عليه السلام من الشرك بعض الذين لا يفقهون في دين رب العالمين يتطاولون على إبراهيم بسوء فهم وعدم قصد أو بعمد، فهم يقولون: إن إبراهيم كان يعبد الكواكب، ويستدلون بقول الله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام:76]، وهم لا يفهمون أن قول إبراهيم: (هذا ربي) للتهكم ولتوبيخ من يعبد الكواكب من دون الله عز وجل، فما كان إبراهيم مشركاً يوماً ما، وكيف يكون مشركاً وهو خليل الرحمن؟! ونحن في كل صباح نعلنها: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. يقول الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: وكلمة: (وما كان من المشركين) تنصرف إلى الماضي والحاضر والمستقبل، فلا يفهم أحد أن إبراهيم كان يعبد النجوم، حاشاه. وقد قال تعالى في ختام قصة إبراهيم في سورة الأنعام: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:78 - 79]، وقال هنا: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]. وإذا كنا ننزه الأنبياء عن كبائر الذنوب قبل البعثة وبعدها فمن باب أولى أن ننزه خليل الرحمن عن الشرك، كما قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120]. ثم قال تعالى: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} [النحل:121]، أي: اصطفاه، {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل:121 - 122]، وحسنة الدنيا هي الذكر الجميل بعد موته، وهذا مطلب الصالحين، فبعد أن يموت الإنسان فإما أن يذكره الناس بخير، وإما أن يذكروه بشر، فإبراهيم إذا ذكرناه قلنا: عليه السلام، وإذا ذكرنا خالد بن الوليد قلنا: رضي الله عنه، وإذا ذكرنا الوليد بن المغيرة قلنا: عليه لعنة الله، فالابن نترضى عنه ووالده نلعنه، وأنت إن أردت أن تخلد ذكرك في الحياة فاترك صدقة جارية أو علماً ينتفع به أو ولداً صالحاً يدعو لك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالعلماء أعمالهم لا تنقطع بعد موتهم، ونحن إذا ذكرنا -مثلاً- البخاري ومسلماً ترضينا عليهما ودعونا لهما بالرحمة، وعلمهما لا يزال بيننا. وأما من ترك لنا فسقاً وفجوراً وغناءً وزوراً فكلما رأينا ما تركوا لعناهم بلعنة الله لهم.

جعل النبوة والكتاب في ذرية إبراهيم عليه السلام

جعل النبوة والكتاب في ذرية إبراهيم عليه السلام وكذلك من فضائله: أن الله جعل في ذريته النبوة والكتاب، فما من نبي أتى بعد إبراهيم إلا وينتهي نسبه إما إلى إبراهيم، وإما إلى نوح عليه السلام، يقول الله في ذلك: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26]، فرزق إبراهيم بإسماعيل من هاجر، وبإسحاق من سارة، ومن فرع إسحاق جاء يعقوب الذي هو إسرائيل، ومن فرع يعقوب جاءت أنبياء بني إسرائيل جميعاً، ومن فرع إسماعيل لم يكن إلا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل الله في ذريته النبوة والكتاب، ولأن أهل الكتاب يحسدوننا أرادوا أن يكون الذبيح هو إسحاق، ولكن الذبيح هو إسماعيل، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]، فكيف يبشر بولد، ثم بولد لهذا الولد ويؤمر بذبحه؟ هذا يستحيل، فالمأمور بذبحه هو إسماعيل عليه السلام كما يقول العلماء، ولكن اليهود أرادوا أن ينسبوا هذا الشرف لهم، فقالوا: إن الذبيح هو إسحاق وهذا كلام باطل لا دليل عليه.

كون إبراهيم عليه السلام من أولي العزم من الرسل

كون إبراهيم عليه السلام من أولي العزم من الرسل ومن فضائله كذلك أنه أحد أولي العزم من الرسل، وأولو العزم من الرسل ذكرهم الله في كتابه، يقول ابن كثير: وذكر الخاص بعد العام إشارة إلى منزلة الخاص، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} [الأحزاب:7]، صلى الله عليه وسلم، بعد أن ذكر النبيين إجمالاً ذكر أولي العزم من الرسل الخمسة، النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم جميعاً الصلاة والسلام، فهو أحد أولي العزم من الرسل.

أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام

أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام رابعاً: ومن فضائله أيضاً: ما جاء عند البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً غير مختونين {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104]، ثم أول من يكسى من الخلائق إبراهيم عليه السلام)، فهذه منقبة لإبراهيم. يقول الحافظ ابن حجر: وليس معنى أنه أول من يكسى أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس معنى تقدم المفضول على الفاضل في أمر أن يكون المفضول أفضل في المجموع. فإبراهيم أول من يكسى يوم القيامة من عريه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهو لما بذل جسده للنيران في الدنيا بلا ذنب إلا أنه يدعو إلى توحيد الله، فقد كان أمة في التوحيد وفي الصبر على البلاء وإقامة الحجة على الناس؛ أراد الله عز وجل أن يجازيه من جنس عمله، فكان أول من يكسى يوم القيامة. وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وقد أسند ظهره إلى البيت المعمور، الذي هو كعبة الملائكة، لأنه هو الذي بنى الكعبة الأرضية فاستحق أن يكون عند البيت المعمور كعبة الملائكة، فالجزاء من جنس العمل.

اتخاذ الله لإبراهيم عليه السلام خليلا

اتخاذ الله لإبراهيم عليه السلام خليلاً ومن فضائله عليه السلام: أن الله اتخذه خليلاً، وأنه كما جاء في البخاري: (لم يكذب إلا ثلاث كذبات)، وهذا الحديث -في الحقيقة- يحتاج إلى وقفة، فهذه الكذبات في الله، يقول النووي في شرح مسلم: الكذب مذموم، وأحياناً يكون واجباً باتفاق الفقهاء. فلو أن ظالماً جاء إلى بيتك يطلب رجلاً بريئاً وقد توارى هذا الرجل عندك في البيت، فسألك الظالم: هل عندك فلان؟ فالواجب عليك أن تكذب، حتى تنقذ هذا الرجل من يد ذلك الظالم. ولو جاء إليك ظالم يطلب وديعة ليأخذها بغير حق وسألك عن مكان وجودها فإن أخبرته بالصدق فقد ارتكبت إثماً، يقول شيخ الإسلام: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرَّين. فكذبات إبراهيم عليه السلام لا تعني أنه كذب بالمعنى المراد عندنا، وإنما كان في الله، وعلى سبيل المعاريض، فهو لما قال عن زوجته: إنها أخته لم يكذب، بل عرَّض، فهي أخته في الدين، والمعاريض معناها أن يفهم المستمع معنى وتريد أنت معنى آخر، فإبراهيم عليه السلام كذب في الله عز وجل، وليس المقصود بالكذب الكذب المذموم. ويروي القرطبي في تفسيره قصة عجيبة تؤيد هذا المعنى، وهي أن عالماً كان يدرس العلم لتلامذته، فقام أحد الحضور وسب ولي الأمر؛ لخسته وطيشه، وعدم اتزانه، وعدم مراعاته للمصلحة، وهذه المجالس لا تخلو بالتأكيد من أذن تسمع لتبلغ، فذهب أحدهم إلى ولي الأمر وقال له: سبك فلان في مجلس العالم فلان، فأرسل ولي الأمر إلى العالم يقول له: أسب في مجلسك ولا تدافع عني؟ قال: ما سببت، ومن الذي أخبرك أنك سببت؟ قال: فلان، فقال: ما سببت، قال: تقسم بالله أني ما سببت، فأقسم العالم، فلما أقسم العالم جاء ولي الأمر بذلك الرجل الذي بلغه من بطانته وضربه ضرباً شديداً، فخرج إلى العالم يقول له: تكذب أيها العالم؟! فقال: يا رجل! لقد كذبت حتى أنجي الرجل من القتل؛ لأني لو قلت له: إن فلاناً سبه، لأرسل إليه وقتله في الحال، فاختار العالم أقل المفاسد. ولما مر ابن تيمية على جنود التتار وهم يشربون الخمر أراد أحد تلامذته أن ينهاهم، فقال: دعهم يشربون، فقال: الخمر حرام! فقال: يا بني! إن الله نهانا عن شرب الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، أما هؤلاء فإنهم إن شربوا الخمر أخذت برءوسهم، فانشغلوا بشربها عن قتل المسلمين وسبي نسائهم، وأيهما أولى عندك: أن يتفرغوا لقتالنا، أو يشربوا الخمر؟ ويقول العلماء: إن غلب على ظنك وتأكدت أنك إن نهيت رجلاً عن لعب الشطرنج فانتقل من لعبه إلى لعب الطاولة فاتركه يلعب الشطرنج؛ لأن الشطرنج فيه خلاف، وإن كان الراجح الحرمة، وأما الطاولة ففيها إجماع على الحرمة، فأنت بهذا تنقله من أمر فيه خلاف إلى أمر مجمع عليه، فأيهما أولى؟ ففقه الأولويات فقه هام، وبعض الأخوات المسلمات -بارك الله فيهن- يسترن وجوههن ولكن إذا نظرت إلى أسفل تجد جزءاً من أقدامهن ظاهرة، فيظهرن ما أجمع العلماء على وجوب ستره، ويخفين أمراً مختلفاً فيه، فالقدم أحرى بالستر من الوجه.

كون إبراهيم عليه السلام خير البرية

كون إبراهيم عليه السلام خير البرية ومن فضائل إبراهيم عليه السلام: أنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير البرية) صلى الله عليه وسلم. وفي فضائله جاءت الآيات الكثيرة.

دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه

دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه دعوة الأب مهمة؛ لأنه أولى الناس بالخير الذي عندك وأقرب الناس إليك، وقد قال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]. فابدأ أولاً بأهلك: أبيك وأمك وزوجتك وأبنائك وأعمامك وهكذا، فابدأ بمن تعول أو بمن له قرابة منك. فإبراهيم عليه السلام بدأ أولاً بأبيه، وانظروا إلى حواره مع أبيه كما أتى في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:42 - 45]. يقول المفسرون: انظر إلى تلطفه، فقد استخدم لفظ: (يا أبت) أربع مرات؛ ليستثير عند الأب عاطفة الأبوة، فبدأ أولاً بإقامة الحجة عليه، ولم يسفه الأصنام، وإنما قال له: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ}، فالإله الذي يعبد -يا أبت- ينبغي أن يسمع، فمن الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء إلا رب الأرض والسماء، فنقول لمن ينادي الأموات في أضرحتهم: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:14]. فإبراهيم يقول لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ} [مريم:42]، فالله يعلم السر وأخفى سبحانه. وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين جاءت المرأة المجادلة خولة بنت ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تحدثه في أمر زوجها أوس بن الصامت الذي ظاهر منها، تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة واحدة فكنت أسمع بعض الحديث ولا أسمع البعض الآخر، فأنزل سبحانه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1]. ويقول ابن القيم: والسمع في القرآن يأتي على معان ثلاثة: سمع بمعنى إدراك الصوت، وسمع بمعنى الإجابة، كقولك: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب الله لمن حمده، وسمع بمعنى الفهم، يقول ربنا سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]. وعندما يقول أصحاب النار: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. فالمقصود: أنهم ينفون عن أنفسهم سمع الإجابة، وإلا فهم قد سمعوا الصوت، ومنهم من سمع الدعوة وأعرض، فهم قد سمعوا ولكنهم ما أجابوا، فكأنهم لم يسمعوا، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10 - 11]. {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} [مريم:42]، فالإله الذي يعبد لا بد أن يسمع ويبصر، ويملك لك جلب النفع ودفع الضر، ولا يملك لك جلب النفع ودفع الضر إلا الله، والمشرك لا عقل له، فالذي يدعو غير الله منزوع العقل. وقد روى الدارمي في مقدمة سننه: أن رجلاً من المشركين أرسل ولده ليقدم زبداً ولبناً لصنمه الذي يعبده، فحمل الولد الزبدة واللبن، ثم جاء إلى الصنم ووضع اللبن والزبدة بين يديه، يقول الولد: وقد اشتقت إلى أكل الزبدة واللبن، ولكني خفت أن يصيبني الصنم بأذى، وجلست أنظر إلى الصنم ماذا يصنع؟ فجاء كلب لا عقل له، فأكل الزبدة وشرب اللبن ثم بال على الصنم، فعلمت أن الكلب أعقل مني. فأين عقولكم يا من تدعون غير الله، وتطوفون بأضرحة من تزعمون أنهم من الصالحين وهم لا يملكون لكم نفعاً ولا ضراً؟ ويقول ربنا تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع إِذَا دَعَان} [البقرة:186]؛ فهم كما قال قائلهم لبعض الذين يترددون عليه: عند دخولك من الباب على شيخك اخلع عقلك كما تخلع حذاءك فهم قد يخلعون عقولهم حينما يدعون غير الله ويطلبون المدد من غيره سبحانه. ثم قال إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43]، فانظروا إلى الحكمة والتلطف والأدب في الحوار مع الأب مع أنه مشرك، ول

دروس من قصة إبراهيم

دروس من قصة إبراهيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: في دعوة إبراهيم لأبيه دروس: الدرس الأول: البدء بالأقارب عند الدعوة إلى الله. الدرس الثاني: التلطف في الدعوة إلى الله عز وجل. الدرس الثالث: مقابلة الإساءة بالحسنى. الدرس الرابع والأخير: أنه لا قيمة للأرحام يوم العرض على الله عز وجل، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]. وفي معنى الحديث: أن إبراهيم عليه السلام يلاقي أباه آزر يوم القيامة وجهاً لوجه، فيقول له: يا أبت! ألم أقل لك: اتبعني وأطعني، فيقول: يا إبراهيم! أما اليوم فأتبعك؛ لأنه عاين ورأى، فيقول إبراهيم لربه: يا رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]، وهذا أبي! فيقول الله: يا إبراهيم! إن الجنة حرام على الكافرين، ولا شفاعة للمشركين، فينظر إبراهيم تحت قدمه فيرى أباه قد تحول إلى حيوان -ضبع- يتلطخ بدمه. يقول ابن حجر: ومسخ آزر من صورة بشرية إلى صورة حيوانية لسببين: السبب الأول: رحمة بإبراهيم؛ لأن آزر إذا دخل النار على صفته التي يعرفها إبراهيم تأذى إبراهيم كلما نظر جهة النار ورأى أباه، فأراد الله أن يرحم إبراهيم بمسخ صورة أبيه. السبب الثاني: أن آزر رأى الآيات الدالة على وحدانية الله، وأقيمت عليه الحجة فأبى إلا الشرك، ولذلك فالجزاء من جنس العمل، فمسخ إلى ضبع غبي؛ لأنه اتصف بالغباء، ورفض دعوة التوحيد، ومن ثم مسخ على هذه الهيئة. أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا أنساب يوم العرض على الله إلا التقوى والعمل الصالح، فلا تقل: أنا من قبيلة فلان، أو من أهل البيت، بل لا بد أن تكون على الجادة. وإني أعجب من أقوام يأتون بشجرة العائلة ينتهي فيها نسبهم إلى السلالة الطاهرة، ولم يقدموا شيئاً، وقد قال الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].

تهجم العلمانيين على الحجاب

تهجم العلمانيين على الحجاب أحبتي الكرام! وقبل أن ننتهي من هذه الخطبة المباركة ننبه على مقال خطير، ويبدو أننا الآن في ظل حرية الكفر وليس حرية الفكر، ففي جريدة يكتب كاتب مشهور في الأخبار ومعروف -ولا داعي لذكر اسمه- أن امرأة أرسلت إليه تشتكي من قهر زوجها، ومن الإرهاب الديني التطرفي، وهذا الإرهاب الديني الذي ذكره في هذا المقال: أولاً: أنه فرض عليها أن تلبس النقاب، وهذا إرهاب. ثانياً: أنه منع الغناء في البيت، وهذا أيضاً إرهاب. ثالثاً: أنه منعها من مصافحة الرجال، وهذا إرهاب. رابعاً: أنه منعها من أن تجالس الرجال في الصالة مع الأقارب، وهذا إرهاب. إلى غير ذلك مما ذكره من الأمور التي طلبها الزوج. يقول الكاتب: أنقذوا المرأة من إرهاب المتطرفين الذين فتحت لهم الصحف ليكتبوا. ثم يقول: وأفضل شيء -والحمد لله- أن هذا المقال سيتحول إلى إنقاذ للمرأة من الإرهاب الديني التطرفي. وأما كيفية إنقاذها: فلا بد أن تخلع النقاب، وأن تصافح الرجال وتجالسهم، وأن تسمع الغناء، بدلاً من أن تعود إلى عصور الظلام. وأذكر هنا قول الله تعالى: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]. فقد أصبحت الطهارة عند هؤلاء تطرفاً يحتاج إلى مقاومة، فالكاتب يقول: هبوا لإنقاذ المرأة المصرية، والأخذ بيدها من هذا الاستغلال والنفوذ والتطرف الفكري. أسأل الله عز وجل أن يزلزل قدميك. فمن المتطرف؟ الذي يدعو إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال أم من يدعو إلى سترها؟ فنحن نقول للمرأة: استري جسدك، ولا تخالطي الرجال ولا تجالسيهم، وأما أنت فأنا أعرفك، تعرض عرضك من أول ليلة في العرس، فتدخل زوجتك إلى الكوافير، والديوث يجلس ينتظر على باب الكوافير، والأسرة كلها تنتظر، والكوافير يقلبها يميناً ويساراً في صدرها وفي شعرها وفي نحرها، فإن أراد الزوج البطل أن ينظر إلى عرضه قيل له: قف؛ لم ننته بعد! إنا لله وإنا إليه راجعون! وبعد ذلك تخرج في منظر شبه عار؛ لتتصور مع زوجها صورة فوتوغرافية، ثم توضع هذه الصورة في الصالون حتى ينظر إلى عورة المرأة كل من دخل، ويقول: ما هذا الجمال؟ فأين الرجولة؟ فهل تريدون لنا أن نكون مثلكم لا كرامة عندنا، ولا نغار على أعراضنا؟! كبرت كلمة تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذباً. ثم يقول كلمة كفر والذي نفسي بيده، يقول: إن الزوجة تقول: إن زوجي قد فرض علي أن ألبس الخيمة، فيسمي الحجاب والنقاب خيمة! أسأل الله تبارك وتعالى أن يزلزل العلمانية زلزالاً شديداً؛ فإن عفنها قد عاد يطل برأسه، فيقول عن الحجاب: خيمة، ويهزأ بكتاب الله، ورب العالمين يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، ويهزأ بزوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كن يلبس خيمة على حد تعبيره. وأنا أقول له: اطمئن، فإن الأمة ستتخلص منك ومن عفن فكرك وفكر أمثالك إن شاء الله، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، ففي كل يوم تتوب ممثلة وتندم على ما صنعت، وتعلن توبتها، وترتدي النقاب؛ لتزلزل أقدام العلمانية، ولتطعنهم في المقتل، ولتقول لهم: لم أجد الطمأنينة والاستقرار والراحة إلا في ذكر الله وفي طاعته. أسأل الله سبحانه أن ينصر دينه. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم حجب نساءنا، واستر عوراتنا، وعليك بأعدائنا، ولا تخيب فيك رجاءنا. اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل له فجراً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ربنا إنا مظلومون فانتصر، ومغلوبون فانتقم. اللهم عليك بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. يا رب نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وعلمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نُسِّينا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وانصر أطفال فلسطين، واربط على قلوب المجاهدين. اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم. اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم أرنا في اليهود آية؛ فإنهم لا يعجزونك، جمِّد الدم في عروقهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت بكل جميل كفيل. لقد جذبتني بشدة سطور مقال الكاتب فلان في أخبار اليوم السبت الماضي، فقد وجدته يثير قضية نارية تكشف عن جانب من جوانب الإرهاب، وجاء ذلك من خلال حكاية قارئة تحكي للكاتب تفاصيل العذاب الذي تعيشه تحت تسلط زوجها الذي أخطأ في فهم دين الإسلام وسماحته، فقد تحول إلى جلاد يصدر أوامره من خلال فرمانات لا تقبل إلا الطاعة العمياء، فهي

الأسئلة

الأسئلة

زكاة المحلات والشقق المعدة للبيع

زكاة المحلات والشقق المعدة للبيع Q اشتركت مع أحد الإخوة في شراء قطعة أرض، وقمنا ببناء مبنى من محلات وشقق سكنية بغرض الاستثمار لبيعها، ولكن لم يتم بيع شيء يذكر، فهل يجب علينا أداء زكاة هذا المبنى إذا تم بيع إحدى وحداته للتخطيط، وكيف يتم حساب الزكاة؟ A أنت الآن تخضع لزكاة عروض التجارة؛ لأنك بنيت لأجل البيع، مثل معرض السيارات يخضع لعروض التجارة، وأما من كان عنده سيارة شخصية للاستعمال فليس عليها زكاة، فعليك بعد إتمام الحول أن تجرد الممتلكات بسعر التكلفة -وليس بسعر البيع- ثم تطرح منها الديون التي عليك، ثم تضيف إليها الديون التي لك، ثم تجمع عليها ما عندك في الخزينة من مال، فيخرج ما نسميه بصافي قيمة الأصول عند المحاسبين، فإن تجاوز ألفين وستمائة فعليه ربع العشر، (2. 5%). فأنت -يا أخي الفاضل- تخضع لزكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم.

علاج ظاهرة تسول المحجبات في الشوارع

علاج ظاهرة تسول المحجبات في الشوارع Q ظهرت ظاهرة خطيرة، وهي تسول النساء منتقبات بطريقة تدعو إلى القلق؟ A الحقيقة أن هذا الأمر مشين، فلا يليق بنا أن تخرج أخت ملتزمة بالزي الشرعي تتسول في الشوارع والطرقات، فإن كانت فقيرة أو محتاجة فلتكتب إلى إحدى الجمعيات الخيرية أو تتصل بأحد العلماء أو الشيوخ ليساعدها، {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273]، أما هذا المشهد الذي يسيء إلينا وإلى دعوتنا فلا ينبغي أبداً أن يكون. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة خلف من يقنت دائما في الفجر

حكم الصلاة خلف من يقنت دائماً في الفجر Q إمام مسجد دائم القنوت في صلاة الفجر، هل تجوز الصلاة خلفه؟ A نعم، صل فيه، يقول شيخ الإسلام: إن صليت خلف إمام يقنت فاقنت خلفه ولا حرج، فلا تترك الصلاة لأجل أنه يقنت، فترك الصلاة خلف هذا ليس من السنة. والله تعالى أعلم.

حكم غسل الجمعة والعيدين

حكم غسل الجمعة والعيدين Q هل غسل الجمعة والعيد واجب أم سنة؟ A خلاف بين العلماء، وقد ذهب إلى وجوبه ابن حزم وبعض العلماء. ولكن الراجح من أقوال العلماء: أن غسل الجمعة سنة مؤكدة من آكد السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم في زاد المعاد: هو من آكد السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، ولقد دخل عثمان المسجد دون أن يغتسل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، ولهذا قال من قال بالوجوب: لو لم يكن واجباً لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله. ومن قال بعدم الوجوب قال: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان لأنه صحابي، وهو أولى بالاتباع، إلى غير ذلك من الأدلة. وابن حزم سرد أكثر من عشرين دليلاً في المحلى يستدل بها على الوجوب. والقول الراجح: أنه سنة مؤكدة، وأما العيد فهو سنة مستحبة؛ لأنه مكان تجمع للمسلمين، فينبغي أن يتنظف فيه المسلم. والله تعالى أعلم.

حكم العمل في بناء السينما والمرقص

حكم العمل في بناء السينما والمرقص Q هل عمل النقاشة والكهرباء في السينما والمرقص حرام أم لا؟ A نعم حرام، فالشغل في بناء مرقص أو سينما أو دار يعبد فيها غير الله عز وجل حرام؛ لأن القاعدة عندنا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، فبناء السينما تعاون على الإثم والعدوان، ومن يبنيها فهو مشارك في هذا العمل. والله تعالى أعلم.

حكم الحديث مع المرأة الأجنبية والنظر إليها لسماع كلامها

حكم الحديث مع المرأة الأجنبية والنظر إليها لسماع كلامها Q هل حديث الرجل مع المرأة عن أمر العمل أو غيره حرام أم لا؟ وما حكم النظر إليها بغرض سماع الكلام وفهمه؟ A الله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]، فأنت مأمور بغض البصر، وإن حدثتك امرأة للضرورة فلابد أن تغض بصرك، حتى لو كان الكلام من أجل العمل، ودعك من هذه الحجج الواهية، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25]، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: جاءته وقد وضعت يدها على وجهها، يعني: وارت الوجه وهي تحدث سيدنا موسى، {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]، وهو أيضاً حينما حدث المرأتين قال لهما: {مَا خَطْبُكُمَا} [القصص:23]، فقط، وما أطال الحديث، فالحديث مع المرأة الأجنبية عنك ينبغي أن يكون باختصار شديد وفي أضيق الظروف، مع غض البصر. والله تعالى أعلم.

حكم الأغاني الدينية والوطنية

حكم الأغاني الدينية والوطنية Q هناك من يقول: إن الأغاني الدينية والوطنية حلال؛ لأنها لا تحرك أي غريزة، فما حكم ذلك؟ A هذا كلام لا ينبغي أن يقال أبداً، فالأغاني الوطنية من امرأة عارية بموسيقى وأركسترا والعزف على الناي والفرقة الموسيقية كل هذا حرام. والصحابة في غزوة الأحزاب كانوا ينشدون ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا وكانوا يقولون: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما حيينا أبداً وهذا كلام دون موسيقى ودون طرب ودون تميع أو تمايل، فأما الغناء الوطني أو غير الوطني فهذا كله لا محل له من الإعراب. والله تعالى أعلم.

حكم الابتهالات والأدعية قبيل الأذان

حكم الابتهالات والأدعية قبيل الأذان Q ما حكم الابتهالات والأدعية الإسلامية التي تكون قبيل أذان الفجر والصلوات الأخرى في إذاعة القرآن الكريم، حيث قد قال عنها بعض الناس: إنها بدعة؟ A الابتهالات لا أصل لها في الشرع، وما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال! قم وابتهل قبل الفجر، وبعضهم يردد عبارات شركية، يقول: ألوذ بباب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلب المدد من النبي عليه الصلاة والسلام، كما يقول البعض: اللهم أمدنا بمدد رسولك الكريم، فيطلب المدد من رسول الله، والمدد لا يطلب إلا من الله عز وجل. وأحدهم سمعته الأسبوع الماضي وهو يقول: الله في قلبي، وهذا حلول واتحاد، يعني: أن الله سبحانه نزل من السماء ودخل في قلبه، فهذا كله باطل، وهو حلول واتحاد، وبعض هذه العبارات يرددونها بجهل، وهم لا يعلمون أنها قد تصل بهم إلى الكفر، فالابتهالات لا أصل لها في دين رب العالمين. والله تعالى أعلم.

حكم الصور وتعليقها

حكم الصور وتعليقها Q ما حكم الصور المرسومة والبراويز التي تعلق وفيها صور حيوانات كالجمل؟ A كل الصور التي فيها روح قد نهينا عن تعليقها نهياً جازماً، وقد نهينا عن التصوير إلا للضرورة، كجواز أو بطاقة أو استمارة، وأما ما سوى ذلك فالحديث واضح بيِّن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة)، فالصورة هنا المقصود بها: صورة بمعنى الصورة، ولا يقل أحد: إن المقصود بها التمثال، لأن عائشة لما علقت ستارة فيها تصاوير مزقها النبي صلى الله عليه وسلم، والذي على الستارة تصاوير وليس تماثيل، والصورة مدخل للشرك في تاريخ البشرية، فقوم نوح عليه السلام صنعوا للصالحين صوراً، ثم تماثيل، ثم عبدوها من دون الله. وسد الذريعة عندنا أمر معتبر، فلا تعلق صورة ولو لعالم، والبعض الآن يعلق صورة الشيخ الشعراوي، والبعض منهم يعلق صورة الداعية الفلاني الذي مات، والبعض منهم يعلق صورة سيده فلان الطرشوشي، أو الشيخ الخشاب، ولما يضيق عليه أمر يقول له: يا سيدي! ألا ترى حالي! يكلم الصورة، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فيأتي ابنه يعظم هذه الصورة من بعده ويصنع لها تمثالاً، والذي بعده يعبدها، فتعليق الصور التي فيها أرواح حرام، وأما إذا كان منظراً طبيعياً كحديقة فهذا لا بأس به، وأما صورة جمل أو حيوان، فكل ذلك من ذوات الأرواح. والله تعالى أعلم. والصور التي في الصحيفة غير معلقة ولا مقتناة، فاقرأ الصحيفة وبعد أن تنتهي من قراءة الصحيفة ننصحك بحرقها؛ لأن فيها كلمات معظمة وآيات قرآنية، فتخلص منها.

حكم شراء الأسطوانات العلمية المنسوخة

حكم شراء الأسطوانات العلمية المنسوخة Q هل يجوز شراء الاسطوانة المنسوخة؟ A نشر العلم لا ينبغي أن يكون عليه قيود ولا حجز، فلا ينبغي أن تؤلف كتاباً وتكتب عليه: حقوق الطبع محفوظة، بل كل من أراد أن يقرأ الكتاب فله أن يصوره ممن عنده الكتاب، والذي لا يجوز هو تصويره للتجارة، كما أفتى بذلك الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فإن أردت شراء إسطوانة لنفسك منسوخة أو غير منسوخة فلا شيء عليك. والله تعالى أعلم. فهذا علم، وهل نريد أن نحجر العلم؟ ونمنع الناس من نسخ هذا، وتصوير هذا الكتاب؟ فكيف سيُنشر العلم؟ وقد بوب البخاري (كتاب العلم)، فلابد من إفشاء العلم بين الناس، وعدم وضع القيود على حركته أبداً.

الكيفية التي يبتدأ بها في سجود التلاوة

الكيفية التي يبتدأ بها في سجود التلاوة Q سجود التلاوة هل يفضل أن يكون من قيام؟ فقد قرأت ذلك في كتاب: (ففروا إلى الله) للشيخ أبي ذر القلموني، ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية؟ A نراجع الفتوى، والحقيقة أن هناك أدلة لكل فريق، ونحن إن شاء الله نراجع فتوى شيخ الإسلام؛ لأنه ذكر في سورة النجم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرءوها والصحابة معه جلوس ويسجدون جميعاً دون قيام، وفي البخاري في المجلد الثاني كتاب سجود التلاوة، ولم يأت بموضوع القيام، فسنراجع الموضوع إن شاء الله، وكلام الشيخ أبي ذر واستدلاله بكلام الشيخ ابن تيمية.

حكم تخصيص أماكن لصلاة الجماعة لمن كانوا بعيدين عن المسجد

حكم تخصيص أماكن لصلاة الجماعة لمن كانوا بعيدين عن المسجد Q نحن نسكن مدينة جمعية الطلاب، لكن المبنى الذي نسكن فيه يبعد حوالي كيلو من مسجد المدينة، فقمنا بتخصيص أحد صالات المبنى وجعلناه مصلى نصلي فيه الفروض، فهل تكون هذه الجماعة كجماعة المسجد؟ A نعم، فأنتم في مدينة جامعية لا تستطيعون الخروج منها إلى المسجد؛ لأنه بعيد؛ فخصصوا مكاناً للصلاة، وتجوز الصلاة فيه طالما أنه مكان معدٌّ للصلاة، وهذا كما في المرافق الحكومية يحددون مكاناً أو غرفة لصلاة الموظفين، فطالما أنها مفتوحة وغير محجوبة من الدخول والخروج، وهي مصلى جامع فتأخذ حكم الجماعة إن شاء الله. والله تعالى أعلم.

بيان حالة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء

بيان حالة إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء Q هل يجوز أن أصلي بغسل الجنابة دون الوضوء؟ A يجوز بشرط اتباع السنة، بأن تتوضأ وضوءك للصلاة، ثم تغسل الرأس ثلاث مرات، ثم شقك الأيمن ثم الأيسر، فإن اغتسلت جملة واحدة لزمك المضمضة والاستنشاق مع الغسل؛ حتى يجزئ عن الوضوء؛ لأن المضمضة والاستنشاق عند الحنابلة من واجبات الوضوء، وليست من سننه. يقول ابن قدامة في كتاب العمدة: ومما يؤيد أن الأنف والفم من الوجه وليسا من غير الوجه: أولاً: أن الأنف والفم يأخذان حكم الوجه في كل شيء، فلو أن رجلاً صائماً أدخل الماء إلى فمه وتمضمض لم يفطر، ولو كان الفم من الباطن لأفطر. ثانياً: لو أن طفلاً صغيراً رضع ثم تفله قبل أن يصل إلى جوفه فلا تحسب رضعة، وهذا معناه أن الفم من الظاهر؛ إذ لو كان من الباطن لحسبت. ثالثاً: لو أن رجلاً أصابته نجاسة في داخل فمه فإنه يزيلها، ولو أن الفم والأنف من الباطن لما أمر بالإزالة؛ لأن الإنسان بداخله أذى، والباطن لا يطهر. فالحنابلة يرون أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق، فتمضمض واستنشق ويجزئك هذا. والله تعالى أعلم.

حكم أخذ الزوجة من مال زوجها دون علمه

حكم أخذ الزوجة من مال زوجها دون علمه Q امرأة تأخذ من أموال زوجها دون علمه بهذا، فأخذت منه مبلغاً وأقرضته صديقة لها فترة محدودة، فلما ردت الصديقة المبلغ أخبرت زوجها بهذا المبلغ، فلما سألها قالت: إن هذا المال هو مالك، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز لها أن تأخذ من مال الزوج إلا بإذنه، فإن أقسمت لزوجها بعد أن ردت صديقتها المبلغ أنه مال صديقتها لزمتها الكفارة؛ لأن هذا المال الذي ردته الصديقة هو مال الزوج، وإن أرادت التعريض نقول لها: إنك قد ارتكب أولاً إثماً بأخذك للمال دون استئذان من الزوج، فكفري عن يمينك بإطعام عشرة مساكين، وعليك الإطعام من حر مالك، والله تعالى أعلم.

حكم زواج المرأة ممن يعمل في بنك يتعامل بالربا

حكم زواج المرأة ممن يعمل في بنك يتعامل بالربا Q إحدى الأخوات عقد قرانها على أحد الشباب، وهذا الشاب ترك عمله، ثم عمل في أحد البنوك الربوية، وهو لم يدخل بها حتى الآن، فهل يجوز لهذه الأخت أن تفسخ العقد بسبب عمله في البنك؟ A هي عقدت عليه وهو لا يعمل، ثم طرأ أن عمل في أحد البنوك الربوية، فأقول لها: انصحيه بترك عمله أو بتغييره، فإن أصرَّ فلا تعاشري رجلاً يأكل الربا، فاتقي الله -أيتها الأخت- ولا تعاشري رجلاً دخله من الربا، (أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به). ويجوز أن تدخل بعض الإخوة الصالحين لفسخ هذا العقد.

شرط إباحة تعدد الزوجات

شرط إباحة تعدد الزوجات Q أخ يريد أن يتزوج أكثر من واحدة فهل هناك شروط لهذا؟ A الشرط: أن يكون لكل زوجة مكان مستقل تستطيع أن تتحرك فيه بحرية، كأن يكون لكل واحدة غرفة مستقلة، لها باب مغلق عليها، بحيث تستطيع أن تضع ثيابها وتتحرك بحرية.

حكم الصلاة بين السواري

حكم الصلاة بين السواري Q ما حكم الصلاة بين السواري؟ A خلاصة القول فيها: أنه يجوز للإمام أن يصلي بين ساريتين، وكذلك يجوز للمنفرد أن يصلي بينهما، ويكره للمأمومين الصلاة بين الأعمدة إلا للضرورة كأن يضيق المسجد، فلا بأس أن تقطع الصفوف بالسواري أو الأعمدة، وفي هذا بحث للشيخ الألباني.

حكم الإتيان بدعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة

حكم الإتيان بدعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة Q هل لصلاة الجنازة دعاء استفتاح؟ A ليس لصلاة الجنازة دعاء استفتاح.

حكم الحلف بأيمان متعددة على شيء واحد

حكم الحلف بأيمان متعددة على شيء واحد Q حلفت قبل سنتين على شيء ثم حلفت عليه قبل سنة ثم قبل ستة أشهر ثم حنثت، فهل علي كفارة؟ وهل أجمع بين كفارة الحلف السابق وكفارة الحلف اللاحق؟ A إن كان الحلف على أشياء مختلفة فعليك على كل يمين كفارة، إطعام عشرة مساكين عن كل يمين.

حكم أخذ المرأة من مال أبيها دون إذنه

حكم أخذ المرأة من مال أبيها دون إذنه Q طلبت امرأة من أبيها مالاً فلم يعطها، وهي متزوجة وزوجها معسر، فأخذت بغير علم أبيها من ماله، فما الحكم؟ A لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال أبيها إلا بإذنه، ويجوز للأب أن يأخذ من مال ولده دون إذنه، وليس العكس، والله تعالى أعلم.

مع خليل الرحمن إبراهيم [2]

مع خليل الرحمن إبراهيم [2] تضمنت قصة إبراهيم الخليل المبثوثة في كتاب الله تعالى أدلة عظيمة من أدلة البعث وإحياء الله تعالى الموتى، كما تضمنت جملة عظيمة من دعوات إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حال رفعهما قواعد البيت، وتلك الدعوات مما ينبغي للمسلم المتبع ملة إبراهيم أن يواظب على دعاء الله تعالى بها، ويسأل الله تعالى حصول الإسلام له والتسليم، ويسأله تعالى قبول الأعمال والإثابة عليها.

دعاء إبراهيم عليه السلام أثناء رفع القواعد من البيت

دعاء إبراهيم عليه السلام أثناء رفع القواعد من البيت الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم. يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد. فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. وقد قال لأصحابه يوم حجة الوداع وهم يزيدون على المائة ألف: (إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ فارتفعت الأصوات تقول: نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله! فرفع السبابة إلى السماء ونكتها إلى الأرض قائلاً: اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد، اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد). ونحن نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله. ثم أما بعد: أحبتي الكرام! نواصل الحديث مع قصة حبيب الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. إن إبراهيم عليه السلام وهو يرفع القواعد من البيت دعا بثلاث دعوات: الدعوة الأولى: قال: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]. الدعوة الثانية: قال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:128]. الدعوة الثالثة: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:129]. يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا دعوة أخي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورأت أمي حين ولدتني نوراً أضاء لها قصور الشام).

الأدلة القرآنية على البعث

الأدلة القرآنية على البعث وقصة إبراهيم عليه السلام وقضية البعث نقف عندها قليلاً؛ لنبين بالأدلة القاطعة موقف القرآن من البعث والنشور، وهي من أهم قضايا العقيدة، يقول ربنا سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. والقرآن الكريم حينما تناول قضية البعث تناولها بأدلة قاطعة بينة تدلل وتثبت أن الذي خلق العباد أول مرة هو الذي يبعثهم بعد الموت، وهي أدلة خمسة:

دليل الخلق الأول

دليل الخلق الأول الدليل الأول: دليل الخلق الأول من عدم والنشأة الأولى، وهذا كثير في القرآن، فلننتبه إليه، مثل قول الله تعالى في سورة مريم: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66]، و A { أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:67]، فربط بين قضيتين. ومما استدل به القرآن على قضية البعث من القبور بقضية الخلق من عدم قوله تعالى في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79]. وفي سورة القيامة ربط أيضاً بين القضيتين: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]، أي: هملاً، {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:37 - 40]. بلى يا رب! أنت قادر. وفي سورة الطارق ربط بين الخلق والبعث، يقول ربنا سبحانه: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]، فتأمل وتدبر وتفكر في الخلق أول مرة؛ لتعرف من الذي سيبعثك بعد الموت. وإن كنت عاجزاً فانظر، {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:5 - 8].

إحياء الأرض بعد موتها

إحياء الأرض بعد موتها الدليل الثاني: إحياء الأرض بعد موتها، وهذا يسميه العلماء القياس العقلي، والقياس عند علمائنا من مصادر التشريع المعتبرة، والنبي عليه الصلاة والسلام استخدم القياس في أكثر من موضع، فلما جاءه رجل وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت ولداً أسود)، فالرجل كان أبيض والزوجة بيضاء وولدهما أسود، وقد أراد الرجل أن يلاعن الزوجة وكأنها انحرفت، ومن شابه أباه فما ظلم، أي: ما ظلم أمه، واليوم يعلمون أبناءنا في الدراسة الثانوية أنه إذا جامع الرجل زوجته فهناك احتمالات للإنجاب، ونقول لهم: ليس هناك حتمية علمية على الله عز وجل، بل {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، ولو أخذنا هذه المسألة وقلنا لهم: أعطونا احتمالات الإنجاب فسيستبعدون السواد تماماً، وأما في الشرع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (أعندك إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق -يعني: أفيها واحد يخالف لونه لون سائرها؟ - قال: نعم يا رسول الله! قال: ما تقول فيه؟ قال: لعله نزعه عرق -وكما يقولون: العرق يمد إلى سابع جد- فقال: فلعل ولدك نزعه عرق). فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يقرب للرجل هذا المعنى بالقياس، وربنا عز وجل أبطل قضية أن عيسى ابن الله بالقياس، فقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]. أي: فإن كنتم تتعجبون من أن عيسى خلق من أم بلا أب وبسبب ذلك نسبتموه إلى الله وقلتم: إنه ابن الله؛ فخلق آدم أشد في الإعجاز من خلق عيسى، فهو بلا أب ولا أم، فأيهما أولى بالإعجاز إذاً؟ وقد ناظر رجل من أهل السنة رجلاً من أهل الظاهر ينكر القياس، فقال له: إن الله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]، فما تقول فيمن يعمل نصف مثقال ذرة؟ فالقرآن ليس فيه نصف، وإنما فيه ذرة، وبدون قياس لن يستطيع الإجابة، فقال له الرجل: أبلعني ريقي حتى أستطيع الإجابة، قال: أبلعتك دجلة، أي: اشرب نهر دجلة، وليس الريق فقط، قال: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك إلى قيام الساعة، فلن تستطيع أن تجيب إلا إذا استخدمت القياس، وهذا قياس الأولى. وقد استخدم قياس الأولى هرقل الداهية لما سأل أبا سفيان -كما في صحيح البخاري -: أتتهمونه بالكذب؟ قال: لا، فقال هرقل مستنبطاً بقياس الأولى: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، فهذا يستحيل. وهذا هو قياس الأولى. فالدليل الثاني في القرآن: القياس العقلي، مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39]، وفي الحديث: أن الله عز وجل يرسل ماءً على الأرض قبل البعث فتنبت الأجساد من القبور كما ينبت النبات، وهذا أيضاً للتقريب إلى العقول. وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:57]، أي: كما يخرج النبات من الأرض فكذلك يخرج العباد من قبورهم، وبعثهم ليس بكثير على رب الأرض والسماء.

الاستيقاظ من النوم

الاستيقاظ من النوم الدليل الثالث: الاستيقاظ بعد النوم، فالنوم موت، ولكنه موت أصغر، ولذلك كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عند استيقاظه من النوم: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، فبين الحديث أن النوم موت، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42]، فالوفاة قسمان: وفاة بالموت، ووفاة بالنوم. وإذا استيقظ العبد من نومه ردت إليه الروح، وإن لم تفارق الجسد، فالنوم موتة صغرى والاستيقاظ من النوم بعث، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها لجنة أبداً، أو لنار أبداً). ويقول لقمان لولده: إن كنت لا تؤمن بالموت فلا تنم، وإن كنت لا تؤمن بالبعث فلا تستيقظ. فالذي أيقظك من نومك هو الذي يبعثك بعد موتك. والنوم نقص، ولله صفات الكمال، ولذلك فهو سبحانه {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، لأن النائم يحتاج لمن يدبر أمره وهو نائم، فمثلاً أنت عندما تنام فإن نبضات قلبك تعمل ولا تتوقف، ولا يقوم على أمرها إلا القيوم الذي يقوم على أمر خلقه، فهو لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

خلق السماوات والأرض

خلق السماوات والأرض الدليل الرابع: خلق السماوات والأرض، قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]. وقال: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات:27 - 28] ((وَأَغْطَشَ)) أي: أظلم، {لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:29 - 33]. فخلق السماوات والأرض دليل على أن الله يبعث العباد بعد موتهم سبحانه وتعالى.

القصص القرآني

القصص القرآني الدليل الخامس: القصص القرآني، كما في قصة إبراهيم حينما قال لربه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: (نحن أولى بالشك من إبراهيم)، فيستحيل على إبراهيم أن يشك في قدرة الله على البعث، ولكنه أراد أن يزداد إيماناً مع إيمانه، ومن فقه البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان في صحيحه أن وضع عنواناً (باب زيادة الإيمان ونقصانه)، أي: أن الإيمان يزيد وينقص، واستدل بهذه الآية: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، أي: لأزداد إيماناً مع إيماني، فأنا أريد أن أرى كيفية البعث ليزداد يقيني، مع أني مؤمن بالبعث لا شك في ذلك.

القصص الواردة في سورة البقرة الدالة على البعث

القصص الواردة في سورة البقرة الدالة على البعث وقد جاءت في سورة البقرة -كما قال الحافظ ابن كثير - خمس قصص تدل على البعث.

قصة بقرة بني إسرائيل

قصة بقرة بني إسرائيل الأولى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67]، في قصة بقرة بني إسرائيل، وبنو إسرائيل هم اليهود، وذلك لما قتل أحدهم عمه وحمل جسده وألقاه في قرية مجاورة؛ ليلصق التهمة بأهل تلك القرية، فاليهود يقتلون، ويحاولون أن يتملصوا من القتل، ويتهمون الآخرين، فهم ليل نهار في دك، وقتل للأطفال، ونسف وهدم لبيوت الموحدين، ويقولون: نحن نسعى إلى السلام، وأيديهم تقطر بالدم، فهذا استسلام وليس سلام، فهم يقتلون ويرفعون شعار السلام، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:5]. ثم إن القاتل جاء إلى موسى وقال له: يا كليم الله! عمي قتل، فمن قتله؟ فقال الله لموسى عليه السلام: مرهم أن يذبحوا بقرة، فقال لهم موسى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً))، فقال هؤلاء السفهاء: ((أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))؟ أتهزأ بنا يا موسى؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:67 - 68]، وهذا من سوء أدبهم، لم يقولوا: ادع لنا ربنا، وإنما قالوا: ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ))، فكأنه رب موسى وليس ربهم هم، فهذا من سوء أدبهم مع أنبيائهم، وهم قتلة الأنبياء في كل الأزمنة والعصور، وناقضوا العهود والمواثيق، {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء:78]، فاليهود ليس لهم عهد ولا ميثاق. {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}، أي: وسطاً، وخير الأمور الوسط. {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:68 - 70]، فشددوا فشدد الله عليهم، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ}، أي: سالمة من العيوب، {لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}، الآن! وكأنه قبل ذلك جاء بالباطل! {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]. فلما ذبحوها أمرهم الله أن يأخذوا جزءاً منها ويضربوا القتيل به، فأخذوا جزءاً منها وضربوا به القتيل فأحياه الحي الذي لا يموت، فقام القتيل فسأله موسى: من الذي قتلك؟ فأخبره عمن قتله. قال سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، فهي لا تعرف الرحمة، وإن عرفت الحجارة الرحمة فقلوب اليهود لا تعرفها، وإن أردت دليلاً على ذلك فانظر إلى ذلك الغلام الصغير الذي خرج خلف أبيه ليشتري له أشياء، وهو محمد الدرة، فقد أخجل الضمير العربي يوم أن قتله اليهود وهو يستغيث بهم، فهو طفل لا يملك شيئاً، ولكن قلوب اليهود لا تعرف الرحمة، فهم لا يفرقون بين صغير ولا كبير، وإنما شعارهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]. قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. و (أو) هنا بمعنى: بل، يعني: بل {أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، فقلوبكم أقسى من الحجارة.

قصة العزير

قصة العزير القصة الثانية في سورة البقرة: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:259]، وهو العزير مر على بيت المقدس، {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}، بعد أن وجدها قرية محطمة ليس فيها حركة، فوقف يقول: {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}، أي: لم يتغير، {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ}، فالحمار الذي بجواره كان قد تحلل عظاماً نخرة، وأصبح رماداً وتراباً، {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً}. فقام الحمار بقدرة الحي الذي لا يموت بين يدي العزير بعد أن أحياه الله عز وجل. {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259].

قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت

قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت القصة الثالثة في سورة البقرة أيضاً: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:243].

قصة الذين طلبوا من موسى رؤية الله جهرة

قصة الذين طلبوا من موسى رؤية الله جهرة القصة الرابعة في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55]، فهم لا يؤمنون إلا بالملموس، كشأن العلمانية عندنا، وسنفرد للعلمانية لقاء؛ لأنها بدأت الآن تطل برأسها من جديد ليل نهار، وتطعن في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كل باب من أبواب الدين، فهي تلحد في العقيدة وفي الشريعة، وقد فتحت لهم الصحف ليعبروا عن عقائدهم الفاسدة. والحرب على الإسلام في هذه الأيام واضحة المعالم، فقد أغلقت بعض الجامعات في باكستان، وجففت المنابع، وأراد قائدها العلماني أن يغير مفهوم الجهاد من جهاد الشرك والكفر إلى جهاد الفقر والجوع والمرض، ويحارب السلفية بكل معانيها. فدينك دينك، فهو لحمك ودمك، فعض عليه بالنواجذ؛ لأنك في زمن الغربة، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، فلا بد من تمحيص للصف، ومن البلاء والاختبار، ودين الله عز وجل قادم لا شك في ذلك، وهو سبحانه القائل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]، ولو كره الكافرون والعلمانيون فسيظهر الله عز وجل دينه بنا أو بغيرنا، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].

قصة سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى

قصة سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى القصة الخامسة: قصة إبراهيم، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]. كل هذه أدلة تدل على أن الله قادر سبحانه على أن يبعث العباد بعد موتهم، وصدق سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. وقال في سورة الإسراء: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} [الإسراء:50]، أي: حتى إن أصبحتم حجارة أو حديداً، {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:51]، فعند ذلك ستلتوي الرءوس ويقرون أن الله عز وجل هو القادر سبحانه. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

دعوات إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام

دعوات إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام

دعوتهما بقبول أعمالهما

دعوتهما بقبول أعمالهما الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلقد دعا إبراهيم وولده إسماعيل بثلاث دعوات وهما يرفعان القواعد من البيت، وأول دعوة دعاها قال: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة:127]، وكان بعض السلف يبكي ويقول: يا خليل الرحمن! ترفع بيت الرحمن وتخشى ألا يتقبل الله منك! وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60]، والمقصود بذلك: أن العبد الصالح يفعل الطاعات ويصلي ويزكي ويصوم ويأمر بالمعروف ولكنه يخشى ألا يتقبل الله منه، ولذلك يقول ابن دقيق العيد: كل عمل مقبول صحيح، وليس كل عمل صحيح مقبول، فقد يكون العمل صحيحاً مستوفياً شروطه ولكن الله عز وجل لا يقبله، وليس لأعمالنا قيمة إن لم يتقبلها الله عز وجل، ولذلك يقول سبحانه: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. وقبول الأعمال له شرطان: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله عز وجل. الشرط الثاني: أن يكون موافقاً لهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فالإخلاص والمتابعة شرطان لقبول العمل عند الله تبارك وتعالى، وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يغشى عليه إذا حدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم ومتصدق ومجاهد، أما العالم فيسأله ربه: تعلمت العلم فماذا صنعت به؟ فيقول: يا رب! ما تركت مكاناً إلا ودعوت إليك فيه، فيقول له الله تعالى: كذبت، ولكنك تعلمت وعلمت ليقال عنك: عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار). فطهر أعمالك يا عبد الله، فطريق الخلاص هو الإخلاص، إخلاص العمل لله تبارك وتعالى، فأخلص عملك يكفك القليل كما قال العلماء.

دعوتهما بحصول إسلامهما لله رب العالمين

دعوتهما بحصول إسلامهما لله رب العالمين والدعوة الثانية: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128]، فالإسلام دين الأنبياء جميعاً، وفي الأسبوع الماضي قالت امرأة طبيبة: قد لوثوا أفكارنا، عندما وضعوا في عقولنا أن الإسلام هو الحق وليس غيره. والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً، وليس هذا تلويثاً، واسمعي إلى قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]. وقال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128]، وعيسى عليه السلام يقول للحواريين: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52]. وقالت ملكة سبأ: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44]، فالإسلام هو دين الله المقبول، وقد تتعدد الأديان، ولكن الدين المقبول عند الله هو الإسلام، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، ويقول تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]. وفي الصين واليابان ودول أوروبا يخترعون كل يوم ديناً كما يخترعون الأجهزة الكهربائية، حتى الحشرة يريدون أن يعملوا لها ديناً، والهندوس عباد البقر يقول زعيمهم الأسبق غاندي: إن أمي البقرة أفضل عندي من أمي التي ولدتني؛ لأن البقرة تعطيني لبناً طوال عمرها ولا تحتاج مني إلى بر، وأما أمي فترضعني حولين وتحتاج مني إلى بر. فانظروا إلى هذه العقول! ولذلك في الهند إذا دخلت البقرة متجراً فإن صاحب المتجر يعظمها ويبجلها، فإذا حطمت البضائع ازداد سروراً وغبطة، ويزداد سروراً أكثر إذا تفضلت عليه وتغوطت؛ حتى يتبرك ببرازها، فأي عقول هذه؟! فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، وكفى به نعمة. قال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة:128]، أي: أرشدنا لشرائع حجنا، وعلمنا المناسك، وأرشدنا إليها، وشرائع الحج وأعماله تسمى مناسك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، والذبح أيضاً يسمى نسكاً، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي}، يعني: ذبحي، {وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163].

دعوتهما ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم من ذريتهما

دعوتهما ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم من ذريتهما والدعوة الثالثة: دعاها إبراهيم وهو يرفع القواعد ويقول: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} [البقرة:129]، أي: من ذرية إسماعيل، وهو الحبيب عليه الصلاة والسلام، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد دعوة إبراهيم بآلاف السنين؛ فلا تتعجل الإجابة، فإذا دعونا في القنوت على اليهود والأمريكان فلا نستبطئ الإجابة، فقد أجاب الله دعوة إبراهيم ببعثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بعد آلاف السنين، ولذلك جاء في الأثر: إن العبد يدعو ويقول: يا رب! يا رب! فيقول الله لملائكته: أجلوا مسألة عبدي، فتقول الملائكة: لم يا رب؟! فيقول الله: إني أحب أن أسمع صوته. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا وثبتنا على الإسلام دائماً يا رب العالمين! وعلمنا التوحيد، واقبضنا عليه، وابعثنا مع أهله يا رب العالمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكِّن لدينك في الأرض يا رب العالمين! اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم آية فإنهم لا يعجزونك، اللهم كما أزلت النمرود ببعوضة، فأزل رءوس الكفر يا رب العالمين. إنك حسبنا ونعم الوكيل. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، وأمتنا شهداء في سبيلك، ومتعنا بالشهادة يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا. اللهم علمنا القرآن وخَلِّقنا به، وارزقنا حب القرآن وحفظه وتلاوته. اللهم نور صدورنا وبيوتنا بالقرآن، وشفعه فينا، واجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه. اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين. اللهم اربط على قلوب المجاهدين، اللهم اربط على قلوب المجاهدين، اللهم وحد جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. قصة إبراهيم عليه السلام فيها من الدروس والعبر الكثير والكثير، ولا سيما في مناظرته للنمرود بن كنعان، ذلك الملك الظالم الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، فأصيب بغيبوبة ووقع من على الكرسي واصطدم وجهه بالأرض فشجت الشفة وبعض الجبين، فأقول: اللهم يا من أهلكت النمرود ببعوضة أهلك كل طاغية ببعوضة، فإنك على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الإيداع في البنوك بفوائد ربوية

حكم الإيداع في البنوك بفوائد ربوية Q أودعت في البنك (5000) جنيه، وبعد مرور عام وصل المبلغ إلى (10000) فماذا أفعل من حيث زكاة المال بالنسبة للمبلغ الكلي، وأريد النصيحة بالتخلص من هذا؟ A تعاملات البنك المحددة بسعر الفائدة ربا، وما هو الربا إن لم يكن هذا منه؟ فالقرض بفائدة ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة ربا، ولذلك أنصحك أن تتخلص سريعاً من هذه التعاملات. وأما المال الذي وضعته في البنك ونما أو زاد بفائدة فعليك أن تأخذ رأس المال فقط وتتخلص من الفائدة، والتخلص من الفائدة يكون -كما قال بعض العلماء-: بشيء يناسبها، كإقامة دورة مياه، أو رصف طريق عام، أو بعض الأشياء التي تناسبها؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

بيان ما يصل إلى الميت من الأعمال

بيان ما يصل إلى الميت من الأعمال Q توفيت والدتي فما الذي يصل إليها من ثواب الأعمال؟ وهل يجوز التصدق بنية هبة الثواب لها؟ A هذا موضوع مهم، ويحتاج من طلبة العلم إلى أبحاث حول ما يصل إلى الميت بعد موته، وعندنا في الأرياف ظواهر عجيبة، فأول ما يضعون الميت في القبر يقوم فوق رأسه بعض التراباتية يقرءون {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس:1 - 4]، حتى يكمل السورة، ثم يقول: الفاتحة. وقراءة القرآن على القبور لا تجوز، كما قال ذلك الشيخ الألباني في بدع الجنائز، والواجب عليك عند القبور أن تدعو لهم؛ لحديث عائشة قالت: (يا رسول الله! ماذا أقول عند زيارة القبور؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، وفي الحديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)، قال العلماء: مفهومه أن القبور لا يصلى إليها ولا يتعبد فيها ولا يقرأ فيها قرآن. وأما ما يصل إلى الميت بعد موته فالحج عنه إن مات ولم يحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الجهنية التي قالت: (يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء)، يعني: أنه ينبغي أن تحج عن الميت إن لم يكن قد حج، شريطة أن يكون الذي يحج عن الميت قد حج عن نفسه، وكذلك الصوم عنه إن كان قد نذر صياماً، لحديث: (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)، وأما إن كان أفطر لمرض فليطعم عن كل يوم مسكيناً، و (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالدعاء والصدقة الجارية والعلم الذي يتركه الميت يصل إلى الميت بعد موته، إلى غير ذلك. وأما ما نراه الآن من قراءة القرآن على أرواح الأموات إلى غير ذلك من الأعمال فهذا مما لا ينبغي، والصلاة لا تجوز عن الميت، لأن الصلاة فرض على المكلف لا تسقط عنه بحال، بل يصلي على جنبه أو إيماء بعينه، والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة بحسب توقيت التقويم الدقيق

حكم الصلاة بحسب توقيت التقويم الدقيق Q نحن من الصعيد ونصلي الفجر بعد الأذان بعشر دقائق فقط، فهل نعيد الصلاة؟ A صلاتكم صحيحة إن شاء الله، ولا إعادة عليكم، ولا داعي للتشكيك في مواقيت الصلوات؛ فإن غلبة الظن تكفي في دخول الوقت، وقد حقق بعض علمائنا في هذا كثيراً، فوجد أن هذه الأوقات المعلن عنها في النتائج صحيحة (100%)، وأما من قال: إن هناك خطأ في تقدير وقت دخول الفجر مدة عشر دقائق أو ربع ساعة أو ثلث ساعة فنقول له: ما ثبت بيقين لا يزول بشك. وللأسف الشديد بعض الناس الذين تبنوا هذا الرأي وأخروا الصلاة منهم من يضيع الجماعة، ومنهم من يصلي بعد شروق الشمس، ومنهم من يصلي في بيته منفرداً؛ لأنه فرط في أول الوقت. ولقد نشرت مجلة التوحيد بحثاً قبل ذلك في هذا الأمر ووقع عليه كثير من العلماء، فلا داعي أبداً لهذا الكلام. والله تعالى أعلم.

حكم تشريح جثة الإنسان للتعليم

حكم تشريح جثة الإنسان للتعليم Q ما حكم تشريح جثث الموتى للتعليم بكلية الطب؟ وإذا كان حراماً فماذا يعمل طالب الطب؟ A لا يجوز أبداً أن تستخدم جثة المسلم بعد موته للتشريح والتمثيل عليها، فحرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، ومن الممكن أن تشرح ضفدعة، فإن كان هناك بديل يفي بالغرض أو جهاز بلاستك فيه نفس الأجهزة فاللجوء إليه أولى، وأما أن تخرج جثة ويمثل بها وتشرح فهذا لا ينبغي أن يكون أبداً، وإن كنت مكرهاً على ذلك فأنت في حكم المكره. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة والحج عن الميت

حكم الصلاة والحج عن الميت Q ما كيفية قضاء الحج عن الميت؟ وما حكم الصلاة عنه؟ A الصلاة عن الميت لا تجوز كما قلنا، وأما الحج عن الميت فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: (لبيك عن شبرمة، فقال له: من شبرمة؟ قال: أخي لي. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة). وقد أفتى بعض أهل العلم أنه إذا ترك الميت تركة ولم يحج أنه يبدأ بتسديد ديونه، ومن الديون الحج، فلا بد أن يحجز مبلغ من تركته ليحج عنه أحد الأبناء شريطة أن يكون قد حج عن نفسه؛ لأن دين الله أحق بالقضاء، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أفأحج عن أمي يا رسول الله؟! قال: نعم) فبدلاً من أن نورث الأموال للورثة والميت يحاسب عن تفريطه في الحج ينبغي علينا أن نحج عنه. والله تعالى أعلم. وأقترح أن يقوم أحد الإخوة العلماء بعرض مناسك الحج والعمرة، بالصوت والصورة على شاشة تعرض المناسك، ويعلن في المنطقة أو في مصر كلها أن هناك شرحاً لمناسك الحج والعمرة فلا بد أن نعلم الناس هذه المناسك قبل أن يرحلوا من هنا، فأحد الحجاج قبل سنتين أو ثلاث أول ما وصل مكة حلق شعره بالمكينة، ثم قال: الحمد لله انتهيت من العمرة، وظن أن العمرة الحلق فقط، فحلق رأسه قبل أن يؤدي أي نسك آخر. وقال آخر: دخلت المسجد فوجدت علبة سوداء. أي: الكعبة! فهناك جهل في الأمة. فلا بد أن نعلم الناس مناسك الحج والعمرة بالتبسيط، وما يصنع من لحظة أن يخرج من بيته إلى أن يعود بالصوت والصورة، وبالرسوم التوضيحية والوسائل التعليمية، والحج يجمع شتى المذاهب والفرق، فلا بد أن يكون الأمر واضحاً.

حكم سفر المرأة للعمرة بدون محرم

حكم سفر المرأة للعمرة بدون محرم Q امرأة مطلقة تريد العمرة، وليس لها سوى ولد عمره أحد عشر سنة، فهل تسافر معه؟ A لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى الحج أو العمرة إلا بمحرم، وهذا الولد لا يصلح أن يكون محرماً؛ لأنه لم يبلغ، والشافعي رحمه الله قد أفتى بجواز أن تخرج المرأة إذا كان هناك صحبة آمنة، ولو رأى حالنا اليوم لعدل عن قوله هذا، حيث لا توجد الصحبة الآمنة الآن، فلا يجوز ذلك، وإن كان لا يجوز في الحج فمن باب أولى في العمرة. وكذلك المرأة الكبيرة التي تعدى عمرها الستين أو السبعين سنة لا تحج إلا بمحرم؛ لأن هناك بعض من هي في سن السبعين أفضل ممن هي أصغر منها. فالمرأة -قولاً واحداً- لا تخرج إلا بمحرم، فإن لم تجد هذه المرأة محرماً فهي غير مكلفة؛ لأن التكليف لمن استطاع، ومن شروط الاستطاعة للمرأة أن يكون لها محرم، ولا تلتفتي لغير ذلك أبداً. والله تعالى أعلم.

بيان ما يلزم في القتل الخطأ

بيان ما يلزم في القتل الخطأ Q سائق قتل خطأً في حادث أثناء عمله امرأة ورجلاً وطفلاً، وكانوا هم المخطئين، كما أنه توفي كذلك، فهل عليه إثم أو دية، مع أنه غير مخطئ؟ A لا تبرئه، فهناك تنقيح المناط عند علماء أصول الفقه، وهذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر في الفتوى، فهو قد قتل خطأً، فعليه دية مسلمة إلى أهل الميت، وهذا قد قتل ثلاثة، امرأة ورجلاً وطفلاً، فالثلاثة يستحقون دية، إلا أن يعفو عنك أهل الميت، أو يقبلوا منك شيئاً أقل من الدية المقررة شرعاً، والدية المقررة شرعاً حوالي مائة وسبعة وعشرين ألف جنيه، وتجد في السعودية أربعين أو خمسين سيارة عند الحرم يهدئن السرعة، ليس محبة فيك وإنما خوفاً من الدية؛ لأنه بمجرد القتل تدفع دية مباشرة، أما عندنا في مصر فالسائق يقتل ثم يأتي ويبرز رخصته ثم يدفع ألف جنيه أو ألفين ويذهب، وكأنه يشتري بطيخاً ولم يقتل نفساً، فلا بد أن تتحلل من أهل القتيل، والكفارة: صيام شهرين متتابعين؛ لأن دماء المسلمين لها مكانة ومنزلة، وابن عباس رضي الله عنهما كان يقول للكعبة: إن لك لحرمة عند الله، وإن دم المسلم أشد حرمة من حرمتك، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92]، فالقاتل يلزمه هذا، أما وقد توفي فيمكن لأهله أن يذهبوا إلى أهل القتلى. وهذه الآية التي في سورة النساء وضحت كفارة قتل المسلم وغير المسلم. والله تعالى أعلم.

حكم أرباح الودائع في البنوك

حكم أرباح الودائع في البنوك Q هل أرباح الودائع ربا؟ A هذا الموضوع قتل بحثاً، والدكتور علي السالوس له كتاب في هذا، وعلماء الأمة قد أجابوا عن هذا، والشيخ جاد الحق قد أجاب في أموال البنوك هذه، فهي ربا، وهذا واضح بيِّن، فأموال الودائع ربا، إلا أن تكون بنوكاً إسلامية كبنك فيصل أو المصرف الإسلامي فمعاملاتهم إسلامية. والبعض يقول: بنك فيصل أيضاً فيه مخالفات، ونقول: المخالفات عليه، واللائحة إسلامية، ونظامه يقوم على المشاركة والمضاربة والمرابحة، والذين وضعوا هذه اللوائح من علماء الأمة، وأما الممارسات فأنت غير مسئول عنها. وثانياً: لو أنه لم يكن في تجربة بنك فيصل والمصرف الإسلامي إلا إزالة بعض المنكرات فالأولى أن نقف بجوارها؛ لأن دفع بعض المنكر أولى من ترك كل المنكر. والبنك المركزي يحدد لهم نسبة تسمى نسبة الاحتياطي القانوني من جملة الودائع، وهذا أمر مفروض على البنك، وهو مكره عليه. فحاول أن تستثمر الأموال في التجارة أو غيرها، فإن كنت عاجزاً فالبنوك الإسلامية أمامك، والله تعالى أعلم.

حكم تعطر المرأة في بيتها

حكم تعطر المرأة في بيتها Q هل يجوز للمرأة أن تضع عطراً أو مكياجاً أثناء الصلاة في بيتها؟ A أخشى أن العطر يستمر معها إلى حين خروجها من البيت؛ لأن بعض العطور لا تذهب رائحتها حتى وإن حاولت إزالتها بالغسل أو بغيره؛ لأن بعض العطور تبقى في الجسد دائمة، فلتبتعد عن هذا من باب سد الذريعة. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة Q سمعت من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا أصلي، فهل أصلي عليه أثناء صلاتي؟ A في المسألة خلاف، فمن العلماء من قالوا: تصلي، ومنهم من قال: لا تصلي، وهذه المسألة قد بسطها ابن القيم في كتابه القيم (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام) صلى الله عليه وسلم. فالصلاة على رسول الله داخل الصلاة فيها أقوال للعلماء: منهم من أباحها، ومنهم من قال: لا يجوز، وأنا أطمئن إلى الإباحة. والله تعالى أعلم.

حكم قراءة الحائض للقرآن

حكم قراءة الحائض للقرآن Q هل يجوز للمرأة الحائض أن تردد الأذان خلف المؤذن وتقرأ الإخلاص والمعوذتين عند النوم؟ A نعم، يجوز للمرأة الحائض أن تردد الأذان، وأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين؛ لأن المرأة الحائض منهية عن مس المصحف، وأما قراءة القرآن ففيها خلاف، والراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن المرأة الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن؛ لأن الحيضة ليست في يدها، فضلاً عن أنها قد تنسى القرآن لطول المدة، وقد استدل البخاري على أن الحائض تذكر الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (افعلي كل شيء إلا الطواف)، وكل شيء يدخل فيه الوقوف بعرفة والدعاء فيها ورمي الجمرات والتكبير مع الرمي، فأعمال الحج تحتاج إلى ذكر، فكونه أباح لها أن تفعل أفعال الحاج يعني أنه أباح لها الذكر، فللحائض أن تذكر الله ولا شك في ذلك، ولم يقل أحد من العلماء بحرمة الذكر على الحائض، وإنما الخلاف في قراءة القرآن ومس المصحف. والراجح في مس المصحف الحرمة وعدم المس، وأما قراءة القرآن فالراجح فيها جواز قراءة القرآن من حفظها، ولا شيء عليها. والله تعالى أعلم.

فضل صلاة المرأة في بيتها وانتظارها صلاة الضحى في مصلاها

فضل صلاة المرأة في بيتها وانتظارها صلاة الضحى في مصلاها Q هل يكتب للمرأة حجة تامة إذا صلت الفجر في بيتها وجلست لتنتظر صلاة الضحى؟ A جاء في الحديث: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين)، إلى آخر الحديث، قال العلماء: الحديث حسن، وفيه شروط: الشرط الأول: أن يصلي الفجر في جماعة. الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه، أي: المسجد. الشرط الثالث: أن يجلس ليذكر الله، لا ليخاطب أو يحاور، بل يذكر الله إلى أن تطلع الشمس. الشرط الرابع: أن يصلي ركعتين. فإن قالت امرأة: أنا صلاتي في بيتي أفضل قلنا: نسأل الله ألا يحرمك هذا الأجر إن صليت في بيتك، ثم جلست تذكرين الله؛ لأن الذي منعك من الجماعة مانع شرعي، وهو: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدي هذا). فإن شاء الله لها الأجر. والله تعالى أعلم.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q حلفت بالطلاق على أمي لئلا تجلس مع أحد من الجيران، فجلست، هل يقع الطلاق أم ماذا؟ A فتاوى الطلاق والرضاع والميراث لا ينبغي أن تسأل على ورق؛ لأن الطلاق لا بد أن نسأل فيه عن نية الحالف، وعن مناسبة اليمين، وعن حال الزوجة، وإلى غير ذلك، فهذا لا يجوز أبداً. وأريد أن أقول: إنه لا ينبغي علينا أبداً أن نتخذ آيات الله هزواً، فمثلاً: بائع الطماطم يحلف قائلاً: علي الطلاق أنني اشتريته بكذا، وما علاقة الطلاق بالبيع والشراء؟! فهذا يضرب ويعزر. وأنت تحلف بالطلاق على أمك ألا تجلس، ولا يجوز أن تحلف على أمك بيمين الطلاق، فالطلاق للطلاق، ولم يشرع الطلاق بهذه الصور التي نراها الآن، وكما سألنا رجل أنه قال لزوجته: علي الطلاق عمري ما أنام بجانبك أبداً، فقلت له: أنت كذاب. فلا يجوز أن نتخذ أيمان الطلاق هزواً، ونعرض بأيمان الطلاق في أشياء ليس لها صلة بالطلاق أبداً. فهذا من فعل الشيطان الرجيم، والأخ صاحب السؤال يأتي بعد الدرس لنسأله في الطلاق وفي ظروفه. وقد قال البعض: لا يجوز أن تسمع دعوى الطلاق إلا في حضور الزوجة؛ لأنه مسألة قضاء بين طرفين، وليس مسألة فتوى؛ لأنه سيقول: قلت كذا، فتراجعه وتذكره، ويسمع في دعوى الطلاق للزوج وليس للزوجة، ولكن الزوجة تكون موجودة، فربما تكون ذاكرة لشيء، والذاكر حجة على الناسي. والله تعالى أعلم.

حكم مصافحة زوجة الأخ والصلاة بعد مصافحتها

حكم مصافحة زوجة الأخ والصلاة بعد مصافحتها Q توضأت للصلاة وقبل أن أذهب إلى المسجد قابلت زوجة أخي فسلمت عليها وذهبت إلى المسجد ولم أعد الوضوء، فما الحكم؟ A أولاً: وضوؤك صحيح، ولا ينتقض بهذه المصافحة. ثانياً: حكم هذه المصافحة حرام، فلا يجوز لك أن تصافح امرأة طالما أنها تحل لك، حتى وإن كانت محرمة حرمة مؤقتة، وربما يقول أحد: الشيخ الفلاني يقول: سلم، ولا يضرك ما دام قلبك أبيض، فنقول: جاء في الحديث: (ما مست يد النبي صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له)، وإذا حرم الله النظر فمن باب أولى أن يحرم المس؛ لأن المس أكثر مفسدة من النظر، فاتق الله ولا تسمع لهؤلاء أبداً، فالمصافحة حرام، فكان ينبغي عليك ألا تصافح هذه المرأة، أما وقد صافحت فتب إلى ربك عز وجل، ووضوؤك صحيح. وأما المصافحة بحائل فمن العلماء من قال: وجود الحائل كعدمه، ولكن من باب ارتكاب أقل المفسدتين، فممكن أن تصافح بحائل مرة دفعاً لذلك الموقف، وبعد ذلك تقول لها: أنا لا أصافح النساء، فالمصافحة لحائل تكون في أضيق الظروف؛ دفعاً لأكبر المفاسد، يعني: هب أنك في موقف أجبرت على المصافحة، فصافح بحائل، وليست هذه فتوى، لا، وإنما هي دفع للمفسدة الكبرى، ثم بعد ذلك إن قابلتك نفس المرأة فلا تصافحها بحائل أو بدونه، فالكلام واضح؛ لأن بعض الإخوة لا يفهم الكلام منضبطاً، فأقول: السلام بحائل مثل السلام بغير حائل، إلا إذا كان سيترتب على ذلك مفسدة كبرى فادفعها بالمفسدة الصغرى، وبعد ذلك لا تكرر. والله تعالى أعلم.

تسمية الركعتين اللتين بعد شروق الشمس

تسمية الركعتين اللتين بعد شروق الشمس Q هل تسمى الركعتان اللتان بعد شروق الشمس ركعتي الضحى؟ A تسمى ركعتي الشروق وليس الضحى.

حكم بناء المستشفيات والمساجد من مال الزكاة، وبيان مصارف الزكاة

حكم بناء المستشفيات والمساجد من مال الزكاة، وبيان مصارف الزكاة Q هل يجوز بناء مستشفى لعلاج سرطان الأطفال من مال الزكاة؟ A لا يجوز، وهذا رأي مجلس الإفتاء وعليه العمل، والله تعالى أعلم، وكذلك لا يجوز بناء المساجد بها، وهذه أيضاً فتوى اللجنة الدائمة، ووقع عليها الشيخ ابن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي ومجموعة، لأن مصارف الزكاة قد حددها الله كما في سورة التوبة. ومن توسع في قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] قال: بناء المساجد داخل في سبيل الله، ونحن نقول له: في سبيل الله المقصود به: تجهيز المجاهد في سبيل الله، والشيخ ابن عثيمين له بحث في هذا، فبناء المساجد والمستشفيات يكون من الصدقة وليس من مال الزكاة، والمصارف الثمانية مذكورة في سورة التوبة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].

حكم زكاة المنازل

حكم زكاة المنازل Q رجل يسكن في القاهرة، وعنده منزل في القرية يملكه ملكاً خالصاً له ولا يسكنه أحد، فهل على المنزل الفارغ زكاة؟ A لا، ليس على المنزل زكاة طالما أنه غير معد للتجارة، إلا إذا كان عقاراً للبيع فهذا يسمى عروض تجارة، وأما إذا كان لديه عدة بيوت ولا يسكن إلا واحداً منها فقط فليس عليه أن يزكي عن بقية البيوت ولم يقل أحد بهذا، طالما أنها أصول ثابتة غير معدة للتجارة. والله تعالى أعلم.

كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع

كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع Q عندي قطعة من الأرض وأنا أنوي بيعها، فهل تجب فيها زكاة عروض التجارة مع أنني لست من تجار الأراضي؟ وإذا وجبت الزكاة فهل تجب من وقت البيع أو من الآن؟ A نعم، تجب فيها الزكاة طالما أنك اشتريت وستبيع، فأنت اشتريتها ليس للبناء عليها، وإنما لإعادة بيعها، فعليها زكاة، والرأي الراجح الذي أميل إليه: هو أنك عند بيعها تخرج من هذا المبلغ ربع العشر (2. 5%)، كصفقة تجارية واحدة. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة خلف المدخن

حكم الصلاة خلف المدخن Q هل تجوز الصلاة وراء الإمام المدخن؟ A الأولى أن تترك الصلاة خلف هذا الإمام إلا إذا كان إماماً راتباً؛ لأنه ليس في يدك أن تغيره، فلا تترك الجماعة لأجل أنه مدخن؛ لأن التدخين معصية، وليس بدعة شركية، والذي لا يصلى خلفه هو صاحب البدعة الشركية، كالذي يطلب المدد من الأموات ويتوسل بالأضرحة، وأما من كان على معصية فالأولى زجره، فإن لم تستطع فصل خلفه ولا شيء عليك. والله تعالى أعلم.

أنواع الربا

أنواع الربا Q ما هو بيع النسيئة؟ A الربا ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة. وربا الفضل هو ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا)، وهكذا، فهذا اسمه: ربا الفضل، ومثاله: لو أن رجلاً عنده عشرون جراماً من الذهب، فذهب إلى صائغ مجوهرات وقال له: خذ هذه العشرين وأعطني بدلها، فوزن له عشرين جراماً جديدة وأخذ منه العشرين القديمة وقال له: ادفع فارق الصناعة أو الصياغة. فهذا ربا، ولكن إذا أراد المقايضة؛ فليبع القديم أولاً ويقبض الثمن، ثم يشتري بعد ذلك منه أو من غيره؛ حتى يخرج من ربا الفضل. وأما ربا النسيئة فهو ربا الزيادة، وكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا، ومثال ذلك: أقرضك شخص ألف جنيه على أن تردها في العام القادم ألفاً ومائة، أو أقرضك ألف جنيه إلى آخر السنة فلم تستطع ردها في الموعد فقال لك: كل شهر تأخير عليه عشرة جنيهات، فهذا يسمى ربا نسيئة؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وليس إلى فائدة، بل إلى ميسرة. وكذلك مثل مؤسسات التأمينات إذا كان عليك لهم ألف جنيه مثلاً فإن دخلت السنة الجديدة فإنهم يزيدون عليك في كل شهر فائدة، ويسمونها غرامات تأخير، وكذلك الضرائب في كل شهر يزيدون (1%) عن الرصيد، يعني: في السنة (12%)، وفي إحدى المرات كان على شخص خمسة آلاف جنيه ولم يقدر على تسديدها، فبقي عشر سنوات أو عشرين سنة لا يسدد شيئاً، ثم ذهب ليسدد، فوجد أن الفوائد عشرين ألفاً، وأصل الدين خمسة آلاف جنيه، فبدلاً من أن يسقطوا عنه أصل الدين كبلوه بالفوائد، وكلام الشرع أن المعسر يمهل ولا يحمل بفائدة. والله تعالى أعلم.

حكم دفع المال للموظف لتسهيل المعاملات

حكم دفع المال للموظف لتسهيل المعاملات Q أنا طالب في جامعة الأزهر في السنة الأولى في كلية الطب وليس لي الحق في السكن بالمدينة الجامعية، فهل يجوز لي دفع بعض المال لأحد الموظفين حتى يسهل لي السكن، مع العلم أن المدينة بها أماكن خالية كثيرة؟ A ينظر في حالتك، فكلامك هذا ليس على إطلاقه، وإنما إن أكرهت على الدفع فالقول الراجح: أنك مكره، كمن يذهب إلى من يعمل له عملاً ويقول له: لن أعمل لك ذلك حتى تعطيني مالاً، فإذا لم تعطه قال لك: أنا مشغول تعال غداً، وهكذا، فخلص نفسك يا عبد الله! في هذه الحالة، وقد قال أحد مشايخنا: ذهبت إلى مكان لأصور ملفاً في قضية، فقال لي كاتب الجلسة: غداً -يا شيخ- فأنا مشغول، فالشيخ سمع الكلام ومشى، ثم أتى في اليوم الثاني فطلب الملف، فقال له الكاتب: بحثت عنه ولم أجده، تعال بعد غد لعلنا نلقاه، فجاءه في اليوم الثالث، وضيع بهذه الطريقة خمس محاضرات، ثم قال له رجل: يا مولانا! أعطه خمسة جنيهات وسيجهز الملف، فأعطاه خمسة جنيهات فأعطاه الملف. فالمسألة فيها مفاسد ومصالح، فإن أجبرت على هذا فلا شيء عليك، والله تعالى أعلم.

حكم الاشتراك في صندوق الزمالة

حكم الاشتراك في صندوق الزمالة Q أنا أشترك في صندوق الزمالة في العمل، وهو يقرض الناس من مائة إلى مائة وخمسة وعشرين، فهل هذا ربا؟ A صندوق الزمالة إن كان بفائدة مرتبطة بالبنك فهو ربا؛ فإذا وضعنا لعشرة موظفين صندوقاً بحيث نعطي أحدهم المبلغ إن جاء له ظرف، ثم الآخر كذلك فلا بأس إن كان العطاء من غير فوائد، فإن كان صندوق الزمالة تابع للبنك فهو غير مشروع. والله تعالى أعلم.

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام Q أريد أن تفسر لي هذه الرؤيا، حيث رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وطلبت منه عليه الصلاة والسلام أن يدعو لي، فقال: اللهم اهده، وفي المرة الثانية كنت في غرفة فيها طفل صغير مكفن ورائحته جميلة، وفي المرة الثالثة قلت له: ادع لي بالثبات، وفي آخر مرة كان في بيت عائشة فقلت له: ادع لي يا -رسول الله- أن ييسر الله لي زوجة صالحة، فقال اللهم زوجه، وبعد ذلك رأيت ملك الموت، فقلت له: لن تستطيع أخذ روحي، وبعد ذلك رأيت طفلاًً لم أره منذ زمن بعيد جداً فسلمت عليه وأعطيته حلوى؟ A رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام من المبشرات، يقول صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي). صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام في المنام من المبشرات الصالحة، وطالما أنه دعا لك بالثبات وبالزوجة الصالحة فلا شك أن هذا سيجاب، والطفل الصغير هذا ربما يكون ولدك إن شاء الله بعد الزواج الصالح. ولكن لا بد أن تضبط المسألة، فهناك صفات للنبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون على دراية بها؛ حتى تعرف هل هو هو أم لا؟ ولا نأخذ التشريع من المنامات كحال أهل التصوف، فتجد أحدهم يقول لك: أنا لا أشرب الشاي، فإذا قلت له: لماذا؟ قال لك: لقد جاءني النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي: لا تشرب الشاي. فهل الرسول صلى الله عليه وسلم سيمنعه من شرب الشاي؟! وقد قال علماؤنا: إن أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد في النوم وقال له: رمضان غداً، فلا يصم حتى يرى الهلال؛ لأنه جاء في اليقظة وقال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فيستحيل أن يأمر في المنام بما أمر بخلافه في اليقظة، فالتشريع لا يؤخذ من المنامات، فلا تأخذ حكماً شرعياًَ من المنام أبداً، وإنما هي رؤيا صالحة، (ولم يبق من النبوة إلا المبشرات، الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له)، والله تعالى أعلم.

حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتعليقها على الجدران

حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتعليقها على الجدران Q أنا أعمل موزعاً للوحات القرآنية على المكتبات ولدى العملاء، والعملاء نصارى، فما الحكم في ذلك؟ A بيع اللوحات القرآنية وتعليقها كما قال النووي في كتاب (التبيان في آداب حملة القرآن): تعليق القرآن على الحوائط لا يجوز أبداً، وما سمعنا بهذا في عهد السلف، وإنما حدث بعدما امتدت العصور، فتعليق سورة الفاتحة أو آية الكرسي ليس من الشرع أبداً، فالأولى بك أن تترك هذا، والله تعالى أعلم. ولا تعلقها حتى في المساجد، وبعض الناس يكتب على الجدار آية، فتأتي مياه المطر فتنزل على الحائط فتزيل بعض الحروف، وهذا تشويه للقرآن، وبعض الفلاحين يكتب على ظهر العربات آيات قرآنية، ثم يأتي يركب جاموسة فتدوس الجاموسة على الآية بأرجلها وتتبرز عليها، وهذا لا يجوز، ويأتي الجزار يكتب على محل الجزارة: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21]، وتاجر التجزئة يكتب: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12]، أو {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]، أو {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41]، أو {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:21]، ولا ينبغي هذا، فالقرآن يعظم، وأحدهم يلبس حظاظة ويكتب عليها: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، ويقول: هذه تأتي بالحظ، وأحدهم يكتب على الخاتم آية الكرسي، ولا ينبغي أن يكون هذا أبداً، فهو من قبيل عدم تعظيم كلام الله عز وجل، والله تعالى أعظم. ولم يكن هذا في عهد سلفنا، وقد رأينا أحاديث مكتوبة على حوائط المدينة، ولا شك أن تعظيم الأحاديث مطلوب، ولكن أن نكتب: انتخبوا رمز الجردل، وبجانبه قال صلى الله عليه وسلم كذا، وتحتها: لا تنسوا مباراة الأهلي والزمالك، وبعدها: ندعوكم إلى العيد بالعراء؛ فهذا لا يجوز، فالأصل أن نترفع بالحديث عن أن يكون وسط هذا الكلام، فالحديث يعظم، والإمام مالك رضي الله عنه كان إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتوضأ وتطيب وتوجه إلى القبلة، ثم قال: قال صلى الله عليه وسلم كذا، ويقول: هكذا أمرنا أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتابة الأحاديث على الحوائط لم تكن في عهد سلفنا. والله تعالى أعلم.

حكم الوساطة في تيسير معاملات الحج

حكم الوساطة في تيسير معاملات الحج Q ما حكم الوساطة في الحج أو دفع رشوة؟ A اعمل ولا يضرك، فأنت تريد الذهاب للحج، ولا يمكن أن تذهب حتى توسط، فوسط ولا حرج، فأنت تطلب الخير لأداء الفريضة، وربما إذا لم يوجد أحد يسهل لك المهمة فلن تذهب إلى الحج أبداً، فإن حاولت أن توسط أحداً ليقضي لك هذا الحج أو ليسهله لك فهذه شفاعة حسنة، وليس فيها شيء؛ لأنها شفاعة لأداء فريضة، وأما دفع رشوة هنا فلا يجوز.

كفارة الغيبة

كفارة الغيبة Q ما كيفية تكفير الغيبة قبل التوبة؟ A إذا اغتبت شخصاً وأردت التوبة من هذه الغيبة فاذكره بكلام طيب في المكان الذي اغتبته فيه، فمثلاً: إذا ذكرته في مجلس بسوء فاذكره في نفس المجلس بكلام حسن، ثم ادع له وأنت ساجد، وصحح ما فعلت عند من اغتبته عندهم وليس عنده، و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وأثن عليه ثناءً عاماً بعد ذلك، حتى ولو كان ذلك في مجلس غير المجلس الذي اغتبته فيه، وادع له بالمغفرة والرحمة وأنت ساجد، فهذا يكفر الغيبة إن شاء الله. وهناك أحوال ستة لا يكون فيها القدح غيبة، وهي: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومن طلب الإعانة في إزالة منكر فهذه الأحوال الستة ليس فيها غيبة، وهي: أولاً: المتظلم، أي: الرجل الذي يتظلم من رجل ظلمه، ويقول: فعل بي كذا وأكل مالي، وهو ليس موجوداً، فهذه ليست غيبة. ثانياً: ومعرف، مثل أن تقول: محمد بن عبد الرحمن، فلا يعرف حتى تبين وصفه بقولك مثلاً: الأعمش أو الأحول أو الأعرج أو الأقرع. ثالثاً: ومحذر، كأن تعامل شخصاً فأكل عليك مالك، فإن جاء إليك شخص وسألك: ما رأيك في فلان؟ فتبين له وتحذره، وتقول له: احذر منه، مع أنه غير موجود. رابعاً: ومستفت، مثل أن يأتي رجل إلى مفت ويقول له: فلان ظلمني وأكل مالي وتعدى على حقي. خامساً: ومجاهر فسقاً، أي: الرجل الفاسق المجاهر بفسقه وبمعصيته. سادساً: من طلب الإعانة في إزالة منكر، كأن يقول: في مكان كذا خمور تباع؛ لتغيير هذا المنكر عند العالم أو الوالي، فهذا ليس فيه غيبة. والله تعالى أعلم.

بيان ما لا يجوز للحلاق عمله أثناء الحلاقة

بيان ما لا يجوز للحلاق عمله أثناء الحلاقة Q أنا أعمل حلاقاً للرجال، فما هو المسموح في الحلاقة وما هو المنهي عنه؟ أصدقني الخبر؛ فإني على استعداد لترك عملي هذا إن كان لا يرضي الله؟ A بارك الله فيك، أولاً: لا تحلق اللحية؛ فحلقها حرام، فإياك أن تحلق لحية رجل! فاللحية الأمر فيها للوجوب. ثانياً: لا تنتف الحاجب، لأن بعض الرجال يقول: اعمل لي بالفتلة، وارفع لي حاجبي، فإن كان النمص للنساء لا يجوز فمن باب أولى للرجال؛ لأن الزينة حق المرأة، فإذا حرمت على المرأة فمن باب أولى على الرجل. ثالثاً: لا تحلق كبوريا ولا بنكي، وإياك والقزع، فلا تحلق من ناحية صفراً دون أخرى، ولا الذي شكله كالديك، فهذا حرام حرام، ومعظم شباب الجامعة يحلقون بنكي، وهذه الحلقة الجديدة حرام، وأقول لك: كن مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقل: الرزق سيكون ضيقاً علي، وإنما الله سيغنيك من فضله. أسأل الله لك الثبات والخير.

حكم السلام على تارك الصلاة

حكم السلام على تارك الصلاة Q ما حكم السلام على تارك الصلاة؟ A إن كان عدم السلام عليه سيكون زجراً له ليصلي فلا تسلم عليه، وإن كان سيكون عوناً له على ترك الصلاة فسلم عليه، فهو على حسب حاله. فقد تسلم على شخص فيقول في نفسه: الشيخ يحبني، فسأصلي لأجله. وآخر قد لا تسلم عليه فيسبب ذلك تركه للصلاة وإصراره على تركها عيظاً منك لعدم السلام عليه. فهذا يكون على حسب حال المدعو، فربما يكون الزجر بالهجر، وربما يكون الأمر بالصلة. وعلى الإطلاق يجوز السلام عليه إلا إن كان زجراً. والله تعالى أعلم.

مع خليل الرحمن إبراهيم [3]

مع خليل الرحمن إبراهيم [3] ابتلي إبراهيم عليه السلام بلاءً شديداً في الله تعالى في مراحل حياته المختلفة، فقد ابتلي بعباد الأصنام، وبكفر أبيه، ثم بذبح ابنه، والابتلاء سنة من سنن الله عز وجل لأهل الإيمان؛ لتمحيصهم ورفع درجاتهم.

طريق الدعوة هو طريق البلاء

طريق الدعوة هو طريق البلاء الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد. فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع إبراهيم خليل الرحمن جل وعلا، الذي جاء ربه بقلب سليم، والذي آتاه الله كمال الحجة، فأقام البراهين والأدلة على عباد الأصنام والكواكب والنجوم، وحطم الشرك في عصره، وترك ولده الرضيع امتثالاً لأمر ربه بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وهو الذي وفى، وأول من أكرم الضيف، ولبس السراويل واختتن، وبذل ماله للضيفان، وجسده للنيران، وولده للقربان فاستحق أن يكسى عند الواحد الديَّان، وقد قال الله في حقه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120]. ولقاؤنا اليوم مع (إبراهيم والبلاء). لا بد أن نعلم ابتداءً أن طريق الدعوة إلى الله هو طريق البلاء، ورب العالمين تبارك وتعالى بين في كتابه أنه {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]. وقال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7]. وقال جل شأنه: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:2]، فكأن العلة من وجود الخلق في هذه الحياة البلاء، ومن ثم يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، ولن تجد داعية ولا عالماً من سلف الأمة لم يبتل، فلا بد من البلاء. وحدث عن فتنة الإمام مالك ولا حرج، فلما بايع بعض من كان في المدينة الأمير مكرهاً جاء إلى مالك في درس علمه وقال له: يا مالك! بيعة المكره تقع؟ فقال مالك: لا تقع، فقال له: يا مالك! قل: تقع، قال: لا؛ فإن زلة العالِم زلة عالَم. فهؤلاء الرجال ما باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فأبى مالك أن يقولها فأُمِر بجلده، فجلد رحمه الله حتى شلت يداه بجواره. وامتحن الإمام أحمد في القول بخلق القرآن، وحاول بعض خلفاء الدولة العباسية قهره على أن يقول: إن القرآن مخلوق، فقال: من قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ إذ المخلوق يحتاج إلى خالق، وكلمات الله صفة من صفاته، وصفات الله أزلية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، أي: أنه كان يستعيذ بغير المخلوق من المخلوق. فلن تجد عالماً من علماء الأمة ولا أحداً من سلفنا الصالح إلا وقد ابتلي في الله عز وجل، وطريق الدعوة يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، فيا من تريد الجنة! طريقها المكاره، وستؤذى في نفسك وفي ب

صبر إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه

صبر إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه صبر إبراهيم عليه السلام على البلاء، وقد كان أمة في الصبر على البلاء، فبعد أن دعا أباه -كما بينا في اللقاء الأول- قام يدعو القوم من عباد الأصنام ويناظر عباد النجوم والكواكب، ويناظر ذلك الملك الظالم، وقد ذكر الله تعالى مناظرته لعباد الأصنام في قوله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء:69 - 70]، وإبراهيم كان يعلم أنهم يعبدون الأصنام، وإنما سألهم عما يعبدون توبيخاً وتقريعاً، وليبين لهم أن الذي يعبدونه لا يستحق العبادة، فكان جوابهم في منتهى الكبر والغرور والعجرفة والثبات على الباطل، {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71]. يقول السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن): وحال السؤال مع الجواب في القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحياناً يأتي الجواب في القرآن على قدر السؤال. وأحياناً يأتي الجواب أطول من السؤال. وأحياناً يأتي الجواب بخلاف السؤال. ومثال ما أتى فيه الجواب أطول من السؤال قول الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17 - 18]، فالجواب جاء أطول بكثير من السؤال، وقد قال علماؤنا: وإنما قال موسى: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) طمعاً في أن يسأله الله ما هي المآرب الأخرى، حتى يطيل اللقاء مع الله عز وجل. وأما ما أتى فيه الجواب أقصر من السؤال فكما في قول الله تعالى لما قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ))، فقد طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن، أو أن يبدله، فكان الجواب {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأجاب عن التبديل ولم يجب عن أن يأتي بقرآن غيره؛ لأنه إن كان عاجزاً عن أن يبدل فمن باب أولى أنه سيكون عاجزاً عن أن يأتي بغيره، فالجواب هنا كان أقل من السؤال. ومما أتى فيه الجواب أطول من السؤال حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر: (إنا نركب البحر، أفنتوضأ بماء البحر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وهو لم يسأل عن الميتة وإنما سئل عن الوضوء، فأجاب عن الميتة لأنه يعلم أن حاجة السائل للميتة أشد من حاجته للوضوء، وهذه إجابة حكيم، ومَن الحكيم إن لم يكن هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟!

مناظرة إبراهيم عليه السلام لعباد الأصنام

مناظرة إبراهيم عليه السلام لعباد الأصنام لما سأل إبراهيم قومه: {مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً} [الشعراء:70 - 71]، ثم أرادوا أن يغيظوا إبراهيم فقالوا: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71]. والعبادة تعني التعلق القلبي، فالقوم لا يعبدون الأصنام طول الوقت وفي الليل والنهار، وإنما يعبدونها في بعض الأوقات، ولكن قلوبهم تتعلق بها، فالملازمة هنا ملازمة قلوب، ولذلك العبادة هي: أن يلازم قلبك حب ربك سبحانه، وأن يمتثل لأمره عز وجل. وقال العلماء: هي منتهى الحب مع منتهى الذل. وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة. وبعض أهل التصوف يقولون: نحن أصحاب عبادة الباطن. فنقول لهم: العبادة تشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، فالصوم والصلاة والحج والزكاة أعمال ظاهرة، والرجاء والخوف والحب والإنابة والتوكل أعمال باطنة فهي تشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة. والداعية إذا اتصف بصفتين يرجى منه النفع: الصفة الأولى: كمال الحجة، وقوة البيان والمناظرة، وامتلاك الأدلة التي تقهر الخصم. الصفة الثانية: سلامة القلب، بأن يكون صاحب قلب سليم، فلا يحمل في قلبه حقداً ولا حسداً، ولا يتتبع العثرات ولا الزلات، وصدق من قال: المؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح. فالأصل في شرعنا الستر. وقد اتصف إبراهيم عليه السلام بهاتين الصفتين: كمال الحجة، وسلامة القلب، فأقام الحجة على كل من كان في عصره، {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء:72 - 73]؟ فكانت إجابة هؤلاء الذين لم يروا النور، {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74]. فهم في تقليد أعمى، والتقليد مذموم؛ لأنه لا يستند إلى دليل ولا إلى برهان، ولذلك يقول ربنا: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. فلا بد من برهان ودليل على الدعوى، ولا يقبل الكلام مهما كان قائله إلا إذا صاحبه دليل. فلا بد من دليل يبين صدق ما تقول، فهؤلاء لما قال لهم إبراهيم: لم تعبدون هذه الأصنام؟ أجابوا بالتقليد، والتقليد مذموم، واليوم في قرانا وبعض مدننا يستدل البعض بالتقليد الأعمى، وكفى المقلد عاراً أن قوله هو قول عبدة الأصنام، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]. فهم قالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء:74 - 77]، وانظر إلى بلاغة إبراهيم وكمال حجته، فلم يقل: فإنهم عدو لكم، وإنما قال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء:77]، وأنا أحب لكم ما أحب لنفسي، وأتمنى لكم ما أتمناه لنفسي، فهذه الأصنام عدو لي، وطالما أنه قد تبين لي الحق فأنا أدعوكم إلى ما أدعو إليه نفسي. وهذا معناه الولاء والبراء، بأن تعادي كل مشرك، وتحب كل موحد، واسمع إلى قول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114]، فيا من توالون المشركين وتقربونهم وتحبونهم وتكرمونهم وتقدمونهم على الموحدين! اتقوا الله في دينكم، فالبغض في الله والحب في الله أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فاحذر أن تحمل في قلبك حباً لمشرك مهما كان، وإن كان أباك أو أخاك؛ لأن الميثاق الذي يربط بيننا وبينهم هو توحيد الله عز وجل. وانظر إلى حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه كما في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، فقد (دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عمه أبي طالب وهو يحتضر، فقال له: يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، وأبو جهل فوق رأسه يقول له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعادها صلى الله عليه وسلم مرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، فقال أبو طالب لابن أخيه صلى الله عليه وسلم: لولا أني أخشى أن تقول قريش: قالها جزعاً من الموت لأقررت بها عينك، ثم قال: هو على ملة عبد المطلب)، ومات على الشرك والكفر. فسالت دموع النبي صلى الله عليه وسلم على خده وقال: (والله يا عم! لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَب

ابتلاء إبراهيم عليه السلام بإلقائه في النار

ابتلاء إبراهيم عليه السلام بإلقائه في النار وشأن الطغاة في كل الأزمنة والعصور أنهم لا يملكون حواراً ولا حجة ولا بياناً ولا أدلة، وإنما قالوا: {أَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات:97]. فكان قرارهم هو الحكم بإعدام إبراهيم حرقاً، كما قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر:26]. فالقتل والتنكيل والبطش والتعذيب لغة الطغاة في كل الأزمنة مع أصحاب دعوة التوحيد. فجمعوا له حطباً ووصلت النار إلى عنان السماء من شدة اشتعالها، وجاء في بعض الآثار أنه كانت المرأة منهم إن أصابها مرض تقول: لئن شفيت من مرضي لأجمعن حطباً لنار إبراهيم فالكل اجتمع عليه. ولكن متى كان يعرف الحق بكثرة أتباعه؟! قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. فجاءوا بإبراهيم، ومع شدة البلاء إلا أنه لم يتزعزع، ولم يتراجع أو يتباطأ، بل وثق بربه، وتوكل على خالقه. قال ابن عباس: (حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما قالوا لهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]). دخل إبراهيم النار، والنار تحرق -ولا زالت تحرق إلى يومنا- فأتت على كل الحطب فأحرقته، ولكن للنار خالق، وهو الله رب العالمين سبحانه، يقول الشنقيطي في أضواء البيان: فالأسباب قد لا تأتي بمسبباتها؛ لأن الأسباب والمسببات لها خالق وهو الله عز وجل، فقال الله عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:69 - 70]، وفي الآية الأخرى: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ} [الصافات:98]. فخرج من النار مرفوع الرأس، فلم يعتبروا أو يتعظوا بنجاة إبراهيم، فقد أصاب عقولهم وبصائرهم العمى والظلام. وخرج إبراهيم من النار ليقيم الحجة على عباد الكواكب أيضاً، فأتى إلى ذلك الملك الظالم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ} أي: الظالم، {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

ابتلاء إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه

ابتلاء إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه خرج إبراهيم بعد هذا البلاء قوياً. ثم رزق بولد بعد سنين، ووصفه القرآن بأنه {حَلِيمٍ} [الصافات:101]. فحب الولد أمر فطري، ويزداد الحب إن كان الولد حليماً وقد جاء بعد غياب طال سنوات، ثم إذا بالأمر من الله عز وجل لإبراهيم أن اذبح ذلك الولد، فيا له من بلاء! والبلاء هو طريق أصحاب الدعوات، ولما كان الأمر من الله لم يملك إبراهيم وولده إلا أن يسلما. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فأمام أمر الله لا اختيار لك يا عبد الله! وذلك بعد أن رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ولده ورؤيا الأنبياء وحي، يقول صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)، فجاء يقصها على ولده، فوجد عنده التسليم، يقول ربنا سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103]. فكبر إبراهيم وسمى الله، وتشهد الولد، فصرعه إبراهيم على جبينه، وهوى عليه بالسكين؛ لينفذ فيه أمر الله، ولم يقل الولد: ما تقول لأمي يا أبي! إن سألتك عني؟ أو: هل يهون عليك أن تقتلني؟ أو: ماذا تقول للناس بعد قتلي؟ وإنما قال الولد لأبيه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، فيا له من استسلام لقضاء الله وصبر على بلائه! {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، أي: صرعه على جبينه، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105]. فقد كان إبراهيم أمة في الصبر على البلاء، وصدق الله سبحانه: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

مناظرة إبراهيم عليه السلام للنمرود

مناظرة إبراهيم عليه السلام للنمرود الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: ثبت عن مجاهد أنه قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران. أما المؤمنان فهما سليمان بن داود عليهما السلام وذو القرنين. وأما الكافران فهما بختنصر والنمرود بن كنعان الذي آتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه. وإلى كل ظالم أقول: ذلك الملك آتاه الله الملك، ولأن الله آتاه الملك حاج إبراهيم في ربه، فصاحب البلاء يتواضع، ولكن الذي آتاه الله الملك قد يتكبر، ولذلك فرعون قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فأجرى الله الأنهار من فوقه، فالجزاء من جنس العمل، والله لا يغفل سبحانه وتعالى. فـ النمرود بن كنعان قال لإبراهيم: من ربك يا إبراهيم؟! قال: ((رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)). ففهم النمرود إبراهيم خطأً؛ لأنه فهم أنه يملك الإحياء، أي: أنه يصدر حكماً بالعفو عمن حكم عليه بالإعدام فيكون قد أحياه، ويأتي برجل لا ذنب له ويقتله فيكون قد أماته، وهذا ليس إحياء ولا إماتة، وحتى لا يفهم بعض الحضور خطأً هذه الحجة الواهية من الملك انتقل إبراهيم عليه السلام من أمر يقبل الجدل إلى أمر لا يقبل الجدل، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ}، فعند ذلك {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

المدرسة العقلية وموقفها من النصوص

المدرسة العقلية وموقفها من النصوص أحبتي الكرام! هناك مدرسة تطل برأسها علينا في هذا الزمن تسمى بالمدرسة العقلانية، وهذه المدرسة تحكم العقل في النص، فإن قبل العقل ذلك النص قبلوه، وإن أبى العقل ذلك ردوا النص حتى وإن ثبت في صحيح البخاري أو مسلم أو صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في غيرهما. وهذه المدرسة قديمة، وأول روادها المعتزلة الذين قدموا العقل على النقل. ونقول لهؤلاء: إن العقل يجتهد في فهم النص، وأما أن يرد النصوص فهذا أبداً لا يكون؛ لأن الله تعالى قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:3 - 5]. وإذا اصطدم عندك بعض النصوص مع بعضها فعليك أن تتبع طريق العلماء في النصوص المتعارضة، وهي كالتالي: أن تحاول أن توفق وتجمع بين النصوص والأدلة، وقد لا أستطيع أنا وأنت التوفيق، ولكن هناك من العلماء من يقدر على هذا، فلا نهمل نصاً على حساب نص آخر، فطالما أن النصين ثابتين فنحاول أن نجمع ونوفق بينهما، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، فهذا نص على الوضوء من مس الذكر، ثم قال في حديث آخر لما سئل عن مس الذكر: (إنما هو بضعة منك)، فهذا النص يتعارض مع ذاك، ولا نستطيع رد أحد النصين، وقد جمع بينهما الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى، فقال: من مس ذكره بشهوة فليتوضأ، ومن مسه بغير شهوة فلا وضوء عليه. فجعل أحدهما مقيداً بالشهوة والآخر بدون شهوة، فأعملهما معاً ولم يرد أيّاً منهما. فإن تعذر التوفيق والجمع فلننظر في الناسخ والمنسوخ، فلعل نصاً نسخ الآخر، فإن لم نجد نسخاً فلنحاول أن نرجح نصاً على نص، وطرق الترجيح لها أكثر من مائة طريق: فيرجح ما ثبت في الصحيحين على ما انفرد به البخاري. ثم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم. ثم الدليل القولي على الدليل العملي. ثم قول المثبت على قول النافي. إلى غير ذلك من المرجحات. ونرى الآن من يطعن في أئمة العلم؛ لأنهم صححوا حديثاً لا يستقيم عند من يطعن فيهم مع ما يفهمه من بعض الأدلة الأخرى. فاتق الله يا من تطعن في سنة رسول الله! واتهم عقلك بعدم الفهم، والقصور في الإدراك بدلاً من أن تطعن في البخاري تارة، وفي مسلم تارة، وماذا يبقى للأمة إن طعنا في الصحيحين؟ أيها الإخوة الكرام! يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان)، وكلمة شبعان تشير إلى أنه من أهل الترف، يعني: لم يرتحل لطلب العلم، وإنما ظل في قصره وبرجه العاجي، (شبعان، متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله). يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض). أسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن ينصر الإسلام، وأن يعز المسلمين. اللهم انصر دينك يا رب العالمين! اللهم أيد أطفال فلسطين بنصرك، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم أرنا في اليهود آية؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب! يوم العرض. {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وقع في يدي كتاب لا داعي لذكر اسم مؤلفه، والكتاب كله من أوله إلى آخره طعن في الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكاتب يظن أنه يحسن صنعاً، فهو يقول: الشيخ صحح حديث كذا، وهذا الحديث يصطدم مع نص كذا، ومع آية كذا. وكان الواجب عليه قبل أن يطعن في الشيخ أن يحاول أن يوفق بين النصوص، وينظر إلى أقوال أهل العلم في التوفيق والجمع؛ لأن مسألة الجمع بين النصوص مسألة مهمة جداً، وقد ألف الشيخ الشنقيطي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، جمع فيه الآيات التي ظاهرها التعارض مع آيات أخرى، كقول الله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ

الأسئلة

الأسئلة

حكم من قام جنبا قبل شروق الشمس وخشي الشروق إن اغتسل

حكم من قام جنباً قبل شروق الشمس وخشي الشروق إن اغتسل Q إذا استيقظ المرء جنباً قبل شروق الشمس بدقائق هل يتيمم ويصلي، أم يغتسل ويتوضأ حتى وإن أشرقت الشمس؟ A الراجح أنه يغتسل ويتوضأ حتى وإن أشرقت الشمس؛ لأنه كان نائماً، ولا تفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة، قال صاحب كتاب العدة شرح العمدة في الفقه الحنبلي: من انشغل بشروط الصلاة وأخرها لانشغاله بشرطها لا يعتبر مؤخراً لها, ومثال ذلك: لو أن رجلاً انشغل بالوضوء للصلاة فخرج الوقت وهو يتوضأ، فهذا منشغل بشروط الصلاة، فمن انشغل بشروطها وإن خرج الوقت لا يعد مؤخراً لها. فالقول الراجح: أنه يغتسل ويتوضأ ثم يصلي. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة خلف من ينكر عذاب القبر

حكم الصلاة خلف من ينكر عذاب القبر Q ما حكم منكر عذاب القبر وسؤال الملكين في القبر؟ وهل تصح الصلاة خلفه؟ A هذا مما عمت به البلوى، والذي ينكر عذاب القبر متهم في عقيدته، والبخاري رحمه الله لما أراد أن يستدل على عذاب القبر في الصحيح بدأ الكتاب بآيات ولم يبدأ بأحاديث، يقول ابن حجر: وفِقْهُ البخاري واضح في أنه بدأ بآيات من القرآن؛ حتى يدلل على أن عذاب القبر ثابت بالقرآن مع السنة، ومن الآيات الدالة على عذاب القبر في القرآن قول الله عز وجل عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، وقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:21]. وأحاديث عذاب القبر ثابتة، وقد بلغت حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ينكر عذاب القبر يطعن في القرآن وفي السنة. يقول أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء كما يعلمنا الآية من القرآن بعد التشهد يعلمنا أن نقول: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال). فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة صلى الله عليه وسلم. فالذي يشكك في عذاب القبر ويكذب بسؤال الملكين لا تصل خلفه بعد إقامة الحجة عليه ونفي الشبهات ودفع العوارض عنه، فربما يكون متأولاً فهم غلطاً، فلا بد أن تقيم عليه الحجة؛ لأننا نعذر بالجهل، فربما يكون قد غاب عنه الدليل، أو أول الدليل.

معنى العذاب الأدنى في قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى)

معنى العذاب الأدنى في قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) Q ما تفسير قول الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:21]؟ A ( من العذاب الأدنى)، (من) هنا بمعنى (بعض)، يعني: لنذيقنهم بعض العذاب الأدنى، والبعض الآخر في القبر، فنذيقهم بعض العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون إلى ربهم قبل الموت، فالعذاب قد يكون سبباً في أن يعودوا. والله تعالى أعلم.

حكم العمل في شركة تتعامل مع البنوك الربوية

حكم العمل في شركة تتعامل مع البنوك الربوية Q أعمل في شركة إدخال بيانات على الكمبيوتر بمرتب شهري، وثلث العمل الذي يأتي إلى هذه الشركة للبنوك الربوية، ولا أستطيع أن أترك جزءاًَ من العمل دون جزء، فهل يجوز أن أعمل في هذه الشركة؟ أفتونا رحمكم الله؟ A اعمل ولا حرج؛ لأن عملك أساسه محاسب مشروع، فالعمل عندك قد اختلط فيه الحلال بالحرام، وذلك مثل السباك الذي يصلح صنبوراً لتاجر المخدرات، فأجر السباك حلال، والدخل بالنسبة لتاجر المخدرات حرام، فعمل السباك حلال، وهذا هو معنى قول الأصوليين: الأشياء إن فارقت المحل يختلف حكمها، فالبراز في جوفك طاهر، فأنت تصلي وهو بداخلك، فإن خرج أصبح نجساً، فإن اختلف المحل اختلف الحكم. فأنت محاسب تضبط الميزانية وتستخرج الحسابات، ولا شيء عليك؛ لأن أصل عملك مشروع، والإثم على صاحبه. وهذا مثل أن يأتي رجل ويقول لك: احسب لي هذه العملية وهي من دخل حرام، فأنت تحسب، ولست بمساعد ولا بعنصر فعَّال. لكن السباك لا يجوز له أن يساهم في إنشاء مسرح، فهذا حرام؛ لأن عمله في أساس الإنشاء، وفرق بين هذا وذاك، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. وأما قوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ} [هود:113]، فهذه الآية لها مفهوم آخر، فلا تكن مساعداً للذين ظلموا في ظلمهم، وأما إن كنت تعمل في الكهرباء وطلب منك تاجر يعمل في الحرام أن تصلح له الكهرباء في بيته فعملك أصله مشروع، ففرق بين هذا وذاك، وكذلك العمل في إنشاء الأقمار الصناعية؛ لأنها تعرض أشياء وأشياء، فالعمل أصله مشروع، والعرض نفسه غير مشروع.

حكم الحلف على عدم الصلاة في مسجد معين

حكم الحلف على عدم الصلاة في مسجد معين Q تأخرت عن الحضور مبكراً في الجمعة الماضية، وأقسمت على نفسي بالله تأديباً أني إذا تأخرت في الجمعة المقبلة عن الساعة العاشرة فسأترك المسجد الذي أصلي فيه دائماً وسأذهب للصلاة في أي مسجد آخر قريب، فما الحكم؟ A عليك أن تكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام، والراجح عدم التتابع، فإن تابعت فهو أولى، وإن لم تتابع فلا شيء عليك؛ فالأحناف يشترطون التتابع، والجمهور عدم التتابع، وقد استدل الأحناف بقراءة شاذة لـ ابن مسعود: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، وقالوا: إن القراءة الشاذة تنزل منزلة أخبار الآحاد فنأخذ منها حكماً، وقال الجمهور: القراءة الشاذة لا يستدل بها في اعتماد حكم. فصيام الثلاثة الأيام غير متتابعة يجوز، وإن حدث التتابع فهذا هو الأولى. والله تعالى أعلم.

حكم تارك صلوات يوم واحد عمدا

حكم تارك صلوات يوم واحد عمداً Q رجل يصلي ويداوم على الصلاة ولكنه تخلف بالأمس عن الصلاة كلها عمداً، فهل خرج بذلك من الملة؟ A لو قرأت في كتب الفقه الحنبلي فستعلم خطورة المسألة، فقد قال الإمام أحمد في رواية -والمقصود بقولنا: قال الإمام أحمد في رواية: أن أحد تلامذته سمع منه رأياً فبلغه، وبعض تلامذته سمع رأياً آخر، فهذه رواية وهذه رواية- قال: إن الذي يترك فرضين متتابعين يستتاب، وفي رواية أخرى: ثلاثة فروض. ورجح أصحابه رواية الثلاثة فروض؛ لأنه يمكن أن يؤخر شخص الظهر ويصليه مع العصر، فلا تقل: إنه ترك الظهر والعصر إلا بعد أن يخرج وقت العصر، لأن الظهر والعصر قد يجمعا، فآخر وقت الظهر هو غروب الشمس، وليس العصر؛ لأنه ربما جمع الظهر والعصر؛ لعذر أو لعلة. فالراجح أنه إن ترك المسلم ثلاثة فروض متتابعة -كظهر وعصر ومغرب- يستتاب، فإن صلى وإلا قتل، ويستتاب ثلاثة أيام، فيؤتى به في اليوم الأول ويستتاب، فإن لم يصل ترك، ثم يؤتى به مرة ثانية فيستتاب، فإن لم يصل ترك مرة ثانية، ثم يؤتى به في الثالثة، فيستتاب ثلاث مرات، فمن أصر على ترك الصلاة ثلاث مرات قتل، ولا يترك الصلاة في هذه الحال تهاوناً، بل جحوداً. فقال الحنابلة: يستتاب ثلاثاً وإلا قتل، والجمهور قالوا: يستتاب وإلا قتل. واختلف الحنابلة والجمهور: هل يقتل حداً أم ردة، فإن قتل ردة فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث. والخلاف هنا خلاف لفظي، وإن تمعنت في الخلاف وجدت أنه من المفروض أن يقتل ردة؛ لأنه لن يختار القتل على الصلاة إلا من أنكرها جحوداً، ولا يمكن أن يكون متهاوناً أو متكاسلاً عن الصلاة ويقبل بالقتل مقابل تركها؛ فلا يكون تركها إلا جحوداً. فالذي ترك الصلاة يوماً كاملاً نقول له: تب إلى الله عز وجل، واندم على ما فعلت، ثم بعد ذلك داوم على الصلاة، والله عز وجل يعفو عنك. وتكون الاستتابة ثلاثة أيام، ودليل الاستتابة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً} [النساء:137]. قال علي بن أبي طالب: والآية دليل على أن المرتد يستتاب ثلاث مرات. فيستتاب في اليوم الأول، ثم في اليوم الثاني، وهكذا ثلاث مرات. وأما قضاء الصلاة المتروكة عمداً فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ليس على تارك الصلاة عمداً قضاء، وإنما عليه التوبة، وأن يكثر من النوافل؛ لأن القضاء يحتاج إلى دليل، ولا يوجد دليل على القضاء. والله تعالى أعلم.

حكم حوار الحضارات

حكم حوار الحضارات Q ما حكم حوار الحضارات؟ A لا أدري ما المقصود بالحضارات، وهل الغرب يملك حضارة؟ الغرب لا يملك إلا دعارة، ومن قال: إن الغرب يملك حضارة فقد قلب الحقائق، فالغرب ليست عنده حضارة. فأي حوار حضارات هذا؟ فنحن أصحاب الحق، وديننا دين الحضارة والتقدم وإن زعموا غير ذلك، وإن أرادوا أن يعرفوا ذلك فليرجعوا إلى التاريخ وأين كانوا والأمة الإسلامية في قمة مجدها، فقد كانوا في الظلام الدامس، ثم يقولون: حوار حضارات! فهل الحضارة المقصود بها الأصنام والتماثيل والأهرامات؟ فهذه ليست حضارة، وأما نحن فنملك قرآناً وسنة هما حضارتنا، ومصدر رفعتنا وعزتنا، قال عمر: الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فعزتنا في إسلامنا.

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته وطلب الاستغفار منه

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته وطلب الاستغفار منه Q ما معنى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64]؟ وهل يجوز أن أطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لي؟ A هذه الآية من شبهات المتصوفة، يقولون: إن الله قال: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ))، فأطلق المجيء إليه سواء كان حياً أو ميتاً، فيذهبون إلى قبره ويقولون: يا رسول الله! استغفر لنا الله عز وجل، وهذا فهم عقيم وسقيم، لا يتناسب مع مفهوم الآية أبداً، والمعنى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ)) حال الحياة، ((فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ)) هم، {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ} [النساء:64]، طلب لهم المغفرة من الله عز وجل. أما بعد موته فما وجدنا أحداً جاءه سواء من الصحابة أو من سلف الأمة، وقد كان عمر يقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك وإنا نتوسل إليك بعم نبيك، ادع الله يا عباس! فلو أن عمر علم أنه يجوز أن يذهب للقبر لما توسل بـ العباس ليدعو لهم الله. فحياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية، فلا ينبغي أن يقال: إن الذهاب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ميت كالذهاب إليه وهو حي. وقد أورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية قصة الرجل العتبي الذي نام عند القبر، ولم يخرجها، وهي: أن رجلاً جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، ثم ولى الرجل مدبراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعتبي: قم وأخبر الأعرابي أني قد استغفرت له، ثم أخذ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم وهذه القصة تحتاج إلى تخريج. والشيخ أبو إسحاق بارك الله فيه قد اجتهد في تحقيق نصوص كتاب تفسير ابن كثير، والكتاب لم يكتمل بعد. فأسأل الله أن يتم هذا العمل الطيب إن شاء الله تعالى. وكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، وأصل المتصوفين: أهل الزهد، فـ الحسن البصري من الزاهدين وليس من المتصوفين. فكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، فإن كانت هي الإسلام فلا نريد بديلاً لاسم الإسلام، كما قال الدكتور جميل غازي رحمه الله، وإن كانت هي غير الإسلام فلا نقبل شيئاً غير الإسلام. وإذا قرأت في تراث الصوفية فستجد العجب، كما في أقوال ابن عربي والحلاج وابن الفارض وغيرهم من أئمة التصوف، وقد قال ابن عربي كلاماً لا أستطيع أن أذكره على الملأ. وأبو يزيد البسطامي يقول: ضربت عريشي إزاء عرش الرحمن جل وعلا، وخضنا بحراً عجز الأنبياء عن الوقوف بساحله. فهم دخلوا البحر والأنبياء عجزوا عن الوقوف بساحله. ويقول: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي يعني: أن الولي أعلى من النبي مرتبة، وأهل السنة لهم العلم الظاهر، ونحن لنا العلم الباطن. فهم أصحاب نظرية الظاهر والباطن. ويقول: ما في الجبة إلا الله. وهذا حلول واتحاد. ويقولون: العبد رب والرب عبد ليت شعري من المكلف ويقولون: ما الكلب والخنزير إلا إلهنا. وهذا حلول واتحاد. فهؤلاء أفسدوا الدين. ونحن نقول لك: القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، فأهل الصفة كانوا زهاداً، ولسنا في حاجة لزهد أحد، بخلاف زهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تعانقت الصوفية مع الباطنية، وهناك رسالة دكتوراه بعنوان: (العلاقة بين الصوفية والشيعة). فالعلاقة واضحة المعالم تماماً، ولذلك لما دخلت فرنسا إلى الجزائر لتحتلها جيء بقطب الطريقة التيجانية -شيخها- فقيل له: ماذا نفعل؟ هل نقاوم الاستعمار؟ قال: لا، لقد رأيت في منامي أمس هذا الجنرال وهو قادم إلى بلدنا، فسلموا إليه البلد، وهذا قضاء الله، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38]! فهم ينزعون من الإسلام مفهوم الجهاد، ويجعلونه خاصاً بجهاد النفس، وأما جهاد العدو فلا وجود لذلك عندهم، وفي هذا تمييع لقضايا مهمة جداً. ونحن نحب أهل الزهد الذين هم على طريقة السلف الصالح، وأما ما نراه الآن فهو شرك. والمغالاة في حب الصالحين كان سبباً في دخول الشرك إلى قوم نوح عليه السلام، وهذا لا ينبغي أن يكون، لا بد أن ننقاد للحق، وأما أن تكون المسألة منافع ومكاسب فلا، بل ولو كان الحق معك فلا بد أن أقبله ولو كان ضد ما أرى، ولذلك قال أحد الإخوة: لو خرج البدوي من قبره الآن حياً لأعادوا قتله مرة ثانية؛ للمنافع المحققة. ونحن لا نبغض أهل الزهد والورع، مثل الجيلاني والهروي ا

حكم زيادة سنة في شهادة الخبرة كذبا

حكم زيادة سنة في شهادة الخبرة كذباً Q إنني أعمل حداداً من مدة أربع سنوات، وقدمت في هيئة النقل العام، وطلبوا مني شهادة خبرة لخمس سنين، وأنا لم أعمل إلا لأربع سنوات، فهل يجوز لي أن أزيد سنة وأكتب خمس سنين؟ A لا، ينبغي عليك أن تكون صادقاً، والصدق منجاة، فأنت عملت أربع سنين، فتأتي بشهادة الأربع، ولا يجوز لك أن تكذب للحصول على عمل. والصدق منجاة، فكن مع الصادقين، حتى قيل: إن رجلاً من سلف الأمة جاء الحجاج ليقتل ولده، فقال له الحجاج: أين ولدك؟ وكان الولد قد دخل مكاناً ليختفي فيه من الحجاج، فقال له: ولدي في هذه الغرفة، فوجده فيها، فقال: لأجل صدقك عفوت عن ولدك، فهل رأيت ماذا يعمل الصدق، فالصدق منجاة، فكن صادقاً. أما إن اضطررت فيمكن أن تسمي اليوم من السنة والجزء من السنة سنة، فإذا اشتغلت أربع سنوات وشهرين فتحسبها خمس سنوات، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]. و (أشهر) هنا المقصود بها شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، فسمى الجزء من الشهر شهراً. هذا في حال الاضطرار. والله تعالى أعلم.

نصيحة لشاب أقلع عن العادة السرية

نصيحة لشاب أقلع عن العادة السرية Q أنا شاب في السابعة عشرة من العمر، وكنت أستعمل العادة السرية، ولكني بفضل الله تبت، فبم تنصحني يا شيخ؟! A أنصحك أن تصوم كثيراً، فإن الصيام يهذب الشهوة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) يعني: وقاية. فأنا أنصحك بالصوم، وبكثرة الذكر وقراءة القرآن، والمحافظة على الجماعات. حفظك الله تعالى.

حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ A القصد يكون للمسجد والقبر يأتي تبعاً، فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهذا قول أهل السنة، فإذا وصلت المسجد تسلم وتزور وتفعل كل شيء، وقد رأى عمر رجلين يرفعان أصواتهما عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أي البلاد أنتما؟ قالا: من الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، أترفعان أصواتكما عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2]، فالرفع هنا يمتد إلى الحياة والممات.

أنواع الربا

أنواع الربا Q ما الفرق بين البيع بالتقسيط والقرض بالفائدة؟ A لا، هناك فرق كبير، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا فضل، وربا نسيئة. فأما ربا الفضل فقد حصره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا). فهذه الأصناف لا بد أن تكون يداً بيد، ومثلاً بمثل، ولما جاء بلال بتمر جيد من خيبر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا يا رسول الله! هذا تمر جيد استبدلناه بتمر رديء) أي: يتفاضل، مثل خمسة كيلو رديء بكيلو جيد، فقال عليه الصلاة والسلام: (هذا عين الربا يا بلال!). فالربا أن تستبدل جيداً برديء أكثر في هذه الأصناف. وأما ربا النسيئة فمثل: أن أقرضك ألف جنيه مثلاً على أن تقضيني ألفاً ومائة، هذا ربا النسيئة، أو مثل أن أقول لك: أقرضك على أن ترد القرض في اليوم الأول من شهر واحد، فإن تأخرت فعليك فائدة (1%) عن كل يوم تأخير. هذا ربا النسيئة؛ لأن قرض الألف لا بد أن يرد ألفاً، (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).

حكم الشرط الجزائي، وحكم البيع بالتقسيط

حكم الشرط الجزائي، وحكم البيع بالتقسيط السؤال ما حكم الشرط الجزائي؟ A الشرط الجزائي مشروع ولا بأس به. وأما بيع التقسيط فهو أن يكون للسلعة سعر نقدي وسعر بالآجل، شريطة أن تسأل المستهلك: هل تريد أن تشتري نقداً أم بالآجل؟ فارتفاع السعر نظير الأجل، وهذا أمر مقرر عند جمهور الفقهاء، وهناك رسالة بهذا العنوان: (جواز البيع بالتقسيط عند الجمهور). فالبيع بالتقسيط بارتفاع السعر. والله تعالى أعلم. ويجوز مبادلة السيارة بأحسن منها؛ لأنها ليست في الحديث، والمذكور في الحديث: ذهب بذهب، وفضة بفضة، وتمر بتمر، وملح بملح، قمح بقمح، وشعير بشعير. وأما جلابية بجلابية، أو سيارة بسيارة، مثل أن يعطيني شخص سيارة (فيات) ويأخذ مني (فلفو) ويدفع الفرق، فهذا ليس في الحديث. فربا الفضل في هذه الأصناف. والله تعالى أعلم.

حكم تحويل الدين إلى زكاة

حكم تحويل الدين إلى زكاة Q مات رجل وعليه دين، وبعد دفنه ذهبنا إلى صاحب الدين وكان مبلغاً كبيراً من المال بحكم التجارة، فعفا عنه على أنه من زكاة المال، فهل يجوز تحويل الدين إلى زكاة مال؟ A لا يجوز عند الجمهور، بل الراجح أنه لا يجوز أن تسقط الدين على اعتبار أنه زكاة؛ لأن الزكاة فيها إعطاء، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60]. فـ (للـ) تفيد الإعطاء، وهذه الحالة لم يقل بها أحد من أهل العلم، فلا ينبغي العفو عن الدين مقابل إسقاطه من زكاة المال. والله تعالى أعلم.

ما يصنعه الزوج إذا زنت الزوجة

ما يصنعه الزوج إذا زنت الزوجة Q فتاة نصرانية مات والدها وجدها، ثم أعلنت إسلامها وتزوجت من شاب مسلم، وأنجبت منه ثلاثة أولاد، ثم حدث خلاف بينهما، وفي خلال فترة الخلاف حملت من الزنا وأنجبت مولوداً، وأنكر الرجل الزاني هذا الولد، فماذا يصنع الزوج؟ ولمن ينسب هذا المولود؟ وماذا يفعل الزوج في هذا الموضوع؟ وما مصير هذه المرأة إذا حدث طلاق وأهلها كلهم نصارى؟ A أولاً: لا بد أن تتيقن أن الولد ليس ولدك، فهو يمكن أن يكون حملاً مستكناً منك. ثانياً: إن تيقنت فاتهمها بالزنا ولاعنها، إما لأنك رأيت، وإما لقرينة لا تقبل التشكيك فيها. ثالثاً: إذا لاعنت فإن الولد ينسب إلى أمه، فيحلف الزوج وتحلف الزوجة كما في سورة النور، ثم يفرق بينهما، والمتلاعنان لا يجتمعان أبداً، وإن نكحت ألف زوج بعده، يحدث بينهما الفراق الأبدي طالما وقد اتهمها بالزنا، ولا يجوز أبداً أن تعود إلى الزواج منها مرة ثانية؛ لأن الزواج قائم على المودة والرحمة، وهذا قد انقلب إلى عذاب. ولا تقل: ماذا أفعل للزوجة وأهلها كلهم نصارى؟ فأنت لا تقبل الزنا على عرضك، فإن زنت وتحققت من الزنا فلاعنها، ثم يفسخ بينكما العقد، ولها أن تتوب إلى الله وأن تتزوج غيرك. والله تعالى أعلم.

حكم لعب الأطفال المجسمة

حكم لُعَبِ الأطفال المجسمة Q ما حكم الإسلام في لعب الأطفال المجسمة على هيئة إنسان أو حيوان؟ A لعب الأطفال جائزة إذا كانت على هيئة عروسة أو حصان، والدليل ما جاء في البخاري في كتاب الصيام عن الربيع تقول: لما فرض عاشوراء صمنا، وصوَّمنا أطفالنا، وكنا نصنع لهم عرائس من صوف، فكانوا إذا بكوا على الطعام أعطيناهم إياها. فلعب الأطفال لا شيء فيها، والله تعالى أعلم. بشرط ألا تكون تماثيل. وتعليق الصور على الحوائط حرام، ولا يجوز أبداً أن تعلق صورة لأبيك أو لأمك أو لفنان أو شيخ، فتعليقها حرام. والله تعالى أعلم.

مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم

مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم البكاء من خشية الله تعالى سبب لحصول الرحمة والمغفرة، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أشد الناس خشية لله تعالى وخوفاً منه، وقد بكى في مواضع متعددة إما خوفاً من الله أو رحمة وشفقة بأمته، وكذا كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الصالحين يبكون من خشية الله تعالى، والقصص في ذلك كثيرة.

المواضع التي ذكر فيها البكاء في القرآن الكريم

المواضع التي ذكر فيها البكاء في القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:7]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه وعونه- بعنوان: مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم. والعناصر الرئيسة لهذا الدرس هي كما يلي: أولاً: البكاء في القرآن. ثانياً: البكاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام. ثالثاً: أنواع البكاء العشرة كما ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى. رابعاً: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم. خامساً: بكاء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. وابتداء نقرر أن جمود العين من قسوة القلب، فالعين التي لا تبكي من خشية الله تدل على أن قلب صاحبها فيه جمود، ولذلك يقول ربنا عن أصحاب القلوب الجامدة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، و (أو) هنا بمعنى: (بل)، أي أن قلوب اليهود أقسى من الحجارة. وبتتبع بعض المواضع التي ورد فيها ذكر البكاء في القرآن الكريم نجد ما يلي: الموضع الأول: قال ربنا عز وجل في سورة النجم: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:59 - 61]، ومعنى (سامدون)، أي: مغنون لاهون لاعبون، ومعنى كلمة: (اسمد لنا)، أي: غن لنا، قال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]، والله إنه الغناء. الموضع الثاني من مواضع البكاء: في قول الله تعالى في سورة مريم بعد ذكر بعض الرسل: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]، قرأ عمر رضي الله عنه هذه الآية ونزل من على المنبر وسجد، ونظر إلى القوم فما رآهم بكوا؛ فقال: أيها الناس! هذا السجود فأين البكاء؟ أي: أن ربنا قال: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]، ولم يقل: ((خَرُّوا سُجَّداً)) فقط. الموضع الثالث: في سورة التوبة: قول ربنا سبحانه وتعالى عن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يخرجوا معه في غزوة تبوك؛ ليقاتلوا أعداء الله سبحانه، فلم يجد لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، أي: لم يجدوا شيئاً يستطيعون الجهاد به، فكان حالهم أنهم {تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ} [التوبة:92]، لعدم استطاعتهم على الجهاد في سبيل الله، أريتم مثل هذا أيها الإخوة الكرام؟! الموضع الرابع: في سورة المائدة وهو مهم جداً، قال تعالى: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى))، البعض يقرؤنها إلى هنا ويقف، والمعنى لم يكتمل ولم يتضح، وهذا خطأ فادح عند الكثير، بل لابد أن يكملوا الآية، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ} [المائدة:82 - 83]، وذلك أنهم آمنوا؛ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً}، وإذا سمعوا القرآن آمنوا، أما أن تقرأ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة:82] وتقف، فهذا غرض في نفسك يا عبد الله! لا بد أن تكمل الآية إلى آخرها. الموضع الخامس: في سورة يوسف، قال تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف:16]، إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً ولم يأتوا نهاراً، لأن الكاذب يبدو في وجهه الكذب، فكأنهم تستروا بلباس الليل؛ ليخفوا كذبهم عن أبيهم، وهذا من أنواع البكاء العشرة المعروف ببكاء النفاق. الموضع السادس: في سورة يوسف جاء ذكر البكاء أيضاً، قال تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف:84]، أي: من كثرة البكاء عليه أصيب بما يسميه علماء الطب: بالماء الأبيض، ولم يكن

المواضع التي ذكر فيها البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم

المواضع التي ذكر فيها البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أما البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ففي حديث أبي هريرة الجامع المانع في فضائل الأعمال، وتعطير أو ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وفي رواية الموطأ: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، وجميع الروايات في البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والموطأ تنتهي إلى أبي هريرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، أي: بكى من خشية ربه، ولذلك لا يلج النار أحد بكى من خشية الله، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى يعود اللبن في الضرع)؛ لأنه بكى من خشية الرحمن عز وجل. ومن الأحاديث في فضل البكاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ولما استمتعتم بالنساء على الفرش) وذلك أنه رأى الجنة والنار صلى الله عليه وسلم. أيها الأحباب الكرام! والبكاء من خشية الله يقسمه العلماء إلى أنواع، يقول العلامة ابن القيم: وكان بكاء النبي صلى الله عليه وسلم كضحكه، أي: لم يضحك قهقهة، إنما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، لحديث: (ما رؤي مستجمعاً ضاحكاً قط)، لم يضحك مثلنا بقهقهة وبصوت مرتفع؛ لأن هذا من صنع الغافلين، كذلك كان بكاؤه لا يشعر به أحد، يقول العلامة ابن القيم: فكان بكاؤه من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، إنما كانت عيناه تدمعان دون أن يشعر به أحد. وفي هذا لما قال لـ عبد الله بن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قال ابن مسعود: فقرأت عليه من سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك -أي: كفاك- فنظرت إلى وجهه؛ فإذا عنياه تذرفان)، أي: أن ابن مسعود ما علم ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم بصوته، إنما علم بكاءه بالنظر إلى وجهه عليه الصلاة والسلام.

أنواع وأقسام البكاء

أنواع وأقسام البكاء يقول العلامة ابن القيم: وينقسم البكاء إلى عشرة أنواع: أولاً: بكاء الرحمة والرقة. ثانياً: بكاء الخوف والخشية. ثالثاً: بكاء المحبة والشوق. رابعاً: بكاء الفرح والسرور. خامساً: بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله. سادساً: بكاء الحزن. سابعاً: بكاء الخور والضعف. ثامناً: بكاء النفاق. تاسعاً: البكاء المستعار والمستأجر. عاشراً: بكاء الموافقة. والفرق بين بكاء الخوف وبكاء الحزن أن بكاء الخوف على ما هو آت، وبكاء الحزن على ما وقع من فعل مضى. ودمعة الحزن تختلف عن دمعة الفرح، فإن دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن ساخنة، لذلك فرق بين بكاء وبكاء. والبكاء المستعار: كأن تأتي بامرأة لتبكي على رجل لا تعرفه، وتستعيرها بأجر، يقول أحد السلف لأبيه: يا أبتِ! مالي أراك إذا تحدثت بكى الناس، وإن تحدث غيرك لم يبك أحد؟ قال: يا ولدي! ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. ليست من أصيبت في زوجها أو ولدها كمن يؤتى بها لتبكي بأجر.

المواضع التي بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم

المواضع التي بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام! وبالتتبع لبعض مواقف بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه بكى في مواضع منها: أولاً: بكاؤه في يوم بدر عليه الصلاة والسلام؛ لما عاتبه الله في أسرى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67]، لما جاءه عمر وجده يبكي هو وأبو بكر تحت الشجرة، فقال: يا رسول الله! لم تبكيان؟ فإن وجدت ما يبكي بكيت، وإلا تباكيت. وهذا يسمى بكاء المجاملة. ثانياً: بكاؤه لما أوحى الله إليه باستشهاد شهداء مؤتة الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر الطيار بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة. ثالثاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم، وقال: (إن العين لتدمع). رابعاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن في أكثر من حديث: الحديث الأول وهو حديث ابن مسعود، والحديث الثاني: لما أنزل الله عليه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، والسيوطي رحمه الله في كتابه (الإتقان) يضرب بها مثلاً فيما نزل من القرآن ليلاً. تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: دعيني أصلي لربي، فبكى حتى بلَّ الأرض من دموعه، ودخل عليه بلال فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: كيف لا أبكي يا بلال وقد أنزل الله علي الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190])، أي: لأصحاب العقول. وتطالعنا جريدة الأهرام القاهرية بمقال في (5/ 3/2004) عن الصورة التي أذهلت العالم، وهي أن وكالة (ناسا) الفضائية الأمريكية لما أطلقت مكوك الفضاء قام بتصوير الكرة الأرضية من أعلى، فلما صور الكرة الأرضية وجدها معتمة -مظلمة- إلا مكة والمدينة، لكنهم إلى الآن يكابرون عن قبول الحق، وعن الإيمان والإسلام، ولا يؤمنون وقد تبين لهم الحق، وربنا يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]، لكن الكاتبة قالت في مقالتها: والمسجد الأقصى في فلسطين لم يكن على منوال المسجد الحرام والمسجد النبوي، وترجع السبب إلى أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له، لكني أقول: المسجد الحرام حرام، والمسجد النبوي حرام، والمسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام؛ وهذا خطأ شائع بيننا أن نقول عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين، وهذا خطأ فادح، إنما الحرمان هما المسجد الحرام والمسجد النبوي، أما المسجد الأقصى فليس بحرام، بل إنه مبارك تشدُّ إليه الرحال، لكن لا يأخذ حكم المسجد الحرام والمسجد النبوي من أحكام الحرمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثال ذلك: لو أنك وجدت لقطة في المسجد الحرام بمكة لا تأخذها، أما في المسجد الأقصى فإنك تأخذها. لو أنك نفرت طيراً في الحرم المكي والمدني فإنه يحرم عليك ذلك، أما لو نفرت طيراً في فلسطين لا يحرم عليك. فنقول: المسجد الأقصى من المساجد المباركة التي تشد إليها الرحال، أما المسجد الحرام والمسجد النبوي فإنهما حرمان، ولذلك فإن النور يسطع منهما على الأرض، هذا هو السبب، وليس كما قالت الكاتبة أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له. فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى عند نزول الآيات، قال لـ بلال: (أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها -أو سمعها- ولم يتدبرها. ثم قرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]). وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قول الله عز وجل عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36]، ثم تلا قوله تعالى عن عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله إليه جبريل، وقال له: سله ما يبكيك؟ والله أعلم بما يبكيه، فقال صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي -يبكي على أمته- فأوحى الله إليه بقوله: قل ل

بكاء الصحابة رضي الله عنهم

بكاء الصحابة رضي الله عنهم أما بكاء الصحابة فحدث عنه ولا حرج، فـ الصديق من صفاته أنه كان لا يملك دمعه، فقد كان أسيفاً، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها حينما قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت: يا رسول الله! مر عمر؛ فإن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه، إذا قرأ القرآن بكى). وقد بكى أبو بكر عندما أدركهم سراقة بن مالك في طريق الهجرة خوفاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر يلتفت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت. وبمناسبة الهجرة أقول: لا تسمعوا لهؤلاء الذين لا يحققون للناس ما ينقلون، ففي برنامج إذاعي أو تلفزيوني -كما أخبرني أحد الناس أن المتحدث أستاذ في الجامعة، لا يليق به أن ينقل دون أن يحقق- يقول المتحدث: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الغار حمله الصديق، ثم مزق أبو بكر ثوبه، وسد به الفتحات التي في الغار إلا موضعاً واحداً خرج منه ثعبان ولدغ أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجره، وأبو بكر يكتم البكاء، فنزلت دموعه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال: ما يبكيك يا أبا بكر؟! قال: لدغني الثعبان يا رسول الله! فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الثعبان: لم لدغت الصديق يا ثعبان؟! قال: حبك يا عدنان! عليه الصلاة والسلام! هل هذا الكلام يقال في إذاعة أو في قناة، ويعرض على الناس في المحافل العامة؟ وفي الهجرة: العنكبوت والحمامة، وربنا يقول: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40]، والعناكب جنود مرئية، لكننا ما زلنا نعرض الهجرة على الناس بهذا السياق الذي لا يرضي الله عز وجل، فنحن بحاجة إلى تحقيق تاريخي. وأحدهم سمعته منذ فترة يقول: قال موسى لربه: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، فقال: يا موسى خذ حجراً واكسره، فكسر الحجر فخرج من الحجر حجر، ثم كسر الثاني فخرج منه حجر، ثم كسر الثالث فخرج منه حجر، إلى أن وصل إلى السابع فوجد فيه دودة تقول: سبحان من رزقني! ما هذا الكلام؟! وهل هذا يعرض على الناس إلى الآن؟ هؤلاء ليس لهم عقول، كليم الله يقول: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، هل كليم الله لا يعلم أن الله هو الرزاق؟! هذا كلام -يا إخواني- لا ينبغي أن يقال منا إلا بعد التحقيق الحديثي، فقد يكون ضعف في الإسناد أو في المتن. أيضاً: قصة عابد الحرمين ابن المبارك حينما قال لشيخه الفضيل بن عياض: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب هل من الأدب أن يقول الطالب لشيخه: أنت تلعب بالعبادة؟! وهل هذا من أدب السلف؟! لا يمكن أن نقبل هذا. أيضاً ما ذكره الذهبي في الكبائر أن رجلاً دفن أخته، فوقعت حافظة نقوده في قبرها، فلما وارى التراب على القبر بحث عن المحفظة فلم يجدها، فرجع إلى القبر وفتحه يبحث عن محفظته، فهل في السلف من يرجع إلى القبر ويفتحه حباً في المال؟! أليس منكم رجل رشيد؟! هل هذا كلام يقال على المنابر للناس؟ هذا كلام لا يقبل يا إخواني! أيضاً: الرجل الذي لم يصل العشاء في جماعة، فلما فاتته الجماعة عاد إلى بيته وصلى سبعاً وعشرين صلاة، فهذا كلام باطل، لأنه لا صلاة في اليوم مرتين، وما كان السلف يجهلون أنه لا يجوز أن تعاد الصلاة أكثر من مرة، لا يجوز أن تعاد الصلاة إلا لسبب شرعي؛ كبطلان أو خطأ، كأن صلى متلبساً بنجاسة، أو صلى إلى غير القبلة؛ فيجوز أن يعيد طالما أنه في الوقت، أما إذا صلى صلاة صحيحة ثم يعيد الصلاة سبعاً وعشرين مرة، فهذا كلام لا يقبل بحال؛ لأنه يعارض الصحيح. أيضاً: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسماعيل أتى بالسكين، ووضعها على رقبة إسماعيل، فانثنت السكين ولم تقطع، فقال إبراهيم: يا رب! إن السكين لم تتحرك ولم تؤد دورها، قال: يا إبراهيم! إن الذي نزع الرحمة من قلبك نزع الحدة من السكين! هل نزعت الرحمة من قلب إبراهيم؟! لا إله إلا الله! هذا الكلام -والله- يقال وسط عشرة آلاف مصل، أن الله سبحانه وتعالى نزع الرحمة من قلب إبراهيم، والجميع يجلس ويقول: ما أجمل هذه القصة! والناس تحب القصص، ويستضيفون من يجمع يميناً ويساراً، ويتخبط ويخبط، ويعرض هذه البضاعة الفاسدة على الناس دون تحقيق. فيا عباد الله! لا بد أن نحقق قبل أن ننقل، ولذا فأول حديث وقع عند البخاري من الثلاثيات في كتاب العلم: حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال علي ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار)، عليه الصلاة والسلام. وهو أول الثلاثيات عند البخاري رحمه الله تعالى. إذاً: بكاء الصديق، وبكاء عمر، وب

الأسئلة

الأسئلة

حكم تصوير وطباعة الكتب دون علم مؤلفيها وناشريها

حكم تصوير وطباعة الكتب دون علم مؤلفيها وناشريها Q نحن طلبة في الجامعة نقوم بتصوير الكتب الجامعية؛ لأن ثمنها مرتفع، سواء كتب عليها (حقوق الطبع محفوظة) أو لم يكتب، فما حكم هذا؟ A يجوز طالما أنك تنتفع بها ولا تتاجر بها، يجوز في حال الانتفاع فقط.

حكم الزواج برجل لا يصلي إلا الجمعة

حكم الزواج برجل لا يصلي إلا الجمعة Q تمت خطبتي إلى شاب لا أعرفه، ولكنه لا يصلي إلا الجمعة، ويعمل مدرس سباحة؟ A إذا كان لا يصلي إلا الجمعة فهو تارك للصلاة، وتارك الصلاة اختلف العلماء في حكمه، فلا تتزوجي هذا الرجل، وهو -إن مات على ذلك- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر يرافقهم في جنهم.

حكم سجود التلاوة في أوقات الكراهة

حكم سجود التلاوة في أوقات الكراهة Q هل يجوز سجود التلاوة في أوقات الكراهة؟ A المسألة خلافية، والراجح أنه يجوز.

حكم بيع المرابحة

حكم بيع المرابحة Q اتفقت مع أحد الأشخاص على شراء سيارته، ولما لم يكتمل المبلغ المتفق عليه اتفقت مع أحد البنوك الإسلامية على شراء هذه السيارة من هذا الشخص، وإعادة بيعها لي بالتقسيط بعد إضافة مصروفات البنك وغير ذلك، فما حكم ذلك؟ A هذا البيع يسمى بيع المرابحة، يجوز للبنك أن يشتري السيارة، وأن ينقل ملكيتها إليه، ثم يعود ويبيعها إلى المستهلك الذي يريد شراء هذه السيارة بسعر جديد دون أن يحمله فوائد في حال التأخير، فإن تحمل فوائد فهو ربا.

الحكم على حديث: (ولما تلذذتم بالنساء على الفرش)

الحكم على حديث: (ولما تلذذتم بالنساء على الفرش) Q عبارة: (ولا تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني، ما رأيكم في ذلك؟ A رواية: (لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها الشيخ أبو إسحاق حفظه الله، ننظر في تضعيفها إن شاء الله تعالى.

الحكم على حديث: (إياكم وخضراء الدمن)

الحكم على حديث: (إياكم وخضراء الدمن) Q أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حديث: (إياكم وخضراء الدمن)؟ A هذا حديث غير صحيح أبداً.

عدم كون المسجد الأقصى حرما

عدم كون المسجد الأقصى حرماً Q ما الدليل على أن المسجد الأقصى ليس حرماً؟ A هذا السؤال خطأ، والأصل أن يقال: ما الدليل على أن المسجد الأقصى حرام؛ لأن الأصل في الأرض أنها كلها مباحة، إنما التحريم يحتاج إلى دليل، لكن الأدلة واضحة على أن المسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام، والمنطقة الحرام لا ينفر طيرها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، ولا يجوز أن تصطاد فيها وأنت حل. فلو أن رجلاً اصطاد في فلسطين عند المسجد الأقصى فإن صيده مباح ولا نلزمه بشيء؛ لأن المسجد الأقصى لم يأخذ خصائص المسجد الحرام.

حدود نظر الخاطب للمخطوبة وعورة المرأة أمام محارمها

حدود نظر الخاطب للمخطوبة وعورة المرأة أمام محارمها Q ما حدود نظر الخاطب للمخطوبة وما حدود عورة المرأة أمام المحارم؟ وما حدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته؟ A أما حدود نظر الخاطب للمخطوبة فهو الوجه والكفان، وله أن يراها ثلاث مرات. وحدود عورة المرأة أمام المحارم الوجه والكفان، الشيخ الألباني له كتاب في هذا، لا سيما المحارم الذين عندهم ضعف في الدين. وحدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته أنه يحل له كل شيء إلا الدبر والحيض والنفاس، وما عدا ذلك (أنَّى شئتم)، وخاصة عند وجود الترف في هذه الأيام، فالإنترنت يفتح والدش يبث، وأصبحنا نتفنن في ذلك، نسأل الله العافية.

الحكم على الأحاديث القدسية

الحكم على الأحاديث القدسية Q هل الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف؟ وهل هي من مصادر التشريع؟ A الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف، وإن صحت فهي من مصادر التشريع.

حكم البكاء بصوت مرتفع في صلاة الجماعة

حكم البكاء بصوت مرتفع في صلاة الجماعة Q ما حكم بكاء المصلي بصوت مرتفع في صلاة الجماعة؟ A الحقيقة لا أدري ما الذي جرى لهذه الصحوة؟! لا بد أن نستقيم على السنة، والسنة فيها خشوع وأدب وعدم زحام. أخبرني ثقة أنه قبل الصلاة حدث عند الباب مشاكل وضرب وزحام، أين الأدب والخشوع في الذهاب لصلاة الجمعة؟! أين السكينة والوقار؟! أين احترام المسلم لأخيه المسلم؟! أين سعة الصدر؟! هل يحدث هذا من الملتزمين؟! إذاً: نحن لا يمكن أن ننظم مكاناً واحداً، إذا كنا بهذه الطريقة ليس لدينا نظام فلنتق الله عز وجل، ولنحفظ الأدب في التعامل مع الناس، والبكاء له آداب، ومن آدابه: عدم رفع الصوت، أما الذي يبكي بصوت مرتفع فهذا نسأل الله له العافية.

حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها

حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها Q ما حكم المرأة التي تمتنع عن زوجها في الفراش؟ A تلعنها الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت باتت تلعنها الملائكة).

الوقت وحرص الصالحين عليه

الوقت وحرص الصالحين عليه اهتم الإسلام بالوقت وحث على الحرص عليه، بل أقسم الله بالوقت بمعانيه المختلفة في كتابه؛ وما ذاك إلا لعظيم شأنه، واغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات فيما يقرب إلى الله هو عمل السعداء، ولنا في الصحابة والتابعين في حرصهم على الوقت أسوة حسنة، ومن الأوقات التي ينبغي الحرص عليها شهر رمضان؛ لما فيه من الخير والبركة.

أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه

أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن اغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات والساعات فيما يقرب من رب البريات لهو عمل السعداء، والأتقياء لا يفرطون في لحظة أو في دقيقة إلا وشغلوها بذكر الله أو بطاعة الله؛ لأنهم يعلمون أن الأوقات هي رأس مال العبد، وكان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم! إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ومما يبين خطورة الوقت والزمن في حياة المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، أي: أن الكثير من الناس لا يستغل نعمة الصحة ونعمة الفراغ، وعند احتضاره يندم على كل وقت مضى عليه دون أن يعمره بطاعة الله؛ ولذلك من الأسئلة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة: (عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه). ويتضح المعنى جلياً عند تمني الرجعة عند خروج الروح: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] في النار، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]، يندمون على أوقاتهم التي ضيعوها في اللهو والعبث أمام مظاهر الإفك والمنكرات، ويعضون على أصابع الندم، ولكن المسلم على بصيرة من أمره. أحبتي الكرام! انظروا إلى حال سلفنا في اغتنام الأوقات والساعات واللحظات في طاعة رب العالمين سبحانه، كان ابن عقيل -من الحنابلة- يختار سف الكعك على مضغ الطعام، فسئل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني وجدت المسافة بين السف والمضغ قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله، لا إله إلا الله! ليس عنده وقت ليمضغ الطعام فيسفه سفاً، أين أوقاتنا يا عباد الله؟! وقال رجل للأحنف بن قيس: قف أكلمك. قال له: أمسك الشمس حتى أتحدث معك. وقال الخليل بن أحمد: أثقل ساعة علي ساعة آكل فيها الطعام؛ لأنها تمنعني عن ذكر ربي عز وجل. أحبتي الكرام! أرأيتم الهمم العالية؟! وكان سفيان الثوري يطلب العلم ويتعارض طلبه للعلم مع عمله، فقال لأمه: إن عملي يشغلني عن طلب العلم كثيراً، فماذا قالت المرأة لابنها؟ يا بني! تفرغ أنت لطلب العلم، وأنا سأكفيك بمغزلي هذا، وانطلقت الأم تعمل وتنفق على ولدها طالب العلم. وكان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يأتي إلى أبي بن كعب رضي الله عنه ليسأله في مسألة شرعية، فينام على بابه ويقيل حتى يخرج إليه أبي، فيسأله ابن عباس عن حاجته. أرأيتم الهمم يا عباد الله؟! اغتنموا الأوقات في طاعة الله حتى لا تتحسروا يوم القيامة على أي وقت لم تشغلوه بطاعة الله وذكره. وكان حرص سلفنا الصالح على الأوقات كحرصنا نحن على الدرهم والدينار،

إقامة الشعائر في شهر رمضان

إقامة الشعائر في شهر رمضان إن شهر رمضان شهر اصطفاه الله، وخصه بخصائص تميزه عن سائر الشهور، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن الله جعله محلاً للصيام ومحلاً لنزول القرآن، ومحلاً للقيام ولتفتيح أبواب الجنان، ولتغليق أبواب النيران، ولتصفيد مردة الشياطين، جعله الله محلاً لليلة هي خير من ألف شهر، إذاً: شهر له هذه الصفات حري بنا أن نشمر فيه عن ساعد العمل، ونجتهد في العبادة والطاعة لرب العالمين سبحانه، ومن ثم أحدثكم عن الأعمال التي ينبغي أن نكرس لها الجهد في هذا الشهر.

قيام الليل

قيام الليل الشعيرة الأولى: القيام. وقيام الليل هو شعار الصالحين ودأب المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، تتباعد جنوبهم عن أمكان نومهم، هل يشاهدون أفلاماً؟ أو يسهرون على سهرة آخر الليل؟ أو يسهرون على غناء هابط؟ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] لماذا؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته. ولذلك -إخوتي الكرام- انظروا إلى حال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كيف كان ليله، هل كليل البطالين والسفهاء الذين يدعون الأمة إلى النار على سهرات هابطة، انظروا إلى حال نبيكم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على فراشي فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فقمت أبحث عنه في الحجرة المظلمة فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام قد ترك الفراش وقام يصلي لربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه وهو يقول ويناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). وقام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف بجواره، يقول: (فقرأ النبي سورة البقرة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة) كل ذلك في الركعة الأولى يا عبد الله، والحبيب قائم بين يدي ربه، ولذلك انظروا إلى حال سلفنا وإلى حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان عمر بن الخطاب يقوم بالليل يصلي لله والناس نيام، وأهل التوحيد لا يعرفون النوم بالليل إلا القليل؛ لأنهم ينفردون بربهم سبحانه، ويناجونه ويدعونه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يقرأ في سورة يوسف -يحبها- حتى إذا وصل إلى قول الله: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] علا صوته بالبكاء حتى يسمع لبكائه صوت من خلف جدران بيته، حتى أقامت الدموع خطين أسودين تحت عينيه من كثرة البكاء من خشية الله، فهذا عمر. أما عثمان فحدث عنه ولا حرج، قال ابن عمر في تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]، قال: نزلت في عثمان. وفي اليوم الذي مات فيه عثمان كان يقرأ القرآن من مصحفه، فلما طعنوه سال الدم من جسده على مصحفه، فبكت الزوجة وهي تقول: قتلتموه، وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً. رجال كانوا رهباناً بالليل لله رب العالمين، فأول شعيرة ينبغي أن نؤكد عليها في هذا الشهر الكريم شعيرة قيام الليل. وفي صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه التراويح في أول ليلة من رمضان، وفي الليلة الثانية كثر الناس -لينال الجميع شرف الصلاة خلف النبي عليه الصلاة والسلام- فصلى بهم، وفي الليلة الثالثة ما خرج من حجرته صلى الله عليه وسلم إلا في الفجر، فقال لهم: لم يخف علي مكانكم -يعني: أعلم أنكم مكثتم في المسجد من بعد العشاء- ولكني خشيت أن تفرض عليكم)، إذاً: العلة التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج حتى لا تفرض صلاة التراويح، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء زمن عمر رضي الله عنه اتخذ أبي بن كعب رضي الله عنه للرجال إماماً، فكان يصلي بهم قيام رمضان. والناس فريقان: فريق يدعو إلى النار بمسلسلاته وبسهراته وبلقاءاته الهابطة، وفريق يدعو إلى الجنة بالصلاة والقيام، فكن مع الدعاة إلى الجنة، ولا تستجب لأولئك الذين قال ربنا في حقهم: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:221]. أحبتي الكرام! وأول ما وطئت قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة -كما قال ابن سلام - قال: (أيها الناس! اطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام). وفي أول بعثته قال له ربه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:1 - 5]، قال ابن عمر: كان الصحابة بعد صلاة الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم ما رأوا في نومهم من رؤى فيفسر ل

القرآن

القرآن الشعيرة الثانية: القرآن. والحديث عن القرآن قد يطول قليلاً؛ لأننا هجرنا القرآن أياماً وشهوراً: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، وهجر القرآن أنواع، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد): وينقسم هجر القرآن إلى ستة أقسام: من الناس من يهجر القرآن سمعاً انظر إلى حال الأمة ماذا تسمع الآن يا عبد الله! وانظر إلى حجم أشرطة الغناء الفاحش التي تباع لشبابنا! الشريط الذي حطم المليون ثم دخل على المليون الثاني، كلمات هابطة تزرع النفاق في القلب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]، قال ابن مسعود: والله إنه الغناء. جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن. قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري) فكان ابن مسعود يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع. يقول ابن مسعود: (فأخذت أقرأ في سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:41 - 42]، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبك يا عبد الله!) أي: توقف (فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع) صلى الله عليه وسلم. فانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام عند الاستماع إلى القرآن ثم إلى حالنا نحن. إن آية واحدة كانت سبباً في توبة ابن المبارك والفضيل بن عياض. فـ ابن المبارك عبد الله -وما أدراك ما ابن المبارك - من سادات التابعين وكبارهم، كان يحب ضرب العود ويدمن عليه، وفي ليلة استيقظ ليضرب العود، فلما أراد أن يضرب أبى العود أن ينطق، فإذا بالعود يتكلم بين يديه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16]، قال ابن المبارك: آن الآن يا رب! وحطم العود وتاب توبة نصوحاً. أما الفضيل بن عياض فقد أعطى موعداً لامرأة بالليل، فجاء ليتسلق الجدار إليها، وبينما هو على الجدار سمع صوتاً يرتل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16]، فقال الفضيل: آن الآن يا رب! وسأجعل توبتي بجوار بيتك الحرام، وتاب توبة بآية واحدة. إن الملائكة تسمع القرآن والجن كذلك؛ لذلك عند سماع الجن للقرآن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:1 - 2]. ثانياً: هجر القرآن تلاوة، من الناس ومن يهجر القرآن تلاوة، وينبغي لكل مسلم من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون له ورد يقرؤه كل يوم لا يمنعه عن ورده شيء، كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان عثمان يختم كل يوم مرة، وكان قتادة يختم كل ثلاثة أيام، وكان الأسود يختم كل سبعة أيام، هكذا كان حال سلفنا، إذا جاء شهر القرآن قالوا: جاء رمضان شهر القرآن، فأقبلوا على القرآن تلاوةً واستماعاً وحفظاً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً؛ لذلك يقول ابن عباس: (كان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان)، ولفظ المدارسة أعم من لفظ التلاوة، المدارسة تعني: القراءة جماعة مع التدبر والتفكر والتفسير، قال: (كان يدارسه القرآن في رمضان في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين)، فانظر إلى حال الأمة في تلاوتها للقرآن اليوم يا عبد الله! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) فمن أي الأنواع أنت يا عبد الله؟! القسم الثالث: هجر القرآن تدبراً، وربنا يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]. القسم الرابع: هجر القرآن حفظاً، فأين حفظة القرآن في شهر القرآن؟! القسم الخامس: هجر القرآن تحكيماً؛ لأن القرآ

الصدقة

الصدقة الشعيرة الثالثة: الصدقة. فصدقة رمضان أجرها مضاعف، وفي ذلك يقول ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه حبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، يقول ابن حجر في الفتح: شبه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة لأن الريح المرسلة خيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض. أحبتي الكرام! يقول عمر رضي الله عنه: (ما سبقت أبا بكر قط في أمر معروف، فحدثتني نفسي أن أسبقه يوماً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فأسرعت إلى بيتي وجئت بنصف مالي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام) قسم المال نصفين وجاء بالنصف وترك النصف، (فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عمر؟! قلت: تركت لهم نصف مالي يا رسول الله. فجاء أبو بكر بمال يحمله ووضعه بين يدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت لأهلك يا أبا بكر؟! قال: تركت لهم الله ورسوله)، وأنا أسأل الآن هل منا أحد يستطيع أن يتصدق بكل ماله؟ إن أخرج جزءاً يسيراً من ماله زين الشيطان له الفقر: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268]. ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر؛ ثم سأل أصحابه: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أصلح بين متخاصمين؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من منكم اليوم تبع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة) هذه هي صفات الخير، يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـ العتيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]، رضي الله عنه. والصدقة تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: إطعام الطعام، وانظر إلى حال سلفنا، كان داود بن هند يصوم أياماً كثيرة، ويخرج من بيته في الصباح وزوجته لا تعلم أنه صائم، عبادة بينه وبين ربه، فتعطيه الطعام لغدائه، فيتصدق بالطعام ويعود إليها بالليل ليتعشى معها، هو صائم وهي لا تعلم. وكان ابن عمر لا يتناول طعاماً في رمضان إلا مع الأيتام، فإن لم يجد يتيماً أبى أن يأكل، فإن رد من في الدار الأيتام امتنع ابن عمر عن الطعام حتى يجمع الأيتام حوله. يقول ربنا فيهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:8 - 9]. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة)، كيلو تمر واحد توزعه على الصائمين عند غروب الشمس لك فيه الأجر الكثير من رب العالمين، الصدقة بابها واسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجر الصائم لا ينقص من أجره شيء)، فأي فضل هذا يا عباد الله؟! أجر الصائم (قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يجد ما يفطر به صائماً، قال: على شربة ماء أو مذقة لبن أو تمر)، فإن كنت لا تملك تمرة فقدم الماء لصائم، واحتسب الأجر عند الله يا عبد الله. فالشعيرة الثالثة في رمضان هي الصدقة، منها إطعام الطعام وإفطار الصائم، والمسح على رءوس اليتامى والإحسان إلى المساكين، فكم من بيوت مسلمة تشكو إلى الله الأغنياء، كم من بيوت مسلمة لا تجد كسرة العيش لتأكلها عند غروب الشمس، وهؤلاء المتخمون المترفون عجل الله تبارك وتعالى لهم طيباتهم في الدنيا. (دخل عمر بن الخطاب على رسول الله يوماً وهو ينام على أرض وقد أثر الحصير في جنبه) ترك أثراً في جنب رسول الله (فقال: يا رسول الله! ملوك الفرس والروم تنام في بروج مشيدة وأنت تنام على الحصير؟! قال: يا ابن الخطاب! هؤلاء قوم عجل لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أجلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة). انظروا إلى أبي هريرة، يقول: (خرجت يوماً في الظهيرة وما أخرجني إلا الجوع، فسألت الصديق عن سؤل وأنا آمل أن يصطحبني إلى بيته، فأجابني وانصرف، وسألت عمر فأجابني وانصرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي أخرجك يا رسول الله؟! قال: الذي

الذكر والاستغفار

الذكر والاستغفار الشعيرة الرابعة: الذكر والاستغفار. الذكر والاستغفار حياة قلب المؤمن، يقول ربنا في وصفهم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وأؤكد على شعيرة هامة، ففي صحيح مسلم: (أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج من مصلاه في الفجر إلا بعد شروق الشمس)، شعيرة نؤكد عليها في رمضان، فعند الترمذي وحسن الألباني الحديث رحمه الله: (من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) قال العلماء: وقد بين الحديث شروطاً. الشرط الأول: صلاة الفجر في جماعة. الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه. الشرط الثالث: أن ينشغل بذكر الله عز وجل.

الدعاء

الدعاء الشعيرة الخامسة: الدعاء. فالصائم عند فطره له دعوة لا ترد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، ودعوة المظلوم، والصائم حين يفطر)، فلك دعوة وأنت صائم يا عبد الله، فاجتهد بالدعاء؛ لأن الذي يفرج الكروب هو الله. ثم انظر إلى حال الأنبياء والمرسلين، هذا نبي أصيب بمرض في جسده، فدعا ربه كما قال تبارك وتعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، وآخر كان في ظلمات فدعا ربه: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، وآخر حرم الولد فدعا ربه: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89]، ثم انظر إلى منزلة الدعاء، فعند أبي الدنيا: أن رجلاً من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم خرج في تجارته في صحراء، فلقيه لص، فقال له: خذ المال ودعني. قال: لابد من قتلك قبل أن آخذ المال، قال: أما وقد عزمت على قتلي فدعني أصلي لربي ركعتين. فتركه اللص، فسجد الرجل بين يدي ربه وفي السجود قال: يا ودود! يا ودود! يا فعالاً لما تريد! يا ذا العرش المجيد! أسألك بملكك الذي لا يضام، وبعزك الذي لا يرام، يا مغيث! أغثني، يا مغيث أغثني. ونادى ربه، فإذا برجل يأتي على جواد يركبه وبيده سيف فتقدم إلى اللص فقتله. قال: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما قلت: يا مغيث أغثني! قلت: يا رب! عبد مكروب فوكلني به: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:62]. فيا عباد الله! لكم دعوة فادعوا لإخوانكم المستضعفين، وادعوا لإخوانكم المقهورين في بلاد أفغانستان، فإنها مستهدفة لتكون مركزاً لنشر الإلحاد والكفر في قلب آسيا، كما كانت فلسطين من قبل، ولن تكون إن شاء الله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، فالإسلام قادم، ونحن لا نحفظ دين الله، إن الله هو الذي يحفظ دينه بنا أو بغيرنا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. أخي الكريم! وأنت تفطر وتتناول طعام الإفطار تذكر أن لك إخوة ألجأهم البرد إلى الجبال، والعدو أرغمهم على ترك ديارهم، وأبناؤهم فارقوا الأوطان وفارقوا الأمن، فاشعر بهم ولا تكن كهؤلاء يطبلون ويزمرون ويرقصون، فنحن كالجسد الواحد، كيف أفرح وأخي هناك يبقر بطنه، وأختي هناك ينتهك عرضها؟! كيف أفرح يا عباد الله! يا أخي في الشرق أو في المغرب أنا منك أنت مني أنت بي لا تسل عن عنصري عن نسبي إنه الإسلام أمي وأبي وقلها عاليةً: لبيك إسلام البطولة كلنا نفدى الحمى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما

أطوار تشريع الصيام

أطوار تشريع الصيام أيها الإخوة الكرام الأحباب! نبين في هذا المجلس المبارك بعض آداب الصيام، وبرنامج المسلم اليومي في رمضان، لأن هذا الشهر يحتاج إلى تكثيف جهد في العبادة والطاعة، بخلاف غيره من الشهور. أولاً: لابد أن نعلم أن الصيام فرض على أطوار ثلاثة: الطور الأول: كما قال علماؤنا: كان على سبيل التخيير بين الإطعام والصيام، يعني: أول ما فرض الصيام كان يجوز للمسلم أن يطعم مع قدرته على الصيام، لكنه يطعم ويفطر. الطور الثاني: ثم بعد ذلك نسخ إلى حكم جديد، وهو: أن الصائم إن نام بعد غروب الشمس قبل أن يتناول الطعام لا يحل له أن يأكل إلى اليوم الثاني. الطور الثالث: استقر الحكم على النحو الذي نراه. ثم لابد أن نعلم أن صيام رمضان ناسخ لصيام عاشوراء؛ لأن عاشوراء كان صيامه أولاً على سبيل الفرض والإيجاب، ثم نسخ برمضان؛ لذلك يقول العلماء: وحال الواجب المنسوخ مع الناسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون الناسخ مماثلاً للمنسوخ كأمر تحويل القبلة من جهة إلى جهة، فكلاهما سواء وكلاهما متماثل، وإما أن يكون الناسخ أثقل من المنسوخ، وإما أن يكون الناسخ أخف من المنسوخ. الناسخ أخف من المنسوخ كالرضعات، فكان في أول الأمر يحرم من الرضاعة عشر رضعات مشبعات، ثم نسخت بخمس، يعني: الناسخ أخف؛ لأنه كان عشراً فنسخ بخمس، كذلك الناسخ أثقل من المنسوخ كصيام رمضان، صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء، فعاشوراء كان صيامه واجباً، ثم نسخ وأصبح الواجب هو رمضان؛ وظل يوم عاشوراء على الندب والاستحباب، لقوله صلى الله عليه وسلم (من شاء صام ومن لم يشأ لم يصم).

أقسام الصيام

أقسام الصيام أيها الإخوة الكرام الأحباب! يقسم العلماء الصيام إلى ثلاثة أقسام: صيام واجب، وصيام مستحب، وصيام محرم، ومكروه.

الصيام الواجب

الصيام الواجب أما الصيام الواجب: فقسموه إلى ثلاثة أقسام: صيام رمضان وصيام النذور وصيام الكفارات، فمن نذر أن يصوم لله يوماً أصبح الصيام في حقه واجباً؛ لأن الوفاء بالنذر واجب؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، و (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)، وكأن صوم النذر في الرقبة دين معلق على المكلف إن لم يستطع أن يؤديه أداه عنه وليه. ولابد أن نعلم أن النذر عبادة، وطالما هي عبادة إذاً: لا ينبغي أن تكون إلا لله عز وجل، لا كما يفعل بعض الجهلاء ينذرون للأضرحة، يقول: نذرت للبدوي خروفاً، ونذرت للحسين عجلاً، وللسيدة زينب كبشاً، هذا النذر باطل وهو حرام، وهو شرك بالله عز وجل؛ لأن النذر لا ينبغي أن يكون إلا لله، وقد حدث هذا في بعض قرانا، هناك من يعتقد أن صاحب الضريح يملك حياةً وموتاً من دون الله، يعني: شخص عندنا نذر خروفاً فأصيب الخروف بمرض ومات، فقال: يا بدوي! لماذا استعجلت عليه بالموت، كنت سآتيك به بعد أيام! فهو يظن أن الذي قبض روح الخروف هو البدوي، نسأل الله العفو والعافية، في الأمة من يعتقد هذا يا عباد الله! فالنذر لا ينبغي إلا أن يكون لله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26]، والنذر لا يقدم ولا يؤخر، (إنما يستخرج به من البخيل) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. القسم الثالث من الصيام الواجب: هو صيام الكفارات، ككفارة اليمين، وهناك صنف من الناس عليهم القضاء والكفارة معاً، هذا الصنف هو من جامع في نهار رمضان، فمن جامع زوجته في نهار رمضان يلزمه الكفارة والقضاء؛ لما ثبت: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الشعر يضرب صدره يقول: يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صم شهرين متتابعين، قال: وهل فعل بي ذلك إلا الصيام) أي: لا أستطيع (قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: يا رسول الله! ما بين لابتيها من هو أفقر مني)، يعني: أنا لا أملك شيئاً (فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم بجواره إلى أن جاء مال من الصدقة، وأعطاه وقال له: خذه وأطعمه أهلك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وهناك صيام كفارة القتل الخطأ، وصيام كفارة الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:4]، ولابد من التتابع في الشهرين، يعني: لو صام محرماً وصفراً، وفي آخر صفر أفطر يوماً عليه أن يعيد الصيام مرة أخرى من البداية، فإن قيل: إن صام ذا القعدة وذا الحجة فسيأتي يوم من أيام ذي الحجة هو يوم عيد، فهل يفطر أم يصوم؟ A يفطر، فإن قيل: هل عليه أن يعيد أم يتم؟ الجواب: الراجح أنه يتم؛ لأنه أفطر بأمر الشرع ولم يفطر بإرادته، هذا رأي الحنابلة وهو الراجح من أقوالهم، هذه أقسام الصيام الواجب.

الصيام المندوب

الصيام المندوب هناك صيام مندوب، والنوافل من جنس الفروض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وأهل السنة يقولون: لا سبيل لفعل النافلة إلا بعد الفرض؛ لذلك يقول ربنا في الحديث القدسي: (وما تقرب عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، إذاً: الفرض قبل النافلة، ومن صيام النافلة: عاشوراء، وعرفة، والأيام البيض إلى غير ذلك من صيام سنه النبي صلى الله عليه وسلم.

الصيام المكروه والمحرم

الصيام المكروه والمحرم هناك صيام مكروه ومحرم، منه أن تصوم المرأة نافلة بغير إذن زوجها، وهذا حكم مهم لنسائنا، فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تصوم إلا بعد أن تستأذن الزوج في صيام النافلة، وقد يقول بعض النساء: لماذا أستأذن منه، أليس مثلي كمثله؟! لا فرق بيننا! ونحن نسمع الآن من يريد أن يساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء. ومن الصيام المحرم إفراد يوم الجمعة بالصيام، فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وصيام أيام العيد وصيام أيام التشريق، وهذه أيام يحرم صيامها كصيام المرأة الحائض، فالحائض يحرم عليها الصيام، لا كما تفعل بعض نسائنا تأبى أن تفطر وهي حائض، وتظن أن هذا زيادة ورع، وأنا أقول: هذا ورع كاذب؛ لأن عائشة رضي الله عنها حاضت وأفطرت، فهل هي أفضل من عائشة؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمر قدره الله على بنات آدم)، فالمرأة الحائض يلزمها الفطر وبعد ذلك القضاء: (كنا نؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، وكلمة (كنا نؤمر) لها حكم الرفع عند علماء الحديث.

آداب الصيام

آداب الصيام ينبغي أن نعلم بعض الآداب في الصيام التي يخالف فيها الناس، وهناك أمور تحدث في رمضان ينبغي ألا تكون. الأمر الأول: عدم تناول الطعام والشراب بعد مدفع الإمساك، وهذا لا أصل له في الشرع على الإطلاق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بلالاً أن يؤذن، وكان بلال يؤذن بليل، يعني: قبل الفجر الصادق، ثم يأمر عبد الله بن أم مكتوم أن يؤذن بعد ذلك للفجر الصادق، وكان يقول لأصحابه وللأمة في هذا الوقت: (لا يغرنكم أذان بلال، فإنه يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، يعني: الأصل عندنا (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، أي: حتى يؤذن للفجر، فمن حرم الطعام على نفسه بمدفع الإمساك فقد شرع ديناً ليس من عند رب العالمين، إنما مدفع الإمساك ينبه إلى اقتراب الوقت. الأمر الثاني: صحح العلامة الألباني حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الإناء على فم أحدكم)، أي: يشرب ماء وأذن الفجر (فلا يضع الإناء حتى يقضي حاجته)، يعني: حتى يشرب، بعضهم يقول: حينما تسمع النداء مباشرة أبعد الإناء وأبعد ما في فمك، هذا عذاب يا عبد الله! والله يريد بنا اليسر، وليس على ذلك دليل، والحديث صحيح كما قال شيخنا الألباني رحمه الله تعالى. النقطة الثانية في هذا الأمر: في صلاة المغرب ينبغي أن نعلم أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجل الفطر، فلا نقول كما يقول بعض الناس: انتظر حتى يتشهد المؤذن، لا. هذا ليس من السنة في شيء، بل هو يخالف السنة، فعليك أن تعجل الفطر: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)، كما قال عليه الصلاة والسلام. وأقول: هناك مشكلة: هل الصيام فرض لنغلق المساجد في صلاة المغرب؟ بعض المساجد تغلق في المغرب بحجة أن الناس صوم، ما هذا الصيام الذي يضيع فريضة يا عبد الله؟! أفطر على تمرات وماء، ثم صل المغرب في جماعة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أحي سنة أحيا الله قلبك يوم أن تموت القلوب، إن سنة الأذانين في الفجر سنة آكدة، وسنة تعجيل الفجر سنة آكدة، وصلاة المغرب في جماعة من السنن الآكدة، بل من الواجبات عند بعض العلماء، أيها الإخوة الكرام! هذه أمور ينبغي أن ننتبه إليها في آداب الصيام. أيضاً من السنة: أن تؤخر السحور إلى وقت السحر؛ لأن في كتاب الصيام عند البخاري: أن زيداً قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسئل: كم كان بين سحوركم وبين الأذان؟ قال: قدر خمسين آية)، يعني: بين الطعام وبين النداء خمسون آية، يقول ابن حجر: وفي الحديث أنهم كانوا يقدرون الأوقات بالطاعات، لكن عندما يقول بعض الناس: ستقابلني بعد الحكاية إن شاء الله، أو بعد مسلسل الثامنة، أو بعد مسرحية السهرة، هؤلاء هم أهل المعاصي، أما نحن فنقدر الأوقات بالطاعات. يقول ابن حجر في الفتح: وفي الحديث بيان منزلة قراءة القرآن في هذا الوقت بالذات، أي: وقت السحر في آخر الليل، كما قال ربنا تبارك وتعالى، فمن السنة -أيها الإخوة الكرام- أن نؤخر السحور. ومن الآداب: تخفيف الطعام في الإفطار، لا كما يفعل بعض الناس، يظل يأكل ويأكل ويشرب حتى إذا أراد أن يقوم للصلاة لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً، فينام ويملأ معدته، ما شرع الصيام لهذا يا عبد الله! شخص من الأعراب من الذين عندهم علم قال لما سمع حديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، فيا أخي المسلم! خفف الطعام؛ لذلك يقول البعض: هل يجوز أن أقرأ القرآن عند خروج ريح مني؟ أقول: ما كثر خروج الريح إلا لكثرة الطعام، نحن أساتذة ثلاثين صنفاً في المعدة، انظر إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع على مائدة الطعام أكثر من صنف، لكن نحن لا نستطيع إلى ذلك سبيلاً. من آداب الصيام أيضاً: أن تعلم أن الصيام هو صيام الجوارح، فلا بد أن تكف اللسان عن الغيبة، فقد أصبحنا نتمضمض بالغيبة آناء الليل وأطراف النهار، نتمضمض بأعراض بعضنا إلا من رحم الله، فنحبط الأعمال ونحن لا نشعر ولا ندري، تجد التزاماً 100%، ولكن هذا الملتزم يترك اللسان ليقع في عرض هذا وعرض هذا ويسب هذا، ويشتم هذا، ويقذف عرض هذا، ويأكل مال هذا، فهذا مفلس يا عباد الله. انظروا إلى السلف، يقول أحدهم: لو كان هناك أحد يستحق الغيبة لكان أبي وأمي، يقول ذلك لأن حسناته ستصل إليهما، فهما أولى بحسناته من غيرهما؛ لذلك أقول: لابد أن تصوم الجوارح، واللسان من الجوارح، وقد كان أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني المهالك، فإن كان لسان الصديق أورده المهالك؛ فألسنتنا نحن إلى أين ستؤدي بنا؟! كذلك من صيام الجوارح صيام العين، وأنادي صاحبات البناطيل، وأقول لأولياء الأمور:

الأسئلة

الأسئلة

حكم صيام المريض الذي لا يرجى برؤه

حكم صيام المريض الذي لا يرجى برؤه Q أختي مريضة بالسرطان، هل لها رخصة في الإفطار لأخذ الأدوية المطلوبة الرجاء الإفادة؟ A قسم العلماء المرض إلى قسمين: مرض يرجى شفاؤه، ومرض لا يرجى شفاؤه، وأختك من القسم الثاني، أسأل الله أن يشفيها مع أن غلبة الظن لا يرجى شفاؤه، فأختك المريضة بالسرطان لها أن تفطر في رمضان، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً.

ما يكون طعام المسكين في الكفارات ونحوها

ما يكون طعام المسكين في الكفارات ونحوها Q هل إطعام المسكين بثلاث وجبات في اليوم؟ A لا. وجبة إفطار واحدة فقط.

حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين

حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين Q هل يجوز صيام يوم الخميس السابق قبل رمضان؟ A نعم يجوز إن كان لك عادة، كأن تصوم الإثنين والخميس عادة، فإن جاء خميس صم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل يصوم صوماً فليصمه)، أما أن تفرد هذا اليوم بالصيام وهو ليس لك عادة فهذا يكره: (ونهى النبي عن صيام يوم الشك)، وهو يوم ثلاثين من والله تعالى أعلم.

حكم استعمال الصائم البخاخ الموسع للشعب الهوائية

حكم استعمال الصائم البخاخ الموسع للشعب الهوائية Q أنا مريض بالتهاب في الرئة؛ فهل يجوز لي استعمال بخاخة موسعة للشعب، وإذا كان لا يجوز لي فهل يجوز لي الإفطار للمرض الشديد، أم الكفارة؟ A يجوز لك أن تستخدم تلك البخاخة، وهذا اختيار شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى؛ لأنك من أهل الأعذار، وهذه البخاخة لا يترتب عليها غذاء ولا طعام، وإنما هي توسع الشعب الهوائية للتنفس، فلا حرج عليك فأنت معذور. والله تعالى أعلم.

معنى الاعتكاف وشروطه

معنى الاعتكاف وشروطه Q هل للاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان شروط؟ A الاعتكاف لغة: هو الملازمة، قال قوم إبراهيم عن الأصنام: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71]، يعني: ملازمين لعبادتها، فالاعتكاف: هو ملازمة المسجد في العشر الأواخر من رمضان، ويشترط فيه أولاً: أن يدخل المعتكف إلى معتكفه في صبيحة اليوم العشرين بعد الفجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يخرج من معتكفه إلا لضرورة، لقضاء حاجة كبول أو براز، أو لغسل جنابة أو ليقلب زوجته إلى بيتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية لما جاءته تزوره في معتكفه صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج لتشييع جنازة؛ لأنها فرض على الكفاية إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الآخرين، ولا يخرج لعيادة مريض كما قال العلماء، إنما يخرج لهذه الأشياء التي ذكرت، وينبغي على المعتكف أن يلازم الطاعة، والأصل في الاعتكاف الانفراد والاعتزال إلا في العبادات الجماعية، كصلاة الجماعة وغيرها؛ لأن البعض من إخواننا في الاعتكاف الجماعي طوال النهار تراه في لغو حتى غروب الشمس، هذا ليس باعتكاف وإنما هو اعتلاف، فلابد أن تقيم خباء لنفسك، وتنفرد بالذكر والطاعة والصلاة والاستغفار على قدر إمكانك، إلا في أوقات العبادات الجماعية فينبغي لك أن تكون معهم، ويجوز الاعتكاف في كل مسجد تؤدى فيه صلاة الجمعة والجماعات، وهذا رأي الجمهور.

حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه

حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه Q ما حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه؟ A قد بينا فضيلة قضاء الحاجة، فقد خرج ابن عباس من الاعتكاف ليقضي حاجة أخ له، وهذا لبيان فضل قضاء الحاجة وعظمها وليس على إطلاقه، فلو كان هنا من سيقضي حاجة أخي بدلاً عني فالحمد لله رب العالمين، لكن إذا توقفت الحاجة علي أنا فقط فهذا أمر مختلف، والله تعالى أعلم.

بيان المساجد التي يستحب الاعتكاف فيها

بيان المساجد التي يستحب الاعتكاف فيها Q هل يجوز الاعتكاف في أي مسجد؟ A يستحب الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعات، وبعض العلماء اشترط أن يكون في المساجد الثلاثة وهو رأي مرجوح؛ لأن الله قال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، قال البخاري: الألف واللام تبين أن كل المساجد تصلح للاعتكاف، وهو الأولى والأفضل، فإن لم يكن إلا هذا فالحمد لله.

الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القيام والتراويح

الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القيام والتراويح Q ما هي صلاة التهجد، وما الفرق بينها وبين صلاة القيام والتراويح؟ A صلاة القيام في أول الليل في رمضان، وصلاة التهجد تكون في الثلث الأخير من الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم سن للأمة قيام رمضان بعد صلاة العشاء، فهذا يسمى قيام رمضان، أما التهجد فهو مطلق طوال السنة؛ لذلك قال ربنا تبارك وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، وتستطيع أن تطلق على قيام رمضان أنه تهجد أيضاً، فقيام رمضان تهجد، لكنه تهجد مخصوص بشهر مخصوص، بالأمس كانت ليلة من ليالي رمضان، لكن بعض المساجد لم تصل قيام رمضان وهذا خطأ، كذلك يصلون قيام رمضان في ليلة العيد وهذا خطأ، ففي أول ليلة من ليالي رمضان ينبغي أن ننتظر في المسجد حتى نعلم الرؤية، فإن ثبتت صلينا؛ لأنها تعد أول ليلة، وفي آخر ليلة من رمضان ننتظر حتى نستطلع رؤية شوال فإن ثبتت رؤيته خرجنا بدون قيام، لكن البعض يفعل هذا ويقول: نصلي احتياطاً، كما بالأمس قال لي شخص: نصلي احتياطاً، هي عبادة فعلاً، ولكن العبادات الأصل فيها التوقف إلا بدليل من كتاب أو من سنة رسول الله، والله تعالى أعلم.

حكم الاكتفاء بقيام أول الليل من رمضان عن التهجد في آخر الليل

حكم الاكتفاء بقيام أول الليل من رمضان عن التهجد في آخر الليل Q هل تغني صلاة التراويح عن قيام الليل في المنزل بالنسبة للمعتاد على قيام الليل في رمضان وغير رمضان؟ A يغني قيام رمضان عن التهجد، ولكني أقول: يا عبد الله! لا تحرم نفسك من صلاة ركعتين في آخر الليل، جاء في البخاري: أن عمر قال: والتي ينامون عنها أفضل، يعني: صلاتك بعد استيقاظك من النوم في آخر الليل أفضل من صلاتك في أول الليل، فصل القيام مع الناس، ثم لا تحرم نفسك وأنت مستيقظ للسحور أن تصلي ركعتين في هذا الوقت المبارك؛ لأن وقت السحر وقت إجابة الدعاء. والله تعالى أعلم.

حكم وضع الصائم حبة على لسانه عند الشعور بأزمة قلبية

حكم وضع الصائم حبة على لسانه عند الشعور بأزمة قلبية Q أنا مريض بالقلب، هل يجوز لي أن أستعمل البرشامة التي توضع تحت اللسان عند الشعور بأزمة القلب وأنا صائم؟ A الحقيقة هذه البرشامة الرأي الراجح فيها الفطر؛ لأنه يدخل شيئاً في فمه، ويترتب على ذلك أن ينزل شيئ إلى معدته أو من المنافذ المعتادة، فالراجح أنك تفطر بهذه البرشامة، وأنت معذور، خذ البرشامة إن كنت مضطراً، ثم اقض بعد ذلك، وإن لم تستطع فأطعم عن كل يوم مسكين: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، لا سيما وأنت مريض بالقلب، ولا تقل: سأصوم وليكن ما يكون: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وأنت من أهل الأعذار، أسأل الله أن يشفيك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

حكم تدريس المعلمة المنتقبة للشباب

حكم تدريس المعلمة المنتقبة للشباب Q ما حكم إعطاء الأخت المنتقبة دروساً لطلاب الصف الثانوي؟ A لا ينبغي لأخت فاضلة منتقبة أن تنفرد بشباب؛ فالأولى والأفضل أن المرأة لا تدرس إلا نساء مثلها، فرب طالب يعجبه صوتك يا أمة الله! وربما يتسلل الضعف إلى قلبه فتحدث الفتنة، فأفضل شيء للمرأة ألا ترى رجلاً، وألا يراها رجل، هذا هو الأصل، سيقولون: متخلفون، يقولون، سيقولون: متحجرون، يقولون؛ لأنهم مرضى، ونساؤنا في بيوتهن أفضل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فلا يجوز لك أن تدرسي شباباً. والله تعالى أعلم.

نصيحة لكل شاب يدرس في الجامعة ويخشى الفتنة

نصيحة لكل شاب يدرس في الجامعة ويخشى الفتنة Q إن أصعب ما يواجهه الشاب في عصرنا الحالي هو غض البصر، خاصة الشاب في الجامعة، فما هي نصيحتكم، وكيف نستطيع أن نمنع أنفسنا؟ A الحقيقة هذه ظاهرة تحتاج إلى مجاهدة؛ لأنك إذا دخلت الجامعة الآن لا تجد جامعة، إنما تجد مسرحاً لعرض أزياء، فتراهم يتنافسون في إظهار العورات -نسأل الله العفو والعافية- والحياء نزع، حتى إن الطالبة هي التي تمزح مع صديقها أو ترقص وسط المارة، أو تفعل فعلاً فاضحاً أمام الجميع، وتقبل صديقاً لها عياناً، فقد رفع الحياء -إنا لله وإنا إليه راجعون- إلا من القليل. فأقول للأخ الفاضل: اخرج إلى جامعتك ثم ادخل المحاضرة مباشرة ولا تنتظر في الفناء، وكن مع المصحف حتى يدخل الدكتور، فإن انتهى الدكتور انصرف ولا تلتفت يميناً أو يساراً، وإن أردت أن تعلم كيف تتقي النظر إلى المحرمات فاعلم أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه، فراقب ربك عز وجل. والله تعالى أعلم.

حكم السفر من بلدة صام أهلها أول الشهر إلى بلدة تأخر صوم أهلها عنه

حكم السفر من بلدة صام أهلها أول الشهر إلى بلدة تأخر صوم أهلها عنه Q الصوم قد بدأ في مصر من اليوم، فسافرت إلى السعودية فوجدتهم لم يصوموا معنا، وعلى ذلك سأصوم واحداً وثلاثين يوماً، فما رأيكم؟ A الرأي الراجح في هذه المسألة لجمهور العلماء: أن تصوم مع البلدة التي أنت سافرت إليها، كانوا في مصر مفطرين وسافرت إلى السعودية وهم صيام فكن مع أهل السعودية، أي: يلزمك أن تكون مع أهل البلدة التي أنت ذاهب إليهما. هذا والله تعالى أعلم.

حكم الاعتداء على الشيخ الكبير والنساء والأطفال في دار الحرب

حكم الاعتداء على الشيخ الكبير والنساء والأطفال في دار الحرب Q قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، فهل هذه الآية تتعارض مع وصية رسول صلى الله عليه وسلم بعدم قتل الشيخ الكبير والنساء والأطفال؟ وما رأيكم بما حدث في سبتمبر في أمريكا؟ A هذا -يا عبد الله- يسمى خاصاً من عام، فهناك أحكام عامة، وأحكام خاصة، والخاص يقيد العام، أعطيك مثالاً يوضح لك، قال ربنا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: كل المطلقات، وهو لفظ عام خصص بحكم آخر، وهو قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، إذاً: المطلقة وهي حامل عدتها وضع الحمل، فلا يستدل أحد بقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة:228]؛ لأن هذه آية عامة خصصت بآية خاصة، وهي قوله: {َأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق:4]. كذلك هذا الحكم {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، إلا أن يكون شيخاً كبيراً أو امرأة أو طفلاً، فإن اعتدى الأعداء على أطفالنا فليس هذا مسوغاً لأن نعتدي على أطفالهم؛ لأن هذا حكم خاص يقيد العام. أما ما حدث في أمريكا فالحقيقة أن المسألة واضحة ولا داعي للجواب، علماؤنا قد بينوا ذلك جلياً واضحاً، فنحن نقول: إنه يحرم قتل النساء والآمنين، هذا قول ليس فيه مندوحة. أما كون أمريكا دار حرب أم دار إسلام؛ فإن في أمريكا ثمانية ملايين مسلمين، وقبل أربعة أيام أسلم أربعة وعشرون ألف أمريكي بفضل الله عز وجل، وسيأتيهم الطوفان من حيث لا يشعرون: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2].

حكم الصلاة في القطار أو الطائرة أو أي مركب آخر

حكم الصلاة في القطار أو الطائرة أو أي مركب آخر Q كنت قادماً من الأقصر بالأمس بالقطار، أدركتني صلاة الفجر في القطار، فصليتها أنا وزميل معي جماعة، ونحن جلوس على المقاعد، ومن قبلها صلينا صلاة القيام، فهل تجوز صلاتي، وهل تحسب جماعة مع العلم أنني لم أكن أعرف مكان القبلة؟ A قال العلماء في هذه المسألة: إن خشيت أن يخرج وقت الفجر فيجوز لك للضرورة أن تصلي في الطائرة أو تصلي في القطار شريطة أن تجتهد في تحديد القبلة، وتصلي قائماً، فإن لم تستطع القيام فصل قاعداً، لكن في القطار يمكن أن تقوم، فإن لم تستطع فصل على حسب قدرتك؛ وذلك لأن الفجر وقته سينتهي بعد شروق الشمس، لاسيما أنك قد تصل بعد العصر إلى هنا، يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الممتع: فمن كان في طائرة ولم يستطع أن يصلي الفروض فليصل على حسب حاله، وليتوجه إلى القبلة على حسب قدرته. والله تعالى أعلم.

حكم التسحر بعد الأذان

حكم التسحر بعد الأذان Q ما حكم من يأكل ويشرب بعد الأذان لمدة ثلاث عشرة دقيقة؟ A أسأل الله لهذا الأخ العافية، يأكل ويشرب بعد الأذان بثلاث عشرة دقيقة؟! وكأنه أصبح فلكياً يحدد الأوقات بنفسه، أما تخشى على صيامك يا عبد الله؟! ما ثبت بيقين لا يزول بشك؛ فإن هذه أجهزة أعدت لتحديد مواقيت الصلاة، والإثم على واضعها إن ضللنا، ويكفي في دخول الوقت غلبة الظن وليس اليقين، ولقد أصدرت مجلة التوحيد منذ عشرة أشهر أو يزيد فتوى لجماعة من علمائنا أن موعد الفجر في مصر موعد صادق ولا شك فيه، وأنتم تعرفون ماذا حصل لمن لم يلتزم بذلك، ضيع الفجر في جماعة؛ حتى إن بعضهم قال لي: أصلي الآن بعد شروق الشمس والحمد لله! وهذا أول مدخل من مداخل الشيطان، وكأن الشيطان يقول: لا تصل في الجماعة؛ لأن الفجر كاذب، صل في بيتك، وبعد قليل لا يستطيع أن يستيقظ من النوم، فاحذر يا عبد الله! يكفي في دخول الوقت غلبة الظن، ونحن متعبدون بأوقات وضعها متخصصون، فإن أخطئوا فالإثم عليهم وليس علينا، وأنا أقول لك: لماذا تفطر عند الأذان مباشرة، طالما أنك لا تصوم عند الأذان؟ لماذا تلتزم ببعض الأوقات، ولا تلتزم بالبعض الآخر؟! أسأل الله لك العافية، فالتزم. والله تعالى أعلم.

نصيحة لمن يشاهدون التلفاز

نصيحة لمن يشاهدون التلفاز Q ما هي نصيحتكم للنساء والأولاد الذين يشاهدون التلفزيون أثناء الفطر وبعده؟ A من أخطر شيء على الأمة التلفاز؛ لاسيما في هذه الأيام المباركة، فهم يتنافسون في عرض المسلسلات الهابطة، فلم الظهر، وفلم العصر، وفلم سهرة الليل، وعلى الفطور حكاية، وبعد الحكاية مسابقة للمتبرجين والمتبرجات الأحياء منهم والأموات، وإذا مات أيضاً قد يأتون بحكاية، فأغلق هذا الإثم في رمضان؛ لأنك إن شاهدته تحبط صيامك، وتحبط ما لك من أجر وحسنات، وعلى مشاهدة هذا الإثم سيئات، وقد تفوق السيئات الحسنات؛ فتخرج آخر اليوم خاسراً يا عبد الله! فاتق الله في نفسك، وانشغل بقراءة القرآن والذكر. والله تعالى أعلم.

حكم صيام امرأة سقط حملها في شهرين

حكم صيام امرأة سقط حملها في شهرين Q امرأة أسقطت حملها في شهرين، هل يجوز صيامها إذا انقطع الدم؟ A التي أسقطت حملها في شهرين بعد السقط هناك دم ينزل، فبمجرد أن ينقطع هذا الدم عليك أن تصومي وتصلي؛ لأن دم النفاس أكبر مدة له أربعون يوماً، فإن قل فلا بأس، قد يكون أسبوعاً وقد يكون يومين، فبمجرد انقطاع الدم صومي ولا حرج عليك.

حكم فانوس رمضان

حكم فانوس رمضان Q هل فانوس رمضان بدعة؟ A لا أعلم فيه قولاً بالبدعة، ولا أستطيع أن أقول: بدعة؛ لأن هذا ليس من أمور التعبد، وإنما هو من أمور العادات، وهو يدخل السرور على أبنائنا لقدوم رمضان، ولم يبق إلا أن نقول: مد أسلاك النور على المسجد بدعة، يا أخي الفاضل! هناك بهجة وسرور باستقبال هذا الشهر، حتى يشعر الناس أن هناك فرقاً، لكن هناك الآن فانوس أقامه السفهاء، يقولون: وحوي! يا وحوي! بالموسيقى، حتى الفانوس أدخلوا له الغناء، فبعد أن كان فانوساً بشمعة يشعل بعد انقطاع الكهرباء أصبح في هذا الوقت يغني، كلعبة الدبدوب للأطفال لو لمست ذراعه أخذ يغني لمدة ربع ساعة، حتى الأطفال أرادوا أن يدخلوا على ألعابهم الغناء، نسأل الله العفو والعافية.

حكم صيام المتبرجة والسافرة

حكم صيام المتبرجة والسافرة Q بعض أهل المعاصي يقولون: إن الصيام يكتب أجره حتى ولو كانت الفتاة عارية، والشاب يصوم وهو يخطب هذه ويكون هذه نقرة وهذه نقرة؟ A المرأة التي تخرج عارية تحارب الله ورسوله وتدعو إلى الفاحشة صيامها صحيح، لكن إثمها أعظم من أجر صيامها، فصيامها حابط لا وزن له ولا أجر له ولا قيمة له؛ لأنها فعلت حسنة وفعلت في مقابلها سيئات، والله تعالى أعلم.

حكم إمامة الرجل للنساء

حكم إمامة الرجل للنساء Q هل يجوز لمدرس أن يصلي بصديقاته في العمل جماعة؟ A لا يجوز للرجل أن يصلي إماماً بالنساء، إنما إمامة النساء تكون للمرأة، إلا أن تكون زوجة أو محرماً، فالرجل يؤم رجالاً من خلفه، ثم بعد الرجال الصبية، ثم بعد الصبية النساء، أما أن يكون إماماً لنساء ما رأينا ذلك أبداً، لا يجوز أن يؤم الرجل النساء. والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة في فصل مدرسي فيه صور

حكم الصلاة في فصل مدرسي فيه صور Q ما حكم الصلاة في الفصل الذي فيه صور؟ A صحيحة مع الإثم، كالصلاة في الأرض المغصوبة، والصلاة في الثوب الحرير عند جمهور العلماء.

حكم تدريس معلمة منتقبة لطلاب عندهم إعاقة ذهنية

حكم تدريس معلمة منتقبة لطلاب عندهم إعاقة ذهنية Q هل يجوز للمرأة المنتقبة تدريس طلاب عندهم إعاقة ذهنية أعمارهم أكثر من اثنتي عشرة سنة؟ A بالنسبة لمن عنده إعاقة ذهنية هذا مرفوع عنه التكليف؛ لأنه: رفع القلم عن ثلاثة منهم: (وعن المجنون حتى يعقل)، فهذا مرفوع عنه التكليف. والله تعالى أعلم.

حكم السحور بعد منتصف الليل

حكم السحور بعد منتصف الليل Q ما حكم من تسحر بعد منتصف الليل؛ لتعذر قيامه قبل الفجر أو لخشية فوات السحور؟ A لا بأس أن يتسحر في الساعة الواحدة وينام ويستيقظ لصلاة الفجر، لكن أقول: هل تستطيع أن تستيقظ قبل الفجر بخمس دقائق؟ فإن كنت تستطيع فقم واشرب ماءً وتسحر؛ لأن هذا الوقت مبارك، وسحورك في منتصف الليل صحيح ولا شيء عليك. والله تعالى أعلم.

§1/1