دروس الدكتور راغب السرجاني

راغب السرجاني

كيف تحافظ على صلاة الفجر؟

كيف تحافظ على صلاة الفجر؟ صلاة الفجر من أعظم الصلوات وأفضلها، فقد انفردت عن غيرها بخصائص ومزايا كثيرة، ومن ذلك: أن بها يعرف الصادق من المنافق، فتجدها أثقل صلاة على المنافق، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة حتى لا يوصف بالنفاق، وبالمحافظة عليها تنصر الأمة على عدوها وتحفظ منه ومن سائر المصائب والآفات.

صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين

صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين. أما بعد: فما أسهل أن ينطق اللسان يا إخواني ويا أخواتي بكلمة الإسلام، ما أسهل ذلك، ولكن ما أصعب أن يترسّخ الإيمان في قلب الإنسان، انظر ماذا يقول ربنا: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14]، كلام اللسان: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، مشكلة حقيقية أن يختلط الحابل بالنابل، أن يختلط الصادق بالكاذب، أن يختلط المؤمن بالمنافق مشكلة خطيرة، اختلاط المنافقين بالمؤمنين يضعف الصف: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:47]، أي: إلا اضطراباً وإلا ضعفاً، {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47]. لذلك فإن الله عز وجل من رحمته بالصف المؤمن أن ينقيه على الدوام، والتنقية تكون عن طريق اختبار صعب، لا يقوى على النجاح في هذا الاختبار إلا المؤمنون حقاً، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2]، أي: هل تعتقدون أيها المؤمنون أنكم ستقولون بلسانكم: آمنّا ثم لا يصدق هذا اللسان عملاً من الأعمال؟ يقول سبحانه وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2]! تعجب كبير جداً: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت:3]، سنة من سنن ربنا سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]. إذاً: ربنا سبحانه وتعالى سيجعل لنا اختبارات كثيرة جداً، منها: الجهاد فهو اختبار صعب، لكن ليس مستحيلاً، ينجح فيه المؤمن، ويسقط فيه المنافق. كذلك: الإنفاق، وحسن معاملة الناس وكظم الغيظ اختبار، وهكذا الحياة كلها اختبار من أول أيام التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]. سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جداً، فليس أي شخص ممكن ينجح فيه؛ لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا الاختبار مقياساً واضحاً بين المؤمن والمنافق، فهو اختبار خطير، والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقاً بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر. صلاة الفجر في جماعة للرجال، وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما - أي: لو يعلمون ما فيهما من الأجر- لأتوهما ولو حبواً). تخيل نفسك أنك لا تستطيع أن تمشي أصلاً كأن تكون رجلك مكسورة وليس هناك من يعينك على المشي والذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، فتذهب حبواً كالأطفال؛ لأنك تعرف كمية الخير التي في هذه الصلاة. ذنب عظيم أن يتخلف مسلم مؤمن عن صلاة الفجر في جماعة، أو عن صلاة العشاء في جماعة. أما وقت الصبح فهو ما بين طلوع الفجر وما بين شروق الشمس، يقول لي أحد الناس: إنه سمع في برنامج من البرامج أن وقت الصبح إلى بداية وقت الظهر. قلت: سبحان الله! يعني: سيصير الوقت مفتوحاً إلى الظهر، فأين الاختبار هذا؟! نقول: الوقت يا أخي ينتهي بشروق الشمس، هذا الوقت القليل المحدود الصعب، هو فعلاً صعب ومقصود أنه يكون صعباً. روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)، كلام في منتهى الوضوح، والأصعب من هذا يا إخواني أن اختبار النفاق من الإيمان لا يكتفي بمجرد أن تدرك الصبح في بيتك، لا، لا بد أن تدرك الجماعة في المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنا أعرف أنه صعب ومقصود أنه يكون صعباً؛ لأنه اختبار خطير، والنتيجة خطيرة كما قلنا.

مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر

مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر للأسف الشديد إن ضياع صلاة الفجر مشكلة شديدة الشيوع في أوساط المسلمين رجالاً ونساءً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أتكلم عن حقائق في شرع الله عز وجل، أتكلم عن نصوص محكمة يا إخواني ليس فيها لبس، أتكلم عن أمور لا يوجد فيها اختلاف، بل أجمع العلماء عليها، قد يقول قائل: لكن أنا فعلاً لا أستطيع القيام للفجر، بالنسبة لي مستحيل، أقول له: كيف يكون في حقك مستحيلاً، ولا يكون في حق غيرك مستحيلاً؟! تعالوا نفكر معاً، أولاً: يقول الله عز وجل في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فهل صلاة الصبح في هذا التوقيت تكليف أم ليست تكليفاً؟ هي تكليف، وفرض أم ليست فرضاً؟ هي فرض، على كل المؤمنين أم على طائفة معينة من المؤمنين؟ على كل المؤمنين، والله عز وجل يعلم الوسع أو لا يعلمه؟ يقيناً يعلمه، ومع ذلك كلفك بصلاة الصبح في هذا التوقيت. إذاً: لا ينفع عقلاً ولا شرعاً لمسلم يؤمن بحكمة الله عز وجل وبعلم الله وبعدل الله أن يدعي أنه لا يستطيع تنفيذ تكليف من تكاليف الله عز وجل، هذا أول أمر. الأمر الثاني: عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحاً، وكنت أجد الطريق السريع مليئاً بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحاً، وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحاً إلى شغلها. وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوساً في البيت من الساعة السادسة صباحاً أو السابعة صباحاً إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب، لكي يجعله يستنشق هواء لطيفاً ونظيفاً. فالأمريكي نصرانياً كان أو يهودياً أو ملحداً يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله عز وجل، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصياً، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد، أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟! يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟ أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصاً سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يومياً لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟

خصائص المحافظة على صلاة الفجر

خصائص المحافظة على صلاة الفجر الرسول صلى الله عليه وسلم يا إخواني كان يعلم أنه يصعب علينا صلاة الصبح في موعدها، لأجل هذا كان له أسلوب تربوي رائع في تحفيز المسلمين لهذه الصلاة المحورية الخطيرة، التي تميز الصادقين من المنافقين، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم خصائص هامة فريدة لصلاة الصبح؛ لترغيب المسلمين في هذه الصلاة العظيمة الهامة من هذه الخصائص:

عظم أجر المحافظة على صلاة الفجر في جماعة

عظم أجر المحافظة على صلاة الفجر في جماعة الخاصية الأولى: تعظيم الأجر جداً لمن صلى الصبح في جماعة في المسجد، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)، يا الله! هل تستطيع أن تصلي الليل بأكمله؟ هذه فرصة أن تأخذ بصلاة العشاء والفجر في جماعة أجر قيام الليل في صلاة. سألت الإخوة المصلين في ليلة السابع والعشرين من رمضان وأثناء صلاة التهجد، وكان ما شاء الله العدد كبيراً، والقيام طويلاً، سألتهم: هل يا ترى قيام ليلة القدر بكاملها أفضل وإلا صلاة الفجر في جماعة في شهر صفر أو رجب أو شوال أو أي شهر غير رمضان؟ ويا ترى أيهما أثقل في الميزان؟ وأيهما لو فاتتك تحزن أكثر؟ أيهما لو فاتتك تلام من الله أكثر؟ أجب، تستطيع أن تصلي عشرين ركعة سنة للظهر من غير ما تصلي الفرض؟ لا ينفع، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). إذاً: أولاً الفرض ثم تأتي النوافل. يا ترى لو عرفت أن ليلة القدر كانت ليلة كذا، وأنت في هذه الليلة كنت نائماً ستحزن أم لا؟ ستحزن. إذاً: لماذا لا تحزن على صلاة الفجر التي هي أهم من ليلة القدر؟ لأن صلاة الفجر فرض وليلة القدر بكاملها سنة، وصلاة الفجر في أي يوم من أيام السنة فرض، ولكن لماذا الناس تتكالب على ليلة القدر فيمتلئ الجامع والشوارع التي حول الجامع، وبعد ذلك سبحان الله تأتي تجد الفجر في غير رمضان صفاً أو صفين لو كثروا؟ لماذا الناس لا تفهم؟ هذا غياب حقيقي للفهم يا إخوان. يا أخي في الله! ليلة القدر هدية من الله عز وجل لمن حافظ على صلاة الفجر وغيرها من الفروض، العبادة يا إخواني ليست مقامرة، هل يعقل أن أعبد ربنا سبحانه وتعالى يوماً أو عشرة أيام ويكون لي حسنات كالذي صار له سنة كاملة يستيقظ في عز البرد ومع التعب والشغل لكي يصلي الفجر؟! الخير الثاني في صلاة الفجر، تعلمون أن يوم القيامة ستكون الظلمة فيه شديدة جداً، والشمس ستكور والنجوم ستنكدر يفه فلا يوجد نور، وبالذات على الصراط، ويحتاج الناس إلى النور للجواز على الصراط، والمرور على الصراط صعب يا إخواني، إذاً: من أين يأتي المؤمنون بالنور يوم القيامة؟ هناك أشياء كثيرة جداً جداً عملوها في الدنيا وربنا سبحانه وتعالى وعدهم بالنور لقاء تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في الدنيا، من ذلك: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين)، (المشائين) يعني: الذين يمشون كثيراً جداً: (بشر المشائين في الظلم)، (الظلم) يعني: في صلاة العشاء وصلاة الفجر: (بشر المشاءين في الظلم إلى المساجد)، يعني: ليس في البيت: (بالنور التام يوم القيامة)، (النور التام) هو النور الذي لا ينزع عند الصراط، لماذا؟ لأنهم نجحوا في اختبار الدنيا، فوقاهم الله عز وجل من السقوط في النار يوم القيامة. كذلك تجد الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمك ذكراً خاصاً تقوله وأنت ذاهب لصلاة الفجر، وأنت تمشي في الظلمة، وأنت تذكر ظلمة يوم القيامة، الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمك وأنت ذاهب لصلاة الفجر في الظلمة أن تقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً). أيضاً يوجد خير آخر في صلاة الفجر: وهو وعد صريح بالجنة: (من صلى البردين دخل الجنة)، والبردان: هما الصبح، والعصر. وهناك أكثر من ذلك، سبحان الله! ماذا يوجد أكثر من الجنة؟ نعم، إنها رؤية الله عز وجل في الجنة، اسمع إلى هذا الحديث في البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم)، انتبه هو يعطيك وسيلة تصل بها إلى هذه الرؤية: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) يعني: صلاة الفجر، وصلاة العصر، ولا يزال هناك أناس ينامون في صلاة الفجر، سبحان الله! إذاً: أول خاصية: تعظيم الثواب إلى أقصى درجة لمن حافظ على صلاة الفجر.

عظم وزر تضييع صلاة الفجر في جماعة

عظم وزر تضييع صلاة الفجر في جماعة الخاصية الثانية: ضياع الفجر، وليس فقط ضياع الأجر، لا، بل ضياع الفجر عذاب شديد، يحكي الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة رؤيا، ورؤيا الأنبياء حق، يقول: (إنه أتاني الليلة آتيان)، هناك رواية تبين أنهما جبريل وميكائيل: (وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا - يصف لهم رجلاً يعذب - على رجل مضطجع -رجل نائم- وإذا آخر. -وفي رواية- ملك قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه)، يعني: يشق رأسه ويشدخه، (فيتدهده الحجر هاهنا) أي يتدحرج إلى بعيد (فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان) يعني: يلتئم الرأس من جديد، (ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى)، فالرسول صلى الله عليه وسلم الرسول انزعج انزعاجاً شديداً، قال: (قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق)، وبعد ذلك مر على مشاهد كثيرة، وفي آخر المطاف فسروا له الذي رآه، فما هي حكاية هذا الرجل؟ (قالا له: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه) يعني: يأخذ حكم الله عز وجل فيرفضه، (وينام عن الصلاة المكتوبة)، نعم هذا موضوعنا: (وينام عن الصلاة المكتوبة)، ما هي الصلاة التي نحن ننام عنها؟ إنها صلاة الفجر يا إخواني! إذاً: العملية ليست عملية ضياع أجر فقط، لا، العملية فيها عقاب وعقاب مريع يا إخواني! نسأل الله العافية.

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لسنة الفجر

تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لسنة الفجر الخاصية الثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظم جداً جداً من قيمة سنة الصبح، هي الصلاة الوحيدة التي عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنتها إلى هذه الدرجة، حيث قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، يا الله! قفوا وقفة مع هذا الحديث وفكروا فيه، فما الذي يمنعنا من صلاة الصبح؟ إنه جزء ضئيل ضئيل ضئيل من الدنيا، إما نائم متأخر في أمر من أمور الدنيا، وإما أن تستيقظ بعد صلاة الفجر؛ لأنك مرتبط بأمر من أمور الدنيا، ومع ذلك كل الدنيا من أولها إلى آخرها بما فيها من أموال وكنوز ومناصب وأعمال ومغريات وملهيات كلها لا تصل إلى قيمة ركعتي الفجر، أي: السنة، فما بالكم بالفرض؟!

تفرد صلاة الفجر عن بقية الصلوات بأمور خاصة بها

تفرد صلاة الفجر عن بقية الصلوات بأمور خاصة بها الخاصية الرابعة: تفرد صلاة الصبح بأمور ليست في بقية الصلوات. أولاً: أن أذانها مختلف، فبعد حي على الفلاح يزيد المؤذن: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. قف يا مؤمن مع هذه العبارة، فما الذي يمنعك من النزول لصلاة الفجر؟ أليس هو لذة النوم وراحة النوم وحلاوة النوم؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك بمنتهى الوضوح: (الصلاة خير من النوم)، فهل يا ترى أنت مصدق أم غير مصدق؟ المسألة بوضوح مسألة إيمان. ثانياً: صلاة الصبح جعل لها أذكار خاصة بعدها غير ما يؤتى من الأذكار دبر كل صلاة، فأنت خلف كل صلاة تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وتقول: أستغفر الله، وغير ذلك لكل الصلوات، لكن صلاة الصبح انفردت بأشياء خاصة بها غير الأشياء الأخرى، من ذلك: أن تقول دبر صلاة الفجر وأنت لم تغير هيئة الصلاة تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، ومن قال هذا الكلام يحصل على ستة أمور: الأول: كتبت له عشر حسنات. الثاني: محيت عنه عشر سيئات. الثالث: رفعت له عشر درجات. الرابع: أن يكون يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه. الخامس: حرس من الشيطان. السادس: أنه لم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله. يعني: أي ذنب سيكفره الله له إلا الشرك بالله. كذلك النساء يأخذن هذا الأجر إذا قلن هذا الذكر بعد الصلاة في أول الوقت في بيوتهن.

تعظيم وقت صلاة الصبح

تعظيم وقت صلاة الصبح الخاصية الخامسة: تعظيم وقت صلاة الصبح، وقت الصبح يا إخواني وقت مشهود من الملائكة، فالملائكة تنزل إلى الأرض لتشهد هذه الصلاة الهامة، ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تفضل صلاة الجميع -يعني: صلاة الجماعة- صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر)، الله الله! التقاء كل الملائكة في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]) وفي رواية أخرى عند البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (ثم يعرج الذين باتوا فيكم -أي: ملائكة الليل- فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) أليس من الأفضل لك أن تذكرك الملائكة عند الله عز وجل بأنك من المصلين، وتشهد لك أنك كنت تصلي الصبح في جماعة؟ أليس هذا أفضل من أن تقول: يا رب أما فلان فكان نائماً أو غافلاً أو كانت عنده مشاغل أخرى أهم فلم يأت ليصلي صلاة الفجر؟ أليس هو أفضل إذاً: نراجع أنفسنا.

حفظ الله ورعايته لمن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة

حفظ الله ورعايته لمن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة الخاصية السادسة: أنت إذا صليت الصبح فأنت في حفظ الله ورعايته سائر اليوم، هذا شيء في منتهى الروعة، هل هناك أحسن من هذا؟ تشعر في يومك كله أنك في حماية الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله)، يعني: في حماية الله وفي عهد الله وضمانه، تشعر بثقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصلياً للصبح في جماعة، تشعر بثبات أمام المحن والمصائب وأمام الطغاة والجبابرة، كل هذا باستيقاظك لصلاة الصبح، سبحان الله! ركعتين تثبت فيهما صدق القلب وقوة الإيمان.

تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح بوعظ الناس بعدها

تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح بوعظ الناس بعدها الخاصية السابعة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبب لهم صلاة الصبح بأن يجعل وراءها درساً أو توضيحاً لمفهوم معين، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيراً لرؤيا، يعني: كان يقيم لقاء علمياً روحياً إيمانياً راقياً جداً جداً، يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها العيون، ووجلت منها القلوب)، ثم بدأ يذكر الخطبة المشهورة الطويلة. الشاهد يا إخواني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاطف أصحابه بعد صلاة الصبح ويعلمهم ويفقههم ويشرح لهم، وكل هذه عوامل تشجع من كان في قلبه تردد أن يفوت هذه الصلاة العظيمة: صلاة الصبح.

تحفيز الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالبقاء في المسجد بعد صلاة الفجر

تحفيز الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالبقاء في المسجد بعد صلاة الفجر الخاصية الثامنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحفز المسلمين على البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح، يعني: أن تظل قاعداً إلى أن تشرق الشمس؛ لعظم أجر هذا الوقت، ويصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمن يومه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الغداة في جماعة -يعني: صلاة الصبح، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).

تكفير ذنوب من أحسن الوضوء والخشوع في صلاة الفجر أو غيرها

تكفير ذنوب من أحسن الوضوء والخشوع في صلاة الفجر أو غيرها الخاصية التاسعة: وسيلة غير مباشرة لكن جميلة جداً، روى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) يلاحظ أن الفترة بين صلاة العشاء وبين صلاة الصبح هي أطول الفترات التي تقع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نصف اليوم، فإحسان الوضوء صلاة الفجر والخشوع والركوع كل هذه مكفرة لنصف اليوم، وبقية الصلوات مكفرة للنصف الآخر، أو قل تصبح صلاة الصبح مكفرة لنصف العمر لمن حافظ عليها، وبقية الصلوات مكفرة لنصف العمر الآخر، وذلك إذا اجتنبت الكبائر، فضل هائل وقيمة لا تقدر.

وضع الله عز وجل البركة في أول ساعات النهار

وضع الله عز وجل البركة في أول ساعات النهار الخاصية العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة: أن البركة في البكور، في الساعات الأولى في الصباح بعد صلاة الصبح، فهي أبرك ساعات اليوم كله، روى الترمذي وغيره عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، هذه المباركة يا إخواني في كل شيء، في كل الأعمال: في التجارة، في الزراعة، في القراءة، في السفر، في الجهاد في سبيل الله، في أي شيء، وصخر رضي الله عنه الذي روى هذا الحديث استفاد من هذه النصيحة، فقد كان رجلاً تاجراً، وكان إذا بعث تجارته بعثها في أول النهار، فأثرى رضي الله عنه وكثر ماله، حتى إنه في رواية غير أحمد: (أن صخراً كثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه). إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك أن تستيقظ لصلاة الصبح في جماعة، وتقعد تذكر ربنا سبحانه وتعالى في الوقت الذي ما بين الصبح حتى الشروق، ثم بعد ذلك تشتغل ولا تذهب للنوم، وتأخذ بركة أول اليوم. فإذا كنت تريد أن يكثر مالك فاستيقظ وصل الفجر وربنا سيبارك لك في مالك إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يبعث جيشاً كان يبعثه في أول النهار، يقول النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس -يعني: أمسك عن القتال- فإذا طلعت قاتل)، يعني: كان يقاتل بعد طلوع الشمس في وقت البركة، وكان يقول: (عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم). إذاً: كان ينتظر بعد صلاة الصبح الوقت المبارك. بهذه الفضائل والخصائص وغيرها أدرك الصالحون قيمة صلاة الصبح فما ضيعوها، وما تخيلوا أصلاً أن يضيعها إنسان، روى الإمام مالك رحمه الله في موطئه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة -من كبار التابعين- رحمه الله في صلاة الصبح، فذهب عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى أمه الشفاء أم سليمان رضي الله عنها -وهي من الصحابيات- فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟! قالت: إنه بات يصلي. يعني: ظل الليل كله يصلي فغلبته عيناه، لم يكن قاعداً أمام التلفاز يا إخواني، ومع ذلك لم يعذره سيدنا عمر، بل قال: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة بكاملها. كذلك بيعة عمر بن الخطاب للخلافة كانت في صلاة الصبح؛ لأن الصديق توفي مساءً ودفن مساءً، وفي صلاة الفجر من اليوم الثاني بويع عمر بن الخطاب للخلافة، يعني: كبار رجال الدولة من الأمراء والوزراء وأهل الحل والعقد ومن بيده الأمر كل هؤلاء كانوا يصلون الفجر في جماعة، يأخذوا قرارات في منتهى الخطورة، قرارات مصيرية جداً في صلاة الصبح، صلاة في منتهى الأهمية. يروي الإمام مالك في موطئه: أن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما دخل على عمر بن الخطاب بعدما طعن، يقول المسور: فأيقظت عمر لصلاة الصبح، مع أن عمر بن الخطاب رأس الدولة كان مطعوناً طعنة قاتلة، والظرف صعب جداً جداً، لكن صلاة الصبح لا تؤخر يا إخواني، لا يستطيع أن يدعه يصليها بعد الشروق، ماذا قال عمر عندما أيقظه المسور بن مخرمة رحمه الله؟ قال له: نعم، نعم، أحسنت أنك أيقظتني، ثم قال: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم قام عمر رضي الله عنه وأرضاه وصلى صلاة الصبح وجرحه يثعب دماً، ومع ذلك لم يترك صلاة الصبح. وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه كان يبكي بكاءً مراً كلما تذكر فتح تستر، لماذا يبكي؟! وتستر مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفاً، وبعد حصار لهذه المدينة مدة سنة، ونصف سقطت في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتحاً مبيناً، فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة، فلماذا يبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عندما يتذكر موقعة تستر؟ لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن ودار قتال رهيب بين ثلاثين ألف مسلم ومائة وخمسين ألف فارسي وكان في منتهى الضراوة؛ لأن كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت وتحمل الخطر الكبير على الجيش المسلم، فهم في موقف في منتهى الصعوبة، ولكن في النهاية كتب الله النصر للمؤمنين، وانتصروا على عدوهم بفضل الله، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، وضاعت صلاة الصبح في ذلك اليوم الرهيب يوم الفتح، لم يستطع المسلمون في هذه المعركة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده، ويبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته، مع أن ج

الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة

الوسائل المعينة على القيام لصلاة الفجر في جماعة نريد أن نصلي الفجر في جماعة كل يوم، وهناك وسائل تساعدنا على المحافظة على صلاة الفجر، والابتكار في هذه الوسائل يا إخواني مفتوح، فأي شخص عنده وسيلة توقظ لصلاة الفجر فلينصح بها.

الإخلاص لله تعالى

الإخلاص لله تعالى الوسيلة الأولى: الإخلاص التام لله عز وجل، فغير المخلص لله يصعب عليه أن يحافظ على صلاة الفجر، فصلاة الفجر اختبار لاكتشاف المخلصين. والإخلاص أن تكون مستعداً لأن تضحي بأي شيء في سبيل أن ترضي ربك سبحانه وتعالى، تضحي بمال، تضحي بجهد، تضحي بعلاقات، تضحي بعمل، تضحي بحياتك كلها لأجل ربك سبحانه وتعالى. وضياع صلاة الفجر عرض لمرض، والمرض هو أنك جعلت الله عز وجل أهون الناظرين إليك؛ لأنك لم تخلص له، ولم تأبه بشرعه وبأمره، لم تخش تحذيره، لم تتبع قانونه وشرعه، ومن ثم أضعت صلاة الفجر. فهذه علامة خطيرة على غياب الإخلاص.

العزيمة الصادقة

العزيمة الصادقة الوسيلة الثانية: العزيمة الصادقة، عندي قناعة شخصية أن الذي يريد فعلاً أن يستيقظ لصلاة الفجر سيستيقظ فعلاً، لو تشعر فعلاً بقيمة الفجر في جماعة، ستركز كل جهودك حتى تقوم الفجر، يقول ربنا في المنافقين: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]، لكن هم لا يريدون، فلأجل ذلك لم يخرجوا، ولو لم توجد عندك عزيمة صادقة فعمرك لن تسمع الأذان: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:23]، وحتى يا أخي والله لو سمعت الأذان وأنت ضعيف العزيمة فلن تقوم، لماذا؟ لأن ربنا هو الذي لا يريدك أن تقوم بعزيمة ضعيفة، يقول ربنا عن المنافقين: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة:46]، يعني: أنه لا يريد المتثاقلين الكسالى: {فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46]، انتبه يا أخي أن تتأثر بكثرة القاعدين المتخلفين عن صلاة الفجر انتبه لا تقارن نفسك بهؤلاء، إنما قارن نفسك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قارن نفسك بـ عمر، قارن نفسك بـ أنس، قارن نفسك بـ خالد بـ القعقاع بـ يوسف بن تاشفين بـ قطز وغير هؤلاء الكبار، أعل من همتك، وعظم قدوتك، وكبر أهدافك، وضخم طموحاتك، واعمل لنفسك ورد محاسبة خاص بصلاة الفجر فقط، كن جاداً مع نفسك، اجعل ورقة واحدة سجّل فيها أيام الشهر كلها، واليوم الذي تصلي فيه الفجر في جماعة علم أمامه علامة صح، واليوم الذي يفوتك الفجر في جماعة علم أمامه علامة غلط، وانظر آخر الشهر هل حياتك تمشي في المسار الصحيح أم في المسار الخطأ؟ عندها صحح وضعك وصحح أخطاءك.

تجنب الذنوب وتركها

تجنب الذنوب وتركها الوسيلة الثالثة: تجنب الذنوب وتركها، وصلاة الفجر هدية من الله عز وجل، وهذه الهدية لا تعطى إلا للطائعين، أما القلب الذي أشرب حب المعاصي فكيف يستيقظ لصلاة الفجر؟ والقلب الذي غطته الذنوب كيف يتأثر بحديث يتكلم عن فضل صلاة الفجر؟! أو كيف يسمع لنداء: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم؟! ضياع الفجر مصيبة، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، ابحث في حياتك، ابحث عن ذنوب ما زلت مصراً عليها، والذنوب قد تكون في عينيك، قد تكون في لسانك، في علاقاتك بالناس، في علاقاتك بأبويك، وذنوب في القلب: كبر، عجب، حسد، غضب، رياء، ابحث ولا تستصغرن ذنباً من الذنوب، قد يكون هذا هو الذي أقعدك عن صلاة الفجر: (إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه). وسئل الحسن البصري رحمه الله: لماذا لا نستطيع أن نقوم الليل؟ يتكلمون عن قيام الليل وليس عن صلاة الصبح، فقال: أقعدتكم ذنوبكم. فربنا سبحانه وتعالى يريد الذي يصلي له أن يكون نقياً طاهراً تائباً منيباً إلى الله عز وجل: {يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17]. نسأل الله عز وجل لنا ولكم المغفرة.

الدعاء

الدعاء الوسيلة الرابعة: الدعاء، وهو وسيلة في غاية الأهمية، اجعل لنفسك ورداً يومياً تدعو الله فيه بإخلاص أن يمن عليك بالقيام لصلاة الفجر في جماعة، لا تستهين بهذه الوسيلة العظيمة، من الذي يوقظنا للفجر أو لغيره من؟ إنه ربنا سبحانه وتعالى، بل قل: من الذي يبعثك من نومك؟ والنوم هو نوع من الموت، واليقظة كالبعث، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر:42]، يعني: من لا تعود نفسه مرة أخرى إليه مات، {وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42]. إذاً: ندعو ربنا سبحانه وتعالى الذي يمسك بأرواحنا أن يرسلها للقيام لصلاة الفجر أو قبل صلاة الفجر. هذه الوسائل الأربع من أهم الوسائل ما ينفع للمسلم تركهن: الإخلاص، العزيمة، التوبة إلى الله عز وجل، الدعاء، هذه وسائل ينبغي الجمع بينها، ما ينفع أن تأخذ واحدة منها وتدع الباقي.

الصحبة الصالحة

الصحبة الصالحة الوسيلة الخامسة: الصحبة الصالحة، أيضاً هذه وسيلة في غاية الأهمية، قيام الإنسان بالطاعة منفرداً فيه صعوبة، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد)، هذا كلام في منتهى الوضوح، فانظر من هم أصحابك؟ هل يذكرونك بصلاة الفجر؟ هل يذكرونك بالقرآن؟ هل يذكرونك بغض البصر؟ هل يذكرونك ببر الوالدين؟ هل يذكرونك بربنا سبحانه وتعالى وإلا فليس هؤلاء بأصحابك، لو كان ليس لهم هم غير اللهو واللعب وتضييع الوقت، وعمل المعاصي والذنوب، فانقذ نفسك منهم، وقبل ذلك حاول أن تدعوهم إلى الله عز وجل، وإلا فانج بنفسك وابحث عن صحبة صالحة، وكن متذكراً قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

النوم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم

النوم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم الوسيلة السادسة: النوم بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولاً: النوم مبكراً، النوم مبكراً ليس عيباً أبداً، أنا لست أعرف من الذي أدخل في أذهاننا أن الأطفال فقط هم الذين ينامون في وقت مبكر؟! ربنا سبحانه وتعالى يطفئ نور الدنيا كلها لكي ننام في الليل، ونحن نصر على أن نبقى مستيقظين: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [غافر:61]، هذه سنة ربنا في الأرض، فهؤلاء الذين يعيشون للدنيا قاموا بدراسات لكي تستغل الدنيا أفضل استغلال، فوصلت دراساتهم إلى نفس الحقائق التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن من عشرات القرون. أعود بكم مرة أخرى لأمريكا، لكي تستيقظ باكراً في المواعيد التي تريدها فلا بد أن تنام باكراً، فهم في أمريكا ينامون مبكرين، فنادر جداً أنك تجد أحداً يمشي في الشارع بعد الساعة التاسعة مساءً، تجدهم ينامون الساعة الثامنة، الثامنة والنصف، التاسعة بالكثير، فانعكس هذا على حياتهم، فعندهم نظام وحيوية ونشاط وإنتاج وتقدم حضاري، أنا لا أقول هذا الكلام؛ لأني مبهور بالنظام الذي عندهم، لا، أنا أقول هذا الكلام؛ لأني متحسر على كثير من المسلمين الذين لم يفهموا الكنز الذي تركه ربنا سبحانه وتعالى لنا في القرآن وفي السنة، الذي استغله الأمريكان واليابانيون والصينيون وغيرهم من أهل الأرض، هو هذا الإسلام يا إخواني! وجدت إسلاماً ولم أر مسلمين. وأيضاً أنت ستسهر لتشاهد التلفاز فتحصل على سيئات وذنوب وتضيع عليك صلاة الفجر، أو تسهر لتذاكر، نقول: المذاكرة بعد الفجر إلى الساعة الثامنة، وهذا أفضل وقت ممكن تذاكر فيه، هذا كلام العلماء وليس كلامي، والذي ستذاكره في الليل بساعتين ستذاكره الصبح في نصف ساعة، أو تسهر لزيارة شخص فنقول: يا أخي! لو كنت لا تريد أن تقوم لصلاة الفجر ولا تريد أن تقوم باكراً فاترك غيرك ينام مبكراً ليذهب لصلاة الفجر. نحن نحتاج إلى نغير نظام حياتنا كله، لا نملك وقتاً نضيعه في كلام لا طائل منه، قد نأتي اللهو المباح، لكن ينبغي أن نتذكر أننا أمة جادة، عندها شيء من اللهو المباح، ولسنا أمة لاهية عندها شيء من الجد القليل. إذاً: أول نصيحة بخصوص النوم أننا ننام مبكرين بقدر ما نستطيع. ثانياً: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ قبل أن ينام، وكان ينام على الشق الأيمن على جنبه اليمين، ويقول أذكار النوم، وأذكار النوم كثيرة جداً، وليس المجال لذكر أذكار النوم بكاملها، لكن سأذكر لك أمراً واحداً مهماً جداً جداً وهو أن تقرأ آية الكرسي قبل أن تنام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام لن يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) هذا الشيطان الذي يبعدنا عن صلاة الفجر، فربنا يحفظك من الشيطان بآية الكرسي، وأذكار النوم كثيرة وعودوا إليها في كتب الأذكار. أيضاً بخصوص موضوع النوم حاول أن تخبر أصحابك وأقرباءك ومعارفك أنك تنام باكراً؛ بحيث لا توجد زيارات لا هواتف بعد الساعة العاشرة مساء أو إحدى عشرة حسب ما تحدد لنفسك، ونظامك هذا يا أخي والله ليس أمراً يخجل أبداً، ما كان النظام الإسلامي مخجلاً، بل الذي يجب عليه أن يخجل هو الذي يخالف نظام الإسلام. إذاً: النوم مبكراً، النوم على وضوء، النوم على الجانب الأيمن، أذكار النوم، وإخبار الناس بنظامك الجديد.

عدم الإكثار من الأكل قبل النوم

عدم الإكثار من الأكل قبل النوم الوسيلة السابعة: وسيلة شرعية وصحية تماماً، لا يختلف على أهميتها طبيبان: لا تأكل كثيراً قبل النوم، والأصل ألا نأكل كثيراً سائر اليوم؛ لأن هذه هي السنة النبوية، لكن نريد أن نركز جداً أنه ينبغي لنا ألا نأكل كثيراً قبل أن ننام؛ لأن كميات الأكل الكبيرة تسحب الدماء من كل الجسم، ومن العقل أيضاً تسحب الدماء إلى المعدة وإلى الأمعاء لهضم الكميات الهائلة من الأطعمة، فالعقل الذي انسحب منه الدم يصير في شبه غيبوبة، فلا يقدر الشخص أن يقوم وقت الفجر؛ لأنه أكل أكثر من طاقته، والأكل الكثير قبل النوم يأتي بالكوابيس والأحلام المزعجة ترى ناساً تجري وراءك، ووحوشاً تأكلك، مأمور ضرائب، ثعابين وسحالي وأشياء كثيرة جداً فتظل في قلق واضطراب إلى قرب الفجر، فتنام قليلاً فيفوتك الفجر؛ لذلك يقول أحد الصالحين: من أكل كثيراً، نام كثيراً، فيفوتك خير كثير. يعني: يفوتك قيام الليل، هو لم يكن يقصد صلاة الفجر؛ لأنه لا يتوقع أن واحداً ينام عن صلاة الفجر. إذاً: هذه هي الوسيلة السابعة المساعدة على الاستيقاظ لصلاة الفجر.

مذكرات فضائل الفجر

مذكرات فضائل الفجر الوسيلة الثامنة هي وسيلة مبتكرة ولطيفة ومفيدة على أكثر من مستوى، وهي مفيدة لمن حافظ بالفعل على صلاة الفجر ولو سنين، هذه الوسيلة هي: مذكرات فضائل الفجر، يعني: أن تجعل عشرين أو ثلاثين ورقة كرتونية في البيت، ويا حبذا أن يكون الورق ملوناً بألوان فسفورية واضحة: أصفر، أخضر، سماوي، ألوان تكون ظاهرة وواضحة، بحيث يكون حجم كل ورقة كبيراً نسبياً، فتكتب في كل واحدة منها بخط جميل وواضح حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تحض على صلاة الفجر، كأن تكتب على واحدة منهن: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)، وتكتب على أخرى: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، وهكذا في سائر العشرين أو الثلاثين الورقة، وكل أسبوع تخرج ورقتين فقط وضعهما في غرفتك في مكان ظاهر، بحيث ترى الورقة جيداً، هكذا ستضرب أكثر من عصفور بحجر. أولاً: ستشجع نفسك أنك تستيقظ لصلاة الفجر، فأنت كل يوم ترى هذه الأحاديث فتذكر نفسك بالأجر. ثانياً: قد تصلي الفجر باستمرار، لكن قد تنسى الثواب الضخم الذي في صلاة الفجر وأصبح الأمر عادة، بهذا تفرق بين أن تقوم عادة أو تقوم لأنك مشتاق إلى ثواب صلاة الفجر. ثالثاً: ممكن يرى غيرك هذا الحديث في غرفتك أهلك، أولادك، إخوانك، والدك، والدتك، أي أحد ممكن يرى الحديث فيتذكر صلاة الفجر، وكل هذا في ميزان حسناتك في الأخير.

كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر وآثار ذلك

كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر وآثار ذلك كلمة أخيرة يا إخواني ويا أخواتي في الله: صلاة الفجر في جماعة للرجال، وفي أول وقتها للنساء، وهذه قضية محورية في حياة الأمة المسلمة، القضية ليست قضية صلاة ركعتين فقط، لا، القضية أكبر من ذلك بكثير، صلاة الفجر تضبط لك اليوم كله. صلاة الفجر تحرك الكون كل الكون كما يريد ربنا سبحانه وتعالى. صلاة الفجر تربط الناس بربها من أول اليوم إلى آخره. صلاة الفجر تجعل الأمة كل الأمة في ذمة الله وفي ضمان ورعاية وحماية الله سائر اليوم. في صلاة الفجر تقابلون صفوة المجتمع، انتبهوا أن تظنوا أن صفوة المجتمع هم أصحاب الجاه والسلطان والمال والشهرة لا، لا، لا، لا، صدقوني أن الصفوة الحقيقة هي التي تحافظ على صلاة الفجر في جماعة، في مجتمع كثر فيه الفساد تقابل الصالحين في صلاة الفجر، في مجتمع كثر فيه النفاق تقابل الصادقين في صلاة الفجر، في مجتمع كثرت فيه المعاصي والآثام والشرور تقابل الطائعين والتائبين في صلاة الفجر، أي فضل وأي منة من الله عز وجل؟! وأي صفوة من البشر أنت تقابل في صلاة الفجر؟! صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة وقيمتها، فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام، بل تستحق الاستبدال، وعلى الجانب الآخر الأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض. وأخ لا يحافظ على صلاة الفجر في جماعة، ثم يتحدث مساءً عن التمكين في الأرض كيف يكون ذلك؟! {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، وأي إفساد أعظم من تضييع فرض من فروض الله عز وجل، ومن تضييع حق من حقوق الله عز وجل، والإصرار على ذلك التضييع، وأول صفات الذين يمكنون في الأرض، كما أخبر تعالى بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، إذاً: أول صفات الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة ليست نقراً كنقر الغراب وفي غير موعدها، إقامة الصلاة هي إقامتها بكل شروطها في أول وقتها، وفي المكان الذي أمر الله به في المسجد، وبكل خشوع وتضرع وابتهال وانكسار، والصلاة بهذه الصورة أداة من أدوات النصر. كلكم تعرفون الكلمة التي قالها أحد المسئولين اليهود: من أنه لا يخاف من أمة الإسلام إلا في حالة واحدة، وهي أن يصل عدد من يصلون الفجر في جماعة كعدد الذين يصلون الجمعة في جماعة. سواءً هذه الكلمة قالها فعلاً مسئول يهودي أو لم يقلها فالجملة صحيحة، أمة الإسلام بغير صلاة الفجر في جماعة أمة غير مرهوبة، احفظوها جيداً: لا يستقيم لأمة تطلب العزة والكرامة والنصرة أن تفرط في هذه الصلاة. ملحوظة غريبة جداً وهامة لاحظتها في سورة الإسراء، وهي أنه لم يأت طلب النصرة إلا بعد الحديث عن الفجر، قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، والمقصود بقرآن الفجر: صلاة الفجر، وعبر عنها بالقرآن؛ لأن القراءة في الفجر تكون طويلة عادة، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، وبعد ذلك الأمر الذي يليها: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، إذاً: قبل الفجر قيام الليل، وبعد قيام الليل وتأدية صلاة الفجر أمرت أن تطلب النصر: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:80 - 81]، آيات عجيبة والله يا إخواني، سبحان الله! لا يأتي طلب السلطان النصير من الله عز وجل، ولا يأتي مجيء الحق وإزهاق الباطل وتمكين دين الله عز وجل في الأرض، لا يأتي كل ذلك إلا بعد إقامة الصلاة وبالذات صلاة الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78]، وبعد قيام الليل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، هذه هي أدوات النصر في الإسلام. صلاح الدين الأيوبي رحمه الله اهتم أول ما اهتم بصلاة الفجر، وتحفيز الناس على صلاتهم في المسجد، الجيش الذي يصلي الفجر في جماعة هو الجيش الذي ينتصر على الصليبيين أو غيرهم من أعداء الأمة، وصلاح الدين يا إخواني لم يظل قائماً في الجامع ويترك إعداد الجيوش لا، لا، بل أخذ بكل الأسباب المادية المباحة من إعداد وتدريب وسلاح وخطة، وحشد للجنود، واختيار للتوقيت، وعقد الأحلاف، وتوحيد الصفوف، أخذ بكل الأسباب المادية، لكن في الوقت نفسه كان يعرف أنه لا يمكن أن ينتصر إلا إذا ك

شبهة خسارة وضرر الأيدي العاملة في المحلات الغربية

شبهة خسارة وضرر الأيدي العاملة في المحلات الغربية الشبهة الأولى: أن الأيدي العاملة في هذه المحلات وطنية 100%، وغلق المحلات سيؤدي إلى تشريد الآلاف أو الملايين على نطاق أمة المسلمين، كما سيؤدي إلى خسارة رأس المال الوطني صاحب التوكيل، وللرد على هذا نقول: 1 - نحن جميعاً متفقون أن الشركة الأجنبية ما جاءت إلى البلاد المسلمة بحدها وحديدها ومالها ورجالها وأفكارها إلا بغية الربح وجمع المال، ولم تأت حباً في مصلحة البلاد أو تأثراً بحال الفقراء، فعملنا في هذه الشركات سيؤدي حتماً إلى قوتهم وزيادة أموالهم وتوسيع أعمالهم وتثبيت دعائمهم، وهذا لا ينبغي لنا فعله إذا كنا مستيقنين بعدائهم أو بمساعدتهم لأعدائنا وبالذات في أوقات الحروب والأزمات، حتى لو كانت هناك خسارة حتمية للمسلمين. 2 - أين كان هؤلاء العمال المسلمون يعملون قبل أن تفتح الشركات الأجنبية أبوابها لهم؟ فالعامل الذي يشتغل في محل الفراخ أو البيتزا الأمريكاني كان يشتغل في محل الكباب الوطني، والذي يبيع في السوبر ماركت الغربي كان يبيع في السوبر ماركت الوطني، والذي يشتغل في محطة بنزين غربية -ومعظم رأس مالهم يهودي حتى وإن لم يكونوا أمريكان- كان يشتغل في محطة بنزين وطنية، وهكذا. 3 - الخسارة المتوقعة للعمال في فارق المرتبات، ولرءوس الأموال في الأرباح خسارة مقبولة، فنحن في حالة مواجهة لمؤامرة وحرب وكيد وتدبير من قبل أعدائنا لا لفلسطين فقط ولكن لعموم أمة المسلمين، فإذا اعتدى عدو على بلدك هل تقاتله لترده أم تقول أن القتال فيه خسارة سلاح ومال ومعمار ونفس؟ فإنك ستقاتله، والخسائر تصبح لا قيمة لها إذا قورنت برد العدوان، فالخسائر المتوقعة مقبولة؛ لأنها نوع من رد العدوان على الاقتصاد المسلم والشعوب المسلمة، ثم إن هذه الخسارة مؤقتة ولو تحسن الإنتاج المحلي وزاد لعاد الوضع أفضل مما كان عليه من قبل. 4 - نحن المسلمين نختلف عن غيرنا من البشر في أننا نعتقد تماماً أن الرزق مضمون من رب العالمين سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، فالإنسان المسلم يقتنع بأنه لم يقل رزقه الذي قسمه الله له بانتقاله من مكان إلى آخر، فإن قيل: بأن هذا أخذ بأسباب الرزق، فإننا نقول: اللهم لا تجعل رزقناً أجوراً من أعدائنا، فليس من جمال الطلب أبداً أن أطلب رزقي من قاتل إخواني. 5 - صاحب رأس المال الوطني عندما يشاهد بعد الناس عن المنتج اليهودي أو الأمريكي سيفكر ألف مرة قبل أن يأخذ توكيلاً من شركة يهودية أو أمريكية، وبذلك مع مرور الوقت سيجد أصحاب رءوس الأموال البدائل المناسبة وستدور الدورة من جديد لصالح المسلمين. 6 - ألا يشعر المسلمون بالأنفة والغيظ والهم والنكد؛ لأنهم يعملون في مصانع وشركات تؤيد اليهود سواء عن طريق الضرائب أو المساعدات المباشرة، لقد كان المصريون في السابق يأنفون من العمل في مصانع وشركات وثكنات الإنجليز؛ لأنهم كانوا محتلين للبلد، كذلك كان يفعل الليبيون مع الطليان، ويفعل الجزائريون مع الفرنسيين، فما الذي تغير؟ هل تغيرت الظروف أم النفوس؟ أليس لراحة النفس بالعمل في شركات المسلمين ثمن؟ فلو كان الثمن لهذه الراحة النفسية هو فارق المرتب فإنه ثمن زهيد حق زهيد. 7 - اعتبر فارق المرتب هذا صدقة على المجاهدين وإسهاماً في قضية فلسطين، وإنفاقاً في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وما نقص مال من صدقة)، وستعوض من طريق آخر، أو يسد عليك باب إنفاق، هذا ما لا يشك فيه مؤمن.

شبهة استعداء الشعب الأمريكي

شبهة استعداء الشعب الأمريكي أما الشبهة الثانية فهي: أننا بهذه المقاطعة نستعدي الشعب الأمريكي علينا، فالشعب شيء والحكومة شيء آخر، والرد على هذه الشبهة ما يلي: 1 - المقاومة حق مشروع لا يختلف عليه اثنان، فنحن ندافع عن اقتصادنا وبلادنا وإخواننا، وليس من المعقول أبداً أن أطلب ود قاتلي، وأنا أسعى إلى رضا ذابحي، إذا كان هناك اقتصاد سيعاني من أجل اقتصاد آخر، فإنه من واجبنا أن نهتم باقتصادنا وإخواننا ولو كان على حساب اقتصادهم دون ظلم لهم ولا عدوان، وأمريكا نفسها لما رأت السيارات اليابانية تغزو السوق الأمريكي وتؤدي إلى كساد السيارات الأمريكية في بلدها رفعت الجمارك عليها؛ لتجبر الناس على شراء المنتج الوطني، وهذا تفكير منطقي جداً لا ينكره أحد من الشعوب. 2 - لماذا الفصل بين الحكومة والشعب؟ فمن أين أتت الحكومة؟ ألم تأت من الشعب؟ أليس الشعب الأمريكي هو الذي اختار الرئيس الأمريكي والكونجرس الأمريكي أصحاب القرارات الظالمة؟ وهو الذي يوافق على الظلم الأمريكي في الاستفتاءات المتكررة؟ عاصرت مظاهرة في نيويورك قامت بها هنري كلينتون عضو الكونجرس عن دائرة نيويورك المعروفة ومعها عدد كبير جداً من الشعب الأمريكي تطالب فيها بوقف الإرهاب الفلسطيني، وتنادي أن يفك الفلسطينيون الحصار على اليهود، وشر البلية ما يضحك. 3 - الحكومة الأمريكية نفسها أتت بكثير من الشركات الأمريكية وفرضتها على كثير من دول المسلمين للتجارة أو للإعمار أو للتوظيف، وكثير من هذه الشركات كادت أن تفلس لولا تدخل الحكومة الأمريكية بفرضها على بلاد المسلمين؛ لأن نجاح هذه الشركات في النهاية هو نجاح للحكومة الأمريكية، وقوة هذه الشركات في النهاية هو قوة للحكومة الأمريكية، وبالذات الشركات العملاقة التي توزع في أنحاء الأرض بما فيها بلاد المسلمين، فتعتبر بلا مبالغة جزءًا رئيسياً من الحكومة الأمريكية.

شبهة إنعاش الشركات الأجنبية الاقتصاد الإسلامي

شبهة إنعاش الشركات الأجنبية الاقتصاد الإسلامي الشبهة الثالثة: أن هذه الشركات ستنعش الاقتصاد المسلم بإنفاقها الأموال الغزيرة داخل بلادنا وبإقامتها للمشروعات العملاقة، وللرد على هذه الشبهة نقول: 1 - هل ستنفق هذه الشركات عشرة مليون دولار -مثلاً- داخل البلد وتخرج خالية أم أنها ستخرج بدلاً من العشرة مليون بمائة مليون؟ 2 - هذا إنعاش مؤقت؛ لأنه يقوم على شفا جرف هارٍ وإلا فكيف تكون البنية الأساسية في الاقتصاد مملوكة لفريق لا يستغرب عداؤه، ولا يتوقع استمرار ولائه. 3 - ما أدراك أن وراء الأمور أموراً، وأن هذه الشركات أو المصانع أو الهيئات تهدف في النهاية إلى إضعاف أو إهلاك الاقتصاد المسلم بطريقة نعلمها أو لا نعلمها، وليس ببعيد ما فعله خبراء الزراعة اليهود الذين استخدموا أسمدةً أدت إلى إنتاج أنواع عظيمة من الفاكهة والخضروات عاماً أو عامين ثم أدت بعد ذلك إلى بوار الأرض، أو كشركات الأسمنت التي لا تستطيع أن تقيم مصانعها في بلادها خشية التلوث البيئي فتأتي بالمصانع إلى بلادنا، وعلى نفسها جنت براقش.

شبهة عدم الاستغناء عن المنتجات الأساسية التي لا تصنع إلا في الغرب

شبهة عدم الاستغناء عن المنتجات الأساسية التي لا تصنع إلا في الغرب الشبهة الرابعة: إن هناك أشياءً لا تصنع في بلادنا ولا في بلاد المسلمين، وليس لها بديل، ولا بد من استيرادها من الغرب، هنا نرد ونقول: 1 - في حالة الاضطرار الأكيد فإننا نأخذ المضطر في ذلك إلى أن يفتح الله علينا بتصنيع ما نحتاج إليه لكن لا بد أن يكون اضطراراً لا نوعاً معيناً من التحف ليس فيه اضطرار، أو أكلة معينة ليست عندنا فهذا ليس اضطراراً، بل لا بد أن يكون اضطراراً أكيداً. 2 - يوجد في العالم بدائل أخرى كثيرة وإن لم تكن من دول مسلمة لكنها لا تعلن العداء السافر للمسلمين، فلا مانع من الاستعانة المؤقتة بها إلى أن يمن الله علينا بإنتاج. 3 - لا بد أن يسعى المسلمون لا لاستيراد المنتج ولكن لاستيراد تكنولوجيا التصنيع، والتقنية التي نصنع بها المنتج بعد ذلك، بحيث يستطيع المسلمون مع مرور الوقت أن يكملوا احتياجاتهم، ثم بعد ذلك يصنعوا تقنية التصنيع وليس هذا بمستحيل. 4 - على العقول المسلمة المهاجرة إلى بلاد الغرب أن تعود إلى بلاد المسلمين، فليس من المعقول أن يبقى علماء الذرة يعلون من شأن الطاقة النووية الأمريكية، ويبقى علماء الكيمياء والفيزياء يعلون من شأن المعامل الأمريكية، ويبقى علماء الطب يعالجون الأمريكان ويتركون المسلمون في مرضهم.

شبهة عدم الاستغناء عن بعض الكماليات من المنتجات الغربية

شبهة عدم الاستغناء عن بعض الكماليات من المنتجات الغربية الشبهة الخامسة والأخيرة: أحد الناس يقول: أنا لا أستطيع أن أعيش من غير كذا وكذا من المنتجات الغربية، وآخر يقول: لا أستطيع أن أقاطع الكاتشب الأمريكية، وهو نوع معين من أنواع الصلصة المشتقة من الطماطم، فهذا شيء عجيب جداً. وآخر لا يستطيع أن يستغني عن المياه الغازية بأنواعها المختلفة، فأقول لهؤلاء: 1 - اعتبر تخليك عن هذه الأشياء هو جهاد في سبيل الله، فهو نوع من أنواع الجهاد، فاستحضر فيه النية وستؤجر، وهو اختبار، والأجر على قدر المشقة، واعلم أن من الاختبار والامتحان والابتلاء أن تقاطع ما تحب بل ما تغلغل حبه في قلبك رغبة فيما هو أعظم وهو الأجر. 2 - الإعلام يسيطر على أفكارنا بحيث تتخيل الحياة صعبة جداً بدون شيء معين معلن عنه، فعندما ترى إعلان المياه الغازية تحسب وتظن أنه لن تستقيم لك حياة ولن يصلح لك حال ولن تقوى لك عزيمة إلا بشرب المياه الغازية، ومعلوم أن كوب عصير القصب أو التمر الهندي أو الكركديه أكثر فائدة من المياه الغازية، فالأطباء دائماً ينصحون الناس بتجنب المياه الغازية، وبالذات الذي عنده قولون عصبي، ومعظم الشعب عندهم قولون عصبي، وكذا الذي عنده مشاكل في المعدة، ومعظم الشعب عندهم مشاكل في المعدة، وذكر الأطباء أن هذه المشروبات تعمل على زيادة معدل تكوين الحصوة في الكليتين، والكلام هذا حقيقي وواقعي، فلماذا ندخل أنفسنا في كل هذه المتاهات؟ لا تقاطع المشروب الغازي الأمريكي لتشرب مشروباً وطنياً تنتجه شركة من شركات الخمور الوطنية حتى لو كان خالي من الكحول، لأن فيه تقوية لشركة من شركات الخمور، ولعن الله من صنع الخمور أو باعها، بل حتى الإعلانات عنه فإن معظمها يعطي إحساساً بالفسق والفجور والانحلال، وكأنها تعلن عن خمور وليس عن مشروبات خالية من الكحول كما يقولون. 3 - ولو أن أحداً من الناس لا يستطيع فعلاً أن يقاطع منتجاً بعينه، فليقاطع المنتجات الأخرى، وما لا يدرك جله لا يترك كله.

كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر وآثار ذلك

كلمة جامعة عن أهمية المحافظة على صلاة الفجر وآثار ذلك كلمة أخيرة يا إخواني ويا أخواتي في الله: صلاة الفجر في جماعة للرجال، وفي أول وقتها للنساء، وهذه قضية محورية في حياة الأمة المسلمة، القضية ليست قضية صلاة ركعتين فقط، لا، القضية أكبر من ذلك بكثير، صلاة الفجر تضبط لك اليوم كله. صلاة الفجر تحرك الكون كل الكون كما يريد ربنا سبحانه وتعالى. صلاة الفجر تربط الناس بربها من أول اليوم إلى آخره. صلاة الفجر تجعل الأمة كل الأمة في ذمة الله وفي ضمان ورعاية وحماية الله سائر اليوم. في صلاة الفجر تقابلون صفوة المجتمع، انتبهوا أن تظنوا أن صفوة المجتمع هم أصحاب الجاه والسلطان والمال والشهرة لا، لا، لا، لا، صدقوني أن الصفوة الحقيقة هي التي تحافظ على صلاة الفجر في جماعة، في مجتمع كثر فيه الفساد تقابل الصالحين في صلاة الفجر، في مجتمع كثر فيه النفاق تقابل الصادقين في صلاة الفجر، في مجتمع كثرت فيه المعاصي والآثام والشرور تقابل الطائعين والتائبين في صلاة الفجر، أي فضل وأي منة من الله عز وجل؟! وأي صفوة من البشر أنت تقابل في صلاة الفجر؟! صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة وقيمتها، فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام، بل تستحق الاستبدال، وعلى الجانب الآخر الأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض. وأخ لا يحافظ على صلاة الفجر في جماعة، ثم يتحدث مساءً عن التمكين في الأرض كيف يكون ذلك؟! {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، وأي إفساد أعظم من تضييع فرض من فروض الله عز وجل، ومن تضييع حق من حقوق الله عز وجل، والإصرار على ذلك التضييع، وأول صفات الذين يمكنون في الأرض، كما أخبر تعالى بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، إذاً: أول صفات الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة ليست نقراً كنقر الغراب وفي غير موعدها، إقامة الصلاة هي إقامتها بكل شروطها في أول وقتها، وفي المكان الذي أمر الله به في المسجد، وبكل خشوع وتضرع وابتهال وانكسار، والصلاة بهذه الصورة أداة من أدوات النصر. كلكم تعرفون الكلمة التي قالها أحد المسئولين اليهود: من أنه لا يخاف من أمة الإسلام إلا في حالة واحدة، وهي أن يصل عدد من يصلون الفجر في جماعة كعدد الذين يصلون الجمعة في جماعة. سواءً هذه الكلمة قالها فعلاً مسئول يهودي أو لم يقلها فالجملة صحيحة، أمة الإسلام بغير صلاة الفجر في جماعة أمة غير مرهوبة، احفظوها جيداً: لا يستقيم لأمة تطلب العزة والكرامة والنصرة أن تفرط في هذه الصلاة. ملحوظة غريبة جداً وهامة لاحظتها في سورة الإسراء، وهي أنه لم يأت طلب النصرة إلا بعد الحديث عن الفجر، قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، والمقصود بقرآن الفجر: صلاة الفجر، وعبر عنها بالقرآن؛ لأن القراءة في الفجر تكون طويلة عادة، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، وبعد ذلك الأمر الذي يليها: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، إذاً: قبل الفجر قيام الليل، وبعد قيام الليل وتأدية صلاة الفجر أمرت أن تطلب النصر: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:80 - 81]، آيات عجيبة والله يا إخواني، سبحان الله! لا يأتي طلب السلطان النصير من الله عز وجل، ولا يأتي مجيء الحق وإزهاق الباطل وتمكين دين الله عز وجل في الأرض، لا يأتي كل ذلك إلا بعد إقامة الصلاة وبالذات صلاة الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78]، وبعد قيام الليل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، هذه هي أدوات النصر في الإسلام. صلاح الدين الأيوبي رحمه الله اهتم أول ما اهتم بصلاة الفجر، وتحفيز الناس على صلاتهم في المسجد، الجيش الذي يصلي الفجر في جماعة هو الجيش الذي ينتصر على الصليبيين أو غيرهم من أعداء الأمة، وصلاح الدين يا إخواني لم يظل قائماً في الجامع ويترك إعداد الجيوش لا، لا، بل أخذ بكل الأسباب المادية المباحة من إعداد وتدريب وسلاح وخطة، وحشد للجنود، واختيار للتوقيت، وعقد الأحلاف، وتوحيد الصفوف، أخذ بكل الأسباب المادية، لكن في الوقت نفسه كان يعرف أنه لا يمكن أن ينتصر إلا إذا ك

شبهة خسارة وضرر الأيدي العاملة في المحلات الغربية

شبهة خسارة وضرر الأيدي العاملة في المحلات الغربية الشبهة الأولى: أن الأيدي العاملة في هذه المحلات وطنية 100%، وغلق المحلات سيؤدي إلى تشريد الآلاف أو الملايين على نطاق أمة المسلمين، كما سيؤدي إلى خسارة رأس المال الوطني صاحب التوكيل، وللرد على هذا نقول: 1 - نحن جميعاً متفقون أن الشركة الأجنبية ما جاءت إلى البلاد المسلمة بحدها وحديدها ومالها ورجالها وأفكارها إلا بغية الربح وجمع المال، ولم تأت حباً في مصلحة البلاد أو تأثراً بحال الفقراء، فعملنا في هذه الشركات سيؤدي حتماً إلى قوتهم وزيادة أموالهم وتوسيع أعمالهم وتثبيت دعائمهم، وهذا لا ينبغي لنا فعله إذا كنا مستيقنين بعدائهم أو بمساعدتهم لأعدائنا وبالذات في أوقات الحروب والأزمات، حتى لو كانت هناك خسارة حتمية للمسلمين. 2 - أين كان هؤلاء العمال المسلمون يعملون قبل أن تفتح الشركات الأجنبية أبوابها لهم؟ فالعامل الذي يشتغل في محل الفراخ أو البيتزا الأمريكاني كان يشتغل في محل الكباب الوطني، والذي يبيع في السوبر ماركت الغربي كان يبيع في السوبر ماركت الوطني، والذي يشتغل في محطة بنزين غربية -ومعظم رأس مالهم يهودي حتى وإن لم يكونوا أمريكان- كان يشتغل في محطة بنزين وطنية، وهكذا. 3 - الخسارة المتوقعة للعمال في فارق المرتبات، ولرءوس الأموال في الأرباح خسارة مقبولة، فنحن في حالة مواجهة لمؤامرة وحرب وكيد وتدبير من قبل أعدائنا لا لفلسطين فقط ولكن لعموم أمة المسلمين، فإذا اعتدى عدو على بلدك هل تقاتله لترده أم تقول أن القتال فيه خسارة سلاح ومال ومعمار ونفس؟ فإنك ستقاتله، والخسائر تصبح لا قيمة لها إذا قورنت برد العدوان، فالخسائر المتوقعة مقبولة؛ لأنها نوع من رد العدوان على الاقتصاد المسلم والشعوب المسلمة، ثم إن هذه الخسارة مؤقتة ولو تحسن الإنتاج المحلي وزاد لعاد الوضع أفضل مما كان عليه من قبل. 4 - نحن المسلمين نختلف عن غيرنا من البشر في أننا نعتقد تماماً أن الرزق مضمون من رب العالمين سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، فالإنسان المسلم يقتنع بأنه لم يقل رزقه الذي قسمه الله له بانتقاله من مكان إلى آخر، فإن قيل: بأن هذا أخذ بأسباب الرزق، فإننا نقول: اللهم لا تجعل رزقناً أجوراً من أعدائنا، فليس من جمال الطلب أبداً أن أطلب رزقي من قاتل إخواني. 5 - صاحب رأس المال الوطني عندما يشاهد بعد الناس عن المنتج اليهودي أو الأمريكي سيفكر ألف مرة قبل أن يأخذ توكيلاً من شركة يهودية أو أمريكية، وبذلك مع مرور الوقت سيجد أصحاب رءوس الأموال البدائل المناسبة وستدور الدورة من جديد لصالح المسلمين. 6 - ألا يشعر المسلمون بالأنفة والغيظ والهم والنكد؛ لأنهم يعملون في مصانع وشركات تؤيد اليهود سواء عن طريق الضرائب أو المساعدات المباشرة، لقد كان المصريون في السابق يأنفون من العمل في مصانع وشركات وثكنات الإنجليز؛ لأنهم كانوا محتلين للبلد، كذلك كان يفعل الليبيون مع الطليان، ويفعل الجزائريون مع الفرنسيين، فما الذي تغير؟ هل تغيرت الظروف أم النفوس؟ أليس لراحة النفس بالعمل في شركات المسلمين ثمن؟ فلو كان الثمن لهذه الراحة النفسية هو فارق المرتب فإنه ثمن زهيد حق زهيد. 7 - اعتبر فارق المرتب هذا صدقة على المجاهدين وإسهاماً في قضية فلسطين، وإنفاقاً في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وما نقص مال من صدقة)، وستعوض من طريق آخر، أو يسد عليك باب إنفاق، هذا ما لا يشك فيه مؤمن.

شبهة استعداء الشعب الأمريكي

شبهة استعداء الشعب الأمريكي أما الشبهة الثانية فهي: أننا بهذه المقاطعة نستعدي الشعب الأمريكي علينا، فالشعب شيء والحكومة شيء آخر، والرد على هذه الشبهة ما يلي: 1 - المقاومة حق مشروع لا يختلف عليه اثنان، فنحن ندافع عن اقتصادنا وبلادنا وإخواننا، وليس من المعقول أبداً أن أطلب ود قاتلي، وأنا أسعى إلى رضا ذابحي، إذا كان هناك اقتصاد سيعاني من أجل اقتصاد آخر، فإنه من واجبنا أن نهتم باقتصادنا وإخواننا ولو كان على حساب اقتصادهم دون ظلم لهم ولا عدوان، وأمريكا نفسها لما رأت السيارات اليابانية تغزو السوق الأمريكي وتؤدي إلى كساد السيارات الأمريكية في بلدها رفعت الجمارك عليها؛ لتجبر الناس على شراء المنتج الوطني، وهذا تفكير منطقي جداً لا ينكره أحد من الشعوب. 2 - لماذا الفصل بين الحكومة والشعب؟ فمن أين أتت الحكومة؟ ألم تأت من الشعب؟ أليس الشعب الأمريكي هو الذي اختار الرئيس الأمريكي والكونجرس الأمريكي أصحاب القرارات الظالمة؟ وهو الذي يوافق على الظلم الأمريكي في الاستفتاءات المتكررة؟ عاصرت مظاهرة في نيويورك قامت بها هنري كلينتون عضو الكونجرس عن دائرة نيويورك المعروفة ومعها عدد كبير جداً من الشعب الأمريكي تطالب فيها بوقف الإرهاب الفلسطيني، وتنادي أن يفك الفلسطينيون الحصار على اليهود، وشر البلية ما يضحك. 3 - الحكومة الأمريكية نفسها أتت بكثير من الشركات الأمريكية وفرضتها على كثير من دول المسلمين للتجارة أو للإعمار أو للتوظيف، وكثير من هذه الشركات كادت أن تفلس لولا تدخل الحكومة الأمريكية بفرضها على بلاد المسلمين؛ لأن نجاح هذه الشركات في النهاية هو نجاح للحكومة الأمريكية، وقوة هذه الشركات في النهاية هو قوة للحكومة الأمريكية، وبالذات الشركات العملاقة التي توزع في أنحاء الأرض بما فيها بلاد المسلمين، فتعتبر بلا مبالغة جزءًا رئيسياً من الحكومة الأمريكية.

شبهة إنعاش الشركات الأجنبية الاقتصاد الإسلامي

شبهة إنعاش الشركات الأجنبية الاقتصاد الإسلامي الشبهة الثالثة: أن هذه الشركات ستنعش الاقتصاد المسلم بإنفاقها الأموال الغزيرة داخل بلادنا وبإقامتها للمشروعات العملاقة، وللرد على هذه الشبهة نقول: 1 - هل ستنفق هذه الشركات عشرة مليون دولار -مثلاً- داخل البلد وتخرج خالية أم أنها ستخرج بدلاً من العشرة مليون بمائة مليون؟ 2 - هذا إنعاش مؤقت؛ لأنه يقوم على شفا جرف هارٍ وإلا فكيف تكون البنية الأساسية في الاقتصاد مملوكة لفريق لا يستغرب عداؤه، ولا يتوقع استمرار ولائه. 3 - ما أدراك أن وراء الأمور أموراً، وأن هذه الشركات أو المصانع أو الهيئات تهدف في النهاية إلى إضعاف أو إهلاك الاقتصاد المسلم بطريقة نعلمها أو لا نعلمها، وليس ببعيد ما فعله خبراء الزراعة اليهود الذين استخدموا أسمدةً أدت إلى إنتاج أنواع عظيمة من الفاكهة والخضروات عاماً أو عامين ثم أدت بعد ذلك إلى بوار الأرض، أو كشركات الأسمنت التي لا تستطيع أن تقيم مصانعها في بلادها خشية التلوث البيئي فتأتي بالمصانع إلى بلادنا، وعلى نفسها جنت براقش.

شبهة عدم الاستغناء عن المنتجات الأساسية التي لا تصنع إلا في الغرب

شبهة عدم الاستغناء عن المنتجات الأساسية التي لا تصنع إلا في الغرب الشبهة الرابعة: إن هناك أشياءً لا تصنع في بلادنا ولا في بلاد المسلمين، وليس لها بديل، ولا بد من استيرادها من الغرب، هنا نرد ونقول: 1 - في حالة الاضطرار الأكيد فإننا نأخذ المضطر في ذلك إلى أن يفتح الله علينا بتصنيع ما نحتاج إليه لكن لا بد أن يكون اضطراراً لا نوعاً معيناً من التحف ليس فيه اضطرار، أو أكلة معينة ليست عندنا فهذا ليس اضطراراً، بل لا بد أن يكون اضطراراً أكيداً. 2 - يوجد في العالم بدائل أخرى كثيرة وإن لم تكن من دول مسلمة لكنها لا تعلن العداء السافر للمسلمين، فلا مانع من الاستعانة المؤقتة بها إلى أن يمن الله علينا بإنتاج. 3 - لا بد أن يسعى المسلمون لا لاستيراد المنتج ولكن لاستيراد تكنولوجيا التصنيع، والتقنية التي نصنع بها المنتج بعد ذلك، بحيث يستطيع المسلمون مع مرور الوقت أن يكملوا احتياجاتهم، ثم بعد ذلك يصنعوا تقنية التصنيع وليس هذا بمستحيل. 4 - على العقول المسلمة المهاجرة إلى بلاد الغرب أن تعود إلى بلاد المسلمين، فليس من المعقول أن يبقى علماء الذرة يعلون من شأن الطاقة النووية الأمريكية، ويبقى علماء الكيمياء والفيزياء يعلون من شأن المعامل الأمريكية، ويبقى علماء الطب يعالجون الأمريكان ويتركون المسلمون في مرضهم.

شبهة عدم الاستغناء عن بعض الكماليات من المنتجات الغربية

شبهة عدم الاستغناء عن بعض الكماليات من المنتجات الغربية الشبهة الخامسة والأخيرة: أحد الناس يقول: أنا لا أستطيع أن أعيش من غير كذا وكذا من المنتجات الغربية، وآخر يقول: لا أستطيع أن أقاطع الكاتشب الأمريكية، وهو نوع معين من أنواع الصلصة المشتقة من الطماطم، فهذا شيء عجيب جداً. وآخر لا يستطيع أن يستغني عن المياه الغازية بأنواعها المختلفة، فأقول لهؤلاء: 1 - اعتبر تخليك عن هذه الأشياء هو جهاد في سبيل الله، فهو نوع من أنواع الجهاد، فاستحضر فيه النية وستؤجر، وهو اختبار، والأجر على قدر المشقة، واعلم أن من الاختبار والامتحان والابتلاء أن تقاطع ما تحب بل ما تغلغل حبه في قلبك رغبة فيما هو أعظم وهو الأجر. 2 - الإعلام يسيطر على أفكارنا بحيث تتخيل الحياة صعبة جداً بدون شيء معين معلن عنه، فعندما ترى إعلان المياه الغازية تحسب وتظن أنه لن تستقيم لك حياة ولن يصلح لك حال ولن تقوى لك عزيمة إلا بشرب المياه الغازية، ومعلوم أن كوب عصير القصب أو التمر الهندي أو الكركديه أكثر فائدة من المياه الغازية، فالأطباء دائماً ينصحون الناس بتجنب المياه الغازية، وبالذات الذي عنده قولون عصبي، ومعظم الشعب عندهم قولون عصبي، وكذا الذي عنده مشاكل في المعدة، ومعظم الشعب عندهم مشاكل في المعدة، وذكر الأطباء أن هذه المشروبات تعمل على زيادة معدل تكوين الحصوة في الكليتين، والكلام هذا حقيقي وواقعي، فلماذا ندخل أنفسنا في كل هذه المتاهات؟ لا تقاطع المشروب الغازي الأمريكي لتشرب مشروباً وطنياً تنتجه شركة من شركات الخمور الوطنية حتى لو كان خالي من الكحول، لأن فيه تقوية لشركة من شركات الخمور، ولعن الله من صنع الخمور أو باعها، بل حتى الإعلانات عنه فإن معظمها يعطي إحساساً بالفسق والفجور والانحلال، وكأنها تعلن عن خمور وليس عن مشروبات خالية من الكحول كما يقولون. 3 - ولو أن أحداً من الناس لا يستطيع فعلاً أن يقاطع منتجاً بعينه، فليقاطع المنتجات الأخرى، وما لا يدرك جله لا يترك كله.

ولا تهنوا ولا تحزنوا

ولا تهنوا ولا تحزنوا الأمة الإسلامية هي الأعلى والأعز مهما أصابها من الضعف والهوان والهزائم والنكسات؛ لأنها مرتبطة بالله عز وجل، وهذا ما ركز القرآن الكريم على غرسه في النفوس، وطبقه المصطفى صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه وقت الأزمات، فقد كان يبث في قلوبهم الأمل والتفاؤل، ويقضي على الإحباط واليأس.

المشاكل المنتشرة في بلاد العالم الإسلامي

المشاكل المنتشرة في بلاد العالم الإسلامي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين، وأسأل الله عز وجل أن يجازي خيراً كل من ساهم وأعد وحضر في هذا اللقاء. إخواني في الله! لا شك أن رمضان يأتي بفرحة على جميع المسلمين، على الصغير والكبير، وعلى الرجال والنساء، وعلى الأغنياء والفقراء، ومع أنه يأتي بفرحة على كل المسلمين إلا أننا في هذا الشهر وفي شهور رمضان السابقة نشعر في أنفسنا بغصة في الحلق؛ لأننا نرى أحوال المسلمين في بلاد العالم المختلفة فيها الكثير من المشاكل والمصائب والأزمات الطاحنة القوية الشديدة المؤثرة على سير الأمة، وليست فقط المشاكل السياسية والعسكرية في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان وفي كشمير وفي السودان وفي غيرها، ولكنها مشاكل في فروع شتى كثيرة، وهذا يصيب المسلم بنوع من الألم والأسى، فمشكلة الأمية على سبيل المثال من أكبر المشاكل فهناك أكثر من 50% من الأمة الإسلامية تعاني من الأمية التامة -عدم القراءة والكتابة-. وهناك مشاكل الفساد الإداري المنتشرة في كل بقاع العالم الإسلامي، ففي تقرير الأمم المتحدة سنة 2003م في قضايا الفساد الإداري والذي يعطي درجة من عشر درجات لكل دولة، أي أن الذي يحصل على عشر درجات من عشرة قد بلغ أعظم درجة في الشفافية والبعد عن الفساد الإداري جاء فيه أن العالم الإسلامي فيه دولة واحدة تعدت حاجز الخمسة من عشرة، وهي ماليزيا حصلت على 5. 3 من عشرة فقط، وبقية دول العالم الإسلامي كانت خمسة أو تحت الخمسة، فتونس حصلت على خمسة، وبقية دول العالم الإسلامي أكثر من ستين دولة حصلت على تحت الخمسة، ففيها يتفشى الفساد الإداري بشكل لافت للنظر. وقضايا الإنجاز العلمي والتقني في العالم الإسلامي فيها ترد كبير، فالعالم الإسلامي ينفق نسبة ضئيلة من دخله على الإنجاز العلمي، وأكبر دولة عربية تنفق على الإنجاز العلمي هي الإمارات، فهي تنفق (0. 6%) على الإنجاز التقني والعلمي -يعني: حوالي ستة في الألف- وهذه نسبة تعتبر مرتفعة نسبياً مقارنة ببقية دول العالم الإسلامي، إذ إن بقية دول العالم الإسلامي لا تنفق إلا (0. 3%) أو (0. 2%) على الإنجاز التقني والعلمي، في حين أن إسرائيل تنفق على الإنجاز التقني (2. 4%) ومصر تنفق (0. 2%)، أي: أن إسرائيل تنفق قدر مصر اثنا عشر مرة على الإنجاز التقني. وهذا كله يعطي مبررات لما نراه على الساحة، فهذه التغيرات الكبيرة جداً في العالم الإسلامي تعطي انطباعاً أن الأمة بعيدة عن القيادة والريادة. وعند النظر في كتاب الله عز وجل نجد تبايناً كبيراً بين وصف رب العالمين سبحانه وتعالى لهذه الأمة وبين الواقع الذي تعيشه أمة الإسلام، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في الأرض). ويقول ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه ملخصاً مهمة المسلمين في الأرض: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ثم إذا نظرنا إلى واقع المسلمين في هذا الوقت نجد تبايناً كبيراً، فالمسلمون اليوم لا يتبوءون المكانة التي وضعها فيهم ربهم سبحانه وتعالى. والأمم المتحدة أيضاً في تقرير آخر لها تقسم العالم حسب الإمكانيات العلمية في كل قطر إلى خمس فئات: فئة القادة، وفئة القادة المحتملون يعني: أنه من الممكن أن تصير دول قيادية مستقبلاً، والفئة الثالثة: النشطة، والرابعة: المهمشة، والخامسة: التي ليس لها أي اهتمام بقضية الإنجاز العلمي التقني. وللأسف الشديد فإن طبقة القادة كانت ثماني عشرة دولة ليس فيها دولة إسلامية واحدة، مع أن إسرائيل ضمن هذه الدول الثماني عشرة القائدة. والقادة المحتملون ثماني عشرة دولة أخرى فيها من الدول الإسلامية ماليزيا فقط. ثم النشطة فيها سبع أو ثمان دول إسلامية من أصل بضع وستين دولة إسلامية. ثم بعد ذلك المهمشة والأخيرة ويندرج فيها معظم بلاد العالم الإسلامي. هذه كلها أزمات إخواني في الله! وهي تتعارض مع وصف ربنا سبحانه وتعالى لأمتنا في كتابه، وهو سبحانه وتعالى يقول الحق المطلق فهناك خلل في الأمة في داخلها، والأمة لا تهزم مطلقاً

أساليب الخطاب في القرآن الكريم

أساليب الخطاب في القرآن الكريم وهذا الزمان الذي كثرت فيه الأخطاء ووقعت فيه المصائب على الأمة تعالوا ننظر إلى لغة الحوار والخطاب من الدعاة إلى المدعوين، ومن العلماء إلى من يعلمون، ومن المدرسين إلى تلامذتهم، ومن الأزواج إلى زوجاتهم، ومن الآباء إلى أبنائهم. نعلم أن هناك أخطاء كثيرة وجسيمة، ولكن هل هذا الزمان زمان التقريع وعد الأخطاء وجلد الظهور بالسياط وإبراز هذه المشاكل الضخمة بصورة قد تقعد صاحبها عن الحركة وعن العمل وعن إعادة الإصلاح من جديد؟ أم زمن مد اليد وبث الأمل والتفاؤل في النفوس وإعطاء الأمة فرصة جديدة للقيام؟ وهي لا شك ستقوم؛ لأن هذا وعد رب العالمين سبحانه وتعالى. كثير من الدعاة يلهبون ظهور المسلمين بالسياط قائلين لهم: أنتم فعلتم كذا وكذا، وكانوا في السابق يفعلون كذا، وأنتم تفعلون كذا وكذا، وهم كانوا يفعلون كذا، حتى يصاب المسلم بالإحباط، وإذا أحبط فمن المستحيل أن يقوم، فالمحبطون لا يغيرون؛ لأن الإنسان المحبط ليس له طاقة على التغيير، ولذلك بث الأمل في الناس أمر في غاية الأهمية. وتعالوا ننظر إلى كتاب رب العالمين سبحانه وتعالى، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). فكل شيء واضح جلي في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وفي سنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. فتعالوا ننظر إلى خطاب رب العالمين للمسلمين في حال القوة، وخطابه لهم في حال الضعف، خطابه في حال النصر وخطابه في حال الهزيمة، وخطابه في حال الانتصار والتمكين، وخطابه في حال الانكسار والمصيبة.

الإسلام لا يعترف بالإحباط واليأس

الإسلام لا يعترف بالإحباط واليأس ولقد نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الأزمات التي مرت بالمسلمين هذا النهج فقد كان يبث الأمل في قلوب المسلمين، وكان يغضب كثيراً إذا رأى إحباطاً أو يأساً في قلب مسلم مهما كانت المسببات التي تؤدي إلى ذلك، ولا يعترف بأي مسبب، فلا يجوز للمسلم أن يحبط أبداً؛ لأنه مرتبط برب العالمين سبحانه وتعالى، فالإحباط علامة على ضعف في العقيدة، وهذا لا يقبل من المسلم أبداً. وفي الفترة المكية التي كانت فترة الاستضعاف والقهر والتعذيب والبطش، والتي أصيب فيها المسلمون وقتلوا جاء خباب بن الأرت وقد كال له الكفار العذاب ألواناً رضي الله عنه وأرضاه، حتى كانوا يكوونه بالنار، فقد كانوا يحمون السيوف في النار ثم يضعونها على رأسه رضي الله عنه وأرضاه، وكانوا يحمون الفحم على الأرض حتى يحمر ويصير جمراً ثم يؤتى بـ خباب بن الأرت فيوضع فوق هذا الجمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم يأتون بصخرة عظيمة لا يحملها إلا رجال ويضعونها فوق بطنه وصدره وظهره على الجمر رضي الله عنه وأرضاه، وتحمل كل هذا رضي الله عنه وأرضاه وقد سأله سيدنا عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين وقال له: ما رأيت في الله يا خباب؟! أو ما أشد ما رأيت في الله يا خباب؟! فكشف له عن ظهره، فصرخ عمر بن الخطاب قائلاً: ما رأيت مثل هذا، فقد رأى ظهره وفيه حفر من هذه الجمرات التي كوي بها رضي الله عنه وأرضاه ومن جراء هذا التعذيب والبطش والقهر ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متوسداً بردة متكئاً في الكعبة، فقال له: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقام صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري - وهو محمر الوجه، فقد غضب صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اشتم في كلام خباب رائحة اليأس، وإلا فنحن مأمورون بالدعاء وباستنصار رب العالمين سبحانه وتعالى، وبالإلحاح على رب العالمين سبحانه وتعالى بالدعاء. فالكوي بالنار ليس مبرراً لليأس، فإن وصلت إلى ما وصل إليه خباب لا تيأس، ولا تحبط أبداً، فليس ذلك مبرراً للإحباط، وما نراه اليوم في بقاع العالم الإسلامي أهون بكثير مما فعل بـ خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه، ثم قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا الذي أصابك من الآلام لا يساوي شيئاً بالنسبة لمن سبق، فذكر له مثلاً من التاريخ، والتاريخ فيه العبر والعظات والتربية والمثل الواقعي، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إنه كان يؤتى بالرجل من قبلكم فيحفر له في الأرض حفرة ثم يوضع فيها، ثم يؤتى بالمنشار)، وتخيلوا واحداً وضع في هذا الوضع، (ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق اثنين وما يصده ذلك عن دينه)، فلو وصل الأمر إلى أن يأتي أحد بمنشار فيضعه على رأسك ليشقك اثنتين فلا تيأس، فأنت إلى الجنة صاعد بإذن الله رب العالمين إن ثبت، ومن حولك سينصرهم رب العالمين سبحانه وتعالى. وأحد المجاهدين في فتح فارس عربي بسيط لا نعرف اسمه ولكن الله عز وجل يعلمه أسره رستم قائد الفرس وقال له: ما الذي دعاكم إلى الولوغ في بلادنا؟ فقال الرجل في ثبات -وهذه الرواية ينقلها أحد الفرس الذين أسلموا-: جئنا نبحث عن موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال: أرضكم ودياركم وأموالكم إن لم تؤمنوا بالله عز وجل. فقال رستم: إذاً تقتلون دون ذلك، فقال الرجل في يقين: من مات منا دخل الجنة، ومن بقي منا ظفر عليكم. فهذا وعد رب العالمين سبحانه وتعالى إما النصر وإما الشهادة، وهذا واضح في كتاب ربنا وفي أحاديث حبيبنا صلى الله عليه وسلم. فقال له رستم: إذا وضعنا في أيديكم -يسخر منه- يعني: نحن في كلا الحالين ضائعون، فقال: أعمالكم وضعتكم في أيدينا. فقتله رستم ومات رضي الله عنه وأرضاه، نسأل الله عز وجل أن يجعله في أعلى عليين. ثم يقول له صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت الذي يعذب فيه المسلمون في مكة وقد حصروا في قرية صغيرة لا ترى على خارطة الأرض في ذلك الوقت: (والله)، وهو لا يحتاج إلى قسم صلى الله عليه وسلم، فهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ ولكن من أجل أن يزرع هذا المعنى زرعاً في قلوب المسلمين في كل زمان ومكان وإلى يوم القيامة، (والله ليتمّن الله هذا الأمر)، فهذا الدين لا بد أن يتم وينتشر ويسود ويقود الأرض بكاملها، (والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). يا ألله! خباب بن الأرت بعد كل هذا العذاب يستعجل! ما بالك بالذي يستعجل قبل كذا بآلاف الخطوات ماذا يكون؟! فلا تستعجلوا فالعاقبة للمتقين، وهذا لا شك فيه، فهو وعد رب العالمين سبحانه وتعالى، فثبت خباب رضي الله عنه وأرضاه، فقد ذكّره بالتاريخ وبث

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في الأزمات

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في الأزمات

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في غزوة الأحزاب

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في غزوة الأحزاب وفي غزوة الأحزاب لما حوصرت المدينة المنورة بعشرة آلاف، ووصل الموقف إلى درجة من الشدة حتى قال بعض المحاصرين: كان الرجل فينا لا يأمن على قضاء حاجته، فقد كانوا في حصار ومصائب وكوارث وحروب ومع ذلك لما عرضت لهم صخرة شديدة وذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء إليهم وأمسك بالمعول وضرب الحجر ضربة فانكسر ثلث الحجر، وتطاير الشرر، فقال صلى الله عليه وسلم لصحابته: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء من مكاني هذا). فبشرهم بفتح الشام وهم محصورون في المدينة المنورة، وعجيب جداً أن يذكر ذلك الكلام في ذلك الموضع، (ثم قال: باسم الله وضرب الضربة الثانية فتكسر ثلث الحجر وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم ضرب الضربة الثالثة فقلع بقية الحجر فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر صنعاء من مكاني هذا). فبشرهم بفتح اليمن وفارس والشام وهم في ذلك الحصار، والمسلمون يسمعون ويصدقون، والمنافقون يقولون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12]، وأما المؤمنون فلما رأوا الأحزاب {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]، وهذا الإيمان والتسليم واليقين هو الذي قادهم إلى فتح هذه البلاد.

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في الفترة المكية

بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في الفترة المكية كان صلى الله عليه وسلم يمر على مجالس قريش ويقول لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم)، فكان يخاطبهم بذلك في الفترة المكة ويبشر المسلمين المحصورين في الفترة المكية بسيادة الأرض وملك العرب والعجم، أي: فارس والروم أكبر دولتين في الأرض في ذلك الزمن، وكانتا تقتسمان العالم في ذلك الزمن، النصف الشرقي فارس، والنصف الغربي الروم، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم في زمان الاستضعاف والقهر والتعذيب والبطش والإحاطة من الكفار للمسلمين كالسوار حول المعصم الفترة المكية يبشر ويبث الأمل في قلوب المسلمين. ثم مكن الله عز وجل الذي قال: لا إله إلا الله من أهل مكة من فتح هذه البلاد ومن نشر دين الله في ربوع الدنيا، وأما الذي لم يقلها فقد سحب في قليب بدر بعد ذلك مشركاً كافراً، وقد كان الفارق بين هذه الكلمات وبين معركة بدر ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة فقط، وليس بشيء في عمر الأمم إخواني في الله، فمن الممكن في الوقت الحاضر بعد ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة فقط -وليس ذلك على الله بعزيز- أن تكون أمة الإسلام هي الأمة الرائدة في الأرض، وهذا بيد الله عز وجل، ولكن {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]. و (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا). والقول لا يكون فقط باللسان ولكن بالفعل، أن تعرف معنى لا إله إلا الله، وترتبط بالله عز وجل، فلا تلجأ إلا إليه، ولا تطلب إلا منه، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه وتعالى. هذه هي لا إله إلا الله الحقيقية التي أرادها منا ربنا سبحانه وتعالى، فإن قلناها بهذا المفهوم فتح الله علينا بلاد الأرض جميعاً، وملكنا الأرض في الدنيا، وأعطانا في الآخرة الجنة. وفي أشد لحظات المعاناة خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف بعد أن أغلقت أمامه أبواب الدعوة تماماً في مكة، وكانت أول مرة يخرج فيها صلى الله عليه وسلم من مكة إلى غيرها؛ لأنه في السابق كان هناك مجال للدعوة داخل مكة، وأما الآن فلا يوجد مجال الدعوة، فقد أغلقت القلوب تماماً بعد موت أبي طالب وبعد موت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وسمي ذلك العام بعام الحزن، ولم يدخل في ذلك العام رجل واحد في دين الله عز وجل من أهل مكة. ودعا صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن يخرج إلى الطائف بدعاء ما دعا به مطلقاً قبل ذلك في مكة؛ تعبيراً عن عدم توقعه لإيمان أي أحد من هؤلاء الذين ذكرهم في الدعاء، ففي العام العاشر من البعثة وقف صلى الله عليه وسلم في وسط الكعبة ورفع يده إلى السماء وقال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بـ عتبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ شيبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ أبي جهل، اللهم عليك بـ أمية بن خلف، اللهم عليك بـ عقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بـ الوليد بن المغيرة)، وعد السابع فلم يحفظ، وفي رواية أنه: (عمارة بن الوليد) وقبل هذا كان يقول: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام)، ثم خرج صلى الله عليه وسلم في هذا الجو الصعب إلى الطائف، وفي الطائف وجد ما نعرفه جميعاً من صد عن سبيل الله ومن إلقاء الحجارة عليه وعلى زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، ومن إلقاء التراب فوق رأسه الكريم صلى الله عليه وسلم، وما آمن رجل واحد داخل الطائف، وظلوا يتابعونه صلى الله عليه وسلم خمسة كيلو خارج الطائف، ويجرون وراءه صلى الله عليه وسلم وهو يسرع الخطى ومعه زيد بن حارثة رضي الله عنه، ثم دخل حائطاً لـ عتبة بن ربيعة الذي دعا عليه، وكانت الحالة التي أصابته صلى الله عليه وسلم قد جعلت قلب الكافر يرق له وتحرك فيه عاطفة الرحم، فبعث له عنقود عنب صلى الله عليه وسلم، ولم يخرج من كل هذه الزيارة إلا بـ عداس رضي الله عنه وأرضاه، فقد آمن عداس الغلام النصراني، ثم خرج من الحديقة متجهاً نحو مكة، والمسافة بين مكة والطائفة مائة كيلو متر مشاها صلى الله عليه وسلم على الأقدام، قال صلى الله عليه وسلم: (فانطلقت مهموماً على وجهي)، أي: أنه في قمة الألم، (فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب). والمسافة بين قرن الثعالب وبين الطائف 35 كيلو متراً، فكل هذه المسافة لم يشعر بها صلى الله عليه وسلم، فقد كان في شبه إغماء، ومع كل هذه المعاناة فقد رجع مرة أخرى إلى مكة وهو في حالة من الضيق؛ إذ كيف سيدخل مكة وقد ذهب إلى الطائف يطلب النصرة منها على أهل مكة، وقد رآه عتبة بن ربيعة فهذا أمر صعب جداً. حتى قال له زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه: كيف تدخل مكة وقد أخرجوك؟ إلا

أساس دعوة الإسلام تغيير القلوب

أساس دعوة الإسلام تغيير القلوب وعندما جلس صلى الله عليه وسلم يحادث بني شيبان وكان رأسهم أربعة منهم: المثنى بن حارثة رضي الله عنه وكان لا يزال مشركاً، وقد كانوا وفداً في منتهى الأدب، فاستمع المثنى إلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام واقتنع به ولكنه كان خائفاً خوفاً شديداً لأنهم بجانب العراق التابعة لفارس، فقال المثنى: نحن ننصرك من العرب، لكن فارس لا نستطيع، فإنا نزلنا على عهد مع ملك فارس أن لا نحدث حدثاً ولا نؤي محدثاً، أي: لا نعمل شيئاً جديداً ولا ندافع عن أحد أتى بشيء جديد، وإنا نرى أن ما أنت عليه مما تكرهه الملوك، فلا نستطيع أن ندافع عنك ضد فارس، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق). ورفض صلى الله عليه وسلم هذا العرض المغري بأن تدافع عنه بنو شيبان ضد كل العرب دون فارس؛ لأنهم يشترطون شرطاً يدل على غياب العقيدة في النفوس، ثم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة في منتهى الدقة والأهمية، فقال: (إن هذا الدين لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه)، أي: من أخذه كاملاً وأما غير ذلك فلا ينفع، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85]. فهل ستدافع عني ضد قريش وثقيف وبني أسد ولا تدافع عني ضد فارس؟ فهل أنت تقاتل من أجل الله عز وجل أو من أجل نفسك؟ فإن خلصت النوايا فأنت لله في أي مكان، (إن هذا الدين لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه)، ثم قال لهم كلمة في غاية الأهمية، قال لهم: (هل رأيتم إن تلبثون إلا قليلاً حتى يفرشكم الله أرضهم وديارهم ونساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟)، أي: سيأتي يوم يعطينا ربنا سبحانه وتعالى كل فارس فهل ستدخلون حينها في هذا الدين؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذلك. أي: لو حصل ذلك فسندخل معك حينها، وهذا تعبير يدل على أنه ليس مقتنعاً، وتمر الأيام ويتحقق وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وبعد أن كان الذي يدخل إيوان كسرى ولجلس على بعد خمسة عشر متراً منه يعتبر ذلك شرفاً له أبد الدهر، بمجرد أنه دخل عليه ولو لم يقعد بجانبه ولم يتكلم معه، بل كان يدخل إيوان كسرى يضع على وجهه غلالة من القماش الأبيض حتى لا تلوث أنفاسه الحضرة الملكية فقد كانت مكانة كسرى عندهم مكانة عظيمة، وكبيرة جداً، ولا يمكن أن يتصوروا أن يغزوا فارس ولا يخطر على بالهم ذلك أبداً. وتمر الأيام ويسلم المثنى بن حارثة الذي كان يخشى فارس وكان صاحب حزب بني شيبان، فكان من قواد المسلمين في فتح فارس، وكان الذراع الأيمن لـ خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه في كل مواقع العراق فـ المثنى بن حارثة لم تختلف مهارة العسكرية ولا قوته الجسدية، وإنما الذي اختلف أن قلبه ارتبط برب العالمين سبحانه وتعالى فتغير تماماً، وأصبح ملك فارس عنده هيناً حقيراً بسيطاً؛ لأنه يرتبط برب العالمين سبحانه وتعالى. وهذه هي النفسية التي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها أصحابه، كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه ويقول لهم كما روى الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه: (إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها). ومن الخطورة أن تشك أن ملك أمة الإسلام سيصل إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن الحرب في حقيقتها بين الله عز وجل وبين من خرج ومرق عن دينه سبحانه وتعالى، وليس لأحد بحرب الله طاقة. والله سبحانه وتعالى دائماً ينسب إلى نفسه المكر والكيد والنصر، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16]، فينسب إلى نفسه سبحانه وتعالى {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:16]. وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل:50]، هكذا ينسب إليه سبحانه وتعالى. وقال تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال:17]، فالذي يشك في نصر الله عز وجل كأنه يشك في قدرته عز وجل، والذي يقول: إن الحرب الآن مختلفة عن الأزمان السابقة، فهي الآن حرب ذرية وحرب صواريخ وأقمار صناعية، وفي الماضي كانت الأمور بسيطة كأنه يقول: إن الله عز وجل كان قادراً على فارس والروم وهو ليس بقادر على غيرهم، وحاشا لله. فالحرب في حقيقتها هي بين الله عز وجل وبين من مرق عن دينه من عباده الضعفاء، وكل الأرض بكاملها في قبضته سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. هو المعنى الذي زرعه صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحاب

ركون الأمة إلى الدنيا سبب في ضعفها وهوانها

ركون الأمة إلى الدنيا سبب في ضعفها وهوانها واحذروا من قاعدة في منتهى الخطورة، وسنة من سنن الله اسمها سنة الاستبدال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38 - 39]، فإن تولى المسلمون استبدلهم الله عز وجل، ويكون الاستبدال على مستوى الفرد والجماعة والأمة بكاملها، فلا بد أن ينتصر دين الله عز وجل، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55]، بشرط: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]. وهذا وعد من الله عز وجل، والذي يشك في هذا الوعد فهو يشك في قدرة رب العالمين سبحانه وتعالى، وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، فهذه كلها دلائل على أن نصر الله عز وجل لا بد أن يتحقق لمن يعمل لله عز وجل؟ والله عز وجل مع أنه رفع الهمة وبث الأمل ونشط المسلمين فقد علم المسلمين المنهج الواقعي في معالجة الأمور، فليس معنى رفع الهمة الغفلة عن الأخطاء وعدم ذكر العيوب، لا، فلابد أن نذكر ولكن بصيغة لطيفة، ولنرفع الهمة ونصلح الأوضاع، ولنكن إيجابيين نكتشف الأخطاء ونصلحها ونرفع الهمة عند المسلمين، ولا نقرع الأبدان، ولا نلهب الظهور بالسياط، ولكن بلطف وبرقة وببث الأمل. يقول الله سبحانه وتعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]، فهو يضع أمام المسلمين السبب الرئيسي للهزائم في الدنيا، {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]. وأول آية بعد معركة بدر هي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال:1]. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه واصفاً داء الأمة الخطير: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، أي: أن أهل الأرض يجتمعون على أمة الإسلام ليأكلوا منها، بل ويدعو بعضهم بعضاً للأكل منها، فلا تكتفي أمة بالأكل من أمة الإسلام ولكن تدعو غيرها للأكل من أمة الإسلام. (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول في عون المعبود شرح سنن أبي داود: الغثاء: هو الوسخ الذي يعلو السيل، إذا شرّق السيل شرّق، وإذا غرّب السيل غرّب، وليس له إرادة، فهو لا يتحرك بإرادته، ولكن يتحرك بإرادة السيل، أينما ذهب السيل فهو معه. (ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم). فالأعداء يرون المسلمين ملياراً وثلث المليار ولا يكترثون بهم. (ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم، وليلقين في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الموت)، وحب الدنيا: أن يتمسك الإنسان بالدنيا ويحبها ويرتبط بها، ويكره أن يموت، ويكره لقاء الله عز وجل والموت والشهادة في سبيله الله عز وجل، فإذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة كانت النكبات والكوارث والمصائب على رأسها، فالدنيا خطيرة، ولما فقه المسلمون قيمة الدنيا وعلموا أنها فانية زائلة، وأن الفائز حقاً هو من انتصر على نفسه وغلب دنياه وعاش لله عز وجل فقط فتح الله عليهم الدنيا بكاملها، وأعطاهم إياها وهم يزهدون فيها. ولقد فسر لنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه كيف كان ينتصر عندما بعث رسالة إلى هرمز يقول له فيها: أسلم تسلم، أو اختر لنفسك ولقومك الجزية، وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. فالجيش والشعب الذي يحب الموت في سبيل الله، والأمة التي تحب الموت في سبيل الله هي الأمة التي يكتب لها الله عز وجل النصر، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. وختاماً:

ركون الأمة إلى الدنيا سبب في ضعفها وهوانها

ركون الأمة إلى الدنيا سبب في ضعفها وهوانها واحذروا من قاعدة في منتهى الخطورة، وسنة من سنن الله اسمها سنة الاستبدال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38 - 39]، فإن تولى المسلمون استبدلهم الله عز وجل، ويكون الاستبدال على مستوى الفرد والجماعة والأمة بكاملها، فلا بد أن ينتصر دين الله عز وجل، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55]، بشرط: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]. وهذا وعد من الله عز وجل، والذي يشك في هذا الوعد فهو يشك في قدرة رب العالمين سبحانه وتعالى، وهو القائل سبحانه وتعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، فهذه كلها دلائل على أن نصر الله عز وجل لا بد أن يتحقق لمن يعمل لله عز وجل؟ والله عز وجل مع أنه رفع الهمة وبث الأمل ونشط المسلمين فقد علم المسلمين المنهج الواقعي في معالجة الأمور، فليس معنى رفع الهمة الغفلة عن الأخطاء وعدم ذكر العيوب، لا، فلابد أن نذكر ولكن بصيغة لطيفة، ولنرفع الهمة ونصلح الأوضاع، ولنكن إيجابيين نكتشف الأخطاء ونصلحها ونرفع الهمة عند المسلمين، ولا نقرع الأبدان، ولا نلهب الظهور بالسياط، ولكن بلطف وبرقة وببث الأمل. يقول الله سبحانه وتعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]، فهو يضع أمام المسلمين السبب الرئيسي للهزائم في الدنيا، {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]. وأول آية بعد معركة بدر هي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال:1]. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه وأرضاه واصفاً داء الأمة الخطير: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، أي: أن أهل الأرض يجتمعون على أمة الإسلام ليأكلوا منها، بل ويدعو بعضهم بعضاً للأكل منها، فلا تكتفي أمة بالأكل من أمة الإسلام ولكن تدعو غيرها للأكل من أمة الإسلام. (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول في عون المعبود شرح سنن أبي داود: الغثاء: هو الوسخ الذي يعلو السيل، إذا شرّق السيل شرّق، وإذا غرّب السيل غرّب، وليس له إرادة، فهو لا يتحرك بإرادته، ولكن يتحرك بإرادة السيل، أينما ذهب السيل فهو معه. (ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم). فالأعداء يرون المسلمين ملياراً وثلث المليار ولا يكترثون بهم. (ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم، وليلقين في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟! قال صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الموت)، وحب الدنيا: أن يتمسك الإنسان بالدنيا ويحبها ويرتبط بها، ويكره أن يموت، ويكره لقاء الله عز وجل والموت والشهادة في سبيله الله عز وجل، فإذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة كانت النكبات والكوارث والمصائب على رأسها، فالدنيا خطيرة، ولما فقه المسلمون قيمة الدنيا وعلموا أنها فانية زائلة، وأن الفائز حقاً هو من انتصر على نفسه وغلب دنياه وعاش لله عز وجل فقط فتح الله عليهم الدنيا بكاملها، وأعطاهم إياها وهم يزهدون فيها. ولقد فسر لنا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه كيف كان ينتصر عندما بعث رسالة إلى هرمز يقول له فيها: أسلم تسلم، أو اختر لنفسك ولقومك الجزية، وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. فالجيش والشعب الذي يحب الموت في سبيل الله، والأمة التي تحب الموت في سبيل الله هي الأمة التي يكتب لها الله عز وجل النصر، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. وختاماً:

رمضان وبناء الأمة

رمضان وبناء الأمة رمضان عامل بناء عظيم للأمة، فعلى الأمة ألا تضيع هذا العامل الهام جداً، بل تقوم باستغلال هذا العامل استغلالاً صحيحاً؛ ليؤدي مفعوله، وتظهر نتائجه، فالأمة في أشد الحاجة إلى إعادة بنائها البناء الصحيح المتكامل، وفق شرع الله عز وجل؛ حتى تستعيد سيادتها وقيادتها لسائر الأمم، فهي الأمة المستحقة لأن تسود العالم وتقوده.

دور رمضان في بناء الأمة

دور رمضان في بناء الأمة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا الجمع المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين. وبعد: كما تعلمون فنحن وأمة الإسلام جميعاً نعيش لحظات عظيمة من السعادة؛ لأننا نقترب من حدث جليل، حدث يفيض على أمة الإسلام كل عام باليُمن والبركات والخير والرحمة، حدث ينتظره الكبير والصغير، ينتظره الرجل والمرأة، ينتظره الغني والفقير، ألقى الله عز وجل محبته في قلوب المؤمنين جميعاً، حتى في قلوب الأطفال، نحن ننتظر شهر رمضان، ونحن نرى إلى أي حد تكون سعادة الأطفال برمضان، وهم لا زالوا لا يعرفون صياماً ولا قياماً ولا ثواباً ولا حسنات، نرى انتظار الناس لرؤية الهلال وإلى أي حد تكون الفرحة في القلوب عندما نعلم أن رمضان غداً. شهر رمضان يا إخوة عظيم جداً في ميزان الإسلام، فتعالوا نرى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحدث الجليل، روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه). هناك أحداث ضخمة حصلت وستحصل في هذا الشهر، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تغييرات كونية هائلة: أولاً: (تفتح فيه أبواب الجنة). ثانياً: (وتغلق فيه أبواب الجحيم). ثالثاً: (وتغل فيه الشياطين). إذاً: فيه فرص لعمل الخير، ودخول الجنة، والنجاة من النار، والانتصار على الشياطين، فرص كبيرة جداً في رمضان، وهو شهر رحمة من الله عز وجل، يعود فيه المؤمن إلى ربه، ويهدم فيه المؤمن كل ما بناه إبليس وأتباعه في شهور طويلة، ثم هو هدية من الرحمن عز وجل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: (فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، وأنا في رأيي أن نترك تحديد ليلة القدر بثلاث وثمانين سنة كما تقول الناس، إنما الأمر في تقدير الله عز وجل، والأمر للتعظيم والتبجيل والتكريم، والموفق لخير هذه الليلة هو من وفقه الله عز وجل، وليس كل الناس ستعرف ليلة القدر، وليس كل الناس ستستغل ليلة القدر. إذاً: الموفق هو من بذل وتعب وسهر وقدم لإدراك تلك الليلة، هو من اشتاق إليها اشتياقاً حقيقياً، ننتظر ليلة القدر، هو من كان قبل رمضان يحسب الحسابات كم بقي من الأيام على مجيء رمضان، هو من ظل أثناء رمضان يخشى أن ينتهي الشهر الكريم، عنده استعداد كبير لحدث كبير. نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه إلى صالح العمل، وأن يهبنا فيه رحمة ومغفرة وعتقاً من النار. حديثي معكم اليوم عن رمضان ليس حديثاً تقليدياً لن أتحدث عن أحكام رمضان، ولن أتحدث عن فضائل رمضان، ولن أتحدث عن آداب رمضان، ولكن سأتحدث معكم اليوم عن دور رمضان في بناء الأمة الإسلامية، حديثي معكم اليوم من القلب، وأسأل الله عز وجل أن يصل أيضاً إلى القلب. الأمة الإسلامية يا إخواني صرح عظيم هائل، وبناء الأمم بصفة عامة أمر شاق مهول، فما بالكم لو كنا نبني خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. ما بالكم لو كنا نبني الأمة الشاهدة الوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، هذا البناء الضخم يحتاج إلى مجهود عظيم وتفكير عميق وإمكانيات هائلة، كما أنه يحتاج إلى أساس متين قوي يستطيع أن يحمل فوقه البناء الهائل، فأي عمارة ضخمة تحتاج إلى أساس متين، والله عز وجل وضح لنا في شرعه كل شيء، وضح لنا كيف يكون الأساس لهذا الصرح العظيم، صرح الإسلام. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) ها هو البناء يبنى على أساسات وأعمدة خمسة: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)، خمسة أعمدة رئيسية منها: صوم رمضان، هذا أمر في غاية الأهمية. الإسلام دين واسع جداً، دين يشمل كل أمور الحياة، يشمل عقيدة وصلاة وصوماً وحجاً وعمرة، يشمل زكاة وصدقة واعتكافاً وقياماً، ويشمل علوماً مختلفة وآداباً عديدة، وفضائل جمة، يشمل بيوعاً ومعاملات وتجارة وزراعة وصناعة، يشمل حروباً ومعاهدات وأحلافاً

إرهاصات ما قبل فرض صيام رمضان ودورها في بناء الأمة

إرهاصات ما قبل فرض صيام رمضان ودورها في بناء الأمة عندما كنت أراجع الأحداث التي تمت في شهر شعبان سنة (2هـ) اكتشفت أنه قد حدثت في هذا الشهر أمور كثيرة من أعظم الأمور التي مرت في تاريخ المسلمين، أذكر أنني أحصيت لكم منها أربعة أمور في دروس السيرة النبوية، وهي أمور في غاية الأهمية، وكلها حدثت في شهر شعبان سنة (2هـ) وهذه الأمور هي: أولاً: فرض الصيام في رمضان، هذا الموضوع الذي نتكلم فيه في هذا النهار. ثانياً: فرض الزكاة، الزكاة كانت مفروضة في مكة، لكن من دون تحديد للنصاب والأحكام المختلفة، فحدد ذلك في شعبان سنة (2هـ). ثالثاً: فرض القتال على المسلمين بعد أن كان مأذوناً به فقط، قال الله عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة:190]، نزلت في شعبان. رابعاً: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في النصف من شعبان سنة (2هـ). هذه أحداث في غاية الأهمية وكلها حدثت في شهر واحد في شهر شعبان سنة (2هـ) لماذا؟ لأنه في شهر رمضان (2هـ) سيحدث أمر هام جداً يحتاج إلى كثير إعداد وإلى عظيم تربية، ستحدث غزوة بدر الكبرى، في (17) رمضان سنة (2هـ). إذاً: هذه الأمور الأربعة هي لإعداد الجيش المجاهد الذي سيدخل في المعركة الفاصلة، هذه الأمور الأربعة شرعت لبناء الأمة المجاهدة، الأمة التي يرجى لها أن تنتصر على غيرها من الأمم، الأمة التي تقود غيرها لا تقاد بغيرها، الأمة التي تسود غيرها لا تساد بغيرها.

رمضان وتنقية الصف المسلم

رمضان وتنقية الصف المسلم من الأمور الإعدادية البنائية لصيام رمضان، يا ترى ما هو الذي سيعمله رمضان في إعداد الجيش المجاهد، أو في إعداد الأمة المجاهدة، أو في إعداد الأمة الرائدة؟ رمضان في تصوري سيفعل ثلاثة أشياء: تنقية، وتميز، وتربية، ماذا يعني هذا الكلام؟ أولاً: رمضان وتنقية الصف المسلم، رمضان سيعمل تنقية للصف المسلم، رمضان سيزيل الشوائب من الصف المسلم، كثير من الناس يتسمى بأسماء إسلامية ومحسوب على أمة الإسلام وهو لا يحمل همها، كثير من الناس أسلموا رغباً أو رهباً، أو ولدوا هكذا مسلمين ولم يكن لهم اختيار ولم يكن لهم رغبة حقيقية في الإسلام، والأمور في حالات السلم والرخاء قد لا تكون شديدة الوضوح، ولكن في وقت الجهاد والجد والحرب ولقاء الأعداء لا بد أن يكون الصف ثابتاً، ولا يثبت في أرض الجهاد إلا صادق الإيمان، لا بد من انتقاء المسلمين الصالحين للثبات وللجهاد، لا بد من انتقاء المسلمين الصالحين لدخول بدر الكبرى، وانتقاء الصالحين كذلك لدخول ما شابه بدراً الكبرى، الكل يقول: أنا مسلم ثابت؛ لكن أين الصادقون؟ وأين الكاذبون؟ لا بد من اختبار وامتحان، ورمضان هو اختبار هام يحدث خلاله وبعده تنقية للصف المسلم من الشوائب، الذي سيفشل في الامتحان لا تبن عليه حساباتك، الذي يثبت في رمضان سيثبت إن شاء الله في غيره، ولكي يكون الاختبار حقيقياً لا بد أن يكون صعباً، يا ترى ما هي صعوبة رمضان؟ صعوبة رمضان ترجع إلى أمور: منها: أنه فرض، وطبيعة الناس أنها تنفر من الفروض والتكليفات. ومنها: أنه شهر كامل متصل، والأعذار فيه محدودة، وليس لك بديل إلا بعذر مقبول شرعاً. قد يأتي رمضان في الحر، قد يأتي في وقت تزدحم فيه الأعمال عليك، قد يأتي في وقت تكثر فيه مشاغلك وهمومك، شهر كامل متصل محدد لا يصلح الذي قبله ولا الذي بعده بدلاً عنه، وأيضاً هو صعب؛ لأنه خروج عن المألوف، شهوة الطعام والشراب والجماع، هي شهوات مزروعة في داخل كل إنسان، في رمضان ستخرج خروجاً تاماً عن المألوف ستجوع ستعطش ستتعب ستنهك، ولكن يجب أن تصبر، وأصعب من كل ذلك أن تصوم صياماً حقيقياً كما أراد الله عز وجل، ليست المسألة في رمضان مسألة طعام وشراب وشهوة فقط، ولكن الأمر أكبر من ذلك، الاختبار أصعب من ذلك، على سبيل المثال: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). وفي رواية أيضاً في البخاري وأبي داود وأحمد: (من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل)، أي: الجهل على الناس، أو صفات الجهل بصورة عامة: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). إذاً: لا بد أن تدرك أنك في رمضان ستدخل في اختبار صعب، إن نجحت فيه كنت مؤهلاً لحمل الأمانة ولبناء الأمة، وإن فشلت فليس لك مكان في الصرح العظيم، ليس من المعقول لفرد مسلم مؤمن يدخل في اختبار عظيم كاختبار رمضان أن يقضي الساعات الطوال أمام التلفاز مثلاً، أو في حل (الفوازير) في الجرائد والمجلات، أو حتى في الطعام والشراب الحلال في وقت الإفطار، ليس من المعقول أن يقضي المسلم الواعي الأوقات الطويلة في لعب الكوتشينة والطاولة وما شابه ذلك، بحجة أنه يسلي نفسه، ليس من المعقول أن يذهب الصائم إلى عمله متأخراً ويخرج منه مبكراً، ويقضي نصف نهاره نائماً، والسبب أنه صائم. اعلم أخي المسلم! أن رمضان اختبار لتنقية صف المسلمين، من الذي يختبرك؟ إنه الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. رمضان اختبار دقيق، فكل لحظة وكل ثانية هناك تقييم رباني أو تقويم رباني لأدائك في رمضان، يا ترى كم ستأخذ في المائة في امتحان رمضان؟ يا ترى لو أنت مستشعر فعلاً أن الله عز وجل يراقبك في امتحان رمضان ماذا ستفعل في رمضان؟ إذاً: ربنا ينقي الصف المؤمن الثابت في رمضان، فانتبه انتبه أن تكون من المطرودين، أو أن تكون مليئاً بالشوائب، فرمضان فرصة عظيمة لإثبات الوجود، فرصة عظيمة لبناء الأمة الإسلامية، وقد يقول شخص لي: أنت تقول: الأمة الإسلامية، الأمة الإسلامية، هل أنا الذي سأصنع الفارق مع بناء الأمة الإسلامية؟ أقول له: نعم يا أخي أنت الذي ستصنع الفارق، الأمة وإن كانت كلمة كبيرة إلا أنها مجموعة أفراد، الأمة هي أنا وأنت وأخي وأخوك وابني وابنك، وأختي وأختك، وبنتي وبنتك، هذه هي الأمة، وبعد ذلك لو لم يكن هناك أهمية لهذا لدى الأمة، فليكن له أهمية عندك أنت شخصيًا: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]. إذاً: أول شيء نعرفه عن رمضان أنه اختبار دقيق يراقب الله عز وجل فيه أفعال العباد، فينتقي الصالحين ويطرد الفاسدين، و

رمضان والتميز

رمضان والتميز الوسيلة الثانية من وسائل رمضان لبناء الأمة الإسلامية: هي التميز. إلى أي حد جميل أن يشعر المسلمون بالتميز عن غيرهم، وبالهوية الإسلامية، كان المسلمون في السنة الأولى في المدينة المنورة يصومون يوم عاشوراء مع اليهود، وكان فرضاً على المسلمين، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه - أي: يوم عاشوراء -، ومن شاء تركه). الآن بعد فرض صيام رمضان ستتميز الأمة الإسلامية عن غيرها، ستصوم شهراً خاصاً بها، من المؤكد أنها ستشعر بالعزة لهذا التميز، وأيضاً في نفس الشهر الذي فرض فيه صيام رمضان وهو شهر شعبان سنة (2هـ) ستحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، تميز جديد قبلة واحدة لكل المسلمين، وليست لأحد إلا للمسلمين، وهذا الشعور بالتميز وبالهوية الإسلامية أداة حتمية من أدوات النصر والتمكين؛ فالأمة التي تشعر بأنها تبع لغيرها أمة لا تسود ولا تقود، والأمة التي ألفت أن تقلد غيرها وتتبع سننهم وتسير على مناهجهم وتعمل بعاداتهم ومعتقداتهم هي أمة لا تستحق القيام، أمة منهارة، أما أمة الإسلام الحقيقية فهي أمة متميزة لها هويتها الخاصة، ولها شكلها المعروف، ولها سماتها الأصيلة، ولها صفاتها المحددة. وهكذا فإن رمضان يشعر المسلمين بالتميز عن غيرهم، وهذا من شأنه أن يعلي الهمم ويقوي من العزائم ويربط على القلوب. إذاً: هذه كانت الوسيلة الثانية من وسائل رمضان لبناء الأمة الإسلامية: التميز عن غيرها من الأمم.

رمضان والتربية

رمضان والتربية الوسيلة الثالثة الهامة جداً من وسائل رمضان لبناء الأمة الإسلامية: التربية، هذه التربية في الحقيقة ستأخذ منّا وقتًا؛ لأنها نقطة في غاية الأهمية. فالصف المسلم الذي يؤهل لقتال في بدر أو فيما شابه بدراً يحتاج لنوع خاص جداً من التربية، ورمضان يقوم بهذه المهمة، ليس أي شخص يا إخوة يستطيع أن يجاهد، ليس أي شخص يستطيع أن يضحي، ليس أي شخص يستطيع أن يثبت، رمضان إن صمته كما أراد الله عز وجل لك أن تصومه رباك لتكون أهلاً لهذه المهمة، رباك لتكون أهلاً لحمل الأمانة، رباك لتكون حجراً راسخاً في صرح الأمة العظيم.

التربية على كف الشهوات والتحكم فيها

التربية على كف الشهوات والتحكم فيها ثانياً: رمضان يربي المسلمين على كف شهواتهم، أو قل على التحكم في شهواتهم، إلى أن تجعل في مكانها الصحيح، تدريب عظيم على عمل نبيل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) (لحييه) هما العظمان في جانب الفم، وبين هاتين العظمتين اللسان والفم، فيشمل ذلك الكلام، والطعام، والشراب، وما بين الرجلين: الفرج، فما هو دور رمضان في هذا الأمر؟ رمضان يدرب المؤمن تدريباً عظيماً على حفظ هذه الأشياء جميعاً. استمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه)، لاحظ الصيام منع الطعام: (ما بين لحييه)، والشهوات: (ما بين رجليه)، (ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه - أي: جعلته يسهر في قيام الليل- فيشفعان)، تدريب عظيم على التحكم في الشهوات. ومعلوم أن المؤمن يمتنع في رمضان عن أمور هي في أصلها حلال ولكن حرمت في نهار رمضان فقط، وهي حلال سائر العام، بل هي حلال في ليل رمضان: الطعام بأنواعه، والشراب بأنواعه، والجماع مع الزوجة، فالذي يستطيع أن يمنع نفسه من أمور حلال اعتاد عليها سيكون أقدر بعد ذلك على منع نفسه من أمور حرام، لا شك أنه سيكون أقدر على منع نفسه من الطعام الحرام، والشراب الحرام، والعلاقات المحرمة، وهكذا. وهذا سؤال هام: ما هو دور التحكم في الشهوات في بناء الأمة المجاهدة؟ ما هو دور التحكم في الشهوات في بناء الفرد الصالح للانتصار والتمكين؟ يا ترى لماذا الفرد المجاهد يحتاج أن يتدرب جيداً في مدرسة الصيام؟ ما هي علاقة الجهاد بالصيام؟ الجهاد يا إخوة مشقة شديدة، وستأتي على الأمة المجاهدة أوقات لا تجد فيها طعاماً ولا شراباً ولا زوجة، ومن كان معتاداً على الصيام فهو على الجهاد أقدر من غيره. في غزوة تبوك كان الطعام سائر اليوم لا يعدو حفنة تمر، وانقطع عنهم الماء فترة طويلة جداً. وفي غزوة ذات الرقاع تقطعت أحذيتهم من السير الطويل، وبدءوا يسيرون على الرمال الملتهبة، حتى اضطروا إلى ربط رقاع من الأقمشة على أقدامهم. وفي غزوة خيبر قل الطعام جداً في أيديهم، حتى ذبحوا الحمر الأهلية وطبخوها وهموا بأكلها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك وحرمها عليهم، فتنة كبيرة جداً، لا يثبت فيها إلا الصائمون الذين اعتادوا الصيام في أيام الرخاء، فمنّ الله عليهم بالثبات في أيام الشدة. كانوا يغيبون في الثغور مدداً طويلة تصل أحياناً إلى شهور بل سنوات، نعم حددها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ذلك بأربعة أشهر، ولكن ذلك عندما يكون هناك جيش بديل يستطيع أن يرسل هذا ويأتي بذلك، ولكن قد يحتاج الجهاد كل الطاقة فيمكثون في الثغور إلى ما شاء الله. نحن رأينا في موقعة تستر الفارسية لما تكلمنا عن فتوح فارس، كيف أن المسلمين في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حاصروا تستر ثمانية عشر شهراً متصلة سنة ونصفاً، هذا يحتاج إلى تدريب، والمؤمن في رمضان يشعر بهموم أمته ويستشعر هذه الأمور وهو صائم، فيصبح صيامه تدريباً عملياً على الجهاد، ويكون صادقاً مع الله عز وجل، ومع نفسه في إعدادها ليوم يعز الله عز وجل فيه الإسلام. الأمر الآخر في علاقة الصيام بالجهاد هو أن الجهاد سيفتح بلاداً كثيرة، وستقع السلطة في أيدي المؤمنين، وسيباشرون أمور الناس، وإن لم يكن المؤمن مؤهلاً تربوياً للتحكم في شهوته فسيقع في كثير من المحظورات لا محالة؛ لكون السلطة في يده والغلبة في صفه، قد يعتدي على حرمات غيره في الطعام والشراب، قد يعتدي على حرماتهم في النساء، وهذا كما ترون كثير الحدوث في الجيوش العلمانية، وما أحداث البوسنة منا ببعيد، لكن المسلم المدرب في مدرسة الصيام، الذي درب شهراً كاملاً على التحكم في شهوته يسيطر على هذه الأمور، كما كان يسيطر عليها وهو صائم باختياره، فهذا يساعد على أن يسير الفتح الإسلامي والتمكين الإسلامي في الطريق المشرق الذي رسمه رب العالمين سبحانه وتعالى، فنعطي القدوة الحسنة، ولا نظلم الناس شيئاً. والصيام بصفة عامة سواء في رمضان أو في غير رمضان يقوم بهذا الدور التربوي، دور التدريب على التحكم في الشهوات، انظروا إلى النصيحة النبوية الغالية من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامة الشباب، وذلك فيما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإن

التربية على التحكم في الأعصاب عند الغضب والقدرة على كظم الغيظ

التربية على التحكم في الأعصاب عند الغضب والقدرة على كظم الغيظ ثالثاً: الذي يربيه رمضان في المؤمنين: التحكم في الأعصاب والقدرة على كظم الغيظ، وهذا أمر من أعظم الأمور في بناء الأمة الإسلامية؛ لأن الفرد المتسرع منفلت الأعصاب لا يصلح لبناء الأمة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، يعني: الصيام وقاية وحماية للإنسان: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله)، إلى هذه الدرجة يا إخوة السباب بل والقتال: (فليقل: إني صائم، إني صائم)، تأمل إلى أي حد يربي الصيام على التحكم في الأعصاب، وعلى عدم انفلات اللسان، وعلى كظم الغيظ، وعلى العفو عن الناس، وكلها صفات أساسية في الأمة المجاهدة. في مجال الحروب المسلمون من أعدائهم، لذلك يجب عليهم أن يتعاملوا مع أسراهم بالسمت الإسلامي على الرغم من العداوة بينهم، لا سباب ولا تعذيب ولا إيذاء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8]. بل إنهم في الحرب ذاتها لا يجوز لهم أن يتجاوزوا في قتالهم إلى قتال المدنيين مثلاً، أو إلى قتال النساء والأطفال والمعاقين وغير ذلك، كل هذا مع أن في قلوبهم غضباً شديداً منهم، فهم يحاربون دولة محاربة لهم، ولكن الحرب في الإسلام لها ضوابط شرعية معروفة، ولن يقدر على هذه الضوابط إلا هادئ الأعصاب الذي لا يتسرع في قرار، ولا ينتصر لشهوة داخلية. الإسلام دين راق جداً يدرب جنوده على حسن معاملة الآخرين، حتى في حال العداوة والكراهية: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]، فالصيام يقوم بهذا التدريب بصفة مستمرة، فتستفيد الأمة من هذا حتى في أوقات السلم، فتجدها يغلب عليها هدوء الأعصاب، والتحكم في اللسان، وكظم الغيظ، كل هذا من تربية الصيام. إذاً هذا الشيء الثالث اللي رمضان يربيها فينا.

التربية على الإنفاق في سبيل الله

التربية على الإنفاق في سبيل الله رابعاً: الذي يربي رمضان عليه الأمة: الإنفاق في سبيل الله. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)، فهل يمكن لأمة بخيلة شحيحة أن تمكن وتسود؟ أبداً، الجهاد يحتاج إلى إنفاق وإلى بذل وعطاء، والبناء يحتاج إلى إنفاق وإلى بذل وعطاء. مدرسة الصيام تعلم الناس الإنفاق والعطاء وانتظار الأجر من رب العالمين، فنفس الصائم تسخو بالخير على غيره، هذه ظاهرة ملحوظة فعلاً، فسهل جداً على الصائم أن يعطي، فنحن نرى ونلاحظ ظاهرة إطعام الفقراء في رمضان كثيرة جداً ومنتشرة في كل مكان، الفقراء هم الفقراء والمتصدقون هم المتصدقون، ومعدل الإنفاق في سبيل الله يرتفع جداً في رمضان، فالله عز وجل يربي عباده على ذلك في هذا الشهر الكريم، ويحض الميسورين على إطعام المساكين وإفطار الصائمين، بل هناك ملحوظة عجيبة جداً وهي أن هذا التهذيب الرباني يمتد في رمضان ليشمل الغني والفقير، قد يفهم أن الغني هو الذي يعطي فقط، ولكن وجدنا أن الفقير يعطي أيضاً، فهذه بركات مدرسة الصوم، فقد فرض الله عز وجل على كل المسلمين غنيّهم وفقيرهم زكاة الفطر، زكاة الفطر يا إخوة مفروضة على كل المسلمين على الغني وعلى الفقير، وهكذا يشعر الفقير أنه فرد فعال في المجتمع له دور إيجابي بحسب قدرته، صحيح أن صدقة الفطر شيء يسير، لكنها تشعره بأن له القدرة على العطاء، وقد تدرب كل المسلمين في هذه المدرسة، وأثبت الفقراء في ذلك نجاحاً عظيماً، على سبيل المثال: في غزوة تبوك كان الجميع الغني والفقير ينفق في سبيل الله، حتى الفقراء الذين يمتلكون قليلاً من التمر كانوا يأتون بهذا القليل، كان الواحد منهم يأتي بالحفنة من التمر حتى سخر منهم المنافقون الذين لا يفقهون هذه المشاعر النبيلة، قال الله عز وجل في حقهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]. إذاً: هذه تربية رمضانية عالية المستوى لا تتأتى إلا للصائمين.

التربية على الوحدة والأخوة والألفة بين المسلمين

التربية على الوحدة والأخوة والألفة بين المسلمين خامساً: الذي يربيه رمضان فينا: التربية على الوحدة والأخوة والألفة بين كل المسلمين، كل المسلمين في كل بقاع الأرض سيصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، سيصومون من الفجر ويفطرون في المغرب، المسلمون كل المسلمين في مصر والسودان والكويت والعراق، وأفغانستان وباكستان، وفي البوسنة وأمريكا وإنجلترا، وفي نيجيريا والصومال، أي بقعة على الأرض بها مسلم ستشهد صياماً في وقت واحد وبكيفية واحدة، وبفرحة واحدة، فأي وحدة وأي ألفة وأي أخوة! لا فرق بين غني ولا فقير، ولا بين حاكم ولا محكوم، ولا بين عربي ولا أعجمي. ثم في داخل كل قطر وفي داخل كل مدينة وفي داخل كل شارع إفطارات جماعية في كل مكان، روح اجتماعية راقية جداً تسري في قلوب المسلمين في شهر رمضان. لقد سافرة كثيراً وشاهدت المسلمين من كل الأقطار تختلف العادات والتقاليد، لكن الكل يجتمع في رمضان، صلة الرحم تزداد في رمضان، بر الوالدين يزداد في رمضان، الزيارة في الله تزداد في رمضان، التواد بين الجيران يزداد في رمضان، جو عام جميل يربي المسلمين على أن يكونوا يداً واحدة. ثم صلاة القيام (التراويح) في كل مساجد العالم يصطف المسلمون بأعداد كبيرة، الواحد يلتصق بأخيه، يشعر بدفء الأخوة، ودفء المسجد، ودفء الإسلام، تخيل أمة يرتبط أفرادها بمثل هذا الشعور هل يمكن أن تسقط؟ هل يمكن أن تنهار؟ أبداً، من سنن الله عز وجل أن المسلمين إذا اجتمعوا انتصروا، وإذا تفرقوا انهزموا وتشتتوا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4]، وهذه تربية رمضان.

التربية على الشعور بآلام ومشاكل الآخرين من المسلمين

التربية على الشعور بآلام ومشاكل الآخرين من المسلمين سادساً: الذي يربيه رمضان فينا: الشعور بآلام ومشاكل الآخرين، المؤمن الذي يشعر بألم الجوع والعطش لفترة معينة سيدرك أن هناك إخواناً له في الدين في الصومال وفي بنغلاديش وفي السودان وفي العراق وفي غيرها من البلاد يعانون نفس الألم، ولكن بصورة دائمة فهم لا ينتظرون مغرباً ولا إفطاراً، فالمسلم الذي يشعر بهذا الشعور لا بد وأن يتحرك قلبه إليهم، وهذه بداية أمل ولا شك، إذا شعر المسلمون بآلام غيرهم من المسلمين في الأقطار الأخرى فسيحدث التكافل، والتعاون والنصرة. اسمع للحديث الرائع الذي رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) إنه اشتباك أصابع يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعضها تدل على العلاقة التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى منا، فرمضان يربينا على هذه العلاقة، من غير هذه العلاقة لا يوجد نصر ولا يوجد تمكين.

التربية على التقوى

التربية على التقوى سابعاً: الذي يربيه رمضان فينا هو لب الصيام وهو الغاية الرئيسية منه التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. فرمضان يزرع فينا التقوى، ما هي التقوى؟ التقوى هي وصية الله عز وجل إلى خلقه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فيما رواه الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). والتقوى: هي أن تتقي غضب الله عز وجل في السر والعلن، إذا كنت في بيتك وقد غلقت عليك الأبواب ولا يراك أحد وأنت صائم، وبجوارك الطعام الشهي والماء العذب وأنت جائع عطشان، ومع ذلك لا تقرب الطعام ولا الشراب مخافة الله عز وجل، فهذه هي التقوى. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ليست بقيام الليل ولا بصيام النهار، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله عز وجل. عندما تعود من عملك متعباً منهكاً وتسمع أذان العصر فتنزل وتصلي في الجامع مع تعبك الشديد؛ لأجل الحسنات المضاعفة فهذه هي التقوى. عندما تواجه في شغلك أو في بيتك أو في الشارع من يجهل عليك ويسبك بل ويقاتلك فتقابل جهله بالحلم، وتقابل أذاه بالعفو، وتقول: إني صائم، فهذه هي التقوى. عندما تضبط المنبه قبل الفجر بساعة أو ساعتين؛ لكي تقوم تناجي ربك في جوف الليل ولا يراك أحد إلا الله، ولا يسمع بك إلا الله، فهذه هذ التقوى. عندما تشعر بالفقراء والمساكين والمحتاجين فتخرج من جيبك لهذا أو لذاك وتخفي صدقتك فلا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك، تفعل ذلك رغبة في الجنة، وخوفاً من النار، فهذه هي التقوى. عندما تكون حريصاً كل الحرص على أن تعرف رأي الدين في أمر من الأمور، وتتبع كلام الله عز وجل وكلام رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم دون أي جدل ولا تردد، فهذه هي التقوى. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: تمام التقوى أن يتقي العبد الله عز وجل، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال؛ خشية أن يكون حراماً. وسئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى؟ فقال لسائل: هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، يعني: تجنبته، أو جاوزته يعني: قفزت من فوقه، أو قصرت عنه يعني: وقفت ولم أعبر، قال أبو هريرة: ذاك التقوى. فالشوك هو الذنوب والمعاصي وهو ما حرم الله عز وجل، يقول الشاعر: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى يا ترى ما هو الذي سيحصل لو أن الأمة أصبحت أمة تقية؟ سينجو الفرد، ليس فقط الفرد الذي سينجو، بل ستنجو الأمة جميعاً، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، هذا ليس للأفراد فقط، بل للأمة جميعاً، يجعل الله عز وجل للأمة مخرجاً من همومها ومشاكلها ومصائبها، يرزق الله الأمة من حيث لا تحتسب، وترفع عنها الأزمات الاقتصادية، ويكثر الخير في أيدي الناس، ويهابها أهل الأرض جميعاً، أمة تقية: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، فأمة يكون الله عز وجل معها، من يكون عليها؟ لا أحد. إذاً: التقوى ثمرة من ثمرات رمضان، ورمضان فرصة حقيقية للأمة أن تبني نفسها من جديد، وفرصة للصالحين أن يزدادوا قرباً من الله عز وجل، وفرصة للعصاة أن يعودوا إلى ربهم، وفرصة لرفع البلاء، وفرصة للنصر على الأعداء، وفرصة للسيادة والتمكين، وفرصة لبناء الأمة، ورمضان تنقية للصف المسلم، وتميز للمسلمين وعزة بالهوية الإسلامية، وتربية وأي تربية.

نصائح عملية في رمضان وبيان مدى علاقتها ببناء الأمة

نصائح عملية في رمضان وبيان مدى علاقتها ببناء الأمة أخيراً: نصائح عملية. كيف تخرج الأمة من رمضان أقوى وأشد وأعز وأكرم؟ عددت لكم من الوصايا عشراً إن قمنا بها كنا إلى التقوى أقرب. سأذكر بإيجاز شديد، وأسأل الله عز وجل أن يجمعني معكم في لقاء آخر نفصل فيه كل وصية، وقبل أن أذكر هذه الوصايا أود أن أشير إلى أنه من الأفضل أن تكتب هذه الوصايا في ورقة، وتنظر فيها كل يوم قبل أن تنام، يعني: مثل ورد المحاسبة، اجعل لك جدولاً مكوناً من عشرة خانات أفقيه، وثلاثين خانة رأسية، في الخانات الأفقية ضع الوصايا العشر، وفي الخانات الرأسية ضع أيام الشهر، ثم حاسب نفسك كل يوم قبل أن تنام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.

الاهتمام بالقرآن والإكثار من تلاوته خلال شهر رمضان

الاهتمام بالقرآن والإكثار من تلاوته خلال شهر رمضان الوصية الثانية: قراءة القرآن، رمضان شهر القرآن، فلا بد أن تختم مرة واحدة قراءة، والسماع أيضاً هام جداً في السيارة أو في البيت، لكن من الأفضل أن تختم ولو مرة واحدة بالقراءة؛ لأن النظر في المصحف عبادة. كان الإمام الشافعي رحمه الله يختم القرآن ستين مرة في رمضان. ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في ترجمة الشافعي رضي الله عنه، جعل الله عز وجل لهم بركة في الوقت، ختمة في الصباح وختمة في المساء، أنا لا أطلب منك أن تختم القرآن ستين مرة، لكن اقرأ كثيراً وحاول أن تختم ثلاث أو أربع مرات على الأقل، حاول أن تقرأ الجزء الذي سيقرؤه الإمام في الليل في صلاة التراويح قبل أن تذهب إلى الصلاة، هذا سيساعدك على تدبر المعاني في المساء، وعلى متابعة الإمام، وعلى تأكيد الحفظ لو كنت حافظاً، وعلى سهولة الحفظ بعد ذلك إن كنت تنوي أن تحفظ القرآن. والحرف من القرآن بعشر حسنات، والله عز وجل يضاعف لمن يشاء، ووقت رمضان ثمين جداً لا تضيع ثانية أو ثانيتين، هذه تساوي عشرة أو عشرين حسنة، فخسارة أن تضيع هذا الوقت الثمين. إذاً: الوصية الثانية: قراءة القرآن، اختم على الأقل مرة واحدة قراءة.

الدعوة إلى الله عز وجل

الدعوة إلى الله عز وجل الوصية الثامنة: احرص على دعوة غيرك إلى الخير في رمضان، الدعوة إلى الله من أهم الأمور، جاء في الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). القلوب بصفة عامة تكون أكثر رقة في رمضان، وأكثر انصياعاً لكلام الله عز وجل فاستغل هذه الفرصة. يا أخي! لا تذهب إلى الصلوات الجماعية وصلاة التراويح والفجر بمفردك، احرص على أن تصطحب غيرك ممن لم يتعود على هذه المكارم، لا داعي للتقوقع داخل أصدقائك الملتزمين، انفتح على غيرك من الناس، لعلك تخرج من رمضان بواحد أو اثنين كنت سبباً في هدايتهم.

الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان الوصية التاسعة: احرص على سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فالاعتكاف فرصة تتخلص به من عوالق الدنيا، وتتفرغ لله عز وجل، قلل من الكلام في الاعتكاف قدر ما تستطيع، في النهار قرآن وذكر وصلاة ودعاء، وفي الليل تراويح وتهجد ودعاء وابتهال واستغفار، وفرصة تهاجر إلى الله عز وجل، لو تستطيع أن تأخذ إجازة من غير أن تضر بمصالح شغلك فهو خير، وفر إجازاتك في العشر الأواخر، إذا لم يكن ممكناً العشر فاعتكف بضعة أيام في العشر أو اعتكف يومين، أو اعتكف بضع ساعات أو حتى ساعة انقطع لله فيها، وسترى كيف يكون حالك بعد الاعتكاف.

التوبة من سائر الذنوب والمعاصي

التوبة من سائر الذنوب والمعاصي الوصية العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة وهي وصية في غاية الأهمية: رمضان أعظم فرصة للتوبة من ذنوب العام، حتى من ذنوب العمر، نعم، إنه فرصة لفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل، فرصة لأن تجعل صفحتك يوم القيامة بيضاء نقية. روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر). وأيضاً روى البخاري ومسلم حديثاً مبشراً جداً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، اللهم اغفر لنا ذنوبنا جميعاً. فرصة أن تجلس مع نفسك تحصي أعمالك قبل أن تحصى عليك، تذكر أعمالك بالأمس، تذكر الشهر الذي فات، تذكر السنة التي فاتت، تذكر جيداً فإن وجدت خيراً فلتحمد الله عز وجل، وإن وجدت غير ذلك فسارع بالتوبة، فباب التوبة مفتوح على مصراعيه في رمضان، ابدأ بداية جديدة مع الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. إذاً: رمضان ركن من أركان الإسلام، تستطيع أن تبني فوقه إسلاماً قوياً وأمة قوية. أتمنى يا إخواني لو تكتبون هذه الوصايا، والذي لم يكتب أتمنى أن يسمع الشريط من جديد ويكتبها. كذلك حاسب نفسك كل يوم قبل أن تنام: ماذا عملت في الصلاة؟ وماذا عملت في القرآن؟ وماذا عملت في القيام؟ وماذا عملت في الصدقة؟ وماذا عملت في صلة الأرحام؟ وفي إصلاح ذات البين؟ وماذا عملت في لسانك؟ وماذا عملت في دعوتك؟ وماذا عملت في الاعتكاف؟ وأخيراً ماذا عملت في ذنوبك التي فاتت؟ يا ترى هل تبت منها أم أضفت إليها ذنباً جديداً؟ حاسب نفسك يا أخي قبل أن تحاسب، وارقب يوماً لا شك أنه قادم، واحذر من ليلة يكون صبحها يوم القيامة. بهذه المشاعر، وبهذه العزيمة، وبهذه التربية، وبهذا الإعداد سيكون رمضان عامل بناء حقيقي للأمة الإسلامية. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فلسطين لن تضيع كيف؟

فلسطين لن تضيع كيف؟ ما يحصل في أرض فلسطين من قتل وتشريد وانتهاك أعراض واغتصاب أراضٍ ووحشية هو نفس ما حصل في الأندلس، فعلى المسلمين أن يتوحدوا فيما بينهم، وأن يدركوا عظم هذا الخطر؛ لئلا تسقط فلسطين كما سقطت الأندلس، وليفعل كل مسلم ما بوسعه في الدفاع عن فلسطين.

سبب تشبيه قضية فلسطين بالأندلس

سبب تشبيه قضية فلسطين بالأندلس أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفّقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعل تدبيره تدميره، واجعل كيده في نحره، ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، آمين آمين. وصل اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. ثم أما بعد: فإنه قد طلب مني كثير من الإخوة الأفاضل الذين استمعوا إلى سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين، والتي هي بعنوان: فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى، طلب مني ملخصاً لهذه المحاضرة، تجمع رءوس العناوين في كل تلك المحاضرات السابقة. فلقد وجدت هذا الأمر أصعب من إعداد المادة الأصلية للمحاضرات، وأصابتني حيرة كبيرة جداً لما أخذت في تلخيص هذه المحاضرات الكثيرة، فقد كان عددها اثنتي عشرة محاضرة، فتلخيصها في محاضرة واحدة شيء في منتهى الصعوبة، ومما يزيد من صعوبة الأمر الاثنتي عشرة محاضرة كانت تلخيصاً لأحداث كثيرة ولمواقف متعددة، لكن الله سبحانه وتعالى المستعان. وقد تحدثنا في سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين عن دور الأمة رجالاً ونساءً وأطفالاًً تجاه قضية فلسطين، وكيف نحقق صفة الإيجابية في إنقاذ هذا الوطن الجريح المحتل منذ أكثر من خمسين سنة من حفنة قليلة من اليهود أشد الناس عداوة للمسلمين. قبل أن نتحدث عن أدوارنا في هذه القضية الخطيرة أود أن أذكّركم عن سبب تسميتها (فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى)؛ فإن بلاد الأندلس سابقاً وأسبانيا والبرتغال الآن لا يسكنها من المسلمين إلا أعداد قليلة جداً لا تتناسب مطلقاً مع التاريخ المجيد الطويل للمسلمين في هذه البلاد، فقد عاش المسلمون في بلاد الأندلس أكثر من ثمانمائة عام، والآن لا يسكنها أكثر من مائة ألف مسلم فقط، ومعظمهم حديث العهد بهذه البلاد، ما تفسير ذلك؟ ولماذا احتلت كثير من البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها ومع ذلك ما زال جل السكان في هذه البلاد من المسلمين؟ وتفسير ذلك أن الاحتلال الأسباني للأندلس كان احتلالاً من نوع فريد، ما تكرر في العالم إلا قليلاً، كان الاحتلال الأسباني احتلالاً استيطانياً إحلالياً، كانوا إذا أغاروا على بلد من بلاد المسلمين قتلوا أهلها جميعاً أو هجّروهم خارجها، ثم يأتون بالأسبان من أمكان أخرى يوطّنونهم في تلك البلاد، وبذلك قاموا بعملية إحلال للشعب الإسلامي بالشعب الأسباني، حتى إذا انتهوا من آخر مدن الأندلس لم يبق في أرض الأندلس مسلم واحد. ولما طرد المسلمون من الأندلس أو قتلوا بعد تعذيب وحشي تعلقت قلوب المسلمين في البلاد الإسلامية الأخرى بأرض الأندلس الإسلامية، وتاقت نفوس البعض إلى تحريرها، ولكن مرت السنة والسنتان والقرن والقرنان حتى صارت خمسة قرون، ونسي المسلمون قضية الأندلس، وما عادوا يذكرون الآن غير أسبانيا والبرتغال دولتان أوروبيتان تضمان في أرضهما عدداً مهولاً من الآثار والأبنية الإسلامية والمساجد التي حولت إلى كنائس ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان هذا هو الاحتلال الأسباني الإحلالي الاستيطاني يستبدل بشعب شعباً آخر، ويحل شعباً مكان شعب، أما احتلال البلاد الإسلامية الأخرى لم يكن على هذه الشاكلة، فاحتلال مصر أو الجزائر أو ليبيا كان بالجيوش، واحتلال الجيوش لا بد وأن ينتهي، ولا بد أن تعود إلى بلادها مهما طال الزمان أو قصر. والوضع في فلسطين الآن شديد الشبه بالأندلس، فاليهود يقومون بعملية إحلال منظمة للشعب الفلسطيني المسلم بالشعب اليهودي، ولو بقي الحال على ما هو عليه دون أن يتحرك المسلمون فسيأتي يوم تصبح فيه فلسطين أندلساً أخرى، وسيقبل المسلمون الآن بما لم يقبلوا به قديماً، سيقبلون بوجود دولة جديدة في المنطقة اسمها إسرائيل. إذا تقادم العهد على الاحتلال فسيصبح هذا أمراً واقعاً، فالمسلمون على سبيل المثال منذ ثلاثين سنة كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مطلقاً، بل كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سطوا على أرض ليست أرضهم فنهبوها واستوطنوها، ثم مرت الأيام -وسبحان الله- وقبل الرافضون القدماء من العرب بوجود إسرائيل وعلى مساحة 78% من الأرض المحتلة، وهي كل أرض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة. ثم سيقبلون بعد ذلك -وسترون- بأن تحتل إسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة بالإضافة إلى 78% الأصلية وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة، ثم ستأتي مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بالكلية

سبب تشبيه قضية فلسطين بالأندلس

سبب تشبيه قضية فلسطين بالأندلس أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفّقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فخذه أخذ عزيز مقتدر، واجعل تدبيره تدميره، واجعل كيده في نحره، ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، آمين آمين. وصل اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. ثم أما بعد: فإنه قد طلب مني كثير من الإخوة الأفاضل الذين استمعوا إلى سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين، والتي هي بعنوان: فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى، طلب مني ملخصاً لهذه المحاضرة، تجمع رءوس العناوين في كل تلك المحاضرات السابقة. فلقد وجدت هذا الأمر أصعب من إعداد المادة الأصلية للمحاضرات، وأصابتني حيرة كبيرة جداً لما أخذت في تلخيص هذه المحاضرات الكثيرة، فقد كان عددها اثنتي عشرة محاضرة، فتلخيصها في محاضرة واحدة شيء في منتهى الصعوبة، ومما يزيد من صعوبة الأمر الاثنتي عشرة محاضرة كانت تلخيصاً لأحداث كثيرة ولمواقف متعددة، لكن الله سبحانه وتعالى المستعان. وقد تحدثنا في سلسلة المحاضرات المتعلقة بقضية فلسطين عن دور الأمة رجالاً ونساءً وأطفالاًً تجاه قضية فلسطين، وكيف نحقق صفة الإيجابية في إنقاذ هذا الوطن الجريح المحتل منذ أكثر من خمسين سنة من حفنة قليلة من اليهود أشد الناس عداوة للمسلمين. قبل أن نتحدث عن أدوارنا في هذه القضية الخطيرة أود أن أذكّركم عن سبب تسميتها (فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى)؛ فإن بلاد الأندلس سابقاً وأسبانيا والبرتغال الآن لا يسكنها من المسلمين إلا أعداد قليلة جداً لا تتناسب مطلقاً مع التاريخ المجيد الطويل للمسلمين في هذه البلاد، فقد عاش المسلمون في بلاد الأندلس أكثر من ثمانمائة عام، والآن لا يسكنها أكثر من مائة ألف مسلم فقط، ومعظمهم حديث العهد بهذه البلاد، ما تفسير ذلك؟ ولماذا احتلت كثير من البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها ومع ذلك ما زال جل السكان في هذه البلاد من المسلمين؟ وتفسير ذلك أن الاحتلال الأسباني للأندلس كان احتلالاً من نوع فريد، ما تكرر في العالم إلا قليلاً، كان الاحتلال الأسباني احتلالاً استيطانياً إحلالياً، كانوا إذا أغاروا على بلد من بلاد المسلمين قتلوا أهلها جميعاً أو هجّروهم خارجها، ثم يأتون بالأسبان من أمكان أخرى يوطّنونهم في تلك البلاد، وبذلك قاموا بعملية إحلال للشعب الإسلامي بالشعب الأسباني، حتى إذا انتهوا من آخر مدن الأندلس لم يبق في أرض الأندلس مسلم واحد. ولما طرد المسلمون من الأندلس أو قتلوا بعد تعذيب وحشي تعلقت قلوب المسلمين في البلاد الإسلامية الأخرى بأرض الأندلس الإسلامية، وتاقت نفوس البعض إلى تحريرها، ولكن مرت السنة والسنتان والقرن والقرنان حتى صارت خمسة قرون، ونسي المسلمون قضية الأندلس، وما عادوا يذكرون الآن غير أسبانيا والبرتغال دولتان أوروبيتان تضمان في أرضهما عدداً مهولاً من الآثار والأبنية الإسلامية والمساجد التي حولت إلى كنائس ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان هذا هو الاحتلال الأسباني الإحلالي الاستيطاني يستبدل بشعب شعباً آخر، ويحل شعباً مكان شعب، أما احتلال البلاد الإسلامية الأخرى لم يكن على هذه الشاكلة، فاحتلال مصر أو الجزائر أو ليبيا كان بالجيوش، واحتلال الجيوش لا بد وأن ينتهي، ولا بد أن تعود إلى بلادها مهما طال الزمان أو قصر. والوضع في فلسطين الآن شديد الشبه بالأندلس، فاليهود يقومون بعملية إحلال منظمة للشعب الفلسطيني المسلم بالشعب اليهودي، ولو بقي الحال على ما هو عليه دون أن يتحرك المسلمون فسيأتي يوم تصبح فيه فلسطين أندلساً أخرى، وسيقبل المسلمون الآن بما لم يقبلوا به قديماً، سيقبلون بوجود دولة جديدة في المنطقة اسمها إسرائيل. إذا تقادم العهد على الاحتلال فسيصبح هذا أمراً واقعاً، فالمسلمون على سبيل المثال منذ ثلاثين سنة كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مطلقاً، بل كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سطوا على أرض ليست أرضهم فنهبوها واستوطنوها، ثم مرت الأيام -وسبحان الله- وقبل الرافضون القدماء من العرب بوجود إسرائيل وعلى مساحة 78% من الأرض المحتلة، وهي كل أرض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة. ثم سيقبلون بعد ذلك -وسترون- بأن تحتل إسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة بالإضافة إلى 78% الأصلية وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة، ثم ستأتي مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بالكلية

مما يجب على المسلمين تجاه قضية فلسطين التبرع بالمال

مما يجب على المسلمين تجاه قضية فلسطين التبرع بالمال الواجب الإيجابي الثالث نحو القضية هو التبرع بالمال. فما أحوج أهل فلسطين للمال في هذه الأوقات! فهم في حصار اقتصادي رهيب، وطرد من الأعمال، وإغلاق للمعابر، وتجريف للأراضي، وهدم للديار، ونقص في الغذاء والدواء والكساء والسلاح، واستشهاد للشباب, وعائلات لا حصر لها تفقد عائلها. فإن كنت تريد جهاداً في سبيل الله وقد حيل بينك وبينه, فأثبت صدقك لله بجهاد المال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهّز غازياً فقد غزا)، فلا تسوف بل سارع، يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، أول صفة لهم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران:134]. وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:10 - 11]. فكّر يا أخي! جنيه واحد لفلسطين يساوي عند الله سبعمائة جنيه أو يزيد، وألف جنيه لفلسطين يساوي عند الله سبعمائة ألف جنيه أو يزيد، فلا تتردد، وكن على يقين أنك ستعوّض، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة). أخي في الله! اهزم الشيطان، يقول تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]، فهذه مقارنة في منتهى الوضوح. فستمر الأيام, وستذهب أنت, ويذهب المال, ويذهب أهل فلسطين، ولا يبقى شيء إلا ما عند الله, فآثروا ما يبقى ويدوم, على ما يفنى وينعدم. اجعل التبرع لفلسطين قضيةً ثابتةً في حياتك، اقتطع نسبة ثابتة من دخلك الشهري أو اليومي أو الموسمي، لا تنتظر حتى تتراكم الأموال فتكبر النسبة في عينيك فتمتنع عن الإنفاق، حفز الآخرين على التبرع، ربّ أولادك على الإنفاق وإن كان قليلاً، اشرح لهم بأسلوب مبسط أحوال أطفال فلسطين. زكاة المال جائزة على أهل فلسطين بل هي محمودة؛ ففيهم الفقير والمسكين والغارم والمجاهد في سبيل الله. لا تمن بعطيتك ولا تتكبر بها، ولا ترائي, ولا تستقللن تبرعًا, فرب درهمٍ سبق ألف درهم، واعلم أن الله عز وجل قسّم الأعمال بين عباده وكان نصيبك النصيب الأيسر، عليهم في فلسطين أن يدفعوا أرواحهم، وعليك أنت في بيتك الآمن أن تدفع مالك، فارض بما قسم الله لك من العمل، يرفع عنك من البلاء ما لا تطيق.

مما يجب على المسلمين تجاه قضية فلسطين المقاطعة الاقتصادية لليهود وأعوانهم

مما يجب على المسلمين تجاه قضية فلسطين المقاطعة الاقتصادية لليهود وأعوانهم الواجب الإيجابي الرابع نحو قضية فلسطين: هو المقاطعة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي أو لأي أحد يعاون اليهود, وهو واجب وهامٌ جداً، ومؤثر إلى أبعد درجات التأثير، وله من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ما لا يمكن حصره في هذه المساحة الضيقة. وللمقاطعة عشر فوائد، سواء على المستوى المحلي أو الإسلامي أو العالمي أو اليهودي، فمنها: أنها لا محالة ستؤثر على الشركات التي يصفونها بأنها متعددة الجنسية، وقد ذكرنا ضوابطنا الشرعية في المقاطعة والفرق بين مقاطعتنا لمنتجاتهم وحصارهم لبلادنا، وعلقنا على كثير من الشبهات التي تجول في أذهان الناس فمنها: إن الأيدي العاملة في هذه المصانع والشركات وطنية مائة بالمائة, وسيؤدي ذلك إلى تشريد الآلاف، وسيخسر رأس المال الوطني، وسنعمل على كراهية الشعب الأمريكي لنا، وأن الشركات الأمريكية ستنعش الاقتصاد الوطني، وأننا لا نستطيع أن نستغني عنهم, أو لا أستطيع أن استغني عن كذا أو كذا، شبهات كثيرة جدًا تعرضنا لها وفصلّنا في الرد عليها, فأرجو أن تعودوا إلى شريط المقاطعة.

الدعاء لأهل فلسطين بالنصر والثبات وعلى اليهود بالهلكة واجب على المسلمين

الدعاء لأهل فلسطين بالنصر والثبات وعلى اليهود بالهلكة واجب على المسلمين الواجب الإيجابي الخامس: هو الدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر, والدعاء على اليهود وأعوانهم بالهلكة والاستئصال. فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمنين في حربهم مع الكافرين، فهو ليس شيئاً سلبياً كما يعتقد بعض الناس، فإن كثيراً من الناس يعتقدون أن الدعاء أمرٌ مقابلٌ للأخذ بالأسباب، فالدعاء يرفعه العمل الصالح، فإن ترك المؤمن الأسباب واكتفى بالدعاء فهو متواكل ولا يرجى له إجابة، ولذلك جعلتُ الدعاء الوسيلة الخامسة حتى لا يعتمد المرء عليها وينسى بقية الواجبات. والدعاء ليس أمرًا اختياريًا إن شئنا فعلناه وإن شئنا تركناه، بل الدعاء ركن أساس من أركان النصر، وسببٌ أكيد من أسباب التمكين. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك الدعاء أبدًا, وما يئس منه قط مهما تأخرت الإجابة، وطال الطريق، وعظم الخطب، وكان أشد ما يفزع إلى ربه دعاءً ورجاءً وخشوعًا وابتهالاً عند مواقف الضيق والشد, ويطلب عونه, ويرجو مدده وتأييده، في بدر وأحد والأحزاب وفي كل أيامه صلى الله عليه وسلم. وفلسطين تحتاج إلى دعاء لا ينقطع, ورجاءٍ لا يتوقف. ما يدريك أن طائرة تقصف فيصد قصفها بدعائك! أو أن مخططًا يهوديًا يدبّر في الظلام فيحبط بدعائك! أو أن شابًا فلسطينيًا أطلق حجارةً أو رصاصة فأصابت هدفها بدعائك! نريد دعاءً لحوحًا مستفيضًا متكررًا في كل يوم وليلة أكثر من مرة في القنوت والسجود، دعاء مع يقين في الإجابة، ليس فيه عجلة ولا يأس، فيه حضور للقلب، وتضرع وتذلل وانكسار لله عز وجل، دعاء من رجال يتحرون المال الحلال، والأوقات الفاضلة, والأحوال الشريفة، دعاء في جوف الليل وقبل الفجر، دعاء يجتمع فيه أهل البيت وأهل العمل وأهل المسجد. أخي الحبيب! إن أردت أن تساعد المحصورين والمجاهدين والجوعى والجرحى فاستيقظ قبل الفجر بساعة أو بنصف ساعة وادع الله لهم أن يوحد صفَّهم, ويسدد رميتهم, ويقوي شوكتهم, ويثبّت أقدامهم, ويعلي راياتهم, وينصرهم على أعدائهم, ويمكن لهم في أرضهم, ويزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم، فالله -لا محالة- سيستجيب فقد وعد، فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. فهذه خمس وسائل إيجابية لنصرة فلسطين، وهي: الأولى: فهم القضية فهماً صحيحاً وتحريكها بين الناس بسرعة. الثانية: قتل الهزيمة النفسية وبث الأمل في عودة اليقظة للأمة الإسلامية. الثالثة: بذل المال قدر المستطاع وتحفيز الناس عليه. الرابعة: المقاطعة الاقتصادية الشاملة والكاملة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي. الخامسة: الدعاء المستفيض اللحوح لله عز وجل.

مما يجب على أمة الإسلام تجاه فلسطين إصلاح النفس والمجتمع

مما يجب على أمة الإسلام تجاه فلسطين إصلاح النفس والمجتمع والوسيلة السادسة التي تشمل كل ما سبق، وتبقى دافعةً لكل ما سبق من وسائل، وإن لم تُفعل فليس هناك نجاحٌ لأيٍ من الوسائل السابقة، وهي: إصلاح النفس والمجتمع. لابد أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التدهور لهذه الأمة الإسلامية التي تعودت أن تسود؟ ولماذا يسيطر 5. 2مليون يهودي على بلد مبارك مقدس كفلسطين, مخرجين ألسنتهم لمليار وثلث مليار مسلم في الأرض؟ ولماذا لا يكترث زعماء الشرق والغرب وزعماء اليهود بأعدادنا؟ ولماذا لا تتحرك الحمية في قلوب بعضنا وقد انتهكت الحرمات ودُنست المقدسات وسالت الدماء؟ لابد أن الأمة قد وقعت في خطأ فادحٍ مهّد الطريق لهذا الوضع، فأمة الإسلام لا تهزم بقوة الكافرين ولكن تهزم بضعفها، يلخص هذا الموقف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود: عن ثوبان رضي الله عنه، وفيه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحداث وكأنه يراها رأي العين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها - أي يدعو بعضها البعض ليأكلوا من أمة المسلمين - قال قائل: أو من قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنت يومئذ كثير - سبحان الله مليار وثلث مليار - ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). فموطن الداء حب الدنيا وكراهية الموت، وهو الخطأ الفادح الذي وقع فيه المسلمون، فمصيبة الأمة الآن هي تعاظم حب الدنيا في قلوب المسلمين، ومن أجل الدنيا يرضى المسلمون بالدنية في دينهم، ولو هانت عليهم الدنيا لقويت شوكتهم وعز سلطانهم. إذا تعاظمت الدنيا في النفوس قلت قيمة الآخرة عند الإنسان، فالدنيا كانت سبباً مباشراً لاحتلال فلسطين، ولن تحرر فلسطين إلا إذا خرجت الدنيا من القلوب، قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:77]. إن وجدت صراعًا بين الإخوة وتنافساً على أشياء كان من الواجب أن يتعاونوا عليها، وإن وجدت موالاة لكافر على حساب مؤمن، وخيانة لأمانة، ونقضاً لعهد، وحرباً لفضيلة، ونشراً لإباحية، وإنكاراً لمعروف، وتقديماً لأهل الرذيلة، وعلواً لأهل الفسق والفجور، وتأخيراً للعلماء والفضلاء، وسجناً وتعذيباً للدعاة والمجاهدين، ووجدت الحبيب يترك حبيبه، والولد يهمل والديه، والحاكم يظلم شعبه، والرجل يكره وطنه، والأجساد هامدة، والعقول خاملة، والعزائم فاترة، والغايات تافهةً منحطة منحدرة، إن وجدت كل هذا فاعلم إنها الدنيا، واعلم أن ذلك متبوع بهلكة، والهلكة متبوعةٌ باستبدال، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. روى الإمام مسلم: عن المستورد بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار راوي الحديث إلى السبابة - في اليم فلينظر أحدكم بم يرجع)، فهذا هو حجم الدنيا. من هذا المنطلق لحجم الدنيا والآخرة نريد أن نعيد ترتيب أوراقنا وتنظيم حياتنا وتعديل أهدافنا، وإصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا، وأن نصطلح مع ربنا، فإنه يطول الفراق أحياناً بيننا وبين ربنا، وهو سبحانه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة، نحن الذين نخسر أو نفوز. القضية -يا إخوة- ليست قضية فلسطين فقط، بل قضية الأمة بأسرها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، فهذه قاعدة لا تتبدل ولا تتغير. والله والله والله! لن يتغير حالنا من ذلةٍ إلى عزة, ومن ضعف إلى قوة, ومن هوان إلى تمكين, إلا إذا اصطلحنا مع ربنا, وطبقنا شرعه, وأخرجنا الدنيا من قلوبنا, وتبنا من ذنوبنا, وعظمت الجنة في عقولنا، ساعتها ستصبح كل حركة وسكنة في حياتنا دعماً لقضية فلسطين، ومن هذا المنظور ستصبح صلاتنا في جماعة، وقراءتنا للقرآن، وذكرنا وصيامنا، وبر الوالدين، وصلة الرحم، ورعاية الجار، وحفظ الطريق، وعون الملهوف، وغض البصر، وحفظ الفرج، وصيانة اللسان، ووقاية السماع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير ودعوة الآخرين إلى الفضيلة، ومحاربة الربا، ومقاطعة الرشوة، ونبذ الفرقة، وترك المحرمات، والبعد عن الشبهات دعماً لفلسطين، هكذا تتحول حياتنا كلها لدعم فلسطين وغير فلسطين من أقطار الإسلام الجريحة، يرفع الله عنا البلاء، ويكشف الضراء وتشرق الأرض بنور ربها. إخواني في الله! لا يكفي الألم فقط لتحرير الشعوب، ولا تكفي الدموع، والأطفال يقتلون والمجاهدون يحاصرون، والأمهات يصرخن وينتحبن، فلابد من عمل. وها قد عرضنا بعض الوسائل التي في مقدورنا جميعاً، لا تعتذر بأنك لا

التفريغ النصي - - للشيخ - صوتيات إسلام ويب function audiosearch() { if (kword. value. length Deutsch | Espanol | Francais | English إسلام ويب | مقالات | فتاوى | استشارات | صوتيات | بنين وبنات | المكتبة مكتبتك الصوتية تسجيل مستخدم جديد تفعيل الاشتراك استرجاع كلمة السر أو رمز التفعيل اسم المستخدم كلمة السر

كلمة إلى شباب الأمة

كلمة إلى شباب الأمة أمة الإسلام مكلفة بالقراءة، فهي مخاطبة في أول سورة أنزلت على نبيها محمد صلى الله عليه وسلم بأن تقرأ، فهي ضرورية وليست هواية، وللقراءة الصحيحة النافعة ضوابط ووسائل ومجالات لا بد للمسلم من معرفتها؛ حتى تكون قراءته نافعة.

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: أبدأ هذه المحاضرة بشيء أستغرب له كثيراً، فكثيرًا ما نسمع من يسأل ما هي هوايتك؟ الحقيقة أنك تجد الناس تختلف كثيراً في إجابتها، فأحدهم يقول: أنا هوايتي السباحة، وآخر صيد الأسماك، وثالث السفر، ورابع القراءة، فكل إنسان يخبر عن هوايته، وهذا هو ما أستغرب له. هل يصح أن يقول إنسان: أنا هوايتي -مثلاً- شرب الماء؟! كل الناس يشربون الماء، فهذه ليست هواية وإنما هي ضرورة. ولا يصح أن يقال: أنا هوايتي الأكل! لأن كل الناس يجوعون ولا بد لهم أن يأكلوا، وربما تفضّل أكلة عن أكلة، لكن لا بد أن تأكل، أو أن تنام، أو أن تتنفس، ومن غير الممكن أن تعيش من غير هذه الأشياء. وأنا أيضاً أرى أنه لا يصح أن تعيش من غير قراءة، يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، يوم في الأسبوع أو شهر في السنة فحسب، بل يجب أن تكون القراءة منهج حياتك. لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ، وليست أي قراءة، لا بد أن تكون قراءة مفيدة، قراءة تبني ولا تهدم، قراءة تصلح ولا تفسد. القراءة ليست هواية، فمن غير المناسب أن تقول أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعوداً على القراءة، أو: أملّ سريعًا من القراءة، فهذا مثل الذي يقول: أنا أملّ من الأكل؛ لذلك فلن آكل! فهذا لا يصح ولا ينفع. عندما تدرس السيرة النبوية تجد فيها أبعاداً ضخمة عن الظاهر البسيط لها، وعندما تتعمق فيها حينها ستعلم لماذا نقول أن القراءة ليست هواية، فعندما تقف وتتدبر بعمق شديد في موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى أن أول كلمة يقولها جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط ملايين الكلمات التي من الممكن أن تقال في ذلك الوقت، يبدأ حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيستمر مدة ثلاثة وعشرين سنة متصلة بكلمة واحدة هي: اقرأ! والغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ! وأن أول كلمة تتوجَّه للرسول الذي لا يعرف القراءة هي اقرأ! والرسول الذي يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة، والخصال الكريمة كان من الممكن أن يبدأ رب العالمين سبحانه وتعالى بالحديث عن أحد هذه الصفات لكنه يبدأ بكلمة اقرأ! وكأنها تحمل منهج حياة أمة الإسلام، ومفتاح هذا الدين أن تقرأ. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة, فيردَّ بوضوح على جبريل ويقول: (ما أنا بقارئ). والرسول عليه الصلاة والسلام ظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام في الكلام في موضوع آخر، أو على الأقل يوضح مقصوده من الكلمة. لكن جبريل عليه السلام ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة وقوية حتى بلغ الجهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر جداً: اقرأ فقط ولم يزد أي كلمة أخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا يعرف أصلاً من هذا؟ ولا ماذا يريد؟ ولا كيف جاء إليه في هذا المكان البعيد؟! هو لا يرى أمامه غير شخص واحد يؤكد على معنى معيّن واحد فقط لا ثاني له ولا ثالث وهو اقرأ! الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرة الثانية: (ما أنا بقارئ). فيعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل فيضم رسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد، ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، فضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة ثم أرسله فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. فقبل أن يخبره أنه ملك مرسل من رب العالمين، وأن هذا قرآن، وأن هذا دين جديد سيبدأ اسمه الإسلام، قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر: اقرأ! ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟ فهل يُعقل أن تكون أول كلمة في القرآن نزولاً إلى الأرض هي كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض، وينفر منها البعض أو يملّ منها البعض الآخر؟! فهذا مستحيل يا إخواني. كلمات القرآن أكثر من سبعة وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات الهائلة كانت كلمة اقرأ هي الأولى في النزول. القرآن فيه آلاف الأوامر: ((أَقِمِ الصَّلاةَ))، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، ((وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ))، ((أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ))، ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ))، أوامر كثيرة جداً ومن بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: اقرأ. وليس هذا فقط بل إن ا

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: أبدأ هذه المحاضرة بشيء أستغرب له كثيراً، فكثيرًا ما نسمع من يسأل ما هي هوايتك؟ الحقيقة أنك تجد الناس تختلف كثيراً في إجابتها، فأحدهم يقول: أنا هوايتي السباحة، وآخر صيد الأسماك، وثالث السفر، ورابع القراءة، فكل إنسان يخبر عن هوايته، وهذا هو ما أستغرب له. هل يصح أن يقول إنسان: أنا هوايتي -مثلاً- شرب الماء؟! كل الناس يشربون الماء، فهذه ليست هواية وإنما هي ضرورة. ولا يصح أن يقال: أنا هوايتي الأكل! لأن كل الناس يجوعون ولا بد لهم أن يأكلوا، وربما تفضّل أكلة عن أكلة، لكن لا بد أن تأكل، أو أن تنام، أو أن تتنفس، ومن غير الممكن أن تعيش من غير هذه الأشياء. وأنا أيضاً أرى أنه لا يصح أن تعيش من غير قراءة، يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، يوم في الأسبوع أو شهر في السنة فحسب، بل يجب أن تكون القراءة منهج حياتك. لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ، وليست أي قراءة، لا بد أن تكون قراءة مفيدة، قراءة تبني ولا تهدم، قراءة تصلح ولا تفسد. القراءة ليست هواية، فمن غير المناسب أن تقول أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعوداً على القراءة، أو: أملّ سريعًا من القراءة، فهذا مثل الذي يقول: أنا أملّ من الأكل؛ لذلك فلن آكل! فهذا لا يصح ولا ينفع. عندما تدرس السيرة النبوية تجد فيها أبعاداً ضخمة عن الظاهر البسيط لها، وعندما تتعمق فيها حينها ستعلم لماذا نقول أن القراءة ليست هواية، فعندما تقف وتتدبر بعمق شديد في موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى أن أول كلمة يقولها جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط ملايين الكلمات التي من الممكن أن تقال في ذلك الوقت، يبدأ حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيستمر مدة ثلاثة وعشرين سنة متصلة بكلمة واحدة هي: اقرأ! والغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ! وأن أول كلمة تتوجَّه للرسول الذي لا يعرف القراءة هي اقرأ! والرسول الذي يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة، والخصال الكريمة كان من الممكن أن يبدأ رب العالمين سبحانه وتعالى بالحديث عن أحد هذه الصفات لكنه يبدأ بكلمة اقرأ! وكأنها تحمل منهج حياة أمة الإسلام، ومفتاح هذا الدين أن تقرأ. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة, فيردَّ بوضوح على جبريل ويقول: (ما أنا بقارئ). والرسول عليه الصلاة والسلام ظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام في الكلام في موضوع آخر، أو على الأقل يوضح مقصوده من الكلمة. لكن جبريل عليه السلام ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة وقوية حتى بلغ الجهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر جداً: اقرأ فقط ولم يزد أي كلمة أخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا يعرف أصلاً من هذا؟ ولا ماذا يريد؟ ولا كيف جاء إليه في هذا المكان البعيد؟! هو لا يرى أمامه غير شخص واحد يؤكد على معنى معيّن واحد فقط لا ثاني له ولا ثالث وهو اقرأ! الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرة الثانية: (ما أنا بقارئ). فيعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل فيضم رسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد، ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، فضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة ثم أرسله فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. فقبل أن يخبره أنه ملك مرسل من رب العالمين، وأن هذا قرآن، وأن هذا دين جديد سيبدأ اسمه الإسلام، قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر: اقرأ! ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟ فهل يُعقل أن تكون أول كلمة في القرآن نزولاً إلى الأرض هي كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض، وينفر منها البعض أو يملّ منها البعض الآخر؟! فهذا مستحيل يا إخواني. كلمات القرآن أكثر من سبعة وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات الهائلة كانت كلمة اقرأ هي الأولى في النزول. القرآن فيه آلاف الأوامر: ((أَقِمِ الصَّلاةَ))، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، ((وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ))، ((أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ))، ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ))، أوامر كثيرة جداً ومن بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: اقرأ. وليس هذا فقط بل إن ا

ضوابط القراءة الصحيحة

ضوابط القراءة الصحيحة وربنا سبحانه وتعالى يضع لك ضابطين هامين للقراءة في هذه الآيات الخمس الأولى: يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، فلا بد أن تكون القراءة باسم الله، فلا يجوز أن نقرأ ما يغضب الله عز وجل، أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته، إنما القراءة لله عز وجل، وعلى منهج الله عز وجل لنفع الأرض والبشر، لخير الدنيا والآخرة، أما القراءة التافهة أو المنحرفة أو الضالة أو المضلة فهذه ليست القراءة التي أمر الله عز وجل بها. الضابط الآخر: هو ألا تخرجك هذه القراءة أو هذا العلم المنقول عن التواضع، فلا تكن متكبراً بالعلم الذي علمت، بل اعلم أن الله عز وجل كريم وهو الذي منّ عليك بالتعليم، يقول تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3 - 5]، فهذا المعنى يجب ألا يغيب أبداً عن أذهان القارئين أو المتعلمين مهما وصلوا إلى أعلى درجات العلم في زمانهم، بل يعلموا دائماً أن الله عز وجل هو الذي علمهم، ومنّ عليهم بالعلم، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. إذاً: لا تتكبر بما تعرف على من لا يعرف.

ضوابط القراءة الصحيحة

ضوابط القراءة الصحيحة وربنا سبحانه وتعالى يضع لك ضابطين هامين للقراءة في هذه الآيات الخمس الأولى: يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، فلا بد أن تكون القراءة باسم الله، فلا يجوز أن نقرأ ما يغضب الله عز وجل، أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته، إنما القراءة لله عز وجل، وعلى منهج الله عز وجل لنفع الأرض والبشر، لخير الدنيا والآخرة، أما القراءة التافهة أو المنحرفة أو الضالة أو المضلة فهذه ليست القراءة التي أمر الله عز وجل بها. الضابط الآخر: هو ألا تخرجك هذه القراءة أو هذا العلم المنقول عن التواضع، فلا تكن متكبراً بالعلم الذي علمت، بل اعلم أن الله عز وجل كريم وهو الذي منّ عليك بالتعليم، يقول تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3 - 5]، فهذا المعنى يجب ألا يغيب أبداً عن أذهان القارئين أو المتعلمين مهما وصلوا إلى أعلى درجات العلم في زمانهم، بل يعلموا دائماً أن الله عز وجل هو الذي علمهم، ومنّ عليهم بالعلم، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. إذاً: لا تتكبر بما تعرف على من لا يعرف.

فداء أسارى بدر لأنفسهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة

فداء أسارى بدر لأنفسهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة ومن مواقف السيرة الرائعة والدالة على أهمية القراءة موقف فداء الأسرى في بدر، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك أن يفدي نفسه بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة! وبالذات في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية، والأمية لم تكن عيباً في ذلك الزمن، لكن مع ذلك فقد كانت القراءة والكتابة حاجتان أساسيتان لأي أمة تريد النهوض والقيام. والمسلمون في بدر كانوا يحتاجون إلى الأموال، والاحتفاظ بالأسرى؛ للضغط على قريش، ولتبادل الأسرى إن حدث أن أسر أحد المسلمين، ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع ما هو أهم من كل ذلك، وهو أن يعلّم المسلمين القراءة. والصحابي الذي كان يستطيع أن يقرأ في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقدَّم دائماً على غيره، فـ زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقاً لرسول صلى الله عليه وسلم ملاصقة شبه دائمة؛ لأنه يُتقن القراءة والكتابة، حتى صار كاتبًا للوحي والرسائل، ومترجماً للسريانية والعبرية، كل ذلك وعمره ثلاث عشرة سنة، أي: كأول إعدادي أو ثاني إعدادي في زمننا الآن. وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، كان أكثر صحابي حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث، فقد قال عن نفسه كما جاء في البخاري: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، فهو يستثني واحداً ممن روى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ لأنه يقرأ ويكتب.

قيمة القراءة في الميزان الإسلامي

قيمة القراءة في الميزان الإسلامي لهذه المواقف ولغيرها غُرس حب القراءة فعلاً في قلوب المسلمين، ولم يكن هذا فقط في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الصحابة بل في مراحل التاريخ الإسلامي كله، فالمكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي كانت من أعظم مكتبات العالم، وليس هذا لمدة سنين قليلة بل لمدة قرون طويلة، فعلى سبيل المثال: مكتبة بغداد وقرطبة وإشبيلية وغرناطة وفاس والقيروان والقاهرة ودمشق وصنعاء وطرابلس والمدينة ومكة والقدس وغيرها، فهذا تاريخ طويل من الثقافة والحضارة والعلم. هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي والتاريخ الإسلامي. ومع كل هذا التاريخ وكل هذه القيمة إلا أنه وللأسف الشديد فإن أمة الإسلام الآن تعاني من أمية شديدة! وانتكاسة حقيقية في الأمة التي أول كلمة من دستورها: اقرأ. فإن نسبة الأمية التامة في العالم الإسلامي 37% لا يعرفون القراءة أصلاً، فضلاً أن يقرءوا أشياء ويتركوا أشياء، فالعالم الإسلامي يُنفق على التعليم أقل من 4% من الناتج القومي الإجمالي، وهذه نسبة قليلة جداً بالقياسات العالمية، فالموضوع ليس في بؤرة الاهتمام عند المسلمين، وهذه مشكلة خطيرة جداً وتحتاج إلى وقفة. وهنالك درجات من الأمية موجودة عند أناس يعرفون القراءة والكتابة، وقد يكونون أنهوا دراساتهم الجامعية، وأحياناً معهم دكتوراه وعندهم أمية، فهم لا يعرفون أشياء مهمة جداً عن أشياء كثيرة يحتاجونها في حياتهم. هناك أناس عندهم أمية دينية وقد يكون أستاذاً في الجامعة، أو دكتوراً كبيراً، أو محامياً كبيراً وهو لا يعلم الأساسيات التي يقوم عليها دينه. وهذا أستاذ في الجامعة بلغ الخامسة والأربعين سنة أو أكثر من ذلك لا يعلم ماذا يقرأ في التشهد في الصلاة! وهذه أستاذة أخرى تصلي في المنزل جماعة مع زوجها، يؤم بها مرة وتؤم به مرة فهي لا تفهم شيئاً وهو لا يفهم شيئاً، فهذه الأخطاء تحدث في الصلاة التي هي عماد الدين فما بالك في الأمور الأخرى! فهذه أمية فاضحة. وأقيمت مسابقة بين شباب الجامعة وكان أحد الأسئلة فيها عن ترتيب الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فلم يستطع أحد منهم أن يجيب عن هذا السؤال. وهنالك أناس لديهم أمية سياسية؛ فهم لا يعرفون ماذا يحدث من حولهم؟ لا يعرفون ما يحدث في فلسطين أو العراق، أو أمريكا أو أوروبا، بل إنهم لا يعرفون ما يحدث في بلادهم. وهنالك أناس لديهم أمية في القانون، فلا يعلمون ما هي الحقوق التي لهم والواجبات التي عليهم. وعلى ذلك فقس كل العلوم. فالناس لا يقرءون القراءة التي تكفل لهم حياة سليمة، فضلاً عن تحصيل العلم, والقراءة المتخصصة، والثقافة العالية، فهذه أحلام عند أناس آخرين. فهذه ردة حضارية خطيرة، نحن كنا أين؟ ووصلنا إلى ماذا الآن؟ سبحان الله! إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: اقرأ، ولا يمكن أن تقوم الأمة من غير قراءة، ولهذا قال أحد المسئولين اليهود: نحن لا نخشى أمة العرب؛ لأن أمة العرب أمة لا تقرأ، وصدق اليهودي وهو كذوب؛ فالأمة التي لا تقرأ أمة غير مهابة وغير مرهوبة، فهذا أمر لا بد أن نضعه في أذهاننا. وأحياناً تجد مشكلة أخرى، فقد تجد بعض الشباب يقضون وقتًا طويلاً في القراءة، منهم من صرف عمره في قراءة عشرات الصفحات من أخبار الرياضة، ومنهم من صرف عمره في قراءة أخبار الفن، ومنهم من صرفت عمرها في قراءة القصص العاطفية والروايات الغرامية والألغاز البوليسية، فهم بالفعل يقرءون حروفاً كثيرة جداً وكلمات كثيرة جداً، وصفحات وكتب ومجلدات لكن بدون أي فائدة، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنين والفائدة لا شيء! فالأمر في غاية الخطورة؛ والقراءة في غاية الأهمية، والمادة التي تقرأها في غاية الأهمية. إذاً: لدينا مشكلتان رئيسيتان: المشكلة الأولى: إن هناك أناس لم يتعودوا على القراءة، ويملّون من القراءة، وكلما تعلو همتهم يعودوا من جديد إلى الكسل، وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم عن وسائل تعينهم على القراءة وعلى الاستمرار فيها. والمشكلة الثانية: إن هناك أناس يقرءون فعلاً، ولا يملون من القراءة، ينفقون فيها وقتاً طويلاً، ولكنهم يقرءون بلا هدف، ولا يعرفون ماذا يقرءون لتصبح قراءتهم نافعة؟! وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم ماذا يجب أن يقرءوا؟

الوسائل المعينة على القراءة النافعة

الوسائل المعينة على القراءة النافعة والوسائل المعينة على القراءة عشر وسائل:

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص الوسيلة العاشرة: أن تنقل من العارفين السابقين المتخصصين، فابدأ من حيث انتهى الآخرون، واسأل متخصصاً: ماذا أقرأ؟ وبماذا أبدا؟ وما هو أفضل كتاب في هذا الموضوع وماذا أقرأ بعده؟ والإنسان قد يضيّع وقتاً كبيراً في قراءة كتاب غير مفيد، أو في قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق. فكل العلماء السابقون أخذوا عن غيرهم، وبدءوا من حيث انتهى الذين سبقوهم، ولذلك استفادوا وأفادوا غيرهم، وما تكبَّر أحد منهم أبداً على أن يتعلم ويسعى في طلب العلم ويسأل غيره، بل كانوا يسافرون المسافات الطويلة للتعلم وكانوا من أعظم العلماء فالإمام البخاري والنووي وابن القيم وابن الجوزي وغيرهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بنقل علوم غيرهم، ثم الإضافة إليها والتطوير فيها فهداهم الله عز وجل, وهدى بهم أجيالاً وأجيالاً.

التعاون مع الآخرين في القراءة

التعاون مع الآخرين في القراءة الوسيلة التاسعة: أن تتعاون مع أصحابك وإخوانك في القراءة: كوّن مجموعةً من أصحابك للقراءة، كل واحد يقرأ في مجاله، وتلتقون مرة أو مرتين في الأسبوع، أو مرة كل أسبوعين حسب ظروفكم، وكلٌ واحد يلخص لإخوانه ما قرأ وتبادلوا المعلومات، فبدلاً من عينين اثنتين تقرآن ستصبح عشرة أعين، وبدلاً مما يستوعبه عقل واحد ستصبح خمسة عقول، وكلما كسل أحدهم فالآخر سيحفزه ويشجعه، والشيطان لن يستطيع أن يتغلب عليكم وأنتم مجتمعون، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين فالوسيلة الثامنة: انقل ما تقرأ إلى غيرك: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (بلغوا عني ولو آية)، فأي معلومة تقرؤها وصلها لغيرك وستستفيد ألف فائدة، فالمعلومة ستثبت في ذهنك إن شاء الله، وغيرك سيتعلم ويستفيد، وستأخذ مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، وسيرضى الله عنك ويبارك لك في عملك. وتذكر دائمًا: من عمل بما يعلم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم، فكلما علّمت الناس شيئاً فإن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك ويزيدك علماً أكثر، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].

تكوين مكتبة متنوعة في البيت

تكوين مكتبة متنوعة في البيت الوسيلة السابعة: تكوين مكتبة متنوعة في البيت. أتمنى للذين لديهم غرفة نوم، وغرفة طعام، وغرفة استضافة أن يفكروا في المكتبة، فهذا ليس عملاً ثانوياً، ووسيلة من وسائل الترف، بل هو شيء أساسي في البيت، ليس مهمًا أن تكون المكتبة فخمة أو فاخرة، لكن المهم الكتب التي فيها، ينبغي أن يكون في ذهنك مشروع واضح لشراء مجموعة ضخمة من الكتب، وهذا الكلام للناس كلهم للأغنياء والفقراء على حدٍ سواء، ضع جدولاً في شراء الكتب في غضون سنة أو سنتين أو عشر سنين أو عشرين سنة بقدر ما تستطيع، والإنسان إذا أحس بقيمة الكتاب سيوفر من أكله ويشتري الكتاب، فأحياناً قد يأكل الإنسان أكلة بثمن أربعة أو خمسة كتب، وقد يشتري قميصاً بثمنه عشرة كتب، وقد خرج في رحلة أسبوع بثمن مكتبة قيّمة جدًا. ضع هذا الموضوع في ذهنك وكوّن مكتبة شاملة لكل أنواع المعارف، ولو كتاباً في كل فرع، فمثلاً: كتاب في العلوم السياسية، وكتاب في العلوم الاقتصادية، وكتاب في الفقه، وكتاب في الحديث، وكتاب في الأدب، وفي غيرها من الفروع المختلفة، فإذا ما احتجت كتاباً في فرع معين تجده، وأحياناً المعلومة التي تحصلها وتكون محتاجها يكون ثمنها أغلى من ثمن الكتاب ألف مرة، فلا بد أن يكون عندك مصدر في كل فرع من فروع العلم. وأحياناً قد تمل من القراءة في مجال معين فتنتقل إلى كتاب في مجال آخر وهكذا، وضع في ذهنك أن المكتبة لن تنفعك فحسب لكنها ستنفعك أنت وزوجتك وأولادك وقد تنفع أحفادك وأحفاد أحفادك، وقد رأيت أناساً يقرءون كتباً اشتراها أجدادهم أو آباء أجدادهم، فهم لا يزالون يحصلون على الحسنات إلى الآن من جراء هذه المكتبة التي خلفوها وراءهم، فهذه تعد من الصدقات الجارية العظيمة جداً. أما الوسيلة الثامنة والتاسعة والعاشرة، فهي علاقات بينك وبين الآخرين: إلى ومع ومن.

تنسيق المعلومات وتسجيلها

تنسيق المعلومات وتسجيلها الوسيلة السادسة: التنسيق للمعلومات, والتنظيم لكل شيء. حاول أن تكون منظماً في كل شيء، المعلومات التي تقوم بتسجيلها في كشكول لا تسجلها مبعثرة، المسلم منظم في حياته، ليكن لديك كشكول للعلوم الشرعية، وكشكول للعلوم السياسية، وكشكول للقراءات الأدبية، وكشكول للتاريخ، وإذا كنت أكثر تخصصًا قسّم هذه الدفاتر إلى أقسام أكثر تفصيلاً، فمثلاً: كشكول العلوم الشرعية يكون فيه فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة وغيرها، وضع ذلك كله في صورة منظمة في البيت بحيث تستطيع أن ترجع بسهولة للمعلومة التي تريدها، وأن تضيف معلومات في المكان الذي ينبغي أن تضيف فيه، فهذا النظام سيوفر لك وقتاً طويلاً، وسيجعل بيتك وعقلك منظمين، إن بعض الناس عقولهم غير منظمة، فيأتون بمعلومة من الشرق والغرب، والبعض الآخر عقولهم منظمة، فكل شيء عندهم محسوب، ولا يبتعدون عن أهدافهم ولا يخرجون عن الموضوع كثيراً، والموضوع الذي يأتي بالتدريب والمران له فوائد لا تحصى. أنا ألقي بعض المحاضرات من أوراق كتبتها منذ أكثر من عشر سنين أو من خمس عشرة سنة، ما تأتي سنة إلا وأضيف إليها معلومة، والمحاضرة التي كنت أؤديها منذ عشر سنين أصبحت الآن عشرًا أو عشرين محاضرة، ولا شيء ينقص بل يزيد، والفضل يرجع للتنظيم والترتيب والتنسيق، وهذا غير الراحة النفسية التي يضفيها النظام على حياتك وحياة الناس الذين معك، وربنا يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة الوسيلة الرابعة: التدرج. أنا أعلم أن البعض سيتحمس جداً وسيشتري كذا كتاب، ويبدأ يفرّغ أوقاتًا طويلة جداً للقراءة؛ لأهمية القراءة، وقد يطغى وقت القراءة على أعمال أخرى هامة جداً في حياته! فمؤكد أن لديك أعمالاً أخرى غير القراءة أيضاً، وعندما تختل موازين حياتك ستشعر أن القراءة هي السبب، فيكون ذلك سبباً لهجر القراءة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين؛ فأوغل فيه برفق)، وخاصةً إذا لم تكن متعودًا على القراءة، وإلا ستجد نفسك قد مللت سريعًا, لتكن مثل لاعب الماراثون الذي يجري لمسافات طويلة فإنه يبتدئ أولاً ببطء, ثم يسرع بالتدريج، فالقراءة منهج حياة، وطريق القراءة مشوار حياتك كلها، يحتاج إلى أن تبتدئ فيه بتعقل وروية حتى تستطيع أن تصل بإذن الله. فبعض الناس قد يكتبون، والبعض الآخر لا يكتبون إنما يسمعون العلم ويراجعونه مع أنفسهم، فالأفضل لهم تسجيل النقاط أولاً حتى يتمكنوا من مراجعة العلم.

الجدية في القراءة

الجدية في القراءة الوسيلة الخامسة: الجدية. القراءة ليست هواية، إنما هي عمل جاد يحتاج إلى مجهود وفكر، ووقت، ومال، وتضحية، فلا بد أن تأخذ الموضوع بجدية؛ أنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، ولكي تستفيد وتفيد، فأنت تعمل عملاً كبيراً جداً عندما تقرأ، فليس لك من القراءة إلا ما عقلت؛ لذلك لا بد أن تفهم ما تقرأ، اقرأ أي كتابٍ وكأنك تذاكره، وليس مجرد قراءة، وليكن معك كشكولاً أو أوراقاً لتسجيل ملاحظاتك، فقد تجد معلومة تريد أن تخبر بها إخوانك وأصحابك، أو مسألة لم تفهمها فاكتبها لكي تسأل متخصصاً أو عالماً، أو هنا لك عناصر مهمة جداً في الموضوع، أو إضافة قرأتها في مكان آخر، أو اعتراض على نقطة معينة وهكذا، وستجد أن معك كشكولاً في غاية الأهمية وستركز جداً في كل كلمة تقرؤها، فلو أخذت الموضوع بجد ستجد إمكانياتك أكثر بكثير مما تتخيله، وتحصيلك أضعاف أضعاف ما تعتقد، والمتتبع لقصص الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين يعرف المعنى الحقيقي للجدية التي أقصدها. فمثلاً: زيد بن ثابت كان متقدماً على الصحابة لقراءته، وكذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، والشافعي أو أحمد بن حنبل أو الخوارزمي أو جابر بن حيان أو أبو بكر الرازي رحمهم الله جميعاً، فإن كل واحد من هؤلاء قد تعب في مجاله، وأخذ الموضوع بمنتهى الجدية؛ حتى إلى المستوى الذي وصل إليه في المجال الذي هو متخصص فيه، إن إمكانيات البشر فوق تخيّل البشر بكثير جداً، وسبحان الذي خلق فسوّى.

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة الوسيلة الثالثة: تحديد وقت ثابت للقراءة واستغلال الفراغات البينية، وهذا يعني ألا تنتظر إلى آخر اليوم لكي تقرأ الذي كان يجب أن تقرأه في أول النهار، ليكن لك وقت معروف ومحدد قدر ما تستطيع تقرأ فيه، حاول أن يكون ذهنك نشيطاً في هذا الوقت، وتكون فيه مستريحاً حتى تستطيع التركيز وتخرج بنتيجة، وليس مجرد تأدية واجب. ليكن وقت القراءة -مثلاً- بعد صلاة الفجر إلى الشروق، أو قبل المغرب بساعة، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء مباشرة أي: حسب ظروفك، حدّد وقتاً معيّناً، وغيّر الوقت حسب الظروف التي تناسبك في حياتك بحيث لا يكون هذا التغيير متكرر وكثير. استغل الفراغات البينية في حياتك، وهي الفراغات التي بين الأعمال، إذ أنه عادةً ما يكون هناك فراغ وقتي، حاول أن تستغله في القراءة، فمثلاً: في المواصلات أو في متجرك عند عدم وجود زبائن، أو في حال انتظارك في عيادة طبيب أو عند حلاق أو في مكتب أو غيره، ستجد أوقاتاً كثيرةً جداً اجتمعت لك، وليكن كتابك دائمًا معك في كيس أو في حقيبة أو في يدك، وبمجرد أن تجد ربع ساعة فارغة استغلها، وستجد أن اليوم صار طويلاً وبركته زادت وربنا معك.

استحضار النية

استحضار النية الوسيلة الأولى وهي أهم الوسائل على الإطلاق: استحضار النية وتحديد الهدف. فالناس لا يقرءون وعندهم مشكلة في القراءة؛ لأنهم لا يعرفون لماذا يقرءون؟ لو عندك امتحان في كتاب معيّن فستقرؤه، أو عندك وظيفة تحتاج إلى معلومات معيّنة ستذهب وتقرؤها، فالنية هي التي تحدد قدر الثواب الذي ستحصل عليه، فقد تعمل عملاً معيناً تأخذ عليه عشر حسنات، وقد تعمل نفس العمل بنية أفضل وأكثر تأخذ مائة حسنة أو ألف حسنة، وقد تعمل نفس العمل ويحبط تماماً إذا لم تكن النية سليمة. فأنا أقرأ؛ لأن الله عز وجل أمرني بالقراءة، قال لي وقال لكل المسلمين بصيغة الأمر المباشر وبمنتهى الوضوح: ((اقْرَأْ))؛ ولذلك فأنا أطيع الله عز وجل وأقرأ، بهذا سيتحول كل حرف تقرؤه إلى حسنات. وأنا أقرأ؛ لأنفع نفسي في الدنيا والآخرة؛ فلا فلاح في الدنيا والآخرة بغير العلم. وأنا أقرأ؛ لأنفع من حولي: أولادي وأمي وأبي وإخواني وأخواتي وأقاربي وأصحابي, ومن أعرف, ومن لا أعرف، فأصبح كحامل المسك لا يجاوره أحد إلا وشم من طيبه ورائحته. وأنا أقرأ؛ لأنفع أمتي؛ لأن أمة لا تقرأ أمة غير مرهوبة، ومتخلفة عن الركب، ومتبعة لغيرها، لذلك أنا أقرأ لأجعل أمتي في مقدمة الأمم. فارضاء رب العالمين بقراءتك، ونفعك لنفسك، ولأمتك ولمن تحب من الدوافع العظيمة التي ستُشعل حماستك للقراءة. فطالما أن هذه النية في ذهنك فلن تغيب عنك الضوابط التي ذُكرت في صدر سورة العلق؛ فأنت تقرأ باسم الله فلا بد أن تكون قراءتك على هذا المستوى، وأنت لا تتكبر بقراءتك وعلمك؛ لأنك تعلم أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك بهذا الفضل. فلو حرصت على استحضار النية وتحديد الهدف ستكسب في كل قراءة أشياء في غاية الأهمية: أولاً: ستحصل على الأجر والثواب، كلما تقرأ علماً نافعاً فإنه سيكون لك بكل حرف تقرؤه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله لمن يشاء، وستكسب ترسيخ المعلومة في ذهنك؛ لأن لها هدف معروف وهدف نبيل، وستستمتع استمتاعاً حقيقياً بكل ما تقرأ، وهذا ينطبق على العلوم الشرعية وغيرها، سيستمتع قارئ السياسة بما يقرأ، وقارئ الاقتصاد بما يقرأ، وقارئ التاريخ بما يقرأ. بل سيستمتع كل طالب بالمذاكرة التي يذاكرها، وستختفي معظم مشاكل الآباء والمدرسين مع الأبناء والطلاب، فالآباء والمدرسون يوجبون على الطلاب المذاكرة دون توجيه النوايا وتحديد الأهداف فتضيع الساعات والأيام والشهور والسنوات ويخرج الطالب بعد دراسة ستة عشر أو سبعة عشر سنة أقرب إلى الأمية منه إلى العلم! فضياع الهدف كارثة حقيقية. إن علماء الإدارة يضعون أول شيء يجب أن تعمله لأي مشروع في حياتك هو تحديد الهدف بوضوح، فهو أهم وسيلة في المحافظة على القراءة.

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية الوسيلة الثانية: هي وضع خطة للقراءة. لا داعي للقراءة العشوائية، ضع خطة واضحة للقراءة، ولكي تضع خطة صحيحة لا بد أن تكون على علم بإمكانياتك جيداً، وبالوقت المتاح للقراءة، والكتب المتاحة لديك، وقدرتك على الاستيعاب، والهدف من القراءة. بعد معرفة كل هذه العناصر ضع خطة واضحة: فمثلاً: سأقر الكتب الخمسة في خلال الأشهر الستة القادمة، أو الكتب العشرين خلال السنة القادمة أو السنتين القادمتين، فضع الخطة التي تناسبك، واقرأ الكتاب أولاً بأول، وحاول ألا تغيّر كثيراً في الخطة التي وضعتها لنفسك إلا عند حدوث طوارئ خاصة حقيقية، اتعب أولاً في وضع الخطة وبعد ذلك التزم بها، والزم الوسط في وضع خطتك، ولا داعي للتفاؤل الكبير جداً فتضع عشرات الكتب في وقت قليل ثم تفشل في الإنجاز فتحبط، أو تضع كتباً قليلة فيضيع عليك الوقت، كن متوسطاً في خطتك. وليكن لك وقفة كل عدة أشهر مع نفسك للمتابعة والتقييم: هل كنتُ واقعياً في خطتي أم أن هناك أخطاءً؟ وإذا لم تحقق الإنجاز المطلوب هل هذا لأن الخطة ليست سليمة أو لأنه قد ظهرت معوقات تمنع من استمرار السير في الخطة بخطى سليمة؟ فكر وانظر وادرس الوضع الذي كنت فيه، وحاول تعديل خطتك حسب وضعك الذي أنت تستطيع أن تستوعب فيه الخطة الكاملة.

الوسائل المعينة على القراءة النافعة

الوسائل المعينة على القراءة النافعة والوسائل المعينة على القراءة عشر وسائل:

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص الوسيلة العاشرة: أن تنقل من العارفين السابقين المتخصصين، فابدأ من حيث انتهى الآخرون، واسأل متخصصاً: ماذا أقرأ؟ وبماذا أبدا؟ وما هو أفضل كتاب في هذا الموضوع وماذا أقرأ بعده؟ والإنسان قد يضيّع وقتاً كبيراً في قراءة كتاب غير مفيد، أو في قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق. فكل العلماء السابقون أخذوا عن غيرهم، وبدءوا من حيث انتهى الذين سبقوهم، ولذلك استفادوا وأفادوا غيرهم، وما تكبَّر أحد منهم أبداً على أن يتعلم ويسعى في طلب العلم ويسأل غيره، بل كانوا يسافرون المسافات الطويلة للتعلم وكانوا من أعظم العلماء فالإمام البخاري والنووي وابن القيم وابن الجوزي وغيرهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بنقل علوم غيرهم، ثم الإضافة إليها والتطوير فيها فهداهم الله عز وجل, وهدى بهم أجيالاً وأجيالاً.

التعاون مع الآخرين في القراءة

التعاون مع الآخرين في القراءة الوسيلة التاسعة: أن تتعاون مع أصحابك وإخوانك في القراءة: كوّن مجموعةً من أصحابك للقراءة، كل واحد يقرأ في مجاله، وتلتقون مرة أو مرتين في الأسبوع، أو مرة كل أسبوعين حسب ظروفكم، وكلٌ واحد يلخص لإخوانه ما قرأ وتبادلوا المعلومات، فبدلاً من عينين اثنتين تقرآن ستصبح عشرة أعين، وبدلاً مما يستوعبه عقل واحد ستصبح خمسة عقول، وكلما كسل أحدهم فالآخر سيحفزه ويشجعه، والشيطان لن يستطيع أن يتغلب عليكم وأنتم مجتمعون، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين فالوسيلة الثامنة: انقل ما تقرأ إلى غيرك: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (بلغوا عني ولو آية)، فأي معلومة تقرؤها وصلها لغيرك وستستفيد ألف فائدة، فالمعلومة ستثبت في ذهنك إن شاء الله، وغيرك سيتعلم ويستفيد، وستأخذ مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، وسيرضى الله عنك ويبارك لك في عملك. وتذكر دائمًا: من عمل بما يعلم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم، فكلما علّمت الناس شيئاً فإن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك ويزيدك علماً أكثر، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].

تكوين مكتبة متنوعة في البيت

تكوين مكتبة متنوعة في البيت الوسيلة السابعة: تكوين مكتبة متنوعة في البيت. أتمنى للذين لديهم غرفة نوم، وغرفة طعام، وغرفة استضافة أن يفكروا في المكتبة، فهذا ليس عملاً ثانوياً، ووسيلة من وسائل الترف، بل هو شيء أساسي في البيت، ليس مهمًا أن تكون المكتبة فخمة أو فاخرة، لكن المهم الكتب التي فيها، ينبغي أن يكون في ذهنك مشروع واضح لشراء مجموعة ضخمة من الكتب، وهذا الكلام للناس كلهم للأغنياء والفقراء على حدٍ سواء، ضع جدولاً في شراء الكتب في غضون سنة أو سنتين أو عشر سنين أو عشرين سنة بقدر ما تستطيع، والإنسان إذا أحس بقيمة الكتاب سيوفر من أكله ويشتري الكتاب، فأحياناً قد يأكل الإنسان أكلة بثمن أربعة أو خمسة كتب، وقد يشتري قميصاً بثمنه عشرة كتب، وقد خرج في رحلة أسبوع بثمن مكتبة قيّمة جدًا. ضع هذا الموضوع في ذهنك وكوّن مكتبة شاملة لكل أنواع المعارف، ولو كتاباً في كل فرع، فمثلاً: كتاب في العلوم السياسية، وكتاب في العلوم الاقتصادية، وكتاب في الفقه، وكتاب في الحديث، وكتاب في الأدب، وفي غيرها من الفروع المختلفة، فإذا ما احتجت كتاباً في فرع معين تجده، وأحياناً المعلومة التي تحصلها وتكون محتاجها يكون ثمنها أغلى من ثمن الكتاب ألف مرة، فلا بد أن يكون عندك مصدر في كل فرع من فروع العلم. وأحياناً قد تمل من القراءة في مجال معين فتنتقل إلى كتاب في مجال آخر وهكذا، وضع في ذهنك أن المكتبة لن تنفعك فحسب لكنها ستنفعك أنت وزوجتك وأولادك وقد تنفع أحفادك وأحفاد أحفادك، وقد رأيت أناساً يقرءون كتباً اشتراها أجدادهم أو آباء أجدادهم، فهم لا يزالون يحصلون على الحسنات إلى الآن من جراء هذه المكتبة التي خلفوها وراءهم، فهذه تعد من الصدقات الجارية العظيمة جداً. أما الوسيلة الثامنة والتاسعة والعاشرة، فهي علاقات بينك وبين الآخرين: إلى ومع ومن.

تنسيق المعلومات وتسجيلها

تنسيق المعلومات وتسجيلها الوسيلة السادسة: التنسيق للمعلومات, والتنظيم لكل شيء. حاول أن تكون منظماً في كل شيء، المعلومات التي تقوم بتسجيلها في كشكول لا تسجلها مبعثرة، المسلم منظم في حياته، ليكن لديك كشكول للعلوم الشرعية، وكشكول للعلوم السياسية، وكشكول للقراءات الأدبية، وكشكول للتاريخ، وإذا كنت أكثر تخصصًا قسّم هذه الدفاتر إلى أقسام أكثر تفصيلاً، فمثلاً: كشكول العلوم الشرعية يكون فيه فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة وغيرها، وضع ذلك كله في صورة منظمة في البيت بحيث تستطيع أن ترجع بسهولة للمعلومة التي تريدها، وأن تضيف معلومات في المكان الذي ينبغي أن تضيف فيه، فهذا النظام سيوفر لك وقتاً طويلاً، وسيجعل بيتك وعقلك منظمين، إن بعض الناس عقولهم غير منظمة، فيأتون بمعلومة من الشرق والغرب، والبعض الآخر عقولهم منظمة، فكل شيء عندهم محسوب، ولا يبتعدون عن أهدافهم ولا يخرجون عن الموضوع كثيراً، والموضوع الذي يأتي بالتدريب والمران له فوائد لا تحصى. أنا ألقي بعض المحاضرات من أوراق كتبتها منذ أكثر من عشر سنين أو من خمس عشرة سنة، ما تأتي سنة إلا وأضيف إليها معلومة، والمحاضرة التي كنت أؤديها منذ عشر سنين أصبحت الآن عشرًا أو عشرين محاضرة، ولا شيء ينقص بل يزيد، والفضل يرجع للتنظيم والترتيب والتنسيق، وهذا غير الراحة النفسية التي يضفيها النظام على حياتك وحياة الناس الذين معك، وربنا يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة الوسيلة الرابعة: التدرج. أنا أعلم أن البعض سيتحمس جداً وسيشتري كذا كتاب، ويبدأ يفرّغ أوقاتًا طويلة جداً للقراءة؛ لأهمية القراءة، وقد يطغى وقت القراءة على أعمال أخرى هامة جداً في حياته! فمؤكد أن لديك أعمالاً أخرى غير القراءة أيضاً، وعندما تختل موازين حياتك ستشعر أن القراءة هي السبب، فيكون ذلك سبباً لهجر القراءة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين؛ فأوغل فيه برفق)، وخاصةً إذا لم تكن متعودًا على القراءة، وإلا ستجد نفسك قد مللت سريعًا, لتكن مثل لاعب الماراثون الذي يجري لمسافات طويلة فإنه يبتدئ أولاً ببطء, ثم يسرع بالتدريج، فالقراءة منهج حياة، وطريق القراءة مشوار حياتك كلها، يحتاج إلى أن تبتدئ فيه بتعقل وروية حتى تستطيع أن تصل بإذن الله. فبعض الناس قد يكتبون، والبعض الآخر لا يكتبون إنما يسمعون العلم ويراجعونه مع أنفسهم، فالأفضل لهم تسجيل النقاط أولاً حتى يتمكنوا من مراجعة العلم.

الجدية في القراءة

الجدية في القراءة الوسيلة الخامسة: الجدية. القراءة ليست هواية، إنما هي عمل جاد يحتاج إلى مجهود وفكر، ووقت، ومال، وتضحية، فلا بد أن تأخذ الموضوع بجدية؛ أنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، ولكي تستفيد وتفيد، فأنت تعمل عملاً كبيراً جداً عندما تقرأ، فليس لك من القراءة إلا ما عقلت؛ لذلك لا بد أن تفهم ما تقرأ، اقرأ أي كتابٍ وكأنك تذاكره، وليس مجرد قراءة، وليكن معك كشكولاً أو أوراقاً لتسجيل ملاحظاتك، فقد تجد معلومة تريد أن تخبر بها إخوانك وأصحابك، أو مسألة لم تفهمها فاكتبها لكي تسأل متخصصاً أو عالماً، أو هنا لك عناصر مهمة جداً في الموضوع، أو إضافة قرأتها في مكان آخر، أو اعتراض على نقطة معينة وهكذا، وستجد أن معك كشكولاً في غاية الأهمية وستركز جداً في كل كلمة تقرؤها، فلو أخذت الموضوع بجد ستجد إمكانياتك أكثر بكثير مما تتخيله، وتحصيلك أضعاف أضعاف ما تعتقد، والمتتبع لقصص الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين يعرف المعنى الحقيقي للجدية التي أقصدها. فمثلاً: زيد بن ثابت كان متقدماً على الصحابة لقراءته، وكذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، والشافعي أو أحمد بن حنبل أو الخوارزمي أو جابر بن حيان أو أبو بكر الرازي رحمهم الله جميعاً، فإن كل واحد من هؤلاء قد تعب في مجاله، وأخذ الموضوع بمنتهى الجدية؛ حتى إلى المستوى الذي وصل إليه في المجال الذي هو متخصص فيه، إن إمكانيات البشر فوق تخيّل البشر بكثير جداً، وسبحان الذي خلق فسوّى.

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة الوسيلة الثالثة: تحديد وقت ثابت للقراءة واستغلال الفراغات البينية، وهذا يعني ألا تنتظر إلى آخر اليوم لكي تقرأ الذي كان يجب أن تقرأه في أول النهار، ليكن لك وقت معروف ومحدد قدر ما تستطيع تقرأ فيه، حاول أن يكون ذهنك نشيطاً في هذا الوقت، وتكون فيه مستريحاً حتى تستطيع التركيز وتخرج بنتيجة، وليس مجرد تأدية واجب. ليكن وقت القراءة -مثلاً- بعد صلاة الفجر إلى الشروق، أو قبل المغرب بساعة، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء مباشرة أي: حسب ظروفك، حدّد وقتاً معيّناً، وغيّر الوقت حسب الظروف التي تناسبك في حياتك بحيث لا يكون هذا التغيير متكرر وكثير. استغل الفراغات البينية في حياتك، وهي الفراغات التي بين الأعمال، إذ أنه عادةً ما يكون هناك فراغ وقتي، حاول أن تستغله في القراءة، فمثلاً: في المواصلات أو في متجرك عند عدم وجود زبائن، أو في حال انتظارك في عيادة طبيب أو عند حلاق أو في مكتب أو غيره، ستجد أوقاتاً كثيرةً جداً اجتمعت لك، وليكن كتابك دائمًا معك في كيس أو في حقيبة أو في يدك، وبمجرد أن تجد ربع ساعة فارغة استغلها، وستجد أن اليوم صار طويلاً وبركته زادت وربنا معك.

استحضار النية

استحضار النية الوسيلة الأولى وهي أهم الوسائل على الإطلاق: استحضار النية وتحديد الهدف. فالناس لا يقرءون وعندهم مشكلة في القراءة؛ لأنهم لا يعرفون لماذا يقرءون؟ لو عندك امتحان في كتاب معيّن فستقرؤه، أو عندك وظيفة تحتاج إلى معلومات معيّنة ستذهب وتقرؤها، فالنية هي التي تحدد قدر الثواب الذي ستحصل عليه، فقد تعمل عملاً معيناً تأخذ عليه عشر حسنات، وقد تعمل نفس العمل بنية أفضل وأكثر تأخذ مائة حسنة أو ألف حسنة، وقد تعمل نفس العمل ويحبط تماماً إذا لم تكن النية سليمة. فأنا أقرأ؛ لأن الله عز وجل أمرني بالقراءة، قال لي وقال لكل المسلمين بصيغة الأمر المباشر وبمنتهى الوضوح: ((اقْرَأْ))؛ ولذلك فأنا أطيع الله عز وجل وأقرأ، بهذا سيتحول كل حرف تقرؤه إلى حسنات. وأنا أقرأ؛ لأنفع نفسي في الدنيا والآخرة؛ فلا فلاح في الدنيا والآخرة بغير العلم. وأنا أقرأ؛ لأنفع من حولي: أولادي وأمي وأبي وإخواني وأخواتي وأقاربي وأصحابي, ومن أعرف, ومن لا أعرف، فأصبح كحامل المسك لا يجاوره أحد إلا وشم من طيبه ورائحته. وأنا أقرأ؛ لأنفع أمتي؛ لأن أمة لا تقرأ أمة غير مرهوبة، ومتخلفة عن الركب، ومتبعة لغيرها، لذلك أنا أقرأ لأجعل أمتي في مقدمة الأمم. فارضاء رب العالمين بقراءتك، ونفعك لنفسك، ولأمتك ولمن تحب من الدوافع العظيمة التي ستُشعل حماستك للقراءة. فطالما أن هذه النية في ذهنك فلن تغيب عنك الضوابط التي ذُكرت في صدر سورة العلق؛ فأنت تقرأ باسم الله فلا بد أن تكون قراءتك على هذا المستوى، وأنت لا تتكبر بقراءتك وعلمك؛ لأنك تعلم أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك بهذا الفضل. فلو حرصت على استحضار النية وتحديد الهدف ستكسب في كل قراءة أشياء في غاية الأهمية: أولاً: ستحصل على الأجر والثواب، كلما تقرأ علماً نافعاً فإنه سيكون لك بكل حرف تقرؤه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله لمن يشاء، وستكسب ترسيخ المعلومة في ذهنك؛ لأن لها هدف معروف وهدف نبيل، وستستمتع استمتاعاً حقيقياً بكل ما تقرأ، وهذا ينطبق على العلوم الشرعية وغيرها، سيستمتع قارئ السياسة بما يقرأ، وقارئ الاقتصاد بما يقرأ، وقارئ التاريخ بما يقرأ. بل سيستمتع كل طالب بالمذاكرة التي يذاكرها، وستختفي معظم مشاكل الآباء والمدرسين مع الأبناء والطلاب، فالآباء والمدرسون يوجبون على الطلاب المذاكرة دون توجيه النوايا وتحديد الأهداف فتضيع الساعات والأيام والشهور والسنوات ويخرج الطالب بعد دراسة ستة عشر أو سبعة عشر سنة أقرب إلى الأمية منه إلى العلم! فضياع الهدف كارثة حقيقية. إن علماء الإدارة يضعون أول شيء يجب أن تعمله لأي مشروع في حياتك هو تحديد الهدف بوضوح، فهو أهم وسيلة في المحافظة على القراءة.

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية الوسيلة الثانية: هي وضع خطة للقراءة. لا داعي للقراءة العشوائية، ضع خطة واضحة للقراءة، ولكي تضع خطة صحيحة لا بد أن تكون على علم بإمكانياتك جيداً، وبالوقت المتاح للقراءة، والكتب المتاحة لديك، وقدرتك على الاستيعاب، والهدف من القراءة. بعد معرفة كل هذه العناصر ضع خطة واضحة: فمثلاً: سأقر الكتب الخمسة في خلال الأشهر الستة القادمة، أو الكتب العشرين خلال السنة القادمة أو السنتين القادمتين، فضع الخطة التي تناسبك، واقرأ الكتاب أولاً بأول، وحاول ألا تغيّر كثيراً في الخطة التي وضعتها لنفسك إلا عند حدوث طوارئ خاصة حقيقية، اتعب أولاً في وضع الخطة وبعد ذلك التزم بها، والزم الوسط في وضع خطتك، ولا داعي للتفاؤل الكبير جداً فتضع عشرات الكتب في وقت قليل ثم تفشل في الإنجاز فتحبط، أو تضع كتباً قليلة فيضيع عليك الوقت، كن متوسطاً في خطتك. وليكن لك وقفة كل عدة أشهر مع نفسك للمتابعة والتقييم: هل كنتُ واقعياً في خطتي أم أن هناك أخطاءً؟ وإذا لم تحقق الإنجاز المطلوب هل هذا لأن الخطة ليست سليمة أو لأنه قد ظهرت معوقات تمنع من استمرار السير في الخطة بخطى سليمة؟ فكر وانظر وادرس الوضع الذي كنت فيه، وحاول تعديل خطتك حسب وضعك الذي أنت تستطيع أن تستوعب فيه الخطة الكاملة.

قصة عبد الرحمن الناصر وإعادة بناء الدولة الإسلامية في الأندلس حال شبابه

قصة عبد الرحمن الناصر وإعادة بناء الدولة الإسلامية في الأندلس حال شبابه كذلك عبد الرحمن الناصر رحمه الله، تحدثنا عنه في مجموعة الأندلس من الفتح إلى السقوط، اقرأ سيرته، تابع خطواته، استمتع بخططه، تدبر في ترتيبه وإعداده وتنظيمه، استلم دولة مفككة مترهلة مشتتة، تموج بالثورات والفتن، يطمع فيها أهل الأرض جميعاً، وليس لها فيما يبدو للناس أمل في أن تقوم من جديد، فإذا به بصبر عجيب، وثبات نادر، وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس، يعيد للعلماء هيبتهم، يعيد للجيش الإسلامي رهبته، يوحد الصفوف، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جداً في الأندلس، يتفوق في كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، وكذلك المجال المعماري والترويحي، في كل المجالات، حتى أصبحت الأندلس في زمانه أقوى دولة بلا منازع على وجه الأرض، وجاء زعماء أوروبا جميعاً ليطلبوا وده، وليفوزوا برضاه. ملت عبد الرحمن الناصر أقوى ملوك أوروبا في القرون الوسطى. وعبد الرحمن الناصر رحمه الله استلم الحكم وهو يبلغ من العمر إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين سنة، سنة ثالثة أو رابعة جامعة، لماذا الشاب في الجامعة وبعد الجامعة يعتبر نفسه صغيراً عن السياسة، وصغيراً عن الاقتصاد، وصغيراً عن المشاكل الاجتماعية، وصغيراً عن التغيير، وصغيراً عن الإصلاح، وصغيراً على إنكار المنكر والأمر بالمعروف؟ يا أخي الشاب! لقد مر ثلث عمرك أو نصف عمرك، هذا إن قدر لك أن تعيش إلى خمسين أو ستين أو سبعين سنة، فحرام أن تمر السنوات من بين يديك وأنت ما زلت متعلقاً بلعبة أو فسحة أو صديقة أو قصة شعر أو موضة أو تلفاز أو متعلقاً بسهر على المقاهي أو النوادي ورجوع إلى البيت قبل الفجر، من سيرجع إليك هذا الوقت مرة أخرى؟! الرسول صلى الله عليه وسلم ينبهك: (اغتنم خمساً قبل خمس) وذكر منها: (شبابك قبل هرمك) الشباب لن يرجع مرة أخرى إذا بلغت الشيخوخة أو الهرم.

أسباب انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم

أسباب انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن، وبين ما ينبغي أن يكون عليه؟ من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم، لكن الخطأ خطأ مركب، فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل، أحصي لكم في هذه المحاضرة أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب:

الإحباط النفسي

الإحباط النفسي ثالثاً: الإحباط الذي انتاب الشباب نتيجة التردي في حال الأمة الإسلامية، من الناحية السياسة، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، بل والأخلاقية، فالشاب يشعر أنه لا فائدة ولا أمل؛ لأن الفجوة هائلة بيننا وبين معظم شعوب الأرض، هائلة بيننا وبين أمريكا، بيننا وبين أوروبا، بيننا وبين الصين، بيننا وبين اليابان، بيننا وبين الهند، بيننا وبين كوريا الشمالية، يأس وإحباط، ومستحيل مع وجود هذا اليأس أن يشعر الشاب بهويته وبقيمته.

غياب القدوة الصالحة

غياب القدوة الصالحة ثانياً: غياب القدوة الصالحة، قاعدة: ليس هناك تربية بغير قدوة، كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم شرب السجائر والسجارة لا تفارق يده، أو بحسن معاملة الجار وهو في شجار دائم معه، أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟! كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في الشباب الرحمة وعدم التركيز على المال، وهو يهمل في التدريس في حصة المدرسة، ليستنزف أموالهم بعد ذلك في الدروس الخصوصية؟! أو كيف يربيهم على الحرص على المال العام، والأمانة في العمل، وهو يهرب من حصص المدرسة؟! كيف يمكن لنظام الأمن في البلاد الإسلامية أن يأمر الشباب بعدم العنف وعدم الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وكل إرهاب مع عموم الشعب؟! غياب القدوة أمر خطير، من هم قدوة شباب أمة الإسلام؟! أتراه فناناً ماجناً أقرب إلى النساء منه إلى الرجال؟! أتراه لاعباً أنفق زهرة شبابه في اللعب؟! أتراه مليونيراً سرق أموال البلاد والعباد؟! أتراه مرتشياً تسلق على أكتاف الشعب إلى أعلى الدرجات؟! أتراه زعيماً ماركسياً أو قائداً ملحداً أو أديباً فاسقاً؟! أتراه شيوعياً أم يهودياً أم هندوسياً أم بغير ملة؟! أتراه واحداً من هؤلاء، أم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كم من شباب أمة الإسلام الآن يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة له؟! كم من الشباب يقتدي بـ الزبير، وطلحة، وسعد، والأرقم، وزيد؟! كم منهم يقتدي بـ أسامة، ومعاذ بن عمرو بن الجموح؟! كم منهم يضع نصب عينيه حياة محمد الفاتح، أو محمد القاسم، أو صلاح الدين، أو عبد الرحمن الناصر رحمهم الله جميعاً؟ يا شباب الأمة أفيقوا! خلف من تسيرون وإلى أي غاية تريدون الوصول؟ القدوة يا شباب أمة الإسلام. إذاً: هناك مشكلتان كبيرتان في هذا الوقت: مشكلة غياب التربية الإسلامية الواعية، ومشكلة غياب القدوة الصالحة.

غياب التربية الإسلامية الواعية

غياب التربية الإسلامية الواعية أولاً: غياب التربية الإسلامية الواعية، التربية أساساً تكون في البيت والمدرسة، وغياب معنى مراقبة الله عز وجل هو سبب رئيس وراء انهيار مستوى الشباب، من افتقاد قيمة الآخرة، وافتقاد الولاء لهذه العقيدة، إذا لم يكن البيت والمدرسة حريصين على ربط كل سلوكيات الأطفال والشباب بالعقيدة، فهناك خطورة كبيرة جداً على هوية شباب أمة الإسلام، والطامة الجديدة الكبرى هي إلغاء مادة الدين، رأينا هذا الكلام يحدث في هذا الوقت، استبدلت مادة الدين بمادة القيم والأخلاق، وبذلك توجه كل الأخلاق إلى عموميات لا ترتبط بالله عز وجل ولا بالآخرة، كن صادقاً؛ لأن الصدق شيء جميل، نعم هذا معنى، ولكن أعظم منه: كن صادقاً؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، اكفل يتيماً؛ لأن المجتمع يجب أن يتعاون، نعم هذا جميل، ولكن أجمل منه: اكفل يتيماً لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، وهكذا كل القيم والأخلاق إن لم ترتبط بالآخرة وبرضا الله عز وجل؛ فسيحدث لها مثل ما يحدث في كل المناهج العلمانية، إذا اختفى الرقيب ضاعت الأخلاق، ما أسهل الزنا في أمريكا، ما أسهل القتل في أمريكا، ما أسهل شرب الخمر في أمريكا، ما أسهل قتل الشعوب وسفك الدماء ونهب الثروات في أمريكا، أهذا ما تريدونه للشباب، أم من الأفضل أن يرتبط بمن يغير ولا يتغير سبحانه وتعالى، وأن يرتبط بالنعيم الذي لا يزول أبداً، بدلاً من أن يكون أقصى أحلامه أن يستمتع سنوات معدودات ثم يموت ويفنى؟! غياب التربية الإسلامية الواعية في البيت والمدرسة من أهم وسائل تحطيم شباب أمة الإسلام.

المجالات التي يوصى بالقراءة فيها

المجالات التي يوصى بالقراءة فيها أما الموضوع الثاني المهم جداً وهو: ماذا يمكن أن نقرأ؟ فالمسلم يقرأ في أمور كثيرة ليكون إنساناً متوازنًا، والإسلام له دور في كل نقطة من نقاط الحياة، فكل قراءة في كل المجالات النافعة في الدنيا تعتبر قراءة في منهج الإسلام. وهنا عشر مجالات نقرأ فيها، فهذه عينة مما يفترض أن نقرأه وهي بداية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وكل ميسر لما خلق له).

القراءة في مصنفات العلوم الشرعية

القراءة في مصنفات العلوم الشرعية المجال الثالث للقراءة هو: العلوم الشرعية بشتى أنواعها، فاعمل لنفسك برنامجاً، واستعن بأحد العلماء في وضع ذلك البرنامج، فعلوم الإسلام كثيرة جدًا، واقرأ كتاباً في كل فرع من فروع العلوم الشرعية، فسيعطيك هذا خلفية رائعة، ويبني لك قاعدة متينة تستطيع أن تبني عليها بعد ذلك بنياناً ضخماً إن شاء الله، وابدأ بكتب بسيطة مختصرة, وتوسع بعد ذلك مع مرور الوقت. فاقرأ مختصر تفسير ابن كثير، وهو كتاب رائع لتفسير القرآن، وبسيط وسهل ومباشر، ابدأ منه بقراءة تفسير جزء عمّ وتبارك، وبعد ذلك تفسير السور التي تحفظها كالكهف ويس والواقعة والبقرة، واعمل لنفسك جدولاً كما اتفقنا. واقرأ الجزء الأول من فقه السنة فهو يتحدث عن أحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، فهو مهم جدًا لأداء هذه العبادات الهامة بالصورة التي أمر الله عز وجل أن تتم بها. واقرأ كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين، فهو كتاب مبسط جدًا في العقائد الإسلامية، عن كيفية الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والقضاء خيره وشره. ومختصر منهاج القاصدين، وهو كتاب رائع في الرقائق والروحانيات وأمراض القلوب وعلاج أمراض القلوب: كالرياء والغضب والشح، وكيف تتوب إلى الله؟ وكيف تحب الله ويحبك الله؟ فهو كتابٌ جميلٌ حقًا، وهو مختصر إحياء علوم الدين للغزالي، والذي اختصره هو ابن قدامة المقدسي رحمه الله فقد بذل فيه مجهوداً ضخماً، فقد حذف أحاديث كثيرة ضعيفة، وحذف منه بعض المشاكل حتى أصبح كتاباً في منتهى القيمة. واقرأ كتاب خلق المسلم: للغزالي، فهو كتاب رائع في فهم الأخلاق الأساسية لكل مؤمن. واقرأ كتاب المرأة في التصور الإسلامي للدكتور عبد المتعال الجبري وهو كتاب مهم جداً في شرح قيمة المرأة ودور المرأة والشبهات التي أُثيرت حول المرأة والرد عليها، فهو كتاب مهم ليس للنساء فحسب بل للرجال أيضًا. واقرأ في شرح الأحاديث النبوية مثل كتاب جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب الحنبلي، فقد شرح حوالي خمسين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلوب جميل جداً ومنظم. وكتاب العبادة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي، فهو كتاب عميق في شرح معنى العبادة في الإسلام وشمول كلمة العبادة لكل أمور الحياة.

القراءة في كتب السنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم

القراءة في كتب السنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم المجال الثاني: أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وهي الجمل القصيرة التي تحوي معاني هائلة وضخمة، فحديث واحد قصير فيه كم هائل من المعرفة والحكمة، فنحن عندنا قصور شديد في هذا الجانب، فبعضنا يقرأ كثيراً القرآن الكريم لكن القليل منا هو الذي يمتِّع عينيه وعقله بكلمات الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ أحدنا هذه الأحاديث الشريفة فإنه يقرؤها بصورة عشوائية غير منتظمة، أنا أريد أن يكون جزءاً رئيسياً من تكوينك أن تقرأ أحاديث نبوية شريفة. ليكن في جدولك أن تقرأ كل يوم حديثاً أو اثنين، فالسنة كنز هائل من أعظم الكنوز بين أيدينا، وكتب السنة بفضل الله كثيرة جداً، وابدأ بالبسيط منها وتدرج، ابدأ مثلاً بالأربعين النووية، وبعد ذلك رياض الصالحين، وبعد ذلك اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، وبعد ذلك مختصر البخاري ومختصر مسلم وغيرهما، فكتب الأحاديث كثيرة جداً وفيها من الخير ما لا يتخيل.

القراءة في تخصصات العلوم الدنيوية

القراءة في تخصصات العلوم الدنيوية المجال الرابع: القراءة في مجال التخصص في العلوم الدنيوية، فالطبيب يقرأ في الطب، والمهندس يقرأ في الهندسة, والكيميائي في الكيمياء، والجغرافي في الجغرافيا وهكذا. اقرأ الجديد دائماً، وحسن من مستواك، وارفع من قدراتك وإمكانياتك، فهذا مجال في غاية الأهمية، نحن لا نريد المهندس أن يترك الهندسة ويدرس الفقه، ولا نريد من الفيزيائي يترك الفيزياء ويتخصص في التفسير، نحن كما أننا في حاجة إلى علماء في الشريعة فإننا في حاجة إلى علماء في علوم الحياة. وراجعوا محاضرة: أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة. دعيت إلى حفل تخريج دفعة من دفعات كلية العلوم، وكانوا يسألونني عن النصائح المهمة للخريج، ووجدت الكثير منهم بعث أسئلة مختصة بقضايا العمل والكسب والزواج ودخول الجيش، وهذه القضايا كلها في غاية الأهمية، ولم يذكر واحد منهم أن من مشاكلنا الرئيسية أو من قضاياه المهمة الرئيسية بعد أن ينتهي من كلية العلوم أن يحضر مثلاً الماجستير أو الدكتوراه أو دراسات متخصصة في مجال معيّن، فالذي يسجل دكتوراه وماجستير من غير المسلمين أو من المسلمين غير الملتزمين بالدين على العكس من المسلمين الملتزمين بدينهم والمتمسكين بشرعهم! فالمسلم المؤمن الملتزم بالدين لديه دوافع راقية جدًا للعلم والتفوق، فهو يطلب رضا الله سبحانه وتعالى والجنة، ويطلب عمارة الأرض، ونفع البشرية، وخدمة الإنسانية، وليس هذا إلا للمؤمن. إذاً: هذا مجال في غاية الأهمية ونحن عندنا فيه قصور، ولا بد أن نركز عليه تركيزاً هاماً لرفعة هذه الأمة، وهو القراءة في مجال التخصص في مجال العلوم الحياتية.

القراءة في كتب التاريخ

القراءة في كتب التاريخ المجال الخامس للقراءة قراءة التاريخ. فالتاريخ في غاية الأهمية، فثلث القرآن قصص الأولين، وهو تاريخ، والهدف واضح وهو استخراج العبرة, والتفكر في الأحداث، واستنباط سنة الله عز وجل في خلقه وفي أرضه. وأهم تاريخ تقرؤه هو تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تاريخ الخلفاء الأربعة، ثم بقية التاريخ الإسلامي، ثم التاريخ غير الإسلامي، فكل هذا مهم لكن هنالك أولويات، وأول ما تقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري، فهو شرح بسيط للسيرة النبوية من الميلاد إلى الوفاة، وممكن بعد ذلك تستعين بسيرة ابن هشام المحققة حتى تعرف الضعيف من الصحيح، وأيضاً كتاب السيرة النبوية للصلابي، وكتاب فقه السيرة للبوطي، وكتاب فقه السيرة للغزالي وغيرها، فكتب السيرة في منتهى الأهمية، ومن المهم أيضًا قراءة تاريخ الخلفاء الأربعة ككتاب إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للخضري رحمه الله. واقرأ عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وممكن أن تبدأ بكتاب صور من حياة الصحابة لـ عبد الرحمن رأفت الباشا، فهو كتاب رائع عن سيرة بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولغته جميلة جداً، ومعلوماته كثيرة، وأسلوبه سهل ومبسط. ومن الكتب التي تلقي أضواء مهمة على التاريخ الإسلامي كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ للندوي رحمه الله، وكتاب من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وكتاب حماة الإسلام لـ مصطفى نجيب رحمه الله، فهذه الكتب في منتهى الروعة، فسوف توسع مداركك، وتفتح عينيك على أبواب كثيرة جداً حاول أعداؤك قدر ما يستطيعون أن يغلقوها.

قراءة الواقع بجميع مجالاته

قراءة الواقع بجميع مجالاته المجال السادس قراءة الواقع. وهذا المجال خطير ومهم جداً، وحتميٌ للمسلم المثقف الواعي، وهو قراءة الواقع الذي نعيشه، كالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي، ليس فقط في بلدك بل في كل بلاد المسلمين، وفي العالم بصفة عامة. إن المتغيرات السياسية التي تحدث في الأرض بكاملها لها تأثير كبير جداً على أمة الإسلام، فإذا كنت فعلاً تريد أن تبني أمة الإسلام فلا بد أن تعرف كيف تسير الأحداث من حولك، وليس كما يقال أن الكلام في القضايا السياسية شيء منكر وحرام، فمجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والزراعة والحروب والمعاهدات لا تتجزأ عن الإسلام، وبعض الدعاة لا يهتمون بهذه الأمور, وبالتالي هم منعزلون عن حياة الناس وواقعهم فلا يؤثرون في الناس ولا يغيرونهم. لا بد أن تتابع الصحف اليومية والجرائد المختلفة الحكومية والمعارضة، كالمصرية وغير المصرية، والإسلامية وغير الإسلامية، والعربية وغير العربية، والمواقع العالمية للأخبار مثل BBC والـ CNN مع الحذر عند قراءة الأخبار من التضليل المقصود وغير المقصود، وحاول أن تقارن الأخبار بعضها ببعض، وبعد فترة ستكتسب حسًّا مرهفًا تستطيع أن تفرّق به بين الصواب والخطأ، والحقيقة والافتراء.

الاستفادة من آراء الآخرين وقبول الحق والحكمة

الاستفادة من آراء الآخرين وقبول الحق والحكمة المجال السابع قراءة الرأي الآخر. للأسف الشديد كثير منا ليس عنده استعداد أن يسمع للرأي الآخر، أو يقرأ أو يسمع لعالم مسلم ليس من نفس مدرسته الفكرية أو على خط آخر! بينما الذي نعرفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها). نحن في حاجة إلى أن نقرأ عن غيرنا ماذا يقول؟ وما هي وجهة نظره؟ وما هي أدلته؟ وما هو رأيه؟ نحن في حاجة إلى أن نقرأ أيضًا للمدارس غير الإسلامية، فكثير من المسلمين توجهاتهم قومية، أو علمانية، أو اشتراكية، أو غربية، أو وطنية، أو مصلحية نفعية، فنقرأ كيف يفكرون؟ وكيف يكتبون؟ وما هي أطروحاتهم؟! بل نقرأ ما هو أبعد من ذلك ككتابات غير المسلمين، وكتابات أعدائنا، لنعلم كيف يفكر اليهود والنصارى وحكام وعلماء وأدباء الغرب والشرق؟ كمذكرات نيكسون مثلاً: وريجان وبوش وكلينتون وجلودمائير وديفيد كوك، فنقرأ ما هي نظرتهم لنا؟ وكيف يحكمون بلادهم؟ وكيف يحاربوننا أو يسالموننا؟ فهذا جانب في غاية الأهمية، فنفرغ له وقتاً، وستتسع مداركنا عندما نقرأ لغيرنا، وليكن في أذهاننا: بداية أن يسمع لنا غيرنا أن نسمع لهم.

قراءة الكتب التي ترد على الشبهات المثارة حول الإسلام

قراءة الكتب التي ترد على الشبهات المثارة حول الإسلام المجال الثامن: القراءة في الشبهات التي أثيرت حول الإسلام، والقراءة في الرد عليها. ما أكثر الشبهات التي أثيرت حول الإسلام منذ نزول الرسالة وإلى الآن! والذي نعلمه ونوقن به حقيقةً أن الإسلام دين كامل بلا عيوب أو أخطاء؛ لأنه من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، ولكن كثيراً ما نفتقد الحجة المقنعة لرد الشبهة، أو نجهل الحق الذي معنا والذي نحن عليه. وفى زماننا هذا كثرت الشبهات المثارة حول إسلامنا العظيم، وانعقدت لذلك مؤتمرات، وأنفقت أموال، وجُندت طاقات ضخمة وكثيرة ومهولة في هذا الزمن، ومن واجبنا أن نرد على كل هذه الشبهات، ونقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان. ما هو وضع المرأة في الإسلام؟ كيف نرد على من يقول إن الإسلام انتشر بالسيف؟ ما هو الرد على من يقول بأن الحدود ستخرج لنا شعبًا معوّقا مقطوع الأيدي؟ ما هو الرد على من يتهم الإسلام بالإرهاب أو بالقسوة أو بالجمود أو بالتخلف أو بغير ذلك؟ فهذا الكلام كله مردود عليه بردود عقلية منطقية قوية، فيجب علينا أن نقرأ، وأن نستعين بكتاب: شبهات حول الإسلام للأستاذ محمد قطب، أو كتاب: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه للعقاد، أو كتاب: الإسلام في قفص الاتهام للدكتور شوقي أبو خليل وغير هذا كثير.

القراءة فيما يتعلق بتربية الطفل

القراءة فيما يتعلق بتربية الطفل المجال التاسع: تربية الأطفال. كثيرًا ما يسقط من حساباتنا أن تربية الأطفال علم له أصوله وله فنون، وهنالك كتب كثيرة جداً مكتوبة في هذا المجال، ككتاب تربية الأولاد في الإسلام لـ عبد الله ناصح علوان رحمه الله. وتوجد كتب كثيرة جداً كتبها علماء تربية متخصصون في نفسيات الأطفال، واحتياجاتهم في طريق التربية، والكلام في هذا في منتهى الأهمية. نحن بحاجة إلى أن نقرأ في قصص الأطفال؛ حتى إذا ما حكيت قصة لابنك أو لأخوك أو للأطفال في المسجد أو في النادي تحكي لهم قصصاً هادفة وبأسلوب مناسب. فعقول الأطفال أكبر بكثير مما نتخيله، وعندهم طاقة لاستيعاب أضعاف ما نعطي لهم، وليس من المناسب أن يكون كل الذي في عقول أطفال المسلمين بعض أفلام الكرتون والعنف والإثارة، فهنالك علوم ضخمة يمكن أن يستوعبها الأطفال شرط أن تُعْطَى بصورة مناسبة. ومهارة تعليم الأطفال سنكتسبها من قراءة كتب التربية، وقصص الأطفال، ولو أنتجنا جيلاً يحب القراءة والعلم من صغره، فإن وضع الأمة سيتغير وبسرعة.

القراءة الترويحية

القراءة الترويحية المجال العاشر: القراءة الترويحية، فالنفس تملّ وتحتاج إلى ترويح وتسلية، ولا مانع أن المسلم يقضي بعض أوقاته في قراءة أشياء للترفيه والترويح، كقراءة شعر جميل أو قصة أدبية هادفة، أو بعض الأخبار الرياضية، أو كاريكاتير أو طرفة، لكن لا بد أن نضع في أذهاننا شيئين مهمين جداً: أولاً: ألا يوجد فيه خروج عن المنهج الإسلامي، كقصة غير أخلاقية، تشجع على الرذيلة، قصة مثلاً تدفع البنت لأن تقابل حبيبها مع تسمية هذا بالحب الشريف، ولا يكون الشعر إباحياً أو فيه ذنوب، وهكذا. ثانياً: ألا يكون الوقت المنفق في القراءة في الترويح والترفيه كبيراً، فنحن أمة جادة ترفّه عن نفسها أحيانًا، ولسنا أمة هزلية تعيش بعض لحظات الجد. إذاً: المجالات التي نقرأ فيها ما يلي: المجال الأول: القرآن الكريم، وهذا أهم المجالات مطلقاً. المجال الثاني: الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً مجال مهم جداً وفي غاية الأهمية بعد القرآن مباشرة، ولا بد أن نجعل لنا ورداً ثابتاً من قراءة الأحاديث كل يوم. المجال الثالث: العلوم الشرعية بأنواعها المختلفة. المجال الرابع: القراءة في التخصص: طب، هندسة، فلك، كيمياء، فيزياء، أو حسب تخصصك، أما بالنسبة للطلاب، فأهم شيء هو المذاكرة في كتب الدراسة التي عندهم. المجال الخامس: قراءة التاريخ، وأهم تاريخ هو تاريخ المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الخلفاء الأربعة، ثم بقية التاريخ الإسلامي، ثم التاريخ غير الإسلامي. المجال السادس: قراءة الواقع السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي الذي تعيش فيه في بلادك وفي بلاد المسلمين وفي بلاد العالم بصفة عامة. المجال السابع: مجال قراءة الرأي الآخر، وقراءة المدارس غير الإسلامية كالمدارس العلمانية والغربية والشرقية، وكيف يفكرون ويدبرون خططهم لمواجهة الأمة الإسلامية؟! المجال الثامن: القراءة في الشبهات التي أثيرت حول الإسلام وطرق الرد عليها. المجال التاسع: طرق تربية الأطفال، وطرق التعامل معهم، وقراءة قصص الأطفال ومحاولة التعلم كيفية إيصال المعلومة بأفضل وسيلة إلى عقل الطفل، فعقل الطفل يستوعب أكثر بكثير من تخيلنا. والمجال العاشر والأخير: مجال الترفية والترويح بالضوابط التي ذكرناها وهي: عدم الخروج عن المنهج الإسلامي، وعدم إنفاق وقت كبير في هذه القراءة. إذاً: هذه عشرة مجالات ممكن أن نقرأ فيها، وهذا هو أول الطريق، فالطريق طويل جداً، لكن نهايته جميلة جداً. والرسول صلى الله عليه وسلم وضّح لنا في الحديث الذي رواه مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن نهاية طريق العلم الجنة فقال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وكلما ذكرناه من مجالات للقراءة ما هي إلا طرق واسعة جداً وأكيدة للوصول إلى الجنة. نسأل الله عز وجل أن يسهّل لنا سبل العلم، وأن يسهّل لنا سبل الجنة. وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمَنا ما ينفعنا، وأن ينفعَنا بما علمنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأمور المعينة على نهوض الشباب بالأمة إلى النصرة والعزة والتمكين

الأمور المعينة على نهوض الشباب بالأمة إلى النصرة والعزة والتمكين نحن شباب نريد أن نرجع لديننا، نحن شباب نريد أن ننصر أمتنا، نحن شباب نريد أن نرضي الله، ماذا نعمل؟ إليكم مني عشرة أمور تعين على وضع أقدامنا على الطريق إن شاء الله، مع العلم أن كل أمر من هذه الأمور يحتاج إلى محاضرة مستقلة، أسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينكم على الخير دائماً، واعلم أخي الشاب قبل أن تستمع إلى هذه الأمور أنك فرد في أمة، فإن صلح حالك يوشك حال الأمة أن يصلح إن شاء الله. الأمر الأول: أقلع عن المعصية، ترك المعاصي مقدم على فعل فضائل الأعمال، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) الأوامر على قدر استطاعتك، لكن النواهي لا تقترب منها، لا يستقيم لمن ينصر الأمة أن يظل على معصية، لا تعملوا بالمعاصي وأنتم في سبيل الله، وأشد المعاصي خطورة ما كنت مواظباً عليه، لذلك خذ قراراً جريئاً واقطع معصيتك الآن، إن كانت في نظر، أو في سمع، أو في لسان، أو في صحبة، أو في عمل، أو في أي شيء، واعلم أنك بتوبتك الصادقة تكون قد فتحت صفحة بيضاء تماماً مع الله عز وجل، ابدأ من جديد وكأنك ولدت اليوم. الأمر الثاني: اعرف دينك، دينك دين عظيم جداً، تجاوزت عظمته حدود التخيل والإدراك، دينك دينك لحمك دمك، دينك دين الإسلام {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، دينك ليس فيه ثغرات، دينك دين محكم بديع، مر وقت طويل طويل لم تعرف فيه دين الإسلام؟ أنت محتاج لأن تعرف عقيدة، وفقهاً وأخلاقاً، ومعاملات، محتاج لأن تعرف سيرة رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، محتاج لأن تعرف حياة الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين، محتاج لأن تقرأ تاريخ المسلمين الطويل من مصادر غير مشوهة، تاريخ المسلمين العظيم خلال (1400) سنة. أنت محتاج لوقت كبير جداً لتصرفه من أجل أن تعرف ربك ورسولك ودينك، تحتاج إلى قراءة وإلى دروس علم وإلى مناقشات ومحاورات وأسئلة. الأمر الثالث: ارتبط بالمسجد، المسجد بيت الله في الأرض، وعمار المساجد هم زوار لله عز وجل، ألا تحب أن تزور خالق السماوات والأرض خمس مرات في كل يوم؟! ألا تحب أن تعرض على ربك مشاكلك، وتطلب منه حاجتك؟! أنا أريدك في المسجد خمس مرات في اليوم على الأقل، غير دروس العلم، خمس صلوات في اليوم لا تفوتك في المسجد، وستنظر إلى أي درجة سيتغير حالك، هذه هي حياة شباب الإسلام. الأمر الرابع: كن متفوقاً، الطالب المسلم الذي يريد أن يغير من حال أمته لا بد أن يكون متفوقاً في تخصصه، نحن لا نريد مجرد طبيب، أو مجرد مهندس، أو مجرد مدرس، لا، نحن نريد طبيباً عالماً، ومهندساً مخترعاً، ومدرساً نابغاً في علوم التربية، نحن نحتاج إلى التخصص، الزمن زمن تخصص، لا يوجد أحد يعرف كل شيء في هذه الوقت؛ العلوم كثرت، وليس هناك مكان للكسالى، مذاكرتك من أجل رفعة أمتك حسنات لا تحصى في ميزانك يوم القيامة إن شاء الله. الأمر الخامس: صل رحمك، الشباب المسلم الذي يريد أن يرفع من شأن أمته، لا بد أن يكون واصلاً لرحمه، ومن لم يكن فيه خير لرحمه ولأقاربه فليس فيه خير للناس ولا للمجتمع، وأعظم أرحامك والداك، لا تخرج كلمة (أف) من فمك، أو نظرة غضب من عينك، أو إشارة اعتراض من يدك، هذه الأمور لا تخرج من شاب مسلم، وبقية أرحامك من إخوان وأعمام وأخوال وغيرهم لهم حقوق عليك فأعط كل ذي حق حقه. الأمر السادس: اختر أصحابك: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، ارتبط بمن إذا رأيته ذكرك بالله عز وجل، لا تسر بمفردك في حياتك، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وتذكر وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة). الأمر السابع: اعرف واقعك، مستحيل لمن يريد تغيير حال الأمة ألا يكون مطلعاً على أحوال زمانه، لا بد للشاب من دراسة واقع العالم الذي يعيش فيه، واقع القطر الذي يسكن فيه، وقع العالم الإسلامي، واقع العالم بصفة عامة، متابعة دقيقة للأحداث الهامة في العالم، متابعة لأحداث مصر والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بها، متابعة لأحداث فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير، ماذا يحدث في تركيا؟ ماذا يحدث في إيران؟ ماذا يحدث في باكستان؟ ماذا تعرف عن النيجر ومالي وأوزبكستان وأذربيجان ونيجريا، وكلها بلاد إسلامية تشهد أحداثاً هامة؟ ماذا يحدث في راوندا وليبيريا وكولمبيا؟ وأهم من ذلك ماذا يحدث في أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا؟ ماذا يخطط اليهود؟ تحتاج أن تقرأ الجرائد كل يوم، ولا داعي لقراءة صفحات الرياضة والفن، اتركنا نعيش حياة جادة قيمة، تابع الأخبار, وافتح الستلايت والدش على قنوات الأخبار، واترك قنوات الأفلام والأغاني، لا يوجد وقت يا أخي المسلم. الأمر الثامن: كن رياضياً، وهذا ليس فيه تعارض مع النقطة التي مضت، ليس المعنى إ

القراءة منهج حياة

القراءة منهج حياة أمة الإسلام مكلفة بالقراءة، فهي مخاطبة في أول سورة أنزلت على نبيها محمد صلى الله عليه وسلم بأن تقرأ، فهي ضرورية وليست هواية، وللقراءة الصحيحة النافعة ضوابط ووسائل ومجالات لا بد للمسلم من معرفتها؛ حتى تكون قراءته نافعة.

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: أبدأ هذه المحاضرة بشيء أستغرب له كثيراً، فكثيرًا ما نسمع من يسأل ما هي هوايتك؟ الحقيقة أنك تجد الناس تختلف كثيراً في إجابتها، فأحدهم يقول: أنا هوايتي السباحة، وآخر صيد الأسماك، وثالث السفر، ورابع القراءة، فكل إنسان يخبر عن هوايته، وهذا هو ما أستغرب له. هل يصح أن يقول إنسان: أنا هوايتي -مثلاً- شرب الماء؟! كل الناس يشربون الماء، فهذه ليست هواية وإنما هي ضرورة. ولا يصح أن يقال: أنا هوايتي الأكل! لأن كل الناس يجوعون ولا بد لهم أن يأكلوا، وربما تفضّل أكلة عن أكلة، لكن لا بد أن تأكل، أو أن تنام، أو أن تتنفس، ومن غير الممكن أن تعيش من غير هذه الأشياء. وأنا أيضاً أرى أنه لا يصح أن تعيش من غير قراءة، يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، يوم في الأسبوع أو شهر في السنة فحسب، بل يجب أن تكون القراءة منهج حياتك. لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ، وليست أي قراءة، لا بد أن تكون قراءة مفيدة، قراءة تبني ولا تهدم، قراءة تصلح ولا تفسد. القراءة ليست هواية، فمن غير المناسب أن تقول أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعوداً على القراءة، أو: أملّ سريعًا من القراءة، فهذا مثل الذي يقول: أنا أملّ من الأكل؛ لذلك فلن آكل! فهذا لا يصح ولا ينفع. عندما تدرس السيرة النبوية تجد فيها أبعاداً ضخمة عن الظاهر البسيط لها، وعندما تتعمق فيها حينها ستعلم لماذا نقول أن القراءة ليست هواية، فعندما تقف وتتدبر بعمق شديد في موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى أن أول كلمة يقولها جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط ملايين الكلمات التي من الممكن أن تقال في ذلك الوقت، يبدأ حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيستمر مدة ثلاثة وعشرين سنة متصلة بكلمة واحدة هي: اقرأ! والغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ! وأن أول كلمة تتوجَّه للرسول الذي لا يعرف القراءة هي اقرأ! والرسول الذي يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة، والخصال الكريمة كان من الممكن أن يبدأ رب العالمين سبحانه وتعالى بالحديث عن أحد هذه الصفات لكنه يبدأ بكلمة اقرأ! وكأنها تحمل منهج حياة أمة الإسلام، ومفتاح هذا الدين أن تقرأ. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة, فيردَّ بوضوح على جبريل ويقول: (ما أنا بقارئ). والرسول عليه الصلاة والسلام ظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام في الكلام في موضوع آخر، أو على الأقل يوضح مقصوده من الكلمة. لكن جبريل عليه السلام ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة وقوية حتى بلغ الجهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر جداً: اقرأ فقط ولم يزد أي كلمة أخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا يعرف أصلاً من هذا؟ ولا ماذا يريد؟ ولا كيف جاء إليه في هذا المكان البعيد؟! هو لا يرى أمامه غير شخص واحد يؤكد على معنى معيّن واحد فقط لا ثاني له ولا ثالث وهو اقرأ! الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرة الثانية: (ما أنا بقارئ). فيعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل فيضم رسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد، ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، فضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة ثم أرسله فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. فقبل أن يخبره أنه ملك مرسل من رب العالمين، وأن هذا قرآن، وأن هذا دين جديد سيبدأ اسمه الإسلام، قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر: اقرأ! ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟ فهل يُعقل أن تكون أول كلمة في القرآن نزولاً إلى الأرض هي كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض، وينفر منها البعض أو يملّ منها البعض الآخر؟! فهذا مستحيل يا إخواني. كلمات القرآن أكثر من سبعة وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات الهائلة كانت كلمة اقرأ هي الأولى في النزول. القرآن فيه آلاف الأوامر: ((أَقِمِ الصَّلاةَ))، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، ((وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ))، ((أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ))، ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ))، أوامر كثيرة جداً ومن بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: اقرأ. وليس هذا فقط بل إن ا

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة

أول أمر نزل به جبريل على محمد هو الأمر بالقراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: أبدأ هذه المحاضرة بشيء أستغرب له كثيراً، فكثيرًا ما نسمع من يسأل ما هي هوايتك؟ الحقيقة أنك تجد الناس تختلف كثيراً في إجابتها، فأحدهم يقول: أنا هوايتي السباحة، وآخر صيد الأسماك، وثالث السفر، ورابع القراءة، فكل إنسان يخبر عن هوايته، وهذا هو ما أستغرب له. هل يصح أن يقول إنسان: أنا هوايتي -مثلاً- شرب الماء؟! كل الناس يشربون الماء، فهذه ليست هواية وإنما هي ضرورة. ولا يصح أن يقال: أنا هوايتي الأكل! لأن كل الناس يجوعون ولا بد لهم أن يأكلوا، وربما تفضّل أكلة عن أكلة، لكن لا بد أن تأكل، أو أن تنام، أو أن تتنفس، ومن غير الممكن أن تعيش من غير هذه الأشياء. وأنا أيضاً أرى أنه لا يصح أن تعيش من غير قراءة، يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، يوم في الأسبوع أو شهر في السنة فحسب، بل يجب أن تكون القراءة منهج حياتك. لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ، وليست أي قراءة، لا بد أن تكون قراءة مفيدة، قراءة تبني ولا تهدم، قراءة تصلح ولا تفسد. القراءة ليست هواية، فمن غير المناسب أن تقول أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعوداً على القراءة، أو: أملّ سريعًا من القراءة، فهذا مثل الذي يقول: أنا أملّ من الأكل؛ لذلك فلن آكل! فهذا لا يصح ولا ينفع. عندما تدرس السيرة النبوية تجد فيها أبعاداً ضخمة عن الظاهر البسيط لها، وعندما تتعمق فيها حينها ستعلم لماذا نقول أن القراءة ليست هواية، فعندما تقف وتتدبر بعمق شديد في موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى أن أول كلمة يقولها جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط ملايين الكلمات التي من الممكن أن تقال في ذلك الوقت، يبدأ حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيستمر مدة ثلاثة وعشرين سنة متصلة بكلمة واحدة هي: اقرأ! والغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ! وأن أول كلمة تتوجَّه للرسول الذي لا يعرف القراءة هي اقرأ! والرسول الذي يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة، والخصال الكريمة كان من الممكن أن يبدأ رب العالمين سبحانه وتعالى بالحديث عن أحد هذه الصفات لكنه يبدأ بكلمة اقرأ! وكأنها تحمل منهج حياة أمة الإسلام، ومفتاح هذا الدين أن تقرأ. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة, فيردَّ بوضوح على جبريل ويقول: (ما أنا بقارئ). والرسول عليه الصلاة والسلام ظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام في الكلام في موضوع آخر، أو على الأقل يوضح مقصوده من الكلمة. لكن جبريل عليه السلام ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة وقوية حتى بلغ الجهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر جداً: اقرأ فقط ولم يزد أي كلمة أخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا يعرف أصلاً من هذا؟ ولا ماذا يريد؟ ولا كيف جاء إليه في هذا المكان البعيد؟! هو لا يرى أمامه غير شخص واحد يؤكد على معنى معيّن واحد فقط لا ثاني له ولا ثالث وهو اقرأ! الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرة الثانية: (ما أنا بقارئ). فيعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل فيضم رسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد، ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، فضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة ثم أرسله فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. فقبل أن يخبره أنه ملك مرسل من رب العالمين، وأن هذا قرآن، وأن هذا دين جديد سيبدأ اسمه الإسلام، قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر: اقرأ! ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟ فهل يُعقل أن تكون أول كلمة في القرآن نزولاً إلى الأرض هي كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض، وينفر منها البعض أو يملّ منها البعض الآخر؟! فهذا مستحيل يا إخواني. كلمات القرآن أكثر من سبعة وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات الهائلة كانت كلمة اقرأ هي الأولى في النزول. القرآن فيه آلاف الأوامر: ((أَقِمِ الصَّلاةَ))، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، ((وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ))، ((أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ))، ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ))، أوامر كثيرة جداً ومن بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: اقرأ. وليس هذا فقط بل إن ا

ضوابط القراءة الصحيحة

ضوابط القراءة الصحيحة وربنا سبحانه وتعالى يضع لك ضابطين هامين للقراءة في هذه الآيات الخمس الأولى: يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، فلا بد أن تكون القراءة باسم الله، فلا يجوز أن نقرأ ما يغضب الله عز وجل، أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته، إنما القراءة لله عز وجل، وعلى منهج الله عز وجل لنفع الأرض والبشر، لخير الدنيا والآخرة، أما القراءة التافهة أو المنحرفة أو الضالة أو المضلة فهذه ليست القراءة التي أمر الله عز وجل بها. الضابط الآخر: هو ألا تخرجك هذه القراءة أو هذا العلم المنقول عن التواضع، فلا تكن متكبراً بالعلم الذي علمت، بل اعلم أن الله عز وجل كريم وهو الذي منّ عليك بالتعليم، يقول تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3 - 5]، فهذا المعنى يجب ألا يغيب أبداً عن أذهان القارئين أو المتعلمين مهما وصلوا إلى أعلى درجات العلم في زمانهم، بل يعلموا دائماً أن الله عز وجل هو الذي علمهم، ومنّ عليهم بالعلم، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. إذاً: لا تتكبر بما تعرف على من لا يعرف.

ضوابط القراءة الصحيحة

ضوابط القراءة الصحيحة وربنا سبحانه وتعالى يضع لك ضابطين هامين للقراءة في هذه الآيات الخمس الأولى: يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، فلا بد أن تكون القراءة باسم الله، فلا يجوز أن نقرأ ما يغضب الله عز وجل، أو ما نهى الله عز وجل عن قراءته، إنما القراءة لله عز وجل، وعلى منهج الله عز وجل لنفع الأرض والبشر، لخير الدنيا والآخرة، أما القراءة التافهة أو المنحرفة أو الضالة أو المضلة فهذه ليست القراءة التي أمر الله عز وجل بها. الضابط الآخر: هو ألا تخرجك هذه القراءة أو هذا العلم المنقول عن التواضع، فلا تكن متكبراً بالعلم الذي علمت، بل اعلم أن الله عز وجل كريم وهو الذي منّ عليك بالتعليم، يقول تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3 - 5]، فهذا المعنى يجب ألا يغيب أبداً عن أذهان القارئين أو المتعلمين مهما وصلوا إلى أعلى درجات العلم في زمانهم، بل يعلموا دائماً أن الله عز وجل هو الذي علمهم، ومنّ عليهم بالعلم، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. إذاً: لا تتكبر بما تعرف على من لا يعرف.

فداء أسارى بدر لأنفسهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة

فداء أسارى بدر لأنفسهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة ومن مواقف السيرة الرائعة والدالة على أهمية القراءة موقف فداء الأسرى في بدر، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك أن يفدي نفسه بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة! وبالذات في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية، والأمية لم تكن عيباً في ذلك الزمن، لكن مع ذلك فقد كانت القراءة والكتابة حاجتان أساسيتان لأي أمة تريد النهوض والقيام. والمسلمون في بدر كانوا يحتاجون إلى الأموال، والاحتفاظ بالأسرى؛ للضغط على قريش، ولتبادل الأسرى إن حدث أن أسر أحد المسلمين، ومع ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع ما هو أهم من كل ذلك، وهو أن يعلّم المسلمين القراءة. والصحابي الذي كان يستطيع أن يقرأ في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقدَّم دائماً على غيره، فـ زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه قُدم على كثير من الصحابة، وصار ملاصقاً لرسول صلى الله عليه وسلم ملاصقة شبه دائمة؛ لأنه يُتقن القراءة والكتابة، حتى صار كاتبًا للوحي والرسائل، ومترجماً للسريانية والعبرية، كل ذلك وعمره ثلاث عشرة سنة، أي: كأول إعدادي أو ثاني إعدادي في زمننا الآن. وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، كان أكثر صحابي حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث، فقد قال عن نفسه كما جاء في البخاري: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، فهو يستثني واحداً ممن روى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ لأنه يقرأ ويكتب.

قيمة القراءة في الميزان الإسلامي

قيمة القراءة في الميزان الإسلامي لهذه المواقف ولغيرها غُرس حب القراءة فعلاً في قلوب المسلمين، ولم يكن هذا فقط في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الصحابة بل في مراحل التاريخ الإسلامي كله، فالمكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي كانت من أعظم مكتبات العالم، وليس هذا لمدة سنين قليلة بل لمدة قرون طويلة، فعلى سبيل المثال: مكتبة بغداد وقرطبة وإشبيلية وغرناطة وفاس والقيروان والقاهرة ودمشق وصنعاء وطرابلس والمدينة ومكة والقدس وغيرها، فهذا تاريخ طويل من الثقافة والحضارة والعلم. هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي والتاريخ الإسلامي. ومع كل هذا التاريخ وكل هذه القيمة إلا أنه وللأسف الشديد فإن أمة الإسلام الآن تعاني من أمية شديدة! وانتكاسة حقيقية في الأمة التي أول كلمة من دستورها: اقرأ. فإن نسبة الأمية التامة في العالم الإسلامي 37% لا يعرفون القراءة أصلاً، فضلاً أن يقرءوا أشياء ويتركوا أشياء، فالعالم الإسلامي يُنفق على التعليم أقل من 4% من الناتج القومي الإجمالي، وهذه نسبة قليلة جداً بالقياسات العالمية، فالموضوع ليس في بؤرة الاهتمام عند المسلمين، وهذه مشكلة خطيرة جداً وتحتاج إلى وقفة. وهنالك درجات من الأمية موجودة عند أناس يعرفون القراءة والكتابة، وقد يكونون أنهوا دراساتهم الجامعية، وأحياناً معهم دكتوراه وعندهم أمية، فهم لا يعرفون أشياء مهمة جداً عن أشياء كثيرة يحتاجونها في حياتهم. هناك أناس عندهم أمية دينية وقد يكون أستاذاً في الجامعة، أو دكتوراً كبيراً، أو محامياً كبيراً وهو لا يعلم الأساسيات التي يقوم عليها دينه. وهذا أستاذ في الجامعة بلغ الخامسة والأربعين سنة أو أكثر من ذلك لا يعلم ماذا يقرأ في التشهد في الصلاة! وهذه أستاذة أخرى تصلي في المنزل جماعة مع زوجها، يؤم بها مرة وتؤم به مرة فهي لا تفهم شيئاً وهو لا يفهم شيئاً، فهذه الأخطاء تحدث في الصلاة التي هي عماد الدين فما بالك في الأمور الأخرى! فهذه أمية فاضحة. وأقيمت مسابقة بين شباب الجامعة وكان أحد الأسئلة فيها عن ترتيب الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فلم يستطع أحد منهم أن يجيب عن هذا السؤال. وهنالك أناس لديهم أمية سياسية؛ فهم لا يعرفون ماذا يحدث من حولهم؟ لا يعرفون ما يحدث في فلسطين أو العراق، أو أمريكا أو أوروبا، بل إنهم لا يعرفون ما يحدث في بلادهم. وهنالك أناس لديهم أمية في القانون، فلا يعلمون ما هي الحقوق التي لهم والواجبات التي عليهم. وعلى ذلك فقس كل العلوم. فالناس لا يقرءون القراءة التي تكفل لهم حياة سليمة، فضلاً عن تحصيل العلم, والقراءة المتخصصة، والثقافة العالية، فهذه أحلام عند أناس آخرين. فهذه ردة حضارية خطيرة، نحن كنا أين؟ ووصلنا إلى ماذا الآن؟ سبحان الله! إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: اقرأ، ولا يمكن أن تقوم الأمة من غير قراءة، ولهذا قال أحد المسئولين اليهود: نحن لا نخشى أمة العرب؛ لأن أمة العرب أمة لا تقرأ، وصدق اليهودي وهو كذوب؛ فالأمة التي لا تقرأ أمة غير مهابة وغير مرهوبة، فهذا أمر لا بد أن نضعه في أذهاننا. وأحياناً تجد مشكلة أخرى، فقد تجد بعض الشباب يقضون وقتًا طويلاً في القراءة، منهم من صرف عمره في قراءة عشرات الصفحات من أخبار الرياضة، ومنهم من صرف عمره في قراءة أخبار الفن، ومنهم من صرفت عمرها في قراءة القصص العاطفية والروايات الغرامية والألغاز البوليسية، فهم بالفعل يقرءون حروفاً كثيرة جداً وكلمات كثيرة جداً، وصفحات وكتب ومجلدات لكن بدون أي فائدة، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنين والفائدة لا شيء! فالأمر في غاية الخطورة؛ والقراءة في غاية الأهمية، والمادة التي تقرأها في غاية الأهمية. إذاً: لدينا مشكلتان رئيسيتان: المشكلة الأولى: إن هناك أناس لم يتعودوا على القراءة، ويملّون من القراءة، وكلما تعلو همتهم يعودوا من جديد إلى الكسل، وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم عن وسائل تعينهم على القراءة وعلى الاستمرار فيها. والمشكلة الثانية: إن هناك أناس يقرءون فعلاً، ولا يملون من القراءة، ينفقون فيها وقتاً طويلاً، ولكنهم يقرءون بلا هدف، ولا يعرفون ماذا يقرءون لتصبح قراءتهم نافعة؟! وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم ماذا يجب أن يقرءوا؟

الوسائل المعينة على القراءة النافعة

الوسائل المعينة على القراءة النافعة والوسائل المعينة على القراءة عشر وسائل:

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص الوسيلة العاشرة: أن تنقل من العارفين السابقين المتخصصين، فابدأ من حيث انتهى الآخرون، واسأل متخصصاً: ماذا أقرأ؟ وبماذا أبدا؟ وما هو أفضل كتاب في هذا الموضوع وماذا أقرأ بعده؟ والإنسان قد يضيّع وقتاً كبيراً في قراءة كتاب غير مفيد، أو في قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق. فكل العلماء السابقون أخذوا عن غيرهم، وبدءوا من حيث انتهى الذين سبقوهم، ولذلك استفادوا وأفادوا غيرهم، وما تكبَّر أحد منهم أبداً على أن يتعلم ويسعى في طلب العلم ويسأل غيره، بل كانوا يسافرون المسافات الطويلة للتعلم وكانوا من أعظم العلماء فالإمام البخاري والنووي وابن القيم وابن الجوزي وغيرهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بنقل علوم غيرهم، ثم الإضافة إليها والتطوير فيها فهداهم الله عز وجل, وهدى بهم أجيالاً وأجيالاً.

التعاون مع الآخرين في القراءة

التعاون مع الآخرين في القراءة الوسيلة التاسعة: أن تتعاون مع أصحابك وإخوانك في القراءة: كوّن مجموعةً من أصحابك للقراءة، كل واحد يقرأ في مجاله، وتلتقون مرة أو مرتين في الأسبوع، أو مرة كل أسبوعين حسب ظروفكم، وكلٌ واحد يلخص لإخوانه ما قرأ وتبادلوا المعلومات، فبدلاً من عينين اثنتين تقرآن ستصبح عشرة أعين، وبدلاً مما يستوعبه عقل واحد ستصبح خمسة عقول، وكلما كسل أحدهم فالآخر سيحفزه ويشجعه، والشيطان لن يستطيع أن يتغلب عليكم وأنتم مجتمعون، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين فالوسيلة الثامنة: انقل ما تقرأ إلى غيرك: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (بلغوا عني ولو آية)، فأي معلومة تقرؤها وصلها لغيرك وستستفيد ألف فائدة، فالمعلومة ستثبت في ذهنك إن شاء الله، وغيرك سيتعلم ويستفيد، وستأخذ مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، وسيرضى الله عنك ويبارك لك في عملك. وتذكر دائمًا: من عمل بما يعلم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم، فكلما علّمت الناس شيئاً فإن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك ويزيدك علماً أكثر، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].

تكوين مكتبة متنوعة في البيت

تكوين مكتبة متنوعة في البيت الوسيلة السابعة: تكوين مكتبة متنوعة في البيت. أتمنى للذين لديهم غرفة نوم، وغرفة طعام، وغرفة استضافة أن يفكروا في المكتبة، فهذا ليس عملاً ثانوياً، ووسيلة من وسائل الترف، بل هو شيء أساسي في البيت، ليس مهمًا أن تكون المكتبة فخمة أو فاخرة، لكن المهم الكتب التي فيها، ينبغي أن يكون في ذهنك مشروع واضح لشراء مجموعة ضخمة من الكتب، وهذا الكلام للناس كلهم للأغنياء والفقراء على حدٍ سواء، ضع جدولاً في شراء الكتب في غضون سنة أو سنتين أو عشر سنين أو عشرين سنة بقدر ما تستطيع، والإنسان إذا أحس بقيمة الكتاب سيوفر من أكله ويشتري الكتاب، فأحياناً قد يأكل الإنسان أكلة بثمن أربعة أو خمسة كتب، وقد يشتري قميصاً بثمنه عشرة كتب، وقد خرج في رحلة أسبوع بثمن مكتبة قيّمة جدًا. ضع هذا الموضوع في ذهنك وكوّن مكتبة شاملة لكل أنواع المعارف، ولو كتاباً في كل فرع، فمثلاً: كتاب في العلوم السياسية، وكتاب في العلوم الاقتصادية، وكتاب في الفقه، وكتاب في الحديث، وكتاب في الأدب، وفي غيرها من الفروع المختلفة، فإذا ما احتجت كتاباً في فرع معين تجده، وأحياناً المعلومة التي تحصلها وتكون محتاجها يكون ثمنها أغلى من ثمن الكتاب ألف مرة، فلا بد أن يكون عندك مصدر في كل فرع من فروع العلم. وأحياناً قد تمل من القراءة في مجال معين فتنتقل إلى كتاب في مجال آخر وهكذا، وضع في ذهنك أن المكتبة لن تنفعك فحسب لكنها ستنفعك أنت وزوجتك وأولادك وقد تنفع أحفادك وأحفاد أحفادك، وقد رأيت أناساً يقرءون كتباً اشتراها أجدادهم أو آباء أجدادهم، فهم لا يزالون يحصلون على الحسنات إلى الآن من جراء هذه المكتبة التي خلفوها وراءهم، فهذه تعد من الصدقات الجارية العظيمة جداً. أما الوسيلة الثامنة والتاسعة والعاشرة، فهي علاقات بينك وبين الآخرين: إلى ومع ومن.

تنسيق المعلومات وتسجيلها

تنسيق المعلومات وتسجيلها الوسيلة السادسة: التنسيق للمعلومات, والتنظيم لكل شيء. حاول أن تكون منظماً في كل شيء، المعلومات التي تقوم بتسجيلها في كشكول لا تسجلها مبعثرة، المسلم منظم في حياته، ليكن لديك كشكول للعلوم الشرعية، وكشكول للعلوم السياسية، وكشكول للقراءات الأدبية، وكشكول للتاريخ، وإذا كنت أكثر تخصصًا قسّم هذه الدفاتر إلى أقسام أكثر تفصيلاً، فمثلاً: كشكول العلوم الشرعية يكون فيه فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة وغيرها، وضع ذلك كله في صورة منظمة في البيت بحيث تستطيع أن ترجع بسهولة للمعلومة التي تريدها، وأن تضيف معلومات في المكان الذي ينبغي أن تضيف فيه، فهذا النظام سيوفر لك وقتاً طويلاً، وسيجعل بيتك وعقلك منظمين، إن بعض الناس عقولهم غير منظمة، فيأتون بمعلومة من الشرق والغرب، والبعض الآخر عقولهم منظمة، فكل شيء عندهم محسوب، ولا يبتعدون عن أهدافهم ولا يخرجون عن الموضوع كثيراً، والموضوع الذي يأتي بالتدريب والمران له فوائد لا تحصى. أنا ألقي بعض المحاضرات من أوراق كتبتها منذ أكثر من عشر سنين أو من خمس عشرة سنة، ما تأتي سنة إلا وأضيف إليها معلومة، والمحاضرة التي كنت أؤديها منذ عشر سنين أصبحت الآن عشرًا أو عشرين محاضرة، ولا شيء ينقص بل يزيد، والفضل يرجع للتنظيم والترتيب والتنسيق، وهذا غير الراحة النفسية التي يضفيها النظام على حياتك وحياة الناس الذين معك، وربنا يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة الوسيلة الرابعة: التدرج. أنا أعلم أن البعض سيتحمس جداً وسيشتري كذا كتاب، ويبدأ يفرّغ أوقاتًا طويلة جداً للقراءة؛ لأهمية القراءة، وقد يطغى وقت القراءة على أعمال أخرى هامة جداً في حياته! فمؤكد أن لديك أعمالاً أخرى غير القراءة أيضاً، وعندما تختل موازين حياتك ستشعر أن القراءة هي السبب، فيكون ذلك سبباً لهجر القراءة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين؛ فأوغل فيه برفق)، وخاصةً إذا لم تكن متعودًا على القراءة، وإلا ستجد نفسك قد مللت سريعًا, لتكن مثل لاعب الماراثون الذي يجري لمسافات طويلة فإنه يبتدئ أولاً ببطء, ثم يسرع بالتدريج، فالقراءة منهج حياة، وطريق القراءة مشوار حياتك كلها، يحتاج إلى أن تبتدئ فيه بتعقل وروية حتى تستطيع أن تصل بإذن الله. فبعض الناس قد يكتبون، والبعض الآخر لا يكتبون إنما يسمعون العلم ويراجعونه مع أنفسهم، فالأفضل لهم تسجيل النقاط أولاً حتى يتمكنوا من مراجعة العلم.

الجدية في القراءة

الجدية في القراءة الوسيلة الخامسة: الجدية. القراءة ليست هواية، إنما هي عمل جاد يحتاج إلى مجهود وفكر، ووقت، ومال، وتضحية، فلا بد أن تأخذ الموضوع بجدية؛ أنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، ولكي تستفيد وتفيد، فأنت تعمل عملاً كبيراً جداً عندما تقرأ، فليس لك من القراءة إلا ما عقلت؛ لذلك لا بد أن تفهم ما تقرأ، اقرأ أي كتابٍ وكأنك تذاكره، وليس مجرد قراءة، وليكن معك كشكولاً أو أوراقاً لتسجيل ملاحظاتك، فقد تجد معلومة تريد أن تخبر بها إخوانك وأصحابك، أو مسألة لم تفهمها فاكتبها لكي تسأل متخصصاً أو عالماً، أو هنا لك عناصر مهمة جداً في الموضوع، أو إضافة قرأتها في مكان آخر، أو اعتراض على نقطة معينة وهكذا، وستجد أن معك كشكولاً في غاية الأهمية وستركز جداً في كل كلمة تقرؤها، فلو أخذت الموضوع بجد ستجد إمكانياتك أكثر بكثير مما تتخيله، وتحصيلك أضعاف أضعاف ما تعتقد، والمتتبع لقصص الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين يعرف المعنى الحقيقي للجدية التي أقصدها. فمثلاً: زيد بن ثابت كان متقدماً على الصحابة لقراءته، وكذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، والشافعي أو أحمد بن حنبل أو الخوارزمي أو جابر بن حيان أو أبو بكر الرازي رحمهم الله جميعاً، فإن كل واحد من هؤلاء قد تعب في مجاله، وأخذ الموضوع بمنتهى الجدية؛ حتى إلى المستوى الذي وصل إليه في المجال الذي هو متخصص فيه، إن إمكانيات البشر فوق تخيّل البشر بكثير جداً، وسبحان الذي خلق فسوّى.

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة الوسيلة الثالثة: تحديد وقت ثابت للقراءة واستغلال الفراغات البينية، وهذا يعني ألا تنتظر إلى آخر اليوم لكي تقرأ الذي كان يجب أن تقرأه في أول النهار، ليكن لك وقت معروف ومحدد قدر ما تستطيع تقرأ فيه، حاول أن يكون ذهنك نشيطاً في هذا الوقت، وتكون فيه مستريحاً حتى تستطيع التركيز وتخرج بنتيجة، وليس مجرد تأدية واجب. ليكن وقت القراءة -مثلاً- بعد صلاة الفجر إلى الشروق، أو قبل المغرب بساعة، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء مباشرة أي: حسب ظروفك، حدّد وقتاً معيّناً، وغيّر الوقت حسب الظروف التي تناسبك في حياتك بحيث لا يكون هذا التغيير متكرر وكثير. استغل الفراغات البينية في حياتك، وهي الفراغات التي بين الأعمال، إذ أنه عادةً ما يكون هناك فراغ وقتي، حاول أن تستغله في القراءة، فمثلاً: في المواصلات أو في متجرك عند عدم وجود زبائن، أو في حال انتظارك في عيادة طبيب أو عند حلاق أو في مكتب أو غيره، ستجد أوقاتاً كثيرةً جداً اجتمعت لك، وليكن كتابك دائمًا معك في كيس أو في حقيبة أو في يدك، وبمجرد أن تجد ربع ساعة فارغة استغلها، وستجد أن اليوم صار طويلاً وبركته زادت وربنا معك.

استحضار النية

استحضار النية الوسيلة الأولى وهي أهم الوسائل على الإطلاق: استحضار النية وتحديد الهدف. فالناس لا يقرءون وعندهم مشكلة في القراءة؛ لأنهم لا يعرفون لماذا يقرءون؟ لو عندك امتحان في كتاب معيّن فستقرؤه، أو عندك وظيفة تحتاج إلى معلومات معيّنة ستذهب وتقرؤها، فالنية هي التي تحدد قدر الثواب الذي ستحصل عليه، فقد تعمل عملاً معيناً تأخذ عليه عشر حسنات، وقد تعمل نفس العمل بنية أفضل وأكثر تأخذ مائة حسنة أو ألف حسنة، وقد تعمل نفس العمل ويحبط تماماً إذا لم تكن النية سليمة. فأنا أقرأ؛ لأن الله عز وجل أمرني بالقراءة، قال لي وقال لكل المسلمين بصيغة الأمر المباشر وبمنتهى الوضوح: ((اقْرَأْ))؛ ولذلك فأنا أطيع الله عز وجل وأقرأ، بهذا سيتحول كل حرف تقرؤه إلى حسنات. وأنا أقرأ؛ لأنفع نفسي في الدنيا والآخرة؛ فلا فلاح في الدنيا والآخرة بغير العلم. وأنا أقرأ؛ لأنفع من حولي: أولادي وأمي وأبي وإخواني وأخواتي وأقاربي وأصحابي, ومن أعرف, ومن لا أعرف، فأصبح كحامل المسك لا يجاوره أحد إلا وشم من طيبه ورائحته. وأنا أقرأ؛ لأنفع أمتي؛ لأن أمة لا تقرأ أمة غير مرهوبة، ومتخلفة عن الركب، ومتبعة لغيرها، لذلك أنا أقرأ لأجعل أمتي في مقدمة الأمم. فارضاء رب العالمين بقراءتك، ونفعك لنفسك، ولأمتك ولمن تحب من الدوافع العظيمة التي ستُشعل حماستك للقراءة. فطالما أن هذه النية في ذهنك فلن تغيب عنك الضوابط التي ذُكرت في صدر سورة العلق؛ فأنت تقرأ باسم الله فلا بد أن تكون قراءتك على هذا المستوى، وأنت لا تتكبر بقراءتك وعلمك؛ لأنك تعلم أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك بهذا الفضل. فلو حرصت على استحضار النية وتحديد الهدف ستكسب في كل قراءة أشياء في غاية الأهمية: أولاً: ستحصل على الأجر والثواب، كلما تقرأ علماً نافعاً فإنه سيكون لك بكل حرف تقرؤه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله لمن يشاء، وستكسب ترسيخ المعلومة في ذهنك؛ لأن لها هدف معروف وهدف نبيل، وستستمتع استمتاعاً حقيقياً بكل ما تقرأ، وهذا ينطبق على العلوم الشرعية وغيرها، سيستمتع قارئ السياسة بما يقرأ، وقارئ الاقتصاد بما يقرأ، وقارئ التاريخ بما يقرأ. بل سيستمتع كل طالب بالمذاكرة التي يذاكرها، وستختفي معظم مشاكل الآباء والمدرسين مع الأبناء والطلاب، فالآباء والمدرسون يوجبون على الطلاب المذاكرة دون توجيه النوايا وتحديد الأهداف فتضيع الساعات والأيام والشهور والسنوات ويخرج الطالب بعد دراسة ستة عشر أو سبعة عشر سنة أقرب إلى الأمية منه إلى العلم! فضياع الهدف كارثة حقيقية. إن علماء الإدارة يضعون أول شيء يجب أن تعمله لأي مشروع في حياتك هو تحديد الهدف بوضوح، فهو أهم وسيلة في المحافظة على القراءة.

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية الوسيلة الثانية: هي وضع خطة للقراءة. لا داعي للقراءة العشوائية، ضع خطة واضحة للقراءة، ولكي تضع خطة صحيحة لا بد أن تكون على علم بإمكانياتك جيداً، وبالوقت المتاح للقراءة، والكتب المتاحة لديك، وقدرتك على الاستيعاب، والهدف من القراءة. بعد معرفة كل هذه العناصر ضع خطة واضحة: فمثلاً: سأقر الكتب الخمسة في خلال الأشهر الستة القادمة، أو الكتب العشرين خلال السنة القادمة أو السنتين القادمتين، فضع الخطة التي تناسبك، واقرأ الكتاب أولاً بأول، وحاول ألا تغيّر كثيراً في الخطة التي وضعتها لنفسك إلا عند حدوث طوارئ خاصة حقيقية، اتعب أولاً في وضع الخطة وبعد ذلك التزم بها، والزم الوسط في وضع خطتك، ولا داعي للتفاؤل الكبير جداً فتضع عشرات الكتب في وقت قليل ثم تفشل في الإنجاز فتحبط، أو تضع كتباً قليلة فيضيع عليك الوقت، كن متوسطاً في خطتك. وليكن لك وقفة كل عدة أشهر مع نفسك للمتابعة والتقييم: هل كنتُ واقعياً في خطتي أم أن هناك أخطاءً؟ وإذا لم تحقق الإنجاز المطلوب هل هذا لأن الخطة ليست سليمة أو لأنه قد ظهرت معوقات تمنع من استمرار السير في الخطة بخطى سليمة؟ فكر وانظر وادرس الوضع الذي كنت فيه، وحاول تعديل خطتك حسب وضعك الذي أنت تستطيع أن تستوعب فيه الخطة الكاملة.

الوسائل المعينة على القراءة النافعة

الوسائل المعينة على القراءة النافعة والوسائل المعينة على القراءة عشر وسائل:

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص

النقل عمن سبقك من أهل الاختصاص الوسيلة العاشرة: أن تنقل من العارفين السابقين المتخصصين، فابدأ من حيث انتهى الآخرون، واسأل متخصصاً: ماذا أقرأ؟ وبماذا أبدا؟ وما هو أفضل كتاب في هذا الموضوع وماذا أقرأ بعده؟ والإنسان قد يضيّع وقتاً كبيراً في قراءة كتاب غير مفيد، أو في قراءة كتاب صعب بينما هناك الأسهل، أو كتاب سطحي بينما هناك الأعمق. فكل العلماء السابقون أخذوا عن غيرهم، وبدءوا من حيث انتهى الذين سبقوهم، ولذلك استفادوا وأفادوا غيرهم، وما تكبَّر أحد منهم أبداً على أن يتعلم ويسعى في طلب العلم ويسأل غيره، بل كانوا يسافرون المسافات الطويلة للتعلم وكانوا من أعظم العلماء فالإمام البخاري والنووي وابن القيم وابن الجوزي وغيرهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بنقل علوم غيرهم، ثم الإضافة إليها والتطوير فيها فهداهم الله عز وجل, وهدى بهم أجيالاً وأجيالاً.

التعاون مع الآخرين في القراءة

التعاون مع الآخرين في القراءة الوسيلة التاسعة: أن تتعاون مع أصحابك وإخوانك في القراءة: كوّن مجموعةً من أصحابك للقراءة، كل واحد يقرأ في مجاله، وتلتقون مرة أو مرتين في الأسبوع، أو مرة كل أسبوعين حسب ظروفكم، وكلٌ واحد يلخص لإخوانه ما قرأ وتبادلوا المعلومات، فبدلاً من عينين اثنتين تقرآن ستصبح عشرة أعين، وبدلاً مما يستوعبه عقل واحد ستصبح خمسة عقول، وكلما كسل أحدهم فالآخر سيحفزه ويشجعه، والشيطان لن يستطيع أن يتغلب عليكم وأنتم مجتمعون، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين

نقل ما تقرؤه إلى الآخرين فالوسيلة الثامنة: انقل ما تقرأ إلى غيرك: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (بلغوا عني ولو آية)، فأي معلومة تقرؤها وصلها لغيرك وستستفيد ألف فائدة، فالمعلومة ستثبت في ذهنك إن شاء الله، وغيرك سيتعلم ويستفيد، وستأخذ مثل أجره دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، وسيرضى الله عنك ويبارك لك في عملك. وتذكر دائمًا: من عمل بما يعلم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم، فكلما علّمت الناس شيئاً فإن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك ويزيدك علماً أكثر، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].

تكوين مكتبة متنوعة في البيت

تكوين مكتبة متنوعة في البيت الوسيلة السابعة: تكوين مكتبة متنوعة في البيت. أتمنى للذين لديهم غرفة نوم، وغرفة طعام، وغرفة استضافة أن يفكروا في المكتبة، فهذا ليس عملاً ثانوياً، ووسيلة من وسائل الترف، بل هو شيء أساسي في البيت، ليس مهمًا أن تكون المكتبة فخمة أو فاخرة، لكن المهم الكتب التي فيها، ينبغي أن يكون في ذهنك مشروع واضح لشراء مجموعة ضخمة من الكتب، وهذا الكلام للناس كلهم للأغنياء والفقراء على حدٍ سواء، ضع جدولاً في شراء الكتب في غضون سنة أو سنتين أو عشر سنين أو عشرين سنة بقدر ما تستطيع، والإنسان إذا أحس بقيمة الكتاب سيوفر من أكله ويشتري الكتاب، فأحياناً قد يأكل الإنسان أكلة بثمن أربعة أو خمسة كتب، وقد يشتري قميصاً بثمنه عشرة كتب، وقد خرج في رحلة أسبوع بثمن مكتبة قيّمة جدًا. ضع هذا الموضوع في ذهنك وكوّن مكتبة شاملة لكل أنواع المعارف، ولو كتاباً في كل فرع، فمثلاً: كتاب في العلوم السياسية، وكتاب في العلوم الاقتصادية، وكتاب في الفقه، وكتاب في الحديث، وكتاب في الأدب، وفي غيرها من الفروع المختلفة، فإذا ما احتجت كتاباً في فرع معين تجده، وأحياناً المعلومة التي تحصلها وتكون محتاجها يكون ثمنها أغلى من ثمن الكتاب ألف مرة، فلا بد أن يكون عندك مصدر في كل فرع من فروع العلم. وأحياناً قد تمل من القراءة في مجال معين فتنتقل إلى كتاب في مجال آخر وهكذا، وضع في ذهنك أن المكتبة لن تنفعك فحسب لكنها ستنفعك أنت وزوجتك وأولادك وقد تنفع أحفادك وأحفاد أحفادك، وقد رأيت أناساً يقرءون كتباً اشتراها أجدادهم أو آباء أجدادهم، فهم لا يزالون يحصلون على الحسنات إلى الآن من جراء هذه المكتبة التي خلفوها وراءهم، فهذه تعد من الصدقات الجارية العظيمة جداً. أما الوسيلة الثامنة والتاسعة والعاشرة، فهي علاقات بينك وبين الآخرين: إلى ومع ومن.

تنسيق المعلومات وتسجيلها

تنسيق المعلومات وتسجيلها الوسيلة السادسة: التنسيق للمعلومات, والتنظيم لكل شيء. حاول أن تكون منظماً في كل شيء، المعلومات التي تقوم بتسجيلها في كشكول لا تسجلها مبعثرة، المسلم منظم في حياته، ليكن لديك كشكول للعلوم الشرعية، وكشكول للعلوم السياسية، وكشكول للقراءات الأدبية، وكشكول للتاريخ، وإذا كنت أكثر تخصصًا قسّم هذه الدفاتر إلى أقسام أكثر تفصيلاً، فمثلاً: كشكول العلوم الشرعية يكون فيه فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة وغيرها، وضع ذلك كله في صورة منظمة في البيت بحيث تستطيع أن ترجع بسهولة للمعلومة التي تريدها، وأن تضيف معلومات في المكان الذي ينبغي أن تضيف فيه، فهذا النظام سيوفر لك وقتاً طويلاً، وسيجعل بيتك وعقلك منظمين، إن بعض الناس عقولهم غير منظمة، فيأتون بمعلومة من الشرق والغرب، والبعض الآخر عقولهم منظمة، فكل شيء عندهم محسوب، ولا يبتعدون عن أهدافهم ولا يخرجون عن الموضوع كثيراً، والموضوع الذي يأتي بالتدريب والمران له فوائد لا تحصى. أنا ألقي بعض المحاضرات من أوراق كتبتها منذ أكثر من عشر سنين أو من خمس عشرة سنة، ما تأتي سنة إلا وأضيف إليها معلومة، والمحاضرة التي كنت أؤديها منذ عشر سنين أصبحت الآن عشرًا أو عشرين محاضرة، ولا شيء ينقص بل يزيد، والفضل يرجع للتنظيم والترتيب والتنسيق، وهذا غير الراحة النفسية التي يضفيها النظام على حياتك وحياة الناس الذين معك، وربنا يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة

التدرج في توفير الوقت المناسب للقراءة الوسيلة الرابعة: التدرج. أنا أعلم أن البعض سيتحمس جداً وسيشتري كذا كتاب، ويبدأ يفرّغ أوقاتًا طويلة جداً للقراءة؛ لأهمية القراءة، وقد يطغى وقت القراءة على أعمال أخرى هامة جداً في حياته! فمؤكد أن لديك أعمالاً أخرى غير القراءة أيضاً، وعندما تختل موازين حياتك ستشعر أن القراءة هي السبب، فيكون ذلك سبباً لهجر القراءة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين؛ فأوغل فيه برفق)، وخاصةً إذا لم تكن متعودًا على القراءة، وإلا ستجد نفسك قد مللت سريعًا, لتكن مثل لاعب الماراثون الذي يجري لمسافات طويلة فإنه يبتدئ أولاً ببطء, ثم يسرع بالتدريج، فالقراءة منهج حياة، وطريق القراءة مشوار حياتك كلها، يحتاج إلى أن تبتدئ فيه بتعقل وروية حتى تستطيع أن تصل بإذن الله. فبعض الناس قد يكتبون، والبعض الآخر لا يكتبون إنما يسمعون العلم ويراجعونه مع أنفسهم، فالأفضل لهم تسجيل النقاط أولاً حتى يتمكنوا من مراجعة العلم.

الجدية في القراءة

الجدية في القراءة الوسيلة الخامسة: الجدية. القراءة ليست هواية، إنما هي عمل جاد يحتاج إلى مجهود وفكر، ووقت، ومال، وتضحية، فلا بد أن تأخذ الموضوع بجدية؛ أنت تقرأ لكي تستوعب كل كلمة تقرؤها، ولكي تستفيد وتفيد، فأنت تعمل عملاً كبيراً جداً عندما تقرأ، فليس لك من القراءة إلا ما عقلت؛ لذلك لا بد أن تفهم ما تقرأ، اقرأ أي كتابٍ وكأنك تذاكره، وليس مجرد قراءة، وليكن معك كشكولاً أو أوراقاً لتسجيل ملاحظاتك، فقد تجد معلومة تريد أن تخبر بها إخوانك وأصحابك، أو مسألة لم تفهمها فاكتبها لكي تسأل متخصصاً أو عالماً، أو هنا لك عناصر مهمة جداً في الموضوع، أو إضافة قرأتها في مكان آخر، أو اعتراض على نقطة معينة وهكذا، وستجد أن معك كشكولاً في غاية الأهمية وستركز جداً في كل كلمة تقرؤها، فلو أخذت الموضوع بجد ستجد إمكانياتك أكثر بكثير مما تتخيله، وتحصيلك أضعاف أضعاف ما تعتقد، والمتتبع لقصص الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين يعرف المعنى الحقيقي للجدية التي أقصدها. فمثلاً: زيد بن ثابت كان متقدماً على الصحابة لقراءته، وكذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، والشافعي أو أحمد بن حنبل أو الخوارزمي أو جابر بن حيان أو أبو بكر الرازي رحمهم الله جميعاً، فإن كل واحد من هؤلاء قد تعب في مجاله، وأخذ الموضوع بمنتهى الجدية؛ حتى إلى المستوى الذي وصل إليه في المجال الذي هو متخصص فيه، إن إمكانيات البشر فوق تخيّل البشر بكثير جداً، وسبحان الذي خلق فسوّى.

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة

تحديد وقت ثابت واستغلال أوقات الفراغ للقراءة الوسيلة الثالثة: تحديد وقت ثابت للقراءة واستغلال الفراغات البينية، وهذا يعني ألا تنتظر إلى آخر اليوم لكي تقرأ الذي كان يجب أن تقرأه في أول النهار، ليكن لك وقت معروف ومحدد قدر ما تستطيع تقرأ فيه، حاول أن يكون ذهنك نشيطاً في هذا الوقت، وتكون فيه مستريحاً حتى تستطيع التركيز وتخرج بنتيجة، وليس مجرد تأدية واجب. ليكن وقت القراءة -مثلاً- بعد صلاة الفجر إلى الشروق، أو قبل المغرب بساعة، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء مباشرة أي: حسب ظروفك، حدّد وقتاً معيّناً، وغيّر الوقت حسب الظروف التي تناسبك في حياتك بحيث لا يكون هذا التغيير متكرر وكثير. استغل الفراغات البينية في حياتك، وهي الفراغات التي بين الأعمال، إذ أنه عادةً ما يكون هناك فراغ وقتي، حاول أن تستغله في القراءة، فمثلاً: في المواصلات أو في متجرك عند عدم وجود زبائن، أو في حال انتظارك في عيادة طبيب أو عند حلاق أو في مكتب أو غيره، ستجد أوقاتاً كثيرةً جداً اجتمعت لك، وليكن كتابك دائمًا معك في كيس أو في حقيبة أو في يدك، وبمجرد أن تجد ربع ساعة فارغة استغلها، وستجد أن اليوم صار طويلاً وبركته زادت وربنا معك.

استحضار النية

استحضار النية الوسيلة الأولى وهي أهم الوسائل على الإطلاق: استحضار النية وتحديد الهدف. فالناس لا يقرءون وعندهم مشكلة في القراءة؛ لأنهم لا يعرفون لماذا يقرءون؟ لو عندك امتحان في كتاب معيّن فستقرؤه، أو عندك وظيفة تحتاج إلى معلومات معيّنة ستذهب وتقرؤها، فالنية هي التي تحدد قدر الثواب الذي ستحصل عليه، فقد تعمل عملاً معيناً تأخذ عليه عشر حسنات، وقد تعمل نفس العمل بنية أفضل وأكثر تأخذ مائة حسنة أو ألف حسنة، وقد تعمل نفس العمل ويحبط تماماً إذا لم تكن النية سليمة. فأنا أقرأ؛ لأن الله عز وجل أمرني بالقراءة، قال لي وقال لكل المسلمين بصيغة الأمر المباشر وبمنتهى الوضوح: ((اقْرَأْ))؛ ولذلك فأنا أطيع الله عز وجل وأقرأ، بهذا سيتحول كل حرف تقرؤه إلى حسنات. وأنا أقرأ؛ لأنفع نفسي في الدنيا والآخرة؛ فلا فلاح في الدنيا والآخرة بغير العلم. وأنا أقرأ؛ لأنفع من حولي: أولادي وأمي وأبي وإخواني وأخواتي وأقاربي وأصحابي, ومن أعرف, ومن لا أعرف، فأصبح كحامل المسك لا يجاوره أحد إلا وشم من طيبه ورائحته. وأنا أقرأ؛ لأنفع أمتي؛ لأن أمة لا تقرأ أمة غير مرهوبة، ومتخلفة عن الركب، ومتبعة لغيرها، لذلك أنا أقرأ لأجعل أمتي في مقدمة الأمم. فارضاء رب العالمين بقراءتك، ونفعك لنفسك، ولأمتك ولمن تحب من الدوافع العظيمة التي ستُشعل حماستك للقراءة. فطالما أن هذه النية في ذهنك فلن تغيب عنك الضوابط التي ذُكرت في صدر سورة العلق؛ فأنت تقرأ باسم الله فلا بد أن تكون قراءتك على هذا المستوى، وأنت لا تتكبر بقراءتك وعلمك؛ لأنك تعلم أن الله عز وجل هو الذي منّ عليك بهذا الفضل. فلو حرصت على استحضار النية وتحديد الهدف ستكسب في كل قراءة أشياء في غاية الأهمية: أولاً: ستحصل على الأجر والثواب، كلما تقرأ علماً نافعاً فإنه سيكون لك بكل حرف تقرؤه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله لمن يشاء، وستكسب ترسيخ المعلومة في ذهنك؛ لأن لها هدف معروف وهدف نبيل، وستستمتع استمتاعاً حقيقياً بكل ما تقرأ، وهذا ينطبق على العلوم الشرعية وغيرها، سيستمتع قارئ السياسة بما يقرأ، وقارئ الاقتصاد بما يقرأ، وقارئ التاريخ بما يقرأ. بل سيستمتع كل طالب بالمذاكرة التي يذاكرها، وستختفي معظم مشاكل الآباء والمدرسين مع الأبناء والطلاب، فالآباء والمدرسون يوجبون على الطلاب المذاكرة دون توجيه النوايا وتحديد الأهداف فتضيع الساعات والأيام والشهور والسنوات ويخرج الطالب بعد دراسة ستة عشر أو سبعة عشر سنة أقرب إلى الأمية منه إلى العلم! فضياع الهدف كارثة حقيقية. إن علماء الإدارة يضعون أول شيء يجب أن تعمله لأي مشروع في حياتك هو تحديد الهدف بوضوح، فهو أهم وسيلة في المحافظة على القراءة.

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية

وضع خطة للقراءة وتجنب العشوائية الوسيلة الثانية: هي وضع خطة للقراءة. لا داعي للقراءة العشوائية، ضع خطة واضحة للقراءة، ولكي تضع خطة صحيحة لا بد أن تكون على علم بإمكانياتك جيداً، وبالوقت المتاح للقراءة، والكتب المتاحة لديك، وقدرتك على الاستيعاب، والهدف من القراءة. بعد معرفة كل هذه العناصر ضع خطة واضحة: فمثلاً: سأقر الكتب الخمسة في خلال الأشهر الستة القادمة، أو الكتب العشرين خلال السنة القادمة أو السنتين القادمتين، فضع الخطة التي تناسبك، واقرأ الكتاب أولاً بأول، وحاول ألا تغيّر كثيراً في الخطة التي وضعتها لنفسك إلا عند حدوث طوارئ خاصة حقيقية، اتعب أولاً في وضع الخطة وبعد ذلك التزم بها، والزم الوسط في وضع خطتك، ولا داعي للتفاؤل الكبير جداً فتضع عشرات الكتب في وقت قليل ثم تفشل في الإنجاز فتحبط، أو تضع كتباً قليلة فيضيع عليك الوقت، كن متوسطاً في خطتك. وليكن لك وقفة كل عدة أشهر مع نفسك للمتابعة والتقييم: هل كنتُ واقعياً في خطتي أم أن هناك أخطاءً؟ وإذا لم تحقق الإنجاز المطلوب هل هذا لأن الخطة ليست سليمة أو لأنه قد ظهرت معوقات تمنع من استمرار السير في الخطة بخطى سليمة؟ فكر وانظر وادرس الوضع الذي كنت فيه، وحاول تعديل خطتك حسب وضعك الذي أنت تستطيع أن تستوعب فيه الخطة الكاملة.

قصة عبد الرحمن الناصر وإعادة بناء الدولة الإسلامية في الأندلس حال شبابه

قصة عبد الرحمن الناصر وإعادة بناء الدولة الإسلامية في الأندلس حال شبابه كذلك عبد الرحمن الناصر رحمه الله، تحدثنا عنه في مجموعة الأندلس من الفتح إلى السقوط، اقرأ سيرته، تابع خطواته، استمتع بخططه، تدبر في ترتيبه وإعداده وتنظيمه، استلم دولة مفككة مترهلة مشتتة، تموج بالثورات والفتن، يطمع فيها أهل الأرض جميعاً، وليس لها فيما يبدو للناس أمل في أن تقوم من جديد، فإذا به بصبر عجيب، وثبات نادر، وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس، يعيد للعلماء هيبتهم، يعيد للجيش الإسلامي رهبته، يوحد الصفوف، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جداً في الأندلس، يتفوق في كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، وكذلك المجال المعماري والترويحي، في كل المجالات، حتى أصبحت الأندلس في زمانه أقوى دولة بلا منازع على وجه الأرض، وجاء زعماء أوروبا جميعاً ليطلبوا وده، وليفوزوا برضاه. ملت عبد الرحمن الناصر أقوى ملوك أوروبا في القرون الوسطى. وعبد الرحمن الناصر رحمه الله استلم الحكم وهو يبلغ من العمر إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين سنة، سنة ثالثة أو رابعة جامعة، لماذا الشاب في الجامعة وبعد الجامعة يعتبر نفسه صغيراً عن السياسة، وصغيراً عن الاقتصاد، وصغيراً عن المشاكل الاجتماعية، وصغيراً عن التغيير، وصغيراً عن الإصلاح، وصغيراً على إنكار المنكر والأمر بالمعروف؟ يا أخي الشاب! لقد مر ثلث عمرك أو نصف عمرك، هذا إن قدر لك أن تعيش إلى خمسين أو ستين أو سبعين سنة، فحرام أن تمر السنوات من بين يديك وأنت ما زلت متعلقاً بلعبة أو فسحة أو صديقة أو قصة شعر أو موضة أو تلفاز أو متعلقاً بسهر على المقاهي أو النوادي ورجوع إلى البيت قبل الفجر، من سيرجع إليك هذا الوقت مرة أخرى؟! الرسول صلى الله عليه وسلم ينبهك: (اغتنم خمساً قبل خمس) وذكر منها: (شبابك قبل هرمك) الشباب لن يرجع مرة أخرى إذا بلغت الشيخوخة أو الهرم.

أسباب انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم

أسباب انهيار الشباب وظهور الخلل والاضطراب في أوساطهم نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن، وبين ما ينبغي أن يكون عليه؟ من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم، لكن الخطأ خطأ مركب، فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل، أحصي لكم في هذه المحاضرة أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب:

الإحباط النفسي

الإحباط النفسي ثالثاً: الإحباط الذي انتاب الشباب نتيجة التردي في حال الأمة الإسلامية، من الناحية السياسة، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، بل والأخلاقية، فالشاب يشعر أنه لا فائدة ولا أمل؛ لأن الفجوة هائلة بيننا وبين معظم شعوب الأرض، هائلة بيننا وبين أمريكا، بيننا وبين أوروبا، بيننا وبين الصين، بيننا وبين اليابان، بيننا وبين الهند، بيننا وبين كوريا الشمالية، يأس وإحباط، ومستحيل مع وجود هذا اليأس أن يشعر الشاب بهويته وبقيمته.

غياب القدوة الصالحة

غياب القدوة الصالحة ثانياً: غياب القدوة الصالحة، قاعدة: ليس هناك تربية بغير قدوة، كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم شرب السجائر والسجارة لا تفارق يده، أو بحسن معاملة الجار وهو في شجار دائم معه، أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟! كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في الشباب الرحمة وعدم التركيز على المال، وهو يهمل في التدريس في حصة المدرسة، ليستنزف أموالهم بعد ذلك في الدروس الخصوصية؟! أو كيف يربيهم على الحرص على المال العام، والأمانة في العمل، وهو يهرب من حصص المدرسة؟! كيف يمكن لنظام الأمن في البلاد الإسلامية أن يأمر الشباب بعدم العنف وعدم الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وكل إرهاب مع عموم الشعب؟! غياب القدوة أمر خطير، من هم قدوة شباب أمة الإسلام؟! أتراه فناناً ماجناً أقرب إلى النساء منه إلى الرجال؟! أتراه لاعباً أنفق زهرة شبابه في اللعب؟! أتراه مليونيراً سرق أموال البلاد والعباد؟! أتراه مرتشياً تسلق على أكتاف الشعب إلى أعلى الدرجات؟! أتراه زعيماً ماركسياً أو قائداً ملحداً أو أديباً فاسقاً؟! أتراه شيوعياً أم يهودياً أم هندوسياً أم بغير ملة؟! أتراه واحداً من هؤلاء، أم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كم من شباب أمة الإسلام الآن يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة له؟! كم من الشباب يقتدي بـ الزبير، وطلحة، وسعد، والأرقم، وزيد؟! كم منهم يقتدي بـ أسامة، ومعاذ بن عمرو بن الجموح؟! كم منهم يضع نصب عينيه حياة محمد الفاتح، أو محمد القاسم، أو صلاح الدين، أو عبد الرحمن الناصر رحمهم الله جميعاً؟ يا شباب الأمة أفيقوا! خلف من تسيرون وإلى أي غاية تريدون الوصول؟ القدوة يا شباب أمة الإسلام. إذاً: هناك مشكلتان كبيرتان في هذا الوقت: مشكلة غياب التربية الإسلامية الواعية، ومشكلة غياب القدوة الصالحة.

غياب التربية الإسلامية الواعية

غياب التربية الإسلامية الواعية أولاً: غياب التربية الإسلامية الواعية، التربية أساساً تكون في البيت والمدرسة، وغياب معنى مراقبة الله عز وجل هو سبب رئيس وراء انهيار مستوى الشباب، من افتقاد قيمة الآخرة، وافتقاد الولاء لهذه العقيدة، إذا لم يكن البيت والمدرسة حريصين على ربط كل سلوكيات الأطفال والشباب بالعقيدة، فهناك خطورة كبيرة جداً على هوية شباب أمة الإسلام، والطامة الجديدة الكبرى هي إلغاء مادة الدين، رأينا هذا الكلام يحدث في هذا الوقت، استبدلت مادة الدين بمادة القيم والأخلاق، وبذلك توجه كل الأخلاق إلى عموميات لا ترتبط بالله عز وجل ولا بالآخرة، كن صادقاً؛ لأن الصدق شيء جميل، نعم هذا معنى، ولكن أعظم منه: كن صادقاً؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، اكفل يتيماً؛ لأن المجتمع يجب أن يتعاون، نعم هذا جميل، ولكن أجمل منه: اكفل يتيماً لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، وهكذا كل القيم والأخلاق إن لم ترتبط بالآخرة وبرضا الله عز وجل؛ فسيحدث لها مثل ما يحدث في كل المناهج العلمانية، إذا اختفى الرقيب ضاعت الأخلاق، ما أسهل الزنا في أمريكا، ما أسهل القتل في أمريكا، ما أسهل شرب الخمر في أمريكا، ما أسهل قتل الشعوب وسفك الدماء ونهب الثروات في أمريكا، أهذا ما تريدونه للشباب، أم من الأفضل أن يرتبط بمن يغير ولا يتغير سبحانه وتعالى، وأن يرتبط بالنعيم الذي لا يزول أبداً، بدلاً من أن يكون أقصى أحلامه أن يستمتع سنوات معدودات ثم يموت ويفنى؟! غياب التربية الإسلامية الواعية في البيت والمدرسة من أهم وسائل تحطيم شباب أمة الإسلام.

المجالات التي يوصى بالقراءة فيها

المجالات التي يوصى بالقراءة فيها أما الموضوع الثاني المهم جداً وهو: ماذا يمكن أن نقرأ؟ فالمسلم يقرأ في أمور كثيرة ليكون إنساناً متوازنًا، والإسلام له دور في كل نقطة من نقاط الحياة، فكل قراءة في كل المجالات النافعة في الدنيا تعتبر قراءة في منهج الإسلام. وهنا عشر مجالات نقرأ فيها، فهذه عينة مما يفترض أن نقرأه وهي بداية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وكل ميسر لما خلق له).

القراءة في مصنفات العلوم الشرعية

القراءة في مصنفات العلوم الشرعية المجال الثالث للقراءة هو: العلوم الشرعية بشتى أنواعها، فاعمل لنفسك برنامجاً، واستعن بأحد العلماء في وضع ذلك البرنامج، فعلوم الإسلام كثيرة جدًا، واقرأ كتاباً في كل فرع من فروع العلوم الشرعية، فسيعطيك هذا خلفية رائعة، ويبني لك قاعدة متينة تستطيع أن تبني عليها بعد ذلك بنياناً ضخماً إن شاء الله، وابدأ بكتب بسيطة مختصرة, وتوسع بعد ذلك مع مرور الوقت. فاقرأ مختصر تفسير ابن كثير، وهو كتاب رائع لتفسير القرآن، وبسيط وسهل ومباشر، ابدأ منه بقراءة تفسير جزء عمّ وتبارك، وبعد ذلك تفسير السور التي تحفظها كالكهف ويس والواقعة والبقرة، واعمل لنفسك جدولاً كما اتفقنا. واقرأ الجزء الأول من فقه السنة فهو يتحدث عن أحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، فهو مهم جدًا لأداء هذه العبادات الهامة بالصورة التي أمر الله عز وجل أن تتم بها. واقرأ كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين، فهو كتاب مبسط جدًا في العقائد الإسلامية، عن كيفية الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والقضاء خيره وشره. ومختصر منهاج القاصدين، وهو كتاب رائع في الرقائق والروحانيات وأمراض القلوب وعلاج أمراض القلوب: كالرياء والغضب والشح، وكيف تتوب إلى الله؟ وكيف تحب الله ويحبك الله؟ فهو كتابٌ جميلٌ حقًا، وهو مختصر إحياء علوم الدين للغزالي، والذي اختصره هو ابن قدامة المقدسي رحمه الله فقد بذل فيه مجهوداً ضخماً، فقد حذف أحاديث كثيرة ضعيفة، وحذف منه بعض المشاكل حتى أصبح كتاباً في منتهى القيمة. واقرأ كتاب خلق المسلم: للغزالي، فهو كتاب رائع في فهم الأخلاق الأساسية لكل مؤمن. واقرأ كتاب المرأة في التصور الإسلامي للدكتور عبد المتعال الجبري وهو كتاب مهم جداً في شرح قيمة المرأة ودور المرأة والشبهات التي أُثيرت حول المرأة والرد عليها، فهو كتاب مهم ليس للنساء فحسب بل للرجال أيضًا. واقرأ في شرح الأحاديث النبوية مثل كتاب جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب الحنبلي، فقد شرح حوالي خمسين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلوب جميل جداً ومنظم. وكتاب العبادة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي، فهو كتاب عميق في شرح معنى العبادة في الإسلام وشمول كلمة العبادة لكل أمور الحياة.

القراءة في كتب السنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم

القراءة في كتب السنة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم المجال الثاني: أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وهي الجمل القصيرة التي تحوي معاني هائلة وضخمة، فحديث واحد قصير فيه كم هائل من المعرفة والحكمة، فنحن عندنا قصور شديد في هذا الجانب، فبعضنا يقرأ كثيراً القرآن الكريم لكن القليل منا هو الذي يمتِّع عينيه وعقله بكلمات الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ أحدنا هذه الأحاديث الشريفة فإنه يقرؤها بصورة عشوائية غير منتظمة، أنا أريد أن يكون جزءاً رئيسياً من تكوينك أن تقرأ أحاديث نبوية شريفة. ليكن في جدولك أن تقرأ كل يوم حديثاً أو اثنين، فالسنة كنز هائل من أعظم الكنوز بين أيدينا، وكتب السنة بفضل الله كثيرة جداً، وابدأ بالبسيط منها وتدرج، ابدأ مثلاً بالأربعين النووية، وبعد ذلك رياض الصالحين، وبعد ذلك اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، وبعد ذلك مختصر البخاري ومختصر مسلم وغيرهما، فكتب الأحاديث كثيرة جداً وفيها من الخير ما لا يتخيل.

القراءة في تخصصات العلوم الدنيوية

القراءة في تخصصات العلوم الدنيوية المجال الرابع: القراءة في مجال التخصص في العلوم الدنيوية، فالطبيب يقرأ في الطب، والمهندس يقرأ في الهندسة, والكيميائي في الكيمياء، والجغرافي في الجغرافيا وهكذا. اقرأ الجديد دائماً، وحسن من مستواك، وارفع من قدراتك وإمكانياتك، فهذا مجال في غاية الأهمية، نحن لا نريد المهندس أن يترك الهندسة ويدرس الفقه، ولا نريد من الفيزيائي يترك الفيزياء ويتخصص في التفسير، نحن كما أننا في حاجة إلى علماء في الشريعة فإننا في حاجة إلى علماء في علوم الحياة. وراجعوا محاضرة: أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة. دعيت إلى حفل تخريج دفعة من دفعات كلية العلوم، وكانوا يسألونني عن النصائح المهمة للخريج، ووجدت الكثير منهم بعث أسئلة مختصة بقضايا العمل والكسب والزواج ودخول الجيش، وهذه القضايا كلها في غاية الأهمية، ولم يذكر واحد منهم أن من مشاكلنا الرئيسية أو من قضاياه المهمة الرئيسية بعد أن ينتهي من كلية العلوم أن يحضر مثلاً الماجستير أو الدكتوراه أو دراسات متخصصة في مجال معيّن، فالذي يسجل دكتوراه وماجستير من غير المسلمين أو من المسلمين غير الملتزمين بالدين على العكس من المسلمين الملتزمين بدينهم والمتمسكين بشرعهم! فالمسلم المؤمن الملتزم بالدين لديه دوافع راقية جدًا للعلم والتفوق، فهو يطلب رضا الله سبحانه وتعالى والجنة، ويطلب عمارة الأرض، ونفع البشرية، وخدمة الإنسانية، وليس هذا إلا للمؤمن. إذاً: هذا مجال في غاية الأهمية ونحن عندنا فيه قصور، ولا بد أن نركز عليه تركيزاً هاماً لرفعة هذه الأمة، وهو القراءة في مجال التخصص في مجال العلوم الحياتية.

القراءة في كتب التاريخ

القراءة في كتب التاريخ المجال الخامس للقراءة قراءة التاريخ. فالتاريخ في غاية الأهمية، فثلث القرآن قصص الأولين، وهو تاريخ، والهدف واضح وهو استخراج العبرة, والتفكر في الأحداث، واستنباط سنة الله عز وجل في خلقه وفي أرضه. وأهم تاريخ تقرؤه هو تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تاريخ الخلفاء الأربعة، ثم بقية التاريخ الإسلامي، ثم التاريخ غير الإسلامي، فكل هذا مهم لكن هنالك أولويات، وأول ما تقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري، فهو شرح بسيط للسيرة النبوية من الميلاد إلى الوفاة، وممكن بعد ذلك تستعين بسيرة ابن هشام المحققة حتى تعرف الضعيف من الصحيح، وأيضاً كتاب السيرة النبوية للصلابي، وكتاب فقه السيرة للبوطي، وكتاب فقه السيرة للغزالي وغيرها، فكتب السيرة في منتهى الأهمية، ومن المهم أيضًا قراءة تاريخ الخلفاء الأربعة ككتاب إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للخضري رحمه الله. واقرأ عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وممكن أن تبدأ بكتاب صور من حياة الصحابة لـ عبد الرحمن رأفت الباشا، فهو كتاب رائع عن سيرة بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولغته جميلة جداً، ومعلوماته كثيرة، وأسلوبه سهل ومبسط. ومن الكتب التي تلقي أضواء مهمة على التاريخ الإسلامي كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ للندوي رحمه الله، وكتاب من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وكتاب حماة الإسلام لـ مصطفى نجيب رحمه الله، فهذه الكتب في منتهى الروعة، فسوف توسع مداركك، وتفتح عينيك على أبواب كثيرة جداً حاول أعداؤك قدر ما يستطيعون أن يغلقوها.

قراءة الواقع بجميع مجالاته

قراءة الواقع بجميع مجالاته المجال السادس قراءة الواقع. وهذا المجال خطير ومهم جداً، وحتميٌ للمسلم المثقف الواعي، وهو قراءة الواقع الذي نعيشه، كالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي، ليس فقط في بلدك بل في كل بلاد المسلمين، وفي العالم بصفة عامة. إن المتغيرات السياسية التي تحدث في الأرض بكاملها لها تأثير كبير جداً على أمة الإسلام، فإذا كنت فعلاً تريد أن تبني أمة الإسلام فلا بد أن تعرف كيف تسير الأحداث من حولك، وليس كما يقال أن الكلام في القضايا السياسية شيء منكر وحرام، فمجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والزراعة والحروب والمعاهدات لا تتجزأ عن الإسلام، وبعض الدعاة لا يهتمون بهذه الأمور, وبالتالي هم منعزلون عن حياة الناس وواقعهم فلا يؤثرون في الناس ولا يغيرونهم. لا بد أن تتابع الصحف اليومية والجرائد المختلفة الحكومية والمعارضة، كالمصرية وغير المصرية، والإسلامية وغير الإسلامية، والعربية وغير العربية، والمواقع العالمية للأخبار مثل BBC والـ CNN مع الحذر عند قراءة الأخبار من التضليل المقصود وغير المقصود، وحاول أن تقارن الأخبار بعضها ببعض، وبعد فترة ستكتسب حسًّا مرهفًا تستطيع أن تفرّق به بين الصواب والخطأ، والحقيقة والافتراء.

الاستفادة من آراء الآخرين وقبول الحق والحكمة

الاستفادة من آراء الآخرين وقبول الحق والحكمة المجال السابع قراءة الرأي الآخر. للأسف الشديد كثير منا ليس عنده استعداد أن يسمع للرأي الآخر، أو يقرأ أو يسمع لعالم مسلم ليس من نفس مدرسته الفكرية أو على خط آخر! بينما الذي نعرفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها). نحن في حاجة إلى أن نقرأ عن غيرنا ماذا يقول؟ وما هي وجهة نظره؟ وما هي أدلته؟ وما هو رأيه؟ نحن في حاجة إلى أن نقرأ أيضًا للمدارس غير الإسلامية، فكثير من المسلمين توجهاتهم قومية، أو علمانية، أو اشتراكية، أو غربية، أو وطنية، أو مصلحية نفعية، فنقرأ كيف يفكرون؟ وكيف يكتبون؟ وما هي أطروحاتهم؟! بل نقرأ ما هو أبعد من ذلك ككتابات غير المسلمين، وكتابات أعدائنا، لنعلم كيف يفكر اليهود والنصارى وحكام وعلماء وأدباء الغرب والشرق؟ كمذكرات نيكسون مثلاً: وريجان وبوش وكلينتون وجلودمائير وديفيد كوك، فنقرأ ما هي نظرتهم لنا؟ وكيف يحكمون بلادهم؟ وكيف يحاربوننا أو يسالموننا؟ فهذا جانب في غاية الأهمية، فنفرغ له وقتاً، وستتسع مداركنا عندما نقرأ لغيرنا، وليكن في أذهاننا: بداية أن يسمع لنا غيرنا أن نسمع لهم.

قراءة الكتب التي ترد على الشبهات المثارة حول الإسلام

قراءة الكتب التي ترد على الشبهات المثارة حول الإسلام المجال الثامن: القراءة في الشبهات التي أثيرت حول الإسلام، والقراءة في الرد عليها. ما أكثر الشبهات التي أثيرت حول الإسلام منذ نزول الرسالة وإلى الآن! والذي نعلمه ونوقن به حقيقةً أن الإسلام دين كامل بلا عيوب أو أخطاء؛ لأنه من عند رب العالمين سبحانه وتعالى، ولكن كثيراً ما نفتقد الحجة المقنعة لرد الشبهة، أو نجهل الحق الذي معنا والذي نحن عليه. وفى زماننا هذا كثرت الشبهات المثارة حول إسلامنا العظيم، وانعقدت لذلك مؤتمرات، وأنفقت أموال، وجُندت طاقات ضخمة وكثيرة ومهولة في هذا الزمن، ومن واجبنا أن نرد على كل هذه الشبهات، ونقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان. ما هو وضع المرأة في الإسلام؟ كيف نرد على من يقول إن الإسلام انتشر بالسيف؟ ما هو الرد على من يقول بأن الحدود ستخرج لنا شعبًا معوّقا مقطوع الأيدي؟ ما هو الرد على من يتهم الإسلام بالإرهاب أو بالقسوة أو بالجمود أو بالتخلف أو بغير ذلك؟ فهذا الكلام كله مردود عليه بردود عقلية منطقية قوية، فيجب علينا أن نقرأ، وأن نستعين بكتاب: شبهات حول الإسلام للأستاذ محمد قطب، أو كتاب: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه للعقاد، أو كتاب: الإسلام في قفص الاتهام للدكتور شوقي أبو خليل وغير هذا كثير.

القراءة فيما يتعلق بتربية الطفل

القراءة فيما يتعلق بتربية الطفل المجال التاسع: تربية الأطفال. كثيرًا ما يسقط من حساباتنا أن تربية الأطفال علم له أصوله وله فنون، وهنالك كتب كثيرة جداً مكتوبة في هذا المجال، ككتاب تربية الأولاد في الإسلام لـ عبد الله ناصح علوان رحمه الله. وتوجد كتب كثيرة جداً كتبها علماء تربية متخصصون في نفسيات الأطفال، واحتياجاتهم في طريق التربية، والكلام في هذا في منتهى الأهمية. نحن بحاجة إلى أن نقرأ في قصص الأطفال؛ حتى إذا ما حكيت قصة لابنك أو لأخوك أو للأطفال في المسجد أو في النادي تحكي لهم قصصاً هادفة وبأسلوب مناسب. فعقول الأطفال أكبر بكثير مما نتخيله، وعندهم طاقة لاستيعاب أضعاف ما نعطي لهم، وليس من المناسب أن يكون كل الذي في عقول أطفال المسلمين بعض أفلام الكرتون والعنف والإثارة، فهنالك علوم ضخمة يمكن أن يستوعبها الأطفال شرط أن تُعْطَى بصورة مناسبة. ومهارة تعليم الأطفال سنكتسبها من قراءة كتب التربية، وقصص الأطفال، ولو أنتجنا جيلاً يحب القراءة والعلم من صغره، فإن وضع الأمة سيتغير وبسرعة.

القراءة الترويحية

القراءة الترويحية المجال العاشر: القراءة الترويحية، فالنفس تملّ وتحتاج إلى ترويح وتسلية، ولا مانع أن المسلم يقضي بعض أوقاته في قراءة أشياء للترفيه والترويح، كقراءة شعر جميل أو قصة أدبية هادفة، أو بعض الأخبار الرياضية، أو كاريكاتير أو طرفة، لكن لا بد أن نضع في أذهاننا شيئين مهمين جداً: أولاً: ألا يوجد فيه خروج عن المنهج الإسلامي، كقصة غير أخلاقية، تشجع على الرذيلة، قصة مثلاً تدفع البنت لأن تقابل حبيبها مع تسمية هذا بالحب الشريف، ولا يكون الشعر إباحياً أو فيه ذنوب، وهكذا. ثانياً: ألا يكون الوقت المنفق في القراءة في الترويح والترفيه كبيراً، فنحن أمة جادة ترفّه عن نفسها أحيانًا، ولسنا أمة هزلية تعيش بعض لحظات الجد. إذاً: المجالات التي نقرأ فيها ما يلي: المجال الأول: القرآن الكريم، وهذا أهم المجالات مطلقاً. المجال الثاني: الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً مجال مهم جداً وفي غاية الأهمية بعد القرآن مباشرة، ولا بد أن نجعل لنا ورداً ثابتاً من قراءة الأحاديث كل يوم. المجال الثالث: العلوم الشرعية بأنواعها المختلفة. المجال الرابع: القراءة في التخصص: طب، هندسة، فلك، كيمياء، فيزياء، أو حسب تخصصك، أما بالنسبة للطلاب، فأهم شيء هو المذاكرة في كتب الدراسة التي عندهم. المجال الخامس: قراءة التاريخ، وأهم تاريخ هو تاريخ المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الخلفاء الأربعة، ثم بقية التاريخ الإسلامي، ثم التاريخ غير الإسلامي. المجال السادس: قراءة الواقع السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي الذي تعيش فيه في بلادك وفي بلاد المسلمين وفي بلاد العالم بصفة عامة. المجال السابع: مجال قراءة الرأي الآخر، وقراءة المدارس غير الإسلامية كالمدارس العلمانية والغربية والشرقية، وكيف يفكرون ويدبرون خططهم لمواجهة الأمة الإسلامية؟! المجال الثامن: القراءة في الشبهات التي أثيرت حول الإسلام وطرق الرد عليها. المجال التاسع: طرق تربية الأطفال، وطرق التعامل معهم، وقراءة قصص الأطفال ومحاولة التعلم كيفية إيصال المعلومة بأفضل وسيلة إلى عقل الطفل، فعقل الطفل يستوعب أكثر بكثير من تخيلنا. والمجال العاشر والأخير: مجال الترفية والترويح بالضوابط التي ذكرناها وهي: عدم الخروج عن المنهج الإسلامي، وعدم إنفاق وقت كبير في هذه القراءة. إذاً: هذه عشرة مجالات ممكن أن نقرأ فيها، وهذا هو أول الطريق، فالطريق طويل جداً، لكن نهايته جميلة جداً. والرسول صلى الله عليه وسلم وضّح لنا في الحديث الذي رواه مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن نهاية طريق العلم الجنة فقال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وكلما ذكرناه من مجالات للقراءة ما هي إلا طرق واسعة جداً وأكيدة للوصول إلى الجنة. نسأل الله عز وجل أن يسهّل لنا سبل العلم، وأن يسهّل لنا سبل الجنة. وأن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمَنا ما ينفعنا، وأن ينفعَنا بما علمنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأمور المعينة على نهوض الشباب بالأمة إلى النصرة والعزة والتمكين

الأمور المعينة على نهوض الشباب بالأمة إلى النصرة والعزة والتمكين نحن شباب نريد أن نرجع لديننا، نحن شباب نريد أن ننصر أمتنا، نحن شباب نريد أن نرضي الله، ماذا نعمل؟ إليكم مني عشرة أمور تعين على وضع أقدامنا على الطريق إن شاء الله، مع العلم أن كل أمر من هذه الأمور يحتاج إلى محاضرة مستقلة، أسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينكم على الخير دائماً، واعلم أخي الشاب قبل أن تستمع إلى هذه الأمور أنك فرد في أمة، فإن صلح حالك يوشك حال الأمة أن يصلح إن شاء الله. الأمر الأول: أقلع عن المعصية، ترك المعاصي مقدم على فعل فضائل الأعمال، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) الأوامر على قدر استطاعتك، لكن النواهي لا تقترب منها، لا يستقيم لمن ينصر الأمة أن يظل على معصية، لا تعملوا بالمعاصي وأنتم في سبيل الله، وأشد المعاصي خطورة ما كنت مواظباً عليه، لذلك خذ قراراً جريئاً واقطع معصيتك الآن، إن كانت في نظر، أو في سمع، أو في لسان، أو في صحبة، أو في عمل، أو في أي شيء، واعلم أنك بتوبتك الصادقة تكون قد فتحت صفحة بيضاء تماماً مع الله عز وجل، ابدأ من جديد وكأنك ولدت اليوم. الأمر الثاني: اعرف دينك، دينك دين عظيم جداً، تجاوزت عظمته حدود التخيل والإدراك، دينك دينك لحمك دمك، دينك دين الإسلام {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42]، دينك ليس فيه ثغرات، دينك دين محكم بديع، مر وقت طويل طويل لم تعرف فيه دين الإسلام؟ أنت محتاج لأن تعرف عقيدة، وفقهاً وأخلاقاً، ومعاملات، محتاج لأن تعرف سيرة رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، محتاج لأن تعرف حياة الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين، محتاج لأن تقرأ تاريخ المسلمين الطويل من مصادر غير مشوهة، تاريخ المسلمين العظيم خلال (1400) سنة. أنت محتاج لوقت كبير جداً لتصرفه من أجل أن تعرف ربك ورسولك ودينك، تحتاج إلى قراءة وإلى دروس علم وإلى مناقشات ومحاورات وأسئلة. الأمر الثالث: ارتبط بالمسجد، المسجد بيت الله في الأرض، وعمار المساجد هم زوار لله عز وجل، ألا تحب أن تزور خالق السماوات والأرض خمس مرات في كل يوم؟! ألا تحب أن تعرض على ربك مشاكلك، وتطلب منه حاجتك؟! أنا أريدك في المسجد خمس مرات في اليوم على الأقل، غير دروس العلم، خمس صلوات في اليوم لا تفوتك في المسجد، وستنظر إلى أي درجة سيتغير حالك، هذه هي حياة شباب الإسلام. الأمر الرابع: كن متفوقاً، الطالب المسلم الذي يريد أن يغير من حال أمته لا بد أن يكون متفوقاً في تخصصه، نحن لا نريد مجرد طبيب، أو مجرد مهندس، أو مجرد مدرس، لا، نحن نريد طبيباً عالماً، ومهندساً مخترعاً، ومدرساً نابغاً في علوم التربية، نحن نحتاج إلى التخصص، الزمن زمن تخصص، لا يوجد أحد يعرف كل شيء في هذه الوقت؛ العلوم كثرت، وليس هناك مكان للكسالى، مذاكرتك من أجل رفعة أمتك حسنات لا تحصى في ميزانك يوم القيامة إن شاء الله. الأمر الخامس: صل رحمك، الشباب المسلم الذي يريد أن يرفع من شأن أمته، لا بد أن يكون واصلاً لرحمه، ومن لم يكن فيه خير لرحمه ولأقاربه فليس فيه خير للناس ولا للمجتمع، وأعظم أرحامك والداك، لا تخرج كلمة (أف) من فمك، أو نظرة غضب من عينك، أو إشارة اعتراض من يدك، هذه الأمور لا تخرج من شاب مسلم، وبقية أرحامك من إخوان وأعمام وأخوال وغيرهم لهم حقوق عليك فأعط كل ذي حق حقه. الأمر السادس: اختر أصحابك: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، ارتبط بمن إذا رأيته ذكرك بالله عز وجل، لا تسر بمفردك في حياتك، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وتذكر وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة). الأمر السابع: اعرف واقعك، مستحيل لمن يريد تغيير حال الأمة ألا يكون مطلعاً على أحوال زمانه، لا بد للشاب من دراسة واقع العالم الذي يعيش فيه، واقع القطر الذي يسكن فيه، وقع العالم الإسلامي، واقع العالم بصفة عامة، متابعة دقيقة للأحداث الهامة في العالم، متابعة لأحداث مصر والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بها، متابعة لأحداث فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير، ماذا يحدث في تركيا؟ ماذا يحدث في إيران؟ ماذا يحدث في باكستان؟ ماذا تعرف عن النيجر ومالي وأوزبكستان وأذربيجان ونيجريا، وكلها بلاد إسلامية تشهد أحداثاً هامة؟ ماذا يحدث في راوندا وليبيريا وكولمبيا؟ وأهم من ذلك ماذا يحدث في أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا؟ ماذا يخطط اليهود؟ تحتاج أن تقرأ الجرائد كل يوم، ولا داعي لقراءة صفحات الرياضة والفن، اتركنا نعيش حياة جادة قيمة، تابع الأخبار, وافتح الستلايت والدش على قنوات الأخبار، واترك قنوات الأفلام والأغاني، لا يوجد وقت يا أخي المسلم. الأمر الثامن: كن رياضياً، وهذا ليس فيه تعارض مع النقطة التي مضت، ليس المعنى إ

التتار وغزو العراق

التتار وغزو العراق ما ترك قوم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلط الله عليهم الأعداء، ينخرون فيهم عود العزة والمهابة، ويزرعون فيهم الذل والهوان، إلا أنه مهما ضاق العيش على المسلمين ومهما اشتد حصار الكافرين عليهم فإن الله يفتح لهم باب الفرج والنصر والتمكين على أيدي أبطال يصنعون التاريخ، وزمن المعجزات لن ينتهي ما دام القرآن في أيدينا.

نشوء دولة التتار وأول زعمائها

نشوء دولة التتار وأول زعمائها أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا الجمع المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين. يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. ويقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111]. نتحدث إليكم عن فترة عجيبة من الفترات التي مرت على أمتنا الإسلامية، هذه الفترة من أهم الفترات التي مرت علينا، والتاريخ يعيد نفسه، ونفس الأحداث تتكرر، ولكن قد تكون بأسماء مختلفة أو في أماكن مختلفة، فنفس الحدث يتكرر بعد مرور مئات من الأعوام على الحدث السابق، فأحياناً نتعجب كيف صنع السابقون كذا أو كذا؟! ولكن تعود الأحداث من جديد وتتكرر بنفس الصورة، وكما ذكرنا من قبل في محاضرات سابقة بخصوص الأحداث التي مرت بحياة المسلمين. في هذه المحاضرة ألخص ما حدث في هذه الفترة من أحداث، وأسأل الله عز وجل أن يمكننا من استعراض كل الأمور بإيجاز، نتحدث اليوم عن ظهور قوة جديدة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري، هذه القوة أدت إلى تغييرات هائلة في العالم بصفة عامة، وفي العالم الإسلامي بصفة خاصة، قوة بشعة أكلت الأخضر واليابس، ولم يكن لها هدف في حياتها إلا التدمير والإبادة، كما قال عنهم ابن الأثير رحمه الله: وكأنهم لا يريدون المال ولا الملك، وإنما فقط يريدون إفناء النوع البشري، تلك هي دولة التتار أو المغول التي ظهرت في زمان الخلافة الإسلامية العباسية سنة (603هـ)، يعني: في أوائل القرن السابع الهجري، وكان أول زعمائها هو جنكيز خان، واسمه أصلاً تيموجين، وكلمة جنكيز تعني: قاهر العالم، فاتخذ لنفسه هذا اللقب، وتزعَّم دولة التتار التي تقع في شرق آسيا في شمال الصين حالياً. في غضون سنوات معدودات بدأت دولة المغول في التوسع الرهيب، على حساب المساحات المحيطة بها شرقاً وغرباً، وكانت لهم ديانة عجيبة، عبارة عن خليط من ديانات مختلفة: الإسلام والمسيحية والبوذية وأشياء أخرى خاصة بـ جنكيز خان أدخلها على هذه الديانة، وقد جمع جنكيز خان كل هذه الديانات في منهج واحد سماه: الياسة أو الياسق في بعض الألفاظ، وجعله ديناً يتبعه التتار بصفة عامة.

العوامل المؤدية إلى سرعة تكون دولة التتار

العوامل المؤدية إلى سرعة تكون دولة التتار تتميز حروب التتار بأشياء هامة: أولاً: كانت الجيوش تتميز بسرعة انتشار رهيبة، إذ كانوا ينشرون أعداداً هائلة من البشر في أزمان قليلة جداً. ثانياً: نظام محكم وترتيب عظيم. ثالثاً: أعداد لا تحصى من الخلق. رابعاً: تحمل ظروف قاسية، فقد كان جنكيز خان يدرب جنوده في الصحراء وفي الجليد، وكان يدرب جنوده بالليل والنهار، تحت كل الظروف يدرب جنوده، حتى استطاعوا أن يغزوا العالم كله في سنوات قليلة. خامساً: قيادة عسكرية بارعة، واحتياطات أمنية لم تسبق في زمانها. إضافة إلى ذلك فقد تميز التتار بصفتين في غاية الخطورة: الأولى: أنهم بلا قلب تماماً، حروب تخريب غير طبيعية، من السهل جداً أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا أو كذا فدمروا كل المدينة وقتلوا كل السكان، فكلمة كل السكان هذه تكررت في أكثر من موضع في تاريخ التتار، يبيدون أهل المدينة بكاملها ولا يفرقون بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا صغير وشيخ، ولا ظالم ومظلوم، ولا مدني ومحارب! يبيدون كل الناس إبادة جماعية رهيبة دموية لا تصل إليها الحيوانات الشرسة. الصفة الثانية: رفض قبول الآخر، والرغبة في تطبيق مبدأ القطب الواحد! لا يريدون أحداً إلى جوارهم، ليس هناك طرح للتعامل مع دول أخرى محيطة، والغريب أنهم كانوا يتظاهرون دائماً بأنهم ما جاءوا إلى بلاد غير بلادهم إلا ليقيموا الدين وينشروا العدل، ويخلصوا البلاد من الظالمين! هكذا كانوا يقولون في رسائلهم إلى البلاد، مع أن هذا يخالف تماماً طبيعتهم كما سنرى. ظهرت هذه القوة البشعة في آخر قرون الخلافة العباسية التي ظلت تحكم بلاد المسلمين خمسة قرون كاملة، فظهر التتار في آخر قرن من قرون الخلافة العباسية في القرن السابع الهجري، وكان هذا القرن متسماً بالضعف الشديد، فكان هناك تفرق ضخم في العالم الإسلامي، واهتم الخلفاء بجمع المال، وتوطيد أركان السلطان دون مراعاة لسمة منصب الحاكم، فلم يعد من وظيفة الحاكم أن يؤمن دولته، ويرفع مستوى المعيشة لأفراده، ويحكم في المظالم، ويرد الحقوق لأهلها، ويقيم حق الله عز وجل على العباد، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بل إن الحكام في هذه الفترة لم يكن من همهم إلا توطيد الحكم لهم ولعائلاتهم، وجمع الأموال الكثيرة والتحف النادرة والغناء والحفلات وغير ذلك؛ بسبب ذلك كله ضعفت هيبة الخلافة، وتضاءلت طموحات الخليفة. إن الخلافة العباسية في ذلك الوقت لم تكن تسيطر إلا على العراق، وتسكن في العاصمة بغداد وحولها عشرات من الممالك الإسلامية، إما منفصلة عنها بالكلية أو تابعة لها اسماً لا فعلاً، فرقة شديدة، فكان من الطبيعي جداً أن ترى خلافاً على الحدود يفضي إلى حروب ومعارك بين المسلمين، وما أكثر ما تم من حروب بين مصر والشام، وبين حلب ودمشق، وبين الموصل وبغداد، وبين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، فرقة بشعة في ذلك الزمن، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، فالتنازع الذي كان بين أمراء المسلمين في ذلك الزمن أدى إلى الفشل الذي رأيناه في تاريخ التتار مع المسلمين. في ذلك الوقت ظهرت قوة التتار في شرق آسيا، وسرعان ما ضمت في حوزتها إقليم منغوليا في شمال الصين، ثم الصين، ثم كوريا، ثم سيبيريا، وأصبحت دولة ضخمة.

أسباب غزو التتار لبلاد المسلمين

أسباب غزو التتار لبلاد المسلمين كان الصليبيون يعيشون في بعض الإمارات في الشام، وفي أوروبا وفرنسا وإنجلترا وفي غيرها من البلاد، فرأوا هذه القوة الناشئة التي ظهرت في أقصى بلاد الأرض في ذلك الزمن في شرق آسيا، ففكروا في استثارة هذه الدولة على بلاد المسلمين وتحريضها على غزوهم، ولا ننسى أن موقعة حطين كانت قبل ظهور دولة التتار بحوالي عشرين سنة فقط في سنة (583هـ)، ودُحِر فيها الصليبيون، وانتصر عليهم المسلمون انتصاراً عظيماً، وبعدها بعشرين سنة قامت دولة التتار. فالصليبيون أرادوا أن يستغلوا دولة التتار في إفناء القوة الإسلامية المتمثلة في الخلافة العباسية، وفي ذلك الوقت كانت جيوش التتار قد وصلت إلى حدود الممالك الإسلامية، فقد كان المسلمون يحكمون أفغانستان وأوزبكستان وطاجاكستان وتركمانستان الغربية، يعني: كل الجمهوريات الموجودة في جنوب روسيا، فقد كانت حدود دولة التتار ملاصقة لحدود دولة المسلمين في أفغانستان وأوزبكستان وغيرها من البلاد المحيطة بها، وكان يحكم هذه البلاد في ذلك الزمن من المسلمين الدولة الخوارزمية، وعلى رأسها محمد خوارزم شاه، وكانت هذه الدولة على خلاف كبير مع الخلافة العباسية في العراق، وهذه أول مشكلة أن العالم الإسلامي كما ذكرنا كان مفرقاً مشتتاً، فقد كان هذا المكان الملاصق للتتار على خلاف مع الدولة العباسية. اقتنع جنكيز خان بنصيحة الصليبيين له بغزو البلاد الإسلامية، وبالطبع كان يعلم عن مدى غزارة الأموال في هذه البلاد ومدى الخير العميم فيها، فأراد أن يضم هذه البلاد إلى مملكته الواسعة، فكيف يعمل لكي يغزو الخلافة العباسية المستقرة في العراق؟ رأى جنكيز خان أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان، بحيث تصبح قاعدة إمداد بعد ذلك لجيوشه إذا اتجه إلى العراق، لكن جنكيز خان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم على حسن الجوار، مع أن التتار ليس لهم عهد، فهم {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10]، ولكن جنكيز خان كان قد عقد هذا الاتفاق كخطوة لتأمين ظهره إلى أن يستتب الأمر له في شرق آسيا، فأراد جنكيز خان أن ينزل في أرض أوزبكستان وأفغانستان، فكان لا بد من سبب ينقض من أجله العهد، ويدخل إلى بلاد خوارزم، فجاء السبب مبكراً عن إعداد جنكيز خان، ولكنه لا مانع من استغلال هذا السبب. كانت هناك بعثة تجارية قادمة من بلاد المغول للمتاجرة في مدينة من مدن المسلمين تسمى مدينة أوترار، واعتقد حاكم أوترار أنهم جواسيس، وهم لا يعرفون هل هم جواسيس أو غير ذلك؟ فأمسك بهم حاكم المدينة وقتلهم، وكانت هذه علة مناسبة، فقد طلب جنكيز خان من حاكم خوارزم أن يسلم له القتلة ليحاكمهم بنفسه، لكن حاكم خوارزم رفض، قال: إن هذا تعدٍّ على سيادة الدولة المسلمة، إنما يحاكمهم هو، فإن ثبت خطؤهم عاقبهم وإلا فلا.

غزو التتار لبلاد خوارزم شاه وتدميرهم لمعظم المدن

غزو التتار لبلاد خوارزم شاه وتدميرهم لمعظم المدن استغل جنكيز خان قتل التتريين في مدينة أوترار، فجهز جيوشه، وبدأ بغزو بلاد خوارزم التي تعتبر الحدود الشرقية للدولة الإسلامية المترامية الأطراف، فقاموا بحرب إبادة قذرة تماماً، فقد نزلوا في بخارى بلد الإمام البخاري رحمه الله سنة (617هـ) ودمروها تدميراً كاملاً، وقتلوا معظم سكان بخارى، ونزلوا في سمرقند بعدها بشهور ودمروها بكاملها، ثم نزلوا نيسابور ودمروها تدميراً كاملاً. ثم نزلوا في أورجندة وكان فيها محمد بن خوارزم زعيم البلاد، فحاصروا أورجندة حتى اضطروه إلى الهروب منها، ودخلوا إلى البلد واستباحوا أهلها، وقتلوا كل من فيها، وهرب محمد بن خوارزم إلى جزيرة بحر قزوين حيث مات فيها هناك وحيداً. ثم تولى الأمر من بعده جلال الدين بن خوارزم شاه، وأخذ يجمع الجيوش حتى يحارب التتار، لكن دخل التتار أفغانستان، ودخلوا مدينة تسمى بميان، وقتلوا أهلها جميعاً، ولم يبقوا فيها إلا على أربعمائة فقط من الصناع المهرة، فحاول جلال الدين تنظيم الصفوف من جديد، واشتبك في بعض المواقع مع التتار، وانتصر عليهم في موقعة في كابول، ولكن ما لبث أن حلت به الهزيمة، وفر جلال الدين إلى الهند وهزم جيشه، وقبض جنكيز خان على عائلته بأكملها، وذبح كل أطفاله. وفي سنة (619هـ) دخلت القوات التترية إلى مدينة هرات الأفغانية، وذبحوا مئات الألوف من أهلها، ثم دخلوا إيران ودمروا مدينة قم، وقتلوا معظم أهلها، ثم احتلوا مدينة الري التي تقع بالقرب من طهران، ووقف التتار عند مدينة الري بالقرب من طهران. إذاً: اجتاحوا كل هذه البلاد في فترات وجيزة جداً لا تتعدى الأربع أو الخمس سنوات. والغريب في الأمر أن الناصر لدين الله خليفة المسلمين في ذلك الوقت كان يتعاون مع التتار لضرب جلال الدين بن خوارزم؛ وذلك لأنه كان يعارض الخليفة العباسي في بغداد، فقد كانت الحرب طويلة بين العراق وإيران، أو قل: بين الخلافة العباسية والدولة الخوارزمية التي تسيطر على فارس وباكستان وأفغانستان وأوزبكستان وأذربيجان وما حولها، ولم يكن يدري حاكم الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت أن الدائرة ستدور عليه في يوم من الأيام، وعلى أيدي نفس الطواغيت الذين تعاون معهم، لكن هذا ما حدث فعلاً في ذلك الوقت.

وفاة جنكيز خان واجتياح بقية البلدان الإسلامية بعد وفاته بخمس سنوات

وفاة جنكيز خان واجتياح بقية البلدان الإسلامية بعد وفاته بخمس سنوات في عام (624هـ) توفي جنكيز خان، وترك وراءه إمبراطوريةً ضخمة جداً من كوريا إلى منتصف بلاد إيران، ومن سيبيريا إلى المحيط الهندي، وبوفاته هدأت الأمور نسبياً، ولكنها عادت إلى الاشتعال مرة أخرى بعد خمس سنوات، فأين كان المسلمون في هذه السنوات الخمس؟ لا شيء لا حركة، إذ لم يعتقد المسلمون أن ما يدور الآن في بلد مسلم سيدور في البلد الآخر بعد قليل، بل كل يبحث عن أمنه اللحظي المحدود فقط بحدود البلاد الضيقة التي يعيش فيها. في سنة (629هـ) -يعني: بعد وفاة جنكيز خان بخمس سنوات- كان اجتياح بقية الأجزاء الغربية من إيران وأذربيجان.

اجتياح التتار لبلاد روسيا وأوروبا وتضييق الخناق على الخلافة العباسية

اجتياح التتار لبلاد روسيا وأوروبا وتضييق الخناق على الخلافة العباسية في سنة (630هـ) صعد التتار إلى الشمال، ودمروا روسيا بكاملها وقتلوا أهلها، وبالذات في موسكو، واستمروا إلى سنة (640هـ) يعني: أخذوا عشر سنوات في احتلال البلاد الروسية إلى أن وصلوا إلى موسكو في سنة (640هـ) ودمروها بكاملها. ثم بدأ التتار يجتاح أوروبا اجتياحاً رهيباً في سنة (641هـ)، ووصلوا إلى بولندا والمجر وكرواتيا، ودمروا كل هذه البلاد تماماً. ثم عادوا بعد ذلك إلى بلاد المسلمين، وبدأ الخناق يضيق على الخلافة الإسلامية في بغداد، ورأى التتار أن يتحالفوا مع النصارى في البلاد الإسلامية وحول البلاد الإسلامية، فبدءوا في مراسلتهم واستخدامهم كجواسيس داخل البلاد الإسلامية، وعقدوا حلفاً مع ملك أرمينيا الذي كان في ذلك الوقت نصرانياً، ووعدوا النصارى إن هم تعاونوا معهم أن يعطوهم بيت المقدس، الذي كان قد حرره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. رأى التتار أيضاً أن يسيطروا على منطقة الأناضول -التي هي تركيا الآن- فوجهوا إليها جيوشاً وحاربوها، وقاومهم السلاجقة هناك، ولكن ظهرت حكومات ضعيفة في منطقة الأناضول، ما كان لهم من هم إلا شراء رضا التتار، فوافقت على الخضوع للتتار، وأن تنطلق الجيوش التترية من تركيا؛ للإحاطة بالخلافة الإسلامية العباسية في العراق من شمالها.

ظهور شخصية هولاكو والأساليب التي استخدمها لإسقاط العراق

ظهور شخصية هولاكو والأساليب التي استخدمها لإسقاط العراق ظهر بعد ذلك على هذه الصفحة من التاريخ رجل بشع يقال له: هولاكو، وكان ذلك في سنة (651هـ)، وكان ظهوره عندما تولى منكو خان زعامة دولة المغول، وكانت دولة المغول في ذلك الوقت من كوريا في شرق آسيا إلى بولندا في وسط أوروبا، وتولى زعامة هذه البلاد رجل اسمه منكو خان، وكان منكو خان أخاً لـ هولاكو، فأرسل منكو خان أخاه هولاكو لاستكمال إسقاط ما تبقى من بلاد المسلمين، وجاء هولاكو إلى إيران؛ ليكون قريباً من الأحداث. إن شخصية هولاكو شخصية من أبشع الشخصيات في التاريخ، فهو رجل ليس له أي نزعة إنسانية، فقد كان يحب القتل ويتعطش للدماء بشكل مريع، وكان يمثل الجناح الأشد تطرفاً في دولة التتار، فإنه كان من دولة التتار أناس يعارضون هولاكو في حروبه الدموية البشعة، ولكنه كان هو الذي يسيطر على هذه الأمور، لقرابته من زعيم التتار في ذلك الوقت. ماذا فعل هولاكو لإسقاط العراق؟ قرر أولاً أن يسقط طائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من أبشع طوائف الشيعة، حتى إن كثيراً من العلماء أخرجوا طائفة الإسماعيلية بأفكارهم من الدين الإسلامي بالكلية، وكانت هذه الطائفة تتمركز في غرب إيران وعلى حدود العراق، وكانت لهم قوة عسكرية ضخمة، فلم يرد هولاكو أن يدخل على الخلافة العباسية الموجودة في العراق وفي طريقه طائفة الإسماعيلية، فأراد أن يدمر هذه الطائفة، وكان العنف والإرهاب هو الوسيلة المناسبة لهم، وبالفعل تم له ما أراد، وأفنى طائفة الإسماعيلية بكاملها. الأمر الآخر الذي قرره هولاكو لاحتلال العراق كان أمراً في منتهى الدهاء، فبدلاً من أن يهلك جيوشه مع جيوش المسلمين الضخمة في منطقة العراق والشام والأناضول وما حولها؛ قرر أن يحدث انقساماً حاداً في هذه المنطقة، فقرر أن يتعامل بالاتفاق مع مجموعتين رئيستين من المسلمين، يعطيهم الوعود والعهود بالتمكين لهم وإغداق الهدايا عليهم، ومساعدتهم في الوصول إلى ما يريدون من حكم وسلطان في نظير إسقاط الخلافة في العراق. الطائفة الأولى التي تعامل معها هولاكو هي طائفة الأكراد أحفاد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فقد قام هولاكو بمراسلة الأشرف الأيوبي ملك حمص، وكذلك راسل الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ودمشق، ووعدهم أن يبقيهم في أماكنهم إذا ساعدوه، أو على الأقل يكونون على الحياد في حربه مع الخلافة العباسية، ووافق الأكراد على ذلك. الطائفة الثانية التي تعاون معها هولاكو كانت طائفة الشيعة التي تعيش في العراق، وتعارض النظام الحاكم المتمثل في الخليفة العباسي في ذلك الوقت، وكان الخليفة لسوء فهمه لإدارة الأمور، وعدم تقديره الكافي للمسئولية؛ قد اختار أحدهم، وجعله أقرب المقربين إليه، فقد كان الوزير الأول للخليفة العباسي في الدولة التي تحارب التتار هو مؤيد الدين العلقمي الشيعي، وهكذا استطاع التتار أن يصلوا إلى هذا الرجل، ودارت بينهم وبينه الاتفاقات والمراسلات التي تؤدي إلى إسقاط الخلافة، على أن يتولى الأمور بعد ذلك في بغداد هذا الرجل، تحت حماية تترية وتأييد من هولاكو. وكان من نصائح التتار لـ مؤيد الدين العلقمي أن يُهبِط تماماً من معنويات الخليفة والمسلمين، أو يشككهم في أمر الانتصار على التتار، فأخبرهم أنه من المستحيل أن يحاربوا هذه الأعداد الهائلة من البشر بهذه الإمكانيات الضعيفة عند بلاد المسلمين، بل إنه طلب من الخليفة العباسي طلباً غريباً جداً، والأعجب من ذلك أن الخليفة العباسي وافق على طلبه، طلب منه أن يقلل عدد الجيوش الإسلامية لإثبات حسن النوايا أمام التتار أنه لا يريد حرباً! فوافق الخليفة على ذلك، وقلل بالفعل من الجيش الإسلامي الموجود في بغداد، والجيش التتري على بعد خطوات في إيران.

شخصية الخليفة العباسي المستعصم بالله ومهادنته للتار

شخصية الخليفة العباسي المستعصم بالله ومهادنته للتار تعالوا لنأخذ نظرة على هذا الخليفة، حتى إذا قرأتم وصفه في كتب التاريخ لم تستغربوا، الخليفة هو المستعصم بالله، فيا لها من أسماء عظيمة جداً في ذلك الزمن. يصفونه بأنه كان رجلاً عالماً محباً للعلم والعلماء، وكان رجلاً كريماً محباً للسنة ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: أن المستعصم بالله كان رجلاً جيداً في ذاته، لكنه افتقر إلى أمور لا يصح أن يفتقر إليها حاكم مسلم، افتقر إلى حسن الإعداد والتنظيم، وإلى الكفاءة في إدارة الأمور، وافتقر إلى علو الهمة، وإلى الأمل في الصدارة أو التمكين، وافتقر إلى الشجاعة التي تمكنه من أخذ قرار الحرب في وقته المناسب، وافتقر إلى القدرة على تجميع الصفوف وتوحيد القلوب ونبذ الفرقة ورفع راية المسلمين، وافتقر كذلك إلى اختيار أعوانه؛ ففشت في بلاده بطانة السوء. كان الخليفة جيداً في عبادته وعقيدته، ولكنه لم يتعد ذلك إلى غيره، فهو أمام المجتمع والدولة والشعب لم يكن بالذي يستطيع أن يتحمل المسئولية، فقد كان في استطاعته في ذلك الزمن أن يعد -من داخل العراق فقط مائة وعشرين ألف فارس، فضلاً عن المشاة والمتطوعين، فقد كان جيش التتار الذي كان يحاصر بغداد مائتي ألف، فكان الأمل كبيراً جداً في رد الغزاة، ولكنه كان مهزوماً من الداخل، فاقداً للروح التي تمكنه من المقاومة، لم يرب شعبه على الجهاد، ولم يعلمهم فنون القتال، فكان لا بد أن يدفع الشعب كله والخليفة معهم الثمن، لم يدرك الخليفة أنه كان بإمكانه أن يكون عظيماً من عظماء التاريخ، وخالداً في الذكر بين الخالدين لو أنه اعتمد على ربه ثم على شعبه، لكنه مع الأسف اعتمد على بطانة السوء التي تؤخر كثيراً ولا تقدم شيئاً. ظهرت في بغداد دعوة للجهاد مع كل هذه الملابسات، قاد هذه الدعوة رجل اسمه مجاهد الدين أيبك، ورجل آخر اسمه سليمان شاه، وكان لهما الرأي في المقاومة، لكن الخليفة أخذ برأي الوزير الشيعي مؤيد الدين العلقمي في مهادنة التتار، واقتربت اللحظات الأخيرة، وقرر هولاكو أن يأخذ الخطوات اللازمة لدخول بغداد، ولتحسين الصورة أمام الخلفاء ولتفتيت الشعوب التي قد تثور، أراد هولاكو أن يقوم بحيلة خبيثة وهو أن يطلب من الخليفة طلباً ما، فإذا رفضه كان هذا إيذاناً بإعلان الحرب على بغداد، ولا بد أن يكون الطلب مستحيلاً حتى لا ينفذه الخليفة، طلب منه أن يرسل له بجيش يساعده في حرب طائفة الإسماعيلية في شمال إيران، ولو أن الخليفة العباسي أخرج هذا الجيش فإنه سيترك بغداد والعراق بلا جيش تقريباً، ولو دخل التتار إلى بغداد عنوة ورفعوه عن الكرسي فلن يعيدوه إليه أبداً، لذلك قرر الخليفة ألا يستجيب لطلب التتار بإخراج جيش لحرب طائفة الإسماعيلية وكانت هذه بداية الحرب.

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد

الحصار الاقتصادي والعسكري والنفسي على بغداد

الحصار الاقتصادي والعسكري والنفسي على بغداد أول هذه المقدمات حصار يضرب حول بغداد؛ لإضعاف الحالة الاقتصادية والعسكرية والنفسية، وشارك في هذا الحصار التتار وحلفاؤهم من الأرمن ومن المسلمين. وهكذا ضُرِب الحصار في (13) محرم سنة (656هـ)، ثم طلب هولاكو الرسل للمفاوضات، فأرسل له الخليفة المسلم رسولين للمفاوضات، والعجيب أن الرسول الأول هو الوزير العلقمي الشيعي، والرسول الثاني: البطريرك المسيحي في بغداد.

تسليم الخليفة العباسي زعيمي فكرة الجهاد في بغداد وأتباعهما لهولاكو

تسليم الخليفة العباسي زعيمي فكرة الجهاد في بغداد وأتباعهما لهولاكو كان الطلب الأول الذي طلبه هولاكو: تسليم مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه، اللذين كانا يتزعمان فكرة الجهاد في سبيل الله في بغداد، ولكن الخليفة رفض هذه الفكرة وعلم هولاكو من مؤيد الدين العلقمي خطورة هذين فطلب تسليمهما، فوافق الخليفة العباسي على تسليمهما استرضاءً للتتار، وبعث بالرجلين، لكن هولاكو الخبيث أراد تفريغ بغداد من المجاهدين فأعادهما وقال: ابعثوا معهما أتباعهما لنفيهم إلى الشام، وقال: نحن فقط سننفيهم إلى الشام، ووافق الخليفة وجمع لرسل هولاكو كل الناس الذين كانوا مؤيدين لفكرة سليمان شاه ومجاهد الدين أيبك، وبعثهم لـ هولاكو لكي ينفيهم إلى الشام، وانتهز بعض الجبناء من المسلمين الفرصة، وطلبوا من الخليفة أن يخرجوا مع الوفد، لكي ينفوا للشام، وفي نظرهم أن هذا أحسن لهم من محاربة التتار، ووافق الخليفة على ذلك، وخرج الوفد الكبير سليمان شاه ومجاهد الدين أيبك وأتباعهما، وأولئك الجبناء الذين طلبوا النفي إلى الشام اختياراً، وتسلمهم هولاكو، فقام هولاكو؟ فقتلهم جميعاً، فكانت خيانة عظمى وجريمة كبرى! ولكنها خيانة متوقعة. وهكذا دبّ الرعب في أوصال الخليفة العباسي المستعصم بالله، وأدرك في لحظة كانت واضحة لكل أهل الأرض من أن هؤلاء لا عهد لهم ولا أمانة، ولكن هذا الإدراك كان متأخراً جداً بعد أن فرغت بلاد المسلمين من الصفوة.

رسالة من هولاكو بتزويج ابنته من ابن المستعصم مقابل شروط جديدة

رسالة من هولاكو بتزويج ابنته من ابن المستعصم مقابل شروط جديدة جاءت رسالة جديدة من هولاكو تجدد الآمال في نفس الخليفة، وهي وعود جديدة من هولاكو وفيها تزويج ابنة هولاكو لابن المستعصم بالله، وعلى أن يبقى المستعصم بالله في منصب الخلافة، والأمان لأهل بغداد جميعاً! لكن ما هي الشروط التي يمليها زعيم التتار على خليفة المسلمين؟ أولاً: تدمير الحصون العراقية. ثانياً: ردم الخنادق. ثالثاً: تسليم الأسلحة، السيوف والخيول. رابعاً: الموافقة على أن يحكم خليفة بغداد العراق تحت رعاية تترية، ثم أن يخرج له الخليفة المستعصم بالله هو ومن معه من كبار رجال الدولة والعلماء والفقهاء وأولاد المستعصم، وبالذات الولدين الكبار: أحمد وعبد الرحمن؛ وذلك لأن واحداً منهم سيصير زوجاً لبنت هولاكو، ويعدون استقبالاً كبيراً لـ هولاكو لدخول بغداد، وختم هولاكو كلامه بأنه ما جاء إلى هذه البلاد إلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان، وبمجرد أن يطمئن على هذه المعاني السامية سيعود مباشرة إلى بلاده. رحمة من هولاكو عليه لعنة الله، ومع أن سيوف التتار لم تجف بعد من دماء مئات الآلاف من المسلمين، وآخر هؤلاء مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه، إلا أن الخليفة العباسي لم يجد بداً من أن يسمع ويطيع. لماذا لم يحارب الخليفة العباسي التتار حين رأى الصورة واضحة؟ ماذا سيخسر لو أنه مات مرفوع الرأس أو عاش عزيزاً ملكاً على بلاده، لكن الهزيمة النفسية الداخلية كانت أشد من أن ينتصر عليها الخليفة. إن أهل بغداد في ذلك الوقت كانوا قد تجاوزوا المليونيين، ولكن كانوا غثاء كغثاء السيل، فقد كان جيش التتار المحاصر لبغداد مائتي ألف فقط، ولو كانت في قلوب المسلمين حمية لقاموا إليهم ولفتكوا بهم بأيديهم لا بسيوفهم ورماحهم، ولكن ماتت أرواح المسلمين قبل أن تموت أجسادهم!

دور الإعلام الإسلامي في مضاعفة المأساة وإضعاف معنويات المسلمين في ذلك الوقت

دور الإعلام الإسلامي في مضاعفة المأساة وإضعاف معنويات المسلمين في ذلك الوقت العجيب أن الإعلام الإسلامي في ذلك الوقت كان يضاعف من المأساة، ويزيد من حرج الموقف! فقد انتشرت الإعلانات عن جيوش التتار واستعداداته وإمكانياته ومعجزاته، فقد وجد في كتابات الأدباء والشعراء وأصحاب الأقلام في ذلك الوقت كلام عجيب، من ذلك قولهم: التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم. التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوها. التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم. التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها -يعني: حتى الخيول تخترق الأرض، وتأكل عروق النبات لا تحتاج إلى شعير ولا تمويل. التتار لا يحتاجون إلى الميرة والمؤن، والميرة: التي هي المواد المغذية للجيش؛ وذلك لأن معهم الأغنام والأبقار والخيل. التتار يأكلون جميع اللحوم ويأكلون بني آدم، هذا الكلام فعلاً كان مكتوباً في كتبهم.

اجتياح هولاكو بغداد وقتله الخليفة وأبناءه وكبراء قومه من الوزراء والعلماء

اجتياح هولاكو بغداد وقتله الخليفة وأبناءه وكبراء قومه من الوزراء والعلماء رضخ الخليفة الضعيف المستعصم بالله، وخرج هو وكبراء قومه وأبناؤه إلى لقاء هولاكو، وهناك أمسك هولاكو بالخليفة وقتل كل من معه في لحظة واحدة، فكان غدراً فظيعاً من هولاكو، وهو أمر متوقع تماماً، ولكن هولاكو أبقى على حياة الخليفة المستعصم بالله؛ لكي يعلمه بمكان كنوز العباسيين، أين كنوز الأجداد التي جمعت على مدار خمسة قرون سابقة؟ قاد هولاكو الخليفة أمامه يرسف في أغلاله، ودخل به بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية ما يزيد على خمسة قرون، فكم من الجيوش خرجت لتجاهد في سبيل الله من هذا المكان؟ كم من العلماء جلسوا يعلمون الناس دينهم في هذا المكان؟ أواه يا بغداد لم يبق لك أحد، أين خالد؟ أين القعقاع؟ أين النعمان؟ أين المثنى بن حارثة؟ أين سعد بن أبي وقاص؟ أين الحمية في صدور الرجال؟ أين النخوة في أبناء المسلمين؟ أين العزة والكرامة؟ أين الذين يطلبون الجنة؟ أين المقاتلون في سبيل الله؟ لا أحد، فتحت بغداد أبوابها على مصراعيها، لا مقاومة، لا حراك، لم يبق في بغداد رجال، ولكن فقط أشباه رجال. واستباح هولاكو مدينة الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي، واستباح مدينة الرشيد الذي كان يحج عاماً ويجاهد عاماً، والمعتصم الذي سيّر جيشاً من بغداد إلى عمورية لنجدة امرأة مسلمة واحدة صفعها رجل رومي فقط ولم يقتلها. قتل هولاكو عليه لعنة الله من أهل بغداد ألف ألف مسلم أو يزيدون، ما بين رجال ونساء وأطفال، حرب إبادة جماعية هائلة رهيبة، مأساة من أشد مآسي التاريخ ضراوة، ووجد جندي أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع جانبي من شوارع بغداد، قد قتلت أمهاتهم جميعاً فقتلهم في عنف وبشاعة وقلوب أشد قسوة من الحجارة. واستمر القتل في المدينة أربعين يوماً، لا يرفع فيها مسلم سيفاً؛ لأنه يعتقد أن التتار لا يهزمون لا يجرحون، بل لا يموتون، فما الفائدة من بذل الجهد في المقاومة؟ نساء التتار يقتلن رجال المسلمين، إذا نادت تترية على مسلم قف! وقف وقد تيبست قدمه في الأرض، حتى يأتي التتري ويقتله ذلة وخزياً وعاراً. اتجه التتار إلى كنوز العباسيين واستخرجوا كنوز السنين، وقد يفهم هذا، ولكن الذي لا يفهم أنهم اتجهوا بعد ذلك إلى مكتبة بغداد، فأخرجوا الكتب منها وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، مئات الألوف من العلوم الثمينة التي لا تقدر بثمن، تخيل هذا الكم الضخم من تراث الحضارة والمدنية والإنسانية يلقى بها بهذه الصورة في نهر دجلة، حتى تلون لون النهر إلى اللون الأسود، تدمير لكل ما هو حضاري. مثل ذلك فعل الصليبيون الأسبان بمكتبة قرطبة، حين أحرقوا كل كتبها لما سقطت قرطبة، حروب إبادة لكل ما هو حضاري أو مفيد للإنسانية، كل هذا وما زال هولاكو يقول: إنه ما جاء إلى هذا المكان إلا لإرساء قواعد الأمن والعدل والحرية. وبعد أربعين يوماً وقف القتل في المدينة، وقد تناثرت الجثث المتعفنة في شوارع حضارة الإسلام، وأعلن هولاكو أمناً حقيقياً؛ ليخرج المختبئون من المسلمين؛ ليرفعوا الجثث بعد أن انتشرت الأوبئة، فخرج الذين كانوا مختبئين في الخنادق، والذين كانوا مختبئين في الديار المهجورة، والذين كانوا مختبئين في المقابر، خرجوا جميعاً للمدينة المدمرة بغداد يرفعون جثث أهلهم وذويهم. وانسحب هولاكو بجيشه خارج المدينة لتجنب الأوبئة. وقتل هولاكو الخليفة المستعصم بالله، ووضع على رأس الحكم في بغداد الوزير العلقمي الشيعي، وجعل معه مستشارين من التتار، أو قل: جعل معه مراقبين من التتار، وأغدق هولاكو بالهدايا على البطريرك ماكيكا وأعطاه قصراً من قصور الخلافة، وسقطت بغداد بعد أن فتحت بالإسلام منذ أكثر من (640) سنة، على يد الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ودب الرعب في أوصال العالم الإسلامي بأسره، وفقد معظم المسلمين الأمل في قيامه، وظهر اعتقاد عجيب في تلك الآونة، وهو أن هذا الأمر من علامات الساعة القريبة جداً، وأن المهدي سينزل قريباً جداً، وشعر الناس أنهم لا طاقة لهم بـ هولاكو وجنوده، فأرادوا النصر عن طريق معجزة، فإما أن يخسف بجيش التتار، وإما أن ينتظروا المهدي فينتصر على التتار، أما أن يتحرك المسلمون بدون المهدي فهذا أمر محال، هزيمة نفسية بشعة وغياب كامل للوعي الإسلامي الصحيح. وكان سقوط بغداد متزامناً مع سقوط قرطبة وإشبيلية في الأندلس، فإن قرطبة سقطت سنة (636هـ) قبل بغداد بعشرين سنة، وإشبيلية سقطت سنة (646هـ) قبل بغداد بعشر سنين، وها هي

ولاء ملوك الشام وشمال العراق والأناضول لهولاكو بعد سقوط بغداد

ولاء ملوك الشام وشمال العراق والأناضول لهولاكو بعد سقوط بغداد أما ملوك الشام وشمال العراق والأناضول من المسلمين فماذا فعلوا؟ لقد أسرعوا إلى هولاكو يقدمون فروض الولاء والطاعة، الأمير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل، والأمير فيكاوس الثاني، والأمير قلج أرسلان من منطقة الأناضول، والأمير الناصر يوسف أمير حلب ودمشق حفيد صلاح الدين الأيوبي، أرسل ابنه العزيز ليكون في صف هولاكو، والأمير الأشرف الأيوبي كل أمراء الشام فعلوا ذلك إلا القليل، كل أمراء الشام سلموا أنفسهم لـ هولاكو؛ ليظلوا في أماكنهم، أو على الأقل ليظلوا على قيد الحياة، فهل تركهم هولاكو؟ أبداً.

اجتياح هولاكو بجيشه بلاد الشام

اجتياح هولاكو بجيشه بلاد الشام جاء الدور بعد العراق على سوريا، انطلق هولاكو بجيشه إلى بلاد حلفائه المسلمين، وبدأ بحلب بلد الناصر يوسف الذي بعث ابنه؛ ليكون في جيش هولاكو، وأباد هولاكو حلب وقتل أهلها، وذلك في صفر سنة (658هـ) بعد سنتين من سقوط بغداد، ثم انتقل إلى دمشق في سنة (658هـ) أيضاً في ربيع أول بعد أيام من سقوط حلب، وألقى القبض هناك في دمشق على الناصر يوسف الذي كان يعاونه من قبل، ودخل المدينة العظيمة دمشق عاصمة الخلافة الأموية السابقة، وثغر من أعظم ثغور المسلمين، وتقدم صفوف التتار قائد المقدمة التتري كتبغا وهو نصراني في جيش التتار، فتقدم وعن يمينه أمير أرمينيا النصراني وعن يساره أمير أنطاكية النصراني، وأول مرة يشاهد أهل دمشق ملوك النصارى يدخلون أرض دمشق يتبخترون على خيولهم، أول مرة يرون ذلك منذ أن فتحت هذه البلاد على يد أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد رضي الله عنهما أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ودمرت دمشق بكاملها، واستبيحت البلاد وقتل العباد، ودمرت الحضارة الإسلامية في دمشق، كما دمرت قبل ذلك بغداد. ثم توغل التتار إلى الجنوب إلى فلسطين واحتلوا نابلس، ثم واصلوا تقدمهم إلى غزة واحتلوها، ولم يقتربوا في كل ذلك من الإمارات النصرانية الموجودة في عكا وحيفا وبيت المقدس وصيدا، وأصبح معلوماً لدى الجميع أن الخطوة القادمة هي مصر، كيف كان الوضع في مصر في ذلك الوقت؟

وضع مصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية حال سقوط بغداد والشام في أيدي التتار

وضع مصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية حال سقوط بغداد والشام في أيدي التتار من الناحية السياسية كان الوضع متأزماً جداً، أمراء مصر على صراع شديد على الحكم بين أواخر الأيوبيين وأوائل المماليك، ففي وقت اجتياح بغداد كان يتولى حكم مصر طفل لم يبلغ خمس عشرة سنة من عمره، طفل اسمه نور الدين علي، ابن السلطان السابق لمصر عز الدين أيبك، وكان وزيره الأول هو الأمير قطز رحمه الله. أما الوضع الاقتصادي فكان متدهوراً للغاية في مصر، فقد أنهكت مصر سلسلة من الحملات الصليبية المتتالية، آخر واحدة منهن كانت موقعة المنصورة الشهيرة ضد الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، وانتصر فيها المسلمون انتصاراً باهراً في سنة (648هـ)، يعني: قبل تدمير بغداد بثمان سنين. ومع رداءة هذا الوضع السياسي والاقتصادي، إلا أن الشعب لم يكن متأثراً تماماً بهذه الظروف السيئة التي تمر بها البلاد، فقد كان لدى الشعب شيئان في منتهى الأهمية في تلك الفترة: العلم، والجهاد، فقد كانوا دائماً يعظمون جداً من أمر العلم والعلماء، ويعظمون من أمر الجهاد في سبيل الله، فقد كان الشعب لديه حمية للجهاد، ألف حياة المشقة والبذل من جراء الحروب المتتالية التي مر بها، ونتيجة صدق العلماء الذين كانوا يعيشون في هذه الفترة من الزمان.

استلام قطز حكم مصر واستعداده لمواجهة التتار

استلام قطز حكم مصر واستعداده لمواجهة التتار في سنة (657هـ) وبعد أن دمرت بغداد، وبدأ التتار في اجتياح الشام؛ رأى الأمير قطز النائب الأول للسلطان الطفل نور الدين علي أن أمر البلاد لن يصلح، وأن مقاومة التتار مستحيلة والبلاد تحت حكم طفل لا يستطيع أن يدبر شئون نفسه فضلاً عن شعبه وأمته، فقام قطز رحمه الله بعزل الطفل السلطان، ووضع نفسه على كرسي الحكم في مصر، وبدأ يعد العدة لأمر عظيم، جمع قطز المستشارين من كبار المماليك وكبار قواد الجيش والعلماء، وأشهرهم العز بن عبد السلام رحمه الله، وكان قد تجاوز الثمانين عاماً في ذلك الوقت، ثم قال لهم: إنه لم يطلب الملك لذاته وإنما طلبه لحرب التتار، فإذا كتب الله له النصر على التتار ترك الشعب يختار أميره بعد ذلك بإرادته. إذاً: قطز صرح لأمرائه أنه ما طلب الملك إلا لحرب التتار، فبدأ الأمراء المماليك يترددون، فقد وصلت أنباء التتار المخيفة عن حرب التتار، لكن قطز رحمه الله بدأ يضرب لهم مثلاً رائعاً في فهمه للإسلام، ويعطي لهم قدوةً راقية في الجهاد، لقد أعلن قطز لهم أنه سيذهب بنفسه لحرب التتار، ويكون مع جنوده في قلب المعركة، ولن يرسل جيشاً ويبقى هو في عرينه بمصر، بل سيذوق مع شعبه ما يذوقون، ويتحمل ما يتحملون، ولو أرسل قطز جيشاً وبقي هو في القاهرة ما لامه أحد، ولكنه لم ير هناك وسيلة أفضل من ذلك؛ لتحميس القلوب الخائفة، وتثبيت الأفئدة المضطربة. فقه قطز رحمه الله ما علمه الناس نظرياً لا عملياً، لقد فقه أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فقه أن الشجاعة لا تقصر الأعمار، وأن الجبن لا يخلد الإنسان في الحياة، فقه أن الحياة بعزة ساعة خير من البقاء أبد الدهر في ذلة وهوان. ثم قام قطز رحمه الله وقال للناس: من للإسلام إن لم نكن نحن؟ فضج الأمراء بالبكاء وقاموا خلفه ينادون بالجهاد في سبيل الله، وقد علم أنه من كانت هذه صفته فهو منصور إن شاء الله. وقام قطز رحمه الله في نشاط يجهز الجيوش ويعد السلاح ويرتب الخيول ويحمس الناس، ولكن واجهته مشكلة ضخمة، وهو أن بيت المال يعاني من ضائقة شديدة، والحالة الاقتصادية متردية، فأراد قطز رحمه الله أن يفرض على الناس الضرائب لتجهيز الجيش، فقام إليه العز بن عبد السلام رحمه الله، وقال له ولأمراء المماليك جميعاً: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهادهم -أي: فوق الزكاة- ثم علق هذا الأمر على أمرين: الشرط الأول: ألا يبقى في بيت المال شيء. والشرط الثاني: أن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا، فاستجاب قطز رحمه الله وباع ما يملك، وأمر الأمراء بذلك، وجهز جيشاً صادقاً من المسلمين، وقرر قطز رحمه الله أن يخرج بجيشه إلى حرب التتار في فلسطين، ولا ينتظر حتى يقدموا عليه في مصر، فقامت دعوة في أمراء المماليك بأن يبقى قطز في مصر بجيشه، ولا يخرج إلى فلسطين لقتال التتار، وأن يبقى لحماية مصر، فمصر هي مملكته، وفلسطين مملكة أخرى. هكذا قيل. ولكن قطز رحمه الله جمع أمراءه، وأفهمهم حقائق غابت عن أذهان كثير منهم، أفهمهم أن حماية مصر يبدأ من حدودها الشرقية، ولا يمكن أبداً أن يحيا أهل مصر في أمان والعدو الصليبي والتتري يعيش في فلسطين. هذه واحدة. الثاني: أنه من الأفضل عسكرياً أن ينقل المعركة إلى أرض خصمه، وأن يكون له خط رجعة، بدلاً من أن تحدث هزيمته في مصر إن حدثت، فتضيع البلاد برمتها. الأمر الثالث: أنه من الأفضل عسكرياً أن يفاجئ أعداءه قبل أن يستعدوا له. الأمر الرابع: أن لهم فوق ذلك كله دوراً هاماً ناحية إخوانهم في فلسطين والشام والعراق، ولن تزول أقدامهم يوم القيامة إلا بعد أن يسألوا عن هذا الدور. الأمر الخامس: أن لهم دوراً في حرب أعداء المسلمين، حتى وإن لم يفكروا أصلاً في دخول قطرهم المحدود ما داموا يعيثون في أرض الله الفساد. واقتنع المخلصون بالأمر، وبدأ الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله يذكر الناس بالجهاد، واعتلى العلماء المجاهدون منابر البلاد، وألهبوا مشاعر الناس بالحمية لهذا الدين، ورغبوا الناس في الجنة، وزهدوهم في أمر الدنيا وعظموا الجهاد وأهله، وذكروهم بأيام الله، ذكروهم ببدر واليرموك والقادسية، وذكروهم بحطين، التي لم يمض عليها إلا (75) عاماً، وذكروهم بمعركة المنصورة، التي لم يمض عليها إلا عشر سنين. ومع كل هذا إلا أن فريقاً من المسلمين دبّ الرعب في قلوبهم، وجالت بأذهانهم صور ما سمعوه عن التتار، فبدأ بعض الناس بالفرار إلى المغرب وإلى اليمن وإلى الحجاز، فهل ق

تجاهل قطز رسائل التتار وتوجهه بجيشه إلى فلسطين

تجاهل قطز رسائل التتار وتوجهه بجيشه إلى فلسطين جاءت رسل التتار إلى قطز في مصر تحمل رسالة من هولاكو تقطر سماً وتفيض تهديداً ووعيداً وإرهاباً، وهي رسالة تنخلع لها قلوب أشباه الرجال، أما قطز ومن تبعه فقد اعتصموا بالله، ومن كان الله معه فلا غالب له، قال هولاكو في رسالته كلاماً كثيراً قد ردده لكثير من الزعماء قبل ذلك، فمما قاله هولاكو مثلاً: نحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، خلقنا الله من سخطه، وسلطنا على من تكبر وتجبر من عباده. وفي موضع آخر يقول: نحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد، وقتلنا النساء والأولاد. فـ هولاكو يستخدم مثل هذه الأشياء، بل إنه يقول في موضع من رسالته: وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟ ثم قال في النهاية: تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليل تعلمون على ما تقدمون، وقد أعذر من أنذر. لقد كانت الرسالة في منتهى الشدة، ولكن سبحان الله المثبت! فإن قطز لم يعبأ مطلقاً بكلمة واحدة من هذه الرسالة، وفي هذا الوقت اضطر هولاكو ترك بلاد الشام ليتجه إلى بلاده بمفرده؛ وذلك لموت أخيه منكو خان الذي كان يرأس دولة التتار في ذلك الوقت، وترك هولاكو قائد جيشه كتبغا على زعامة جيش التتار. خرج قطز رحمه الله بجيش من مصر وقد تجاوز الجيش مائة ألف مقاتل، وسار على ساحل البحر الأبيض المتوسط مروراً بالعريش، حتى وصل إلى مشارف فلسطين، خرج رحمه الله من القاهرة في (5) شعبان سنة (658هـ)، وكان هذا موافقاً شهر أغسطس سنة (1260م)، وكان الحر شديداً، والمرور في سينا صعباً، ولكنه زيادة في الابتلاء والتنقية للصف المسلم. جعل قطز رحمه الله على مقدمة جيشه الظاهر بيبرس بعد أن جاءه من بلاد الشام، وكان الظاهر بيبرس هارباً من مصر، فأرسل له قطز رسالةً يقربه فيها إليه، واستقدمه من بلاد الشام، وجعله على المقدمة في الجيش؛ وذلك لبراعته في القتال. لقد كان قطز رحمه الله على عكس ما كان معروفاً في زمانهم، فقد جعل مقدمة الجيش كبيرة جداً، وكان له هدف في ذلك الأمر، أراد قطز رحمه الله أن يفهم التتار أن مقدمة جيش المسلمين هي كل جيش المسلمين، وأنه ليس من ورائها جيش آخر، فالتقت مقدمة المسلمين بقيادة الظاهر بيبرس بحامية التتار في غزة، وقاتلتها بشدة وانتصرت عليها. نسأل الله عز وجل أن يحرر فلسطين من اليهود. وفر التتار إلى الشمال يحملون الأخبار إلى كتبغا أن جيش المسلمين بمصر قد جاء إلى فلسطين، واعتقد التتار أن جيش المسلمين ما هو إلا مقدمة الظاهر بيبرس رحمه الله، وحرص قطز رحمه الله على هذا المعنى، فكان يتخفى في سيره، حتى لا يظهر جيشه، بينما يظهر عن عمد جيش الظاهر بيبرس، حتى تعلم العيون المراقبة أن هذا هو الجيش فقط. مر قطز في طريقه على عكا، وكانت عكا في ذلك الوقت إمارة تحت حكم الصليبيين، فقرر قطز رحمه الله أن يقيم معهم معاهدة، حتى يمر من حول الحصون دون أن يتعرض لحرب صليبية، وهددهم قطز تهديداً شديداً أنهم لو خالفوا ترك التتار وعاد لحربهم، أما إن كانوا على العهد فلن يمسهم بسوء. فالرؤية كانت واضحة جداً عند قطز، فهو لا يريد الدخول في مواقع جانبية؛ لأنه يعلم أن العدو الرئيسي الآن هم التتار، ويعلم أن عكا مدينة حصينة جداً، ولو فرغ وقته وجهده لفتحها ما استطاع أن يحارب التتار، ولما أشار عليه أحد الأمراء أن يباغت عكا بعد العهد؛ لأن بها ضعف عن كل وقت سابق، قال له قطز: إنه لا يخون العهود، فهذه قيادة إسلامية على منهاج النبوة.

إقامة قطز معاهدة مع إمارة عكا المسيحية

إقامة قطز معاهدة مع إمارة عكا المسيحية مر قطز في طريقه على عكا، وكانت عكا في ذلك الوقت إمارة تحت حكم الصليبيين، فقرر قطز رحمه الله أن يقيم معهم معاهدة، حتى يمر من حول الحصون دون أن يتعرض لحرب صليبية، وهددهم قطز تهديداً شديداً أنهم لو خالفوا ترك التتار وعاد لحربهم، أما إن كانوا على العهد فلن يمسهم بسوء. فالرؤية كانت واضحة جداً عند قطز، فهو لا يريد الدخول في مواقع جانبية؛ لأنه يعلم أن العدو الرئيسي الآن هم التتار، ويعلم أن عكا مدينة حصينة جداً، ولو فرغ وقته وجهده لفتحها ما استطاع أن يحارب التتار، ولما أشار عليه أحد الأمراء أن يباغت عكا بعد العهد؛ لأن بها ضعف عن كل وقت سابق، قال له قطز: إنه لا يخون العهود، فهذه قيادة إسلامية على منهاج النبوة.

معركة عين جالوت

معركة عين جالوت كان الظاهر بيبرس يراوغ القوات التترية حتى يخفي الجيش الرئيسي بقيادة قطز، ويقفز من مكان إلى مكان، ومن مدينة إلى مدينة، ثم وصل المسلمون إلى مكان اختاروه؛ لتكون فيه المعركة، وسجل المسلمون نقطة كبيرة لصالحهم بالسبق إلى مكان القتال وامتلاك عنصر الإعداد ثم عنصر المفاجأة، واختار قطز سهلاً واسعاً بين تلال كثيرة، هذا السهل هو سهل عين جالوت بين مدينتي بيسان ونابلس في فلسطين على بعد (65) كيلو متراً فقط من موضع حطين، وكأن الله عز وجل أراد أن يعظم أكثر وأكثر من قدر فلسطين، حتى تدور فوق أراضيها المعارك الخالدة في تاريخ المسلمين: أجنادين بيسان اليرموك حطين ثم عين جالوت. نسأل الله عز وجل أن يمنّ علينا بانتصار مجيد على أرضها ضد اليهود. وضع قطز مقدمته وعليها الظاهر بيبرس في وسط السهل، ثم أخفى كل جيشه خلف التلال المحيطة وانتظر قدوم التتار، وجاء التتار بصلف وغرور تسبقهم سمعتهم المرعبة، ولكن الله عز وجل ثبت قلب قطز ومن معه من أبطال المسلمين. وصل كتبغا قائد التتار إلى سهل عين جالوت في (25) رمضان سنة (658هـ) الموافق (6) سبتمبر سنة (1260م) تاريخ من أعظم التواريخ في حياة المسلمين، قرر كتبغا أن يدخل المعركة من فوره، وكان من سعادة المسلمين أن يقاتلوا في هذا الشهر الكريم؛ ليستعيدوا ذكريات بدر وفتح مكة وفتح الأندلس، دخل كتبغا وهو يعتقد أن قوة المسلمين هي مقدمة الظاهر بيبرس فقط، فلم يأخذ حذره، بل اندفع بكل جيشه ولم يجعل له ظهراً، وهذا تدبير رب العالمين الذي أعمى عيون التتار عن رؤية جيش قطز، والذي زرع في قلبه الإقدام بكامل جيشه إلى داخل السهل المحاط بكمائن المسلمين، تلقى الظاهر بيبرس رحمه الله هو ومن معه الضربة الأولى من التتار بشجاعة بالغة وصبر أمام جحافل التتار، وتناثرت أشلاء المسلمين على أرض عين جالوت، وسالت الدماء وسقط الشهداء من المسلمين، ولكن ما فر رجل واحد منهم. ثم تظاهر الظاهر بيبرس رحمه الله بالانسحاب إلى داخل السهل حتى يستدرج كتبغا ومن معه من التتار وقد حدث له ما أراد، ودخل التتار في الفخ الإسلامي، وأشار قطز رحمه الله إشارة النزول لقوات جيشه المختبئة خلف التلال، فأحاطت بقوات التتار الهائلة إحاطة السوار بالمعصم، ودارت موقعة من أشرف المواقع في تاريخ المسلمين، بل من أشرف المواقع في العالم، وثبت المسلمون فيها ثباتاً هائلاً، ولكن التتار ما لبثوا أن تداركوا أنفسهم، وبدءوا يحاربون في منتهى العنف، وأظهروا مهارتهم وبراعتهم في القتال، وحدث تردد في جيش المسلمين، وبدأت جيوش المسلمين تعود إلى الوراء. لاحظ كل هذا البطل المظفر قطز رحمه الله، فقام في شجاعة نادرة وألقى خوذته على الأرض تعبيراً عن اشتياقه للشهادة وطلب للموت، وأطلق صيحته الخالدة: وا إسلاماه وا إسلاماه. يلخص بها أسباب النصر. فإنه لن ينصر هذا الدين إلا من علم أن دينه أغلى من أهله وماله وكل حياته، وانطلق قطز بنفسه يصارع ويقاتل ويضرب هذا ويطعن هذا، وهو الأمير على كل هؤلاء، وانطلق الجيش السعيد خلف قائده الأسعد، وقام الأمير جمال الدين آقوش الشمسي بحملة صادقة على جيش التتار فوجد أمامه كتبغا زعيم التتار، فحمل عليه حملة صادقة، وضربه عبد الله المؤمن بسيفه ضربة، فسقط العبد الآبق كتبغا صريعاً في دمائه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. ودب الاضطراب في قلوب التتار، وأسر ابن كتبغا ودارت الدائرة على أهل الشرك، وانسحب التتار بسرعة إلى مكان بعيد عن مكان الموقعة، ثم عادوا من جديد يرتبون قواتهم قرب بيسان وانطلق وراءهم قطز بجيشه، وكانت موقعة جديدة أعتى من الأولى، إنها بالنسبة للتتار الحياة أو الموت، ولكنها بالنسبة للمسلمين النصر أو الشهادة، وزلزل المسلمون زلزلاً شديداً، وقاتل التتار قتالاً مريراً، ولكن قطز عاد من جديد يصيح الصيحة الخالدة: وا إسلاماه وا إسلاماه وا إسلاماه قالها ثلاث مرات، ثم قال: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار، وعندما يخشع ملوك الأرض لا بد أن يرحم جبار السماوات والأرض، وتنزل الرحمات على الجيش المؤمن، واللعنات على الجيش الكافر، وقاتل قطز قتالاً مجيداً حتى قتل فرسه، فقاتل وهو يمشي على الأرض، حتى أعطاه أحد جنوده فرساً فركبه، واستمر في القتال، وانكسر جيش التتار كسرة لا قيام بعدها في أرض الشام، وانطلق المسلمون وراء التتار فريقاً يقتلون ويأسرون فريقاً، وأورث الله عز وجل المسلمين سلاح التتار وأموالهم، وفني جيش التتار بأكمله في موقعة عين جالوت لم يفلت منهم إلا الشريد، وانطلق

فوائد إيمانية من معركة عين جالوت وأسباب النصر فيها

فوائد إيمانية من معركة عين جالوت وأسباب النصر فيها كانت موقعة عين جالوت من أهم المواقع في تاريخ الأرض، وليس فقط في تاريخ المسلمين، كان للموقعة آثار لا تحصى ولا تعد، أدرك جميع المسلمين أن النصر من عند الله عز وجل، وأن موالاة الكافرين لا تجر على المسلمين إلا الويلات، قتل المسلمون فيها الهزيمة النفسية، وسقط حاجز الخوف من التتار وغيرهم، وفنيت القوة العسكرية التترية تماماً في بلاد الشام وغيرها، وقامت دولة المماليك قياماً قوياً، وحملت على عاتقها صد الهجمات التترية بعد ذلك، كما قامت بتحرير الشام من الممالك الصليبية، ثم واجهت الاستعمار الصليبي البرتغالي بعد ذلك، وظلت تحمي بلاد المسلمين (270) سنة كاملة، وهكذا عادت الهيبة لبلاد المسلمين ولأمة الإسلام بعد غياب سنوات طوال. من العجب أن التتار بدءوا يدخلون في دين الله عز جل! وهي من المرات القليلة أو الوحيدة التي يدخل فيها الغزاة في دين من يغزونهم سبحان الله! إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وحدث ذلك بعد عين جالوت. فهذه وقفات مع أسباب النصر في موقعة عين جالوت: أولاً: الإيمان بأن النصر من عند الله عز وجل وليس من عند غيره. ثانياً: التربية الإسلامية للشعب على حب الجهاد في سبيل الله. ثالثاً: الوحدة بين جيوش المسلمين والقتال تحت راية واحدة. رابعاً: القدوة المتمثلة في قطز القائد الذي نزل إلى خندق الجنود، فكان فعله أبلغ من ألف خطبة ومقال. خامساً: الإعداد الجيد للجيش والخطة، واختيار المكان، وإعداد السلاح، وبذل المال وغير ذلك من أمور إعداد القوة. سادساً: عدم الاستعانة بالصليبيين أو غيرهم. سابعاً: الشورى الحقيقية الواضحة في منهج قطز رحمه الله، لما جمع الناس واستشارهم في أمر الجهاد وغير ذلك. ثامناً: رفع الروح المعنوية للجيش، والاهتمام بالجانب النفسي لهم. تاسعاً: نظافة اليد والبذل من المال وتولية الصالحين، والإعراض عن المفسدين والمنافقين. عاشراً: الشكر المباشر لله عز وجل والتواضع له، وسنة الله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]. فتلك عشرة كاملة لو جمعها جيش -والله- لن يهزم قط.

وفاة قطز

وفاة قطز تبقى في القصة مفاجأة هامة، فإن قطز لم يبق في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهراً وسبعة عشر يوماً فقط، ولم يكمل السنة، مات قطز بعد انتصاره في عين جالوت بخمسين يوماً فقط، ولكن سبحان الله! قيمة الرجال لا تقاس بطول العمر ولا بكثرة المال ولا بأبهة السلطان، إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغير من وجه التاريخ ومن جغرافية العالم، وهي في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز جل. يظن كثير من الناس أن زمن المعجزات قد انتهى، ولكن أخطئوا، فإن الله عز وجل قد ترك بين أيدينا معجزة لا تنتهي ولا تندثر، تلك هي كتاب الله عز وجل القرآن، ومن أعظم معجزات القرآن صناعة الرجال، فالقرآن هو الذي بث هذه الروح في الرجال من أمثال قطز وصلاح الدين ويوسف بن تاشفين وخالد بن الوليد وغيرهم من قادة المسلمين. والكتاب القرآن ما زال في أيدينا وسيبقى إلى يوم القيامة، فهو معين الأمة الذي لا ينضب، وسيخلق الله عز وجل للأمة دائماً رجالاً في كل زمن يجددون لها الدين، ويبعثون في نفوس أبنائها الأمل، ويقودونها إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، ويحققون وعد الله عز وجل الذي سطره في كتابه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]. وبعد إخواني في الله! انتهت قصة التتار، وانتهت قصة عين جالوت، ومات جنكيز خان وهولاكو لعنهما الله، وكذلك مات قطز والظاهر بيبرس رحمهما الله، ومات الجند الظالمون، ومات الجند المؤمنون، ومرت الأعوام والأعوام، والقرون والقرون، ولكن الذي بقي ولم ينته هو الدرس والعبرة، الذي بقي هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، الذي بقي هو السنة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160]. والله أسأل أن يجعل لنا في التاريخ عبرة. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. وجزاكم الله خيراً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لسنا في زمن أبرهة

لسنا في زمن أبرهة جعل الله عز وجل لنصره لهذه الأمة شروطاً وأسباباً متى تحققت فيها جاءها نصر الله عز وجل، وبدونها فلا فوز ولا نصر ولا تمكين، فعلى الأمة أن تسعى لتحقيقها في مجتمعها؛ حتى ينصرها الله على عدوها، ويغير واقعها إلى الأحسن والأفضل.

ملخص قصة أبرهة مع عبد المطلب وهلاك جيش أبرهة

ملخص قصة أبرهة مع عبد المطلب وهلاك جيش أبرهة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين. عنوان محاضراتنا اليوم: لسنا في زمان أبرهة. وأبرهة الأشرم قصته معروفة، فقد كان ملك اليمن، وجاء بحده وحديده من اليمن ليهدم الكعبة كما تعرفون، وفي طريقه قبل أن يصل إلى الكعبة استطاع أن يغنم مائتين من الإبل لـ عبد المطلب، ثم بدأ يستعد لدخول مكة، وقد كان عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد مكة في ذلك الوقت، فخرج ليفاوض أبرهة قبل أن يدخل إلى مكة، ولما رأى أبرهة عبد المطلب أجله وأعظمه وأكرمه وأجلسه إلى جواره، فقد كان على عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم هيبة، ثم سأل أبرهة عبد المطلب وقال له: ما حاجتك؟ فقال عبد المطلب: حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي -وكان أبرهة يتوقع من عبد المطلب أن يسأل عن البيت- فقال أبرهة: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني -يعني: استقل عبد المطلب جداً، حيث أنه يتحدث في مائتي بعير ويترك بيت الله الحرام- أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! فقال عبد المطلب كلمة يعتقد البعض أنها جميلة وأنها تدل على اليقين، قال: إني أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه. وأنا أرى أن الموقف الذي وقفه عبد المطلب من أبرهة موقف فيه سلبيه مقيتة شديدة، أيعيش الإنسان يبحث عن لقمة عيشه وعن حياته وعن أولاده وعن إبله وعن ملذاته ويترك دين الله عز وجل لله يحميه؟! هذا قصور شديد في الفهم وانعدام للرؤية. ثم بعد هذا الموقف السلبي من أهل مكة وتفرقهم في شعاب الجبال وإخلائهم مكة تماماً لـ أبرهة حتى يدخلها بجيوشه وبفيله، نزلت المعجزة الكبرى، الطيور الأبابيل وهي طيور صغيرة ترمي بحجارة من سجيل، أهلكت جيش أبرهة ومن معه.

سنة الله في إهلاك المكذبين من الأمم السابقة

سنة الله في إهلاك المكذبين من الأمم السابقة وكانت سنة الله عز وجل في إهلاك الظالمين السابقين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكهم بخارقة، وكان المؤمنون لا يرفعون سيفاً ولا يشتبكون في قتال، فلما حدثت هذه الخطورة على بيت الله الحرام طبقت هذه السنة الإلهية حتى في غياب المؤمنين. وهذا ما كان يحدث أيضاً مع الأنبياء السابقين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنوح عليه السلام -على سبيل المثال- لما كذبه قومه وشعر أنه لا أمل في إيمانهم دعا الله عز وجل عليهم، كما صور الله عز وجل ذلك في كتابه الكريم فقال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10]، قال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:11 - 13]، فلم يحدث لقاء بين المؤمنين وبين الكافرين، وإنما جاء الطوفان وحمل الله عز وجل المؤمنين في السفينة، وكانت النجاة بهذه الخارقة. ولوط عليه السلام أيضاً لما كذبه قومه قال: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [الشعراء:169]، فجاءت الأوامر من الله عز وجل: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر:65]. ثم بعد أن خرج لوط عليه السلام من القرية الظالمة قال الله عز وجل: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:74]. وحتى بنو إسرائيل الذين حملهم الله عز وجل أمانة إقامة دولة وإنشاء أمة لما أحيط بهم في أرض مصر وانقطع أمل موسى عليه السلام في إيمان فرعون وقومه قال موسى عليه السلام كما قال الله عز وجل في كتابه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:88]، فجاء الأمر الإلهي: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان:23]، ولم يحدث لقاء بين قوم موسى وبين فرعون، ولم يؤمر قوم موسى بقتال فرعون وجنوده، وإنما أمروا بالخروج من مصر إلى غيرها، فانطلق موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، فلما وصلوا إلى هناك فقد بنو إسرائيل الأمل في النجاة؛ لأنهم رأوا جيوش فرعون من ورائهم، والله عز وجل يصور هذا الموقف في كتابه الكريم فيقول: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:61 - 62]، فالكلمة الوحيدة المؤمنة التي قيلت في مثل هذا الموقف هي كلمة موسى عليه السلام، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، وأما بقية القوم فإنهم اضطربوا اضطراباً شديداً لما رأوا جيش فرعون، ومع ذلك قال الله عز وجل: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ} [الشعراء:63 - 65]، ولم يكن هناك ضحايا ولا شهداء، وكل بني إسرائيل نجوا مع كونهم قالوا: (إنا لمدركون)، ثم قال عز وجل: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء:66]، فشق البحر وأهلك فرعون عليه لعنة الله ومن معه من الجنود. وكانت حادثة الفيل هي آخر الحوادث التي نصر فيها الدين بخارقة، وما زالت سنة إهلاك الظالمين باقية: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:13]، وهذا الكلام {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:13] مطلق، {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم:14]، فأي أمة تخاف مقام الله عز وجل وتخاف وعيده عز وجل فلا بد أن تمكن في النهاية، ولا بد أن يهلك الظالمون لها، فهي سنة ماضية إلى يوم القيامة.

سنة إهلاك الله للظالمين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

سنة إهلاك الله للظالمين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرت طريقة الإهلاك، فقد كان الظالمون في السابق يهلكهم الله بخوارق، وأما في رسالة الإسلام فالسنة هي: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. فلا بد أن يقدم المسلمون العمل والعمل الخالص لله عز وجل الصحيح على منهاج النبوة، فإذا قدموا العمل الصالح أنزل الله عز وجل ما يشبه الطير الأبابيل، فينزل بركة ورحمة وأمناً وتأييداً وتوفيقاً على المؤمنين، وسخطاً ونقمة وعذاباً وهلاكاً على الكافرين، ولكن بغير عمل لن تنزل الطير الأبابيل، وبغير جهد وبذل وعطاء لن ترمى حجارة من سجيل. هذه السنة الجديدة الخاصة بأمة الإسلام، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة لا تبديل لها ولا تحويل، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. وكثير من الناس أحبطوا من رؤية الظالمين يتمكنون من رقاب المؤمنين، وجلسوا ينتظرون نزول الطير الأبابيل، ويراقبون الموقف من بعد، ومستحيل أن تنزل الطير الأبابيل على الكافرين فتهلكهم، فانتظارهم هذا وهم وغياب فهم وعدم فقه لسنة الله عز وجل في التغيير، بل لابد أن يعتمد المسلمون على أنفسهم وعلى سواعدهم وعلى شرعهم ومنهجهم وعلى ربهم، والاعتماد على الله عز وجل لا يكون إلا كما يريد هو سبحانه وتعالى، لا كما نريد نحن بأهوائنا. والله عز وجل وضع لنا سنناً واضحة في التغيير قد تختلف حسب المرحلة التي يعيشها المسلمون، فقد يكتفي المسلمون في زمن بالدعوة، وقد تكون الدعوة سراً أو جهراً، وقد يحتاج المسلمون إلى معاهدة، وقد يحتاجون إلى جهاد، وقد يجاهدون قوماً ويتركون آخرين، وقد يجاهدون الكفار أجمعين، فبحسب المرحلة تتغير الطريقة، ولكن في كل الأحوال لا بد أن يقدم المسلمون شيئاً، فلن ينزل النصر على قوم كسالى قاعدين أو سلبيين. وأنا لا يعجبني الدعاء الذي يدعو به بعض الناس بقولهم: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين. وأنت أين هو دورك؟! أتكتفي بالمراقبة ثم تنتظر أن تسوقك الأحداث سوقاً إلى سيادة وتمكين وعز وصدارة؟! هذا وهم -إخواني في الله! - وليس من سنن الله عز وجل، إنما السنة {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. وتذكروا أننا لسنا في زمان أبرهة، فلن تنزل الطير الأبابيل الآن على الظالمين إذا فر من أمامهم الصالحون إلى رءوس الجبال. فنحن الآن نشاهد الصواريخ والطائرات والدبابات والبوارج الأمريكية تعربد في كل بلاد المسلمين، والمسلمون ينظرون بحسرة لمن جاء يدمر بلادهم وأوطانهم، ويقتل أبناءهم وشيوخهم ونساءهم، وهم يقولون: عسى الله أن يرسل عليهم طيراً أبابيل، أو يرميهم بحجارة من سجيل، أو يحدث معجزة أو يأتي بخارقة تدمرهم، فإلى هؤلاء الذين يعتقدون مثل هذا الاعتقاد وينتظرون الصواعق أن تنزل على قاصفات أمريكا، وينتظرون خسفاً بجنود الأمريكان في الكويت والسعودية والعراق وقطر وعمان وتركيا وباكستان وأفغانستان وأوزبكستان وغيرها من بلاد المسلمين، وينتظرون الطوفان ليغرق أساطيل الأمريكان في الخليج العربي وفي البحر الأبيض والأحمر والأسود والأصفر وكل ألوان الدنيا، إلى هؤلاء جميعاً أوجه نداء من قلبي إليهم وأقول: سيطول انتظاركم ولن تنزل الطير الأبابيل أو أشباهها إلا بعمل سنة واضحة، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

تحقق نصر الله لرسوله والمؤمنين عند بذل الأسباب

تحقق نصر الله لرسوله والمؤمنين عند بذل الأسباب نحن لسنا أعز على الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مضت معه هذه السنة في كل حياته.

تحقق النصر في بدر

تحقق النصر في بدر فقد واجه في بدر مثلاً أبشع أجيال الكافرين يتزعمهم فرعون هذه الأمة لمقاتلة خير أجيال الأرض يقودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين لتمنع الموقعة بينهم، بل على العكس كل الملابسات كانت تدفع دفعاً إلى القتال على غير رغبة الطرفين، قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:42]. ويقول في موضع آخر: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:44]، فلا بد من اللقاء، ولن تنزل الطير الأبابيل قبل اللقاء، مع أن جيش المؤمنين أكرم على الله عز وجل من أهل مكة حين غزاها أبرهة عليه لعنة الله، ولكنها السنة الجديدة تقول: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فلا بد من اختيار المكان، ولا بد من الشورى الحقيقية وتنظيم الصفوف والتأليف بين القلوب، وحمل السيوف، ولا بد من خطة محكمة ودعاء في كل وقت، وثبات راسخ وجراح وآلام ودماء وشهداء، وعند ذلك ستنزل الطير الأبابيل في صورة ملائكة أو مطر أو رعب في قلوب الكافرين، أو في صورة فرقة وتشتت في صفوف أعداء الدين، أو في أي صورة يختارها الله رب العالمين، لكن المهم أنه لا بد من عمل وحركة وإيجابية.

تحقق النصر في الأحزاب

تحقق النصر في الأحزاب وفي الأحزاب مثلاً كان جيش الكافرين عشرة الآلاف يحاصرون خير الأنبياء والأصحاب ويهددون الإسلام بالاستئصال، وكان الحق الكامل في داخل المدينة، والباطل الكامل حولها، ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين، ولم يحدث لهم خسف ولا صاعقة ولا صيحة ولا طوفان، فالسنة واضحة، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فلا بد من اليقين بالنصر والوحدة بين المؤمنين والخطة المناسبة وحفر الخندق والصبر على الجوع وعقد الأحلاف وفك الرباط بين صفوف المشركين واليهود وحسن المبارزة وقوة المخابرات، كل ذلك جنباً إلى جنب مع العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة، وعندما يحدث كل ذلك ينزل نصر الله عز وجل على عباده الثابتين، وتنزل الطير الأبابيل أو أشباهها في صورة ريح وفرقة بين المشركين واليهود ورعب، المهم أنه لا بد من عمل دءوب صالح مخلص لله عز وجل.

عدم مخالفة المنهج في أحد

عدم مخالفة المنهج في أحد وفي أحد هزم المسلمون الأكرمون من الكافرين الملحدين لما خالف المسلمون المنهج، وخاطب الله عز وجل رسوله والمؤمنين فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165]، أي: أنه عجب المؤمنون لماذا هزمهم الكافرون؟ قال الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165]، أي: قبل ذلك انتصرتم في بدر، ثم بعد أن هزمتم تقولون أنى هذا؟ قال الله عز وجل: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. والمسلمون لم يخالفوا في أحد فقط مخالفة تكتيكية بترك الرماة للجبل، وإنما خالفوا مخالفة قلبية خطيرة، قال الله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} [آل عمران:152]، ولم تنزل الطير الأبابيل على المسلمين لتنقذهم من أخطائهم، فالسنة المستقرة هي: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. وتذكروا أننا لسنا في زمان أبرهة، وإنما نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان سنة الله التي وضعها لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أسباب الوضع المأساوي الذي أصاب أمة الإسلام اليوم

أسباب الوضع المأساوي الذي أصاب أمة الإسلام اليوم إننا نتساءل اليوم ما العمل مع هذا الوضع التي تعيشه أمة الإسلام في هذه الأيام؟ وما العمل مع المأساة التي تمر بها العراق والمصائب التي تعاني منها فلسطين والكوارث التي تتوالى على الشيشان والظلم الذي يقع على المسلمين في كشمير وفي البوسنة وفي كوسوفو وفي الفلبين وفي بورما وفي أفغانستان وفي السودان وفي ليبيا وفي غيرها من بلاد المسلمين؟ إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد، وإنما هي مشكلة أمة كاملة، أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد، أمة رفعت رأسها قروناً فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب، أمة ظلت دهراً تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل، فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك، وهذه مشكلة خطيرة. إخواني في الله! أنا لست مع أنصاف الحلول وتمييع القضايا والعلاج المؤقت، ولا أريد تفريغاً للشحنات ولا مهبطات للحرارة دون علاج للأسباب الحقيقية للمرض، ولا أريد شعارات جوفاء ولا أصواتاً عالية ولا تشنجات مفتعلة، ولا إلصاق أخطائنا ومشاكلنا وهمومنا بحاكم أو بعالم أو بداعية أو بجماعة أو بصديق أو بعدو، وإنما أريد فقهاً عميقاً لأسباب المرض وعلاجاً شرعياً له. والمشكلة في اعتقادي فكرية في المقام الأول، وهي سوء فهم خطير لكثير من الأصول الثوابت في الإسلام، سوء فهم وقد انتشر سوء الفهم هذا في أبناء الأمة من أقصاها إلى أقصاها إلا من رحم الله عز وجل. والحل هو في العودة إلى فهم الإسلام من مصادره الأصيلة. ففي قضية العراق مثلاً تعددت الأطروحات لعلاج هذه القضية، فواحد يقول مثلاً: على صدام حسين أن يتنحى، وآخر يقول: على الدول العربية أن تسير في الطرق السلمية مهما تفاقم الأمر، وعلى الأمم المتحدة أن تتحرك، وعلى الأمريكان أن ينهوا المشكلة بسرعة، وعلى العراق أن يدمر كل أسلحته، وعلى المسلمين أن يستنفروا الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا للوقوف أمام أمريكا، وثالث يقول: نريد درعاً بشرياً في العراق. إخواني في الله! هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيضع هذه الأطروحات لو كان يتابع معنا الموقف في العراق؟! فنحن نريد توحيد المفاهيم على أساس شرع الله عز وجل، ونريد حركة بهذه المفاهيم وسط أبنائنا وأحفادنا وجيراننا ومجتمعاتنا، ونريد عملاً بكل مفهوم علمنا أنه في دين الله عز وجل.

مفاهيم تحتاجها الأمة

مفاهيم تحتاجها الأمة وأنا سأطرح بعض المفاهيم التي أشعر أن الأمة بحاجة لها، وأخاطب بها كل مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، حاكماً كان أو محكوماً، عربياً كان أو عجمياً، قريباً كان أو بعيداً، يعيش في بلد محتل أو حر.

إن تنصروا الله ينصركم

إن تنصروا الله ينصركم المفهوم الأول: لسنا في زمان أبرهة، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] ونصر الله يكون بتطبيق شرعه. وقد يقول قائل: إن هذا ليس في يدينا، وتطبيق الشرع مسئولية الحاكم. وأقول: تطبيق الشرع يكون على ثلاثة مستويات: أولاً: على المستوى الفردي، ففعل الطاعات واجتناب المحرمات هو تطبيق للشرع، والصلاة والصيام والزكاة والحج تطبيق للشرع، وعدم التعامل بالربا تطبيق للشرع، والحجاب وبر الوالدين ورعاية الجار وحفظ حقوق الطريق تطبيق للشرع. فهناك أمور كثيرة جداً من أمور الشرع يقع تطبيقها على الفرد لا على الحاكم. ثانياً: على المستوى الجماعي، يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). فأنت تستطيع أن تطبق الشرع في بيتك، ومع تلامذتك إن كنت مدرساً، ومع موظفيك في العمل إن كنت رئيساً، ومع زبائنك إن كنت تاجراً. فهناك أمور كثيرة في المجتمع نستطيع أن نطبق فيها الشرع دون حاكم، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الفساد والرشوة والوساطة بقدر ما نستطيع. ثم يأتي بعد ذلك المستوى الثالث، وهو المستوى الذي يتطلب حاكماً لتطبيق الشرع مثل: إقامة الحدود، وتسيير الجيوش للجهاد، ورفع الضرائب، ومنع الخمور، وإغلاق الملاهي وأماكن الرقص والفجور، ووقف المولاة مع أعداء الأمة، والاكتفاء بمولاة المؤمنين، فهناك أمور كثيرة لا بد أن يطبقها الحاكم، فإذا كان المسلمون لا يطبقون الشرع على أنفسهم في الإطار الذي يستطيعونه فكيف يتوقعون أن ينزل الله عز وجل عليهم نصره، هذا عكس السنة التي لا تبديل لها ولا تحويل، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

الأمة الإسلامية لا تموت

الأمة الإسلامية لا تموت المفهوم الثاني: إن أمة الإسلام أمة لا تموت ولن تموت إن شاء الله رب العالمين، ولو أصيب المسلمون بالإحباط فلا أمل في القيام، بل لا بد أن يتيقن المسلمون أن الدورة الأخيرة ستكون دائماً لأمة الإسلام، وأن هذه الأمة لا تموت، وهي باقية ما بقيت الأرض، وأن الله عز وجل قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]، وليس هناك رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فلا بد أن تبقى الأمة التي تحمل الرسالة الأخيرة من الله عز وجل إلى خلقه، وإلا فمن يقيم حجة الله عز وجل على خلقه؟ ومن يأخذ بأيدي الناس إلى خالقهم؟ ومن يعلمهم الهدف من حياتهم؟ ومن يبصرهم كيف يعبدون ربهم؟ ومن يهديهم إلى عمارة الأرض وإقامة الشرع ورفع المظالم ورد الحقوق وإرساء العدل ونشر الرحمة؟ فمن يفعل كل هذا إن فنيت أمة الإسلام؟ فبقاء أمة الإسلام أمر حتمي تواترت عليه الأدلة من الكتاب والسنة، ولا بد أن يفقه المسلمون ذلك، ولكن -إخواني في الله- احذروا شيئاً خطيراً، ألا وهو قاعدة الاستبدال، فالله عز وجل من سنته أن يهلك القرى الظالمة غير المسلمة إهلاكاً تاماً، ولكنه مع أمة الإسلام يطبق قانوناً خاصاً وهو قانون الاستبدال، فيهلك الجيل الفاسد من المسلمين، وينشئ جيلاً صالحاً مكانه، فيستبدل بالجيل الذي ألف القعود جيلاً اشتاق إلى الجهاد والحركة والبذل والعطاء، هذه سنة إلهية ماضية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38 - 39]. ويقول الله عز وجل في سورة محمد: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. فاحذروا -إخواني في الله! - من قاعدة الاستبدال.

الهلاك عاقبة كل من عادى الإسلام

الهلاك عاقبة كل من عادى الإسلام المفهوم الثالث: إن الأمم الظالمة المعادية للمسلمين أمم هالكة لا محالة، وهذه سنة إلهية أيضاً، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ} [السجدة:26]. فأمة الأمريكان أمة هالكة لا محالة، فقد جمعت كل أسباب الهلكة التي جاءت في كتاب الله عز وجل، وكلما أهلك الله عز وجل أمة ذكر لنا أسباب هلاكها، وقد تجمعت هذه الأسباب جميعاً في أمريكا الآن، فقد اتصفت بالكبر والظلم والترف والذنوب والبطر والعنصرية، وهي صفات لا تقوم مع وجودها الأمم، وهو مفهوم لا بد أن يفقهه كل المسلمين. والأصل الإسلامي الثابت الذي يجب أن نعيه هو: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197].

الوحدة عامل رئيس للنصر

الوحدة عامل رئيس للنصر المفهوم الرابع -وهو في غاية الأهمية-: الفشل قرين التنازع، والنصر لا ينزل على المتفرقين، قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل:92]. وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105]. وهناك آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تحض على الوحدة والألفة والترابط والأخوة بين المسلمين، وهذا ليس على مستوى البلاد الإسلامية فقط، بل على مستوى الشعوب والأفراد، فإذا كان المسلمون مثلاً في عمارة أو في مبنى لم يستطيعوا أن يتحدوا لإصلاح شئونهم، فكيف يرجى توحيد بلاد المسلمين؟! وإذا كان المسلمون لا يشعرون بروح الفريق الواحد في العمل وفي الشارع وفي النادي، بل وأحياناً في المسجد يتصارع الملتزمون من المسلمين على إمامة مسجد، فكيف لو كان التصارع على إمامة أمة؟! إذا كان هذا هو الواقع فكيف تتجمع أمة الإسلام؟! وكيف سينزل النصر من عند الله رب العالمين؟! أيها المؤمنون! عباد الله! عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. أيها المؤمنون! عباد الله! من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. أيها المؤمنون! عباد الله! (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً)، (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث). أيها المؤمنون! عباد الله! (إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)، (إياكم والبغضة -أي: سوء ذات البين- فإنها الحالقة)، (إياكم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة). أيها المؤمنون! عباد الله! (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله)، (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).

الاعتماد على النفس وعدم الركون إلى الكافرين

الاعتماد على النفس وعدم الركون إلى الكافرين المفهوم الخامس: ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك. لا بد أن يفهم المسلمون أن النصر لا يستورد من خارج البلاد، بل هو بضاعة محلية، فلا يصلح أن يكتب عليها صنع في الصين أو في فرنسا أو في أمريكا، ولكن لا بد أن يكتب عليها بوضوح صنع في بلاد المسلمين وفي أمة الإسلام. شكراً لفرنسا لوقفتها بجوار إخواننا من المسلمين في العراق، ولكن اعلموا جيداً أن فرنسا ما فعلت ذلك من أجل سواد عيون أهل العراق؛ وإنما للحفاظ على الوجود الفرنسي في مواجهة الغول الأمريكي المفترس، ولا تنسوا ما فعلته فرنسا في الجزائر وتونس والمغرب وسوريا ولبنان وقبل ذلك في مصر، وأنها كانت لها اليد العظمى وما زالت في الفتنة الدائرة في بلاد الجزائر الآن، وأنها من المشعلين لفتنة الحرب بين العرب والبربر في الجزائر، ولا تنسوا أنها منعت فتاتين مسلمتين من لبس الحجاب في المدارس الفرنسة، ولكن كل يبحث عن مصالحه، ونحن قد نستفيد من التحالف والتعاون معها، ولكن لا ننتظر نصراً مستورداً فرنسياً خالصاً. وشكراً أيضاً لروسيا على وقفتها الشجاعة مع أهل العراق، ولكن لا تنسوا إخوانكم في الشيشان، ولا ما حدث منذ سنوات في أفغانستان، وراقبوا باهتمام ما سيحدث عما قريب في داغستان المسلمة. وشكراً كذلك للأمم المتحدة، ولكن لا تنسوا ما فعلته الأمم المتحدة في فلسطين، ولا قرار التقسيم الظالم الذي قسم فلسطين إلى قسمين: عربي وإسرائيلي في سنة 1947م، ولا تنسوا التخاذل والتهاون والغش والخداع، لا الكيل بمكيالين، والعفو عن الظالمين وعقاب المظلومين. كما لا يصح -إخواني في الله! - أن نستعطف البابا لإنقاذ أهل العراق، والمسلمون من أهل العراق يمثلون 96% من السكان، ولا يقبل عقلاً ولا شرعاً أن ينصر البابا النصراني العراق المسلمة على أمريكا النصرانية.

كما تكونوا يولى عليكم

كما تكونوا يولى عليكم المفهوم السادس: (كما تكونوا يولى عليكم) فلا تنشغلوا كثيراً بالحديث عن الحكام، وإلقاء التبعة على أكتافهم وتنسون أنفسكم، نعم كلما عظمت المسئولية زادت التبعات، والمخطئ في حق فرد ليس كالمخطئ في حق عشرة، ولا كالمخطئ في حق أمة، ولكن اذكروا الحقيقة الصادقة: (كما تكونوا يولى عليكم). والحكام إفراز طبيعي جداً للشعوب، فليس من سنة الله عز وجل أن يولي حاكماً فاسداً على قوم مصلحين، أو يولي حاكماً مصلحاً على قوم فاسدين، والله عز وجل قال في كتابه الكريم وهو يصف فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]، ولم يقل: إنه كان من الفاسقين، فالعلاقة بين الشعب والحاكم تفاعلية جداً، فأصلحوا أنفسكم يخرج من بينكم خالد والمثنى وطارق وقطز وصلاح الدين.

أطماع الكافرين في بلاد الإسلام لا تتوقف

أطماع الكافرين في بلاد الإسلام لا تتوقف المفهوم السابع: المخطط الأمريكي في بلاد المسلمين مخطط مسبق وليس بسبب شخص معين، فليس بسبب صدام حسين أو الملا عمر، وليس بسبب أسلحة دمار شامل أو غيرها، احتلال أمريكا للعراق مخطط قديم ومسبق، وكذلك احتلالها لأفغانستان والقوقاز مخطط قديم أيضاً ومسبق. وكل ما في الأمر هو اتخاذ بعض الذرائع لتجميل صورتها وإرضاء الحلفاء وإسكات الشعوب، وقد يحدث أحياناً أن تجد ظروف تقدم خطة وتؤخر أخرى، ولكن كل المخططات قد أعدت سابقاً، وإعادة تنظيم وترتيب العالم الإسلامي وفق هوى أمريكي معين أمر لا يخفى على أحد، ومن ثم لن يجدي تقديم التنازلات المهينة، ولن يجدي النداء الذي وجهه رئيس جريدة قومية مشهورة حيث يقول في ندائه: أما آن لـ صدام أن يتنحى؟ يعني: لو أن صداماً رحل لصلحت الدنيا كلها، هكذا يظن، ولن يجدي إرسال الرسل لأمريكا لاستعطافها أن تكف أيديها عن الدماء المسلمة، أو على الأقل كما يقول بعضهم: أن تنهي مهمتها بسرعة. فاستعطاف أمريكا كالذي يستعطف ذئباً أن يرعى أغنامه تماماً بتمام.

بالإرادة والعزيمة نغير واقعنا

بالإرادة والعزيمة نغير واقعنا المفهوم الثامن: أمة الإسلام تملك الكثير، فلا يعتقدن أحد أن أمة الإسلام عاجزة، وليس من المقبول شرعاً أو عقلاً أن تقف دولة فقيرة معدمة مثل كوريا الشمالية هذه الوقفة أمام أمريكا ولا تستطيع أمة الإسلام أن تقفها، فكوريا الشمالية عدد سكانها ثلاثون مليون مواطن شيوعي ملحد، وأمة الإسلام مليار وثلث مليار، ومساحة كوريا الشمالية مائة وعشرون ألف كيلو متر مربع فقط -عشر مساحة مصر، أي: مثل محافظات فقط من مصر- و6. 4 مليون مواطن في كوريا الشمالية مهددون بالموت جوعاً، فهم فقراء فقراً معدماً، ويعيشون على الطحالب والأعشاب، أما أمة الإسلام فتمتلك إمكانيات اقتصادية وبشرية وعقلية وجغرافية وإستراتيجية هائلة، وفوق ذلك إمكانيات عقائدية ليست لغيرها من الأمم، والله مولانا ولا مولى لهم، فكيف يستطيع الكوريون أن يصنعوا سلاحاً ولا نستطيع نحن؟! وكيف لا يقبل الكوريون خفض رءوسهم وتقبل أمة المليار أن تخفض رأسها؟! فالمسألة -إخواني في الله! - مسألة روح وإرادة وعزيمة والذي في يدينا من أجل أن نغير. أولاً: رأي عام محلي وعالمي، فتحرك أخي في الله بهذه المفاهيم، واكتب بها خطابات للصحف، ورسائل على الإنترنت، وعلى الجوال، وأقم لها الندوات الثقافية، وتحدث بها مع الأهل والأصدقاء والجيران، حتى المظاهرات السلمية بالضوابط الشرعية، واشرح وجهة نظر الإسلام في كل هذه المتغيرات، وعلم من تستطيع، واخلق جواً عاماً من الاعتزاز بهذا الدين والأمل بقيامه والرغبة في الجهاد والشوق إلى الشهادة، وسيؤتي كل هذا إن شاء الله ثماراً عظيمة وحمية في قلوب المسلمين، ورعباً في قلوب أعداء الدين. ثانياً: المقاطعة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي، وقد أصبح واضحاً أن الشراء منهم إثم وذنب وخطيئة، فلم يعد من المقبول أبداً تحت أي مبرر أن نتعامل بالبيع والشراء مع الذين يسفكون دماء إخواننا وأمهاتنا وأطفالنا وشيوخنا، فالفتور في المقاطعة يعني: غياب الفهم وانعدم الرؤية، والمقاطعة للأعداء ليست بدعة في وسائل المقاومة، وإلى الذين فتروا عن المقاطعة أهدي لهم بحث الحكومة الأمريكية لمقاطعة الصادرات الألمانية لأمريكا والتي تجاوزت ستين بليون دولار، وبحث مقاطعة الطيران الفرنسي والجبن الفرنسي؛ ذلك لأن ألمانيا وفرنسا تعارضان السياسية الأمريكية فقط ولا تحاربانها. عضو في الكونجرس طلب تغيير اسم الفرنش برايز البطاطس الفرنسية إلى اسم الفري برايز البطاطس الحر، مع أن هذا مجرد اسم البطاطس لا تصنع في فرنسا، ولكن العضو رفض كل ما يحمل اسماً فرنسياً حتى لو كان الفرنش برايز، فأين المسلمون؟ ثالثاً: الإيجابية في الانتخابات، فلا بد أن تذهب وتنتخب الأصلح مهما خرجت النتائج على غير الرغبة الحقيقية للشعوب، ولكن هذا واجب وطريق لا بد أن يسلك مع غيره من الطرق. رابعاً: تربية الأطفال والشباب على هذه المعاني، وبث روح الجهاد والتضحية والبذل في نفوس الشعب، وضرب الأمثلة العظيمة واستعراض التاريخ المجيد، وهذا الدور ملقى على عاتق كل أب ومدرس وداعية وصاحب قلم مسلم غيور على الدين. خامساً: الإصلاح ومحاربة الفساد، والارتفاع بمستوى الأخلاق، وإشاعة جو من التعامل النظيف، حتى يكون في تعامله نظيف اليد واللسان والقلب، وكل في مكانه وعلى حسب طاقاته. سادساً: تحسين الإنتاج وتوجيهه إلى الأصلح والأنفع، ومراقبة الله عز وجل في كل عمل وصناعة وزراعة ومنتج. سابعاً: الدعاء المستمر الملح، فهو سلاح فعال تماماً، ولا تنسوا قولة أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: الدعاء يرفعه العمل. فالله عز وجل لا يستجيب لدعاء من لا يعمل ولا يقوم ولا يتحرك لنصرة الإسلام والمسلمين، ولا لمن فتر وأحبط ويئس. وهذه الأشياء في يد الأمة الإسلامية، وهناك أشياء أخرى كثيرة، فلا يعتقدن أحد أبداً أن أمة الإسلام عاجزة.

استشعار كل فرد أنه مسئول وحده

استشعار كل فرد أنه مسئول وحده المفهوم التاسع: أقتالهم وحدي حتى تنفرد سالفتي ويقطع عنقي، وهذه كلمة قالها الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند الردة، يعبر فيها عن القيام بدوره حتى لو قعد الآخرون، فالمسئولية فردية، فنحن أمرنا أن نعمل مجتمعين ولكننا سنحاسب فرادى، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94]، فلو قعد كل المسلمين فما المبرر لأن تقعد أنت؟ ولو تكاسل كل الخلق فما الداعي لأن تتكاسل أنت؟ ولو دخل كل أهل الأرض النار أيكون هذا مبرراً لأن تدخلها معهم؟! والله لا يؤاخذ أحداً بجريمة أحد، وأنت لا تعمل لفلان أو لعلان، ولا لرئيس أو ملك، ولا لشهرة أو سمعة، ولا لمال أو سلطان، وإنما تعمل لله رب العالمين، وهو عز وجل حي لا يموت، فهو الأول الذي ليس قبله أحد، والآخر الذي ليس بعده أحد، وهو المطلع عليك والمحاسب لك، وسيجازيك عن الحسنة بعشر أمثالها، وسيعاقبك على السيئة بمثلها، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فلماذا الركود والفتور والكسل؟ فاعمل بكل طاقتك، وتذكر: أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي.

الحذر من التسويف

الحذر من التسويف المفهوم العاشر والأخير: إياك والتسويف، ولا أقول لك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولكن أقول لك: لا تؤجل عمل اللحظة الحالية إلى اللحظة القادمة. فإن لكل أمة أجل، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أردت دعاءً فمن الآن، وإذا أردت مقاطعة فمن الآن، وإذا أردت صلاة وصياماً وزكاة فمن الآن، وإذا أردت صلحاً مع أخيك وصلة لرحمك وبراً لوالديك فمن الآن، وإذا أردت دعوة إلى الله وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر فمن الآن، وإذا أردت وقفاً لفساد أو رشوة أو وساطة فمن الآن، وإياك والتسويف، والشيطان لا يأمر المؤمنين بالامتناع عن الأعمال الصالحة ولكن يأمرهم بتأجيلها، فإذا أجلوها تركوها في أغلب الأحوال، فلا تسلمن نفسك للشيطان، ولا تكن متبعاً لهواك. تلك عشرة كاملة، لو فهمناها وفهمناها وتحركنا بها لقامت لنا أمة، ولرفعت لنا راية، ولكتب لنا نصر وسيادة وتمكين. وختاماً: ليست هذه أول الأزمات التي مرت بأمتنا الإسلامية، ليست هذه أول الجروح والآلام، والخطوات، فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية، وظهر من يدعي أنه نبي يوحى إليه، وأنه رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [الأنعام:93]. فظهر مسيلمة الكذاب وارتد معه عشرات الآلاف ومع ذلك لم تنزل طير أبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، بل ظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله عز وجل رجالاً {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54]، فجاء خالد بن الوليد وأصحابه؛ ليطهروا الأرض من مسيلمة وأصحابه، أما قبل قدوم المجاهدين فلا طير أبابيل. وذبح الصليبيون في بيت المقدس سبعين ألفاً من المسلمين في يوم واحد، ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي ومن معه من المجاهدين؛ ليطهروا الأرض من الصليبيين. واستباح التتار بغداد وقتلوا من أهلها ألف ألف -مليون مسلم- في أربعين يوماً، ولم تنزل الطير الأبابيل على التتار المشركين الظالمين الكافرين، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله قطز ومن معه من أبطال المسلمين، فكانت معركة عين جالوت، وكان النصر والتمكين. بل أشد من ذلك جهز القرامطة -وهم طائفة من أخبث طوائف الشيعة، كفرها كثير من علماء المسلمين- جيشاً لغزو مكة المكرمة، ودخلوا الحرم المكي والبيت الحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية في سنة 617هـ، واستباحوا مكة وأهلها، وسفكوا دماء كل من كان بالحرم من الحاجين، حتى من تعلق بأستار الكعبة، وتناثرت الأشلاء في الكعبة المشرفة، وسالت الدماء على أطهر بقعة في الأرض، وكان زعيمهم عليه لعنة الله: أبو طاهر سليمان الجنابي -وما هو بطاهر- يقف على باب الحرم يقول: أنا لله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا وهذا كفر بواح، بل وأرسل رجلاً من أتباعه فنزع الحجر الأسود من مكانه وأتي به إليه، فرفعه إلى السماء وقال في كفر صريح: أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وانتزع الحجر الأسود من مكانه لمدة اثنتين وعشرين سنة كاملة، ولم يعد إلا في سنة 339 هـ، وظل المسلمون يحجون إلى بيت الله الحرام اثنتين وعشرين سنة بدون حجر أسود؛ لأن السنة الإلهية المستقرة لهذه الأمة: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فنحن لسنا في زمان أبرهة، بل نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغير شرعه صلى الله عليه وسلم لا نصر ولا فوز ولا نجاة، فدين الله واضح لا غموض فيه، فهو قواعد شرعية معلومة وسنن إلهية ثابتة، إن سار عليها المسلمون فازوا في دنياهم وأخراهم، وإن أبوا فلا يلومن إلا أنفسهم، وصدق الله عز وجل إذ يقول: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المقاطعة

المقاطعة يجب على المسلمين محاربة العدو الغاصب الذي استولى على الأرض واستباح العرض ودنس المقدسات، وجهاد هذا العدو له صور مختلفة منها: المقاطعة لكل ما هو منتج من قبل العدو وأعوانه وأنصاره، وهذا هو أقل القليل للدفاع عن أعراضنا ومقدساتنا وأرضنا وديننا.

المقاطعة الاقتصادية للمسلمين في شعب أبي طالب

المقاطعة الاقتصادية للمسلمين في شعب أبي طالب أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً، اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيراً لنا! اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة. اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين! وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. ثم أما بعد: فمع المحاضرة الحادية عشرة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين، ما زلنا في حديث حول بعض الوسائل الإيجابية لمساعدة أهلنا في فلسطين، وواقع الأمر أن هذه الوسائل ليست خاصة بفلسطين فقط، بل إنها تصلح لكل بلاد المسلمين، كما تصلح لكل زمان يمر على أمة المسلمين، فالفهم الصحيح لا يساعد فلسطين، بل هو أساس وركن ركين لحل كل قضايا المسلمين، والأمل وقتل الإحباط لا يساعد فلسطين فقط، بل هو كالروح في الجسد، إن ذهبت الروح فلا حراك للجسد ومصيره إلى تآكل وفناء، وكذلك إن ذهب الأمل أصبحت الأمة بأسرها بلا حراك، ومصيرها إلى تآكل وفناء، وبذل المال لا يساعد فلسطين فقط، فأمة الإسلام لا تقوم إلا على أكتاف من تاقت نفوسهم لبذل المال، وتعاظم حب الله في قلوبهم على ما سواه من مال وأهل وديار ونفس. فهذه وسائل ثلاث: الفهم، والأمل، والبذل، وهي هامة لفلسطين ولكل منطقة إسلامية جرحت فسالت دماؤها غزيرة، كالشيشان وكشمير والبوسنة، بل هي هامة لكل دولة إسلامية، فأنى لك بأمة صالحة قائدة رائدة بغير فهم متبوع بعمل، وبغير أمل متبوع بحركة، وبغير تعاطف متبوع ببذل، فلا تقوم الأمة بغير ذلك، فنحن لا نبني فلسطين فقط بل نبني أمة بكاملها، ونسأله سبحانه وتعالى التوفيق. اليوم حديثنا عن وسيلة رابعة لبناء فلسطين بل لبناء الأمة الإسلامية المنشودة، أقدم لهذه الوسيلة بحدث مر عليه أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان لكنه بأبعاده كلها ما زال حياً إلى الساعة، في السنة السابعة من بعثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد دعوة كريمة من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومقاومة لئيمة من صناديد قريش الكافرين، وبعد إجابة غالبها من ضعفاء القوم، ورفض غالبه من كبراء القوم، بعد هذه السنوات السبع من الدعوة والمقاومة والإجابة والصبر والثبات والتعذيب واليقين والشك اجتمع زعماء الكفر وحلفاؤهم وتآمروا على المسلمين ومن عاونهم ولو لم يكن مسلماً فصنفوا الناس صنفين: الصنف الأول: القبائل المارقة. والصنف الثاني: القبائل الصديقة. أما المارقون: فهم المسلمون ومن انحاز لهم، وأما الأصدقاء: فهم من رضي بالكفر، وزعماء الكفر، وحلفاء الكفر، ومن غريب الأمر أن بني المطلب وبني هاشم انحازوا للمسلمين مع كونهم كافرين، حمية وقبلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن غريب الأمر أن زعماء الكفر وحلفاءهم اعتبروا بني هاشم وبني المطلب مارقين أيضاً مع كونهم على نفس ملتهم، لكنها كانت حرباً صريحة على الإسلام، ليس فيها اعتبار لعرق ولا لملة ولا للون، فالصراع بكل وضوح كان صراع أديان. قرر التحالف الآثم ألا يناكحوا المارقين ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، وكتبوا بذلك وثيقة وأقسموا باللات والعزى وأشباههما ألا يخالفوا وثيقتهم. ومنظمة القبائل المتحدة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت أنه من العدل والإنصاف، وللحفاظ على الحرية والحضارة والمدنية في مكة، أن تحاصر جماعة المسلمين وزعيمهم محمداً صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، وبالفعل تم الميثاق وعلقت الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة المشرفة، مع تغطية إعلامية واسعة داخل مكة وخارجها؛ وذلك لتسهيل عملية قتل الأبناء والإخوة. لا بد من إقناع الجميع أننا ما قتلنا أهلنا في الشعب إلا للحفاظ على النظام العام في مكة، والسلام في المنطقة بأسرها، واشتد الحصار على المسلمين، وقطعت عنهم كل المواد والمؤن، لكن بفضل الله لم يقصف شعب أبي طالب بالرماح، ولم يخترق مجاله الجوي بالسهام، فما زال هناك بصيص رحمة في قلوب الكافرين، كان المشركون لا يتركون طعاماً ولا بيعاً يدخل مكة إلا ابتدروه بالشراء حتى بلغ الجهد بالمسلمين فأكلوا أوراق الشجر والجلود، وكان يسمع من وراء الشعب أصوات النساء والصبيان يتضورون من الجوع. استمر الحصار الأليم الظالم ثلاث سنوات كاملة، حتى أذن ال

مفهوم المقاطعة الاقتصادية

مفهوم المقاطعة الاقتصادية هنا تبزغ الوسيلة الرابعة من وسائل مساعدة أهلنا في فلسطين، بل ومساعدة الأمة الإسلامية لتعاود القيام من جديد، ألا وهي المقاطعة الاقتصادية لمنتجات اليهود ومن عاونهم، المقاطعة لإسرائيل ولأمريكا ولانجلترا ولمن حذا حذوهم وسار على طريقتهم، ما لكم تترددون؟! ألا تقاطعون قوماً قتلوا أبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم؟! ألا تقاطعون قوماً خربوا دياركم، وجرفوا أرضكم؟! فإنه لمن المرارة أن تشتري من قاتلٍ قتل إخوتك وما زال يقتل، وليست أفغانستان منا ببعيد. وإن كنا ننادي بالمقاطعة فإننا كمسلمين متمسكون بديننا وأخلاقنا لا نقاطع إلا بضوابطنا الشرعية، فلا نجر إلى قذارات السياسة الغربية والعلمانية، نحن نحارب بأسلوبنا الذي يقره قرآن وسنة، لا نخالف ربنا وإن خالفه الآخرون، ففي شرعنا لا نقتل المدنيين، ولا نحرض على قتلهم، ولا نروعهم، ولا نسعد بقتلهم، ولا نقاطع بطريقة أبي جهل أو بطريقة بوش أو كلينتون ومن تبعهم بإساءة إلى يوم الدين، نحن لا نستخدم المقاطعة إلا لجلب مصلحة هي أعلى من مصلحة أخرى، أو لدفع ضرر هو أكبر من ضرر آخر، نحن لا نستخدم المقاطعة في مصادرة ما لا يجوز لنا أن نصادره، فلا نجمد أرصدة أحد، ولا نسطو على أموال أحد، ولا نستخدم المقاطعة لتدمير ما لا يجوز لنا تدميره، فنحن المسلمين ضد حرق الممتلكات غير المدنية، سواء كان ذلك في بلادنا أو في بلاد غيرنا، وسواء كانت البلاد الأخرى محاربة أو غير محاربة، وكما أمرنا سبحانه وتعالى أن نحافظ على مساجدنا أمرنا أيضاً أن نحافظ على كنائسهم ومعابدهم، وكما أمرنا سبحانه وتعالى أن نحافظ على أموالنا أمرنا أيضاً أن نحافظ على أموالهم. والمقاطعة بالضوابط الشرعية تعني: أنه إذا عرضت علي سلعة من دولة مسلمة أو وطنية وأخرى من دولة تعلن العداء السافر لنا اخترت السلعة المسلمة أو الوطنية؛ لأقوي من اقتصاد بلادي وتجنبت السلعة الأخرى؛ إضعافاً لاقتصاد دولة معادية، أما إن كانت الدولة معاهدة أو غير محاربة جاز الشراء منها، وإن كان من الأفضل أن نشتري من المسلمين. والمقاطعة بالضوابط الشرعية تعني: أنني قاطعت الشراء فقط، وما زالت السلعة سلعته فما صادرتها وما أتلفتها. أما موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد أن هاجر إليها، فإنه كان يعلم أنه سيحاصر يوماً في المدينة، وستجتمع عليه قريش وحلفاؤها من القبائل العربية، وسيغدر اليهود كعادتهم. فجهز نفسه صلى الله عليه وسلم لهذا اليوم، فأمن الماء بشراء بئر رومة، وأنشأ السوق الإسلامي، وقاطع بذلك سوق بني قينقاع اليهودي، وشجع التجار والزراع والصناع للعمل حتى يكفوا حاجة المدينة، فتجار اليهود لم يؤذوا فإن التجارة عرض وطلب، والمشتري مخير بإرادته أن يشتري ممن يشاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصادر بئر رومة، أو سوق بني قينقاع، بل اشترى البئر بالمال وأقام السوق البديل، والناس جميعاً مخيرون، ولا شك أن الصحابة كانوا راغبين في التعامل مع السوق الإسلامي بدلاً من السوق اليهودي. واليهود في المدينة لا يجبرون على الشراء من أسواق المسلمين، فلهم أن يبتاعوا من حيث شاءوا، بل قد يتعاملون فقط فيما بينهم، وهذا مقبول في عرف العالم أجمع، وكذلك في شرعنا معروف ومقبول، والمسلمون إن احتاجوا لبضاعة ليست في سوق المسلمين كانوا يشترونها من اليهود بثمنها، ولا يبخسون أحداً حقه. إذاً: المقاطعة الاقتصادية لمنتجات اليهود ومن عاونهم أمر مشروع بل محمود ومندوب، بل لعله واجب لكن لا يخرجنا عداؤنا لغيرنا عن ضوابطنا الشرعية وحدودنا الأخلاقية، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة:8]، أي: لا يجرمنكم عداوة قوم، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]. سؤال لا شك أنه يخطر على أذهانكم: لو عذبنا أنفسنا بمقاطعة طويلة محكمة، هل يمكن أن نحدث أثراً في شركات عملاقة جبارة مثل الشركات الغربية التي تنتشر فروعها في مشارق الأرض ومغاربها؟ فهي شركات متعددة الجنسية كما يقولون، وقد يساوي اقتصادها اقتصاد بعض الدول في العالم الذي يطلقون عليه عالماً ثالثاً، أفي هذا العذاب فائدة؟ أم أنه مجهود ضائع وعمل مبدد؟ أعلم أن في قلوبكم بعض الشكوك وفي أذهانكم بعض الشبهات، لأنكم تسمعون من هنا وهناك حوارات مثيرة وجدالات محيّرة، وعقل المرء يتشتت.

فوائد المقاطعة الاقتصادية للشركات الغربية

فوائد المقاطعة الاقتصادية للشركات الغربية إن فوائد المقاطعة عشر وهي كما يلي:

تأثر القرار السياسي الغربي بخسائر الشركات فيه

تأثر القرار السياسي الغربي بخسائر الشركات فيه الفائدة الثانية: خسارة هذه الشركات ستؤدي إلى تغيير القرار السياسي في أمريكا من التحيز السافر لإسرائيل إلى غيره، فالمقاطعة وسيلة من وسائل الضغط في تلك البلاد التي يصل فيها مغيرو السياسة وأصحاب القرار إلى مراكزهم في الكونجرس والرئاسة عن طريق الانتخابات الحرة، والتي تتأثر بدورها بجماعات الضغط هناك. فإن أكبر جماعات الضغط في أمريكا هي جمعية رجال الأعمال المكونة من أصحاب الشركات التي نفكر نحن بمقاطعتها، ومن وسائل ضغط اليهود على أمريكا: الضغط المالي على الحكومة الأمريكية. إذاً: الخسارة الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على القرار السياسي بأمريكا؛ لأنها بلاد رأسمالية بحتة، الشركات اليهودية ذاتها قد تبيع إسرائيل إذا خسرت، فالمال عندهم مقدم على كل شيء، ولذا فإن بعض العمليات الفدائية الفلسطينية تتم بتسهيلات من اليهود في مقابل المال، فهم يغيرون القرار حفاظاً على المصالح، ولا بد أن يعلم الغرب ويتيقن أنه وإن كان له مصالح حيوية في إسرائيل فإن له مصالح أخرى أكثر حيوية في بلاد المسلمين.

انتعاش الاقتصاد الإسلامي والعربي بسبب استخدام البدائل الوطنية

انتعاش الاقتصاد الإسلامي والعربي بسبب استخدام البدائل الوطنية الفائدة الثالثة: هذه المقاطعة ستؤدي إلى استخدام البدائل الوطنية مما سيؤدي إلى انتعاشها وبذلك يتقوى اقتصاد الأمة على ممتلكاتها وليس على ممتلكات الغير، وهذه قضية محورية، وأمر مصيري، وليست قضية جانبية، والأمة التي لا تملك احتياجاتها لا تملك قرارها، فالقضية ليست خسارة للشركات اليهودية والأمريكية فحسب بل هي بناء أمة وحياتها، ما الفارق مثلاً بين أمة الإسلام وأمة الصين أو اليابان؟ هم لا يملكون مناهج أفضل من مناهجنا، ولا أناساً أفضل من أناسنا، والعقل الإسلامي يتفوق كثيراً على عقولهم إذا توافقت الظروف، فلماذا لا نخلق الظروف التي تمكن أمتنا من التفوق؟ إن بداية الصين واليابان كدول صناعية لم تكن بعيدة عن بدايتنا، بدأت الصناعات الصغيرة المحلية وقلل من الاستيراد، وبدأ الشعب في بادئ أمره على منتجات أقل جودة من المنتجات الغربية، ثم مرت الأيام وتحسن الإنتاج ثم تفوق، فالسيارات اليابانية منذ ثلاثين سنة مثلاً كانت لا تسوق إلا في بلاد العالم الثالث، أما الآن فهي السيارة رقم واحد في أمريكا. والمستهلك يبحث عن الجودة المناسبة والسعر المناسب، ولا شك أن المنتجات المستوردة كثيراً ما تكون أكثر جودة وأقل سعراً، أما حسن الجودة فللتقنية العالية ولدقة النظام ولضخامة المصانع وللكفاءة المهارية، ولكن كيف يأتي المنتج من آخر بلاد الدنيا إلى بلادنا ثم هو أرخص من منتجنا المصنع في بلادنا؟ زوجتي اشترت منبهاً صغيراً (ساعة صغيرة) من إنتاج الصين بثلاث جنيهات فقط، فكم سيكسب المورد للخامات، والعامل في المصنع، وصاحب المصنع والمصدر والناقل بسفينته والمستورد وبائع الجملة والقطاعي ثم البائع الجوال؟ ثم اكتشفنا بعد ذلك أن ثمنه اثنين جنيه فقط، فلماذا هذا السعر المنخفض؟ والواقع أنه لعوامل عديدة منها: رخص الأيدي العاملة، ولا أعتقد أن الأيدي العاملة في بلادنا مكلفة، ومنها أنهم يكسبون قليلاً ليبيعوا أكثر، وهو مبدأ تجاري معروف ويستخدم أيضاً في بلادنا، ومنها أن الإنتاج بكميات كبيرة جداً يغطي التكاليف والأرباح، وهذا ما لا يستطيع منتجنا أن يفعله؛ خشية كساد السلعة، وهنا يبرز دور المقاطعة فلو قاطعنا المنتجات المستوردة فإن هذا سيشجع المصنع المحلي على مضاعفة الإنتاج وبالتالي تخفيض السعر إلى أدناه، أما وهو يعلم أنه لن يبيع إلا وحدات محدودة فإنه قد يوفر في التكاليف على حساب الجودة، ويصبح الأمر دائرة مغلقة لا نخرج منها أبداً. وليست النتيجة المباشرة للمقاطعة هو إصلاح الاقتصاد الإسلامي وتغير الحال فحسب، بل هناك نتيجة هامة جداً وهي تحول الهزيمة النفسية إلى انتصار، حيث إن كثيراً من المسلمين لا يعتقدون في إمكانية إنتاج منتج محلي ينافس المنتج الغربي. أذكر أن صديقاً مصرياً كان معي في أمريكا، ذهب ليشتري قميصاً من إحدى المحلات الفخمة هناك، وانتقى قميصاً أعجبه، ولما عاد إلى المنزل اكتشف أن القميص منتج مصري، فاتصل بي بسرعة وهو حزين جداً فهو يشعر أنه قد ضحك عليه، أما أنا فسعيد لأن المنتج المصري ينافس الأمريكي والغربي في أمريكا ذاتها، وعلى قدر هذه السعادة على قدر حزني من الهزيمة النفسية القاسية التي يعاني منها صاحبي. نحن نحتاج إلى ثقة بالله، وثقة بالنفس، وثقة بالوطن، وثقة بأهلنا وعمّالنا، وثقة في المنتج. نقطة أخرى هامة: إنه ليس معنى ذلك أن المنتج المحلي سيكون سريعاً على قدم المساواة مع المنتج الغربي وفي كل التخصصات أبداً، لا بد أن يعرف المستهلكون المسلمون أنهم إذا أردوا أمة قوية اقتصادياً وسياسياً فلا بد أن يصبروا في البداية، وأن يقبلوا بما أضعف نسبياً إلى أن يتحسن، فلابد من تضحية، وستكون تضحية مأجورة إن شاء الله. فالمستثمرون وأصحاب الشركات والمصانع المحلية على ثغرة عظيمة فليراقبوا الله في أعمالهم، يرتفع أجرهم في الآخرة ويكثر ربحهم في الدنيا. وأتمنى أن يتجه أصحاب رءوس المال ولو كان صغيراً إلى إنتاج ما يفيد الأمة، فبدل إنتاج اللبان والشبس والمصاصة أشكال وألوان ننتج مستلزمات للمستشفيات، والآلات الزراعية والسماد، والإلكترونيات، والورق، وبدل من أن نزرع الفراولة والمانجو وأشياء كثيرة من الفواكه نزرع رز وذرة وبطاطس وقطن وكتان، وبدلاً من أن نشارك في البورصة في شركات تنتج أفلام ومسلسلات، وخمور، أو بنوك ربوية، نشغل أموالنا في شركات بترول وشركات حديد، وشركات أسمنت، وشركات أدوية، وشركات دقيق، وبدلاً من أن نعمل مشروع قهوة أو كفتيريا أو صالة بلياردو نعمل مشروع استصلاح أراضي، أو مزرعة سمكية، أو مدرسة متميزة جادة تعلم الأجيال، وبدلاً من أن نستورد من إسرائيل أو أمريكا، أو نحرص على أخذ توكيل أمريكاني، نستورد من ماليزيا أو إندونيسيا أو تركيا أو سوريا أو مصر أو الجزائر وسنجد الذي نريده، المهم أن نبحث في بلاد المسلمين. وأتمنى للمستثمرين وأصحاب الشركات المحلية، الذين يقفون على ثغرة عظيمة، أن يهتموا بإتقان العمل وجودة الصناعة حتى لا يفتتن المسلمون فيتجهون للشرق والغرب، وأتمنى أن يخفضوا من السعر قدر المستطاع وس

الاستعداد للحصار الاقتصادي الذي قد يفرض علينا من قبل أعدائنا

الاستعداد للحصار الاقتصادي الذي قد يفرض علينا من قبل أعدائنا الفائدة الرابعة: إذا حدث حصار اقتصادي على البلد في أي وقت ماذا سيكون موقفنا؟ وهذا وارد لأتفه الأسباب، ودوام الحال من المحال، فأهل العراق كانوا يتمتعون بمال وفير، وخير كثير، ثم ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، وليبيا كانت لها علاقات كثيرة جداً مع كل بلاد العالم، فلما خطف رجلان ليبيان طيارة حوصرت ليبيا اقتصادياً وفرض عليها عقوبات، فمن الجائز أن اثنين غداً يخطفون طائرة من أي بلد فيفرضون الحصار على البلد من غير أي أسباب ومبررات، ولو حدث هذا الحصار على بلادنا ونحن نعتمد على منتجات غربية من شركات أجنبية ماذا سيحدث لو سحبت هذه الشركات نفسها من السوق المسلم؟ أليس من الحكمة ألا نعتمد على المنتجات الغربية التي ستقطع لو حوصرت البلاد المسلمة؟ سوبر ماركت ضخم ومشهور دخل السوق المصري بثقل كبير وفتح فروعاً كثيرة جداً وضخمة جداً ورخص الأسعار بشكل لافت للنظر، فكانت النتيجة أن معظم المحلات المحلية الوطنية المجاورة أغلقت أبوابها ولم تستطع أن تبيع شيئاً، والمصنع الأجنبي على استعداد أن يخسر في البداية لأجل خسارة كبيرة في سبيل أنك تغلق مصنعك أو محلك وبعد هذا هو يتحكم في السوق، وماذا يحدث لو فتح محل مثل هذا وأغلق بعد ذلك كل المتاجر الوطنية المجاورة ثم انسحب فجأة من السوق إذا حدث حصار اقتصادي على البلاد؟ فهذه كارثة محققة، فلو حصل حصار اقتصادي على مصر -مثلاً- في الوقت الذي نحن نعيش فيه الآن، فإن المستشفيات على سبيل المثال ستغلق أبوابها؛ لأنه لا توجد تجهيزات لغرف العمليات مصنعة محلياً، ولا كشافات إضاءة ولا خيوط جراحية ولا أدوات جراحية. باكستان لها تجربة عظيمة جداً في إنتاج الأدوات الجراحية، ليأتي العالم الإسلامي كله يتعلم منها ويستورد منها، والجزائر لها تجربة رائدة في صناعة القناطر على الأنهار لنأتي ونتعلم منها ونستورد منها، ومصر لها تجارب كبيرة جداً في صناعة الورق والنسيج والحديد وغيرها من الصناعات لنأتي ونتعلم منها ونستفيد من هذه التجارب. إذاً: المقاطعة تجهزنا ليوم نحاصر فيه، تجهزنا تجهيزاً إيجابياً اختيارياً وفي ظروف أفضل جداً من وقت الحصار الحقيقي، والحصار فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو سياسية قديمة غير مستبعدة في أي زمان.

التذكر المستمر الحقيقي للمسلمين

التذكر المستمر الحقيقي للمسلمين الفائدة الخامسة: المقاطعة ستؤدي إلى التذكر المستمر الحقيقي للمسلمين، وإلى معرفة ووضوح وتذكر الصديق، وبذلك يتميز الحق والباطل، والعدو والصديق، ومن عادة الناس أنهم ينسون مع مرور الوقت وتغير الظروف، وقد يبتسم الظالم في وجهك يوماً، ويمد إليك يده مصافحاً، ويفتح لك صدره متودداً، وهو مستمر في ظلمه، فينسى الناس الظلم لاختفائه خلف الابتسامة والتودد، مثلما فعل مناحيم بيجن عندما مد يده مصافحاً ومعاهداً ومبتسماً والجميع يعلم أنه صاحب مجزرة دير ياسين، وما زال يقبع بجيوشه في بلادٍ مغتصبة ظالماً الملايين دون اكتراث. إن استمرار المقاطعة يجعلنا في شبه حالة استنفار عام تام كامل، فلا ننسى عدونا إلا إذا تخلى عن اعتداءه تماماً، ونزح عن بلادنا، وأعاد الحقوق إلى أصحابها، استمرار المقاطعة يعيننا على تربية أبنائنا بطريقة يعرفون فيها عدوهم، ولا يخفى على عاقل أي فائدة هذه.

عدم استعظام المنتجات الغربية

عدم استعظام المنتجات الغربية الفائدة السادسة: إن المقاطعة ستقضي على الانبهار المسيطر على الناس من كل ما هو يهودي أو أمريكي أو غربي أو مستورد، لقد سيطرت حالة من الانبهار على الناس شملت البضائع وغيرها، بل شملت الأشخاص والأفكار، فالرجل الأمريكاني في نظر كثيرٍ من الناس أبعد نظراً وأقوى شكيمة وأذكى عقلاً وأسرع خطوة وأخفى دماً، وأكثر عطفاً وحناناً، فاستمرار المقاطعة سيقضي كثيراً على هذا الانبهار المخيف، وستعلم الأمة أنها تستطيع أن تعيش بدون أمريكا بل وبدون الغرب جميعاً، هذا إذا ما أرادت الأمة أن تعيش.

رفع معنويات الشعوب المسلمة عند تحقق نجاح المقاطعة

رفع معنويات الشعوب المسلمة عند تحقق نجاح المقاطعة الفائدة السابعة: إن المقاطعة سترفع معنويات الشعوب المسلمة عندما ترى نجاحاً من النجاحات نتيجة للمقاطعة، فعندما ترى صرحاً أجنبياً ضخماً بفروع متعددة وأعداد هائلة من العمال، وأموال لا تحصى، وقدرات لا تنتهي، يغلق أبوابه نتيجة للمقاطعة، معلناً فشله الذريع في كسب إرادة الشعب الأبي الفاهم الواعي، فهذا -والله- هو النجاح بعينه. عندما تمر على محلات الأمريكان للأطعمة فتجدها خاوية على عروشها وقد ازدحمت المحلات المحلية بالرواد أليس هذا انتصاراً؟ وعندما تشاهد تكالب من محلات الغرب على اكتساب الزبائن عن طريق الخصم والهدايا والمسابقات والحفلات ثم تجد إعراضاً من الناس مع حاجتهم أحياناً، ومع رغبتهم أحياناً أخرى، لكنهم يعرضون مقاطعة لهم وبعداً عنهم، فاعلم أن الشعب قد نجح بالفعل، عندما تقرأ عن محل أطعمة أمريكي مشهور يخسر حوالي 35% من دخله المعتاد في الشرق الأوسط في الأسابيع الأولى فقط للانتفاضة المباركة في فلسطين بسبب المقاطعة فاعلم أن هذا مقياس جيد لنجاح الأمة، وهكذا بالمقاطعة وملاحظة النتائج ستعيش الأمة نوعاً من الانتصار وسترى لوناً من النجاح هي في أشد الحاجة إليه.

خلق حالة من الرعب في قلوب أعداء المسلمين

خلق حالة من الرعب في قلوب أعداء المسلمين الفائدة الثامنة: استمرار المقاطعة سيحدث حالة من الرعب عند أعداء المسلمين مقابلة لحالة من الشعور بالفخار والنصر عند المسلمين، فسيشعر أعداء المسلمين بالهزيمة في مجال من المجالات، وسيشعرون بالهلع عندما يشاهدون وحدة الصف المسلم في كل الأقطار الإسلامية، وسيشعرون بالصغار عندما يلحظون قوة إرادة الأمة في مقاطعتها لهم مع احتياجها إليهم، وسيشعرون بالذل الواضح أمام عزة الإسلام والمسلمين، وهذه كلها بوادر نصر، والهزيمة النفسية لعدونا من أشد أنواع الهزائم، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).

المقاطعة تربية عظيمة للنفس كالصيام

المقاطعة تربية عظيمة للنفس كالصيام الفائدة التاسعة: المقاطعة تربية عظيمة للنفس بأن تحرمها من أشياء تعودت عليها، وذلك تماماً مثل فكرة الصيام فأنت في نهار رمضان تمنع نفسك عن الطعام والشراب وهما في الأصل من الأمور الحلال، فإن استطعت ذلك فأنت على تجنب الحرام أقدر، فهذا نوع من التربية. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان لا يأكل السكر مع رغبته إليه، وليس السكر بمحرم لكنه يربي نفسه، وكان يقول: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، نريد أن نعود أنفسنا على كسر الروتين اليومي في حياتنا وعلى التغلب على شهواتنا، وعلى الانتصار على أنفسنا، وعلى تغليب المصلحة العامة للأمة على المصلحة الخاصة للأفراد، فلو خرجنا من المقاطعة بهذا الدرس العظيم وهو درس التربية لكان هذا مكسباً لا يقارن بما قبله من المكاسب.

ابتغاء مرضاة الله

ابتغاء مرضاة الله الفائدة العاشرة وأختم بها الفوائد وأنا أعتبرها أهم فوائد المقاطعة على الإطلاق: وهو أننا مع إخلاص النوايا في نصرة الإسلام والمسلمين، وفي مساعدة إخواننا في فلسطين، وفي تقوية اقتصاد المسلمين، وفي تربية الأمة المسلمة، فإننا نرجو من الله ثواباً، ونسأله عوناً، ونتوقع منه نصراً، وننتظر منه رضاً ورحمةًً وفضلاً وكرماً. فلعل حسنات المقاطعة تكون هي المرجحة لكفتنا يوم القيامة: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. فالمقاطعة تعتبر من الأسلحة الحتمية التي يجب على المسلمين جميعاً أن يتحدوا في القيام بها.

فن المقاطعة

فن المقاطعة ونأتي إلى النقطة الأخيرة في المحاضرة وهي الحديث عن فن المقاطعة وفيها خمس نقاط وهي ما يلي: 1 - المقاطعة المتخصصة بمعنى: أنه من الممكن عمل قوائم للمنتجات اليهودية والأمريكية يقاطعها كل الناس، وتهم كل الناس، وعمل قوائم أخرى تخصصية لا تهم إلا مجموعة معينة من الناس، ولا داعي لشغل بقية الأمة بها، فمثلاً: الأدوية، فمن المعروف أن عامة الأمة لا يصفون لأنفسهم الأدوية فليس هناك داعي أن يعرف الناس جميعاً مصادر الأدوية وشركات الأدوية، لكن من المهم أن يعرف ذلك الأطباء والمستشفيات، فتوزع قوائم بالأدوية على هذه الطائفة فقط من الناس، بل إنه من الممكن الزيادة في التخصص داخل طوائف الأطباء المختلفة، فالأدوية التي يستعملها طبيب القلب مثلاً غير الأدوية التي يستعملها طبيب العيون، غير التي يستعملها الجراح، فإذا قام كل طبيب من كل مجموعة بعمل الأدوية التي يحتاج إليها تخصصه ووزعها على زملائه في التخصص سيكون ذلك أكثر فائدة لهم وأقل شغلاً لتفكيرهم، وأدعى لاستجابتهم، وهكذا المهندسون، والمزارعون والكيمائيون، وكل طوائف الشعب المصري. 2 - أن ترشد بوضوح إلى البديل أسميها المقاطعة المعوضة، ولا بد أن تعوض هذه المقاطعة بشيء آخر، ولا بد أن نبحث عن البديل الوطني، وندل الناس عليه ونعرف به، ومن المهم أن نثير ذلك في مجالسنا أو يكتب كل واحد منا البدائل لأقاربه وأصحابه وزملائه في العمل وهكذا حتى نسهل على الناس المقاطعة. 3 - البحث عن التطورات في السوق والاهتمام بها ونشرها أسميها المقاطعة المتطورة، فقد تشتري شركة يهودية أو أمريكية شركة أخرى فننتبه إلى ذلك، كما حدث عندما اشترت مؤخراً شركة بطاطس أمريكية شركة أخرى وطنية، فيعلم الناس ذلك حتى يسهموا في مقاطعة هذه الشركة الأخيرة، قد تغلق شركة أمريكية أبوابها نتيجة لمقاطعة فيشار إلى ذلك لتحميس الناس، وقد تتبرع إحدى الشركات الأمريكية لإسرائيل مباشرة فينشر ذلك حتى يشجع الناس على المقاطعة، كما حدث من شركة كبيرة للأدوية تبرعت بإنشاء مستوطنات كثيرة داخل إسرائيل، وكما حدث من مطعم أمريكي مشهور تبرع بدخل يوم السبت لإسرائيل، وكما تبرعت شركة مياه غازية مشهورة بمبالغ ضخمة بالإضافة إلى دعاية سافرة لإسرائيل، وعلى قبة الصخرة كما وضعوا في الإعلانات. 4 - المقاطعة المستمرة وهو الحديث عن المقاطعة بصفة مستمرة والتذكير بها دائماً، فمن عادة الناس أنهم ينسون، وكثيراً ما يكون المرء متحمساً لشيء ثم ينساه مع مرور الوقت، فإن أعيد التذكير عاد حماسه من جديد خاصة إذا أشير إلى حال المسلمين في فلسطين، وداومنا على التذكير بأحوال المسلمين في بقاع الأرض المختلفة على أيدي هؤلاء الذين نقاطعهم. 5 - وأخيراً من المؤكد أن هناك ابتكارات كثيرة في هذا المجال أسميها المقاطعة المبتكرة، وليس المجال يتسع لشرح هذه الأمور، لكن من المؤكد أن عقول المسلمين لا تنضب عن الأفكار الحسنة والذكية، فمثلاً: استخدام الإنترنت أو التلفونات المحمولة أو أي اختراع ممكن يقوم به المسلمون للتأكيد على موضوع المقاطعة. فالمقاطعة سلاح هام جداً وفعال جداً ومؤثر جداً، ولا يجب أبداً أن يتهاون فيه المؤمنون، وسيؤتي ثماره إن شاء الله طيبة حسنة في الدنيا والآخرة.

نصيحة ختامية للمقاطع

نصيحة ختامية للمقاطع وختاماً: فهذه كلمة أخيرة لأخي المقاطع في سبيل الله! ولا شك أنك ستألم من مقاطعتك للبضائع اليهودية والأمريكية، وهو ألم كبير وليس هذا بمستغرب، فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فاعلم أنك إن كنت تألم فألمك بأجر أما هم فيألمون وعليهم الوزر، قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. تذكر إخوانك المحاصرين في فلسطين والعراق وأفغانستان، تذكر أنهم حرموا دون إرادتهم من أشياء قاطعتها أنت بإراداتك، تذكر أن آباءك وأجدادك عاشوا طويلاً دون هذه الأشياء، فقد أدخل الناس في روعك أن الحياة بغيرها لا تستقيم وكذبوا، تذكر عدواً يقتل بيد ويبيع بالأخرى كيف تشتري منه؟! تذكر يوماً عصيباً طويلاً نحاسب فيه، فمقاطعتك حسنات في رصيدك لا تضيعها، تذكر أن حرمانك من أشياء بسيطة في الدنيا قد يورث جنة لا حرمان فيها، تذكر إلهاً ناظراً إليك، مراقباً لأعمالك، فرحاً بطاعتك، مؤيداً لخطواتك، تذكر أنه يحب الصابرين ويحب المجاهدين ويحب المتقين فكن منهم. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].

الحج ليس للحجاج فقط

الحج ليس للحجاج فقط من فضل الله عز وجل ورحمته أن جعل العبادات متنوعة لعباده؛ ليقبلوا عليه بها فيزيد من حسناتهم، ويغفر لهم سيئاتهم، ومن هذه العبادات الحج، ففيه منافع كثيرة ليست للحجاج فقط، فهو موسم طاعات للحجاج وغيرهم، فإن كان الحجاج قد شرع الله لهم شعائر يؤدونها في الحج فإنه سبحانه شرع لغير الحجاج أعمالاً يتقربون بها إليه في نفس الموسم؛ رحمة منه سبحانه وكرماً وفضلاً.

أهمية الحج في الإسلام

أهمية الحج في الإسلام أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين. لقائي معكم اليوم حول ملحوظة لاحظتها في حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث مشهور جداً يا إخواني! الحقيقة أن هذه الملحوظة حيرتني وأوقفتني فترة طويلة أمام الحديث أتفكر وأتدبر، الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، الحديث مشهور جداً ومتفق عليه، ويحفظه تقريباً عامة المسلمين. فيا ترى ما هو الذي حيرني في هذا الحديث؟ تعالوا كذا نفكر سوياً، فالإسلام صرح هائل وبناء عظيم ضخم، فيه عدد مهول من التشريعات والقوانين والأحكام، نظام حياة كامل، ودستور كامل ينظم معاملة المسلم مع ربه، ومعاملة المسلم مع أسرته وجيرانه وأقاربه وأصحابه، حتى مع أعدائه، بل مع كل الناس، الإسلام فيه تشريعات لا حصر لها، يتيه الإنسان في تدبر الكم الهائل من القوانين والأحكام في هذا الدين العظيم، هذا البناء الضخم هو الإسلام. لكن من كل هذه التشريعات اختار الله عز وجل خمسة أمور فقط، جعلها أساساً لهذا البناء الضخم، قال: (بني الإسلام على خمس)، كل شيء بعد هذا يبنى فوق هذه الخمس، ولو واحدة من هذه الخمس وقعت وقع البناء الضخم كله. إلى الآن لا شيء محير، لكن المحير الآن أن يكون الحج هو أحد هذه الأعمدة التي يبنى فوقها الإسلام، لماذا الحج بالذات هو المحير؟ لأن الحج عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر، وفي حال الاستطاعة، يعني: الذي لا يستطيع لن يحج، وهناك ملايين من المسلمين على مر العصور لم يحجوا أصلاً؛ لعدم الاستطاعة، سواء كانت عدم استطاعة مالية أو صحية أو أمنية أو غيرها، وحتى الناس الذين حج كثير منهم يحج مرة واحدة في العمر، والإنسان يعيش ستين سنة أو سبعين سنة في المتوسط: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين). إذاً: الواحد في هذا العمر الطويل لا ينفق في هذه العبادة إلا أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أو قل: شهراً أو شهرين، والآن نسمع عن الحج السريع والحج الفاخر والمريح، فإنك تؤدي فريضة الحج في أسبوع بالكثير، تنزل في فندق عشرة نجوم، فتكون أقرب للحرم من أهل مكة نفسها، لكن المهم أن الموضوع كله بالقياس إلى عمر الإنسان في الأرض بسيط جداً، سواء كان حجاً سريعاً أو حجاً بطيئاً. فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة في حياة المسلم ليجعلها أساساً لهذا الدين، وعموداً من أعمدة الإسلام، وليس مطلوباً منك هذه الفريضة إلا مرة واحدة في العمر وفي حال الاستطاعة! وإن لم تكن مستطيعاً فليس عليك شيء؟! الأمر يا إخواني يحتاج إلى وقفة وتدبر، قلت: لا بد أن الحج يؤثر على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، أي: هناك فوائد تتحقق في الحج وتغير من حياة المسلم الذي أدى هذه الفريضة، بحيث تكون هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام سبباً في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأة، ومن ثم يستطيع تطبيق بقية شرائع الإسلام، ومن ثم أيضاً يصلح الحج؛ ليكون ركناً من الأركان التي يبنى عليها الإسلام قلت هذا الكلام، لكن واجهتني قضية أخرى، وهي: إن كان هذا صحيحاً في حق الحاج والحاجة فما بال أولئك الذين لم يستطيعوا الحج لأي عذر وهم ليسوا بالقليل؟ ولماذا يجعل الله عز وجل الحج من أساسات الإسلام الرئيسية، وهناك طائفة كبيرة جداً من المؤمنين لم يقوموا به مع كونهم مؤمنين؟ ومع كونهم راغبين فيه ومشتاقين إليه؟ قلت: من المؤكد أن هناك فائدة ما تعود على عموم الأمة سواء كانوا من الحجاج الذين يحجون كل سنة، أو من الحجاج الذين يحجون مرة واحدة فقط في العمر، أو حتى من الناس الذين لم يحجوا أصلاً ولن يستطيعوا أن يحجوا. من المؤكد أن الحج ليس للحجاج فقط، الحج يفيد الأمة كلها، ومن أجل هذا جعله الله ركناً أساسياً في بناء الإسلام، فيا ترى ما هي مقاصد الشريعة في موضوع الحج؟ بمعنى: ما هي الغاية من الحج؟ وما هي الفوائد المتحققة والآثار الناتجة عن الحج؟

منافع الحج

منافع الحج تعالوا نبحث ونفهم لماذا الله سبحانه وتعالى اختار الحج؛ لكي يكون من أعمدة الإسلام؟ وجدت آية في كتاب الله عز وجل تقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:27 - 28]. الحج فيه كما قال الله عز وجل: (منافع)، وكلمة منافع كلمة شاملة عامة، لا أعتقد أنها تقتصر على المنافع التجارية والمالية فقط، فبعض المفسرين والدعاة يقصرون كلمة المنافع على التجارة، فعندما تذهب لتحج يمكنك أن تقوم ببعض الفوائد التجارية، فتشتري من التجار هناك وتبيع، يعني: أمور التجارة بصفة عامة، لكن الحقيقة قصر المنافع على التجارة فقط فيه تحديد غير مقبول للنص، وفيه تجن شديد على هذه الكلمة العامة الشاملة، وبالذات في هذا الزمان الذي نعيش فيه، فرزق المسلمين هناك من البترول في يوم أو يومين يعادل تجارة الحج كلها، وبالذات لو أخذت في الاعتبار أن المنفعة الحقيقية في تجارة الأيام هي هذه، فإنها تعود للصين وهونغ كونغ واليابان ولا تعود لبلاد المسلمين.

ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين

ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين المنفعة الثانية: ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي مهيب، يلتقي فيه المسلمون من كل أقطار الأرض، وهذا يزرع في المسلمين شعور الأمة الواحدة، وهذا بلا شك من أعظم منافع الحج، وبالذات في هذه الأزمان التي رأينا فيها التفكك الشديد بين المسلمين، نسأل الله عز وجل أن يوحد صفوف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

عودة الحاج إلى الله واستمراره على الطاعة بعد الحج

عودة الحاج إلى الله واستمراره على الطاعة بعد الحج المنفعة الثالثة: المسلم بعد الحج يفتح صفحة جديدة تماماً مع الله عز وجل، فالحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، مهما كان ارتكب من المعاصي قبل ذلك، وهذا يعطي أملاً كبيراً لكثير من عصاة الأمة، فإن كثيراً من المسلمين لا يلتزم بهذا الدين؛ من شدة إحباطه ويأسه لكثرة ذنوبه، تاريخه تاريخ طويل مع المعاصي. فالحج يفتح صفحة جديدة للمسلمين، ولا شك أن هذا سيكون له انعكاس على الأمة الإسلامية بأسرها؛ لأنك في كل يوم وفي كل سنة ستكسب أفراداً جدداً يضافون إلى قوة وطاقة الأمة الإسلامية.

الحج يربي الحجاج ويربي الأمة كلها على الاتباع

الحج يربي الحجاج ويربي الأمة كلها على الاتباع المنفعة الرابعة: الحج يربي الحجاج، ويربي الأمة كلها على اتباع أوامر الله عز وجل دونما جدل ولا اعتراض، فلا يشترط المؤمن معرفة الحكمة كي يتبع أمر الله عز وجل، لماذا الطواف؟ لماذا هو سبع مرات؟ لماذا تقبيل الحجر؟ لماذا الحلق؟ لماذا هيئة اللباس هكذا؟ لماذا الرمي بتسع وأربعين حصوة أو سبعين حصوة؟ فهذه تفاصيل قد لا تجد إجابة عن معظمها، المقصود فيها: أن تقول سمعنا وأطعنا، فالواجب عليك عندما تعود من الحج وكذلك بقية الأمة المؤمنة بالحج أن تتعلم أن تقول: سمعنا وأطعنا لكل أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، فإن قال لك: اترك الربا فقل: سمعاً وطاعة، وإن قال: اترك الرشوة فقل: سمعاً وطاعة، اترك الغيبة قل: سمعاً وطاعة، اترك الموالاة للكافر قل: سمعاً وطاعة، وهكذا مع كل أوامر الإسلام، ولو زرعت النقطة هذه في قلوب المسلمين فالحمد لله، هذه هي نجاة الدنيا ونجاة الآخرة.

الحج يذكر الأمة بيوم القيامة

الحج يذكر الأمة بيوم القيامة إذاً: تعالوا نفكر في منافع الحج الرئيسية. الحقيقة أنا أعتقد أن أهم منفعة في الحج هي أنه يذكر الأمة كلها ليس الحجاج فقط بيوم القيامة، فالشبه كبير جداً بين الحج وبين يوم القيامة، فالحج يمر بأكثر من موقف يذكر بيوم القيامة، فإن الحاج يعود فيحكي لكل الناس هذه المواقف، فيتذكر الناس جميعاً يوم القيامة، ولن تجد أحداً في الأمة كلها لا يعرف حاجاً أو أكثر حجوا وعادوا يحكون عن حجهم، وربنا سبحانه وتعالى ألقى محبة الحج في قلوب كل المسلمين، فتجد معظم المسلمين عندهم حرص شديد على أن يحجوا، وعندهم حرص شديد على أن يودعوا الحجاج وهم ذاهبون للحج، وعندهم حرص شديد على أن يستقبلوا الحجاج ويزوروهم ويسمعوا منهم، ويكون فعلاً موسم الحج موسم تذكير بمنافع الحج للأمة كلها وليس فقط للحجاج. فمن أهم المنافع كما قلنا تذكير الأمة بيوم القيامة، قبل أن نقول: ما هو وجه الشبه بين الحج وبين يوم القيامة؟ لا بد أن نقول: إن معظم الفساد والمعاصي والضلال الذي يحصل في الأرض؛ يحصل لأن الناس نسوا أن هناك يوماً اسمه يوم القيامة، أو أن هناك يوماً اسمه يوم الحساب، سيحاسب فيه كل واحد على كل عمل عمله في الدنيا، منذ أول لحظة من لحظات التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [ص:26]، لماذا ما هو سبب الضلال؟ {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]، فنسيان يوم الحساب كارثة ومصيبة، ولو أن الناس تذكروه لحلوا كل مشاكل الأرض؛ لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم نادى فيه بدعوته في مكة ذكر بهذا اليوم قال: (والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبداً، أو نار أبداً). فبالله عليك لو كنت تتذكر يوم الحساب فعلاً هل سيصير حالك هو حالك المعهود، أم أنك ستعيد النظر في ألف موقف مر بك؟ فالحج صدمة صدمة كبيرة تفيق الأمة كلها بسببه، وتوقظها من النوم وتذكرها بالذي نسيته كثيراً، فلو أن واحداً تذكر أنه سيحاسب هل سيرتشي؟ هل سيظلم؟ هي سيسرق؟ هل سيختلس؟ هل سيعق والديه؟ هي سيتعدى على حقوق زوجته أو أولاده أو جيرانه أو أصحابه أو حتى الناس الذين لا يعرفهم؟ لا أعتقد أنه سيفعل ذلك إذا كان عنده يقين بيوم الحساب، فصلاح الأرض في تذكر يوم الحساب. الحج تذكرة علنية واضحة صريحة قوية لكل المسلمين أن هناك يوماً سنرجع فيه إلى الله، وكأن الحج يقول: استيقظ يا مسلم! استيقظ يا مؤمن! لا توجد لحظة في حياتك إلا وهي تسجل: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. كيف يذكرنا الحج بيوم الحساب؟ سبحان الله! من أول يوم فكرت فيه أن تحج والحج يذكرك بيوم الحساب: أولاً: كل مسلم يريد الحج يجمع النقود على النقود حتى يجمع نقود الحج، ويتحرى الحلال في كل ما يجمع، ثم يذهب يتفق على الحج فيدفع عشرة آلاف مثلاً، أو خمسة عشر ألفاً مثلاً، أو عشرين ألفاً أو أكثر، فالعملة كما ترون مستمرة في الزيادة، والموقف يتأزم. فالحاج يدفع كل ذلك وهو راض سعيد، وينفق كل هذه النفقة في سبيل الله، وقد لا يستطيع جمع هذا المبلغ إلا بمشقة بالغة ينفقه وهو سعيد؛ لأنه سيؤدي فريضة الله سبحانه وتعالى، وسيهاجر إلى الله سبحانه وتعالى، وسيرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وانتبه للكلمة التي يقولها الحاج من ساعة خروجه للحج إلى حين عودته، يقول: لبيك اللهم لبيك. أي: راجع إليك يا ربنا! ذاهب إليك يا ربنا! وكذلك فإن الذي سيذهب للحج يبدأ في استرضاء كل الناس الذين يعرفهم، وكان بينه وبينهم خلاف أو نزاع، فيقول: يا ترى هل هناك أحد أخطأت في حقه فأعتذر له؟ يا ترى هل هناك حق عندي لأحد فأرجعه إلى أصحابه؟ يا ترى هل هناك ديون علي فأسددها قبل أن أحج؟ فالحاج يا إخواني! كأنه يستعد تماماً ليوم الحساب، يجمع زوجته وأولاده ويوصيهم ويذكرهم ويعلمهم، فيقول: وأنا لست موجوداً اعملوا كذا كذا، ولو حصل كذا اعملوا كذا، فيتصرف وكأنه لن يعود، وحين يذهب للحج يخرج الناس ليودعوه أفواجاً كبيرة، فيتذكر الناس جميعاً أن هناك يوماً سيخرج الناس لتوديعه لكن من غير عودة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]، فيتذكر الحاج أو الحاجة كل هذا الكلام، ويتذكر الذين يودعونه أيضاً هذا الكلام، بل إن ملابس الحج بالنسبة للرجال تذكر الناس جميعاً بيوم القيامة؛ فلباس الحج يكون فيه عري نسبي للرجال، فأنت تكشف كتفك في الحج؛ لكي يذكرك بالعري الكامل يوم القيامة؛ ولكي تتذكر الصورة التي ستكون عليها يوم الحساب. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً، قلت: يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائش

المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة

المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة المنفعة الخامسة: المساواة بين طوائف المسلمين المختلفة، معنى في منتهى الروعة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، فالكل سواسية كأسنان المشط، الغني بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، والكبير بجوار الصغير، والمصري بجوار الباكستاني وبجوار النيجيري وبجوار الشيشاني وبجوار الفلسطيني، لا قبيلة ولا عنصرية ولا اختلاف في الهيئة الخارجية ولا في المناسك ولا في المكان ولا في الزمان، الناس سواسية كأسنان المشط، معنى من أهم المعاني البنائية لأمة الإسلام.

التذكير بالحرب الدائمة مع الشيطان عند رمي الجمرات

التذكير بالحرب الدائمة مع الشيطان عند رمي الجمرات المنفعة السادسة: التذكير بالحرب الدائمة مع الشيطان عند رمي الجمرات، فالحرب قديمة قدم خلق البشر، والحرب الباقية بقاء الدنيا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، تذكير للمؤمنين بعدوهم القديم والأكبر، بعدوهم الذي يعد لهم كل يوم ألف عدة، ويغفل عنه كثير من المسلمين، فالحج تنبيه من هذه الغفلة وإيقاظ للأمة بكاملها، نسأل الله عز وجل أن ينصرنا عليه في كل الميادين.

الحج يرسخ كل معاني التضحية في قلوب الحجاج

الحج يرسخ كل معاني التضحية في قلوب الحجاج المنفعة السابعة: الحج يرسخ كل معاني التضحية في قلوب الحجاج، فالتضحية بالمال، إذ إنه يجمع الأموال الكثيرة ليؤدي فريضة الله عز وجل، والتضحية بالوقت الطويل، والتضحية بالجهد، والتضحية بمتع الحياة المختلفة، ولن ينصر هذه الأمة إلا من تدرب على التضحية بكل معانيها، تضحية بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل، والحج من أعظم المدارس في ذلك.

التقشف والبعد عن ترف الدنيا

التقشف والبعد عن ترف الدنيا المنفعة الثامنة: التقشف، الحج تدريب على البعد عن ترف الدنيا ونعيمها في اللباس والسكن والأكل وغيره، فالناس الذين يبالغون في رفاهية الحج ويصرف فيه مبالغ طائلة، وينعم إلى أكبر درجة -هؤلاء لم يفقهوا هذا الدرس وهذه المنفعة، فالأمة المترفة لا يكتب لها نصر أبداً، هذه منفعة من أهم منافع الحياة.

الحج يربي لين الجانب وهدوء النفس وترك الجدال

الحج يربي لين الجانب وهدوء النفس وترك الجدال المنفعة التاسعة: الحج يعلمنا لين الجانب وهدوء النفس وترك الجدال، قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]، فلو أن الأمة تربت على أنها تكظم غيظها وتصلح ذات بينها، وتتجنب الجدال فهذا والله لسبيل واضح من سبل النصر والتمكين.

التجارة في أيام الحج

التجارة في أيام الحج المنفعة العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة وليست الآخرة؛ لأنه من المستحيل لأي إنسان أن يحيط علماً بحكمة الله عز وجل، المنفعة العاشرة: هي التجارة، تبيع وتشتري وتستفيد وتفيد: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198]، وليس في هذا شيء طبعاً، ولكن ينصح ألا ينفق الحاج وقته الثمين في تجارة كثيرة، فوقت الحج في منتهى الأهمية، فليس من المرغوب فيه أن تضيع ساعات كثيرة في أشياء من الممكن أن تعملها في أي مكان آخر في الأرض غير مكة. فتلك يا إخواني! عشرة كاملة. نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وينفع الأمة جميعاً بها إن شاء الله. نعود مرة أخرى للموضوع الذي كنا نتكلم فيه، وهو أن الله سبحانه وتعالى اختار الحج كركن أساسي من أركان الإسلام، ركن يبنى عليه الإسلام كله؛ وذلك لكل المنافع التي نحن قلناها منذ قليل، وهناك منافع أخرى كثيرة جداً، وكلما تدبرت آيات الله عز وجل وأحكامه، فإنك ستخرج بمعانٍ جديدة، فهو شرع محكم {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]. أظن أننا فهمنا لماذا الله سبحانه وتعالى اختار الحج كركن أساسي من أركان الإسلام؛ لأنه لو تحقق الحج كما ينبغي لأقيمت كل شرائع الإسلام كما ينبغي، وهذا والله خير الدنيا والآخرة، فالحجاج يعيشون مع كل هذه المعاني، ثم ينقلونها إلى بقية الأمة.

الأعمال التي شرعها الله لغير الحاج أيام الحج

الأعمال التي شرعها الله لغير الحاج أيام الحج إن الله عز وجل أراد من غير الحاج أن يعيش نفس المعاني التي يعيشها الحاج سبحان الله! ليس عن طريق السماع فقط، بل عن طريق الفعل أيضاً، فالله شرع لك أعمالاً تجعلك تعيش في نفس الجو، وهي أعمال تشبه الأعمال التي يعملها الحجاج، وفي نفس التوقيت الذي يحج فيه الحجاج. أنا طبعاً لا أقصد أن تذهب إلى السويس أو الغردقة وتقول: لبيك اللهم لبيك، ولكن أقصد أعمال البر والطاعة، وهذا ليس كلامي، بل هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام) يقصد االعشر الأولى من ذي الحجة، (قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟!) انتبه مع السؤال، فقد كان الجهاد عند الصحابة أعلى شيء (قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله)، يا ألله! ثم استثنى صلى الله عليه وسلم فقال: (إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع بشيء من ذلك). فهذه الأيام العشر فرصة لكل المؤمنين في الأرض، فرصة لأولئك الذين لم يوفقوا للحج، فالله سبحانه يعلمنا ماذا نعمل فيها، ففي نفس الوقت الذي يحج فيه الحاج ويؤدي المناسك، كذلك وأنت في بلدك بعيد عن مكة مئات أو آلاف الأميال تحصّل من الأجر ما لا يتخيل، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعله أعلى من الجهاد، إلا أن تبذل النفس بكاملها والمال بكامله في سبيل الله. فهذه الأيام العشر أعظم أيام في السنة، وهذه ليست للحجاج فقط، بل هي لعموم الأمة؛ لكي يعيشوا مع إخوانهم الحجاج نفس الجو الإيماني الرائع. إذاً: نحن لا بد أن نستغل هذه الأيام أقصى استغلال، ولكي تحج تماماً انتبه أن تضيع منك دقيقة واحدة، استغل كل لحظة بحسنات، واعمل لنفسك ورد محاسبة في كل يوم، وحاسب نفسك وذكرها بيوم الحساب. خذ عندك بعض الأعمال التي ممكن تعملها، وأتمنى أن تسجلهم معي بالورقة والقلم، وتعملوا الحاجات هذه من أول يوم في ذي الحجة إلى أن تنتهي هذه الأيام العشر على أحسن خير إن شاء الله:

صيام التسع الأول من ذي الحجة

صيام التسع الأول من ذي الحجة أولاً: صيام التسع الأول من ذي الحجة، أما اليوم العاشر فهو يوم عيد الأضحى والصيام فيه محرم، فحاول أن تصوم التسع الأول من ذي الحجة، فإن فاتك صيامها فلا يفتك صيام يوم عرفة؛ لأن يوم عرفة هذا في منتهى الأهمية، إذ يكفر الله به ذنوب سنتين كاملتين، أي: سنة ماضية وسنة مستقبلة، كما روى ذلك مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه وأرضاه. وإن من أعظم بركات الحج أن الله عز وجل يغفر ذنوب الحجاج جميعاً، وأكثر ما يعتق الله من الرقاب يعتقها في يوم عرفة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة)، فالحاج يكفر الله ذنوبه في عرفة، وغير الحجاج الصائمون في يوم عرفة يكفر الله ذنوبهم وهم في بلادهم على بعد مئات أو آلاف الأميال عن مكة، وهذه نعمة من الله عز وجل. ثانياً: صلاة الجماعة بالنسبة للرجال في المسجد، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء، وهذا من الواجب أن يكون طوال السنة، لكن الشيطان يغلب المسلم أو المسلمة ويحرمه أو يحرمها الأجر الكثير لصلاة الجماعة أو للصلاة على أول وقتها، والله سبحانه وتعالى من رحمته بالمؤمنين جعل لهم مواسم يشتاق فيها المسلم للعبادة، ويتقوى عليها بحيث يتدرب على ما كان يصعب عليه في غير هذه الأوقات، كشهر رمضان، وكالعشر الأوائل من ذي الحجة، فهي فرصة ليس فقط لتحصيل كم هائل من الثواب، ولكن للتعود والتدرب على هذه الفضائل طوال السنة، وليس فقط طوال السنة، بل طيلة العمر إن شاء الله. وقبل أن أترك هذه النقطة اعلم أن صلاة الفجر من أهم الصلوات التي يجب أن يحافظ عليها المؤمن الصادق والمؤمنة الصادقة، وهذه الأيام العشر فرصة لأن نتعلم كيف نحافظ عليها، وفضل صلاة الفجر عظيم جداً، ويكفي أن سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بالكم بصلاة الفرض؟ والذي يريد تفصيلاً أكثر يرجع لمحاضرة: كيف تحافظ على صلاة الفجر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن صلاة الجماعة بصفة عامة: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح)، والحديث في البخاري ومسلم، فماذا تريد أكثر من هذا؟ ألسنا نحسد الحجاج على وعد الله لهم بالجنة؟ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، هذا حديث رائع! لكن أنت لديك الفرصة وأنت في بلدك، فلا تتعلل بأنك لا تستطيع أن تحج، فإنك كلما ذهبت إلى المسجد أعد الله لك بيتاً في الجنة ذاهباً وعائداً (كلما غدا إلى المسجد أو راح).

الإكثار من النوافل

الإكثار من النوافل ثالثاً: الإكثار من صلاة النافلة، فالحجاج لديهم فرصة ضخمة لتحصيل الأجر من الصلاة في البيت الحرام والصلاة في الحرم النبوي، لكن الله سبحانه وتعالى لم يحرمك من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة وأنت في بلدك، بل وأنت في بيتك، فعليك أن تشعر تماماً كأنك في الحج وأنت في هذه الأيام العشر، فالحاج لا يضيع أي وقت وهو في مكة؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة، أيضاً أنت لا تضيع وقتك وأنت في هذه الأيام وستجد حسنات كثيرة لا تتوقعها، مثال ذلك: قيام الليل، قيام الليل بالذات في هذه الأيام له أجر خاص ووضع خاص، كثير من المفسرين يذكرون أن الله عز وجل عندما أقسم قائلاً: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1 - 2]، يعني بها: هذه الليالي العشر من أول ذي الحجة، فقم وصل في الليل بقدر ما تستطيع، واسأل الله الذي أنت تريده. ففي الصحيحين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)، فيا الله! تريد ماذا أكثر من هذا؟! الله سبحانه وتعالى هو الذي يتودد إليك، وهو الذي يطلب منك أن تذكر له حاجتك، أليس عندك مريض وتتمنى أن يعافى؟ أو عندك امتحان وتتمنى أن تنجح فيه؟ أو عندك مشكلة وتتمنى أن تحل؟ أو ترى ظالماً وتتمنى من الله أن يرده عن ظلمه؟ أو لك حق وتتمنى من الله أن يعيده إليك؟ أليس عندك شيء من هذه الأشياء؟! طيب. ألا تريد مالاً؟ ألا تريد صحةً؟ ألا تريد زوجةً؟ ألا تريد أولاداً؟ يقول الله لك: (من يسألني فأعطيه). كذلك أليس عندك ذنب تتمنى أن يغفره الله لك؟ من منا ليس عنده ذنب؟ (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، ألسنا نحسد الحجاج؛ لأن الله يغفر لهم كل الذنوب؟ إذاً: فالله يعطيك هذه الفرصة كل ليلة، فهو يسألك ويقول لك: (من يستغفرني فأغفر له)، فأنت فقط استيقظ واستغفر الله وهو سيغفر لك من غير أن تدفع عشرين ألف جنيه أو أكثر وتذهب لتحج، وليس معنى هذا: أن الناس يتركون الحج، فالحج من أعظم العبادات في الإسلام، لكن أنا أقول لعموم المسلمين الذين لم ييسر الله لهم فرصة الحج لأي ظرف كان، إن الله أعطاكم بدائل عن الحج، فهناك أناس في وقت الحج يحصلون على أجور تقارب أجر الحج، بل والله ربما يكون أجره أعلى، وذلك إذا كانت النية خالصة تماماً لله، والاشتياق حقيقي للمغفرة وللعمل الصالح. ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رض الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بالمدينة أقواماً)، قال هذا الكلام وهو راجع من غزوة تبوك، (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، يا سبحان الله! هم قاعدون في المدينة، لكنهم يأخذون أجر المجاهدين في سبيل الله، فتعجب الصحابة وقالوا: (يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر)، فأنت قد تتمنى أن تحج حجاً حقيقياً، وتكون مشتاقاً للحج، ومشتاقاً للمغفرة، فانتبه أن تضيع هذه الفرصة. وليست النافلة فقط قيام الليل، بل بقدر ما تستطيع أد نوافل أخرى، كالسنن القبلية والبعدية لكل الصلوات. واسمع هذا الحديث الرائع: عن أم حبيبة رضي الله عنها أم المؤمنين قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة). تفسير هذا الحديث في رواية الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها: اثنتان قبل الصبح، وأربع قبل الظهر، واثنتان بعد الظهر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء. فهذه اثنتا عشرة ركعة. وانظر إلى أزمة البيوت التي نحن نعيشها الآن، وفكّر معي لو أن أحد الملوك وعدك أنك لو فرغت له نصف ساعة يومياً فإنه سيعطيك بيتاً واسعاً على النيل، فيا ترى هل ستفرغ له نصف ساعة أم لا؟ فقد تقول سأفرغ له عشر ساعات أو عشرين ساعة أو أفرغ عمري كله. كذلك الله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- لو فرغت له نصف ساعة في اليوم لتأدية هذه النوافل فإنه سيبني لك بيتاً في الجنة ليس على النيل وإنما في الجنة، تريد ذلك أم لا تريد؟ فالمسألة هي مسألة إيمان، ومن كان عنده يقين في وعد ربه لن يفرط في ذلك. إن النوافل كثيرة، ومن الممكن أن تقوم بها في هذه الأيام العشر، وهي تدريب لك لكي تستمر عليها طيلة العمر، فتعود على صلاة الضحى، وعلى سنة الوضوء، وعلى صلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة التوبة، صلِّ صلوات لله تطوعاً، صلِّ عن الصلوات التي فاتتك في عمرك، واجعل هذه الأيام العشر هجرة كاملة إلى الله عز وجل.

ذكر الله عز وجل

ذكر الله عز وجل رابعاً: ذكر الله عز وجل، فالذكر في هذه الأيام له وضع خاص جداً، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]، أي: في هذه الأيام. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، قال: هي أيام العشر. فهذا أمر مباشر بذكر الله عز وجل، وكل أنواع الذكر محمودة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: (سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، هؤلاء هم الذين سبقوا، وأنواع الذكر كثيرة: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأي ذكر آخر. لكن في هذه الأيام هناك أنواع معينة من الذكر يستحسن أن تكثر منها في هذه الأيام بالذات، منها مثلاً: التهليل، والتكبير، والتحميد، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في مسند أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما: (ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر -وهي الأيام العشر الأولى من ذي الحجة- فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). والتكبير بالذات له قيمة عالية جداً في هذه الأيام العشر، فقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما. من الأذكار الهامة أيضاً في هذه الأيام أذكار الاستغفار، فأنت تشعر أن الجو العام في موسم الحج بصفة عامة سواء للحجاج الذين كتب الله لهم الحج في ذلك العام أو لأولئك المجتهدين في العبادة في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة هو جو المغفرة والرحمة والتوبة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم). إذاً: فرصة في هذه الأيام أن نستغفر الله عز وجل، فالاستغفار سهل، والمهم أن تهتم به. من صيغ الاستغفار المشهورة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، فلو أنت شغلت نفسك بالاستغفار في طريق تمشيه طوله مائة متر فقط ستحصل على أكثر من مائة مرة استغفار، واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما طلب منك أن تذكره طلب منك أن تذكره كثيراً بقدر ما تستطيع. قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35]، وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]. إذاً: هذا الأمر الرابع الذي يجب علينا أن نعمله في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، وهو الذكر الكثير وبالذات التكبير والتحميد والتهليل والاستغفار.

الدعاء

الدعاء خامساً: الدعاء. فالرسول صلى الله عليه وسلم رفع من قيمة الدعاء حتى قال كما جاء في سنن أبي داود والترمذي: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: (الدعاء هو العبادة)، سبحان الله، وإذا كان الحجاج عندهم فرص لدعاء لا يرد في مكة، كالدعاء في الطواف، وفي الركن اليماني، وفي السعي بين الصفا والمروة، ويوم عرفة، وعند الشرب من زمزم، وعند رمي الجمرات وبعد رمي الجمرات، مواطن كثيرة يقبل الله عز وجل الدعاء فيها من حجاج بيته، إذا كان كل هذه الفرص متاحة للحجاج، فالله عز وجل لم يحرم عموم الأمة من فرص إجابة الدعاء في غير مكة. من ذلك: الدعاء في الثلث الأخير من الليل، وهناك فرصة تكون أقرب وأقرب من ذلك، وهي عند السجود في أي مكان في الأرض، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء). وعلى العموم ادع الله سبحانه وتعالى في أي وقت وفي كل ظرف ومناسبة، فهذه الأيام العشر أيام عظيمة وشريفة، وسيكون الدعاء فيها إن شاء الله أكثر قبولاً من غيرها من الأيام، ففرصة كبيرة لعموم المسلمين.

قراءة القرآن

قراءة القرآن سادساً: قراءة القرآن. نعمة كبيرة جداً أن يمنّ الله عز وجل عليك بأن تحب قراءة كلامه سبحانه وتعالى، فهي نعمة أكبر من أي نعمة أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن ولك بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف). فما رأيكم أن نختم القرآن في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، أو لا نقول: الأيام العشر؛ لأن اليوم العاشر هو يوم العيد، إذاً: تختمه في التسع الأيام الأولى من ذي الحجة، هل هذا صعب؟ نعم صعب، لكن ليست مستحيلة، ألم تكن تريد أن تفرغ أسبوعين كاملين لكي تحج؟ فاعتبر نفسك أنك ستحج هذه السنة، وفرغ كل يوم ساعتين فقط لقراءة القرآن، فإنك ستستطيع أن تختم القرآن إن شاء الله في الأيام التسع الأوائل، وتخيل الكم الهائل من الحسنات التي ستحصل عليها في هذه الأيام، الحرف بعشر حسنات وهذا على الأقل، والله عز وجل يضاعف لمن يشاء، وهذه أيام مباركة عظيمة قد يضاعف الله عز وجل لك في الحسنات، فيصير الحرف بعشرين بثلاثين بمائة بسبعمائة أو أكثر، فهو الكريم سبحانه وتعالى. إن القرآن فيه ثلاثمائة وواحد وعشرون ألف حرف، اضرب ذلك في عشر حسنات، فلو ختمت القرآن في هذه الأيام العشر فإنك ستحصل على أكثر من ثلاثة مليون حسنة، أليس هذا خير كالخير الموجود في الحج والعمرة، وفي غيرها من الأمور التي شرعها الله عز وجل، كل هذا تعمله وأنت في بلدك في بيتك. نسأل الله عز وجل القبول لنا أجمعين.

الوحدة بين المسلمين

الوحدة بين المسلمين سابعاً: الوحدة بين المسلمين، فإذا كان الحجاج ذاهبين ليتعرفوا على المسلمين من كل أقطار الأرض، فأنت عندك فرصة أن تقوي من أواصر الوحدة بين المسلمين في بلدك، وهذا غرض رئيسي من أغراض الحج الشعور بالأمة الواحدة، وصعب أن يكون هذا الإحساس موجوداً والخلافات مستديمة والشقاق مستمر بين أبناء القطر الواحد، فضلاً عن جميع الأقطار، أو بين أبناء المدينة الواحدة، وبين أبناء المسجد الواحد، فنحن نجد خلافاً بين أبناء المسجد الواحد أحياناً، بل أحياناً بين أبناء البيت الواحد، فاجعل الأيام العشر هذه فرصة؛ لكي توحد المسلمين في الدائرة التي تستطيع عليها، وعليك الواجبات التي سأقولها لك الآن تساعدك على ذلك وهي: أولاً: بر الوالدين، فمهما كان بينك وبينهم اختلاف في الرأي أو وجهات النظر، فالأم والأب يقدمان على كل شيء إلا أن يأمراك بمعصية فهنا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. إذاً: لا بد في هذه الأيام العظيمة أن نبر بالوالدين عن طريق زيارات أو تلفونات أو قضاء الحاجات، أو إدخال السرور عليهما بكل طاقة وبكل جهد عندك، واذكر أنك كنت تريد أن تحج لكي تدخل الجنة أليس كذلك؟ كذلك الوالد والوالدة يدخلانك الجنة إن شاء الله. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف)، يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فعل هذه الفعل الشنيع ما هو هذا الفعل الشنيع؟ يقول: (من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة)، وفي رواية: (فلم يدخلاه الجنة). ثانياً: صلة الرحم، ألست تبحث عن رضا الله عز وجل؟ فاستمع إلى كلام الله عز وجل في الرحم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ذكر فيه أن الله عز وجل يخاطب الرحم فيقول: (أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟)، فأنت بوصلك للرحم تكون أهلاً لأن يصلك الله عز وجل، يا الله! فأي فضل هذا وأي منة، فلو قاطعوك أهلك بكل طرق القطع، فإن الذي يريد الوصل من الله عز وجل لا بد أن يضحي، وتذكر ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، هذا هو الواصل فعلاً، وهذا الذي يصله الله عز وجل. ثالثاً: الأصحاب والمعارف والجيران، فرصة أيضاً في هذه الأيام المباركة أن تزيد من المحبة في المجتمع المسلم، والله سيعطيك أكثر مما تتخيل، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً) قال الترمذي: هذا حديث حسن، فهذا بيت لك في الجنة؛ لأنك ذهبت لتزور واحداً من أصحابك أو معارفك، أو جيرانك، زيارة في الله من غير مصلحة ولا مال. رابعاً: وهذه في منتهى الأهمية إصلاح ذات البين، فابحث في علاقاتك مع معارفك، وانظر من بينك وبينه نزاع، وحاول أن تحلها في هذه الأيام، اغفر له سامحه، افتح صدرك له، ابتسم في وجهه، وإنها لمشكلة خطيرة أن يكون الشقاق قائماً بين المسلمين، ففرصة في هذه الأيام الكريمة أن تذكر أن الله عز وجل يغفر الذنوب للمتصالحين، ويؤجل المغفرة لمن بينهما شقاق حتى يصطلحا، وهذا كلام في منتهى الخطورة، وهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا)، انظر إذاً من الذي استثناه الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا)، فهذا كلام في منتهى الخطورة. إذاً: علينا واجب مهم في هذه الأيام المباركة، وهو أن نوحد أواصر المسلمين عن طريق بر الوالدين وصلة الرحم والزيارات في الله، وإصلاح ذات البين.

الصدقات

الصدقات ثامناً: الصدقات: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [البقرة:272]. فهذه الأيام أيام سعيدة، وفقراء المسلمين في أشد الحاجة إلى السعادة في هذه الأيام فأكثر من النفقة، ولا شك أن الأجر مضاعف في هذه الأيام عن غيرها، فالذي يذهب ليحج ينفق من ماله ليتم مناسك الحج، ويكون إنفاقه كبيراً جداً، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة درهم)، فهذا أجر مهول، وأنت عندك نفس الفرصة هذه حتى وإن لم تذهب لتحج، الدرهم بسبعمائة درهم، والجنيه بسبعمائة جنيه، والألف جنيه بسبعمائة ألف جنيه في سبيل الله، فما هو رأيك لو أنك تأتي لنركز قليلاً في موضوع الإنفاق هذا؟ إن الحاج يصرف الآلاف المؤلفة لكي يحج، ألا تأتي لتتنافس معه، وعلى قدر طاقتك أنفق عشرة أو عشرين أو مائة ألف أو أكثر على قدر ما تستطيع: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

التقشف

التقشف تاسعاً: التقشف. تعالوا لنعيش في هذه الأيام عيشة الحجاج البسيطة من غير تكلفة، ليس مهماً أكل ماذا ولا لبس ماذا ولا شكل ماذا، إنما المهم أن نكسب كل دقيقة في طاعة ربنا سبحانه وتعالى. إن الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك أن تعيش في جو الحج حتى من غير أن تذهب إلى مكة للحج، روى الإمام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشر -الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة- وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً). وفي رواية أخرى عند مسلم أيضاً وغيره قال: (فلا يأخذن شعراً ولا يقلم ظفراً)، فيكون كالمحرم في هيئته وشكله، لا يحلق الشعر ولا يقلم الأظافر ولا يضع الطيب، فيعيش في هذه الفترة كالحجاج تماماً إلى أن يضحي في يوم العيد، يا سبحان الله! ألم أقل لكم: إن الحج ليس للحجاج فقط، إذاً: هذه كانت النقطة التاسعة من الأعمال التي يشرع لنا أن نعملها في أول أيام ذي الحجة.

الأضحية

الأضحية النقطة العاشرة والأخيرة في هذه الوجبات: الأضحية، من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وتجعلك تعيش تماماً في جو الحج والهدي والذبح، ويكفي أن أذكر لكم حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث الأول: رواه ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً)، فاقعد وراجع هذه الحديث، وانظر إلى أي حد هذا الخير والفضل والتسجيل الرائع لحسناتك في يوم العيد، وأنت تقلد الحجاج بذبح أضحيتك وأنت في بلدك. الحديث الثاني: روى ابن ماجة أيضاً عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قال أصحاب رسول الله: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟) يسألون عن أضحيات يوم العيد، قال: (سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟!) ما هو الأجر؟ ما هو الفضل؟ ما هو الثواب؟ قال: (بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟! قال: بكل عشرة من الصوف حسنة)، وسأتركك تعد الشعر الذي في فروة الخروف، لكي تعرف قدر الثواب الذي ستلقاه إن كنت قادراً على الذبح. كان هذا هو الواجب العاشر في هذه الأيام المباركة، فتلك عشرة كاملة. إذاً: نراجعهم جميعاً بسرعة، ونعمل لها ورد محاسبة، ونحاول تطبيقها بإذن الله، اعمل جدولاً كذا عشرة في عشرة، وحاول أن تأخذ الدرجة النهائية في هذه الأيام العظيمة عشرة واجبات في عشر أيام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا: أولاً: صيام التسع الأوائل من ذي الحجة، وبالذات يوم عرفة. ثانياً: صلاة الجماعة في المسجد للرجال، وبالذات صلاة الفجر، والصلاة على أول وقتها للنساء. ثالثاً: الإكثار من صلاة النافلة قدر المستطاع، كقيام الليل والنوافل القبلية والبعدية، وصلاة الضحى، وغير ذلك. رابعاً: الذكر بكل أنواعه، وبالذات التهليل والتكبير والتحميد والاستغفار. خامساً: الدعاء بكل خير، سواء من خير الدنيا أو الآخرة. سادساً: قراءة القرآن ومحاولة ختمة مرة في هذه الأيام التسع من أوائل ذي الحجة. سابعاً: زيادة أواصر الوحدة الإسلامية عن طريق بر الوالدين، وصلة الرحم، والزيارة في الله، وإصلاح ذات البين. ثامناً: الصدقة والإنفاق في سبيل الله على الفقراء، ولا تنسوا إخوانكم في فلسطين والعراق وغيرهما. تاسعاً: التقشف وعدم الأخذ من الشعر أو الأظافر إن كنت ستذبح في العيد. عاشراً والأخيرة: الذبح، ولك بكل شعرة حسنة إن شاء الله، هذا إن كنت قادراً على الذبح في العيد. أعتقد بهذه الطريقة تستطيع أن تجد بديلاً مناسباً لأعمال الخير التي يمارسها الحجاج إن لم يكتب الله لك حجاً، لم أقترح أنا هذه الأمور، بل علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ليثبت لنا فعلاً أن الحج ليس للحجاج فقط، بل ينعكس أثره على كامل الأمة الإسلامية. وكلمة أخيرة إلى المخلصين من أبناء هذه الأمة، والذين لم يكتب لهم حج بعد: لا تحزن. فقد جعل الله عز وجل لك عوضاً من ذلك، لا تحزن إن لم تكن مستطيعاً، فالله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا تحزن فقد يكتب الله عز وجل لك أجر الحجاج وزيادة بنيتك الصادقة وشوقك الحقيقي ولهفتك غير المصطنعة. لكن إلى أن يكتب الله عز وجل لك حجاً لا تضيع وقتاً قد فتح الله عز وجل لك فيه أبواب الخير على مصراعيها: صيام، صلاة، ذكر، دعاء، قرآن، صدقة، أعمال الخير لا تنتهي، وأبواب الجنة لا تغلق في وجه طالبيها أبداً. إخواني في الله! وأخواتي في الله! ليقم كل منا جبلاً لعرفات في قلبه، ويدعو الله عز وجل بما شاء وقت ما شاء، ليرجم كل منا الشيطان في كل لحظة من لحظات حياته، ليتخفف كل منا من دنياه، فما بقي من الدنيا أقل بكثير مما ذهب، ليصلح كل منا ذات بينه وليغفر لإخوانه، وليحب الخير لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. نسال الله عز وجل حجاً مبروراً لكل من كتب له حج، وعملاً صالحاً موفقاً متقبلاً لكل من يوفق لحج، ونسأله سبحانه وتعالى العزة والتمكين والرفعة لهذا الدين. كما نسأله الجنة لنا ولكم ولسائر المسلمين، آمين آمين. وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]. جزاكم الله خيراً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1