دروس الحرم المدني للعثيمين

ابن عثيمين

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[1]

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[1] في هذا الدرس الذي يعقبه الفتاوى يتكلم الشيخ بما تيسر من تفسير الآيات التي يقرأها الإمام في صلاة المغرب، وكان موضوع هذا اللقاء هو سورة الطارق حيث تطرق الشيخ في تفسيرها إلى إثبات الرؤية لله سبحانه وتعالى، والنهي عن الخوض في كيفية الصفات، واستفاض في تفسير آيات سورة الطارق وبيان روعة معانيها.

تفسير سورة الطارق

تفسير سورة الطارق الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ففي هذه الليلة، ليلة الخميس التاسع عشر من شهر ربيع الثاني نجتمع بإخوتنا في المسجد النبوي بعد صلاة المغرب وعلى كرسي أخينا الشيخ/ أبي بكر الجزائري: (والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) .

تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق)

تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق) نتكلم الآن بما يسر الله عز وجل من تفسير السورة التي استمعنا إليها في قراءة إمامنا في صلاة المغرب، ألا وهي قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:1-4] يقسم الله بالسماء، والسماء هنا يحتمل أن يراد بها كل ما علاك فهو سماء، ويحتمل أن يراد بالسماء: السماوات السبع، فيكون مفرداً أريد به الجنس فيعم كل السماوات، وأيَّاً كان فإن الله تعالى لن يقسم بشيء إلا وهو دليلٌ على آية من آياته عز وجل، فهذه السماوات الواسعة الأرجاء، العالية البناء القوية بناها الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ، وقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس:5] . وإياك يا أخي! أن تعتقد أن قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أن الله بنى السماء بيده، كلا. فقد قال الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] فالله تعالى خلق السماوات بالكلمة ولا بيده جل وعلا، ولهذا يخطئ من يظن أن قوله: (بأيدٍ) جمع يدٍ، وإنما هي مصدر آد يئيد والمصدر أيد، كباع يبيع والمصدر بيع، ولهذا لم يضفها الله إلى نفسه كما أضافها في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس:71] وعلى هذا فلا يجوز أن نعتقد بأن الله خلق السماء بيده أو بأيديه أبداً، بل أيد مصدر آد يئيد والمصدر أيد، مثل: باع يبيع بيعاً، وكال يكيل كيلاً. إذاً: هذه السماوات العظيمة جديرة بأن يقسم الله بها حيث قال: (والسماءِ) فالواو هنا حرف قسم، (والطارق) معطوفة على السماء، والمعطوف له حكم المعطوف عليه، وعلى هذا فيكون الله تعالى أقسم على الطارق، وما هو الطارق؟ قال الله عز وجل تفخيماً له: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} يعني: أي شيء أعلمك عن هذا الطارق الذي كان جديراً أن يقسم الله به، ففسره الله بقوله:

تفسير قوله تعالى: (النجم الثاقب)

تفسير قوله تعالى: (النجم الثاقب) قال تعالى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] هذا الطارق؛ وسمي طارقاً لأنه يبرز ليلاً، والطارق في اللغة العربية هو: القادم إلى أهله ليلاً، أو الوافد ليلاً، وعلى هذا فالطارق هو النجم. (الثاقب) يثقب ظلام الليل بضيائه، ولهذا إذا خرجت إلى محل ليس فيه كهرباء لوجدت أنوار النجوم ظاهرة بينة، فهو يثقب الظلام بضيائه، ويثقب الشيطان بشهابه، الشياطين تتراكب حتى تصل إلى السماء لتسترق السمع، ولهذه الشياطين كُهَّانٌ في الأرض يتولونهم ويتلقونهم، فيأتيه الشيطان بخبر السماء ثم يشيعها الكاهن بين الناس ويكون -أعني الكاهن- حكماً بين الناس، يحكم بينهم، ولهذا كانوا في الجاهلية يأتون إلى الكهان يتحاكمون إليهم، لكن الإسلام أبطل ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) . وتفسير (النجم الثاقب) تفسير الله عز وجل، ولا أحد يفسر القرآن بمثل ما يفسره من تكلم بالقرآن وهو الله، ولهذا يقول العلماء: يرجع في تفسير القرآن إلى عدة أشياء: أولاً: إلى تفسير الله عز وجل. ثانياً: إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تفسير يعارض ذلك أبداً. ثم إلى تفسير الصحابة ولاسيما الفقهاء منهم المعتنون بالتفسير؛ كـ عبد الله بن عباس. ثم إلى أكابر علماء التابعين الذين تلقوا تفسير القرآن عن الصحابة رضي الله عنهم؛ مثل: مجاهد بن جبر. وتفسير الله له أمثلة كثيرة في القرآن: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] ما يوم الدين؟ {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19] . ((الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3] ما هي؟ {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4] ، والأمثلة كثيرة في هذا. تفسير النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً له أمثلة: منها: قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] (الحسنى) مبتدأ مؤخر، و (للذين) خبر مقدم (وزيادة) فما هي (الحسنى) ؟ وما هي (الزيادة) ؟ فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحسنى: هي الجنة، وأن الزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لذلك، وأن يجعلنا ممن يراه ربه وهو راضٍ عنه، ويرى ربه وهو راضٍ عنه، فسرها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها النظر إلى وجه الله، ولو أن أحداً قال في الزيادة بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نقبله.

إثبات الرؤية لله سبحانه وتعالى يوم القيامة

إثبات الرؤية لله سبحانه وتعالى يوم القيامة وعلى هذا فيستفاد من هذه الآية الكريمة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] أن أهل الجنة يرون الله عز وجل رؤية عينية، يرونه بأبصارهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) ، وقال في حديث آخر: (كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) ، وفي الحديث: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) ولا ألذ ولا أنعم ولا أطيب من رؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لذلك. وحينئذٍ نؤمن إيماناً عقدياً جازماً بأن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة في الجنة بأبصارهم، كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته. فإن قال قائل: أليس الله تعالى قال لموسى حين قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] ؟ بلى قال ذلك، ولكن موسى سأل الله الرؤية في الدنيا، والرؤية في الدنيا لا يمكن لأحد أن يرى الله عز وجل أبداً؛ لأن الأبصار لا تتحمل ذلك، ولهذا ضرب الله له مثلاً فقال: {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143] الجبل كما نعلم جميعاً أصم ذو أحجار غليظة متينة: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} [الأعراف:143] وبقى على حاله فسوف تراني، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف:143] ماذا كان الجبل؟ {جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] انهد، وحينئذٍ: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] أغمي عليه؛ لأنه رأى أمراً هائلاً لم تتحمله نفسه: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ} [الأعراف:143] أي: تنزيهاً أن يحيط بك أحدٌ وأنت أعظم من كل شيء، {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] تبت إليك من أي شيء؟ وهل أذنب موسى حتى يقول: تبت إليك؟ لا. هو سأل ما ليس له به علم، ولهذا لما قال نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45] قال الله له: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] ولهذا تاب موسى من هذا السؤال، والله المستعان! ومنا الآن طلاب علم إذا مروا بصفة من صفات الله جعلوا يمزقونها، ليس ينكروها، لكن يتنطعون ويتعمقون فيها، حتى أصبحوا ممثلين للرب عز وجل بالخلق، يبحث معك، يقول: إن لله أصابع، حقاً أن لله أصابع؟ وما هي الأصابع؟ يقول لك: كم الأصابع؟ له أظفار؟ له فواصل؟ وما أشبه ذلك، هذا حرام، مسائل الصفات آمِن بها على ما جاءت ولا تسأل، إن سألت هلكت. وانظروا إلى الأئمة رحمهم الله! قال رجل للإمام مالك: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ سائل يسأل: كيف الاستواء؟ وما سأل عن المعنى، لو قال: ما معنى استوى؟ أجيب، لكن: كيف استوى؟ وهل أنت مطالب بأن تسأل عن الكيفية؟ أبداً، أطرق مالك رحمه الله وهو في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام برأسه حتى قام يتصبب عرقاً من ثقل السؤال على نفسه، ثم رفع رأسه وقال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. كلمات من نور -ما شاء الله- يوفق الله من يشاء، ويتفضل عليه بالكلمات التي تكون نبراساً للمسلمين. يروي بعض العلماء هذا الكلام فيقول: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. لكن اللفظ ما سقناه أولاً. (الاستواء غير مجهول) وغير المجهول معناه معلوم. (والكيف غير معقول) يعني: أننا لا ندركه بعقولنا، وكيف ندرك كيفية صفة من صفات الله بالعقل والله عز وجل يقول في الحس: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103] ؟ ولذلك فكل ما بالحس سهل، حتى أبلد من في العالم يدرك بالحس، فالذي لا يدرك بالحس، بمعنى: لا تدركه الأبصار لا تحيط به، لا يدرك بالعقل، بمعنى: أننا لا نعلم كيفيات صفاته أبداً. (والإيمان به واجب) الإيمان بالاستواء واجب؛ لأن الله تعالى أثبته لنفسه، وما أثبته لنفسه وجب علينا أن نسلم به وأن نثبته. (والسؤال عنه بدعة) السؤال عن ماذا؟ عن الكيفية، لا عن المعنى؛ لأن المعنى يقول: غير مجهول، أي: معروف، لكن السؤال عن الكيفية بدعة، ولماذا كان بدعة؟ نقول: كان بدعة لوجهين: الوجه الأول: أن الصحابة لم يسألوا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن الصحابة أحرص منا على معرفة الله عز وجل، ويجيبهم من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أعلم الخلق بالله، فالسبب والمقتضي موجود، وانتفاء المانع موجود، ومع ذلك ما سألوا الرسول؛ لأنهم يعلمون أن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية صفة الله، آمنوا بالاستواء ولم يسألوا عنه، وسبحان الله! الصحابة رضي الله عنهم لا يسألون عنه وأنت تأتي في آخر الزمان تسأل عنه؟! أأنت أعلم بالله منهم؟! أأنت أشد تعظيماً لله منهم؟! أأنت أشد حباً لله منهم؟! كلا. الوجه الثاني: أن السؤال عن كيفية صفات الله من سمات أهل البدع وعلاماتهم، فأهل البدع هم الذين يسألون عن الكيفيات ليحرجوا المثبتين، وتعرفون أن في الصدر الأول من هذه الأمة ولا زال خلاف في صفات الله، انقسم الناس فيها إلى ستة أقسام ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر الفتوى الحموية، من شاء أن يرجع إليها فليرجع، لكن أهل البدع يأتون لأهل الإثبات فيقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] كيف اليدان؟ كيف البسط؟ لكي يتوقف الإنسان لأنه لا يعرف هذا، فيتوقف فيقال: إذاً ليس عندك علم، لست كفؤاً لأن تسأل عن صفات الله فيوقعونك في إحراج. ولكن ذكر بعض أهل السنة كلاماً جيداً جداً ومفحماً، قال: إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فكيف ينزل؟ فقل له: إن الله أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل. سبحان الله! كلام مضبوط واضح: أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل، أخبرنا أن له يدين ولم يخبرنا كيف اليدان، أخبرنا أنه خلق آدم بيديه كما قال تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ولكن لو جاء إنسان يسأل: كيف خلقه بيدين؟ يجب علينا أن نقول: إن الله أخبرنا أنه خلقه بيده، ولم يخبرنا كيف خلقه، ولا كيف يده، وهذه أمور غيبية يجب علينا أن نقتصر فيها على ما جاء به النص، ولهذا أسلم طريقة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته هي طريقة السلف الصالح، الذين هم أهل السنة والجماعة، أما غيرهم من الطرق فإنها كلها فاسدة، لما يلزم فيها من اللوازم الباطلة لو لم يكن فيها إلا مخالفة ظاهر الكتاب والسنة ومخالفة الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الصحابة مجمعون، على إثبات النصوص كما هي، فإذا قال قائل: ما دليلك على أنهم مجمعون على النصوص كما هي؟ قلنا: لأن القرآن نزل بلغة العرب، وأعرب العرب الصحابة، نزل القرآن بلغتهم، ولم يأت حرفٌ واحدٌ منهم يفسر القرآن بخلاف ظاهره فيما يتعلق بصفات الله، إذاً: فهم مجمعون عليها، ولا يحتاج أن نقول هذا النقل، ولعلنا توسعنا قليلاً ولا حرج إن شاء الله. إذاً: نقول: إن الله سبحانه وتعالى إذا فسر القرآن بشيء أخذنا به، وإذا فسره الرسول بشيء أخذنا به، وإذا فسره علماء الصحابة بشيء أخذنا به، وإذا فسره أئمة التابعين الذين تلقوا علم التفسير عن الصحابة أخذنا به، وما عدا ذلك فليس بحجة.

تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)

تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ) نرجع إلى السورة: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4] : (إن) بمعنى: ما، و (لما) بمعنى: إلا، فيكون تفصيل الآية: ما كل نفس إلا عليها حافظ؛ لأن (إنْ) إذا جاءت بعدها (إلا) فهي للنفي، كقوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام:7] {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} [الروم:58] وما أشبه ذلك في الآيات الكثيرة، فإذا أتى بعد (إن) (إلا) فهي نافية، و (لما) بمعنى (إلا) يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ يحفظها ويحفظ عنها: أما يحفظها فدليله قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] هذه من القرآن. من السنة: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) هذا الحفظ للنفس، وحفظ النفس للمحاسبة، يعني: أن الله جعل على كل نفس واحدٍ منا ملائكة يحفظون أعماله كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:9-10] هؤلاء الحافظون غير قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] فكل إنسان عليه حافظ، يحفظه من أمر الله، ويحفظ عليه أعماله، ويكون الحساب على الأعمال يوم القيامة، ولهذا سماه الله يوم الحساب، هذا الذي يكتب على الإنسان يحاسب عليه يوم القيامة، وكيف يحاسب؟ قال الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} [الإسراء:13] مفتوحاً: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] قال بعض السلف: والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك، يقول: والله إن هذا إنصاف، لا يوجد أحد يدعي عليك ويقول: هات البينة، ولا قولك مردود، هذا كتاب موجود: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] وما الذي يكتب في هذا؟ استمع إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] واحد عن اليمين وواحد عن الشمال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] رقيب يعني: مراقب، عتيد يعني: حاضر لا يغيب. كلمة (من قول) يقول العلماء: إنها نصٌ في العموم؛ لأن النكرة في سياق النفي للعموم، لكن قد يقترن بها ما يجعلها نصاً بالعموم لا تحتمل شيئاً آخر، فما هو الذي جعلها نصاً في العموم؟ (ما يلفظ من قول) من: حرف جر زائد إعراباً، وليس زائداً معنى؛ لأن معناه توكيد النفي، وإذا دخل على كلمة كان مؤكداً لمدلول السياق: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] أي قول؟ كل الأقوال، ما دام قلنا: (ما يلفظ من قول) للنفي، المؤكد بـ (من) فمعناها: كل قول من خير أو شر أو لغو؛ لأن كلام الإنسان ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولغو: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيقل خيراً) الذي هو واحد من الأصناف الثلاثة، إذاً لا يقول: اللغو ولا يقول الشر، واستمع إلى أوصاف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] سالمين منه بعيدين عنه، وما أكثر اللغو في كلامنا! بل ما أكثر الزور! والزور هنا ليس شهادة الزور، بل كل قولٍ محرم هو زور، وما أكثره: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] . دخل رجل على الإمام أحمد بن حنبل وهو مريض، وكان رحمه الله يئن من المرض، وتعرفون الأنين، فقال: يا أبا عبد الله! إن فلاناً وذكر اسمه من التابعين يقول: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك رحمه الله عن الأنين، يتصبر ويتحمل المرض ولا يئن خوفاً من أن يكتب.

تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق)

تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق) قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5] اللام لام الأمر، ولهذا سكنت بعد الفاء، ولام الأمر تسكن بعد الفاء، وبعد الواو، وبعد ثم، قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] ولهذا يخطئ بعض القراء فيقول: (هذا بلاغ للناس ولْينذروا به) بتسكين اللام، وهذا لحن يحيل المعنى، وأكثر الناس لا يحس بهذا الشيء، فإذا سكنتها بعد الواو صارت لام أمر، فيختلف المعنى، ولهذا الصواب أن يقال: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم:52] تكسرها: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم:52] واللام هنا مكسورة لأنها لام التعليل وعليه نأخذ قاعدة: لام التعليل مكسورة دائماً، بخلاف لام الأمر فهي مكسورة إلا إذا دخل عليها واو العطف، أو فاء العطف، أو ثم، وعرفتم الأمثلة. قوله: (فلينظر) اللام هنا لام أمر؛ لأنها سكنت بعد الفاء، هذا دليل لفظي، والدليل المعنوي: أن الله أمر الإنسان أن ينظر مم خلق.

تفسير قوله تعالى: (خلق من ماء دافق.

تفسير قوله تعالى: (خلق من ماء دافق) قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] ماء الرجل: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] الترائب: الصدر، والصلب: الظهر، خلق من هذا الماء المهين، وأصله الأول خلق من تراب من طين، من حمأ مسنون، هذا أصل الإنسان، وما تولد منه من ماء دافق: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] .

تفسير قوله تعالى: (إنه على رجعه لقادر)

تفسير قوله تعالى: (إنه على رجعه لقادر) {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:8] إن الله عز وجل (إنه) الضمير يعود على الله، وإن لم يتقدم ما يعود إليه الضمير، لكن السياق يدل عليه: (إنه على رجعه) أي: رجع الإنسان (لقادر) متى؟ يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29] . {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} وهذا واضح، استدل الله عز وجل بالأشد على الأسهل، هل الأشد الابتداء أو الإعادة؟ إن الابتداء أشد، والإعادة أهون، والدليل على أن الإعادة أهون: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أي: إعادته: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وهذا واضح، أن الإعادة أهون من الابتداء، فيقول: (إنه على رجعه لقادر) فالذي خلقه من ماء دافق قادر على أن يرجعه يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر)

تفسير قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر) قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] انتبه يا أخي! لهذه الجملة! نسأل الله أن يقوينا وإياكم على إخلاصها. {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} يوم القيامة تختبر السرائر لا الظواهر، والسرائر: القلب، كما قال تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] يوم القيامة لا يحاسب الإنسان على أعماله الظاهرة فقط، وإلا لنجح المنافقون؛ لأن المنافقين يأتون بالأعمال الصالحة التي ظاهرها الصحة، لكن على قلوبٍ خربة، إذا كان يوم القيامة خانتهم قلوبهم، تبلى السرائر فلا يوجد عن أحدٍ منجى إلا من كانت سريرته طيبة، نسأل الله أن يطيب سريرتنا. {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] تختبر، الحساب في الدنيا على الظواهر، وفي الآخرة على السرائر، وانظر إلى المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يعلنون الإسلام؛ يأتون للصلاة، يتصدقون، ويقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1] ويذكرون الله لكن قليلاً: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] والرسول يعلم بعضهم: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] يعلم ذلك، وحتى أنه أسر إلى حذيفة بن اليمان بأسماء رجال عيَّنهم، ومع ذلك لم يقتلهم، لماذا؟ حتى لا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه. فإذا قال قائل: هؤلاء ليسوا أصحاباً له؛ لأنهم أعداء له كما قال تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون:4] فنقول هم أصحابه ظاهراً، والحكم في الدنيا على الظاهر، لكن في الآخرة على البواطن، ولهذا أصلح سريرتك يا أخي! وانظر إلى قلبك هل فيه إيمان؟ هل هو متعلق بالله؟ لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يستسلم إلا لله، فإذا كان كذلك، فاحمد الله وازدد من هذا خيراً، وإن كان فيه بلاء فاحذر، ولعل بعضكم سمع قصةً: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة رواها البخاري في صحيحه، وكان لا يترك للعدو شاذة ولا فاذة، شجاع مقدام مصيب رامي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه من أهل النار) فعظم ذلك على الصحابة، كيف يكون هذا المجاهد البطل المغوار من أهل النار؟! عظم ذلك عليهم، فقال أحد الصحابة: (والله لألزمنه حتى أرى ما غايته) فلزمه؛ صار معه يصاحبه ويمشي معه، فأصيب هذا الرجل الشجاع بسهمٍ من العدو، فجزع كيف يصاب وهو الرجل الشجاع البطل؟! فسلَّ سيفه ووضعه في صدره واتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فمات، فجاء الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (يا رسول الله! أشهد إنك رسول الله -اللهم صلِّ وسلم وعليه- قال: بم؟ قال: الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار حصل له كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) نعوذ بالله من ذلك، اللهم عافنا من هذا، اللهم أعذنا من هذا: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) لأن قلبه فيه شيء، فيه سريرة خبيثة أودت إلى سوء الخاتمة، نسأل الله العافية. ولهذا أحث نفسي وإياكم يا إخواني! على إصلاح الباطن، وعلى تفقد القلب، كلنا يتوضأ ويطهر ظاهره، كلنا يغتسل من الجنابة، ويطهر جسمه كله، لكن القلب، هل منا من يغسله كل يوم؟ قلَّ من يغسله، إن أجل العبادات الصلاة كثيرٌ من الناس لا يفعلها إلا على وجه العادة، يصبح يتوضأ ويذهب يصلي الفجر، لكن لا يحس بأن هذه الصلاة دخلت قلبه حتى كان في صلاته متصلاً بربه. عروة بن الزبير أصيب بأحد أعضائه بالجذام؛ والجذام مرض إذا أصاب عضواً انتشر في البدن ومات المصاب، فقيل له: إنه لا يمكن أن تنجو منه حتى نقطع رجلك، ولن تطيق ذلك حتى تشرب شيئاً من الخمر. فقال: لا أقدر، فقالوا: كيف نعمل؟ قال: دعوني أصلي، فلما شرع في الصلاة قطعوا رجله؛ لأنه إذا دخل في الصلاة واتصل قلبه بالله عز وجل لم يشعر بما حوله، لأن الاتصال بالله ينسي كل شيء. انظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لما نهى أصحابه عن الوصال، والوصال: ألا يفطر الإنسان بين اليومين، نهاهم الرسول عن الوصال عليه الصلاة والسلام، قالوا: (إنك تواصل؟ قال: لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) قال العلماء: معنى ذلك: أنه لانشغاله بذكر الله عز وجل لا يهتم بالطعام والشراب، وهذا حق، ولهذا يقول الشاعر في معشوقته: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد إذا قامت تتحدث في عشيقها نسيت الأكل والشرب وكل شيء، المشتغل قلبه بالله عز وجل ينسى، ولكن: أيهما أكمل حالاً عروة بن الزبير رضي الله عنه الذي انشغل عن قطع عضو من أعضائه بصلاته، أو عمر بن الخطاب الذي كان يجهز الجيش وهو يصلي؟ لا شك أن عمر بن الخطاب أكمل حالاً؛ لأنه جمع بين عبادتين، وهاهو النبي عليه الصلاة والسلام ولا شك أنه أكمل الخلق، كان إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة، فكان عنده وعي، عنده عقل، لكن بعض الناس لا يتحمل الجمع بين هذا وهذا فيعجز، ولهذا سئل بعض العلماء: عن شخص مات وله ولد، فجعل الناس يعزونه وهو يضحك يتبسم، راضٍ بقضاء الله وقدره، لكن الرسول محمداً عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم ماذا قال؟ قال: (العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم! لمحزونون) هذا أكمل من حال الرجل الذي عجز أن يتحمل الجمع بين الصبر والرضا بقضاء الله وقدره فجعل يتبسم.

تفسير قوله تعالى: (فما له من قوة ولا ناصر)

تفسير قوله تعالى: (فما له من قوة ولا ناصر) قال تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:10] من هو الذي (ما له من قوة ولا ناصر) الإنسان، ليس له قوة في نفسه فيدافع عن نفسه، ولا ناصر يدافع عنه، ولكن إذا كان مؤمناً وجد النصرة من الله عز وجل: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51-52] . {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق:9-13] السماء ما علا، هنا لا شك أنها ليست السماء المحفوظة، والسماء ما علا؛ لأن الرجع هو المطر، والذي يأتي منه المطر السحاب؛ والسحاب ليس في السماء المحفوظ بل هو ما علا: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:11-12] الصدع: التشقق، إذا نزل المطر على الأرض نبت الحب في جوف الأرض، ثم ينتفخ وحينئذٍ تتصدع الأرض، فأقسم الله تعالى بالمطر الذي به حياة الأرض، وبالأرض التي قبلت هذا المطر وأنبتت، على ماذا؟ {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} أي: القرآن؛ لأن بالمطر حياة الأرض، وبالقرآن حياة القلوب كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس:69-70] فالقرآن تحيا به القلوب، وهو قولٌ فصل أي: يفصل بين الأمور.

تفسير قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيدا)

تفسير قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيداً) قال تعالى: (إنهم يكيدون كيداً) وقوله: (كيداً) في الموضعين للتعظيم، أي: يكيدون كيداً عظيماً. وأكيد كيداً أعظم، كما قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] . وأعظم كيد كاده المشركون للرسول عليه الصلاة والسلام كما بينه الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] (ليثبتوك) يعني: بالحبس فيحبسونك، (أو يقتلوك) واضح، (أو يخرجوك) من مكة، فماذا حصل؟ قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم ولم يفعلوا شيئاً؛ لأن الله تعالى خير الماكرين انظر الحيلة العظيمة! يقولون: إن كبار قريش اجتمعوا في دار الندوة، وقالوا: من يكفينا من هذا الرجل، سفه آباءنا وأحلامنا، وأضل نساءنا وصبياننا، فذكروا آراء من جملتها هذا الرأي العظيم: الاتفاق على القتل، قالوا: يجتمع عشرة شباب أقوياء من قبائل متفرقة، ويعطى كل واحد سيفاً بتاراً ويضربون محمداً ضربة رجلٍ واحد حتى يقضوا عليه، وحينئذٍ يضيع دمه في القبائل فلا تستطيع بنوا هاشم أن تأخذ بالثأر من جميع القبائل، وحينئذٍ يرضون بالدية ونسلم، فعلوا ذلك، ولكن لم يفد شيئاً، فالمهم أن الله يقول: {وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:16-17] (مهل) يعني: انتظر بهم، (أمهلهم رويداً) أي: زمناً قليلاً حتى يؤخذوا، والحمد لله ما كانت إلا مدة وجيزة بعد أن خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة خائفاً على نفسه بعد ثمان سنوات رجع إليها منصوراً مظفراً، حكم قريشاً بيده. ذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة قال: (من دخل المسجد فهو آمن -انظر يؤمنهم وقد كانوا من قبل يخوفونه، والآن هو الذي يخيفهم- ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ثم لما انتهى الأمر وقف على باب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يفعل؛ لأنه فاتح، فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ فَعَل فِعل الحليم الرحيم قال لهم: (يا معشر قريش! ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: إني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: ((لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) [يوسف:92] اذهبوا فأنتم الطلقاء) هذا الحلم مع القدرة، فانظر إلى كيد هؤلاء وإلى كيد الرب عز وجل أيهما أعظم؟ كيد الله أعظم، ولهذا هل الكيد صفة مدح أو صفة ذم؟ في المسألة تفصيل: إذا كان في مقابلة كيد العدو فهو صفة مدح، وإذا كان ابتداءً فهو صفة ذم، والكيد والمكر والاستهزاء والسخرية كلها على هذا الباب، إن كانت في محلها فهي صفة مدح: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:14-15] {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق:15-16] {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً} [النمل:50] {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13] وهلم جراً. قال تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] هذه السورة كما سمعتم سورة عظيمة، وإني أحث الشباب خاصة وغيرهم أيضاً على فهم كتاب الله، لا على أن يقرءوه تعبداً للتلاوة فقط، إن الله يقول في كتابه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] لابد من التدبر؛ والتدبر هو التفهم والاتعاظ (وليذكر أولوا الألباب) أي: ليتعظوا به، ولهذا كانوا الذين يقرئون الناس القرآن من الصحابة كانوا لا يتجاوزون عشر آيات من كتاب الله حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، لكننا مع الأسف الآن تأتي إلى فصل كامل في الجامعة تقول: تعال فسر لي هذه الآية لا تكاد ترى واحداً منهم يفسرها، وهذا نقص! إذا كنا نحرص على شرح الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام فلماذا لا نحرص على تفسير كتاب الله؟ هذا أولى وأعظم، والإنسان سبحان الله! اسأل مجرباً كلما تأمل في كتاب الله اتضح له من المعاني ما لم يكن يعرفها من قبل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] جَرِّبْ تَجِدْ، وفي القرآن حل كل شيء يشكل عليك: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] لكن أحياناً يكون بيان القرآن بالأصالة، وأحياناً يكون بيان القرآن بالإحالة على السنة، أحياناً الأمر واضح في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] فهذا واضح لا يحتاج تفسيراً، لكن تأتي: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الزيادة هذه لا نعرف معناها حتى فسرها النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ما من إنسان يتدبر القرآن إلا وجد فيه من العلوم العظيمة ما لا يجدها في غيره، إن جئت في النحو وجدت شواهد، إن جئت في البلاغة وجدت شواهد، إن جئت في البيان وجدت شواهد، إن جئت في العقائد وجدت شواهد، في الفقه وجدت شواهد في كل شيء، قالوا: إن بعض علماء المسلمين اجتمع في مطعم من مطاعم أوروبا ومعه نصراني في نفس المطعم، لكن ليسوا على مائدة واحدة فيما يظهر، فجاء النصراني متحدياً، قال: إن كتابكم نزل تبياناً لكل شيء، فكيف صنعت هذه (السلطة) ، كيف صنع هذا الخبر، كيف صنع هذا اللحم -هذا ما همه إلا بطنه، يعني: يريد القرآن أن يكون كتاب مطبخ- كيف صنع هذا؟ وهذا العالم أعطاه الله ذكاءً، قال العالم: يا صاحب المطعم! تعال! كيف صنعت هذا؟ قال: فعلت كذا وكذا وذكر الوصفة تماماً، قال: هكذا جاءت في القرآن! تعجب النصراني كيف جاءت في القرآن هات من أول الفاتحة إلى آخر الناس ما نجد هذا، فقال: موجودة في القرآن، إن الله قال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] هذه الآية وإن لم تكن في هذه المسألة في خصوصها لكن فيها إشارة أن كل شيء لا تعلمه اسأل عنه أهل العلم به. لو قلت مثلاً إعراب: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ما إعرابها؟ إنه: موجود في القرآن بناءً على ذلك. جاء في الحديث الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، والمسلمون كما تعلمون الآن في حروب مع النصارى وفي فتن بينهم، فينبغي لنا أن ندعو لإخواننا المسلمين أن ينصرهم الله تعالى على أعدائهم من الكفار؛ من النصارى واليهود والمشركين، والمنافقين، والملحدين، وأن ندعو لإخواننا الذين ظهرت بينهم الفتن أن يصلح الله ذات بينهم، فنسأل الله سبحانه وتعالى في مقامنا هذا أن يصلح ذات بين المسلمين، وأن يجمع كلمتهم على الحق. ونسأله تبارك وتعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك على أعدائنا وأعداء الله ورسوله من نصارى الصرب المعتدين إنه على كل شيء قدير. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر إخواننا في الشيشان على الشيوعيين الملحدين الذين لم يراعوا فيهم إلاً ولا ذمة، وهو على كل شيء قدير. وعليكم يا إخواني! بالدعاء في مواطن الإجابة: بين الأذان والإقامة، في حال السجود، في آخر الليل، فإن الله تعالى ربما يجيب دعوة من إنسان لا يؤبه له، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (رُب أشعث أغبر مدفوعٌ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) . أقول: بارك الله فيكم أحث نفسي وإياكم على تدبر كلام الله عز وجل، وتفهم معناه ففيه الخير كل الخير، وسعادة الدنيا والآخرة، علوم متنوعة، هداية، كما قال الله عز وجل: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:123-125] ليس يعترض على الله لكن يقول: ما هو السبب؟ {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126] .

الأسئلة

الأسئلة

تفسير قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون)

تفسير قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) Q ما معنى قول الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] ؟ A يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42-43] هذه الآية فيها قولان للسلف: الأول: أن المراد بالساق الشدة. يعني: يكشف عن شدة، وتشتد الأمور، ويدعى هؤلاء المنافقون إلى السجود ولكن لا يستطيعون؛ لأنهم لم يسجدوا لله عز وجل في الدنيا، فلم يتمكنوا من إجابة أمر الله تعالى في الآخرة. والقول الثاني: أن المراد بالساق هنا ساق الرب عز وجل. أما الأول فيؤيده اللفظ، وأما الثاني: فيؤيده حديث أبي سعيد الطويل حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يكشف عن ساقه. فهل نأخذ بظاهر اللفظ، أو نقول: إن السنة تبين الظاهر وتحدد المعنى؟ هل نأخذ بظاهر اللفظ ونقول: المراد بالساق هنا الشدة، أو أن ساق الله ثبتت في الحديث والحديث تثبت به الصفات كما تثبت بالقرآن، أو نقول: إن الآية تفسر بما يطابق الحديث؟ نقول: لولا الحديث الذي فيه أن الله يكشف عن ساقه جل وعلا لحرم أن نفسر الساق بأنها ساق الله، لماذا؟ لأن الله لم يضفها إلى نفسه، وكل شيء لا يضيفه إلى نفسه لا يجوز أن تضيفه أنت إلى الله، لكن ما دامت السنة جاءت بالسياق المطابق للآية، وأن الساق هو ساق الرب عز وجل، فإننا نرجح أن المراد بالساق هنا ساق الله تبارك وتعالى، ولكن يجب أن نعلم أنه لا يماثل سوق المخلوقين؛ لأن عندنا آية في كتاب الله محكمة واضحة فيها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] هذا خبر: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74] هذا نهي.

حكم الاستغفار للمشرك أو للكافر

حكم الاستغفار للمشرك أو للكافر Q فضيلةَ الشيخ! ما حكم الاستغفار للمشرك أو الكافر؟ A لا يجوز للإنسان أن يستغفر لمشركٍ أو كافر؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] . ولكن يرد على هذا مسألة: أليس إبراهيم قد استغفر لأبيه؟ أجاب الله عنه فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] وسبحان القادر على كل شيء، إبراهيم أبوه مشرك، يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئاً، ونوح ابنه كافر غرق مع الهالكين، مما يدل على كمال قدرة الله عز وجل، وأنه يخرج الكافر من المؤمن، والمؤمن من الكافر. المهم أنه لا يجوز أن تستغفر للمشرك مهما عمل من الخير، وكذلك الكافر الذي مات على كفره، فلو مات إنسان وهو لا يصلي وأنت تعلم أنه لا يصلي إلى آخر رمق فلا يجوز أن تدعو الله له بالمغفرة ولا بالرحمة ولا بالرضوان؛ لأنه مات على الكفر. السائل: هو يستشهد -يا شيخ- بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف:92] ؟ الجواب: هنا ليسوا كفاراً هم أسلموا كلهم.

أسباب صلاح الباطن

أسباب صلاح الباطن Q فضيلة الشيخ! علمنا كيفية إصلاح ظواهرنا فكيف نصلح سرائرنا؟ A كل امرئ حسيب نفسه في إصلاح باطنه، لكن من أسباب إصلاح الباطن: أن يكون الإنسان دائماً مع الله، يكثر ذكره واستغفاره، وعند المعاصي يخاف منه، وعند الطاعات يطمع في رحمته، المهم أن يعلق قلبه بالله عز وجل، لا بالدنيا وزخارفها، ولذاتها، وشهواتها، قال الله تبارك وتعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:14-15] .

حكم التوسل بحق الرسول وبمحبته

حكم التوسل بحق الرسول وبمحبته Q هل يجوز للمسلم عند الدعاء أن يقول: اللهم بحق رسول الله أو بمحبته؟ A التوسل إلى الله عز وجل بالدعاء أو حال الدعاء إنما يكون فيما صح أن يكون وسيلة؛ لأن الوسيلة: هي كل ما يتوصل به الإنسان إلى حصول مقصوده، وعلى هذا فلابد أن تكون الوسيلة شرعية أو قدرية. وهنا يحسن أن نتكلم على الوسيلة في الدعاء. الوسيلة في الدعاء على أقسام: القسم الأول: أن يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، فنجعل الأسماء القسم الأول، والصفات القسم الثاني. دليل التوسل بالأسماء: حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي إلخ) هذا توسل بالأسماء، سواء على وجه العموم كهذا الحديث، أو على وجه الخصوص مثل الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه: (فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) . القسم الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه الحديث المشهور: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) ، ومنه أيضاً دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك. إلخ) . القسم الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حينما علم أمته كيف يصلون عليه: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) فتوسل الداعي بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وهي من فعله أن يصلي على محمدٍ وعلى آل محمد، فهذا التوسل إلى الله بفعله تبارك وتعالى. القسم الرابع: التوسل إلى الله بالإيمان به، وهذا كثير في القرآن: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:6] فهذا توسل بالإيمان به جل وعلا. القسم الخامس: التوسل إلى الله باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل قول الله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:3] . القسم السادس: التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة؛ أن يتوسل الإنسان بالأعمال الصالحة، ومن ذلك قصة أصحاب الغار: ثلاثة آواهم المبيت فدخلوا في غار، فلما دخلوا فيه أطبقت عليهم صخرة على باب الغار وعجزوا أن يتخلصوا منها، فقال بعضهم لبعض: توسلوا إلى الله تعالى بأعمالكم الصالحة، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة، أحدهم توسل إلى الله تعالى ببره لوالديه، والثاني توسل إلى الله تعالى بعفته، والثالث توسل إلى الله بأمانته، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون، هذا التوسل بالأعمال الصالحة. القسم السابع: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بدعاء الصالحين، وذلك بأن تطلب من شخصٍ صالحٍ بأن يتوسل إليك، أن يدعو لك، مثل: توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد: (دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل من قلة المطر والنبات فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وهو على المنبر، وقال: اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! ثلاث مرات، قال أنس -وهو راوي الحديث-: فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزعة -السحاب: الغيم المنتشر، والقزعة: القطعة الصغيرة- وما بيننا وبين سبع من بيتٍ ولا دار - سبع جبل معروف في المدينة تأتي من نحوه السحاب- فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس -والترس ما يتوقى به المقاتل السلاح- فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت في الحال، قال: فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته) سبحان الله! سبحان القادر على كل شيء! وهذا من آيات الله وآيات رسول الله، من آيات الله: هذه القدرة العظيمة؛ حيث أنشأ الله هذه السحابة ورعدت وبرقت وأمطرت، من آيات الرسول: حيث إن الله تعالى أجاب دعوته بهذه السرعة، لو كان كذاباً ما أجاب الله دعوته. بقي المطر أسبوعاً كاملاً لم يروا الشمس، فدخل رجلٌ أو الرجل الأول من الجمعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، قال: (يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكه، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا ويشير إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفردت السحاب فخرجوا يمشون في الشمس) هذا التوسل بدعاء الصالحين؛ بأن تطلب من الرجل الصالح أن يدعو لك. ولما أصيب الناس بالقحط في زمن عمر بن الخطاب قال: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتسول إليك بعم نبينا فاسقنا] ثم طلب من العباس أن يقوم فيدعو الله، فدعا. ولكن هل هذا من المستحسن أن تطلب من الرجل أن يدعو لك؟ الجواب: لا. ليس من المستحسن، ادع الله أنت بنفسك لقول ربك جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] لكن إذا كان لمصلحة الناس كما لو طلبت من رجل تتوسم فيه الخير أن يدعو الله تعالى بإنزال المطر، أو أن يشفي المريض الفلاني، يعني: ليس لنفسك، هذا لا بأس به؛ لأنه إحسان إلى الغير، أما لنفسك فلا تفعل؛ لأن هذا السؤال فيه محذوران: المحذور الأول: أنه نوعٌ من الذل، الإنسان يسأل، كأنما يقول: أعطني ريالاً. والثاني: أن فيه غروراً للمسئول، لأن المسئول قد يُعجب بنفسه وينتفخ، يقول: أنا ولي من أولياء الله، الناس يسألونني أن أدعو الله لهم، فيحصل في ذلك غرور. لكن قال بعض العلماء: لو سألت من أخيك أن يدعو الله لك من أجل الإحسان إليه، ليس من أجل أن يحسن لك، أن تحسن أنت إليه، بأن تنوي أن يثاب على دعائه لك لأنه إحسان، وتنوي أيضاً أن يقول الملك له إذا دعا لك بالغيب له: آمين ولك مثله، أما قول الإنسان كلما رأى رجلاً يتوسم فيه الخير والصلاح: يا فلان! ادع الله لي، أو أسألك الدعاء، فهذا ليس بحسن. وإذا توسل الإنسان بمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك أن ترزقني كذا وكذا، فهذا جائز؛ لأن حب النبي صلى الله عليه وسلم عبادة يتقرب الإنسان بها إلى ربه عز وجل، ويجب عليك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليك من نفسك وولدك ووالدك والناس أجمعين. وانظروا يا إخواني! التحيات لله، أول ما نقدم فيها حق الله عز وجل: (التحيات لله والصلوات الطيبات) ثم بعد ذلك حق الرسول صلى الله عليه وسلم: (السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته) ثم بعد ذلك حق نفسك: (السلام علينا) ثم بعد ذلك حق إخوانك المسلمين: (وعلى عباد الله الصالحين) مما يدل على أن أعظم الحقوق وأولاها في التقديم هو حق رب العالمين، ثم حق رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، ثم حق النفس، ثم حق الصالحين. في صلاة الجنازة التكبيرة الأولى: الفاتحة؛ الثناء على الله. الثانية: الثناء على الرسول. الثالثة: دعاء عام للمسلمين. الرابعة: دعاء خاص للميت. لماذا قدمنا حقنا في: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) على عباده الصالحين؟ لأن حق النفس مقدم على غيرها. لكن في الدعاء للميت ستدعو لغيرك، والعموم أولى من الخصوص، تأملوا هذه المعاني العظيمة والأحكام البالغة في الشريعة، يتبين لك أنها من لدن حكيم خبير. إذاً: التوسل إلى الله بمحبة الرسول جائز؛ لأنك تثاب على ذلك. وبالمناسبة نسمع كثيراً من الناس يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، هل هذا صواب أم خطأ؟ إن هذا خطأ لأن إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله أيضاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) والخلة أعلى من المحبة، ولهذا لا نعلم أحداً من المخلوقين اتخذه الله خليلاً إلا إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، لكن نعلم أن الله يحب المؤمنين، يحب المتقين، يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، لكن هل يمكن أن تقول: إن الله خليل الذين يقاتلون في سبيله صفاً؟! لا. لا يمكن، وهل يمكن أن تقول: إن الله خليل المؤمنين؟! لا. إذاً: قل: إن إبراهيم خليل الله، ومحمداً خليل الله أيضاً. أما التوسل بحق الرسول فغير جائز؛ لأن حق الرسول الذي ينتفع به هو الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا إذا قصد القائل بحق الرسول عليَّ وهو الإيمان به واتباعه صار هذا من باب التوسل بالأعمال الصالحة. وكذلك التوسل بجاه الرسول الصواب أنه لا يجوز، وأقول: يا أخي المسلم! بدلاً من أن تتوسل بأشياء مشتبهة وأشياء مختلف فيها، توسل إلى الله بشيء واضح لا إشكال فيه، عندك أنواع التوسل الجائز وهي سبعة أنواع كما ذكرنا.

مشروعية رفع اليدين في صلاة الجنازة

مشروعية رفع اليدين في صلاة الجنازة Q ما هو الأفضل: رفع اليدين أو عدم رفعهما في صلاة الجنازة؟ A الصواب أن رفع اليدين في تكبيرة الجنازة سنة في كل التكبيرات، كما جاء ذلك صريحاً عن ابن عمر، ومثل هذا من الأمور التوقيفية التي لا تكون إلا عن نص، بل جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة. السائل: ما هو دليل الذين لا يرون عدم رفع اليدين في صلاة الجنازة؟ الشيخ: ليس عندهم دليل، إلا حديث ابن مسعود على ما أظن، ولكن إذا وجد مثبت ونافٍ المقدم المثبت.

الدليل على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان

الدليل على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان Q ما الدليل على الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان كما فعلت من قبل؟ A قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة. إلى أن قال: ثم صلوا عليَّ. حتى قال: فإنها تحل له الشفاعة) فتصلي عليه وتقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .

حكم زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) في الدعاء بعد الأذان

حكم زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) في الدعاء بعد الأذان Q ما حكم الزيادة في الدعاء بعد الأذان: (إنك لا تخلف الميعاد) ؟ A الزيادة هذه صحيحة، صححها شيخنا عبد العزيز بن باز، وهي أيضاً زيادة من ثقة مقبولة، وهي أيضاً من صفة دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:194] .

حكم اقتناء الجواري وشرائهن في هذا الزمان

حكم اقتناء الجواري وشرائهن في هذا الزمان Q فضيلة الشيخ! انتشرت الخادمات في مجتمعنا الإسلامي وللأسف، فهل يجوز أن نشتري جواري من أحد البلاد لتصبح ملك يمين بدل الخادمة؟ A نعم. لا بأس بشراء الخادمة إذا كانت رقيقة حقاً، بمعنى أنها ملكت بطريقٍ شرعي، لا بمجرد أنها رقيقة أو يبيعها أهلها مثلاً، لا. إذا اشتراها وهي رقيقة بطريق شرعي فهذا حسن. وليس لعدد الإماء حد؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] فليس لها حد، لو تشتري عشراً فلا حرج إن شاء الله.

حكم سفر المرأة مع مجموعة نساء

حكم سفر المرأة مع مجموعة نساء Q هل يجوز للمرأة أن تسافر مع مجموعة من النساء للقيام بالتدريس في قرية من القرى بدون محرم؟ A إذا كانت القرية قريبة بحيث لا يعد الذهاب إليها سفراً وترجع في يومها، والسائق مؤتمن فلا بأس.

حكم التسليم على المدخن وحكم هجره

حكم التسليم على المدخن وحكم هجره Q ما حكم إلقاء السلام على المدخن؟ A الأصل أن السلام واجب، وأنه: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إذاً: لا يجوز الهجر فوق ثلاث، أما في ثلاث فلا بأس. لكن يبقى النظر هل هجرنا إياه يكون سبباً لتوبته من التدخين؟ أو يكون سبباً لاستمراره على التدخين وعناده؟ إن كان الأول فنعم نهجره؛ لأن هذا فيه مصلحة له، وإن كان الثاني بمعنى: أنه لا يبالي بنا سواء هجرناه أم ألقينا عليه السلام، بل ربما لا يزداد إلا عناداً وكراهية وبغضاً فإننا نلقي عليه السلام ولو كانت السيجارة بيده، ولكن إذا سلمنا عليه قلنا باللطف واللين: يا أخي! هذا لا يجوز! هذا ضررٌ عليك وضررٌ على مالك، وننصحه، وثقوا بأنه إذا أتى الإنسان البيوت من أبوابها، واستعمل الحكمة فإن الكلام معه سيؤثر. أما أن نأخذه بالعنف ولا نسلم عليه، أو مثلاً نأخذ السيجارة من يده ونكسرها، فهذا لا يصلح وما هكذا دعوة الرسول، قال الله تعالى لموسى وهارون وقد أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] لكن لما لم يتذكر أو يخشى، قال له موسى عليه الصلاة والسلام: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] . ومثل هذا المدخن، وحالق اللحية، والمسبل ثوبه أسفل من الكعب، كل هؤلاء من باب المصلحة إذا كان من المصلحة أن نهجرهم بأن يكون ذلك سبباً لاستقامتهم هجرناهم وإلا فلا هجر.

حكم التسبيح بالسبحة

حكم التسبيح بالسبحة Q اختلف النقل عنكم حفظكم الله في أمر المسبحة، هل التسبيح فيها بدعة؟ A أنا لا أذكر أني ذكرت فيها إلا قولاً واحداً: أن التسبيح بها جائز، لكن الأفضل بالأصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) ولأن المسبحة قد يكون فيها شيءٌ من الرياء، خصوصاً إذا عقد الإنسان على رقبته مسبحة فيها ألف حبة، كأنه يقول للناس: انظروا إليَّ فإني أسبح ألف مرة، وأيضاً الغالب على الذين يسبحون بالمسبحة أنك ترى أحدهم يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يسبح ويتلفت، هل هذا حاضر القلب؟ لا. هذا غير حاضر القلب.

حكم التصوير الفوتوغرافي

حكم التصوير الفوتوغرافي Q نقل عنكم يا شيخ! جواز الصورة الفوتوغرافية؟ A النقل خطأ، إنما ينقل عنا التصوير الفوتوغرافي، يعني: إنسان مثلاً يلقي الآلة يوجهها إلى شيء تصور، هذا ليس بتصوير في الواقع؛ لأن الإنسان ما خطط؛ لا خطط العيون ولا الأنف ولا الفم ولا شيئاً من هذا، هذه الآلة وجهها إلى أي شيء تلتقطه، والحديث: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله) ولهذا ذهب كثيرٌ من السلف إلى أن المحرم هو الصورة المجسمة والتي يصنعها الإنسان بيده وتكون جسماً وقالوا: بأن هذا هو الذي يكون فيه المضاهاة، أما هذا فهو مجرد لون، ولهذا جاء في حديث زيد بن خالد: (إلا رقماً في ثوب) . لكني أرى: أن التصوير باليد سواء رقماً في ثوب، أو بعجينة تصنعها على شكل حيوان، نرى أنه حرام، أما التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية فلا، ليست تصويراً أصلاً. الدليل: اكتب لي كتاباً بقلمك ثم أدخله أنا بالآلة المصورة، هل أكون أنا الذي كتبت الحروف هذه أم لا؟ تنسب الكتابة إليك ولا شك، وليس لي، ولذلك تجد الإنسان الأعمى يستطيع أن يصور، وكذلك الكتاب، لكن يبقى النظر إذا صور لغرض، ما هذا الغرض؟ إذا كان غرضاً صحيحاً مثل: الرخصة، أو تابعية، أو جواز، أو إثبات شيء، فهذا لا بأس به، أما إذا كان لمجرد الذكرى وأن يكون الإنسان كلما حنَّ إلى صديقه ذهب ينظر إلى هذه الصورة فهذا لا يجوز؛ لأن هذا مما يجدد تعلق القلب بغير الله عز وجل، ولاسيما إذا مات وصار يرجع إلى هذه الصور يتذكرها فإنه سوف يزداد حزناً إلى حزنه.

حكم استخدام الدف في حفلات الزواج وحكم حضور الحفلات إذا كان فيها غناء

حكم استخدام الدف في حفلات الزواج وحكم حضور الحفلات إذا كان فيها غناء Q ما هي الآلات الموسيقية التي يجوز أن تستخدم في حفلات الزواج عند النساء؟ A الذي ورد في السنة هو الدف؛ والدف: عبارة عن آلة لها وجه واحد، فإن كان لها وجهان فهي الطبل، وأما العود، والربابة، والكمنجة وما أشبه ذلك فلا تحل؛ لأن الأصل في المعازف التحريم كما دل عليه حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري في صحيحه: (ليكونن أقوامٌ من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) ثم استثني الدف في النكاح، فيقتصر على ما جاء به النص فقط والباقي حرام، لكن يبقى النظر هل أحضر لو دعيت إلى حفل عرس فيه هذه الآلات؟ نقول: أما إذا كنت قادراً على التغيير وجب عليك الحضور من وجهين: من جهة إجابة الدعوة. ومن جهة تغيير المنكر. وأما إذا كنت لا تستطيع فإنه لا يجوز أن تحضر، حتى ولو كان أقرب قريبٍ إليك؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] . إن القرآن محترم، وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام محترمة، ولا يجوز للإنسان أن يلقي القرآن في محل يمتهن فيه أو غير محترم أو الأحاديث؛ لأن ذلك امتهان بالقرآن، ولو قصد الامتهان لكان كافراً، لكن غالب الناس لا يقصدون الامتهان، لكن نقول: هذا لا يجوز، إذا انتهيت من القرآن وصار المصحف غير صالحٍ للقراءة، فأحرقه ثم ادفنه، أو دقه بشيء حتى يتفتت، ولا يضر أن تحرق المصحف؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم حين جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه المصاحف على مصحفٍ واحد حرقوا الباقي.

نصيحة لأصحاب الدشوش

نصيحة لأصحاب الدشوش Q يا شيخ! لقد كثرت الصحون الهوائية وما يسمى بالدشوش وذلك في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهل من توجيه لأمثال هؤلاء؟ A والله أنا أوجه للذين في المدينة النبوية أو في مكة المعظمة، أو في أي بلدٍ من بلاد المسلمين، أوجه النصيحة التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها، إلى هؤلاء الذين ابتلوا بالدشوش: بأن هذه الدشوش مفسدة للأخلاق، ومدمرة للعقائد، وتعويد للناس على الشر والفساد، وإذا أردت أن تعرف ذلك، فمن أين مصدرها؟ من أولياء المؤمنين أم إنها من أعداء المؤمنين؟ من أعداء المؤمنين، وهل تظن أن عدوك يرسل إليك شيئاً ينفعك في دينك ودنياك؟ أبداً. ولهذا أرى أن اقتناءها حرام، وأن الإنسان الذي يقتنيها سوف يبوء بإثمها بعد مماته؛ لأن الرجل هل يدري متى سيموت؟ لا. إذاً من سيستعملها؟ ذريته وأهله، كل لحظة ينظرون إلى هذا الشيء المحرم فعليه إثمها؛ لأنه هو السبب، فانظر لعداوة الإنسان لنفسه، يُكَوِّنُ شيئاً يأثم به بعد موته والعياذ بالله، وسيتمنى أنه لم يفعل ذلك، لكن: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ:52] فأرى أن من عنده شيءٌ من ذلك أن يكسرها وجوباً، ولا يبعها أيضاً؛ لأنه إذا باعها سيبيعها على من يستعملونها في الحرام، فيكون ذلك داخلاً في قول الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] هذه نصيحتي. ومن أراد أن يعرف مدى ضررها فلينظر إلى الصبيان كيف تلقوا منها، وماذا تلقوا منها؟ كل شر، وكل بلاء. أكرر نصيحتي في هذا المسجد المبارك لإخواننا الذين ابتلوا بها: أن يتوبوا إلى الله، وأن يكسروها، وليعلموا أنهم إذا فعلوا ذلك لله فسيجدون لذة في قلوبهم من الإيمان بالله عز وجل وطاعته. أسأل الله لنا ولكم الحماية مما يسوء.

حكم تصنيف الناس: هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا

حكم تصنيف الناس: هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا Q هل يجوز تصنيف الناس بأن هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا؟ A يجوز أن يصنف الناس، فيقال: هذا مؤمن وهذا كافر، فاليهودي يهودي كافر، والنصراني نصراني كافر، وأن الشيوعي كافر ملحد، أما المسلمون فهم أمة واحدة، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:52] ولا يجوز أبداً أن يتفرق المسلمون، فيكون هذا تبليغي، وهذا سلفي، وهذا إخواني، وهذا جهادي، وهذه جماعة إسلامية، هذا يدخل في قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام:159] ، ويكون ارتكاباً لما نهى الله عنه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] هؤلاء لم يعتصموا بحبل الله جميعاً وتفرقوا، خالفوا ما أمر الله به، وارتكبوا لما نهى عنه. فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أمتهم، وأن يكونوا أمةً واحدة، وقلباً واحداً، أنا أعتقد لو أنك سألت أي واحدٍ منهم: هل أنت على حق؟ هل أنت تريد الحق؟ الجواب: بالإيجاب أو بالنفي؟ الجواب بالإيجاب: نعم أنا أعتقد أني على حق، وأريد الحق، قلنا: حسناً، هل الحق ما تهواه أنت أو ما جاء في الكتاب والسنة؟ ما جاء في الكتاب والسنة، فإذا قال: ما أهواه أنا فسلم عليه واتركه، فليس فيه خير. إذا قال: ما جاء في الكتاب والسنة، قل: تفضل! القرآن مملوء من الأمر بالائتلاف وإزالة الخلاف، وبيان أنه يجب أن نكون أمة واحدة. كذلك أيضاً أنت تقول: إني أريد الحق، حسناً، تفضل تعال مع الآخر الذي رميته بأنه مبتدع وأنه ضال، تعال على مائدة البحث والمناقشة، والبحث هو مناقشة مع حسن النية لابد أن يصل الناس فيه إلى نتيجة، إذاً: نتيجة طيبة، إذا كان النزاع بين الزوجين وإقامة الحكمين إذا أرادا إصلاحاً ماذا يكون؟ يوفق الله بينهما، كذلك النزاع في الدين أشد وأشد، فما دمنا نريد الحق كلنا، الواجب أن نجلس على طاولة المناقشة، ولكن ربما يقول: أنا لا أرضى أن يناقشني؛ لأنه خصمي نقول: اختصموا إلى من تثقون به من أهل العلم، لأنه لابد أن يوجد أناس ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء، عليهم أن يقولوا: نحن أمة مسلمة، أمة واحدة ولا يجوز أن نتفرق، ولا يجوز أن يعادي بعضنا بعضاً، وهذا هو الواجب. وإني أقول: إن التفرق باللسان اليوم ربما يكون تفرقاً بالسنان غداً -نسأل الله العافية- ربما يتطور هذا الخلاف ويتوسع حتى يكون قتالاً، مثلما وجد فيما سبق وفيما حضر، فالواجب طرح هذا الشيء، وأن نُكوِّن أنفسنا من جديد، وألا نذهب طاقاتنا بعضنا على بعض، وما أحسن ما كنا نُسَّرُ به قبل بضع سنوات من اتجاه الشباب إلى وجهة نظرٍ واحدة، لكن مع الأسف إنه يوجد تفرق الآن، تفرق ينشأ من بعض الكبار، قد يكون الصغار ليس في قلوبهم شيء، لكن يوغر الصدور بعض الكبار -والعياذ بالله- ثم يصبح الناس في فوضى. فنصيحتي وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها: أن نزيل ذلك إطلاقاً، نقول: كلنا أمة مسلمة: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً} [البقرة:128] . وما الفائدة من أنك أنت تأتي تحيك الشر والكيد والبلاء لأخيك، والله أعتقد أن الأعداء يفرحون بهذا كثيراً ويقول: الحمد لله بأسهم بينهم، نحن يكفينا أن نبقى متفرجين.

حكم الحلف بكتاب الله

حكم الحلف بكتاب الله Q هل يجوز الحلف بكتاب الله؟ A نعم. الحلف بكتاب الله جائز إذا قصد القرآن، أما إذا قصد المصحف الذي هو أوراق مخلوقة مصنوعة فهذا لا يجوز؛ لأن الحلف بغير الله شرك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لكن إن أراد القرآن فلا بأس، لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته والحلف بصفات الله جائز.

حكم تغيير عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية

حكم تغيير عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية Q فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله، قرأت فتوى بجواز تغيير عشرة ريالات ورق بتسعة ريالات نقد؟ A أقول للأخ الذي قال إنه يحبني في الله: أسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه المحبة، وأن يجعلنا جميعاً متحابين في الله سبحانه وتعالى. أما ما ذكر من الفتوى فنعم صدرت مني وأنا لا أزال عليها: أنه يجوز أن تعطي ورقة عشرة وتأخذ تسعة من النقد الآخر الذي هو المعدن، هذا لا بأس به؛ لأن الجنس مختلف، وفي الحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ولا يستلزم الاتحاد كون الحكومة تجعل القيمة واحدة.

حكم استماع الأناشيد الإسلامية

حكم استماع الأناشيد الإسلامية ل Q ما رأيكم في الأناشيد الإسلامية؟ A أرى الأناشيد الإسلامية تغيرت عن مجراها سابقاً، كانت بأصواتٍ غير فاتنة، لكنها صارت الآن بأصواتٍ فاتنة، وأيضاً فخمت على أنغام الأناشيد الخبيثة الفاسدة، وقالوا: إنها تصحبها الدف، وهذا كله يقتضي أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عنها، لكن لو جاءنا إنسان ينشد أناشيد لها هدف وليس فيها شيءٌ من سفاسف الأمور وبصوته وحده بدون آلات لهو، هذا لا بأس به، وقد كان حسان بن ثابت ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[2]

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[2] في هذا اللقاء استدرك الشيخ ما ذكره من أنواع التوسل في فتاوى اللقاء الماضي، ثم أعقب ذلك بتفسير بدايات ونهايات سورة الرحمن، مستفيضاً في صفة الله الرحمن شرحاً وتعليقاً، وكذا خلاف أهل العلم في مسائل متفرقة حول الجنتين الأوليين والأخروين.

التوسل بين المشروع والممنوع

التوسل بين المشروع والممنوع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا قبل أن نبدأ لقاء هذا الصباح، نشير إلى ما ذكرناه في اللقاء الماضي؛ وذلك لأن العلم يحتاج إلى ترسيخ، ومن أقوى أسباب الترسيخ: أن يناقش الإنسان نفسه مع نفسه، وأن يناقش مع غيره.

أنواع التوسل المشروع

أنواع التوسل المشروع ذكرنا فيما سبق أن التوسل إلى الله سبحانه وتعالى عند الدعاء ينقسم إلى قسمين: جائز وممنوع، وذكرنا أن الجائز سبعة أنواع: النوع الأول: التوسل إلى الله بأسمائه: كحديث ابن مسعود: (أسألك بكل اسمٍ هو لك إلى أن قال: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) . ومثال التوسل باسم معين: أسألك يا رحمان! أن ترحمني، وهنا يتوسل الإنسان إلى الله تعالى باسم مناسبٍ لمطلوبه، فإذا كان يريد أن يسأل الله المغفرة فليقل: يا غفور! وإذا كان يريد الرحمة يقول: يا رحمان! فيكون الاسم مناسباً للمطلوب، هذا واحد. الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته: كحديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك إلخ) ومثله: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي) . الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، دليله ومثاله أيضاً: قولنا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد) هذا دعاء، التوسل: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد) ولهذا نعرب الكاف هنا: حرف تعليل لا تشبيه، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الإشكالات التي أوردها بعض العلماء، وقال: كيف نشبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على إبراهيم وآله مع أن محمداً أفضل؟ نقول: لا حاجة لهذا؛ لأن الكاف هنا ليست للتشبيه، بل هي للتعليل، ولهذا جعلناها توسلاً. الرابع: التوسل بالإيمان بالله، دليله ومثاله: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:16] . الخامس: التوسل بالأعمال الصالحة، مثاله ودليله: قصة أصحاب الغار: ثلاثة دخلوا في غار ثم انطبقت عليهم الصخرة لا يستطيعون إزالتها وزحزحتها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم. سادساً: التوسل بدعاء الرجل الصالح؛ أن تطلب منه الدعاء، مثاله ودليله: توسل عمر بن الخطاب بدعاء العباس بن عبد المطلب، وكذلك توسل الصحابة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم. سابعاً: التوسل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53] . التوسل إلى الله بمحبة الرسول: أسألك بنبيك، هذه ربما نجعلها تابعة للأعمال الصالحة؛ لأن محبة الرسول من أفضل الأعمال. بقي علينا نوع ثامن لم أذكره في اللقاء الماضي: وهو التوسل بحال السائل؛ بمعنى: أن يذكر الإنسان حاله يتوسل بها ويستعطف بها ربه عز وجل، كقول موسى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24] وقد جمع هذا مع أنواع أخرى فيما علمه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رضي الله عنه حينما قال: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذا فيه التوسل بحال السائل، والتوسل بصفة من صفات الله، والتوسل بأسماء الله، فأين هي حال السائل؟ قوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) وأين الصفة من صفات الله؟ قوله (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) لأن المغفرة صفة، وأين أسماء الله؟ قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم) . قولنا: التوسل بدعاء الرجل الصالح، نحن نعلم كلنا أن المراد: الرجل الصالح الحي الذي تطلب منه أن يدعو لك، وليس المراد التوسل بدعاء الميت وذلك أن الميت لا يبلغه، إذ أن عمله قد انقطع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) ولهذا لا يجوز أن تقف على قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتقول: يا رسول الله! اشفع لي؛ لأنه لا يملك هذا، ولا يمكن أن يدعو لك بالشفاعة، فهو لا يملك أن يشفع، ولا يملك أن يدعو بالشفاعة وهو ميت، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله، أما كونه لا يملك أن يشفع في حال موته، فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ومن العمل الدعاء، فالدعاء عبادة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو لأحدٍ بالشفاعة بعد موته. وأقرب طريقٍ تحصل به على شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تخلص التوحيد لله، ولهذا قال أبو هريرة: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ -ماذا قال؟ - قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا أسعد الناس بشفاعة الرسول. فإذا كنت تريد شفاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقل: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك، وأنت متى قلت: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك فسوف تقوم بما تقتضيه هذه الشهادة العظيمة ألا وهو عبادة الله عز وجل.

أنواع التوسل الممنوع

أنواع التوسل الممنوع أما التوسل الممنوع: فهو أن يتوسل الإنسان بما لم يجعله الله وسيلة، مثل: أن تتوسل بجاه الرسول، وجاه الرسول يعني: المنزلة التي له عند الله، ونحن نشهد ونؤمن بأن أعظم الناس جاهاً هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا كان موسى صلى الله عليه وسلم وجيهاً عند الله، وإذا كان عيسى وجيهاً في الدنيا والآخرة؛ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أولى بذلك بلا شك، ولكن ماذا تنفعني وجاهته عند الله؟ لا تنفعني؛ لأن وجاهته عند الله إنما هي منزلة جعلها الله له، أي لنفس الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لا ينفعني، ولهذا نقول: من توسل إلى الله بجاه الرسول فقد شبه الله بخلقه، لماذا؟ لأنه لا يتوسل بالجاه إلا لدى المخلوقين، أنا مثلاً أجد هذا الرجل له منزلة عند شخص من الناس، وأقول: أتوسل إليك بجاه فلان، أو أسألك بجاه فلان للرجل، أما عند الله عز وجل فلا، لا تنفع الوجاهة إلا من جعلها الله له، أما بالنسبة لغيره فلا تنفعه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينادي الأقربين من أقاربه: (يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً) وفاطمة بضعة منه، ومع ذلك لا يغني عنها من الله شيئاً، ولو كان الرسول وجيهاً عند الله عز وجل فإنه لا يغني شيئاً عند الله. ومن الشفاعة الممنوعة: ما ادعاه المشركون من قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] فهم يدعون أنهم يعبدون الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله، سبحان الله! هل هذا يقرب إلى الله أو يبعد؟ يبعد من الله، ولا يمكن أن تتقرب إلى الله بمعصيته إطلاقاً، ولهذا لو أن إنساناً أراد أن يقوم ويصلي بعد صلاة العصر نفلاً مطلقاً لا سبب له، هل هذا يقرب إلى الله؟ لا يقرب إلى الله؛ لأنه محرم؛ مع أنها صلاة عبادة يقوم الإنسان فيها لله عز وجل، يكبر الله ويتلو كتابه، ويركع ويسجد، ومع ذلك نقول: هذا الرجل لا تقربه صلاته لله؛ لأنها معصية، فلا يمكن أن يتقرب الإنسان إلى الله بمعصية إطلاقاً، فهؤلاء المشركون الذين يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] نقول: هؤلاء ضالون؛ لأن عبادة الأصنام لا تقرب إلى الله بل تبعد من الله عز وجل.

تفسير أوائل سورة الرحمن

تفسير أوائل سورة الرحمن

تفسير قوله تعالى: (الرحمن)

تفسير قوله تعالى: (الرحمن) أما موضوع لقائنا هذا اليوم فإنا نتكلم بما تيسر على ما سمعناه من قراءة إمامنا سورة الرحمن. هذه السورة من أعظم السور، ففيها ابتدأ الله تعالى بهذا الاسم الكريم: {الرَّحْمَنُ} [الرحمن:1] وهو مبتدأ وجملة {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:2] خبر المبتدأ، فما الرحمن؟ الرحمن اسم من أسماء الله، بل هو من أشرف أسمائه وأعظمها، والعجب أن المشركين ينكرونه، يقولون: ما الرحمن؟ ولا ندري ما الرحمن؟ حتى عند كتابة الصلح بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية، النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: ما نعرف الرحمن؟! ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم -انتبه- ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله -وذكر بقية الحديث- قالوا: ما نقبل، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال الرسول: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) ثم ذكر الشروط. انظر يا أخي! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي المصلحة في أمرٍ عظيم، في عدم كتابة اسم من أسماء الله، وفي عدم كتابة رسالته مع أنه حق، ولهذا قال: (إني والله لرسول الله وإن كذبتموني) تنازل عن اسم من أسماء الله وعن الإقرار برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، كل ذلك من أجل المصلحة، ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية بركت الناقة، فزجرها فلم تقم، فقال الناس: خلأت القصواء -يعني: حرمت ولم تقدم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق) دافع حتى عن البهائم، الظلم لا أحد يرضاه، تظلم الناقة ويقال: خلأت وهي ليست من عادتها، ولكن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولكن حبسها حابس الفيل، والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها شعائر الله إلا أجبتهم إليها) وفعلاً هذا الذي حصل؛ أجابهم على هذا الأمر العظيم، محو اسم الرحمن من البسملة، والثاني محو وصفه بالرسالة عليه الصلاة والسلام كل هذا لتعظيم حرمات الله، وتعرفون أيضاً أنه ذُكر شروط صعبة على المسلمين ومع ذلك قبلها، من أعظم الشروط: أن يرجع ولا يتموا العمرة، وأن يأتي من العام القادم، وألا يبقى إلا ثلاثة أيام، وأن من جاء منهم مسلماً رده إليهم، ومن ذهب إليهم من المسلمين لا يردونه، ما تقولون بهذا الشرط؟ إن ظاهره الحيف والجور، كيف نقول: من جاء منكم مسلماً رددناه إليكم، ومن جاءكم منا لا تردونه؟! ولهذا حاول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلغاء هذا الشرط، وناقش الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال: فلم نعطِ الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله ولن أعصيه وهو ناصري) فدل هذا على أن الشروط هذه كانت بإقرار من الله عز وجل، ثم ذهب عمر إلى أبي بكر؛ لأن أبا بكر أخص الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي اتخذه خليلاً، وهو الذي قال عنه: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر) ذهب يناقش أبا بكر، فكان جواب أبي بكرٍ رضي الله عنه كجواب النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء، فكتبت الشروط، وقال النبي صلى الله عليه وسلم مدافعاً عن هذا الشرط الثقيل: (أما من جاء منهم مسلماً فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً، وأما من ذهب منا إليهم فلا رده الله) لأن من ذهب من المسلمين إلى الكفار يعني: أنه اختار الكفر على الإيمان، لكن من جاء منهم مسلماً ثم رده المسلمون، فإنه سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً، ووقع الأمر كذلك. ما الذي حصل بعد هذا؟ قصة أبي بصير رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فألحقت به قريشٌ رجلين يطلبانه من الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما وصل المدينة وإذا بالرجلين يلحقانه، فطلبا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرده إليهما وقالا للرسول: الشرط يا محمد! فرده معهما وذهبا به إلى مكة وفي أثناء الطريق جلسوا يطعمون، فأخذ سيف واحدٍ منهما وجعل يمدح السيف بعد أن سله، ثم ضرب به رقبة صاحبه، ولما فعل هرب صاحبه الذي لم يقتل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب أبو بصير بأثره حتى بلغ الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا رسول الله! إن الله تعالى قد أبرأ ذمتك حين رددتني معهما، ولكن الله أنقذني -أو كلمة نحوها- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو يجد من ينصره) فعرف أبو بصير أن الرسول سيرده مرة ثانية، فخرج من المدينة ونزل في سيف البحر على جادة قريش، إذا ذهبوا بعيرهم إلى الشام راجعين إلى مكة، فصار كلما مرت عير لقريش أخذها؛ لأن قريشاً في ذلك الوقت كانوا حربيين بالنسبة لهذا الرجل، وإن كان بينهم العهد، لكن هذا الرجل رد إليهم فسمع به أناسٌ من الصحابة في مكة فخرجوا إليه واجتمعوا حتى كانوا عصابة، وفي النهاية رضخت قريش، وقالت: يا محمد! كف عنا هؤلاء وردهم! فرجعوا إلى المدينة. فالمهم أننا نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يدع شيئاً تعظم فيه حرمات الله إلا فعله، وأن أسعد الناس بشفاعته من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلنا في شفاعته، وأن يسقينا من حوضه، وأن يجمعنا به في جنات النعيم. يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ} والرحمن اسم من أسماء الله، وكل اسمٍ من أسماء الله يتضمن صفة من صفات الله، وليس في أسماء الله ما لا يدل على صفة إطلاقاً، لكن أسماء المخلوقين هل تدل على الصفات؟ لا. قد يقال: هذا (عبد الله) وهو من أكفر عباد الله، ليس فيه شيءٌ من صفات العبودية، وقد يقال: فلان اسمه (صالح) وهو من أفسد عباد الله، لكن أسماء الله لابد أن تتضمن صفة دل عليها هذا الاسم. ولذلك أنا أقول: كل اسمٍ متضمنٍ لصفة، وليس كل صفةٍ متضمنة لاسم، وبهذا نعرف أن الصفات أوسع من الأسماء، إذ قد يوصف الله عز وجل بصفة ولكن لا يشتق منها اسم لله، ولكن كلما وجدت اسماً فإنه متضمن لصفة. مثلاً: الرحمن متضمن للرحمة، السميع للسمع، البصير للبصر، الحكيم للحكمة وهلم جرا، ولذلك غلط المعتزلة الذين يقولون أنهم عقلاء، فخالفوا العقل في قولهم: إن أسماء الله مجردة عن الصفات، نقول: كيف يمكن أن يسمى السميع ولا سمع له، هل هذا معقول؟! أبداً. ليس صحيحاً نقلاً ولا عقلاً. (الرحمن) من رحمة الله عز وجل ما نراه من النعم الكثيرة واندفاع النقم، فكم لله علينا من نعمة!! {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] كلها من آثار رحمته؛ المطر من رحمته، نبات الأرض من رحمته، الأمن من رحمته، الرخاء في العيش من رحمته: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] .

تفسير قوله تعالى: (علم القرآن)

تفسير قوله تعالى: (علم القرآن) قال تعالى: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:2] انظر! بدأ بالعلم قبل ذكر الخلق؛ لأن الإنسان بلا علم ليس إنساناً: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ} [الرحمن:2-3] فبدأ بالعلم ولم يذكر إلا تعليم القرآن؛ لأن تعليم القرآن أفضل من أي تعليم كان، جميع العلوم بالنسبة لعلم القرآن ليست بشيء، كعلم العجائز بالنسبة لعلم العلماء بل أعظم، فالقرآن هو كل شيء، إذا وفق الله العبد لتعلمه نال السعادة في الدنيا والآخرة إذا عمل به، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121] فما هو القرآن؟ القرآن: هو الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192-195] أي: بلغة عربية بينة واضحة فصيحة. أول القرآن يبتدئ بالفاتحة وينتهي بسورة الناس، هذا هو القرآن الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والذي قال الله عنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ولهذا لا زيادة فيه ولا نقص، هذا القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلقاه الأصاغر عن الأكابر وسيبقى بإذن الله على هذا إلى أن يأذن الله بخراب العالم، فإذا أذن الله بخراب العالم فإنه ينزع من المصاحف وينزع من الصدور، إذا أعرض الناس عنه إعراضاً كلياً حينئذٍ ليس من الحكمة أن يبقى بين قومٍ لا يقدرونه قدره فينزع. إذاً: نقول: القرآن هو أشرف علمٍ يتعلمه الإنسان، ولهذا لم نذكر سواه لأنه أشرف العلوم، وفي اللقاء الماضي حثثتكم حثاً حثيثاً على تعلم القرآن حفظاً وتلاوة ومعنىً وعملاً، وذكرت لكم أن هذا هو عمل الصحابة، كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.

تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان)

تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان) قال تعالى: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ} [الرحمن:3] الإنسان هنا مفرد، لكن المراد به العموم؛ لأنه اسم جنس، والإنسان: هو البشر، وأول من خلق الله من البشر آدم عليه الصلاة والسلام، ولم يذكر خلق غيره؛ لأن أشرف المخلوقات جنساً هم البشر من حيث الجنس لا من حيث الأفراد؛ لأن بعض البشر أخس من الأنعام، قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لكن البشر من حيث الجنس هم أفضل أجناس المخلوقات.

تفسير قوله تعالى: (علمه البيان)

تفسير قوله تعالى: (علمه البيان) قال تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:4] أي: علم الإنسان البيان، ما معنى البيان؟ البيان: التعبير عما في نفسه، ولهذا نجد أن الإنسان هو الذي يعبر عما في نفسه بعبارةٍ واضحة بينة، فإن قال قائل: هل البيان مختصٌ باللغة العربية؟ بمعنى: أن من ليس ينطق العربية فليس عنده بيان؟ A لا. بيان كل قومٍ بلغتهم، وعلى حسب ما يفهمونه، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] فالبيان عند العرب: هو النطق باللغة العربية الفصحى، والبيان عند غير العرب على حسب لغتهم، ولذلك نجد أن من الناس من يقوم خطيباً في الناس ثم يسحرهم بخطبته، يتحولون من الرأي الذي كانوا عليه والذي أراد هذا الخطيب أن يمحوه من نفوسهم فيتحولون عنه بسبب البيان، وفي الحديث: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة) .

تفسير إجمالي لأواخر سورة الرحمن

تفسير إجمالي لأواخر سورة الرحمن قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5] إلى آخر ما ذكر الله في هذه السورة، وفي النهاية قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] وذكر الجنتين، ثم ذكر جنتين أخريين، وقد اختلف العلماء: أيهما أفضل: الجنتان الأوليان أو الأخريان؟ والصواب: أن الجنتين الأوليين أفضل، إذا تدبرتها وجدت: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] ، وفي الأخريين: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] أيهما أعم؟ الأولى. قال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] ، وهناك: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] والنضخ أقل من الجريان. {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:56] ، وهناك قال: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] وفرق بين قاصرات الطرف والمقصورات؛ قاصرات الطرف يعني: أن أزواجهن لا ينظرون إلى غيرهن، تقصر طرف زوجها عن غيرها؛ لأنها قد ملأت قلبه سروراً، وملأت بصره نظراً، أما هناك: مقصورات في الخيام، ومع هذا نقول: إن الحور المذكورات في الأوليين والأخريين أوصافهن للجميع، ولهذا تجد: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] كلها بلفظ التثنية، فيهما فيهما، لكن لما تكلم عن الحور قال: (فيهن) فأتى بالجمع، فيستفاد منه والله أعلم: أن هذه الأوصاف؛ أوصاف الحور العين ثابتة في كلٍ من الجنتين الأوليين والأخريين. وآخر الأمر قال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:78] وقال في أثناء السورة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] وهنا نسأل أهل النحو: لماذا قال: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ)) و {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:78] ؟ قوله: (ذو) في قوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ)) صفة لوجه و (وجه) مرفوعة لأنها فاعل والصفة تتبع الموصوف فجاءت مرفوعة. أما قوله (ذي) في قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:78] فهي مجرورة بالإضافة فكانت الصفة (ذي) ولم تكن (ذو) لماذا؟ لأن الموصوف بالجلال والإكرام هو وجه الله عز وجل، أما اسمه فهو اسم ليس ذا الجلال ولا ذو الجلال والإكرام، وذو الجلال والإكرام هو الرب ووجه الرب، وفي الآية: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)) [الرحمن:27] إثبات صفة من صفات الله وهي الوجه لله عز وجل، وهناك آية أخرى تثبت الوجه لله وهي قول الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] . وكذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فهذه آيات في القرآن الكريم، والحكم يثبت بخبر واحد عن الله عز وجل أو عن الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف إذا تكرر؟ ومن هنا نأخذ: إثبات الوجه صفةً لله عز وجل، وهذا الوجه هل يمكن أن يكون مماثلاً لأوجه المخلوقين؟ لا. لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، ولأنه باتفاق العقلاء: إذا اشترك اثنان في اسم فإنه لا يلزم تماثل المسمى، أي أن: الاشتراك في الأسماء لا يلزم منه تماثل المسميات، فنحن نعلم أن للفرس وجهاً وللبعير وجهاً، فهل يمكن أن يكون هذا مثل هذا؟ حسب الواقع لا، لكن لو شاء الله لكانا سواءً. إذاً: إليكم قاعدة مفيدة في الأسماء والصفات: لا يلزم من الاشتراك بالأسماء تماثل المسميات، إذاً: نقول: لله وجه يليق بجلاله ولا يشبه أوجه المخلوقين.

الأسئلة

الأسئلة

مشروعية زيارة القبور للرجال

مشروعية زيارة القبور للرجال Q ماذا يستحب عند زيارة القبور؟ A زيارة القبور نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر دفعاً للشرك، فلما رسخ الإيمان في قلوب الناس أمر بها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) وفي لفظٍ: (تذكر الموت) فإذا زار الإنسان القبور فليزرها متعظاً لا عاطفة، فبعض الناس يزور قبر أبيه أو قبر أمه عاطفة وحناناً ومحبة، وهذا وإن كان من طبيعة البشر، لكن الأولى أن تزورها للعلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام وهي تذكر الآخرة وتذكر الموت، هؤلاء الذين في القبور الآن هم كانوا بالأمس مثلك على ظهر الأرض والآن أصبحوا ببطنها مرتهنين بأعمالهم، لا يملكون زيادة حسنة ولا إزالة سيئة، فتذكر، وهل بينك وبين هذه الحال مدى معلوم؟ هل بينك وبين أن تكون في القبر مدى معلوم؟ لا. لأنك لا تدري متى يفجئوك الموت، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن يأتيني داع الله فأجيب) . الإنسان لا يدري متى يموت، فإذاً: تذكر يا أخي! تذكر، أليس من الناس من خرج لعمل حاملاً حقيبته، ورجع محمولاً ميتاً؟! أليس كذلك؟ فنقول: تذكر الموت وتذكر الآخرة فهذا هو المطلوب من زيارة القبور. فلو قال قائل: هل للدعاء عند القبور مزية على الدعاء في غير ذلك المكان؟ فالجواب: لا. ومن قصد القبور ليدعو الله عندها فقد ابتدع وأخطأ؛ لأن أقرب مكانٍ يجاب فيه الدعاء هو المساجد، بيوت الله، أما القبور فلا، فإذا كان هذا هو حال القلب عند الزيارة التذكر، فماذا يقول باللسان؟ يقول ما جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) ثم ينصرف. وأما ما يوجد الآن من كتيبات تقال عند زيارة البقيع فكلها بدعة، إلا ما وافق السنة، ولا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه بشيءٍ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقصد التعبد به لله، لأنه إذا فعل ذلك فإنه لا يزداد من الله إلا بعداً.

بيان حقيقة موت النبي صلى الله عليه وسلم

بيان حقيقة موت النبي صلى الله عليه وسلم Q يحتج بعض من يطلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ميت بقولهم: إن الأنبياء أحياء في قبورهم، وأن موسى قد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن موته صلى الله عليه وسلم ليس كموت جميع الناس، كيف الرد عليه؟ A الرد عليهم سهل، الرد عليهم: بأن النبي صلى الله عليه وسلم ميت بلا شك، لقول الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] ، ولقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] ، وبأن الصحابة أجمعوا على أنه ميت، وغسلوه وكفنوه ودفنوه، وهل يمكن أن يجمع الصحابة على دفن نبيهم وهو حي؟!! سبحان الله! هذا لا يمكن، ولا المجانين يفعلون هذا، إذاً: هو ميت بلا شك. ولكن هناك حياة أخرى؛ حياة برزخية تثبت للشهداء، والأنبياء من باب أولى، قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] حياة عند الله عز وجل ليست حياة الدنيا: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ. } [آل عمران:170] إلى آخر الآية. فهذه حياة برزخية علمها عند الله لا ندري كيفيتها، ولهذا لا يحتاج فيها الميت إلى هواء، ولا إلى ماء، ولا إلى طعام، ولا غير ذلك، فهذا هو الجواب على هؤلاء الذين يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حيٌ في قبره، نحن نقول: نعم هو حي، لكن ليس كحياة الدنيا التي يمكن الإنسان فيها أن يعمل، وأن يطيع وأن يركع ويسجد إلى آخره. أما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لموسى فهي أيضاً من الرؤيا التي لا نعلم كيفيتها، رآه يصلي في قبره لكن لا ندري كيفية ذلك، ونحن الآن نشاهد في رؤيا المنام بعض الأموات وهم يتطوعون لله عز وجل، ربما تشاهد أباك أو أخاك أو أحداً من أقاربك في المنام يصلي وهو ميت، فهذه المسائل أمور غيبية لا يحكم لها بحكم الأحياء. ومن المعلوم أنه ثبت في حديث المعراج: أن الأنبياء جمعوا للرسول عليه الصلاة والسلام وصلى بهم إماماً، فهل نقول: إنهم في تلك الحال كحالهم في الدنيا قبل أن يموتوا؟ لا. هذه أمور غيبية ليس لنا أن نقول أو نعتقد إلا ما جاء به الشرع فقط.

حكم من يدعو القبور ويستغيث بالأموات ويذبح لهم قبل وبعد قيام الحجة عليه

حكم من يدعو القبور ويستغيث بالأموات ويذبح لهم قبل وبعد قيام الحجة عليه Q ما حكم الذين يدعون أمام القبور ويستغيثون بالأموات ويذبحون لهم، هل مثل هؤلاء قد قامت عليهم الحجة أم هم كفار؟ A أما الذين يدعون الله عند القبور، ولا يدعون صاحب القبر فهؤلاء ليسوا مشركين؛ لأنهم يدعون الله، لكنهم مبتدعون، حيث ظنوا أن الدعاء عند القبور له مزية، لكن لا يكفرون. وأما الذين يستغيثون بالأموات فيقولون: يا ولي الله! أو ما أشبه ذلك: أغثني، أو ارزقني، أو أعطني فهؤلاء المشركون، وهم مشركون شركاً أكبر ينطبق عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] وإننا ننعى إلى هؤلاء عقولهم كيف يدعون ميتاً هامداً لا يستطيع أن ينجي نفسه فيسألونه الغوث؟! ولهذا لا يجوز الاستغاثة بالأموات مطلقاً بل هي شرك أكبر، ولا يجوز الاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدرون عليه، وأما الاستغاثة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه فلا بأس به، وقد قال الله عن موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15] ، كذلك الذين يذبحون للأموات تعظيماً وتقرباً إليهم هم مشركون أيضاً، شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] فإذا كان محياك ومماتك لله لا أحد يحييك ولا أحد يميتك إلا الله عز وجل فكذلك عبادتك؛ الصلاة والنسك لله عز وجل، فكما أن هؤلاء المقبورين لا يحيونك ولا يميتونك فكذلك لا يجوز أن تجعل لهم من صلاتك شيئاً أو من نسكك شيئاً، يعني: لا يجوز أن تصلي لصاحب القبر ولا أن تذبح له، فإن فعلت فإنك مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة. ومن ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبر فقال فيما رواه مسلم عن أبي مرفد الغنوي: (لا تصلوا إلى القبور -يعني: لا تجعلوها بينكم وبين القبلة- ولا تجلسوا عليها) . والمراد هنا بالصلاة ليست الصلاة للقبور لكن الصلاة إلى القبور، وهي لمن؟ لله، لكن جعل القبر بينه وبين القبلة، أما الصلاة للقبور فهذه شرك. وأما قول السائل: هل هؤلاء يكفرون وقد قامت عليهم الحجة أو لا؟ فهذه مسألة نسبية؛ من الناس من تكون قد قامت عليه الحجة، ومن الناس من لا تكون قامت عليه الحجة، لكن من قامت عليه الحجة حكمنا بشركه وكفره بعينه، ومن لم تقم عليه الحجة حكمنا بأن هذا الفعل شرك وكفر، ولكن لا ينطبق على كل إنسان؛ لأن الله تعالى يقول: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] فلابد من بلوغ الرسالة على وجه المفهوم، وحينئذٍ تقوم الحجة، وإذا أشرك الإنسان بعد قيام الحجة عليه بأن هذا شرك حكمنا بشركه وكفره، ولهذا يتوهم بعض العامة أو بعض طلبة العلم أيضاً أننا لا نحكم على شخصٍ بعينه بكفرٍ أو شرك بل نقول: فعله شرك وفعله كفر، وهذا غلطٌ عظيم؛ لأنه يلزم من هذا أن جميع المشركين الذين قاتلهم الرسول لا نحكم بشركهم بأعيانهم، بل نقول: من انطبق عليه الوصف الذي جعله الشارع شركاً أو كفراً فإنه نحكم بكفره بعينه.

جواز ذهاب المرأة المسلمة إلى الطبيب عند الحاجة

جواز ذهاب المرأة المسلمة إلى الطبيب عند الحاجة Q هل صدرت منكم فتوى بأنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تذهب إلى الطبيب وإن كان مسلماً حتى وإن اضطرت للذهاب لطبيبة كافرة؟ A لم تصدر منا هذه الفتوى، وذهاب المرأة للطبيب عند الحاجة لا بأس به؛ لكن بشرط أن يكون معها محرمها، بحيث لا يخلو بها الطبيب، وإلا فإنه لا شك أن المرأة إذا احتاجت إلى أن يعالجها الرجال لا نقول: إن هذا حرام. وما أكثر ما ينسب إلينا، فنسأل الله أن يعين العلماء على الجهال.

حكم جلوس المرأة الحائض أو النفساء في المسجد من أجل طلب العلم

حكم جلوس المرأة الحائض أو النفساء في المسجد من أجل طلب العلم Q هل يجوز للمرأة الجلوس في المسجد وهي حائض أو نفساء من أجل طلب العلم؟ A لا يحل للمرأة أن تمكث في المسجد وهي حائض، ودليل ذلك حديث أم عطية: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد) حتى العواتق وذوات الخدور واللاتي لم يكن من عادتهن الخروج أمرهن أن يخرجن، لكن تقول: (وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى) يعني: مصلى العيد، وهذا يدل على أن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد ولو للدعاء ولو لطلب العلم. ثم إننا في وقتنا الآن يمكن للمرأة الحائض أن تكون خارج المسجد وتسمع الكلام بواسطة مكبر الصوت، نعم لو اضطرت إلى دخول المسجد فلا بأس، مثل أن تكون امرأة حائضاً وأهلها يريدون الدخول للطواف بالكعبة والسعي ولو مكثت تنتظرهم في المسعى لضاعت عنهم، وتريد أن تدخل معهم من أجل ألا تضيع فهذا ضرورة، ولا بأس به.

حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم زيارة النساء لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A أقول: في هذا جواب ولعل أحدكم يجيب. مداخلة: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من زيارة القبور عموماً، ثم أجازها للرجال ومنعها النساء لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) . الشيخ: زيارة المرأة للمقبرة محرمة؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور) واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا لعن على فعلٍ إلا من كبائر الذنوب، ولهذا قال العلماء: كل ذنبٍ كانت عقوبته اللعنة فهو من كبائر الذنوب، يبقى علينا زيارة النساء لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يرى بعض العلماء أنه لا بأس أن تزور المرأة قبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن زيارتها لقبره ليست زيارة حقيقية، كيف ذلك؟ القبر محاط بجدران، حتى لو وقفت عنده تريد الزيارة فهي لن تزور القبر، بينها وبين القبر كما قال ابن القيم: أحاطه بثلاثة جدران. بينها وبينه جُدُر، وليست كالتي تقف على القبر بدون أن يحول بينها وبينه شيء، ولهذا استثنى بعض العلماء هذه الزيارة وقال: إنها حقيقة ليست زيارة؛ لأن المرأة لا تباشر القبر، ولكن لا شك أن الاحتياط والأولى ألا تزور. ونقول للمرأة: هوني عليك! إذا قلتِ: السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، فهناك أمناء ينقلون هذا السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (إن تسليمكم يبلغني أينما كنتم) فهي وإن كانت في أبعد ما يكون عن القبر إذا سلمت على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن هذا السلام يبلغه، فلتهون على نفسها، ولتعلم أنها والحمد لله لم تحرم الخير.

حكم زيارة الروضة النبوية

حكم زيارة الروضة النبوية Q الروضة هل فيها زيارة؟ A الروضة ليس فيها زيارة، والروضة قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) وهذا عامٌ للرجال والنساء.

حكم استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء والسلام عليه

حكم استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء والسلام عليه Q نرى بعض الناس في هذا المسجد يقف مستقبلاً قبر النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عليه من أي مكانٍ في المسجد فهل هذه الصفة مشروعة؟ A إذا كان يريد بذلك أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم نقول: ادن من القبر؛ فإن زيارة القبر لا بد فيها من الدنو، وإذا كنت تريد أن تدعو فهو على قسمين: الأول: أن توجه الدعاء للرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا شركٌ أكبر يخرجك من ملة الرسول عليه الصلاة والسلام. الثاني: أن تدعو الله متوجهاً نحو القبر، فهذا بدعة ووسيلة إلى الشرك. ويا سبحان الله! هل من المعقول أن تنصرف عن بيت الله عز وجل إلى قبر الرسول؟ أيهما أفضل: بيت الله الذي يجب على كل مسلم أن يتجه إليه في صلاته أو قبر الرسول؟ لا شك أن بيت الله أفضل؛ أفضل بقعة على وجه الأرض هو بيت الله عز وجل الكعبة، فكيف يليق بك وأنت تدعي أنك تعبد الله أن تتوجه بدعائك إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن تتوجه إلى بيت الله، هذا من السفه، وهذا من إضلال الشيطان لبني آدم وإغوائه إياهم، وإلا فبمجرد أن يفكر الإنسان بقطع النظر عن الدين الشرعي يعلم أن هذا ضلالٌ وسفه. حينئذٍ نقول: الواقف على هذا الوجه يريد التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا نقول له؟ نقول: اندفع قف على القبر، الواقف على هذا الوجه يدعو الله عز وجل متوجهاً إلى القبر نقول: هذا بدعة ووسيلة إلى الشرك، وخطأ وضلال في الدين، وسفه في العقل؛ لأن توجهك إلى بيت الله أولى من توجهك إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام. ثالثاً: إذا كان يتوجه هذا التوجه ليدعو الرسول فهو مشركٌ شركاً أكبر يخرجه من ملة الرسول عليه الصلاة والسلام. الأقسام إذاً ثلاثة: الأول: إن قصد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فهو شركٌ أكبر يخرجه من الملة. الثاني: إن قصد دعاء الله عز وجل فهو بدعة لأن التوجه إلى بيت الله أولى. الثالث: إن قصد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قلنا له: ادن من القبر.

دفع شبهة أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بني عليه المسجد

دفع شبهة أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بني عليه المسجد Q ما بالنا نتخذ من قبر الرسول مسجداً؟ A هل اتخذنا من قبر الرسول مسجداً؟ هذا سؤال تلبيس وتشبيه على الناس، يريد هؤلاء القوم الذين يبنون المساجد على قبورهم أو يدفنون موتاهم في مساجدهم أن يلبسوا على العامة. إن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام منفرد في حجرة منفصلة، فالمسجد لم يبن على قبر الرسول لا شك؛ لأن المسجد سابقٌ على القبر، الرسول صلى في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، إذاً: انتفت الشبهة، المسجد لم يبن على القبر، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، وإنما دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها، ثم لما زيد في المسجد في عام (94هـ) أدخلوا الحجرة، ولعل هذا من نعمة الله عز وجل، لأن وجودها في المسجد أحمى لها مما لو كانت خارج المسجد، وأحمى للأمة من الشرك مما لو كانت خارج المسجد، ولهذا تقول عائشة لما ذكرت بناء الأمم السابقة على قبور أنبيائهم قالت: (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) . وعلى هذا فلا شبهة في ذلك إطلاقاً، والأمر واضح ولله الحمد، ولذا نرى المسلمين منذ أدخلت الحجرة في المسجد إلى اليوم أقروا ذلك.

ما صح في الجلوس في المصلى بعد الفجر

ما صح في الجلوس في المصلى بعد الفجر Q الذي يريد أن يجلس بعد صلاة الفجر ليذكر الله جل وعلا حتى تشرق الشمس إذا تحرك من مكانه هل عليه حرج؟ A أولاً الحديث: (أنه جلس في مصلاه يذكر الله فإذا طلعت الشمس صلى ركعتين فكانت كعدل عمرة أو حجة) في نفسي منه شيء هل هو صحيح أو غير صحيح، لكن ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس حتى تطلع الشمس) يعني: حتى ترتفع وتزول عنها الصفرة. وعلى كل حال: إذا قدرنا أن الحديث صحيح فإنه يقول: (في مصلاه) هل المراد مصلاه: الذي هو جالسٌ فيه، أو مصلاه: مكان الصلاة وأعم من ذلك؟ لا شك أن بقاءه في مصلاه الذي صلى فيه الفجر أولى، إلا إذا كان هناك حلقة علم يقوم إليها يستمع العلم فإن طلب العلم أفضل من صلاة التطوع. قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء، وقال: تذاكر ليلة أحب إلي من إحيائها. لكن المراد العلم الذي يقصد به الإنسان رفع الجهل عن نفسه وعن أمته، وحماية الشريعة والعمل بها والدعوة إليها. والخلاصة في الجواب: أن نقول: بقاؤه في مكانه أولى، لكن لو قام منه من أجل استماع علم، أو قام منه ليتمشى خوفاً من استيلاء النعاس عليه فإنا نرجو أن يكون له الحظ في ذلك.

السبب الشرعي لصحة اقتناء الجواري

السبب الشرعي لصحة اقتناء الجواري Q قد ذكرتم في اللقاء الماضي جواز شراء الجواري -الإماء- إذا كان ذلك بسببٍ مشروع ولم تذكروا هذا السبب؟ A إذا كان الرق ثبت بسببٍ شرعي، أي: بطريق شرعي، وذلك لأنه يوجد أناس يبيعون بناتهم، فهل إذا باعوهن يكن أرقاء؟ لا. ويوجد أناس يسرقون البنات ويبيعونهن، هل يكون هذا طريقاً شرعياً؟ لا. فالطريق الشرعي أصله: هو أن المسلمين إذا قاتلوا الكفار وغلبوهم واستولوا على أهليهم صار النساء سبياً وكن أرقاء بهذا السبي.

صحة أثر: (نزول القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة)

صحة أثر: (نزول القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة) Q هل يصح أثر ابن عباس في نزول القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزوله بعد ذلك مفرقاً؟ A الله أعلم، إنما الذي دل عليه القرآن أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن ويتلقاه جبريل منه، ثم ينزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نجد في القرآن التعبير بصيغة الماضي عن أمر وقع، مثل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] لو كان الله تكلم بهذه الكلمة قبل أن يحدث ما حدث، لكان هذا إخبار عن شيء مستقبل بلفظٍ يدل على المضي، فـ (قد سمع) تدل على أن هذا المسموع قد سمع، وأن الله تكلم في ذلك بعد وقوعه. {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة:144] {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران:121] وآيات كثيرة كلها تدل على أن الله تكلم بالقرآن، حين إنزاله، لأن الله يتحدث عن أمور وقعت سابقة على إنزال القرآن، وهذا يدل على أن الله يتكلم به إذا أراد أن ينزله على محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

الضابط في خروج المسلم من دائرة أهل السنة والجماعة

الضابط في خروج المسلم من دائرة أهل السنة والجماعة Q ما هو الضابط في خروج المسلم من دائرة أهل السنة والجماعة؟ A ما هو الضابط في خروج الإنسان من البيت؟ إنسان في بيته فما هو الضابط في خروجه؟ الضابط أن يخرج من الباب، إذا خرج من الباب قل: خرج من البيت، فالضابط إذاً في الخروج عن أهل السنة والجماعة أن يخرج عن طريقهم، هذا الضابط: في أسماء الله وصفاته، في القدر، في كل شيء يخالفهم في العقيدة، فمثلاً: إذا قال: أنا لا أثبت من صفات الله إلا ما أثبته عقلي. والذي يثبته عقله من الصفات هي سبعة أو عشر أو عشرون أو ثلاثون، هل خرج عن طريق أهل السنة؟ نعم. لماذا؟ لأن أهل السنة يثبتون كل ما أثبته الله لنفسه من الصفات. فلو قال في القدر: إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق أفعال العباد، إنما يخلق أفعال نفسه، فهو خلق السماوات، والأرض والشمس، والقمر، والنجوم، ولكن لا يخلق ركوع الإنسان وسجوده، خرج عن دائرة أهل السنة ولا شك؛ لأن أفعالنا مخلوقة لله عز وجل، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] ، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] وأفعالنا من صفاتنا، وإذا كانت ذواتنا مخلوقة لله كانت صفاتنا كذلك مخلوقة لله.

حكم الدعاء بـ (يا ساتر)

حكم الدعاء بـ (يا ساتر) Q هل يصح قولنا: يا ساتر؟ وهل الساتر صفة أو اسم من أسماء الله؟ A الساتر صفة من صفات الله، ولا أعلم بأساً فيما أعلم إذا قال: يا ساتر! استر عليَّ؛ لأن الساتر على الإطلاق هو الله عز وجل، لكن بدلاً من ذلك يقول: يا رحمان استر عليَّ؛ لأن الرحمة عامة شاملة لكل ما يحصل به المطلوب، ويزول به المرغوب.

حكم أخذ الورثة إعانة مادية طلبها المورث وجاءت بعد موته

حكم أخذ الورثة إعانة مادية طلبها المورث وجاءت بعد موته Q رجل توفي عن امرأة وهي حامل وأنجبت بعده بنتاً، وبعد مدة تزوجت المرأة برجل آخر، وكان الزوج الأول مقدماً معروضاً يطلب فيه عادة، وبعد مدة طويلة من موت الرجل الأول وزواج المرأة أتت العادة، والسؤال: هل المرأة ترث من هذه النقود المذكورة أم لا؟ A سأجيب عما يتعلق بهذا السؤال، وهو طلب العادة، هل يجوز للإنسان أن يرفع إلى الحكومة طلب عادة أو لا يجوز؟ الجواب: لا يجوز، إلا إذا كان محتاجاً، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرفٍ ولا سائلٍ فخذه) وهذا يدل على أنه لا يجوز السؤال، فلا يجوز للإنسان أن يقدم طلباً من الحكومة أن تصرف له شيئاً عادة أو غير عادة، إلا إذا كان محتاجاً وإلا فليتنزه عن ذلك. أما: هل يكون للبنت التي مات أبوها وهي حامل أو لا يكون، فهذا يرجع إلى القضاء وليس إلى الفتوى، اذهبوا إلى المحكمة وإن شاء الله خيراً.

دروس وفتاوى الحرم المدني 1416هـ[3]

دروس وفتاوى الحرم المدني 1416هـ[3] كان هذا اللقاء في ليلة الجمعة ولهذا فقد تكلم فيه الشيخ حول خصائص الجمعة، فبعد أن بين فضل الجمعة وذكر شيئاً من أحكامها شرع في ذكر خصائص الصلاة وعدَّد سبعاً منها، ثم انتقل إلى ذكر خصائص يوم الجمعة، ثم أعقبها ببيان أن لا خصوصية في يوم الجمعة لزيارة القبور، ثم ختم هذا اللقاء بذكر جملة من أحكام السلام تطرق فيها إلى مشروعيته وكيفيته وصيغته وحكم التسليم ابتداء على الكافر ورد السلام عليه.

أحكام وخصائص صلاة الجمعة

أحكام وخصائص صلاة الجمعة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنه جرت العادة أن يكون بداية اللقاء الكلام على ما تيسر من تفسير ما سمعناه في قراءة المغرب، ولكن نظراً لأن هذه الليلة ليلة الجمعة، ينبغي أن نتكلم عن شيء من خصائص هذا اليوم العظيم. هذا اليوم العظيم يوم الجمعة يومٌ جعله الله تعالى عيداً للأسبوع، وما طلعت الشمس ولا غربت على يومٍ أفضل من يوم الجمعة باعتبار أيام الأسبوع، وخير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم عرفة باعتبار أيام السنة. هذا اليوم يوم العيد منَّ الله به على هذه الأمة وأضل اليهود والنصارى، فصار لليهود يوم السبت، وصار للنصارى يوم الأحد، وضلوا عن يوم الجمعة الذي فيه ختم الله خلق السماوات والأرض؛ لأن الله تعالى خلقها في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة، وفيه ابتداء خلق آدم؛ خلق الله آدم يوم الجمعة، وفيه أخرج من الجنة وأهبط إلى الأرض، فيكون مبدأ خلق البشر يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة فيكون منتهى الخلق أيضاً يوم الجمعة، فهو يومٌ عظيم، ولهذا اختص بأحكامٍ نذكر منها ما تيسر: من ذلك: أنه اختص بفرض صلاة الجمعة، وهذه الصلاة يشترط فيها الجماعة باتفاق المسلمين، فلا تصح صلاة الجمعة من منفرد، لا في البيت كالمرأة والمريض، ولا في المساجد، بل لابد من الجماعة فيها، فلو قدر أن إنساناً صلى وحده يوم الجمعة، وقال: أريد أن تكون جمعةً، قلنا له: إن صلاتك غير صحيحة، ويجب عليك أن تعيدها، هذه الصلاة لابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، غيرها من الصلاة تنعقد باثنين؛ بإمام ومأموم، أما الجمعة فلابد فيها من الجمع ثلاثة فأكثر، واختلف العلماء رحمهم الله في العدد الذي لابد منه في صلاة الجمعة، فمنهم من قال: أربعون رجلاً، فلو كان هناك قرية صغيرة ليس فيها إلا ثلاثون رجلاً فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنه لابد أن يكون العدد أربعين. وقال بعض العلماء: يكفي اثنا عشر رجلاً؛ لأن الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا التجارة لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً، وهذا يدل على أن اثني عشر رجلاً يكفي في عدد الجمعة. ومنهم من قال: يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، فلو فرض أن قرية ليس فيها مستوطنون سوى ثلاثة نفر فإنها تقام الجمعة؛ لأنه يحصل بها الجمع، إمام يخطب، ومؤذنٌ يدعو، ومأموم مجيب، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] هذا من المنادي المؤذن، ولابد من خطيب ولابد من مدعو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا} [الجمعة:9] وهذا القول أرجح الأقوال: أنه يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، إمامٌ يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم مجيب، فنقول: لو صلى الإنسان غير الجمعة كالظهر مثلاً، لو صلى وحده أتجزئه الصلاة؟ A نعم. تجزئه وتبرأ بها ذمته، لكن إن كان ممن تجب عليه الجماعة كان آثماً، وإن كان ممن لا تجب عليه الجماعة كان غير آثم.

الوقت شرط في صحة صلاة الجمعة

الوقت شرط في صحة صلاة الجمعة من خصائص هذه الصلاة العظيمة أنها لا تصح إلا في الوقت، ولهذا قال العلماء: من شروط صحة الجمعة: الوقت، وفي غيرها قالوا: من شروط الصلاة: دخول الوقت، وحينئذٍ نسأل: ما الفرق بين قولنا: من شروط صحة الصلاة الوقت، ومن شروط صحة الصلاة دخول وقت الصلاة؟ هل بين العبارتين فرق أو هما شيءٌ واحد؟ الفرق بين قولنا: من شروط صحة الصلاة دخول الوقت، وقولنا: من شروط صحة الصلاة الوقت، أننا إذا قلنا: من شروط صحة الصلاة الوقت فإنها لا تصح لا قبله ولا بعده، وإذا قلنا: من شروط صحة الصلاة دخول الوقت لم تصح قبله وصحت بعده، ولكن هل تصح الصلاة بعد الوقت لمن أخرها عمداً أو لا؟ لا تصح. ولمن أخرها نوماً أو نسياناً؟ تصح، الصلاة التي غير الجمعة لو أن إنساناً نام ولم يستيقظ، وليس عنده من يوقظه فلم ينتبه إلا حين خرج الوقت فإنها تصح، يصليها وصلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها -متى؟ - إذا ذكرها) هذا بالنسيان، وإذا استيقظ هذا في حق اليقظة، ولهذا لما نام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر وهم في سفر فلم يستيقظوا إلا في طلوع الشمس صلاها ولم يدعها، لكن لو أخر الصلاة عمداً عن وقتها بلا عذر شرعي فهل تصح الصلاة؟ لا تصح، والدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون عمله مردوداً. وكذلك أيضاً ربما يستدل بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] والمخرج للصلاة عن وقتها بلا عذرٍ متعدٍ لحدود الله فيكون ظالماً والظالم لا يقبل منه: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] .

الجمعة لا تكون إلا في الأوطان

الجمعة لا تكون إلا في الأوطان من خصائص صلاة الجمعة: أنها لا تكون إلا في الأوطان في المدن والقرى، أما غير الجمعة ففي أي مكان، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسافر الأسفار الطويلة وتمر به الجمعة ولم يكن يقيمها في السفر، ولو كانت الجمعة واجبة على المسافر لأقامها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واعجبوا أن يوم عرفة في حجة الوداع صادف يوم الجمعة، ومع ذلك لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة صلاة الجمعة كما في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالوادي فخطب الناس -خطبة معروفة بليغة- ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر) هكذا قال جابر رضي الله عنه، ولقد ضل من قال: إن الجمعة تقام في السفر، وخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه إذا فعل أن يعيدها إن كان يريد إبراء ذمته وإقامة حجته عند الله عز وجل؛ لأن هذا ليس موضع اجتهاد حتى يقال: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، هذا السنة فيه واضحة أجلى من النهار في ارتفاع الشمس، ولا عذر لأحد أن يقيم صلاة الجمعة في السفر إطلاقاً، لكن لو صادف أنك في بلد نازل تريد أن تواصل السفر في آخر النهار وجب عليك أن تصلي مع المسلمين؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] والمسافر من المؤمنين فيشمله الخطاب.

صلاة الجمعة لا يجمع إليها ما بعدها

صلاة الجمعة لا يجمع إليها ما بعدها ومن خصائص هذه الصلاة: أنه لا يجمع إليها ما بعدها، والذي بعدها ما هو الأصل؟ صلاة العصر، فلا تجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، فلو أن الإنسان كان مسافراً نازلاً من بلد، ويريد أن يواصل السير بعد صلاة الجمعة، وصلى مع الناس صلاة الجمعة؛ فإنه لا يضم إليها العصر، لماذا؟ لأن السنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، وصلاة الجمعة ليست صلاة ظهر بالاتفاق، لا أحد يقول: إن صلاة الجمعة صلاة ظهر، وعلى هذا فنقول: واصل السفر وإذا دخل وقت العصر وأنت في السفر فصل حيثما أدركتك الصلاة.

الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة

الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ومن خصائص هذه الصلاة العظيمة: أن القراءة فيها تكون جهراً، وغيرها سراً، إلا ما كان مثلها في جمع الناس فتكون جهراً، ولهذا نرى أن صلاة العيدين تكون القراءة فيها جهراً، الكسوف جهر، حتى في النهار لو كسفت الشمس فالقراءة فيها جهر، الاستسقاء جهر؛ لأن الناس مجتمعون، فهذا الاجتماع الموحد جعل القراءة في الصلاة جهراً ولو كانت نهارية. إذاً: من خصائص صلاة الجمعة أن القراءة فيها جهر، بخلاف الظهر، وذلك من أجل أن يجتمع هذا الجمع الكبير على قراءة واحدة وهي قراءة الإمام.

ساعة الإجابة تصادف صلاة الجمعة

ساعة الإجابة تصادف صلاة الجمعة من خصائص صلاة الجمعة: أنها تصادف ساعة الإجابة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) وهذه نعمة عظيمة، هذه ليست موجودة في صلاة الظهر مثلاً، لكنها في صلاة الجمعة، فأرجى ساعات الجمعة بالإجابة هي وقت الصلاة، وذلك لأمور: أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة بقيادة واحدة، يعني: إمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين اجتمع المسلمون على صعيد عرفة ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يباهي بهم الملائكة ويجيب دعاءهم، لذلك احرص يا أخي! على الدعاء في هذا الوقت وهو وقت صلاة الجمعة، لكن متى تدخل هذه الساعة ومتى تخرج؟ تدخل من حين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، فلننظر الآن متى ندعو، دخل الإمام وسلم وبعد ذلك الأذان؛ الأذان ليس فيه دعاء فيه إجابة للمؤذن، بعد الأذان هناك دعاء، بين الأذان والخطبة هناك دعاء، تقول بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة والقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد) . ثم تدعو بما شئت، ما دام الخطيب لم يشرع في الخطبة فأنت في حل فادع الله بما شئت، كذلك أيضاً بين الخطبتين تدعو الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، كذلك أيضاً في أثناء الصلاة في السجود: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب ما تكون من الرب وأنت ساجد، لماذا؟ لأن هذه الهيئة -أعني هيئة السجود- أكمل ذل للإنسان، أي عضو فيك أشرف؟ الوجه، أين تضعه في السجود؟ في الأرض موطئ الأقدام، فرأسك وجبهتك محاذية أصابع رجليك، بهذا الذل والخضوع العظيم صار الإنسان أقرب ما يكون من ربه جل وعلا؛ لأن من تواضع لله رفعه: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) استغل هذه الفرصة أكثر من الدعاء، بأي شيء تدعو؟ بالذي تريد من خيري الدنيا والآخرة، لو قال الإنسان في دعائه: اللهم ارزقني سيارة جميلة، يصلح؟ يصلح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله) حتى شراك النعل، ثم الدعاء نفسه عباده، فإذا دعوت الله بأي غرض، لو قال الطالب وهو في أيام الامتحان: اللهم ارزقني نجاحاً إلى درجة ممتاز، يصلح؟ يصلح، هذا دعاء لله تخاطب الله، والممنوع مخاطبة الآدميين، لكن مخاطبة الله بالدعاء ليست ممنوعة. ولكن هل هناك محل دعاء ثانٍ في الصلاة؟ بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وكلمة: (ما شاء) عند علماء الأصول تفيد العموم؟ الدليل على أن الاسم الموصول يفيد العموم قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33] (أولئك هم) هذه جماعة، (والذي) مفرد، فما الذي أوجب أن يخبر عن المفرد بالجماعة؟ الذي أوجب ذلك أن الاسم الموصول يفيد العموم، ومثل ذلك اسم الشرط يفيد العموم، والدليل على هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] فهذه تفيد العموم ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخيل وأثنى عليها وما فيها من الأجر، قالوا: يا رسول الله! فالحمر، قال: (لم ينزل عليَّ فيها إلا هذه الآية الشاذة والفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] * {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:8] ) هذه تعم كل شيء. إذاً: اسم الموصول يفيد العموم، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) يفيد عموميتها، وأما قول بعض الفقهاء رحمهم الله: إنه لا يجوز للإنسان أن يدعو في صلاته بشيءٍ من ملاذ الدنيا؛ فإنه قولٌ ضعيف يخالف الحديث، وإذا كان الإنسان في أزمة اقتصادية فإلى من يلجأ؟ إلى الله، يدعو الله عز وجل. فصار عندنا الآن في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء، فانتهز الفرصة يا أخي! انتهز الفرصة في الدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة. هناك أيضاً ساعة أخرى ترجى فيها الإجابة من نفس اليوم، وهي ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء وقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وهو قائمٌ يصلي) وبعد العصر لا توجد صلاة، أجاب عنهم العلماء، فقالوا: إن منتظر الصلاة في حكم المصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) .

وجوب الغسل لصلاة الجمعة

وجوب الغسل لصلاة الجمعة ومن خصائص هذه الصلاة: أنه يجب الغسل لها كما يغتسل الإنسان للجنابة، يجب أن يغتسل لها كما يغتسل للجنابة وجوباً، في الشتاء وفي الصيف، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم) (واجب) من القائل: واجب؟ الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الخلق بشرع الله، ولا يمكن أن يطلق على شيءٍ مستحبٍ أنه واجب، لو كان كذلك لكان الأمر خطيراً فهو أعلم الخلق بشريعة الله، وهو أفصح الخلق بما ينطق به، وهو أنصح الخلق للخلق، نعم والله! أنصح الخلق للخلق، وهو أصدق الخلق خبراً، نعم. هو يقول: (غسل الجمعة واجب) بعد أن قدمت لك هذه المقدمات احكم أنت، غسل الجمعة واجب، ثم قرن الوجوب بما يقتضي التكليف وهو قوله: (على كل محتلم) لأن المحتلم هو الذي تجب عليه الواجبات، والمحتلم معناه: ليس الذي احتلم بالفعل، المحتلم بالفعل يجب عليه الغسل من الجنابة ولو في الإثنين والثلاثاء والأربعاء، لكن غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. أظن أننا لو قرأنا هذه العبارة في مصنفٍ من مصنفات الفقه لم يبق عندنا شكٌ بأن المؤلف يرى الوجوب، فكيف والناطق به محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. ثم إن في الغسل فائدة للبدن تنشيطاً وتنظيفاً، ويدل للوجوب ما جرى بين عمر وعثمان رضي الله عنهما: كان عمر يخطب الناس فدخل عثمان في أثناء الخطبة فكأن عمر لامه على تأخره، قال: والله يا أمير المؤمنين! ما زدت على أن سمعت الأذان فتوضأت ثم أتيت -مشغول- قال له عمر أمام الناس وهو يخطب: والوضوء أيضاً -يعني: تقتصر على الوضوء أيضاً وتأتي متأخراً- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فكلمه بنوعٍ من التوبيخ، واستدل على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) .

لا راتبة قبل الجمعة

لا راتبة قبل الجمعة وكذلك أيضاً من خصائص هذه الصلاة العظيمة: أنه ليس لها راتبة قبلها، لأن المؤذن إذا أذن فالخطيب حاضر سوف يبدأ بالخطبة، وإن شاء التطوع بعد الخطبة حرام، ولو فعل لكان آثماً والصلاة غير مقبولة إلا فيمن دخل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين لما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصلِ ركعتين وتجوز فيهما) لذلك ليس لها سنة قبلها، الظهر لها سنة راتبة قبلها أربع ركعات بتسليمتين، أما الجمعة فليس لها راتبة قبلها، لكن من جاء قبل الأذان الثاني فليتطوع بما شاء، بدون حد. هل لها راتبة بعدها؟ نعم. لها راتبة بعدها، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي بعدها ركعتين في بيته، وقال: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) فعندنا الآن سنة قولية وسنة فعلية، القولية أربع ركعات، والفعلية ركعتان، كيف نجمع بينهما؟ هل نأخذ بالسنة الفعلية، أو بالسنة القولية، أو نأخذ بهما جميعاً، أو نفصل؟ كم الاحتمالات الآن؟ أربعة: هل نأخذ بالسنة القولية فنقول: سنة الجمعة أربع ركعات. أو بالسنة الفعلية فنقول: سنة الجمعة ركعتان. أو نجمع بينهما فتكون السنة ست ركعات. أو نفصل والتفصيل أذكره لكم إن شاء الله، فالاحتمالات أربعة: من العلماء من قال: السنة ركعتان في البيت؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] . ومن الناس من قال: السنة أربع، سواءٌ صلاها في البيت أو في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) وقوله مقدم على فعله عند التعارض. ومنهم من قال: الاحتياط أن يأتي بالسنة الفعلية والقولية فيصلي ستاً. أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ففصل، قال: إن صلى في بيته فالسنة ركعتان فقط؛ لأن الرسول لم يزد على ركعتين في بيته، وإن صلى أربعاً ففي المسجد، وهذا تفصيلٌ لا بأس به. إذاً: تفارق الجمعة الظهر بأنه ليس لها راتبة قبلها، وراتبتها بعدها ركعتان إن صلى في البيت، وأربع إن صلى في المسجد.

خصائص يوم الجمعة

خصائص يوم الجمعة أما يوم الجمعة فله خصائص، نحن الآن تكلمنا عن خصائص الصلاة، ويوم الجمعة له خصائص منها:

سنية قراءة سورة الكهف كاملة يوم الجمعة

سنية قراءة سورة الكهف كاملة يوم الجمعة فيسن للإنسان أن يقرأ فيه سورة الكهف كاملة، وليس في فجر يوم الجمعة كما يفعله بعض الأئمة الجهال، بل في غير الصلاة؛ لأن فجر يوم الجمعة يقرأ فيه بسورتين معروفتين سورة السجدة وسورة الإنسان، ويقرأ سورة الكهف في اليوم: خارج الصلاة قبل صلاة الجمعة أو بعدها، يجوز هذا وهذا، سواء قرأت سورة الكهف قبل صلاة الجمعة أو بعدها يحصل الأجر، بخلاف الاغتسال فإنه لابد أن يكون قبل الصلاة.

قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر يوم الجمعة

قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر يوم الجمعة ومنها: أي: من خصائص يوم الجمعة: أنه يقرأ في فجره: (ألم * تنزيل) السجدة في الركعة الأولى، و (هل أتى على الإنسان) في الركعة الثانية، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما يفعله بعض الجهال من الأئمة حيث يقسم (ألم * تنزيل) السجدة بين الركعتين، أو يقتصر على نصفها ويقرأ نصف (هل أتى) فهو خطأ، نقول لهذا: إما أن تقرأ بالسورتين كاملتين، وإما أن تقرأ بسورة أخرى لئلا تخالف السنة، لأن هناك فرقاً بين من يقرأ بسورتين أخريين فيقال: هذا فاتته السنة، لكن من قرأ بسورة (ألم * تنزيل) السجدة وقسمها في الركعتين، أو قرأ نصفها ونصف (هل أتى) ، فهذا خالف السنة، وفرق بين المخالفة وبين عدم فعل السنة؛ لأن الأول أشد.

الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن خصائص يوم الجمعة: أنه ينبغي فيه إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أكثر من الصلاة على نبيك محمد عليه الصلاة والسلام الذي هو أعظم الخلق حقاً عليك، أعظم حقاً من أمك وأبيك، ويجب أن تفديه بنفسك ومالك، أكثر من الصلاة عليه يوم الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.

يوم الجمعة لا يصام وحده

يوم الجمعة لا يصام وحده ومن خصائص هذا اليوم: أنه لا يصام وحده إلا من صادف عادة فصامه، يعني: لا يمكن أن تفرد يوم الجمعة بصوم فإما أن تصوم يوم الخميس معه، وإما أن تصوم السبت، إلا من كان له عادة فصادف عادته، مثل أن يكون ممن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصادف يوم الجمعة يوم صومه فلا بأس يصوم ولا حرج، وكذلك لو كان يوم الجمعة يوم عرفة صم ولا حرج، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء صم ولا حرج، ولكن يوم عاشوراء اختص بأنه يصام يومٌ قبله أو يومٌ بعده مخالفة لليهود. أما يوم السبت فصومه جائز لمن أضاف إليه الجمعة، وأما بدون الجمعة فلا تفرد يوم السبت بصوم، ما لم يفرده عادة أو يوماً مشروعاً صومه كيوم عرفة أو يوم عاشوراء.

ليس في يوم الجمعة مزية لزيارة القبور

ليس في يوم الجمعة مزية لزيارة القبور من خصائص هذا اليوم أعني يوم الجمعة: أنه عند بعض العلماء تسن فيه زيارة القبور، لكن هذا ليس بصحيح؛ فإن زيارة القبور مشروعة كل وقت، في الليل في النهار في الجمعة في الإثنين في الثلاثاء في الأربعاء، أي وقت يسن أن تزور المقابر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار البقيع ليلاً صلوات الله وسلامه عليه ولا يختص بيوم الجمعة، وقد سبق لنا أن زيارة القبور لها فائدة عظيمة، وهي: (تذكر الآخرة) ، وفي لفظٍ آخر: (تذكر الموت) والمقصود بزيارة القبور تذكر الإنسان لحاله أنه الآن على ظهر الأرض يتمكن من الأعمال الصالحة، وغداً من أهل باطن الأرض الذين لا يتمكنون من العمل الصالح. هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول يوم الجمعة وما يتعلق بصلاة الجمعة، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

أحكام في السلام

أحكام في السلام بقي علينا أن نتكلم على مسألة هامة، هذه المسألة المهمة العظيمة هي السلام، سلام الناس بعضهم على بعض أهو سنة أو حرام أو مكروه؟

مشروعية السلام

مشروعية السلام أنت إذا لاقيت واحداً تسلم عليه أو لا تسلم عليه؟ تسلم عليه، العجب أنك الآن تسلم على بعض الناس خارجاً في المسجد أو داخلاً فيه ويستنكر يلتفت: ما هذا؟ كأنه لا يشاع السلام بين المسلمين أليس كذلك؟ ألم تدركوا هذا يا إخواني؟ أنا أدركته، إذا سلمت استنكروا: ما هذا؟ لماذا سلم؟ كأنه ليس ببلاد المسلمين، مع أن السلام له فضائل عظيمة: منها: أنه سببٌ لدخول الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا) لا يوجد إيمان كامل إلا إذا تحاب المؤمنون وأحب بعضهم بعضاً؛ لأنه بدون المحبة لا يمكن أن تجتمع القلوب، ولا أن تتساوى الأفعال، لابد من المحبة، حتى لو حصل بينك وبين أخيك المؤمن سوء تفاهم فحاول أن تزيل أثر سوء التفاهم هذا حتى تعيد المحبة التي بينك وبين أخيك، وانظر الآن الفرق بين شخصٍ تسلم عليه فتجده مكفهراً طول الوقت، وربما يعرض عنك، ورجل تسلم عليه فينطلق وجهه سروراً ويضيء من السرور، تجد قلبك ينفتح له: (ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم) أفشوا بمعنى: انشروا ووسعوا السلام بينكم.

كيفية السلام

كيفية السلام من يسلم: الكبير على الصغير، أو الصغير على الكبير؟ الصغير على الكبير. من يسلم: الراكب على الماشي، أو الماشي على الراكب؟ الراكب على الماشي. من يسلم: القليل على الكثير، أو الكثير على القليل؟ القليل على الكثير. وهل يسلم الإنسان (بالبوري) ؟! لا؛ لأنه إذا نهي عن السلام بالإشارة فهذا من باب أولى، لكن بعض الناس ينبه بالبوري ثم يقول: السلام عليكم، فيكون الأول ليس المقصود بالسلام لكنه للتنبيه، ومع ذلك الأحسن ألا يفعل وأن يسلم بالقول. إذا لم يسلم الصغير على الكبير هل تترك السنة فلا يسلم الكبير على الصغير؟ أو نقول: إذا لم يسلم الصغير فسلم أنت أيها الكبير؟ نقول: سلم أنت أيها الكبير! لأنه قد يكون الصغير في تلك الساعة ساهياً غافلاً، وقد يكون جاهلاً، فأنت سلم لتعلمه، ولهذا كان من هدي محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم على الصبيان إذا مر بهم، تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام وتعليماً للأمة، وهل يسلم القليل على الكثير؟ أنت الآن معك أربعة، لاقاكم رجلان ولم يسلما، أتسلمون؟ نعم. فيجب أن نسلم ولا نترك السنة تضيع لغفلة أو سهوٍ أو استكبار أو غير ذلك، إذاً: يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، فإذا لم تحصل السنة ممن يطالب بها يسلم الآخر، ومن تواضع لله رفعه الله.

صيغة السلام

صيغة السلام ما هي صيغة السلام؟ السلام أن تقول: السلام عليك إذا كان واحداً، والسلام عليكم إذا كانوا جماعة. الدليل: أن رجلاً جاء فدخل المسجد وصلى صلاةً لا يطمئن فيها، ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (السلام عليك يا رسول الله! فرد عليه السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل) ، وإذا كنت تخاطب اثنين فقل: السلام عليكم لأنه يجوز مخاطبة الاثنين بصيغة الجمع، وإذا كنت تسلم على أمك ماذا تقول؟ السلام عليكِ يا أمي! لماذا؟ لأن الكاف إذا خوطب بها امرأة تكون مكسورة، وإذا دخلتَ على خالاتك وهن أربع أو خمس ماذا تقول؟ السلام عليكن ورحمة الله وبركاته لأن الكاف للخطاب فتكون على حسب المخاطب. وبماذا يرد المسلم عليه؟ يعني يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سلم عليك، قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، تقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، لا ما نع، المهم أن تقول: السلام عليك؟ خطأ. تقول: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بالواو أو بدونها؟ بالواو، وبدونها أيضاً، يعني: وعليكم السلام أو تقول عليكم السلام، الواو أفضل وبدونها جائز، ما تقولون في رجل قلنا له: السلام عليك، فقال: أهلاً ومرحباً، وحياكم الله وتفضل، واليوم يوم سرور، وهذا من أفضل الأيام عندنا، وفقك الله وزادك علماً وتقوىً وهدىً، أيكون قد رد السلام؟ ما رد السلام، مع أنه ذكر سطرين يمكن أن فيها رد السلام. أقول: لو أن الإنسان ملأ الدنيا كلها بردٍ ليس فيه عليك السلام، فإنه لا يعد راداً للسلام ويكون آثماً؛ لأن رد السلام واجب بالمثل أو أحسن، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] فبدأ بالأحسن، ثم قال: أو ردوها، وهذا هو الواجب.

حكم ابتداء السلام على الكافر ورد السلام عليه

حكم ابتداء السلام على الكافر ورد السلام عليه هل يجوز للإنسان أن يسلم ابتداءً على الكافر أو لا؟ مررت برجل كافر؛ يهودي أو نصراني أو مجوسي؛ أو أي إنسان كافر تبدؤه بالسلام أو لا؟ مداخلة: لا. الشيخ: ما الدليل؟ مداخلة: لا أعرف؟ الشيخ: كيف تحكم بما لا تعرف دليله؟ على كل حال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن لا تحكم على شيء بالتحليل أو التحريم خاصة إلا إذا عرفت الدليل لقول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] ، وقوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] لكن لا بأس للمقلد أن يقول: قال علماؤنا: كذا وكذا؛ لأنه مقلد. عندك دليل؟ مداخلة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الكافر فضيقوا عليه حتى) . الشيخ: لا أعرف هذا اللفظ، هل أنت تجيز رواية الحديث بالمعنى؟ مداخلة: لا يجوز. الشيخ: إذاً: أخطأت. مداخلة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا لقيتم أهل الكتاب فلا تبدءوهم بالسلام) . الشيخ: استرح، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فلا يجوز أن تبدأ اليهودي أو النصراني أو المشرك أو الشيوعي بالسلام، لكن إذا سلموا فهل يجب علي أن أرد، أو لا يجب؟ يجب، والدليل: قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ما قال الله عز وجل: إذا حيا بعضكم بعضاً، أو إذا حياكم مسلمون، أي إنسان يحييك بتحية فإن من عدالة الإسلام أن ترد عليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90] سلم عليه، فإذا قال النصراني: السلام عليك، ماذا تقول؟ عليك السلام، وإذا أدغم اللام، وقال: السام عليك، لا تدري أقال: السلام، أو قال: السام عليك، فعليك أن تقول: وعليك، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا سلموا علينا: وعليكم، وقد علل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن اليهود كانوا يقولون إذا سلموا عليكم: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) قال أهل العلم: وهذا يدل على أنهم لو قالوا: السلام باللام الواضحة، فإنه يقال: وعليكم السلام، ولا بأس، لعموم قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، ولكن يبتلى بعض الناس ببلوى وأنا سأنظر كيف تحلونها: يكون رئيسه في عمله نصرانياً فيدخل المكتب يريد أن يتفاهم مع هذا الرئيس فهل يسلم أو لا يسلم؟ مداخلة: لا يسلم. الشيخ: لا يسلم، يزعل عليك ويسقطك، أنت لا تظن أنك إذا هجرت كافراً لا يبالي بك، لا. أبداً، قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] لا تفكر أنك إذا أهنته أنه لا يتأثر، لا. لابد أن يتأثر، فماذا تصنع؟ مداخلة: أرد عليه بأي تحية مثل: صباح الخير. الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك، يعني: ابتدئه بغير السلام؛ لأن الرسول قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) بأي تحية، كما قال الأخ أقول: صباح الخير، ومع ذلك بإمكاني أن أقول صباح الخير لي وليس له، لأن التأويل بابه واسع.

الأسئلة

الأسئلة

ما يقال عند قول المؤذن: (حي على الصلاة حي على الفلاح)

ما يقال عند قول المؤذن: (حي على الصلاة حي على الفلاح) Q حي على الصلاة، ماذا يقول من سمعها؟ وما معناها؟ A يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ولكن أليس الناس الآن إذا أصابتهم مصيبة قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهل هذه مصيبة إذا دعاك إلى الصلاة؟ المصيبة إن تركتها، لا حول ولا قوة إلا بالله هذه كلمة استعانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي موسى: (يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنزٍ من كنوز الجنة؟ قال: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة) لأن معناها الاستعانة، كأنك تقول: أجيب وسمعاً وطاعة لكن لا حول لي ولا قوة إلا بالله. وما ذاك إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بها. وهذا جواب سديد لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ، ولأن عائشة لما سألتها معاذة: (ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) .

بيان معنى الساعة الأولى والثانية.

بيان معنى الساعة الأولى والثانية. في الحضور للجمعة Q يقول صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة. الحديث) فما هي الساعة وكيف تقدر؟ A قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا -وهم هذه الأمة- فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32] فضل الله يؤتيه من يشاء، فالذي يتأخر بعد الأذان آثم ظالمٌ لنفسه، والذي يأتي مع الأذان هذا مقتصد، والذي يأتي من قبل سابق بالخيرات، وقد بدأنا الآن: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الثانية بقرة، وفي الثالثة كبشاً أقرن -ما فضل الكبش الأقرن؟ لأنه دليل على قوته- ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة بيضة) ولكن ما هي الساعات التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام هل هي ساعاتنا هذه يعني: ستين دقيقة؟ أم ماذا؟ هي هذه الساعات، وهل تقدر الساعة الأولى بأنها طويلة أو قصيرة؟ الإمام يقدم الساعة السادسة حسب الترتيب في الحديث، لكن هذه الساعات الخمس السابقة على قدوم الإمام بماذا نقدرها؟ هل تجعل الأولى قصيرة من أجل أن يبادر الناس بالحضور، أو تجعل الساعات سواء؟ اختلف العلماء في هذه الساعة، منهم من قال: تبدأ بعد شروق الشمس، ومنهم من قال: بعد صلاة الفجر ويقسمون خمس ساعات على هذه، ما بين شروق الشمس إلى الأذان. ولكن هل تختلف طولاً وقصراً في الشتاء والصيف؟ وهل تختلف في الطول باختلاف الصيف وباختلاف الفصول؟ تختلف باختلاف الفصول، ففترة الشتاء بين الشروق والأذان قصيرة، وفي الصيف طويلة. ولا شك أن الذي يتأخر إلى مجيء الإمام قد حرم نفسه خيراً كثيراً لاسيما إذا لم يكن له شغل، وهنا أيضاً مشكلة: تجد بعض الناس يأتي ويتقدم لكن لا يشتغل بالعبادة، يأتي إليه أخوه أو صاحبه ثم يتكلمان، وربما يتكلمان في أعراض الناس والعياذ بالله في بيتٍ من بيوت الله، وهذا خطأ، إذا أتيت فصل وإذا مللت فاقرأ وإذا مللت سبح وهلل وكبر.

حكم الاغتسال للجمعة قبل وبعد طلوع فجر يوم الجمعة

حكم الاغتسال للجمعة قبل وبعد طلوع فجر يوم الجمعة Q هل يجزئ الغسل للجمعة في ليلة الجمعة أي قبل طلوع فجر يوم الجمعة؟ A لا يجزئ، لأن الغسل للجمعة لا يجزئ إلا إذا كان بعد طلوع الشمس، أما ما بين طلوع الشمس وطلوع الفجر فأنا أتردد فيه، وذلك لأن النهار شرعاً: ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وفلكاً: ما بين طلوع الشمس وغروبها، فهل نحمل اليوم على اليوم الفلكي أو على اليوم الشرعي؟ من المعلوم أن نحمله على اليوم الشرعي، لكن يعكر على ذلك أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقتٌ لصلاة الفجر لا يندب الإنسان فيه إلى أن يتقدم إلى الجمعة، بل هو وقت صلاة فجر، فعلى كل حال نقول: أما من اغتسل بعد طلوع الشمس فقد أصاب السنة وامتثل الأمر ولا إشكال، وأما ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس فهو محل نظر، وعلى هذا فالاحتياط ألا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس.

حكم من يستدل بحديث: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما) ويترك الصلاة إلا الجمعة

حكم من يستدل بحديث: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما) ويترك الصلاة إلا الجمعة Q من الناس من لا يصلي إلا صلاة الجمعة محتجاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما) ؟ A ولو احتج بقول الرسول: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وترك الصلاة كان أفضل!! نعم. سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما -لكن قيد ذلك قال:- ما لم تؤت الكبائر) وأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة؟! هذا فهم خاطئ، أعني الذي يقول: أنا أصلي الجمعة وأقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما) نقول: الحديث مقيد: (ما لم تؤت الكبائر) وفي لفظٍ آخر: (إذا اجتنبت الكبائر) وأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة؟ لا شيء؛ لأن ترك الصلاة كفر.

حكم الجمع بين الجمعة والعصر للمسافر

حكم الجمع بين الجمعة والعصر للمسافر Q قلتم حفظكم الله: لا يجمع إلى الجمعة ما بعدها -أي: صلاة العصر- ألا تحل الجمعة مكان الظهر؟ A لا. لا تحل الجمعة مكان الظهر، والأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها، لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] وإذا كانت الجمعة تخالف الظهر في أكثر من عشرين مسألة فلا يمكن إلحاقها بالظهر في الجمع؛ بأن تجمع عليها صلاة العصر.

حكم المواظبة على قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر الجمعة

حكم المواظبة على قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر الجمعة Q هل من السنة المواظبة على قراءة سورتي السجدة والإنسان فجر الجمعة دائماً؟ A نعم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما ويديم ذلك) وهذه اللفظة وإن لم تكن في الصحيحين لكنها لا تنافي ما في الصحيحين، لكن لو أنه خشي أن يظن العامة أن قراءتهما فرض فلا بأس أحياناً أن يقرأ بغيرهما مثلاً في الشهر مرة، في الشهرين مرة يقرأ بغيرهما يكون هذا جيداً.

حكم رفع اليدين والتأمين جهرا على دعاء الخطيب

حكم رفع اليدين والتأمين جهراً على دعاء الخطيب Q ما حكم رفع اليدين للمأمومين حينما يدعو الإمام أثناء الخطبة والتأمين جهراً؟ A رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة إنما يشرع في دعاء الاستسقاء فقط، يعني: مثلاً: في خطبة الجمعة دعا الإمام بالاستسقاء، قال: اللهم اسقنا، أغثنا هنا ترفع الأيدي، يرفعها الخطيب والمستمعون كلهم هكذا، في غير ذلك لا رفع، لا للخطيب ولا للمأمومين، ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان حين رفع يديه في الدعاء في خطبة الجمعة، وإنما يشير الإمام إشارة عند الدعاء يشير هكذا إشارة إلى علو المدعو عز وجل وهو الله تبارك وتعالى. أما التأمين جهراً فإن ذلك ينافي كمال الاستماع إلى الخطبة، لكن إذا أراد أن يؤمن المأموم فليؤمن سراً، ولا حرج عليه في ذلك.

حكم التسليم على من يعلم عدم رده للسلام

حكم التسليم على من يعلم عدم رده للسلام Q إذا دخلت إلى المنزل وسلمت على أهلي ولم يرد عليَّ منهم أحد، فهل أترك السلام؟ A لا تترك السلام، إذا سلمت على إنسان ولم يرد عليك فذكره قل: يا أخي! لماذا لم ترد؟ وأرشده إلى وجوب الرد، ولكن إذا علمت أن هذا الرجل لا يرد السلام فهل تسلم أو تقول: لا أسلم لئلا أعرضه للإثم؟ اشتبه على بعض الناس، فقال: إذا علمت أن المسَلَّم عليه لا يرد السلام فلا تسلم؛ لأنك إذا سلمت ولم يرد كان آثماً فتكون أنت السبب في إثمه، فنقول: هذا خطأ، هذه نظرية خاطئة؛ لأنه إذا قصر هو في الواجب عليه فلا ينبغي لي أن أقصر فيما أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال: (أفشوا السلام بينكم) فأنت سلم وإذا لم يرد فانصحه وقل: يا أخي! أنت يجب عليك إذا سلم عليك أخوك المسلم أن ترد عليه السلام.

حكم الجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة

حكم الجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة Q ما حكم الجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ A لا بأس بذلك، يعني: مثلاً إذا كان الإنسان جنباً واغتسل ونوى بذلك رفع الجنابة والاغتسال للجمعة فلا حرج في هذا، كما لو أن الإنسان دخل المسجد وصلى ركعتين ينوي بهما الراتبة وتحية المسجد فلا بأس، وهنا نقول: المسألة لا تخلو من أقسامٍ ثلاثة: أن ينوي غسل الجنابة فقط. أن ينوي غسل الجنابة والجمعة. أن ينوي غسل الجمعة فقط. بقي قسم رابع لكن لا يمكن أن يرد وهو: ألا ينويهما، وهذا غير وارد. فإذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غسل الجمعة إذا كان بعد طلوع الشمس، وإذا نواهما جميعاً أجزءه ونال الأجر لهما جميعاً، وإذا نوى غسل الجمعة لم يكفه عن غسل الجنابة، لماذا؟ لأن غسل الجمعة واجبٌ عن غير حدث، وغسل الجنابة واجبٌ عن حدث، فلابد من نية ترفع هذا الحدث. وإن كان بعض العلماء قال بالغسل مرتين لكنه لا وجه له، لأن السنة أتت: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام ولم يلغ) فقول: (غسل واغتسل) بعض العلماء يقول: غسل الأذى ونظف بدنه، واغتسل اغتسال الجنابة المعروف، وبعضهم يقول: من غسل: أي من جامع زوجته؛ لأن جماعه إياها يستلزم أن تغتسل وهذا يدل على أن الغسل الواحد يكفي.

الدليل على تحريم إفراد صيام يوم السبت

الدليل على تحريم إفراد صيام يوم السبت Q ما الدليل على صيام يوم قبل يوم السبت أو بعده؟ A الدليل على أنه لا يفرد يوم السبت بصوم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو أن يمضغ أحدكم غصن عنبٍ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث اختلف فيه العلماء، وهذا الحديث بعض العلماء قال: إنه شاذ، فيكون ضعيفاً، لأنه يخالف الحديث الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى نسائه وهي صائمة يوم الجمعة -أو دخلت عليه- فقال لها: (أصمتِ أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) ، وفي قوله: (أتصومين غداً) دليل على جواز صوم السبت في غير الفريضة، فيكون هذا الحديث شاذاً، ومن شرط صحة الحديث ألا يكون معللاً ولا شاذاً. ومن العلماء من قال: إنه منسوخ. ومنهم من قال: إنه يحمل على صومه منفرداً، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله.

متى يشير المصلي بإصبعه في التشهد؟

متى يشير المصلي بإصبعه في التشهد؟ Q متى يشير المصلي بإصبعه في التشهد؟ A يشير بإصبعه في التشهد كلما دعا، أي: عند الدعاء، كما جاء في الحديث وإن كان في صحته نظر: (يحركها يدعو بها) فمثلاً: إذا قلت: (التحيات لله والصلوات الطيبات) فهل تشير؟ لا تشير؛ لأنه ليس فيها دعاء هذه ثناء على الله. (السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته) أتشير؟ تشير لأنه دعاء. (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) تشير لأنه دعاء. (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) تشير لأنه دعاء. (اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد) تشير لأنه دعاء. (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) تشير لأنه دعاء.

حكم صيام التطوع إذا أثر على أداء واجب

حكم صيام التطوع إذا أثر على أداء واجب Q أحياناً أصوم الإثنين والخميس وأعقد النية على الصيام في الليل، وفي الصباح أذهب إلى عملي ولكن في بعض الأيام أشعر بالتعب والنعاس مما يضطرني للإفطار، فهل لي ذلك؟ A أولاً: نقول للإنسان الذي له عمل رسمي: إذا كان صومه يخل بالعمل فإن صومه حرام، سواء الإثنين أو الخميس أو الأيام البيض، لماذا؟ لأن القيام بعمل الوظيفة واجب وصوم التطوع ليس بواجب، ولا يمكن أن يضيع الإنسان الواجب من أجل فعل المستحب، وهذه نقطة يخطئ فيها كثيرٌ من الناس؛ يتهاونون في أداء الواجب ويفعلون السنة، فهم كالذين يبنون قصراً ويهدمون مصراً، وهذا غلط. أما إذا كان الإنسان عنده قوة على تحمل العطش والجوع والهلع، أو كان في أيام الشتاء نهارٌ قصير وجوٌ بارد ولا يؤثر على عمله فليصم. وجواب السؤال -نحن ذكرنا الآن قاعدة عامة- لكن جواب السؤال: أن هذا الرجل الذي وجد من نفسه كسلاً وضعفاً عن أداء الواجب نقول: أفطر وجوباً، يجب عليك أن تفطر وتقوم بالعمل الواجب.

حكم الثوب الذي يلبس إلى أنصاف الساقين

حكم الثوب الذي يُلبس إلى أنصاف الساقين Q هل الثوب الذي يلبس إلى أنصاف الساقين يعتبر ثوب شهرة في هذه الأيام؟ A هو عند الناس يشيرون إليه بالأصابع إذا رأوا رجلاً من قومٍ يعتادون أن يكون اللباس نازلاً، أما إذا كان من قومٍ يعتادون رفع الثياب، لأن في بعض البلاد تجد ثيابهم قصيرة من أصل، وتجدها إلى نصف الساق والباقي في السروال، فهذا يعتبر لباس شهرة. ثم إنني أقول: ينبغي ألا نتشدد في هذا الأمر، أي: في رفع الثوب، لأن الأمر كله واسع، والصحابة منهم من يكون ثوبه إلى أسفل من نصف الساق، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثوبه نازل وأقره النبي عليه الصلاة والسلام، والدليل على أن ثوبه نازل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر عقوبة من يجر ثوبه خيلاء قال: (يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعاهده، فقال: إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء) ومن لازم كونه يسترخي عليه أن يكون أنزل من نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ونزل حتى وصل إلى ما تحت الكعبين تبدو عورته من فوق ضرورة، يعني: لو كان إزار يصل إلى نصف الساق، والأزر كما تعرفون في الغالب إلى السرة، إذا استرخى ونزل ينكشف ما فوق، وهذا دليل واضح على أن الأمر والحمد لله في هذا واسع، ولا ينبغي أن يعلق الإنسان الولاء والبراء على تقصير الثوب أو تطويله، لكن من رأى أخاه قد نزل ثوبه أسفل من الكعبين فلينصحه وليحذره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) لكن لا ينتقده إذا رآه قد وصل إلى قريب الكعب، ويقول: خالفت السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) فجعله في ذلك فاعلاً لكبيرة، هذا غلط، بل ينبغي للإنسان أن ينظر الأدلة من جميع الجوانب، أما أن ينظر إلى الأدلة من جانبٍ واحد فهو كما قال بعض العلماء: كالناظر بعيني أعور، والأعور لا يبصر إلا بعينٍ واحدة من جانب واحد، لو أن واحداً أرسل عليه المسدس من عند عينه العوراء هل يشاهده؟ لا يشاهده، لذلك ينبغي للإنسان أن يتأنى في الحكم على الشيء، وفي الولاء والبراء؛ لأن المسألة منهاجية، إذا انزرعت في القلوب العداوة والبغضاء والكراهية، لحصل الخلل في الأمة، وأعداء الإسلام سواء من المنافقين والملحدين والمعلنين بكفرهم، أعداء الإسلام يتمنون أن تتفرق الأمة الإسلامية شيعاً، وهذا أطيب ما يكون لقلوبهم؛ لأن تفرق الأمة والعداوة بينها يفككها ولا يكون لها قوة.

حكم اقتناء ومشاهدة التلفاز

حكم اقتناء ومشاهدة التلفاز Q عندي تلفازٌ في البيت ولا أشاهد فيه المحرمات، ولكن أولادي يشاهدون فيه أفلام الكرتون فقط، فما حكم ذلك؟ A نصيحتي لكل مسلم أن يتجنب التلفاز وإدخاله بيته، لاسيما مع وجود الدشوش التي هي كالسرطان في الأمة، ولا يقتصر شرها على صاحب البيت، بل تنتشر إلى من حوله، فنصيحتي لكل مسلم نصيحة أخوية: أن يتجنب إدخال التلفاز بيته؛ لأنه يسلم ويسلم أهله، وهو لا يدري فلعله اليوم يمكنه أن يسيطر على نفسه وعلى أهله، ولكنه غداً لا يتمكن، يغلب، أو يموت فيرثه أهله من بعده ويكون كل مرأىً محرماً رأوه يكون إثمه أو يكون له نصيبٌ من إثمه؛ لأنه هو الذي تسبب في جلبه إلى البيت. فنصيحتي لإخواني: ألا يقتنوا هذا، والحمد لله الأخبار موجودة في غير التلفاز، موجودة في الراديو والأحاديث النبوية والمواعظ والقرآن فهو موجود في غير التلفاز، لكن لو فرض أنك زرت صديقاً لك ووجدته قد فتح التلفاز على الأخبار، فهل يحرم عليك مشاهدتها؟ الجواب: لا. لا يحرم؛ لأن مشاهدة الأخبار المجردة ليست فيها شيء، كأنك تطل على هؤلاء من فرجة، فلا بأس به، لكن الكلام على الاقتناء، والاقتناء شيء والمشاهدة شيء آخر، الاقتناء نصيحتي لكل مسلمٍ ألا يقتنيه، أما المشاهدة فعلى حسب ما يعرض فيه من خيرٍ أو شر، فإذا كان شراً الآن يكسره وينتهي منه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وإذا كان البيت لأبيه، وأبوه هو الذي جاء بذلك ولا يستطيع هو أن يفعل شيئاً فقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وإذا فتح التلفاز على مشاهداتٍ محرمة فليترك المجلس.

حكم شراء العرائس للأطفال

حكم شراء العرائس للأطفال Q ما حكم شراء العرائس والدمى للطفل الصغير مع أنها على هيئة الإنسان تماماً؟ A الاحتياط ألا يشتريها للصغار، هذه الدمى التي تكون على صورة الإنسان بالضبط الاحتياط هو ألا يشتريها، وهناك بدل عنها وجدت الآن دمى ليست على نفس الصورة تماماً فيستغنى بهذه عن هذه، ويرخص للصغار ما لا يرخص للكبار؛ لأن الصغار تعتقد البنت أن هذه العروسة بنتها تجدها تحامي عليها، تضعها أمام المكيف وتفتح المكيف عليها من أجل أن تبردها في الصيف، وتدفيها في الشتاء، وتعتقد أنها بنتها، وتنطق البنت الصغيرة إذا جاءت تقابل بين عروستين تجي تنطق، تقول: كيف أنتم؟ كيف الزواج؟ كيف كذا؟ كيف كذا؟ يعني: تعتقد كأنها أمر صحيح، وهذا يعلمها ما هو في مستقبل أمرها، ولهذا يرخص للصغار في هذا الأمر ما لا يرخص للكبار، لكن كما قلت لكم أولاً: ينبغي أن نستغني عن هذه الصور التي تحكي هيئة الإنسان تماماً بالصور الأخرى التي من العهن -القطن والصوف- وفيه كفاية.

حكم العمل لدى شخص يستعمله في الحرام

حكم العمل لدى شخص يستعمله في الحرام Q أنا مكفول وكفيلي يبيع المحرمات مثل الدخان وغير ذلك، فهل المال الذي آخذه حلال؟ A لا يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه لشخصٍ يستعمله في الحرام، يعني: مثلاً لو جاء إنسان وقال: أريد أن تكون عندي دلالاً في بيع شيء محرم، فإن هذا حرام، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] .

حكم أكل اللحوم المستوردة

حكم أكل اللحوم المستوردة Q ما رأيكم في الدجاج المستورد من الدول الغير مسلمة ومكتوب عليها: مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية؟ A أنا رأيي أن الدجاج الموجود عندنا أنه حلال؛ لأنه يرد من بلادٍ يحل ذبح أهلها، وهي بلاد النصارى أو اليهود، وقد تحرى أهل العلم عندنا عن هذا الموضوع واتصلوا بالمسئولين عن الاستيرادات، وقالوا: إنه لا يرد إلا شيءٌ قد ضمنا أنه ذبح ذبحاً شرعياً، فأرى أنه لا بأس أن يأكله الإنسان ولكن ليسم الله عند الأكل، وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن قوماً أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سمُّوا أنتم وكلوا. قالت: وكانوا حديثي عهدٍ بكفر) وحدثاء العهد بالكفر قد يخفى عليهم وجود الفتنة بالذبح، فأذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأكلوا مع الشك في أنهم سموا أو لا، وقال: (سموا أنتم وكلوا) ولهذا أخذ العلماء من هذا الحديث قاعدة مفيدة وهي: أن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه الصحة والسلامة، هذا الذبح ذبحه مسلم أو يهودي أو نصراني، هل الذابح أهل للذكاة؟ أهل للذكاة؛ لأن أهل الذكاة ثلاثة أصناف: المسلمون، واليهود، والنصارى، فإذا ذبحه مسلم فالأصل الحل، وإذا ذبحه يهودي فالأصل الحل، وإذا ذبحه نصراني فالأصل الحل، كل فعلٍ صدر من أهله فالأصل فيه الصحة والسلامة، ولولا ذلك للحق الأمة مشقة عظيمة، لولا ذلك لقلنا: إذا باع عليَّ إنسان قلماً الظاهر أنه ملكه أليس كذلك؟ باع علي قلماً أخرجه من جيبه في غير المسجد وقال: تشتري هذا؟ فاشتريته بعشرة ريالات الأصل أن القلم قلمه، وأن البيع صحيح، لكن ألم يكن هناك احتمال أن يكون سرقه؟ هناك احتمال، هل نقول: لا يصلح البيع حتى نعلم من أين جاءه هذا القلم؟ أبداً، لا نقول هذا؛ لأننا لو قلنا ذلك وسألناه لقال: والله اشتريته من فلان، أتينا بفلان تعال: من أين جاءك القلم؟ قال: اشتريته من فلان، تعال يا فلان! من أين جاءك هذا القلم؟ حتى نصل إلى مصانع في أمريكا أو في بلدٍ آخر، وهذا لا يمكن أن يقول به أحد، الأصل أن كل فعلٍ صدر من أهله فهو صحيح وسليم.

حكم الذهاب إلى بلاد الكفار

حكم الذهاب إلى بلاد الكفار Q هل يجوز للشخص أن يذهب إلى بلاد الكفر لتعلم اللغة أو بعض العلوم الأخرى؟ A أنا أرى أنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى بلاد الكفر إلا بثلاثة شروط انتبهوا لها: الشرط الأول: أن يكون عنده علمٌ يدفع به الشبهات؛ لأن بلاد الكفر فيها من يورد الشبهات من الكافرين أنفسهم ومن أهل البدع الذين هناك، في بلاد الكفر أمم على بدعٍ مضلة، فإذا لم يكن عند الإنسان علمٌ يدفع به الشبهات التي تورد عليه فلا يذهب، لأن حماية الدين أولى من كل شيء. الشرط الثاني: أن يكون عنده دينٌ يحميه عن الشهوات. بلاد الكفر فيها شهوات، فيها والعياذ بالله الزنا وشرب الخمر آفات وآفات، إذا لم يكن عند الإنسان دينٌ يحميه عن الشهوات فربما يقع فريسة لشهوات نفسه. الشرط الثالث: الحاجة إلى ذلك، فإن لم يكن حاجة فلا، ولهذا نرى من الخطأ أولئك القوم الذين يذهبون بعوائلهم إلى بلاد الكفر في الإجازة للتنزه، لما في ذلك من إضاعة المال لأنهم ينفقون أموالاً كثيرة، وإضاعة الوقت، والغياب عن بلاد الإسلام التي يسمعون فيها في كل وقت صلاة: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، هذا لا يوجد في بلاد الكفر، كيف يغيب الإنسان عن هذا، أما يخشى أن يموت هناك وهو لم يسمع أذاناً؟!! ثم لما يحصل للأولاد، والصغار كما تعلمون رءوسهم كالمسجل إذا شاهدوا شيئاً انطبع في رءوسهم ولم يتغير، وهذا خطر عظيم، فنرى أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالنعم يجب عليهم أن يشكروها، وأن يبذلوها فيما ينفع دنيا أو أخرى، وإلا أضاعوا أموالهم ووقعوا فيما نهى الله عنه، وفيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله حيث نهى عن إضاعة المال.

حكم من تاب من سماع وسرقة أشرطة الأغاني وأراد إرجاع الأشرطة

حكم من تاب من سماع وسرقة أشرطة الأغاني وأراد إرجاع الأشرطة Q شخص سرق أشرطة أغانٍ، ثم تاب من استماع الأغاني، فهل عليه أن يرجعها إلى صاحبها علماً أنها غير موجودة لديه الآن؟ A الواجب عليه حين تاب أن يمسح هذه الأشرطة وجوباً وينبغي أن يملأها بأشياء نافعة، وأما أن يردها إلى صاحبها والأغاني باقية فيها فلا يجوز؛ لأن هذا إقرار على منكر.

حكم الألعاب الشعبية للرجال

حكم الألعاب الشعبية للرجال Q ما حكم الألعاب الشعبية للرجال كالزير والعرض وغيرها؟ A هذه ليس لنا جوابٌ عليها.

استئجار النساء لضرب الدفوف

استئجار النساء لضرب الدفوف Q ما حكم استئجار النساء لضرب الدف؟ A استئجار النساء للدف في ليلة العرس لا بأس به، لماذا؟ لأنه استئجارٌ على عملٍ مباح، بل هو مسنون، وما كان عوضاً عن حلال فهو حلال، ولكن أسمع أن في استئجارهن إسرافاً؛ لأن المرأة تستأجر بمائة ريال وقيل: بخمسة آلاف ريال. تعمل ساعة واحدة بمائة ريال، أو بخمسة آلاف ريال، وإذا كان كذلك صار إضاعة للمال، خمسة آلاف ريال تعطى لامرأة لتضرب بالدف لمدة ساعة أو ساعتين، هذا إضاعة للمال. وبعض النساء المغنيات الضاربات بالدف يلقين هذا بمكبرات الصوت، فيحصل بذلك فتنة، لأنه ربما تكون المرأة صوتها رخيم يثير الفتنة، ويحصل بذلك أذية على الجيران، لكن مرجع هذه إلى المسئولين في البلد يجب عليهم أن يمنعوا ما يكون فيه أذى أو فتنة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[4]

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[4] في هذا اللقاء تكلم الشيخ بما فتح الله عليه من تفسير أواخر سورة البقرة، حيث تطرق فيها إلى وسائل دفع الوسوسة، وبيان سعة مغفرة الله تعالى، والتحذير من التسرع في الفتيا، ووجوب التصديق والعمل بالآيات، وبين جملة من القواعد والأحكام الفقهية في مسائل التكليف، وبيان أنواع من التخفيف على هذه الأمة والتي كانت موجودة في الأمم السابقة.

تفسير أواخر سورة البقرة

تفسير أواخر سورة البقرة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا استمعنا إلى ما قرأه إمامنا في هذه الليلة في صلاة المغرب، وهي ليلة السبت الحادي عشر من شهر ربيع الثاني عام (1416هـ) في المسجد النبوي، وقد قرأ في الركعة الأولى آخر سورة البقرة، وفي الركعة الثانية آخر سورة النحل، وكل الآيات مهمة جداً، ولكن نبدأ بالأول فالأول، نتكلم على الآيات التي قرأها من آخر سورة البقرة.

تفسير قوله تعالى: (لله ما في السماوات وما في الأرض)

تفسير قوله تعالى: (لله ما في السماوات وما في الأرض) قال الله عز وجل: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:284] ما: اسم معنى، اسم موصول يعم كل ما في السماوات والأرض فهو لله، لا يشركه فيه أحد، كما قال الله تبارك وتعالى: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه} [سبأ:22-23] . وفي الآية حصر، أي: حصر ملك السماوات والأرض لله وحده؛ والحصر: تخصيص شيء بشيء، فما هو طريق الحصر في هذه الآية؟ طريق الحصر أنه قدم ما حقه التأخير، فقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} لو أردنا أن نعربها لقلنا: (ما) مبتدأ، و (لله) خبره، فقدم الخبر، وتقديم الخبر يفيد الحصر والاقتصار، فملك السماوات والأرض لله وحده، أما ملكنا نحن لما نملكه، كملك الإنسان لقلمه أو لساعته أو لثوبه فهذا ملكٌ قاصر، ولهذا لا يحل لنا أن نتصرف في هذا الملك إلا حسب ما أذن الله لنا فيه، أرأيتم لو أن إنساناً أراد أن ينفق ماله أيملك هذا؟ لا. لأن الله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] يعني: فيفسدوها، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} انتبه لهذه الجملة من الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} هذه الجملة شديدة على الإنسان؛ إن الإنسان إذا أضمر في نفسه شيئاً حاسبه الله سواء أبداه أو أخفاه، هذا صعب جداً، ولهذا نزلت الآية بعدها، وهي قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فالحمد لله رب العالمين، ما لا يمكنك مما تحدثك به نفسك فإنه لا يضرك شيئاً ولو كان أعظم عظيم، لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) اللهم لك الحمد، نعمة امتن الله بها علينا، حديث النفس لا منتهى له، النفس تحدث الإنسان بأشياء ربما تكون فضيعة، ربما تكون كفراً وشركاً وإلحاداً، ولكن هل يؤاخذ على هذا؟ لا. لا يؤاخذ، إنما يجب عليه أن يفعل ما يطرد به هذا الحديث الذي حدثت به النفس، وهو -أي: ما يطرد هذا الحديث- شيئان، وصفهما لنا طبيب الأمة محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (وليستعذ بالله ولينته) كلمتان: إحداهما تستطيعها وباختيارك وهي الانتهاء، والثانية: بإذن الله عز وجل تستعيذ بالله. ومعنى الاستعاذة بالله: الالتجاء والاعتصام، أعوذ بالله، أي: ألتجئ إلى الله وأعتصم به، مِمن؟ من الشيطان؛ لأن الذي يلقي هذه الوساوس في القلوب هو الشيطان. الصحابة رضي الله عنهم شكوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام هذا، وقالوا: (يا رسول الله! إننا نجد في نفوسنا ما نحب أن نخر من السماء ولا نتكلم به) ، وفي حديثٍ آخر: (ما نحب أن يكون أحدنا حممة -أي: فحمة محترقة- ولا يتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم. قال: هذا صريح الإيمان) وما معنى (صريح الإيمان) ؟ الصريح من كل شيء خالصه، وإنما كان هذا صريح الإيمان؛ لأن الشيطان يحاول أن يكدر هذا الصريح، ولو كان الصريح كدراً ما حاول، ولهذا قيل لـ ابن مسعود أو ابن عباس: [إن اليهود يقولون: إننا لا نفكر في صلاتنا ولا نوسوس في صلاتنا -يعني: ونحن المسلمون نفكر في الصلاة، نفكر كثيراً بأشياء لا فائدة منها- فقال ابن عباس: وما يفعل الشيطان بقلبٍ خرب] يعني: ماذا يفعل فيه، قلب خربان لا يقربه الشيطان لأنه خارب، إنما يأتي الشيطان للقلوب الصحيحة ليمرضها، والصالحة ليفسدها، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الناس يتساءلون: من خلق كذا؟) يعني: من خلق السماوات؟ A الله، من خلق الأرض؟ الله، من خلق الشمس؟ الله، من خلق القمر؟ الله، من خلق النجوم؟ الله، ثم يأتي الشيطان يقفز بهم ويقول: من خلق الله؟ أعوذ بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله، ولينته) وهذه من نعمة الله. فعليك أخي المسلم! ألا تستولي عليك هذه الوساوس حتى تنخدع وتخضع لها بل اطردها، اطردها بشيئين هما: الاستعاذة بالله، والإعراض عنها، انته عنها، صد عنها، لا تهمك، اشتغل بما بين يديك وانسها حتى تزول بالكلية، وهل هذا يشمل الوساوس في العلاقات بين الزوجين؟ بمعنى: لو أن الشيطان حدثك في نفسك بأنك طلقت زوجتك، أتطلق؟ لا. إنسان يحدث نفسه، يقول: هذه زوجة ليست صالحة، هذه أتعبتني، هذه فعلت ما فعلت، ثم يقول في نفسه: هي طالق دون أن ينطق بها بلسانه، تطلق أو لا؟ لا تطلق، ولهذا ليطمئن أولئك الذين يلقي الشيطان في قلوبهم أنهم طلقوا زوجاتهم دون أن يتكلموا بذلك ليطمئنوا أن زوجاتهم باقيات وأنهن لم يطلقن، وهذه من نعمة الله عز وجل. وإن هم الإنسان أن يفعل معصية، ولكن تذكر عظمة الله، تذكر عقاب الله، تذكر ما تحدثه المعاصي في القلوب؛ لأن المعاصي سهام القلوب تخرق القلوب حتى تتلف، لما تذكر هذا خاف الله وترك الهم بالمعصية، ماذا يكون عليه؟ يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم بل يؤجر، يكتبها الله تعالى حسنة كاملة، ولله الحمد، قال في الحديث: (لأنه تركها من جرائي) معنى من جرائي: أي من أجلي. فهذه من نعمة الله عز وجل أن حديث النفس لا أثر له، ولكن اخش واحذر أن يتسلط عليك الشيطان حتى يكون هذا الحديث انفعالاً وإرادة فتهلك. يقول الله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} يكون الله تعالى قد أعلمنا في الآية الثانية: أنه إذا كان هذا الأمر ليس بوسعنا فإننا غير مكلفين به، ونبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا: بأن الله تجاوز عنا ما حدثت به أنفسنا ما لم نعمل أو نتكلم: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} يعني: إذا حاسبنا الله عز وجل على ما في قلوبنا فإن المشيئة التامة له؛ إن شاء غفر وإن شاء عذب. وفي الآية إثبات مشيئة الله عز وجل وأنه يفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يسأل عما يفعل؛ لأنه عز وجل لا يفعل شيئاً إلا لحكمة سواء علمناها أم لم نعلمها. وفي آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] هذه الآية أوجبت للعصاة الذين يعصون الله بغير الشرك أن يتهاونوا، وإذا نهيته عن معصية ارتكبها يقول: الله غفور رحيم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} هكذا الشيطان يوسوس لهم، يجعلهم يعملون بالمتشابه من القرآن ويتركون المحكم. ولكن هل أنت على ثقة من أن تكون ممن شاء الله أن يغفر لهم؟ أجيبوا يا جماعة؟ لا؛ لأنه ما قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) ولم يقيده، بل قيده فقال: (لمن يشاء) فهل أنت على ثقة أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ لست على ثقة. ثم إن المعاصي يجر بعضها بعضاً، ولذلك حرم النظر للمرأة التي ليست بينك وبينها محرمية، لماذا؟ نظرة فقط حرام؟ لأنه يجر إلى الزنا، فالمعاصي في الواقع مشترك بعضها ببعض، إذا تهاونت بمعصية هون عليك الشيطان ما هو أعظم منها، ثم ما هو أعظم، حتى يوصلك إلى الشرك. واستمع إلى الذين غمرت قلوبهم المعصية ماذا قالوا عن آيات الله؟ {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين:1] يعني: هذه (سواليف) وليست بشيء، قال الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] انظر المعاصي تجعل الإنسان يتصور أن آيات الله أساطير الأولين؛ لأنه لا يصل معناها إلى قلبه والعياذ بالله، بل هو قلب مغلق، فلا يصل الإيمان بهذه الآيات إلى قلبه، ولا تفيد قلبه شيئاً؛ لأنه قد ران على قلبه ما كان يكسب. فالمعاصي يا أخي! احذرها ولا تتهاون بها: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284] (والله على كل شيء قدير) كل شيء، وهذه الكلمة فيها عمومٌ، كل شيء موجود فهو قادر على إعدامه بلحظة، وكل شيء مفقود فهو قادر على إيجاده بلحظة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] والله على كل شيء قدير فما هي القدرة؟ القدرة هي: فعل الفاعل بلا عجز، يعني: أن يفعل الفاعل والشيء بلا عجز. وما هي القوة؟ أن يفعل الشيء بلا ضعف، انتبه للفرق! كثير من الناس لا يفرق بين القدرة والقوة، والواقع أن بينهما فرقاً؛ القوة ضدها الضعف، والقدرة ضدها العجز، واستمع للفرق بين هذا وهذا من القرآن: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم:54] هذه تدل على أن ضد القوة الضعف. وضد القدرة العجز، استمع: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] ولم يقل: قوياً؛ لأن ضد العجز القدرة. وهنا أضرب لكم مثلاً حسياً يبين لكم الفرق بين القدرة

تفسير قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون)

تفسير قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون) قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] (آمن الرسول) من الرسول؟ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، (بما أنزل إليه من ربه) وهو ما ذكره الله في قوله: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113] فالرسول عليه الصلاة والسلام آمن بالكتاب والسنة، ولهذا كان هو يشهد بأنه رسول الله، يشهد لنفسه بأنه رسول الله، ولا بد أن يكون كذلك؛ لا بد أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور: 1/ الإيمان بوجوده. 2/ الإيمان بربوبيته. 3/ الإيمان بألوهيته. 4/ الإيمان بأسمائه وصفاته. ولا حاجة أن نطيل الكلام فيها لأنها سبقت في لقاءات ماضية. (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ) الملائكة: هم عبادٌ خلقهم الله عز وجل ليقوموا بطاعته، وهم كما قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:1] فنؤمن بالملائكة عموماً، ونؤمن بمن عرفنا أسماءهم خصوصاً، ومن أسمائهم: 1- جبريل: وهو أفضل الملائكة، وهو موكل بالوحي. 2- إسرافيل: موكل بنفخ الصور. 3- ميكائيل: موكل بالقطر والنبات. هل جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هؤلاء الثلاثة في حديثٍ واحد؟ نعم. جمع النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة في استفتاح صلاة الليل، يقول في استفتاح صلاة الليل: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم) الله أكبر! الرسول يقول: (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) فكيف بنا نحن المعرضون للخطر والخطأ؟!! أكثر الناس إذا قال قولاً يظن أنه على الصواب، يقول: هذا هو الصواب، وما عداه فهو خطأ، سبحان الله! هل تدري هل هديت إلى ما اختلف فيه من الحق بإذن الله؟! لا تدري، لست معصوماً، قد تخطئ وقد تصيب، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل ربه هذا السؤال، فجديرٌ بنا نحن أن نسأل الله هذا السؤال، ولاسيما عندما يورد علينا استفتاء، فإن الإنسان ينبغي له أن يلجأ إلى الله عز وجل بقلبه ولسانه وحاله أن يوفقه للصواب؛ لأن المفتي -يا إخواني! - معبر عمن؟ عن الله، معبر عن الله فليست المسألة هينة، ومع الأسف أن من الناس الآن من يتسابقون إلى الفتيا أيهم يفتي، وليس عندهم من العلم ما يجعلهم أهلاً للفتيا. السلف الصالح هل كانوا يتسابقون في الفتيا أو يتدافعونها؟ يتدافعونها، كل واحد يقول: اذهب للثاني، لأن الإنسان يخشى، والله نخشى من الفتيا، ولولا أن الإنسان يخشى من كتمان العلم، أو أن السائل يذهب إلى إنسان جاهل ويفتيه لكان الإنسان يتوقف عن الفتيا ليسلم، لكن من استفتي وعنده علم فإن عدم إقدامه على الفتيا ليس بسلامة بل هو عطب. هؤلاء الثلاثة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يذكرهم في استفتاح صلاة الليل. ((وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)) نعرف من الكتب أشياء ويخفى علينا أكثر الكتب، فنؤمن بالكتب إجمالاً، وأن كل رسولٍ أرسله الله أنزل معه كتاباً حقاً ولكن نعرف من الكتب: أول ما يدخل في الكتب القرآن لا شك، كتاب الله. التوراة منزلة على من؟ على موسى. الإنجيل على عيسى. الزبور على داود. ((صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)) ، أما صحف إبراهيم فلا نعرف لها إلا هذا الاسم، وأما صحف موسى فقيل: إنها التوراة وقيل: غيرها، والله أعلم. (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) لا نفرق بين نوح أول الرسل ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، بماذا لا نفرق؟ بالتصديق والإيمان، نؤمن بأنهم رسل من عند الله حقاً، ونؤمن بما صح عنهم من الأخبار، وأما الأحكام فإن شريعتنا ناسخة لجميع الشرائع، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48] فللقرآن السيطرة على جميع الكتب، لو جاء في التوراة أو الإنجيل حكم وصح صحة لا ريب فيها، ولكنه يخالف ما في القرآن؛ فالعبرة بما في القرآن، هذا بالنسبة للأحكام، أما الأخبار فإنها لا تنسخ، وكل ما صح من الأخبار عن الكتب السابقة فهو حق، لكن تعلمون أن الكتب السابقة لم يتكفل الله تعالى بحفظها، بل قال: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة:44] فجعل حفظها لمن أنزل عليهم، ولكنهم لم يقوموا بالحفظ، بل حرفوا وبدلوا وغيروا. إذاً: الكتب أولها: القرآن، الرسل أولهم: نوح وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا سمعنا وأطعنا)

تفسير قوله تعالى: (وقالوا سمعنا وأطعنا) قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] الضمير يعود على من؟ على الرسول والمؤمنين؛ لأنه قال: (آمن الرسول والمؤمنون) (وقالوا) أي: الرسول ومن آمن به: (سمعنا وأطعنا) ليسوا يقولون: (سمعنا وعصينا) ولكن يقولون: (سمعنا وأطعنا) أي: امتثلنا ما أمرنا به وتركنا ما نهينا عنه. ومن الطاعة: تصديق الخبر، ولهذا لو قال قائل: لماذا لم يقولوا: سمعنا وصدقنا؟ لأن الكتب فيها أوامر ونواه وفيها أخبار، الطاعة للأوامر والنواهي، والتصديق للأخبار، نقول: ومن الطاعة أن نصدق بالأخبار؛ لأنه يجب علينا أن نصدق بكل خبرٍ جاء في هذه الكتب إذا صح به النقل، ثم إنه يجب أن نسمع ونطيع سواء علمنا الحكمة أم لم نعلم، ومن كان لا يطيع إلا إذا علم الحكمة فإنه ليس بمؤمن، انتبه! لماذا؟ لأنه اتبع هواه، إذا قال الإنسان: أنا لا أصلي حتى أعرف الحكمة من الصلاة! لا أتطهر حتى أعرف الحكمة! قلنا: إذاً لست بمؤمن! المؤمن يقول: (سمعنا وأطعنا) صل الظهر أربعاً، قال واحد: حسناً ولكن ما الحكمة، لماذا أربعاً؟ لماذا لم تكن ركعتين أو ستاً؟ يقول: لا يصلي هو، هل هذا مؤمن؟! لا. المؤمن يقول: (سمعنا وأطعنا) ولهذا قال الله تعالى في سورة الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] .

تفسير قوله تعالى: (غفرانك ربنا وإليك المصير)

تفسير قوله تعالى: (غفرانك ربنا وإليك المصير) {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] ونصبت غفرانك مع أنها في أول الجملة، وكان فيما يبدو أن تكون بالرفع، لكنها منصوبة بفعل محذوف، أي: نسألك غفرانك، يقولون: (سمعنا وأطعنا) ثم يقولون: (نسألك غفرانك) لأن الإنسان وإن أطاع فقد يكون في عمله نقص وقصور، ولهذا نصلي وأول ما نبدأ به بعد الصلاة أن نقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله؛ لأن الإنسان لا يخلو من خلل، وهنا قالوا: (سمعنا وأطعنا) ثم قالوا: (غفرانك) خشية أن يكون فيما أطاعوا الله فيه شيءٌ من النقص، قال الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] بعدما يصلون ويتهجدون يتفرغون للاستغفار، سبحان الله! وهم قد تهجدوا في الليل، فلماذا يسألون بالاستغفار في آخر الليل؟ خوفاً من أن يكون في عبادتهم نقص، وهذه ملاحظة ينبغي للإنسان أن ينتبه لها، لا تقل: أنا صليت وبرئت الذمة وحصلت القربة من الله، لا. لا تقل هكذا، لعله يكون فيها نقص، حسناً يقول: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} قد يقول المبتدي في النحو: لماذا لم تكن ربِنا، صفة للكاف التي محلها الجر؟ أنا لا أظن أن أحداً لا يعرف إعراب (ربَنا) ممن شم رائحة النحو، فهي منادى حذفت منه ياء النداء، ربنا يعني: يا ربنا! نسألك غفرانك، ونعم الرب ربنا جل وعلا، وما أقربه من الداعي: (وينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) اللهم اجعلنا ممن يتعرضون لهذا النداء يا رب العالمين. يقول: {رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} هل المراد إليك المصير في عبادتنا فلا نشرع إلا ما شرعت، إليك المصير في تدبير أمورنا فأنت تدبر أمورنا، إليك المصير يوم القيامة، هل يشمل هذه الثلاثة وغيرها مما مصيره إلى الله؟ أو خاص بيوم القيامة؟ A يشمل، وسنعطيكم فائدة في التفسير: إذا رأيت الآية تشمل معانٍ متعددة لا ينافي بعضها بعضاً، وليس بعضها أولى من البعض، فاحملها على العموم، وهذه قاعدة تفيد طالب العلم. انظروا إلى قول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:17-18] ماذا قال المفسرون في (عسعس) ؟ قالوا: أقبل، وبعضهم قال: أدبر، أي قالوا: إن الله أقسم بالليل حين إقباله، وبعضهم قال: أقسم بالليل حين إدباره، والآية تشمل التفسيرين، إذاً: (عسعس) من أفعال الأضداد، في اللغة العربية أفعال تكون للشيء وضده. فعلى أيها تحمل الآية؟ نحملها على العموم، يعني: على المعنيين جميعاً، نقول: أقسم الله تعالى بالليل إذا أقبل والليل إذا أدبر؛ لأن إقبال الليل وإدباره من أعظم آيات الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73] . إذاً: قول الله تعالى: (وإليه المصير) يشمل العموم: المصير في الآخرة، المصير في الشرع، المصير في القدر، كل شيء، المصير إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] .

تفسير قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)

تفسير قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] هذه نعمة عظيمة تشبه قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] كل شيءٍ لا يمكنك ولا تستطيعه فهو ساقط عنك، وأنت غير مكلف به. وهذه قاعدة -يا إخواني! - في المأمورات، فلقاؤنا الليلة إن شاء الله قواعد، والقواعد خيرٌ من الفروع: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} هذه قاعدة المأمورات، كل شيءٍ لا تستطيعه من المأمورات يسقط عنك؛ لأن الله قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، ثم إن كان لهذا الواجب بدل أتيت بالبدل، وإن لم يكن له بدل سقط عنك نهائياً. ومثاله: إذا ظاهر الرجل من زوجته، فقال لها والعياذ بالله: هي عليه كظهر أمه، هذا منكر وكذب، كما قال الله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة:2] ماذا عليه؟ عليه أولاً: أن يعتق رقبة، هذا الواجب، لم يجد رقبة إما لعدم المال عنده وإما لعدم وجود الرقاب، فتسقط عنه الرقبة، يأتي دور: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة:4] يجب أن يصوم شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا بعذرٍ شرعي أو عذر قدري، ولكن لم يستطع الرجل لضعفه أن يصوم شهرين متتابعين، لا في الشتاء ولا في الصيف، يسقط الصيام أو لا؟ يسقط إلى شيء ثالث: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:4] ما وجد، فقير لا يجد أن يطعم ستين مسكيناً، ماذا يكون؟ يسقط عنه، ودليل هذا قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} . وقصة الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان وهو صائم استمعوا لها وفيها فائدة أيضاً: جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا رسول الله! هلكت وأهلكت -هلك هو بنفسه وأهلك زوجته- وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم -ماذا كان من الرسول عليه الصلاة والسلام أنهره؟ ما نهره، ولا زجره، أمره بما يبرئ ذمته- أمره أن يعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين؟ قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً؟ قال: ما عندي -كل المراتب الثلاث لا يستطيعها- ثم جلس الرجل فجيء بتمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: خذ هذا تصدق به، أطعم منه ستين مسكيناً، فقال الرجل: أعلى أفقر مني؟ والله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر مني -سبحان الله! الإنسان عنده طمع، أعلى أفقر مني؟ - فضحك النبي عليه الصلاة والسلام -اللهم صلِّ وسلم عليه، هذا يدعو الناس إلى دين الله بالبشر والابتسامة والضحك والتيسير والتبشير، ليس بالعنف والغضب والغيظ- ضحك النبي عليه الصلاة والسلام حتى بدت نواجذه ثم قال: أطعمه أهلك) فرجع الرجل الذي خرج من عند زوجته وهو خائف، رجع وهو غانم؛ معه تمرٌ لأهله، وهل قال: وإذا قَدَرْتَ بعد ذلك فأطعم؟ لا. إذاً: سقط عنه حتى الإطعام؛ لأنه لا يستطيع، والله عز وجل يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} . مثال آخر: رجل قتل نفساً خطأً، فقلنا له: أعتق رقبة، قال: ما عندي، قلنا: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، ماذا نقول؟ نقول له: ليس عليك شيء، يعني: الله ذكر خصلتين في كفارة القتل وهما: تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، وما ذكر الإطعام، إذاً: إذا قال هذا الذي وجبت عليه كفارة القتل: لا أجد الرقبة، قلنا: صم، قال: لا أستطيع الصيام، قلنا: ليس عليك شيء، لا يوجد إطعام، من أين نأخذ هذا الحكم؟ من قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} هذه في الأوامر.

تفسير قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)

تفسير قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) تأتي النواهي: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ماذا قال ربنا جل وعلا؟ (قال الله: قد فعلت) أي: لا أؤاخذكم إذا نسيتم أو أخطأتم، هذه الجملة الثانية في النواهي، فإذا فعل الإنسان معصية ناسياً أو فعل معصية مخطئاً لا يعلم أنها حرام فلا شيء عليه وكأنه لم يفعلها. نضرب أمثلة لهذا: رجل يصلي والذي يصلي لا يتكلم أبداً إلا مع الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فإنه يناجي ربه) (تقول: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] فيقول الله: حمدني عبدي) المهم لا يتكلم كلام آدميين، لكنه قرع عليه الباب واحد يستأذن، فسمع الباب وقال: تفضل -يقول للذي قرع الباب- لكنه ناسٍ أنه في الصلاة، ماذا يكون عليه؟ لا شيء، تبطل صلاته أو لا تبطل؟ لا تبطل، لماذا؟ لأنه ناسٍ غافل. رجل آخر يحب الخير ويحب أن يقوم بالواجبات فعطس إلى جنبه أحد المصلين وهو معه يصلي، فقال الذي عطس: الحمد لله، وهذا جائز ومشروع، إذا عطست وأنت تصلي قل: الحمد لله، الثاني زميله إلى جنبه قال: يرحمك الله، متأولاً؛ لأن يرحمك الله دعاء، وهو يتصور أن الدعاء في الصلاة لا يبطل الصلاة، ولو كان بكاف الخطاب، قال: يرحمك الله، فلما انتهت الصلاة، قال له بعض الحاضرين: أعد الصلاة لأنك تكلمت بكلام آدميين؛ تخاطب صاحبك تقول: يرحمك الله، فماذا نقول له بناءً على القاعدة التي ذكرها الله في الآية؟ نقول: لا شيء عليك، والذي قال: إن صلاتك باطلة ليس على صواب؛ لأن السنة تحكم بين الناس، والسنة وقعت بمثل هذه الصورة ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تكلم بإعادة الصلاة: (معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل يصلي فعطس رجلٌ من القوم فقال: الحمد لله، فقال له معاوية: يرحمك الله، فرماه الناس بأبصارهم، رموه بأبصارهم -يعني: نظروا إليه نظرة إنكار؛ لأن الإنسان إذا نظر إليك نظر رضاً ما يقال رماك ببصره، لكن نظر إنكار- يقال: رموه بأبصارهم مستنكرين قوله، فقال: واثكل أمياه -يعني: تكلم مرة ثانية- فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انتهت الصلاة، دعاه من بالمؤمنين رءوف رحيم صلى الله عليه وسلم، بعدما انتهت الصلاة دعاه قال معاوية: فبأبي هو وأمي! والله ما كهرني ولا نهرني -لا أنكر عليه بالوجه ولا باللسان، ما كهره ولا نهره- وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال، ولم يأمره بالإعادة. وهذا بناء على أن من فعل محذوراً جاهلاً فليس عليه شيء. وفي حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا إنسان نسي أنه صائم فمر على البراد، فشرب لأنه عطشان، ونسي أن كان صائماً، ماذا نقول له؟ لا شيء عليه. رجل آخر معه عنقود عنب، فجعل يأكل من العنقود ناسياً أنه صائم، فلما بقي حبة واحدة ذكر أنه صائم، فقال: سآكل هذه الحبة، إن كان العنقود الأول لا يفطرني فالحبة هذه لا تفطرني، وإن كان يفطرني فقد انتهى الموضوع، ماذا تقولون في هذا؟ أفطر بالحبة الأخيرة؛ لأنه كان الواجب عليه أن يتوقف ويسأل، ربما يقول قائل: هذا أكل الحبة جاهلاً، لكن نقول: هو مفرط، الواجب عليه أن يسأل. رجلٌ احتجم وهو صائم يظن أن الحجامة لا تفطر، أيفسد صومه؟ لا. لأنه جاهل. رجل أفطر يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب، فهل يفسد صومه؟ لا. رجل أكل بعد طلوع الفجر يظن أن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] أن المراد بالخيوط الحبال، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين الحبل الأسود من الحبل الأبيض، أيفسد صومه؟ لا يفسد؛ لأنه كان جاهلاً. وقد وقعت هاتان القصتان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام: أما الأولى: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيمٍ ثم طلعت الشمس) ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به لوجوب الإبلاغ عليهم، فلما لم يأمر به علم بأنه ليس بواجب، وهو داخل في القاعدة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . أما الثاني: فـ عدي بن حاتم رضي الله عنه كان يريد أن يصوم، وفي الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فجعل تحت وسادته عقالين أحدهما أسود والثاني أبيض، وجعل يأكل وينظر إلى العقالين فلما تبين الأبيض من الأسود توقف، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمره بالإعادة، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً متأولاً؛ يظن أن هذا هو معنى الآية، فلهذا لم يلزمه النبي عليه الصلاة والسلام بالقضاء. رجل محرم بالحج وفي ليلة العيد وهي ليلة مزدلفة، بعد أن رجع من عرفة كانت معه زوجته فجامعها، وهو يظن أن الحج قد انتهى، مستدلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) فقال: قد انتهينا من عرفة والحمد لله وظن أنه يجوز أن يجامع زوجته فجامعها. وكان الجماع قبل التحلل الأول، وهو يفسد النسك، يعني: أن الحج فسد؛ لأن الجماع قبل التحلل الأول مع العلم والذكر يترتب عليه خمسة أمور: الإثم، وفساد النسك، والمضي فيه، والقضاء من العام القادم، وفدية وهي بدنة، لكن هذا الرجل جاهل فجاء يسألنا، ماذا نقول له؟ نقول: الحج صحيح ولا شيء عليك لأنك جاهل، والرب عز وجل لما دعا المؤمنون: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله: قد فعلت. المهم -يا إخواني- خذوا هذه القاعدة معكم، في الأوامر: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} . وفي النواهي: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فقال الله تعالى: قد فعلت. وعرفتم أمثلة واقعية من السنة في أن الإنسان المخطئ لا يعاقب، والناسي لا يعاقب، ولكن لاحظوا أنه متى زال العذر وجب التوقف عن المحظور، يعني: متى علم أو ذكر الإنسان بأنه الآن في محظور وجب عليه أن يتوقف.

تفسير قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا)

تفسير قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286] الإصر يعني: الثقل والأغلال، فالمؤمنون من هذه الأمة يسألون الله عز وجل ألا يحمل عليهم إصراً كما حمله على الذين من قبلهم، فقال الله: قد فعلت بقوله تعالى في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] فالله تعالى وضع الإصر والأغلال التي كانت على من سبقنا بهذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه. ونضرب لكم مثلاً: بنو إسرائيل لما عبدوا العجل ماذا ألزموا به لتصح توبتهم؟ قيل لهم: لا توبة لكم إلا أن تقتلوا أنفسكم، وهذا إصر وغل عظيم، توبتنا نحن ولله الحمد بيننا وبين الله، إذا تاب الإنسان إلى ربه وتمت شروط التوبة الخمسة والتي أمليناها عليكم سابقاً فإنها تقبل، والخمسة نذكرها بإيجاز: من يعطينا بإيجاز شروط التوبة الخمسة؟ 1. الإخلاص بأن لا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة الناس أو الرفعة عندهم أو الجاه أو ما أشبه ذلك. 2. الندم على فعل المعصية. 3. الإقلاع عن الذنب. 4. العزم على ألا يعود، ليس عدم الرجوع، لو قلنا: عدم الرجوع معناه: لو رجع إليه مرة ثانية لبطلت الأولى، أليس كذلك؟ لكن قلنا: العزم على ألا يعود، ولا نقول: ألا يعود، بل نقول: العزم على ألا يعود؛ لأنه إذا عزم ألا يعود ثم سولت له نفسه بعد ذلك أن يعود فالتوبة الأولى صحيحة. 5. أن تكون في وقت التوبة، وما هو وقت التوبة بالنسبة لكل واحد على انفراد؟ قبل حضور الأجل، ما هو الدليل؟ قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] لا ينفع. فرعون لما أدركه الغرق ماذا قال؟ قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] انظروا -يا إخواني! - الذل، أعوذ بالله من الذل! فرعون ما قال: آمنت أنه لا إله إلا الله، قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] فجعل نفسه تبعاً لبني إسرائيل، بينما كان في الأول يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ذل نسأل الله العافية! لكن ماذا قيل له؟ (آالآن تتوب) يعني: آلآن تتوب وتؤمن أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:91-92] ننجيك ببدنك: بأن نبقى بدنك ظاهراً، أما روحك ففي النار، لماذا؟ {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] والذين كانوا خلفه هم بنو إسرائيل، أي: لتكون علامة على أنك هلكت. يا إخواني: بنو إسرائيل قد أفزعهم فرعون وآذاهم، وإذا غرق فرعون وقومه فقد يكون عند بني إسرائيل احتمال أن فرعون لم يغرق، فأنجى الله بدنه حتى يكون علامة على أنه هلك فيطمئن بنو إسرائيل. إذاً: شروط التوبة خمسة، كلها سهلة يستطيع الإنسان أن يقوم بها بدون كلافة، لكن بنو إسرائيل عليهم آصار وأغلال، ومن الآصار والأغلال: أن الإنسان إذا قتل أحداً وجب عليه -أي: على أولياء المقتول- أن يقتلوا القاتل وجوباً، لماذا؟ لأنه هكذا قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] . إلى قوله: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] لكن هذه الأمة قال الله لهم لما ذكر: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:178] فالمهم أن الله تعالى رفع عنا والحمد لله الآصار التي كانت على من قبلنا.

تفسير قوله تعالى: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به….

تفسير قوله تعالى: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به…) قال تعالى: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] يسأل المؤمنون ربهم ألا يحملهم ما لا يطيقون، ولو شاء لحملهم ما لا يطيقون، ولكنه لرأفته ورحمته قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة:286] هذه ثلاث جمل، هل معناها واحد؟ العفو: في مقابل التفريط في الواجبات، والمغفرة: في مقابل المعاصي وانتهاك المحرمات، والرحمة: هي إزالة أثر هذه الذنوب، أو الإخلال بالواجبات. والأصل يا إخواني في الكلمات التباين، ولهذا قيل: العطف يقتضي المغايرة، فإذا وجدتَ كلمتين وظننت أن معناهما واحد فلا تظن هكذا، نعم يأتي أحياناً عطف المرادف على مرادفه مثل قول الشاعر: فألفى قولها كذباً وميناً… المين: هو الكذب. {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا} (أنت مولانا) أي: ولي أمرنا ومدبرنا وناصرنا: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] هذا من باب التوسل بالصفة؛ لأن الله مولى المؤمنين كما قال تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:40] نتوسل إلى الله تعالى بكونه مولانا أن ينصرنا على القوم الكافرين. هل القوم الكافرون منفصلون عنك أو متصلون بك؟! يعني: هل الكافر واحد آخر مختلف، أو شيء متصل بك؟! إذا قابلنا الكفار فإنا نسأل الله أن ينصرنا عليهم، وهذا واضح؛ لكن هناك كافر يجري منك مجرى الدم، من هو؟ هو الشيطان. الشيخ: (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، والشيطان كافر، فتسأل الله أن ينصرك عليه بحيث لا تنخدع بغروره الذي حذرك الله منه في قوله: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] أما كفار بني آدم فظاهرون. وإننا بهذه المناسبة سندعو الله سبحانه وتعالى فنقول: اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! يا منان! يا بديع السماوات والأرض! نسألك اللهم أن تنصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك على أعدائك وأعدائهم من الصرب الكافرين، ونسألك اللهم أن تنصر إخواننا في الشيشان على أعدائك وأعدائهم من الشيوعيين الملحدين، ونسألك اللهم أن تنصر إخواننا في كشمير على أعدائهم الوثنيين، ونسألك اللهم أن تنصر المسلمين في كل مكان على أعدائهم. ونسألك اللهم أن تؤلف بين قلوب المسلمين، وأن تجمع كلمتهم على الحق، وأن تهيئ لهم ولاة صالحين، يقودونهم بكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ونسألك اللهم أن تؤلف بين قلوب شعوبنا، شبابها، وشيوخها وكهولها، وذكورها وإناثها حتى لا تتمزق وتتفرق نسألك اللهم ذلك يا رب العالمين. ونختم هذا اللقاء بهذه الدعوة: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فإن هاتين الكلمتين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) جدير بهاتين الكلمتين أن يقولهما الإنسان دائماً ما لم تشغله عن واجب، فلهذا أحث نفسي وإياكم على الإكثار من هاتين الكلمتين: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، هما على اللسان خفيفتان جداً، وهما في الميزان ثقيلتان، وحبيبتان إلى الرحمن.

الأسئلة

الأسئلة

خطورة تصدر الجاهل للفتيا

خطورة تصدر الجاهل للفتيا Q هل يجوز للإنسان أن يجتهد في إفتاء بعض الناس إذا كان لا يوجد من يفتي، أو لم يتوفر سؤال العلماء؟ A يقول: هل يجوز أن يجتهد في الفتوى إذا لم يوجد عالمٌ يفتي؟ فنقول: إذا كان جاهلاً كيف يجتهد؟ وعلى أي أساسٍ يبني اجتهاده؟ والواجب على من لا يعلم الحكم أن يتوقف، وإذا سئل يقول: لا علم عندي. الملائكة لما قال لهم الله عز وجل: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] ماذا قالوا؟ {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32] ، أما كونه يقول: إذا لم يجد عالماً يفتي أنا سوف أفتي، أخبط صواباً أو خطأ هذا غلط، لا يجوز، الواجب أن يقول للمستفتي: اسأل العلماء. والآن ولله الحمد الاتصالات سهلة، يتصل عن طريق الهاتف، عن طريق البريد السريع والبطيء، الحمد لله الأمر ميسر.

حكم صوت المرأة

حكم صوت المرأة Q هل صدرت منكم فتوى بأن صوت المرأة ليس بعورة؟ A نعم صدرت منا هذه الفتوى مستندين إلى قول الله تبارك وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فنهى الله عن الخضوع بالقول، يعني: لا تخاطب المرأة الرجل بقولٍ لين يؤدي إلى الفتنة، أما مجرد الكلام فليس بعورة، وهذه النساء تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله بحضرة الصحابة ولا يقول لها: كلميني سراً؛ لأن صوتك عورة، فالصوت ليس بعورة، لكن الخضوع بالقول بأن يكون كلام المرأة ليناً يوجب الشهوة هذا هو الممنوع، لكن يبقى النظر في مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي الذي ليس من محارمها، هذا هو الذي فيه تفصيل طويل عريض، وإلا لا يمكن أن نقول لامرأة مرت في السوق ولاقاها رجل: سلمي على الرجل، لا تسلم على الرجل، والرجل لا يسلم عليها أيضاً.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم في فضل المدينة: (من أحدث فيها حدثا.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم في فضل المدينة: (من أحدث فيها حدثاً) Q صح في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل المدينة: (من أحدث فيها حدثاً) ما هو الحدث؟ A الظاهر والله أعلم أن الحدث: كل ما أوجب فتنة حسية أو معنوية، فالمبتدعة مثلاً إذا ابتدعوا ونشروا البدعة في المدينة فإنهم يستحقون ما دعا به الرسول عليه الصلاة والسلام. وكذلك من أحدث بقتل، أو نهب، أو سرقة، أو ما أشبه ذلك فإنه يستحق ما دعا به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما مجرد المعاصي الصغيرة أو الكبيرة التي لا تعد حدثاً وفتنة فإنها والله أعلم لا تدخل في هذا الحديث.

حكم إنشاء جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى

حكم إنشاء جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى Q إذا قضيت الصلاة في المسجد النبوي، ثم أنشأ بعض المتأخرين جماعة فهل لهذه الجماعة أجر ألف صلاة؟ A لا. ليس للجماعة الثانية أجر الجماعة الأولى، لكن الجماعة أفضل من الانفراد، بمعنى: أننا إذا دخلنا ونحن جماعة وقد انتهت الصلاة فالأفضل أن نصلي جماعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) لكن أجر الجماعة الأولى لا تدركه الجماعة الثانية. وقد اشتهر عند بعض طلبة العلم أنه لا تقام الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، وهذا ليس على إطلاقه، بل نقول: في المسألة تفصيل: فإن كان المسجد معداً للجماعات كالمساجد التي على الطرق عند المحطات أو بعيدة عن المحطة، فهذه تعاد فيها الجماعة بلا إشكال؛ لأنها لم تعد لجماعة خاصة راتبة، فكلما جاء جماعة ونزلوا صلوا بهذا المسجد، وهذا لا إشكال فيه، ولا أظن أحداً ينازع في أن الجماعة الثانية بعد الأولى مشروعة. القسم الثاني: أن يكون معتاداً في هذا المسجد أن تقام فيه جماعتان، فهذا بدعة وينهى عنه. القسم الثالث: أن يكون هذا المسجد له جماعة راتبة فدخل أناس بعد انقضاء الصلاة فهنا نقول: صلوا جماعة فهو أفضل، ويدل لهذا ما ذكرته من الحديث، حديث أبي بن كعب: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . وكذلك أيضاً الحديث الآخر: دخل رجلٌ قد فاتته الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) فقام أحد الصحابة فصلى معه، فأقيمت جماعة بعد الجماعة الأولى، لكن هذه ليست راتبة فصارت إقامة الجماعتين في مسجدٍ واحد ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

بيان اختلاف ساعات الجمعة التي نص عليها الحديث عن الساعات الوقتية

بيان اختلاف ساعات الجمعة التي نص عليها الحديث عن الساعات الوقتية Q قلتم يا سماحة الشيخ! إن ساعات يوم الجمعة الخمسة تختلف عن الساعات الوقتية، نرجو أن توضحوا لنا؟ A حسناً الساعات التي بين أيدينا الآن محدثة ما كانت معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا كان الرسول يقول: من جاء في الساعة الأولى ومن جاء في الثانية ومن جاء في الثالثة ومن جاء في الرابعة ومن جاء في الخامسة، نقسم الزمن من طلوع الشمس يوم الجمعة إلى مجيء الإمام إلى خمسة أقسام، فإذا قدرنا أن بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمس ساعات، هنا تتوافق الساعة الوقتية والساعة التي جاءت في الحديث، وإذا قدرنا أنها أقل اختلف الحكم، وإذا قدرنا أنها أكثر اختلف الحكم أيضاً. أقول يعني: اقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام إلى خمسة أقسام.

حكم الأكل والشرب حال المشي أو القيام

حكم الأكل والشرب حال المشي أو القيام Q فضيلة الشيخ! كيف نربط بين قوله صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وقول أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً، قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشر أو أخبث) رواه مسلم؟ A الجمع بينهما سهل؛ لأن النهي عن الشرب قائماً ليس للتحريم، بل هو من باب الأدب، ألا يشرب الإنسان قائماً فهو مكروه، والمكروه قال أهل العلم: إنه تبيحه الحاجة، يعني: ليس من شرطه الضرورة، ولهذا شرب النبي صلى الله عليه وسلم من شنٍ معلق وهو قائم -القربة البالية القديمة تسمى شناً، والغالب أن القربة القديمة تكون أبرد من القربة الجديدة- شرب منها وهو قائم عليه الصلاة والسلام، وشرب من ماء زمزم وهو قائم، مع أن هذا ليس ضرورة، بإمكانه أن يجلس. فيكون ما رواه الترمذي من كونهم يأكلون ويشربون وهم يمشون لحاجة، يخشون إذا جلسوا مثلاً -وهم جماعة سائرون لغرض- أن يفوت غرضهم فيكون هذا جائزاً.

حكم الجمع والقصر للمسافر

حكم الجمع والقصر للمسافر Q ما حكم الجمع والقصر في حالة المسافر إذا وصل إلى المدينة؟ A أما إذا وصل المسافر إلى بلده فإنه ينتهي القصر والجمع؛ لأن القصر والجمع مربوطٌ بسبب وهو السفر، فإذا وصل إلى بلده انقطع السفر، ولهذا لو أنه دخل عليهم وقت الظهر وهو في البر لم يصل البلد، ثم وصل البلد كم يصلي؟ أربعاً، وهل يجمع الظهر مع العصر في هذا المثال؟ لا. لأنه انتهى السفر، ولو دخل عليه وقت الظهر وهو في بلده، ثم سافر قبل أن يصلي، أي: أذن الظهر وهو في بلده، ثم خرج قبل أن يصلي وصلى الظهر في البر في سفره كم يصلي؟ خرج بعد دخول الوقت، أي: دخل الوقت وهو مقيمٌ في بلده، ثم سافر وصلى في البر بعد أن خرج من البلد، كم يصلي؟ يصلي ركعتين، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] وهذا ضرب في الأرض، وصلى وهو ضاربٌ في الأرض فيصلي ركعتين، والعكس كما قلت لكم في المثال الأول: لو أدركته الصلاة وهو في البر ثم وصل إلى بلده فإنه يصلي أربعاً، يعني: انتهى الضرب في الأرض. ولكن إذا كان الإنسان في بلد غير بلده فإنه يجيب المؤذن ويصلي مع المسلمين، ويصلي أربعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ، ولقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما حينما سئل: [ما بال الرجل يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة] وهذه المسألة تشتبه على بعض الناس تقول له: صل فقد أذن، قال: أنا مسافر، كأنه يقول: المسافر ليس عليه جماعة، وهذا فهم غلط، المسافر عليه صلاة جماعة، ولعلكم تذكرون أن الله تعالى قال في القرآن في حال الخوف: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102] فأمر بصلاة الجماعة في حال الخوف، ومعلوم أن الخوف الذي كان فيه الرسول كان في أسفاره، ففي حال الأمن من باب أولى، فنقول للمسافر: هل سمعت النداء؟ إذا قال: نعم، نقول له: أجب. كما أن المسافر أيضاً إذا نزل في بلد وحان وقت صلاة الجمعة وهو في نفس البلد وقال: أنا مسافر لا أذهب للجمعة، ماذا نقول له؟ نقول: ألست مؤمناً؟ فيقول: بلى، نقول: اسمع إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] . أما إذا كان الإنسان في السفر فهذا لا جمعة عليه ولا تصح عنه الجمعة أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقيم الجمعة في أسفاره، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وإذا أم المسافر أناساً مقيمين فماذا يصنع؟ الجواب: نقول: يصلي ركعتين، ويعلمهم بأنه مسافر فإذا سلم أتموا.

نصيحة لمن يشتغل بأمور الدنيا وهو في المسجد

نصيحة لمن يشتغل بأمور الدنيا وهو في المسجد Q أطلب من فضيلتكم إعطاء نصيحة للنساء اللاتي يأتين الحرم ويشتغلن بأمور الدنيا، ولا يتممن الصفوف؟ A نصيحة لهن وللرجال أيضاً: المساجد بنيت للصلاة وقراءة القرآن وما أشبه ذلك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك -ادع عليه بأن الله لا يربحه- فإن المساجد لم تبن لهذا) ، وقال: (إذا سمعتم من ينشد ضالة -يقول: من رأى الضالة- فقولوا: لا ردها الله عليك) لأن المساجد لم تبن لهذا، وقال للأعرابي الذي بال في جانبٍ من المسجد وقصته مشهورة: رجل أعرابي بدوي دخل مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ووجد فيه فسحة واحتاج إلى البول، ما خرج يطلب مكاناً يبول فيه، قال: هذا مكان فسيح فجعل يبول في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا منكر، ولهذا زجره الصحابة، فنهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (لا تزرموه) أي: لا تقطعوا عليه بوله، دعوه يكمل، انتهى الأعرابي من البول ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أريقوا على بوله ذنوباً من ماء) صبوا عليه ماء، وإذا صبوا عليه الماء يطهر، فزالت المفسدة، أما الأعرابي فدعاه وقال له: (إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيءٌ من القذر والأذى، إنما هي للصلاة والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، انظر الحكمة! كلمه باللطف، قال الأعرابي: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً) أعرابي تَحَجَّرَ رحمة الله عز وجل؛ لأن محمداً صلوات الله وسلامه عليه خاطبه باللطف واللين وتركه حتى يقضي بوله، والصحابة رضي الله عنهم زجروه، فأراد أن تكون الرحمة له وللرسول، نعم لو قال: (اللهم ارحمني ومحمداً) فلا مانع، لكن (ولا ترحم معنا أحداً) يتحجر رحمة الله، سبحان الله! وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب درء أعلى المفسدتين بأدناهما، يعني: إذا كان لابد من ارتكاب مفسدتين إحداهما أخف؛ ارتكب الأخف، بقاؤه يبول أخف، أولاً: لأجل أن ينحصر البول في مكانٍ واحد، ثانياً: لئلا يتضرر هذا الأعرابي بانقطاع بوله؛ لأن البول إذا كان مستعداً للخروج ثم منعه الإنسان فيه ضرر عليه، ولأن الأعرابي لو قام كاشفاً ثوبه بدت عورته وصار البول يترشرش حول المكان، ولو أسدل ثوبه لتنجس الثوب وكان هناك مفسدة، فلهذا كان درء أعلى المفسدتين بأدناهما من الأمور المقررة شرعاً. وهذه أيضاً من الأمور التي ينبغي للإنسان أن ينتبه لها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أقول: المساجد لم تبن إلا للصلاة والذكر، والتحدث فيها بأمور الدنيا إذا كان من باب البيع والشراء، وإنشاد الضالة، أو كان يشوش على الآخرين فإنه يمنع، وأما إذا كان ليس فيه بأس، وإنما هو كلامٌ مباح فهذا لا بأس به بشرط ألا يشوش، ولهذا كان الصحابة ينشدون الأشعار في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.

حكم صبغ الشعر للمرأة

حكم صبغ الشعر للمرأة Q ما هي صبغة الشعر الجائزة للمرأة؟ وما حكم قص الشعر أسفل من شحمة الأذن؟ A الأصباغ مما خلق الله لنا في الأرض. وما خلقه الله في الأرض فهو حلال، كل ما في الأرض حلالٌ لنا؛ لأن الله امتن علينا بذلك: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] إن كان حيواناً فهو حلال، إلا ما قام الدليل على تحريمه، ولهذا لو وجدت طيراً فصدته فقال لك زميلك: هذا حرام لا تأكله، وقلت أنت: هذا حلال سآكله، من المطالب بالدليل؟ الذي حلل أو الذي حرم؟ الذي حرم، فالأصل الحل. والأصباغ مما خلق الله لنا في الأرض فالأصل فيها الحِل، لكن يمنع من صبغٍ يحاد به الصابغ سنة الله عز وجل، وذلك صبغ الشيب بالسواد فإن هذا حرام، لا يجوز للإنسان أن يصبغ الشيب بالسواد؛ لأن هذا مضادٌ لسنة الله عز وجل، سنة الله أن الإنسان إذا كبر يبيض شعره كما قال زكرياء: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم:4] هذا أمر لابد منه، فإذا جاء الإنسان يموه على أنه شاب قام بصبغ اللحية بالسواد؛ لأجل أن من رآه يقول: هذا شاب عمره خمس وثلاثون سنة، وربما يكون له سبعون سنة، أيجوز هذا؟ لا يجوز لأمور: أولاً: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) . وثانياً: ورد وعيد شديد على من صبغ بالسواد -والعياذ بالله- فهو حرام، وقد قال بعض الشعراء: يسود أعلاها وتأبى أصولها ولا خير في فرعٍ إذا خانه الأصل أصوله بيضاء، لابد بعد يومين أن يظهر البياض من الأصول، فأعلاها مسود ولكن خانه أسفل. أنت على كل حال العبرة بالقوة والجلد، وكم من إنسانٍ كبير السن وشيخ؛ ولكن همته وعمله عمل الشاب، وكم من إنسان بالعكس، إذاً: ما الذي يحرم من الأصباغ؟ الأسود الذي يغير به الشيء، فإن خلط الأسود بأحمر بأن خلط الكتم بالحناء يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه ليس أسود خالصاً، وما حكم غير الأسود من الألوان؟ ينظر: إذا كان هذا اللون لا يصبغ به إلا نساء الكافرين صار حراماً، لماذا؟ لأنه تشبه بالكفار، إذا كان هذا الصبغ لا يصبغ به إلا نساء الكافرين صار حراماً من أجل التشبه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) أتدرون ماذا علق على هذا الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية؟! قال: أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم؛ لأنه قال: فهو منهم، فأقل أحواله أن يكون التشبه حراماً. أما مسألة قص الرأس، فقص الرأس أيضاً يفصل فيه: إذا كان قصاً عميقاً بحيث يكون هذا الرأس للمرأة كرأس الرجل فهذا حرام، ما الدليل؟ (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال) . وإذا كان ليس كذلك لاحظنا أمراً آخر: هل هذا القص يكون على صفة قص نساء الكافرين؟ فهو يكون حراماً لأنه تشبه بنساء الكافرين: (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم) ، أما إذا لم يكن مشابهاً لقص نساء الكافرين فقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه محرم. والقول الثاني: إنه مكروه. والقول الثالث: إنه مباح. هذه أقوال ثلاثة ذكرها أهل العلم في هذه المسألة.

حكم غسل الجمعة، وبيان ضعف حديث: (من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)

حكم غسل الجمعة، وبيان ضعف حديث: (من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) Q ذكرتم أن غسل الجمعة واجبٌ، وجاء في حديث: (من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) ألا يصرف هذا الأولَ من الوجوب إلى الاستحباب؟ A يقول الشاعر: كناطحٍ صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل الوعل ينطح الصخرة لكي يفتتها، وما الذي تكسر؟ قرن الوعل، فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل، هذا الحديث بارك الله فيكم حديثٌ مرسل، وفي صحته إلى الرسول نظر، ثم إن أسلوبه ليس عليه الطلاوة؛ طلاوة الكلام النبوي: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) أنت إذا سمعت كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولاسيما إذا كنت تكثر من قراءة الأحاديث النبوية تجد له رونقاً وطلاوة ليس كهذا الكلام، فالحديث هذا ضعيف، ولا يمكن أن يقاوم حديث أبي سعيد الذي أخرجه الأئمة السبعة بلفظٍ صريحٍ واضح: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وعلى هذا فلا تعارض بين الحديثين لعدم مقاومة الحديث حديث سمرة السابق ذكره لحديث أبي سعيد.

معنى حديث: (إن الله خلق آدم على صورته)

معنى حديث: (إن الله خلق آدم على صورته) Q ما معنى الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟ A يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله خلق آدم على صورته، ونهى أن يقبح الوجه أو يضرب) وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث بعد أن صححوه، أما من أنكر صحته فهذا له بابٌ وجواب، لكن من أثبته اختلفوا فيه على وجهين: الوجه الأول: خلق آدم على صورته أي: على الصورة التي اختارها الله عز وجل، فتكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، مثل: ناقة الله، وبيت الله، وما أشبه ذلك. الوجه الثاني: خلق الله آدم على صورة الرب عز وجل، ولكن لا يلزم أن يكون مماثلاً له؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، فإذا قال قائل: كيف يكون غير مماثل وقد قال على صورته؟ قلنا: لا يلزم من الصورة التماثل، ألم يكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الجنة: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) هل يلزم أن يكونوا مماثلين للقمر؟ لا يلزم أن يكونوا مماثلين له، فلا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء، وهذا واضح، وقد ضربنا لكم مثالاً في أهل الجنة: أنهم يدخلون الجنة أول زمرة على صورة القمر، ولا يلزم التماثل.

حكم شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

حكم شد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم Q هل يجوز شد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A لماذا تشد الرحال إلى قبر الرسول؟ نسأل يقول: ليسلم عليه، نقول: إن الله قد كفاك، أي إنسان يسلم على الرسول في أي مكان فإن تسليمه يبلغه، لماذا تشد الرحال؟ تكلف الناقة وتكلف نفسك، ولا تسلم أجرة تذكرة وغير ذلك؟ فلا يجوز أن يشد الإنسان الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أقل ما فيه أنه إضاعة مال، وإضاعة المال محرمة، لكن لو شد الرحال للمسجد النبوي فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) وإذا وصلت إلى المسجد قم بزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، زر قبر الرسول وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقم بزيارة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في البقيع، وبزيارة أهل البقيع كلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يزور البقيع، ولكن تزور البقيع بأي شيء؟ ما الحكمة في ذلك؟ زيارة القبور ليس لأجل أن تدعو الله عندها، ولا أن تستغيث بأهل القبور، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرع للأمة المبين لحكم الشريعة: (زوروا القبور فإنها تذكركم الموت) وفي لفظٍ: (تذكركم الآخرة) هذا المقصود، هؤلاء القوم هم الآن في بطن الأرض، لا يملكون زيادة حسنة ولا نقص سيئة من أعمالهم، وأنت الآن على ظهر الأرض تستطيع أن تزيد حسنة في حسناتك أو أن تستغفر من سيئة، فتذكر الموت، تذكر الآخرة وهي دار الجزاء، هذا هو المقصود، وهل عندك عهدٌ من الله أنك ستبقى مدة بعد هذه الزيارة؟ لا. إذاً: يا أخي! ما تدري لعلك تزور هؤلاء الموتى صباحاً ويزورك أقاربك في هذه القبور مساءً، فاستعد للموت، تب إلى الله عز وجل مما فرطت في حق الله، ومما فرطت في حق عباد الله، هذا هو المقصود من زيارة القبور. أما الدعاء عندها فلا، إذا أردت أن تدعو الله فادع الله في بيوته وهي المساجد، أما أن تخرج هناك لتدعو فهذا غلط. وأقبح من ذلك أن يخرج ليدعو أهل القبور، يقول: يا ولي الله! يا سيدي! يا فلان! افعل لي كذا وكذا، ارزقني، هذا ماذا نعتبره؟ نعتبره شركاً أكبر يستحق فاعله ما ذكره الله في قوله: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] . نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالتوحيد والإخلاص والسنة إنه على كل شيء قدير.

حكم من استعان بساحر ثم تاب

حكم من استعان بساحر ثم تاب Q لقد استعنت بأحد السحرة في موضوعٍ هام فهل عليَّ إثم؟ وما هي الكفارة؟ A الجواب على هذا السؤال يكون بيني وبين السائل، فهو بعد أن فعل جاء يسأل، الإنسان يجب عليه إذا أراد أن يقدم على شيء يجب عليه أن يسأل عنه أولاً، أرأيتم لو أن إنساناً أراد أن يسافر إلى مكة من المدينة هل يسأل عن الطريق أولاً، أو يذهب يتيه في البراري ثم يجيء يسأل؟ يسأل أولاً، وطريق الآخرة كطريق الدنيا، الطريق المعنوي كالطريق الحسي، لا تسلك طريقاً إلا بعد أن تعرفه، أما بعد أن يفعل الشيء يأتي يسأل؟ ولهذا نحن بهذه المناسبة نحث إخواننا الذين يذهبون إلى العمرة أو إلى الحج ألا يقدموا على ذلك حتى يعرفوا كيف يحرمون، كيف يطوفون، كيف يسعون، كيف يقصرون أو يحلقون حتى يعبدوا الله على بصيرة.

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[5]

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[5] عقب الشيخ في هذا اللقاء على ما ذكره في اللقاء الماضي من تفسير أواخر سورة البقرة، ثم تطرق إلى موضوع مهمٍ حول قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) مبيناً طريق الدعوة إلى الله حيث يشترط في الداعية الإخلاص والعلم بما يدعو واستعمال الحكمة والموعظة الحسنة مع المدعو.

تعقيب على أواخر سورة البقرة

تعقيب على أواخر سورة البقرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ففي اللقاء الماضي قرأ إمامنا في صلاة المغرب آخر سورة البقرة وآخر سورة النحل، وذكرنا أن موضوع الآيات التي قرأها مهمٌ جداً، وتكلمنا على آخر سورة البقرة بما تيسر، وذكرنا ما من الله به على عباده فيما يتعلق بالأوامر وفيما يتعلق بالنواهي، الذي ذكره الله تعالى بما يتعلق بالأوامر هو قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . والذي يتعلق بالنواهي هو قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . وذكرنا أنه يؤخذ من الجملة الأولى قاعدة مهمة فيما يتعلق بالواجبات وهي: أن الواجبات تسقط عن العاجز، فإن كان لها بدل أتي بالبدل، وإن لم يكن لها بدل سقطت. من الواجبات التي تسقط بالعجز ولها بدل كفارة الظهار. فكفارة الظهار يجب فيها عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. ويصح أن نمثل بالطهارة: يجب الماء فإن لم يجد فالتراب -التيمم- فإن لم يجد صلى ولو بلا وضوءٍ ولا تيمم؛ لأن الواجبات تسقط بالعجز، وهذه قاعدة ليست من رأي فلانٍ وفلان، ولا من فكر فلانٍ وفلان، ولكنها من رب العالمين الذي قال في كتابه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فهذه عبادته يسقط الله عز وجل عن عباده ما لا يستطيعون. أما في النواهي فالقاعدة فيها: أن الجاهل والناسي يسقط عنه الإثم وما يترتب على الفعل من فدية أو كفارة فإنه يسقط عنه، ولهذا أيضاً أمثلة كثيرة: لو تكلم الإنسان في صلاته جاهلاً بتحريم الكلام فما حكم صلاته؟ صلاته صحيحة، والدليل: أن رجلاً دخل في الصلاة فسمع آخر حين عطس فقال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله. إلى أن قال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الذي تكلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال، ولم يأمره بالإعادة. بقي علينا شيءٌ لم تدل عليه الآية، وربما يؤخذ من الآية كما سنبين وهو الإكراه: إذا أكره الإنسان على فعل محرم فهل يترتب على هذا الفعل إثم أو فدية أو كفارة؟ A لا يترتب، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الرجل لا يؤاخذ في الإكراه على الكفر وهو أعظم المعاصي، فعدم مؤاخذته في الإكراه على ما دونه من باب أولى، على أنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) وبناء على هذه القاعدة الثالثة وهي: سقوط الإثم والفدية والكفارة بالإكراه، بناءً على ذلك لو أن الرجل أكره زوجته وهي صائمة فجامعها فهل يفسد صومها؟ لا يفسد. وهل عليها كفارة؟ ليس عليها كفارة؛ لأنها مكرهة، وهكذا أيضاً لو أكرهها على ذلك وهي في حجٍ أو عمرة فإنه ليس عليها فدية، وليس عليها إثم للقاعدة التي ذكرناها والتي أخذناها من كلام الرب عز وجل، ربما يؤخذ هذا، أي: سقوط الإثم والكفارة والفدية من قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ؛ لأن المكره لا يستطيع أن يتخلص، ولهذا لو أكرهه من يتمكن من دفع إكراهه فإنه يترتب عليه الحكم. ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها، وقالت: إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها، فطلق، هل يقع الطلاق أو لا؟ لا يقع الطلاق لأنه مكره، كيف كان مكرهاً؟ لأنها تريد أن تقتل نفسها وهي قادرة على أن تنفذ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه، لذلك نقول: لا يقع الطلاق، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره، وذكرنا الدليل لهذا.

تفسير قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)

تفسير قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) أما آخر سورة النحل وهي موضوع درسنا الآن فهي قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] الخطاب في قوله: (ادع) لمن؟ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقيل: إن الخطاب لكل من يصح أن يتوجه إليه الخطاب، النبي عليه الصلاة والسلام وغيره؛ لأن القرآن نزل للأمة جميعاً، فإذا قال الله: (ادع) فالخطاب لكل مؤمن أن يدعو إلى الله، واعلم أن الخطاب الموجه في مثل هذه الصيغة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكون في السياق ما يدل على العموم. والقسم الثاني: أن يكون هناك دليلٌ على الخصوص. والقسم الثالث: ألا يكون فيه دليلٌ لهذا ولا لهذا. مثال الأول: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] فهنا وجه الخطاب أولاً إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قال: (إذا طلقتم) والخطاب هنا للعموم بدليل الجمع، وعلى هذا فيكون الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام له وللأمة بالنص: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} . الثاني: أن يكون هناك دليل على الخصوص، فهنا يختص الحكم بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مثاله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] ، ومثل قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح:1-2] إلى آخر السورة، فهذا يختص بالرسول عليه الصلاة والسلام. القسم الثالث: ما يكون لا دليل فيه لهذا ولا لهذا؛ مثل هذه الآية الكريمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] الخطاب موجه للرسول عليه الصلاة والسلام لوحده، أو لكل من يصح خطابه؟ على قولين، واعلم أن الخلاف شبيه باللفظ في هذه المسألة؛ لأن الذين يقولون: إنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام يقولون: إن أمته يشملها الحكم باعتبار الأسوة، لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] . فإذا قال قائل: ما الأصل: الخصوصية أم العموم؟ فنقول: الأصل العموم، ولهذا لما أراد الله عز وجل الخصوصية نص عليها فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب:50] فما هو الدليل على الخصوص؟ {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} يعني: أباح الله له أن يتزوج بالهبة؟ {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} إذاً: هذا يدل على أنه إذا لم يدل دليل على أن الحكم خاص بالرسول وجب التعميم، وخذها قاعدة: كل حكمٍ ثبت للرسول صلى الله عليه وسلم فهو ثابتٌ للأمة إلا بدليل. وعلى هذا فنقول: إن قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره. وقوله: {إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} ما هو سبيل الله؟ سبيل الله تعالى شرعه؛ لأنه طريق يوصل إلى الله عز وجل؛ ولأن الله تعالى هو الذي شرعه فأضيف إليه، فيكون الشرع مضافاً إلى الله لوجهين: الوجه الأول: أنه موصل إلى الله. والوجه الثاني: أنه هو الذي شرعه لعباده وبينه لهم حتى يصلوا إلى الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} هنا إذا تأملنا كلمة (سبيل) وجدنا أنها تضاف أحياناً إلى الله كما في هذه الآية، وأحياناً تضاف إلى المؤمنين كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] فأضاف السبيل هنا إلى المؤمنين، فكيف نجمع بين الآيتين؟ مرة يضاف إلى الله ومرة يضاف إلى المؤمنين؟ نقول: الجمع بينهما سهل: أضيف إلى المؤمنين لأنهم هم السالكون له، وأضيف إلى الله لأنه شرعه وموصلٌ إليه، ومثل ذلك كلمة الصراط: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى:52-53] {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6-7] فمرة أضاف الصراط إلى الله، ومرة أضاف الصراط إلى المؤمنين الذين أنعم الله عليهم، فكيف نجمع؟ أضيف إلى المؤمنين الذين أنعم الله عليهم؛ لأنهم هم الذين سلكوه، وأضيف إلى الله لأنه شرعه والموصل إليه.

الإخلاص في الدعوة إلى الله

الإخلاص في الدعوة إلى الله قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] في هذا دليل على وجوب الإخلاص، أن تدعو إلى سبيل الله هذا إخلاص؛ وذلك لأن الدعاة لهم إرادات؛ من الناس من يدعو إلى سبيل الله لكن انتقاماً من المدعو، أو انتصاراً لرأي، هذا الذي يدعو انتقاماً من المدعو أو انتصاراً لرأيه هل يكون داعياً إلى الله، أو إلى سبيل الله؟ لا. يوجد أناس الآن يدعون إلى الله لكن يريدون أن ينصروا قولهم، ولذلك يصعب عليهم جداً أن يتراجعوا عنه ولو كان خلاف الحق؛ لأنهم يريدون أن يكون الكلام لهم أو سلطة الرأي لهم، وهذا لا شك مجانبٌ للإخلاص تماماً، هذا يدعو إلى الهوى وليس يدعو إلى الهدى. إنسان آخر يدعو انتقاماً من الشخص، هذا أيضاً غلط، الواجب أن تدعو إلى الله، وإلى سبيل الله لإصلاح عباد الله، وليس انتقاماً منهم، ولا انتصاراً لرأيك، ولكن لإصلاحهم، وإذا كان كذلك أي لإصلاح الخلق؛ فسوف يسلك الإنسان أقرب الطرق إلى حصول المقصود.

اشتراط العلم في الدعوة إلى الله

اشتراط العلم في الدعوة إلى الله وقوله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} يتبين أنه لابد من العلم، لماذا؟ لابد أن تعلم ما تدعو إليه أنه من شرع الله، فتعلم أولاً ثم ادع ثانياً، أما أن تدعو إلى سبيل الله وأنت لا تعلم سبيل الله فكيف يمكن هذا؟! ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] على علم، فلابد أن يكون الإنسان عالماً بما يدعو إليه، وأنه حق ومن شريعة الله. أما مجرد أن ينقدح في ذهنه أن هذا حق بدون دليل شرعي فإنه لا يجوز أن يتكلم، لأن الله يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] ، ويقول الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] لابد أن يكون الإنسان عالماً بالشرع، فلو رأيت إنساناً يصلي ولكنه لا يطمئن في صلاته، يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يسجد بدون أن يطمئن، هل يصح أن تقول له: إن صلاتك باطلة بدون علم؟ لا يصح؛ لأنه كيف تدعو إلى شيء لا تدري عنه؟ لكن إذا كنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للذي كان يصلي ولكنه لا يطمئن، قال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ) حينئذٍ يكون عندك دليل ويمكن أن تدعو إلى الله. لابد أيضاً أن يكون عالماً بحال المدعو، وإلا فلا يجوز أن يتكلم، لابد أن تكون عالماً بحال المدعو وأنه يحتاج إلى دعوة، وأنه ممن عنده علم أو ممن ليس عنده علم، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ وقد بعثه إلى أهل اليمن، قال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) لماذا أخبره بحالهم؟ من أجل أن يعرف كيف يخاطب هؤلاء؛ لأن خطاب العالم ليس كخطاب الجاهل، خطاب العالم لابد أن يكون عندك قدرة على مجادلته، إذ إن العالم الذي كان على باطل لا يمكن أن يقبل أو يستقبل الدعوة بسهولة؛ لأن عنده علماً، فتجده عندما تدعوه إلى الحق يجادل لإبطال الحق وإحقاق الباطل الذي كان عليه، فلابد أن تعلم لو أنك أردت أن تدعو نصرانياً إلى الدين الإسلامي يحتاج أن تعرف أنه نصراني وأن عقيدته التثليث مثلاً، يقول: إن الله ثالث ثلاثة، فيحتاج أن تعرف كيف ترد عليه فيما لو احتج عليك بباطل وإلا لهزمت، وهزيمة الداعي إلى الله عز وجل والذي بنى دعوته على غير علم هذه مصيبة، ليست مصيبة عليه وحده بل مصيبة على ما يدعو إليه من الدين، فلابد أن تكون عالماً بحال المدعو. انظروا إلى قصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فجلس، هل دعاه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن يصلي ركعتين قبل أن يعلم حاله؟ لم يدعه حتى علم بحاله، ووجه ذلك أن الرجل لما دخل جلس فقال له: (أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين) . إذا وجدت إنساناً يأكل في رمضان هنا في المدينة هل أنكر عليه من أول الأمر؟ لا أنكر عليه حتى أقول: أمسافر أنت؟ أو أنت ممن يحل له الفطر؟ لكن لو وجدت شخصاً من أهل البلد أعرف أنه من أهل البلد وأنه لا عذر له في الفطر فحينئذٍ أنكر عليه، أذكره لعله نسي، وعجباً من بعض العامة يقولون: إذا رأيت إنساناً يأكل في رمضان فلا تذكره لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ما دام الله أطعمه وسقاه لا تحرمه، لا تقطع رزقه، دعه يأكل ويشرب، وهذا غلط، الواجب أن يذكر المؤمن أخاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: لما سها في صلاته، قال: (إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون؛ فإذا نسيت فذكروني) فيجب على المؤمن أن يذكر أخاه، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، أما قوله: هذا رزق ساقه الله إليه دعه يأكل ويشرب، هذا غلط.

استعمال الحكمة والموعظة الحسنة مع المدعو

استعمال الحكمة والموعظة الحسنة مع المدعو يقول الله عز وجل: {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] . هذه ثلاثة أوصاف للدعوة، هل هي أوصاف مقترنة؟ أو أوصاف مترتبة؟ يعني: بعضها في حال وبعضها في حال، أو هي مقترنة يعني: تدعو بحكمة وموعظة ومجادلة؟ A الحال يقتضي أن تكون مرتبة، أولاً: بالحكمة، ببيان الحق ودليله من الكتاب والسنة، واعلم أنني أحب لكل داعية أن يقرن دعوته بالدليل، أولاً: لبراءة الذمة، وثانياً: ليطمئن المدعو؛ لأن المدعو إذا قيل له: هذا حرام، أو هذا واجب لقوله تعالى، أو لقول الرسول صلى الله عليه وسلم يطمئن بلا شك، ويكون له حجة عند الله عز وجل، فإذا أمكنك أن تذكر الدليل للمدعو كان هذا خيراً، لما فيه من إبراء الذمة، وثانياً: اطمئنان المدعو، هذا الرجل رجل ليس عنده رد للدعوة وليس عنده مجادلة يكفي أن تدعوه بالحكمة، واعلم أن الحكمة كما قال الله عز وجل: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] . لو رأيت رجلاً يستغيث بصاحب قبر: يا سيدي! يا مولاي! يا ولي الله! أغثني، مثلاً: يستغيث بصاحب القبر، نحن نعلم أن الاستغاثة بصاحب القبر شركٌ أكبر مخرج عن الملة، فهذا الذي يستغيث بصاحب القبر نقول: لو مت على هذا لكنت من أصحاب النار، أصحاب النار المخلدين فيها، لقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] . رأيت رجلاً يستغيث بقبر، هل تأتي مباشرة وتقول: أنت كافر! أنت مشرك! قد حرم الله عليك الجنة؟ لا. ولا يجوز أن تقول هذا، وإن كان واقع الحال هو ما ذكرت، لكن لا يجوز، هذا تنفير، اذكر له الحق، والحق مطابقٌ تماماً للفطرة، قل: يا أخي! أو لا تقل: يا أخي! هذه مشكلة، هل تقول لهذا الذي يستغيث بالقبر: يا أخي! تعال هذا شرك بالله، أو لا تقول: يا أخي؟! هو على كل حال هذا الرجل الذي يستغيث بالقبر لا تظن أنه يستغيث به وهو يعتقد أنه شركٌ مخرج عن الإسلام أبداً، هذا إذا كان ينتسب إلى الإسلام، فإذاً: يصح أن تقول: يا أخي! باعتبار أنه يرى نفسه مسلماً، وإن شئت فقل: يا أخي! باعتبارٍ آخر وهو أنه باعتبار ما يكون، وإن شئت فقل: يا رجل! وتسلم من هذا الإشكال: استغث بالله عز وجل، كما قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وأصحابه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] الاستجابة مرتبة على الاستغاثة، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، استغث بالله حتى يستجيب الله لك وربك على كل شيء قدير، وهذا المخلوق الذي أنت الآن تستغيث به هو ميت هامد ربما تكون الأرض أكلته ولا يبقى من جسده إلا عجب الذنب ولا ينفعك، ثم بعد ذلك ترغبه في التوحيد، أترون أن هذا يقبل، أو لو قيل له: أنت مشرك، وهذا شرك، ومن أشرك بالله حرم الله عليه الجنة؟ الذي وبخته وأنكرت عليه بشدة هذا لا يقبل في الغالب، لكن من أتيته بلطف وموعظة حسنة قبل. والموعظة الحسنة هل هي بالصيغة أو بالكيفية؟ بمعنى هل أنت تسوق له الأدلة من الكتاب والسنة على وجهٍ يقنع، أو حتى بالكيفية؟ الجواب: بالأمرين جميعاً، بكيفية السياق، وبأقرب ما يمكن أن يقتنع به، حتى لو ضربت له الأمثال افعل، ألم يكن الله عز وجل يضرب الأمثال للذين يدعون من دون الله؟ {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41] {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد:14] الذي يريد أن يشرب من النهر، ويخرج يديه باسطاً إياهما أيبقى شيء من الماء؟ لا. إذاً: هؤلاء الذين يدعون من دون الله لا يستجيبون لهم إطلاقاً؛ لأن هذا الذي يريد أن يشرب وقد بسط كفيه لا يمكن أن ينال ماءً. المرتبة الثالثة: إذا دعوناه بالحكمة ولم يفعل، بالموعظة الحسنة ولم يفعل، نأتي إلى المجادلة؛ لأن الذي لا يقبل بالموعظة سوف يجادل، فنجادله لكن بالتي هي أحسن، أقرب طريق يوصل إلى الحق اتبعه. وأنا أذكر لكم الآن مجادلة وقعت بين إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وبين رجلٍ مشرك متمرد: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] فإذا كان ربك يحيي ويميت فأنا أحيي وأميت، إذاً: أنا رب كربك، فقال له إبراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] جادله بماذا؟ بالتي هي أحسن، جادله بأمرٍ لا يتمكن من الرد عليه، ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258] في البداية رد على إبراهيم لما قال إبراهيم: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] ، جادل وقال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] هل هذه دعوى منه أنه يحيي ويميت؟ أو أنه منزل على حالٍ من الأحوال؟ الظاهر أنه منزلٌ على حالٍ من الأحوال؛ الأحوال: هو أنه يؤتى إليه بالرجل الذي استحق القتل فلا يقتله، ويدعي أن هذا إحياء، وليس إحياءً في الواقع الرجل حي من قبل، أو يؤتى إليه بالرجل لا يستحق القتل فيقتله، فيقول: هذا إماتة. وهذا غير صحيح، هذا ليس إماتة لكنه فعل سببٍ يقتضي الموت، ولو شاء الله ألا يموت هذا الذي قتل لم يمت، ألم تعلموا أن الدجال يأتيه الرجل الشاب ويقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله! فيقطعه قطعتين ويمشي بينهما، ثم يدعوه فيقوم يتهلل، من الذي أحياه؟ الله عز وجل، فالمهم هذا الرجل قال بعض العلماء أراد بقوله: أنا أحيي وأميت أنه يؤتى إليه بالرجل لا يستحق القتل فيقتله، وادعى أن هذا إماتة، ويؤتى إليه بالرجل يستحق القتل فيرفع عنه القتل وادعى أن هذا إحياء، وقيل: إن هذه دعوى منه وليس يريد أن ينزلها على حالٍ من الأحوال، يعني: ادعى أنه يحيي ويميت، وعلى كلٍ فإبراهيم عدل عن هذا الذي يمكن أن يكون جدلاً إلى أمرٍ لا يمكنه أن يتخلص منه وهو {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] هل يمكن أن يدعي أنه يأتي بها من المغرب؟ لا يمكن؛ لأن هذا أمرٌ معلوم بالبداهة: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] ، ولهذا ينبغي للمجادل أن يسلك أقرب طريق لإفحام الخصم، لا يتابعه؛ لأنه ربما إذا تابعته صعد بك جبلاً لا تستطيع رقيه، لكن ائت بأمر لا يتخلص منه، واعدل عن جوابه الذي أورد الشبهة فيه حتى تقضي عليه نهائياً. المهم: حالنا بالنسبة لدعوة الناس تنقسم إلى أقسام: الأول: الدعوة بالحكمة. والثاني: إذا لم يقتنع نعظه بترغيبٍ وترهيب. والثالث: إذا جادل نجادله بالتي هي أحسن. وهناك أمر رابع لم يذكر في هذه الآية، وهو إذا كان ظالماً: فإننا لا نجادله، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] ؟ هؤلاء لا نجادلهم بالتي هي أحسن، بل نجالدهم بالسيف؛ لأنهم معاندون، فصار الأقسام إذاً أربعة؛ ثلاثة ذكرت في آية واحدة، والرابع في آية أخرى. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من دعاة الحق وأنصاره، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. وإني أدعو إخواني الداعين إلى الله أن يستعلموا الأسهل والأيسر، ولهذا كان الرسول يبعث الناس للدعوة إلى الحق ويقول: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) فكل شيء يرغب الناس في الحق اتبعه فأنت على خير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم جمع وقصر الصلاة عند الوصول إلى بلد المسافر

حكم جمع وقصر الصلاة عند الوصول إلى بلد المسافر Q فضيلة الشيخ! تكلمتم في اللقاء الماضي جزاكم الله خيراً عن الجمع والقصر في السفر، وسؤالي: إنني كنت مسافراً راجعاً من مكة إلى المدينة وقمت بتأخير صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وعند وصولنا إلى المدينة قمنا وصلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت العصر فهل هذا صحيح؟ A ننظر: هل هذا الرجل الذي قدم من مكة إلى المدينة قدم إلى بلده؛ فإن كان كذلك فعليه الآن أن يعيد صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً؛ لأنه لما وصل إلى البلد انتهى السبب الذي يبيح الجمع ويطلب فيه القصر، أما إذا كان ليس من أهل المدينة ولكنه مر بها مسافراً فعمله صحيح، فيصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين مجموعتين.

حكم استعمال حبوب منع الحمل

حكم استعمال حبوب منع الحمل Q هل يجوز أن يعطي زوجته حبوب منع الحمل وذلك لأنها تتأذى من الحمل؟ A أولاً: ننصح الرجال والنساء ألا يستعملوا هذه الحبوب؛ لأن هذه الحبوب تبين أنها ضارة بكلام الأطباء وبالواقع؛ فإنها تفسد الدورة العادية، وتوجب انحطاط قوة المرأة، وربما تؤثر على الرحم، وربما تؤثر على الجنين إن قدر أن تحمل، هذه واحدة. ثانياً: لا تستعمل الحبوب؛ لأن المطلوب من هذه الأمة تكثير النسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود) الولود: كثيرة الولادة، وإذا كان هذا مرغوب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا ينبغي أن نعدل عما يرغبه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما كون المرأة تتأذى بالحمل فهذا أمرٌ طبيعي، يقول الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14] ، وقال في الآية الثانية: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] هذا أمر لابد منه، هل يمكن أن يكون في بطن المرأة ولد يكبر وينمو بدون أن تتعب؟! هذا شيء مستحيل خلاف الفطرة، فلابد من الوهن، من الضعف، من الكره، ولكن نبشر المرأة أنه لا يصيبها من هذا الحمل تعب أو كسل، أو خمول أو ضعف إلا أثيبت عليه، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الرجل يكفر الله عنه حتى بالشوكة إذا أصابته، فنقول لهذه المرأة: أبشري بالخير! إن الأذى الذي ينالك من الحمل كفارة لما حصل من الذنوب، ثم إن احتسبت الأجر صار كفارة وثواباً، لهذا لا نشير باستعمال هذه الحبوب. أما بالنسبة للزوج فلا يحل له أن يكره زوجته على أخذ الحبوب كما يفعله بعض السفهاء من الشباب المتزوجين يقول: أعطيها حبوباً حتى تبقى سنة أو سنتين لا تحمل، هذا غلط، ولا يحل له أن يكرهها على أخذ الحبوب، ولا يلزمها أن تطيعه أيضاً، لو قال: كلي الحبوب، قالت: لا. فلها ذلك؛ لأن لها حقاً في الولادة، ولهذا حرم العلماء على الرجل أن يعزل عن زوجته إلا برضاها، أتعرفون العزل؟! الظاهر أن غير المتزوج لا يعرف العزل، والمتزوج يعرفه؛ وهو أن الرجل إذا جامع زوجته ثم قرب إنزاله نزع من الجماع حتى يكون الماء خارج المكان لئلا تحمل، قال أهل العلم: يحرم على الزوج أن يعزل عن زوجته إلا برضاها، وعللوا ذلك: بأن لها حقاً في الولد، ولذلك كان القول الصحيح: أنه إذا تبين الرجل عقيماً فإن للزوجة أن تفسخ النكاح إذا شاءت، لماذا؟ لأن لها حقاً في الولد، بعض النساء لا تتزوج إلا من أجل الولد، إذاً: استفدنا الجواب حتى لا نبتعد: لا يجوز للزوج أن يكره زوجته على أخذ حبوب منع الحمل، ولا يلزمها أن تطيعه، هذا واحد. ثانياً: لا نشير على الزوج ولا على الزوجة بتناول هذه الحبوب لما فيها من الإضرار، وأما التأذي بالحمل فهذا أمرٌ ليس علة صحيحة، كل امرأة تتأذى من الحمل.

حكم لبس البنطال للمرأة أمام زوجها ومحارمها

حكم لبس البنطال للمرأة أمام زوجها ومحارمها Q لقد ذكرتم في فتوى سابقة أن حكم لبس المرأة للبنطلون حرام، فهل في لبسه حرام إذا كان أمام محارمها أو للتزين لزوجها؟ A البنطلون الذي يشبه بنطلون الرجال حرام لما في ذلك من التشبه، وأما ما لا يشبه بنطلون الرجال فإنه وسيلة قريبة إلى هتك حرمة العورة؛ لأن البنطلون كما تعلمون يصف حجم الفخذين والعجيزة والساق، وربما كان اليوم واسعاً فضفاضاً لا يصف كثيراً وبعد أيامٍ قليلة تستعمل النساء ما كان ضيقاً، وربما تستعمل ما كان لونه كلون الجلد فتبقى وكأنها عارية. يقول بعض الناس: إذا لبست هذا عند زوجها وليس في البيت أحد أو في غرفة النوم، فما الحكم؟ الجواب: إذا كان هذا يشبه بنطلون الرجل فهو حرام، وإذا كان لا يشبهه فلماذا تلبسه عند زوجها؟ وما الفائدة؟ أليس يجوز أن تتعرى أمام زوجها؟ يجوز، وكونها متعرية أدعى للشهوة إذا كانت تريد هذا، ولذلك من وحي الشيطان أن يزين للنساء لبس البنطلون، فالمرأة مأمورة بالتستر والحشمة والبعد عن مواضع الفتنة.

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء Q ما حكم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء؟ A يرى بعض العلماء أن زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم جائزة، ويقول: إنها ليست زيارة في الواقع؛ لأن بين المرأة إذا وقفت وبين الرسول صلى الله عليه وسلم حواجز، جدران متعددة، فهي في الواقع لم تزره وإن سمت ذلك زيارة، ولهذا أباحوا أن تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول بعض العلماء: إنها لا تزور قبر النبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وهذه زيارة عرفاً، وإن لم تكن زيارة في الحقيقة فهي عرفاً زيارة، ثم إنا نقول: الأمر فيه شبهة، وما دام فيه شبهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) . ثم نقول للمرأة: أبشري! أنت إذا سلمتِ على الرسول صلى الله عليه وسلم ولو في أقصى المسجد، ولو في أقصى مكانٍ في الأرض فإن تسليمك عليه يبلغه، ولا حاجة أن تقفي على القبر، ونقول أيضاً: كل مؤمن يسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام في كل يوم تسع مرات فرضاً فلا حاجة إلى أن تتكلف المرأة حتى تقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مع الشبهة. وهل يقول المسلم إذا سلم على الرسول: السلام عليك أيها النبي! أو: السلام على النبي؟! جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [كنا نقول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي! وبعد موته نقول: السلام على النبي!] لكن هذا اجتهادٌ من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وليس كل مجتهدٍ مصيباً، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته، قال: (قولوا: السلام عليك أيها النبي!) إلى يوم القيامة، ولم يقل: قولوا ذلك ما دمت حياً، ثم إن الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قالوا: السلام عليك، هل يريدون أن يسمع الرسول ويكون خطاباً مباشراً؟ الجواب: لا. لأنهم يعلمون أن الذي في طرف الصف لا يسمعه الرسول، والذين في مكة وفي غيرها من البلاد لا يسمعه الرسول حتى في حياته، إذاً: ليس خطاباً مباشراً، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه جاء بصورة الخطاب لقوة استحضار المرء في السلام على الرسول عليه الصلاة والسلام، كأنه أمامه يقول: السلام عليك، وصح عن عمر في موطأ مالك أنه قال على المنبر وهو يتلو التشهد: [السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله] ولا شك أن عمر أعلم من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولا سيما وأنه أعلنه على الملأ ولم يقل أحدٌ من الناس إنه ليس كذلك، وعلى هذا فيكون قول ابن مسعود رضي الله عنه رأياً رآه ولكنه ليس مصيباً في ذلك، لأن المجتهد يخطئ ويصيب. وابن مسعود رضي الله عنه مع علمه وفقهه ليس معصوماً، ولا أحد يتكلم بالشريعة معصوم من الخطأ أبداً إلا الرسول عليه الصلاة والسلام. ابن مسعود رضي الله عنه جاءه رجل استفتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه في مسألة فرضية: في رجل توفي عن بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة؟ أبو موسى الأشعري قال: للبنت النصف وما بقي فللأخت، لكنه رضي الله عنه قال: وأتِ ابن مسعود فسيوافقني على ذلك، فذهب الرجل إلى ابن مسعود وقال له: إنه استفتى أبا موسى الأشعري في هذه المسألة وقال: للبنت النصف وما بقي فللأخت، وأت ابن مسعود فسيوافقني على ذلك، فقال عبد الله بن مسعود: [لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين -يعني: لو وافقته لكنت ضالاً وما أنا من المهتدين- لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت] أبو موسى قاله عن اجتهاد، وفق للصواب أو لا؟ لم يوفق، وفضل الله يؤتيه من يشاء، ابن مسعود رضي الله عنه وفق للصواب مستدلاً بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعني أن ابن مسعود رضي الله عنه إذا أخطأ في مسألة فإن كل قضاياه خطأ، أبداً ابن مسعود من أفقه الصحابة وأكثرهم فتوى رضي الله عنه.

حكم زكاة المال العائد من الشقق المؤجرة

حكم زكاة المال العائد من الشقق المؤجرة Q أفتونا مأجورين في زكاة المال العائد للشخص من الشقق المؤجرة بحيث أن المبلغ للشقة الواحدة لا يملكه الشخص دفعة واحدة بل يكون على دفعات المرتين أو الثلاث؟ A كل الأجور التي يستلمها الإنسان شيئاً فشيئاً، إن أنفقها من حيث استلامها فلا زكاة فيها ما لم يكن قد تم الحول على العقد، مثال ذلك: رجل أجر هذه الشقة بعشرة آلاف، تمت السنة فقبض عشرة آلاف، يلزمه أن يزكيها، لماذا؟ لأنه تم عليها الحول، ورجل آخر أجر شقة بعشرة آلاف مقدمة، يعني: يسلمها المستأجر عند العقد، فأخذ صاحب الشقة العشرة آلاف ثم أنفقها على أهله، أو على تعمير الشقة، أو غير ذلك، هل في العشرة آلاف زكاة؟ لا. لماذا؟ لأنه لم يحل عليها الحول، ومن شرط وجوب الزكاة: أن يتم الحول عليها. أما الشقة نفسها فليس فيها زكاة؛ لأن كل شيء أعد للأجرة لا زكاة فيه؛ من عقار، أو سيارات أو معدات أو غير ذلك، إلا الحلي من الذهب أو الفضة ففيه الزكاة على كل حال إذا بلغ النصاب.

حكم الصرف والتسليم مؤجلا

حكم الصرف والتسليم مؤجلاً Q نريد قولاً فصلاً في مسألة الصرف، نحن في السودان نبيع الريال السعودي بالجنيه السوداني ويكون تسليم الريال في هذه البلاد، والجنيه بعد حينٍ في السودان، فهل هذا جائز؟ A القول الفصل فيما نراه في هذه المسألة: أن الأوراق النقدية يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، لأن الربا نوعان: ربا نسيئة: وهو ما تأخر فيه القبض بين الصنفين الربويين. وربا فضل: وهو ما زاد فيه على الجانب الآخر. وأضرب لكم مثلاً: بعت درهماً بدرهمين نقداً يداً بيد، هذا ربا فضل، لماذا؟ لأن الفضل هو الزيادة، وكذلك إن بعت ديناراً ذهباً بدينارين نقداً يداً بيد، هذا ربا فضل، أما بعت ديناراً بدينار ولم تقبض هذا نسيئة، ولو بعت ديناراً بدينارين ولم تقبض. ففيه الاثنان الفضل والنسيئة؛ الفضل للزيادة، والنسيئة للتأخير. هذه الأوراق النقدية نرى أن الذي يجري فيها هو ربا النسيئة، وعلى هذا فإذا قدرنا أن عشرة ريالات سعودية بخمسين جنيهاً سودانياً -هذا سعرها في السوق- فجاء إنسان محتاج إلى جنيهات سودانية وقال: أعطني بالعشرة أربعين لا خمسين، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن ربا الفضل لا يكون في باب النقود هذه، لكن أعطني خمسين بعشرة ولكن مع تأخير القبض هذا لا يجوز؛ لأن ربا النسيئة يجري في هذه النقود، الدليل أنه لا يجوز: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم -شرط- إذا كان يداً بيد) على هذا نقول للأخ الذي باع نقوداً سعودية بنقود سودانية: لا بد من التقابض. إذا كانت الدولة تمنع من خروج ذلك فهل يمكن مثلاً أن يعطيه الآن ريالات سعودية ويحيلها على بنك هناك وعند وصول الحوالة إلى المستحق يتفق مع البنك على شراء الجنيه السوداني بما يساويه هناك، فإذا كان لا يمكن فمن أجل الضرورة نقول: لا بأس أن تسلم دراهم سعودية وتأخذ عوضها هناك جنيهات سودانية للضرورة.

حكم من بدل الشرع وتحاكم إلى القوانين الوضعية

حكم من بدل الشرع وتحاكم إلى القوانين الوضعية Q هل كل من بدل الشرع وتحاكم إلى القوانين الوضعية كافر؟ A الواقع أن هذه المسألة دقيقة ولا يمكن أن نفتي بها فتوى عامة في مثل هذا المجلس؛ لأنه ربما يفهمها بعض الناس على غير الصواب، ثم يذهب يكفر كل إنسان حتى وإن لم يكن كافراً، وحينئذٍ تقوم الفتن بين الناس، ويكون التكفير سهلاً على المرء حتى لو أن القاضي مع التزامه بحكم الشرع حكم في مسألة ما بخلاف الشرع قال: هذا حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر مباح الدم والمال لا يصير هذا، هذه مسألة لا يمكن الفتوى فيها على سبيل العموم في مثل هذا المجلس؛ لأن الناس أحياناً يفهمون الجواب خطأً، فنستميح السائل العذر في عدم الفتوى فيها.

حكم من رمى الجمرة ولم تسقط الحصى في الحوض أو شك في سقوطها

حكم من رمى الجمرة ولم تسقط الحصى في الحوض أو شك في سقوطها Q شخص رمى الجمرة الأولى في الحج وكان الزحام شديداً فلم تسقط في الحوض، فهل يعيد الرمي الآن؟ A أما الآن فلا، وإذا رمى الإنسان الجمرة فله خمس حالات وأرجو الانتباه: الحالة الأولى: أن يعلم سقوطها في الحوض. الحالة الثانية: أن يعلم أنها لم تسقط في الحوض. الحالة الثالثة: أن يغلب على ظنه أنها سقطت في الحوض. الحالة الرابعة: أن يغلب على ظنه أنها لم تسقط في الحوض. الحالة الخامسة: أن يتردد، فلا يستطيع الترجيح. هذه خمس حالات ولا تخرج الحالة عن هذه الخمس: فإذا علم أنها لم تسقط في الحوض فعليه أن يعيدها. وإذا علم أنها سقطت في الحوض فقد أجزأت، هل يمكن أن يعلم أنها سقطت في الحوض؟ نعم يمكن، يمشي حتى يقف على الحوض فيتيقن ما في الحوض. ومن رمى الجمرات وغلب على ظنه أنها لم تسقط في الحوض، يعيدها. وإذا: غلب على ظنه أنها سقطت في الحوض، تجزئه. أما إذا تردد، يعني: لم يترجح عنده أنها سقطت في الحوض أو خارج الحوض، يعيدها؛ لأن الأصل عدم سقوطها في الحوض، فصار يعيدها في أحوالٍ ثلاث: إذا علم أنها لم تسقط في الحوض، وإذا غلب على ظنه أنها لم تسقط، وإذا تردد. ولا يعيد في حالتين: إذا علم أنها سقطت في الحوض، وإذا غلب على ظنه أنها سقطت في الحوض. ونقول لهذا الأخ: إذا كان يغلب على ظنك وأنت واقف في المرمى أنها سقطت في الحوض فقد أجزأت، ولكن لو طرأ عليك الشك بعد مفارقة المكان فلا عبرة بذلك، أحياناً الإنسان يرمي الجمرات من بعد وحين وقوعها في المرمى يغلب على ظنه أنها وقعت فيه، لكن بعد أن يفارق المكان يأتيه الشيطان يقول: ما سقطت في الحوض فلا تجزئك، ثم يبقى معالجاً لنفسه فهنا نقول: لا يضرك الشك، الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر، وهذه قاعدة مهمة جداً، الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر في العبادة، بعض الناس إذا انتهى من الصلاة وسلم جاءه الشيطان: ما قرأت الفاتحة، ما سجدت إلا مرة، يُطرح الشكُ هنا؛ لأن الشك بعد فراغ العبادة لا أثر له، وفي ذلك بيت يقول فيه الناظم: والشك بعد الفعل لا يؤثر وهكذا إذا الشكوك تكثر وكثير من الناس كثير الشكوك؛ لا يكاد يفعل عبادة إلا شك، هذا أيضاً يطرح الشك، ولا يلتفت إليه لأن هذا هو وسواس.

حكم مخالفة الشرط المتفق عليه

حكم مخالفة الشرط المتفق عليه Q ما الحكم في رجلٍ يعمل لدى رجلٍ آخر واشترط عليه الثاني ألا يعمل عند غيره، ودوامه ثمان ساعات، فهل لو عمل في وقت فراغه يكون مقصراً في ذلك الشرط؟ A إذا التزم بهذا الشرط حين العقد وجب عليه الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشرط جائزٌ بين المسلمين إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا الشرط لا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً، فهو صحيح، وإذا كان صحيحاً وجب الوفاء به، لقول الله تبارك وتعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فإذا قال قائل: كيف تمنعونه من العمل في وقتٍ هو فيه فارغ؟ قلنا: لم نمنعه بل هو الذي التزم بذلك، لماذا لم يقل لمن استأجره: أنا لا أقبل بهذا الشرط لأنه وقت الفراغ لا أقصر عليك بشيء، فإذا كان هو الذي ارتضى لنفسه هذا الشرط والتزم به فإنه يجب عليه أن يوفي به.

حكم وقوع الطلاق المعلق بشرط

حكم وقوع الطلاق المعلق بشرط Q أنا رجلٌ قلت لزوجتي: لا تذهبي إلى ذلك البيت، فذهبت، فقلت: والله إن ذهبت أنت طالق، فهل يتم هذا الطلاق إذا ذهبت؟ A أما على المذاهب الأربعة؛ مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد فإن الزوجة تطلق حتى ولو أراد اليمين فإن الزوجة تطلق؛ لأن هذا طلاقٌ معلق على شرط، فإذا وجد الشرط وقع المشروط. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إن أراد الطلاق طلقت، وإن أراد تأكيد المنع وتهديد المرأة فإنها لا تطلق لكن عليه كفارة يمين. وما اختاره الشيخ رحمه الله فهو الصواب إن شاء الله، لكن مع ذلك ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يبتعدوا عن هذا القول، لأنكم كما ترون الآن أكثر الأمة، وجميع الأئمة يرون أن الطلاق يقع، ويكون جماع هذا الرجل لزوجته جماعاً محرماً؛ لأنها طالق ما لم ينو الرجعة إذا كان له رجوع، فالمسألة خطيرة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .

متى يكون الفرح إسلاميا

متى يكون الفرح إسلامياً Q يوجد ما يسمى بالأفراح الإسلامية وفيها يتأخر النساء أو يرجعن إلى بيوتهن عند الساعة الرابعة فجراً، فهل هذه أفراحٌ إسلامية؟ A نعم هي أفراح إسلامية إذا لم يكن فيها محرم، إذا كانت الأغاني نزيهة، وكان الطرب بالدف فقط، فلا بأس بذلك، وهذه ليست مسألة دائمة حتى نقول: إن الإنسان يرهق نفسه، وقد: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يبقى متهجداً كل الليل) نقول: هذه مسألة طارئة، فلنعط النفوس حظها من الفرح بشرط ألا يتضمن ذلك وقوعاً في محرم.

حكم الدعاء بقولك: (أطال الله عمرك)

حكم الدعاء بقولك: (أطال الله عمرك) Q هل قولي داعياً: (أطال الله عمرك) دعاء لا يستجاب؟ A أما كونه لا يستجاب فهذا أمره إلى الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] لكن لا ينبغي أن يدعو بطول البقاء إلا مقيداً، فيقول: أطال الله بقاءك على طاعته؛ لأن طول البقاء قد يكون ضرراً على الباقي، فشر الناس من طال عمره وساء عمله، قد يكون طول بقاء الرجل شراً من موته، لهذا ينبغي أن تقول: أطال الله عمرك في طاعته.

حكم الصلاة مستقبلا حجرة النبي صلى الله عليه وسلم

حكم الصلاة مستقبلاً حجرة النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم صلاة الفريضة مستقبلاً حجرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ A إذا صلى الفريضة أو النافلة مستقبلاً لحجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقبلة عن يمينه أو عن يساره أو خلف ظهره فصلاته غير صحيحة؛ لأنه لم يستقبل القبلة، وإذا استقبل الحجرة وهو مستقبل القبلة أي: أن الحجرة كانت بينه وبين القبلة فصلاته صحيحة، فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تصلوا إلى القبور) قلنا: إن قصد الرجل وتعمد أن يكون مصلياً إلى قبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد وقع فيما نهى عنه الرسول، وأما إذا لم يقصد لكن صادف أن مكانه في الصف في هذا المكان الذي تكون الحجرة بينه وبين القبلة فهذا لا بأس به.

المقصود بالذراع في قوله صلى الله عليه وسلم في بيان طول أهل الجنة: (وطول آدم ستين ذراعا)

المقصود بالذراع في قوله صلى الله عليه وسلم في بيان طول أهل الجنة: (وطول آدم ستين ذراعاً) Q ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن أهل الجنة -نسأل الله أن يجعلنا منهم- يدخلون الجنة على صورة يوسف بن يعقوب، وعمر عيسى بن مريم، وطول آدم ستين ذراعاً) السؤال: المقصود ذراع من؛ ذراع الرسول أو ذراع آدم أو ذراع الإنسان نفسه؟ A الذراع المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: وهو ما بين المرفق ورءوس الأصابع، هذا الذراع، من هنا إلى أطراف الأصابع، فطولهم ستون ذراعاً، وهم على صورة واحدة أبناء ثلاث وثلاثين سنة، ولا تزيد الأعمار بزيادة السنوات؛ لأنه لا موت في الجنة، هم دائماً أبناء ثلاث وثلاثين سنة إلى ما لا نهاية له، اللهم اجعلنا منهم. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قولٍ وعمل، والحمد لله رب العالمين.

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[7،6]

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ[7،6] تكلم الشيخ في مطلع هذا اللقاء على ما تيسر من تفسير أواخر سورة الزمر (وما قدروا الله حق قدره. الآيات) مبيناً معنى النفخ وماهيته، وأنواع الشهود على الإنسان يوم القيامة، وبيان الفرق بين سوق الكافرين إلى النار وسوق المتقين إلى الجنة، والتأكيد على أن خلود الكافرين في النار هو خلود أبدي، وختمها بذكر الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير آيات من سورة الزمر

تفسير آيات من سورة الزمر الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

تفسير قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره.

تفسير قوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره) فإننا استمعنا إلى قراءة إمامنا في هذه الليلة في صلاة المغرب من المسجد النبوي حيث قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] (ما قدروا) الفاعل يعود على المشركين، ودليل ذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] يعني: أن هؤلاء المشركين لم يعظموا الله تعالى حق تعظيمه، مع أنه جل وعلا أعظم من كل شيء، (الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة) جميعاً بما فيها من الأشجار والبحار والجبال والأنهار وغير ذلك كلها قبضته يوم القيامة. (والسماوات مطويات بيمينه) السماوات السبع على عظمها واتساعها (مطويات بيمينه) ومن الذي طواها؟ الله، كما قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:104] هذا الذي هذه عظمته كيف يشرك به مخلوقٌ حقير، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا غياً ولا رشداً؟! إن من أشرك بهذا الرب العظيم معه غيره لهو أسفه الناس بل هو أسفل الناس، لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] وملة إبراهيم هي ما ذكره الله في قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123] . ولهذا قال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] (سبحان) منصوبة لأنها مفعول مطلق عاملها يسبح فهي مفعول مطلق؛ لأنه وافق المصدر في المعنى وخالفه في اللفظ، حيث مصدر يسبح تسبيحة، هذه الكلمة (سبحان) لا يمكن أن يدخل معها عامل، كلما جاءت في القرآن أو السنة فهي منصوبة دائماً على المفعولية المطلقة ولا يذكر معها عامل. انظروا في السنة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كلما ذكرت لا يذكر معها العامل وتذكر بهذا اللفظ على أنها مفعول مثل: سبحانه، أي: تنزيهاً له، والذي ينزه الله عنه ثلاثة أشياء: أولاً: كل صفة نقص فالله منزه عنها. ثانياً: كل نقصٍ في كماله فالله منزه عنه، فكمال الله عز وجل ليس فيه نقص، فلا نقص في علمه ولا في قدرته ولا في قوته ولا غير ذلك. ثالثاً: مماثلة المخلوقين، فالله منزه عنها. ما هو الدليل على ذلك؟ الدليل على الأول: أنه منزه عن كل نقص فليس موصوفاً بالعمى عز وجل، ولا بالصمم ولا بالخرس؛ لأن إبراهيم أقام الدليل العقلي على أبيه في قوله: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] فدل ذلك على أن الرب يجب أن يكون سميعاً بصيراً يغني عن عابده شيئاً، إذاً: الله تعالى منزه عن كل نقص. ثانياً: منزه عن كل نقصٍ في كماله، مثلاً: القوة من الكمال أليس كذلك؟ فالله منزه عن نقص هذه القوة، مهما عظم الفعل فإنه منزه عن نقص هذه القوة، ودليل ذلك: قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] أي: من تعبٍ وإعياء، وهذا نفي لنقص كماله جل وعلا. الثالث: منزه عن مماثلة المخلوقين والدليل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وهذا خبر، وقوله تعالى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] فنفى المثل أولاً، ثم نهى أن نضرب الأمثال له ثانياً. إذاً: كلما تلوت: (سبحان الله) فاستحضر هذا المعنى: أنه منزه عن كل نقص، ومنزه عن النقص بكماله، ومنزه عن مماثلة المخلوقين. (تعالى) يعني: ترفع وتعاظم عن هذه الأصناف؛ لأن هذه الأصناف لا تغني من الحق شيئاً.

تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور)

تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور) قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الزمر:68] والنافخ فيه إسرافيل، و (الصور) قال العلماء: إنه قَرْنٌ عظيم سِعَتُهُ كما بين السماء والأرض، ينفخ فيه نفخة واحدة فيفزع الناس؛ لأنهم يسمعون صوتاً عظيماً عظيماً عظيماً، فيفزع الناس، ثم يصعقون، فيموتون جميعاً إلا من شاء الله، ولهذا قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] ، وفي سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل:87] والجمع بينهما: أنها نفخة يحصل بها أولاً فزع، ثم ماذا؟ قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] (إذا) قال علماء النحو: إنها للمفاجأة، أي: ففي المفاجأة هم قيامٌ ينظرون، بمجرد النفخ، كما قال عز وجل: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] فسبحان القادر على كل شيء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] نفخة واحدة فإذا هم قيام لدينا محضرون!! ثم قال عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:69] (أشرقت) أي من نور الله عز وجل، ولهذا قال: (بنور ربها) وذلك أن الله عز وجل ينزل للقضاء بين عباده، فتتشقق السماء بالغمام؛ والغمام: هو السحاب الأبيض النير، فيأتي الرب عز وجل للقضاء بين عباده، لا إله إلا الله!

تفسير قوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب)

تفسير قوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب) قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ} [الزمر:69] أي كتاب يوضع؟ الكتاب الذي كتبت فيه الأعمال، الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، كل ما عمله الإنسان محصي مكتوب، إذا كان يوم القيامة وضع هذا الكتاب وأعطي كل إنسانٍ كتابه: إما باليمين أو بالشمال أو من وراء الظهر، وكل إنسان يقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] . {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} من يأتِ بالنبيين؟ يأتي بالنبيين رب العالمين عز وجل، يحضرهم من أجل أن يستشهدهم على إبلاغ أممهم، كما قال تعالى: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ} [الحج:78] يؤتى بالنبيين فيشهدون أنهم بلغوا رسالة الله، وأن الحجة قامت على عباد الله، ويؤتى أيضاً بالشهداء؛ والشهداء هنا من باب عطف العام على الخاص، لأن النبيين شهداء، وهناك شهداء آخرون وهم العلماء، فإن العلماء يشهدون على الأمم بأنهم بلغوا رسالات الله؛ لأن العلماء -جعلنا الله وإياكم منهم- ورثة الأنبياء، والله هذا الإرث الذي ينبغي التسابق إليه، العلماء ورثة الأنبياء، لو سئل من وارث الرسول؟ أهي فاطمة؟ أم أمهات المؤمنين؟ أم أعمامه؟! لا. ورثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هم علماء الأمة، العلماء شهداء؛ يشهدون بأنهم بلغوا رسالات الله لعباد الله، فيشهد العالِم يقول: أشهد يا رب! أني بلغت رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى قومي. ومن الشهداء: شهداء يشهدون على الإنسان وهم من الإنسان، ألا وهي الأعضاء: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:24-25] {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] وحينئذٍ يقولون لجلودهم: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:21] ؟ وA {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) والذي خلقكم أول مرة قادر على أن ينطق جلودكم لتشهد عليكم: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . إذاً: من الشهداء؟ الأنبياء، ثم العلماء، ثم الجوارح كلهم يشهدون على الإنسان. إذا قال قائل: النبيون عطف عليهم الشهداء، فنقول: هذا من باب عطف العام على الخاص. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} [الزمر:69] قضي بين الخلائق بالحق، والقاضي من؟ الله عز وجل، يقضي بين الخلائق بالحق في معاملتهم مع الله، وفي معاملتهم مع عباد الله، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع، قال: لا. المفلس من إذا كان يوم القيامة يأتي بحسناتٍ أمثال الجبال -حسنات عظيمة- فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا، وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء، وإلا أخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار) فيقضى بين الخلائق بالحق، وهذا بين المكلفين من بني آدم والجن. لكن: هل يقضى بين البهائم؟ الجواب: نعم. يقضى بين البهائم، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن البهائم تحشر كما قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:4-5] فيقضى للشاة الجلحاء التي لا قرون لها من الشاة القرناء التي لها قرون؛ لأن العادة أن الشاة التي لها قرون تنطح الشاة التي ليس لها قرون، إذا كان يوم القيامة قضى الله بينهما. {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:69] لا يظلم أحدٌ شيئاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:112] لا يظلم أحد بنقصٍ من حسناته، ولا بزيادة من سيئاته، أبداً؛ لأن الله تعالى كامل العدل، وهو يقضي بين عباده في ذلك اليوم بالحق.

تفسير قوله تعالى: (ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون)

تفسير قوله تعالى: (ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون) ثم قال تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:70] (ووفيت) يعني: وفى الله تعالى كل نفس ما عملت: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286] . {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} ما أحسن هذه العبارة بعد قوله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} ! لئلا يظن الظان أنه سيخفى شيءٌ من أعمال الإنسان، فلا يخفى شيءٌ من أعمال الإنسان، كل شيء معلومٌ عند الله مدون لا يزاد فيه ولا ينقص.

تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا.

تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً) قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:71] يساقون سوق إهانة وإذلال كما قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] يدفعون بعنف وشدة، ولا رأفة لهم ولا رحمة لهم -نعوذ بالله- يساقون إلى جهنم: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] وهي تمثل لهم وكأنها سراب، والسراب: هو الذي يبدو للإنسان في البر وكأنه ماء ويعطشون عطشاً شديداً، ثم يسرعون إلى هذا السراب، كما قال تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:86] يريدون أن يشربوا، فإذا جاءوا وإذا هي النار، تفتح أبوابها أمامهم ويدفعون فيها دفعاً: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] فيدفعون في النار فيذوقون الألم والعذاب في أجسامهم، ثم يوبخون ليذوقوا العذاب في قلوبهم. {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر:71] مقررين ومقررين: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر:71] والهمزة هنا يقول علماء النحو: إنها للتقريب، فهي بمعنى الفعل الماضي، فمعنى: (ألم يأتكم) ؟ قد أتاكم، ونظيرها في المعنى قول الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] أي: قد شرحنا لك صدرك، (ألم يأتكم رسل) من عند الله عز وجل، (منكم) من قومكم، من إنسانيتكم، ليسوا جناً أو ملائكة بل منكم، كل نبي يبعث إلى قومه، ومحمد عليه الصلاة والسلام بعث إلى سائر الناس، فهو من الناس باعتباره بشراً مثلهم (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ) يقرءونها عليكم، يعلمونكم إياها، يبينونها لكم، (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) يعظونكم ويخوفونكم من هذا اليوم، وقد قامت عليكم الحجة، ولهذا يقرون، يقولون: (بلى) أتانا رسلٌ منا وأنذرونا لقاء يومنا هذا، ولكن: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71] وإذا حقت كلمة العذاب على الكافرين فإنهم لا يؤمنون، كما قال جل وعلا: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:33] في هذه الآية يقولون: حقت كلمة ربك، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، في آية أخرى أقروا بأنهم هم السبب: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:9] إذاً: هم السبب في دخول النار؛ لأنها قد قامت عليهم الحجة؛ ولكنهم رفضوها والعياذ بالله.

تفسير قوله تعالى: (قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين)

تفسير قوله تعالى: (قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) قال تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:72] (قيل ادخلوا) الفاعل هنا لا يعلم؛ لأن الفعل هنا مبنيٌ لما لم يسم فاعله، فمن القائل؟ يحتمل أن القائل هو الله، ويحتمل أن القائل هم الملائكة: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} (أبواب) جمع باب، وعدد أبواب جهنم سبعة، والدليل على أن أبواب النار سبعة: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:43-44] فيدخلون أبواب جهنم داخرين، صاغرين ذليلين -والعياذ بالله- على أخس ما يكون، حتى إن الرب عز وجل مع كمال رحمته ورأفته إذا قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107] ماذا يقول؟ {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] وهذا أشد شيء عليهم أن يقول لهم الرب عز وجل: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} اندحروا، كونوا أذلاء ولا تكلمونِ، فحينئذٍ ييأسون من كل خير، نسأل الله العافية وأن ينجينا وإياكم من عذاب النار. قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} [الزمر:72] هل هذا الخلود أبدي أو أمدي؟ والأمدي: هو الذي يكون إلى مدة معينة، والأبدي: الدائم فلا نهاية له. خلودهم أبدي والدليل على ذلك قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] . القول الراجح الذي لا ينبغي العدول عنه: أن أهل النار مخلدون فيها أبد الآبدين: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] ، حتى إنهم يقولون: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] ما قالوا: يرفع عنا العذاب يوماً واحداً، قالوا: يخفف، ولكن لا يجابون ولا يطاعون، إذاً: هم خالدون فيها أبد الآبدين، والدليل ثلاث آيات من كتاب الله، فقد قال الله تعالى في سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:168-169] هذا نص صريح. وقال تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] . وقال تعالى في سورة الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] . وإذا كان الله عز وجل قال ذلك في كتابه في ثلاث آيات من كتاب الله فلا عدول لنا عن ذلك إطلاقاً. فإن قال قائل: ماذا نجيب عن قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] ؟ قلنا: الجواب عن هذا: أن قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] يعني: أن مكوثهم كان بمشيئة الله، ولا يمكن أن نثبت حكم هذه الآية التي فيها احتمال آخر وندع آيات فيها التصريح بالتأبيد.

تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا.

تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} [الزمر:73] اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا. الآية} [الزمر:73] السوق هنا ليس كالسوق الأول في الكافرين سوق الكافرين، سوق إهانة وزجر: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] ، وسوق هؤلاء المتقين سوق إكرام، ويدل بذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:85-86] المتقون قال: نحشر، نجمعهم يفدون إلى الله، والوفد في العادة يكرم، فالفرق بين السوقين أن الأول أعني سوق الكافرين يكون للإهانة والذل، وأما سوق المتقين فإنه للإكرام: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} وهنا نسأل: ما هي التقوى التي ترد في القرآن كثيراً؟ التقوى: أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، ولهذا يقول علماء التصريف: التقوى أصلها وقى من الوقاية، فما هو الذي يقي من عذاب الله؟ الذي يقي من عذاب الله هو: (امتثال أمره، واجتناب نهيه، وتصديق خبره) ثلاثة أشياء: امتثال أمره، والثاني: اجتناب نهيه، والثالث: تصديق خبره، هذا أجمع ما قيل في التقوى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره. وقيل في تعريفها: التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله. وقيل في تعريفها: خلِ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واعمل كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى ولكن أجمع ما قيل فيها هي ما ذكرناه أولاً: امتثال أمر الله، واجتناب نهي الله، وتصديق أخبار الله. هؤلاء هم الذين اتقوا ربهم يساقون إلى الجنة زمراً، أي: أفواجاً، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، أتجدون شيئاً أحسن من ذلك؟ أبداً. ولهذا يمثل للمرأة الحسناء بأنها بدر، فلا أحسن من هذا المنظر. يقول عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي: جاءوا الجنة بعد العبور على الصراط: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} يا لها من تحية عظيمة! يقول: {إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وفي أهل النار، قال: {إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] والقرآن فصاحة وبيان، فلماذا قال في أهل النار: (إذا جاءوها فتحت) ، وفي أهل الجنة: (إذا جاءوها وفتحت) ؟ قال بعض النحويين: إن هذه الواو: واو الثمانية؛ لأن أبواب الجنة ثمانية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فقالوا: إن هذه واو الثمانية، وواو الثمانية تأتي في القرآن كثيراً، اقرأ قول الله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة:112] جاءت الواو عند الوصف الثامن، وقالوا أيضاً اقرأ قول الله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] ، واقرأ أيضاً: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] جاءت الواو عند الوصف الثامن، ولكن هذا غلط، لا توجد واو تسمى واو الثمانية أبداً؛ لأن قوله: (ثيباتٍ وأبكاراً) إنما عطف أبكاراً بالواو على ثيبات؛ لأنه لا يمكن أن تكون المرأة ثيباً بكراً، فلابد أن تكون (ثيبات وأبكاراً) مغايرات للثيبات، بخلاف الصفات الست الأولى فإنه يمكن أن تجتمع في امرأة واحدة، على كل حال نقول: إن الواو هنا في أهل الجنة لها معنى أبعد غوراً مما ذكر هؤلاء أنها واو الثمانية، فما هو المعنى؟ المعنى: أن أهل الجنة إذا وصلوا الجنة لا يجدون أبوابها مفتوحة، يحبسون قليلاً حتى يشتد شوقهم إليها؛ لأن الإنسان كلما اشتد شوقه إلى الشيء صار إتيانه إياه على شوق أعظم، أليس كذلك؟ انظر إلى الجائع إذا طال عليه الجوع ثم قدم له الأكل يكون الأكل أشهى له بلا شك، كلما طال الأمد بين الأكلتين صار أشد شوقاً إلى الأكلة الثانية، فهم يحبسون عند أبواب الجنة، لا يجدونها مفتوحة، بخلاف أهل النار يبادرون بلفحها والعياذ بالله وسمومها، لكن أهل الجنة يحبسون إلى متى؟ إلى أن يظهر فضل النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليشفع عند الله جل وعلا أن يفتح أبواب الجنة لأهل الجنة، فتقبل الشفاعة وتفتح الأبواب، ويكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يدخل الجنة، إذاً: الحكمة من الواو هنا: أنهم ليسوا إذا جاءوها فتحت، بل إذا جاءوها حبسوا وأوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينزع ما في قلوبهم من غل، وتطهر القلوب حتى يدخلوا هذه الدار على أكمل حال، كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] أسأل الله تعالى برحمته وفضله أن يجعلنا وإياكم منهم آمين آمين آمين. هؤلاء لا يدخلون الجنة إلا على أكمل وجه، جميع الغل الذي كان في قلوبهم في الدنيا فإنه ينزع، مع أنه قد اقتص لبعضهم من بعض في عرصات القيامة، لكن هذا لإزالة ما في القلوب، أو ما علق بالقلوب من الغل والحقد. ثم يشفع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفتح أبواب الجنة. وما دمنا ذكرنا الشفاعة فإن للرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث شفاعاتٍ خاصات به لا أحد يشفع فيها. شفاعته في أهل الموقف أن يقضى بينهم؛ لأن أهل الموقف تدنو منهم الشمس حتى تكون قدر ميل من رءوسهم، وحتى إنهم يعرقون من شدة الحر حتى يصل العرق إلى الكعبين وإلى الركبتين وإلى الحقوين وإلى الفم وبعضهم يلجمه العرق، ويلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون؛ لأنهم يقفون خمسين ألف سنة، لا طعام ولا شراب ولا شيء، يقفون هذا الموقف العظيم فيلحقهم من الكرب ما لا يطيقون، فيقول بعضهم لبعض: انظروا من يشفع لنا إلى الله يريحنا من هذا الموقف، فيلهمون أن يذهبوا إلى آدم، آدم أبو البشر خلقه الله بيده، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له الملائكة، فيصفونه بهذه الأوصاف، ويقولون له: ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا تشفع لنا عند الله؟ فيقول: لست بذاك، ثم يعتذر بأكله من الشجرة؛ لأن الله تعالى قال: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35] فوسوس لهما الشيطان فأكلا منها، قال الله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121-122] فصارت حال آدم بعد التوبة عليه أكمل من حاله قبل أن يأكل من الشجرة؛ لأنه تاب، فآدم يعتذر بأكل الشجرة، وتعرفون أن الشافع إنما يشفع عند المشفوع عنده إذا لم يكن بينهما ما يوجب الجفوة، ثم يأتون إلى نوح، ويقولون له: أنت أول رسولٍ أرسله الله إلى أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك، فيذكر أيضاً عذراً، والعذر قال: إني سألت الله تعالى ما ليس لي ويعتذر، فيأتون إلى إبراهيم خليل الرحمن عز وجل، فيعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، وهن لسن كذبات في الواقع، لكن إنما لشدة حيائه من الله عز وجل استحيا أن يكون شفيعاً وقد كذب هذه الكذبات مع أنها تورية وليست بكذب، ثم يأتون إلى موسى، فيعتذر بأنه قتل نفساً لم يؤمر بقتلها، ما هذه النفس؟ قتل قبطياً استغاثه عليه إسرائيلي فقتله موسى، وموسى عليه الصلاة والسلام معروفٌ بالشدة، وكزه بيده فقضى عليه، إلى من يأتون؟ إلى عيسى؛ وعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لا يذكر شيئاً لكن يعترف بالفضل لأهله، يقول: اذهبوا إلى محمد، عبدٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فانظروا كيف ألهم الله الخلق أن يأتوا هؤلاء الأنبياء الكرام! فمنهم من يعتذر، ومنهم من يعترف بالحق لأهله، الذي اعتذر أربعة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، والذي اعترف عيسى، قال: ائتوا محمداً، عبدٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فيستأذن من الله أن يشفع للناس، فيأذن له. وانظروا! محمدٌ لا يشفع إلا بإذن الله، يستأذن من الله عز وجل، رب العزة والعظمة أعظم من أن يشفع أي إنسانٍ أو مخلوقٍ عنده إلا بإذنه، فيستأذن فيرحم الله الخلق ويأذن له فيشفع فيهم، وبهذا يظهر إكرام الشافع ورحمة المشفوع عنده، أليس كذلك؟ مع أن الله قادر على أن يرفع هذا عنهم بدون شفاعة، لكن من أجل أن يظهر فضل الشافع، ورحمة الله تعالى بالعباد، وعظمته وسلطانه أنه لا يشفع أحدٌ عنده إلا بإذنه. فيقضي الله بين العباد، هذه الشفاعة العظمى خاصة بالرسول اعتذر عنها أبو البشر، وأولو العزم من الرسل حتى وصلت إلى محمد عليه الصلاة والسلام. الشفاعة الثانية: الشفاعة لأهل الجنة بدخول الجنة. الشفاعة الثالثة: شفاعته لعمه أبي طالب ووجه خصوصيته بذلك: أن أبا طالب مات على الكفر، ولا غرابة أن يموت عم الرسول عليه الصلاة والسلام على الكفر كما أن آزر أبا إبراهيم مات على الكفر، لا غرابة؛ بل فيه دليل على

تفسير قوله تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر:74] قالوا حامدين لله عز وجل: (الذي صدقنا وعده) وعدنا الجنة فحصلت، {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر:74] (الأرض) قيل: إنها أرض الدنيا؛ لأن الله تعالى نصرهم وأورثهم أرض المشركين وديارهم وأموالهم، وقيل: المراد أرض الجنة، والأول أصح، أورثهم الله أرض الدنيا فكانت لهم، وجعلهم يتبوءون من الجنة حيث يشاءون كل واحد يذهب إلى الثاني بزيارة، وأنس، وسرور، وحبور. {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74] هذا ثناء على هذا الأجر الذي حصل لهم، وهل هو من الله، أو هم يقولون ذلك إقراراً به؟ يحتمل هذا وهذا، والآية صالحة للجميع.

تفسير قوله تعالى: (وترى الملائكة حافين من حول العرش)

تفسير قوله تعالى: (وترى الملائكة حافين من حول العرش) قال الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر:75] (ترى) الخطاب لمن؟ ذكرنا فيما سبق أن الخطاب الموجه للرسول ينقسم إلى ثلاثة أقسام، من أي الأقسام هذا؟ من القسم الذي ليس فيه ما يدل على أنه خاص به، أو على أنه عام، وذكرنا الخلاف فيه، وأن الخلاف في ذلك يكاد يكون لفظياً. {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} يعني بذلك عرش الرحمن جل وعلا، ذلاً لله عز وجل وتعظيماً له. {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} يعني: ينزهون الله عن كل ما لا يليق به، وسبق لنا أن التنزيه يكون في أمورٍ ثلاثة. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي: قضي بين الخلائق، وانتهى كل شيء، أهل النار في النار -والعياذ بالله- خالدون مخلدون، وأهل الجنة في الجنة خالدين مخلدين. اللهم إنا نسألك في هذا الوقت المبارك ونحن في انتظار فريضة من فرائضك أن تجعلنا من الخالدين في جنات النعيم. {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (قيل) من الذي يقول؟ كلٌ يقول: الحمد لله رب العالمين، أهل الجنة والملائكة وكل أحد: (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وانظر كيف جاء الحمد في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق، ففي ابتداء الخلق قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] . وفي النهاية عند دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال: {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ووالله إن الحمد لله أولاً وآخراً، وهو ذو الثناء والمجد، ولا نحصي ثناءً عليه سبحانه، هو كما أثنى على نفسه. وإلى هنا انتهى ما يسر الله تعالى من الكلام على هذه الآيات الكريمة، ونبدأ الآن بالأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

بيان شفاعته صلى الله عليه وسلم لمن مات في المدينة

بيان شفاعته صلى الله عليه وسلم لمن مات في المدينة Q جاء في فضل المدينة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت بها أكون له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، حدثنا يا شيخ! عن هذه الشفاعة؟ A هذه الشفاعة كغيرها من الشفاعات، لكن هذا تخصيص بعد تعميم، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم يكون شفيعاً لأمته جميعاً ممن لم يمت على الكفر، وأما من مات على الكفر فلا شفاعة له، لقول الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] إلا ما كان خاصاً في عمه أبي طالب.

بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأبويه

بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأبويه Q ذكرتم في حديثكم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، فهل يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم لأبويه أم لا؟ A لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن من الله أن يستغفر لأمه فلم يأذن له؛ لأنها داخلة في عموم قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113] واستأذن ربه أن يزور قبرها اتعاظاً واعتباراً فأذن له، فزاره وبكى عليه الصلاة والسلام بكاء الحنان على الأم، بكاءً طبيعياً، وبكى من معه من الصحابة فيما أظن.

الجمع بين قوله تعالى: (إذا الشمس كورت) وحديث: (تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة)

الجمع بين قوله تعالى: (إذا الشمس كورت) وحديث: (تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة) Q كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، وحديث: (تدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة) ؟ A ورد في يوم القيامة أشياء متغايرة ولكننا نسأل كم مقدار يوم القيامة؟ خمسون ألف سنة، تتغير فيها الأمور؛ تدنو الشمس من الخلائق، وتكور بعد ذلك، وكذلك أيضاً تلقى في النار إهانة لعابديها، فيوم القيامة ليس يوماً أو شهراً أو سنة، وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] ، وقوله: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102] واختلاف بين الزرقة والسواد، كذلك أيضاً أخبر عن المشركين أنهم يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] ، وفي آية أخرى قال: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] فهم في الأول قالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] في الآية الأولى، وفي الثانية قال: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} لأن الحوادث تتغير؛ مرة يوقفون ومرة لا يوقفون، فكل ما أتاك من اختلافات في اليوم الآخر فإنما ذلك لطول مدته وتغير الأحوال فيه.

حكم حجز الأماكن في المساجد

حكم حجز الأماكن في المساجد Q ما قولكم في قضية حجز الأماكن في المساجد وخاصة في الحرمين، مع شيء من التفصيل جزاكم الله خيراً؟ A يرى بعض أهل العلم أنه لا بأس بحجز الأماكن، وهذا هو المشهور عند الحنابلة: أنه لا بأس أن يحجز الإنسان وثم إذا حضر صلى فيه. ويرى آخرون أنه لا يجوز هذا؛ وذلك لأن المساجد بيوت الله فتكون لمن سبق، ومن المعلوم أن من وضع منديلاً أو قلماً أو مفاتيح فليس هو السابق، إنما السابق ما وضعه في هذا المكان، وحينئذٍ يكون ظالماً لمن يأتي من بعده وهو أحق منه بهذا المكان، ولكن الصحيح أن في هذا تفصيلاً: من حجز مكاناً له وهو في نفس المسجد فلا بأس، أو خرج لحاجة يقضيها ويرجع كما لو خرج ليتوضأ، أو خرج ليأتي بكتاب نسيه، أو خرج ليأتي بحاجة يحتاجها في المسجد، فهذا لا بأس به، فهذا القول المفصل هو الوسط: أن من حجز مكاناً وهو في المسجد فلا بأس، لكن يجب أن يلاحظ أن الصفوف إذا وصلت إلى مكانه من الصف الأول فإنه يتقدم إلى الصف الأول لئلا يتخطى رقاب الناس.

إثبات انتقال أهل الدرجات السفلى في الجنة إلى الدرجات العليا

إثبات انتقال أهل الدرجات السفلى في الجنة إلى الدرجات العليا Q الجنة كما هو معلوم درجات، هل ينتقل أهل الدرجات السفلى إلى العليا بقصد الزيارة أو العكس؟ A يقول الله عز وجل في أهل الجنة: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] وهذه الآية عامة شاملة، كل ما يشتهيه الإنسان يجده فيها، ومن ذلك إذا اشتهى أن يزور صاحباً له مرتبته فوق منزلته، فلا مانع من ذلك لعموم الأدلة، ولكن يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] هذا هو الذي يرقى المنازل حتى يلتحق بالعالي، إذا كان الإنسان له ذرية؛ والذرية: هم الصغار من أولاده؛ فإنهم يرقون حتى يصلوا إلى منزلته، ولهذا قال: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} . أما من انفصل من الأولاد وكان له زوج أو ذرية هذا منزلته في مكانه، ولو أنه أراد أن يزور أباه أو أحداً من أقاربه فلا مانع من ذلك فيما يظهر من نصوص الكتاب والسنة.

دعوة لزيارة المدينة النبوية

دعوة لزيارة المدينة النبوية Q يا شيخ! يقول هذا المحب: تحييك طيبة والشمال المورج وتشكو إليك الهجر والهجر محرج قلوب أحبتكم وأرضٌ تودكم بهم الأزد أزد الله أوس وخزرج ويا فضيلة الشيخ! نحتج عليك احتجاجاً شديد اللهجة حيث أنكم لا تأتون إلى المدينة إلا مرة في العام وفي ذلك تقصير في حقنا؟ A على كل حال أنا أشكر الجميع، وإني مسرور بهذه الزيارة؛ لأني وجدت والحمد لله إقبالاً على العلم وحرصاً عليه، وجدت من لا يغضي بطرفه عن النظر إلى المعلم، وجدت من يقيد ويكتب، امتحنت بعضكم في مراجعة ما سبق فوجدته قد أدرك، كل هذا يسرني كثيراً، ولكن يقول الشاعر: ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ونشكو إلى الله عز وجل قلة الفراغ، لكن إن شاء الله تعالى ما دام الأمر كما شاهدت الآن من الحرص سوف يكون لنا زيارات إن شاء الله في المستقبل وعن قريب إن شاء الله. أما الأبيات فلا أستطيع الآن أن أرد عليها لأني لست بشاعر، لكن لعلي بعد شهر أتمكن من ذلك، وكل يوم أكتب بيتاً ويسهل الله إن شاء الله.

منهجية لطالب العلم المبتدئ

منهجية لطالب العلم المبتدئ Q ما نصيحة فضيلتكم لمن بدأ بطلب العلم بِمَ يبدأ، وما الأهم فالأهم؟ A أنا عندي أن أهم شيء في طلب العلم أن يتعلم الإنسان تفسير كلام الله عز وجل؛ لأن كلام الله هو العلم كله، قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] ، وكان الصحابة لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً، هذا أهم شيء عندي، وعلى هذا فيبدأ الشاب ولاسيما الصغار من الشباب بحفظ القرآن، والآن حفظ القرآن ولله الحمد متيسر، في المساجد حلقات يحفظون القرآن وعليهم أمناء من القراء يحفظونهم القرآن. ثم إنه بهذه المناسبة أود من إخواني الأغنياء أن يولوا أهتماماً بهذه الحلقات؛ في تشجيعهم مادياً ومعنوياً، وليعلموا أنهم إذا شجعوا تعليم القرآن فإن لهم مثل أجر المعلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) ولأن الله قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ولم يأمرنا بالتعاون إلا لننال أجراً، لذلك أحث إخواني الأغنياء على دعم هذه الحلقات بالمال، سواء كان مالاً نقداً، أو كان عقارات توقف لهذه الحلقات تنفعه بعد موته، وأحث أيضاً القائمين على حلقات القرآن أحثهم على أن يهتموا بإنشاء ما يدر على هذه الحلقات في المستقبل؛ لأن التبرع المقطوع ينتهي، لكن إذا حرصوا على أن يؤسسوا منشأة من عمارات يؤجرونها، أو دكاكين، أو ما أشبه ذلك، كان هذا حماية لهذه الحلقات من التوقف في المستقبل. بعد ذلك السنة النبوية لأنها مصدر التشريع الثاني، لا أقول الثاني بالترتيب المعنوي، لكن بالترتيب الذكري، وإلا فما ثبت في السنة كالذي ثبت في القرآن سواء بسواء؛ لأن الله يقول: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:113] فليحفظ السنة. ومن الكتب المختصرة في السنة عمدة الأحكام، مختصرة وهي أيضاً موثوقة؛ لأن جامعها رحمه الله جمع فيها ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، ولم يشذ عن هذا القيد الذي تقيد به رحمه الله إلا في أحاديث يسيرة، وإذا ترقى الإنسان شيئاً ما فليحفظ بلوغ المرام؛ بلوغ المرام من أحسن ما ألف في الحديث؛ لأنه يذكر الحديث ويذكر مرتبته فيعطي الإنسان قوة وقدرة على معرفة مرتبة الحديث، وذلك لأن الحديث ليس كالقرآن الكريم، القرآن الكريم لا نحتاج إلى البحث في سنده، لماذا؟ لأنه ثابت ليس فيه إشكال بل هو متواتر، أما السنة فلا يتم الاستدلال بها إلا بأمرين: الأول: صحة الحديث. والثاني: دلالة الحديث على الحكم المطلوب. ولهذا إذا قال لك إنسان: هذا حرام، فنقول: ما الدليل؟ فإن قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا، تسلم ولا تقل: أثبت الدليل؟ أطالبك بصحة النقل، هات دليلاً على أن هذا ثابت عن الرسول؛ لأنه توجد أحاديث ضعيفة وكذلك أحاديث مكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام: (حب الوطن من الإيمان) هذا حديث مشهور عند العامة والخاصة، ويقولون: هذا حديث صحيح: (حب الوطن من الإيمان) وليس بصحيح، هذا موضوع، ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام. (خير الأسماء ما حمد وعبد) يقول: هذا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سم ابنك أحمد، أو محمداً، أو حميداً، أو محمود، أو يقول: سم عبد الله، أو عبد الرحمن، أو عبد العزيز، أو عبد الوهاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأسماء ما حمد وعبد) وهذا ليس بحديث، ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن ينسب للرسول، لكن الثابت: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) المهم أن السنة يحتاج المستدل بها إلى أمرين: الأمر الأول: نطالب المستدل بصحة الحديث. ثانياً: هل هذا الحديث الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الحكم أم لا؟ في القرآن لا نطالب المستدل بالآية على إثباتها؛ لأن القرآن ثابت بالنقل المتواتر تواتراً لفظياً يأخذه الصغير عن الكبير. ذكرنا أولاً: نعتني بالقرآن حفظاً وتفسيراً. ثانياً: بالسنة، ولكن السنة لابد أن نتثبت من صحة الحديث، إلا أنني أرشدتكم إلى كتابين أحدهما: عمدة الأحكام، والثاني: بلوغ المرام. بعد ذلك في الفقه، الفقه استشر فيه المعلم المباشر؛ لأنك قد تتفقه على المذهب الشافعي مثلاً فهنا نأخذ بما ألفه الشافعية، وقد تتفقه على مذهب الحنابلة فخذ بما كتبه الحنابلة، وقد تتفقه على مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك خذ من الكتب في هذه المذاهب ما يرشدك إليه المعلم المباشر، ولكن لاحظ أنك إذا تفقهت على مذهب من المذاهب فلا تتعصب لهذا المذهب، وتأخذ برخصه وعزائمه سواء وافقك الدليل أم خالفك؛ هذا حرام لا يجوز؛ لأن من أوجب الأخذ بقول أحدٍ غير الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ضاد الرسول، إنما لا حرج أن يتفقه الإنسان على مذهب معين، ولكن حين تتفجر ينابيع المعرفة أمامه ويرتفع في العلم؛ فعليه أن يأخذ بما دل عليه الدليل ولا يتعصب لمذهبه. بقي علينا في النحو، الذي يستطيع أن يحفظ ألفية ابن مالك فليحفظها؛ لأنها الخلاصة كما قال رحمه الله في آخرها: أحصى من الكافية الخلاصة؛ خلاصة النحو، ومن لم يستطع فما دون ذلك. أما العقيدة فهناك كتب كثيرة في العقيدة أحسن ما رأيت من المتون المختصرة في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أولها كله في إثبات الصفات بالآيات، وليس هو بكلام فلان وفلان، ثم في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر كلاماً كثيراً في مسائل كثيرة في العقيدة في كتاب التوحيد، كتب التوحيد كثيرة ولله الحمد لكن من أحسنها كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنه من أحسن ما كتب في هذا الموضوع.

الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه أينما كان المصلي والمسلم

الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه أينما كان المصلي والمسلم Q قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلى عليَّ نائياً وكل بها ملكٌ يبلغني، وكنت له شهيداً أو شفيعاً) رواه البيهقي والخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، السؤال: هل هذا الحديث صحيح؟ A نطالب مورده بصحة النقل، إذا صح عنده الحديث فليأت به، أما المعروف فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صُلي عليه أو سُلم عليه في أي مكان فإنه يبلغه، قال عليه الصلاة والسلام: (إن تسليمكم يبلغني حيث كنتم) .

حكم لعب الورق (البلوت)

حكم لعب الورق (البلوت) Q ما حكم اللعب بالورق (البلوت) في أوقات الصلاة؟ A أولاً: لتعلم يا أخي المسلم! أنك إنما خلقت لعبادة الله، وأن كل ساعة ولحظة تمضي عليك بدون عبادة الله فهي خسارة وضياع، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فالفعل من باب أولى، افعل خيراً وإلا فاترك، ونحن حسب ما سمعنا عن لعب الورق (البلوت) أنها تأكل الوقت أكلاً كالنار في الهشيم، وأن الوقت يضيع وتمر الساعات الكثيرة وكأنها دقائق، وهذا يعني أن الإنسان أضاع وقته الثمين بهذا اللعب، واستمع إلى قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ما قال: لعلي أبني فيما تركت قصوراً، وأشتري سيارات، لا: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) فلا يليق بالمؤمن أن يضيع أوقاته في مثل هذا اللعب، وقد صرح من أهل العلم من صرح بأن لعبها حرام، وممن صرح بذلك شيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي هذه ثم ظهور الحصر)

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي هذه ثم ظهور الحصر) Q هل يصح حديث أبي داود وسعيد بن منصور: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه في حجة الوداع: (إنما هي هذه ثم ظهور الحصر) ؟ A ثم ظهورَ الحصر، يعني: ثم الزمن ظهور الحصر، الحصر: جمع حصير، المعنى: هذه ثم بعد ذلك الْزَمْنَ البيوت، وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أزواجه ينبغي ألا يحججن، لكن في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاف من التبعة، فأذن لهن أن يحججن، فحج من أراد منهن الحج في آخر خلافة عمر بن الخطاب؛ لأنه خاف من منعهن. ومن ثم نقول: في هذا الزمان الذي كثر فيه الحجاج كثيراً جداً، ويحصل في الحج من المشقة والتعب والاختلاط بالرجال ومزاحمة الرجال ما يحصل نقول: لو أن المرأة اكتفت بفرضها وإذا كان عندها فضل مال تعين به من يريد أن يحج فرضاً، فإنها إذا أعانت من يريد أن يحج فرضاً صار لها مثل أجره، خير من كونها تذهب وتزاحم وتتعب، وربما تهلك، وكذلك أيضاً لو جاءنا رجل يقول: أنا أريد أن أحج تطوعاً أو أبذل ما أحج به في مساعدة إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك؟ نقول له: ساعد هؤلاء المجاهدين في سبيل الله، الذين يدافعون عن أوطانهم ويدافعون عن دينهم، ويدافعون عن أعراضهم، وعن صبيانهم، أفضل من أن تجعل هذا في الحج والعمرة.

حكم تأخير صلاة الفجر عن وقتها يوميا من غير تعمد

حكم تأخير صلاة الفجر عن وقتها يومياً من غير تعمد Q ما حكم الذي يصلي الفجر متأخراً عن وقته يومياً ومن غير تعمد؟ A هذا يسأل، يقول: إنسان لا يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت يومياً ومن غير تعمد ما حكمه؟ نقول: ما الذي يمنعه؟ النوم، ما دواء هذا النوم؟ له دواءان: الدواء الأول سابق، والدواء الثاني لاحق. أما السابق: فأن يقلل من السهر، قلل من السهر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الحديث بعد العشاء؛ لئلا ينام الإنسان عن التهجد أو عن صلاة الفجر، نقول: بدل أن تبقى حتى تكون الساعة الثانية عشرة نم إذا كانت الساعة عشرة، كم ساعة تزيد؟ ساعتان، وأظن بعض الناس يتأخر إلى ما بعد الثانية عشرة تعلمون هذا؟ ما السبب؟ نم مبكراً كي تصحو مبكراً، هذا علاجٌ سابق. العلاج اللاحق: اجعل عندك منبهاً (ساعة) وإذا كان نومك ثقيلاً فاشتر ساعة صوتها قوي، وإذا خفت إذا جعلتها عند الوسادة وسمعتها تغلقها وأنت بين النوم واليقظة فأبعدها عنك، وإذا خفت إذا أبعدتها ألا تسمع صوتها فاجعلها في تنكة؛ لكي يكون الصوت قوياً، وكل إنسان يمكن إذا كان مجتهداً أن يصل إلى مراده، لكن أكثر الناس عنده تهاون نسأل الله لنا ولهم الهداية، ولكني أخبركم بارك الله فيكم: أن أي إنسان يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذرٍ شرعي فصلاته باطلة ولو صلى ألف مرة، مردودة عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومعلومٌ أن تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر عمل ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً. ومن الأعذار أن ينام ولا يجد موقظاً له لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها) هذا عذر، كذلك لو نسي، إنسان مثلاً كثير النسيان أو تشاغل بشغل شد فكره فنسي، هذا عذر أيضاً، أو إنسان مضى عليه الوقت بسرعة فما شعر إلا وقد خرج الوقت، هذا عذر. بقي نقطة: هل من العذر إذا كان الإنسان مريضاً وثيابه ملطخة بالنجاسة، ولا يستطيع أن يتوضأ ولا أن يتيمم؟ هل من العذر أن يؤخرها عن وقتها؟ الجواب: لا. صلِّ على حسب ما تبدو عليه لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .

بدعية إقامة الموالد

بدعية إقامة الموالد Q فضيلة الشيخ! بماذا تردون على من يقول: إن الموالد فعلها الصحابة وأنها ليست بدعة؟ A يسير أن نقول: أثبت هذا، ومثل هذا لو فعل لكان مما توافرت الدواعي على نقله، ولكن المسلمين مكثوا ثلاثة قرون؛ القرن الأول والثاني والثالث، لم تكن هذه البدعة موجودة، ولما مضى خير القرون حدثت هذه البدعة. ثم نقول: رويدك أنت الآن تريد أن تتقرب إلى الله بهذا؟ إذا قال: نعم، نقول: تقرب إلى الله بما هو معلوم، ولذلك تجد بعض الذين يحضرون هذه (الموالد) والصواب (المولد) لأن (المولد) واحد وليست (الموالد) تجدهم فاترين في سننٍ أهم إن صح أن نقول هذا سنة، فاترين في الصلاة مع الجماعة، بعضهم حليق، بعضهم مسبل، بعضهم يرابي، بعضهم يؤخر الصلاة حتى عن وقتها، فهل إنسان يكون على هذه الحال ثم يقيم مولداً بدعياً للرسول عليه الصلاة والسلام، لا دليل عليه لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من عمل الصحابة، نقول: يا أخي! رويدك، اترك ما فيه الشك إلى أمرٍ لا شك فيه.

حكم صلاة وجماع النفساء إذا طهرت قبل الأربعين

حكم صلاة وجماع النفساء إذا طهرت قبل الأربعين Q رجل ولدت زوجته وفي أيام النفاس طهرت وانقطع الدم عنها في اليوم العشرين فتطهرت ثم جامعها، ثم بعد يومين جاءها الدم مرة أخرى، فما الحكم؟ A لا حرج عليك في هذا؛ لأن المرأة إذا طهرت من نفاسها قبل تمام الأربعين فإنها تصلي وتصوم ويأتيها زوجها، ومن وجبت صلاتها حل جماعها، والصلاة أعظم من الجماع، فعلى هذا متى طهرت المرأة النفساء ولو بعد خمسة أيام من نفاسها فإنه يلزمها أن تغتسل، وأن تصلي وأن تصوم إن كان ذلك في رمضان، ويجوز لزوجها أن يجامعها، ويجوز أيضاً أن تقرأ القرآن، وكل ما يحل للطاهرات يحل لها. وإذا عاد فينظر: هل هو دم نفاس، أو دم حدث من حمل ثقيل، أو من جراحة، أو ما أشبه ذلك، حسب الحال.

استعمال العطور المختلطة بالكحول

استعمال العطور المختلطة بالكحول Q ما حكم استعمال العطور المختلطة بالكحول؟ A إذا كان الخلط يسيراً لا يؤثر فيها فلا بأس بذلك، وإذا كان الخلط كثيراً يؤثر فيها فإن الأولى اجتنابها، وألا يتطيب الإنسان بها، ولكن لا بأس أن يستعملها للحاجة كما لو احتاج إلى تعقيم جرح، أو ما أشبه ذلك، ومع هذا فليست بنجسة، لو أصابت الثياب أو الجسم فإنه لا يجب أن تغسل لأنها ليست بنجسة، فلا دليل على نجاسة الخمر، بل إن الدليل يدل على طهارة الخمر الحسية لأنك إذا تأملت الآية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] تبين لك أن المراد بالرجس هنا الرجس العملي، لقوله: (رجس من عمل) ولأن الله ذكر معه -أي مع الخمر- الميسر والأنصاب والأزلام وهذه ليست نجسة نجاسة حسية بالاتفاق، ويدل على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم لما نزل تحريم الخمر أراقوها في الأسواق وفي الشوارع، ولو كانت نجسة ما حل أن تراق في الأسواق، إذ لا يجوز أن تلوث أسواق المسلمين بالنجاسات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بغسلها كما أمرهم بغسل الأواني حين حرمت الخمر يوم خيبر، ثم إن هناك دليلاً واضحاً جداً وهو: (أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه راوية خمرٍ -والراوية قربة كبيرة- فأهداها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن حرمت الخمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها حرمت ولا يجوز للإنسان أن يقبل هدية محرمة؟ فتكلم رجلٌ مع صاحب الراوية بكلامٍ سر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بما سررته، قال: قلت بعها، قال: لا. إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام) ولم يقل له: اغسل الراوية، ولو كان الخمر نجساً لقال له: اغسلها. فعندنا الآن دليلان على طهارة الخمر الحسية: الدليل الأول: عدم الدليل على نجاستها، والأصل في الأشياء الطهارة. والدليل الثاني: هذه الأدلة التي سقتها لكم.

عفو الشيخ ابن عثيمين عمن اغتابه

عفو الشيخ ابن عثيمين عمن اغتابه وQ أطلب من فضيلتكم السماح لي والدعاء بالمغفرة والتوفيق لأنني قد اغتبتك في عدة مجالس والآن أنا أتوب إلى الله فاسمح لي؟ A أما إذا كان هذا الرجل أو غيره من الناس اغتابني تديناً، بمعنى: أنه رأى أني أخطأت في أمر واغتابني في ذلك فهذا على كل حال معفوٌ عنه، وأما إذا كان اغتابني بدون تثبت، فماذا أقول؟ أقول: هذه محل نظر، لكن أقول: عفا الله عن كل من اغتابني، وأسأل الله تعالى أن يعاملني وإياه بعفوه، وهو مني في حل.

حكم ذهاب النساء إلى الكوافير

حكم ذهاب النساء إلى الكوافير Q ما حكم ذهاب النساء إلى (الكوافير) مع العلم أن بعضهن يشبهها بالماشطة التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A إذا كان التحسين تحسيناً جائزاً فلا بأس به، وهذا هو المشط الذي كان على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. وإن كان محرماً فلا يجوز، فمثلاً: إذا كانت تنقش بالمنقاش شعر الوجه فهذا حرام، بل ومن كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة؛ والنمص: نتف شعر الوجه، ولكن نقول: نتف شعر الوجه هذا أمرٌ معروف أنه نمص، لكن أحياناً يظهر للمرأة في محل الشارب شعر حتى يخضر شاربها في بعض الأحيان، فمثل هذه لا بأس أن تزيله بالأدهان المعروفة التي تزيل الشعر. أما بقية الجسم فإن أخذ شعره محل نظر، فمن العلماء من قال: لا يجوز؛ لأن هذا داخلٌ في قول الله تعالى عن الشيطان: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119] ، ومنهم من أباح ذلك، وذلك أن الأخذ من الشعر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مأمور به، وقسم منهيٌ عنه، وقسم مسكوتٌ عنه. قسم مأمورٌ به: مثل العانة والإبط والشارب، هذا مأمور بإزالته، لكن الشارب يقص قصاً ولا يحلق حلقاً؛ لأن حلق الشارب تشويه، حتى إن بعض العلماء قال: ينبغي أن يؤدب فاعله، أما قصه وحفه فهذا من السنة، الإبط يسن فيه النتف، العانة يسن فيها الحلق، هذه ثلاثة شعور مأمور بإزالتها، أو تخفيفها بالنسبة للشارب. قسم آخر منهيٌ عنه: وهو اللحية، منهيٌ عنها، يحرم على الإنسان أن يحلق لحيته، والعجب الذي لا ينقضي أنك ترى كثيراً من المسلمين اليوم يحلقون لحاهم مع أن إعفاء اللحية هدي من؟ هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم له لحية كثة، وها هو هارون قال لموسى: {يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94] وحلق اللحية هدي من؟ هدي المجوس والمشركين، فيا سبحان الله! أنت مؤمن بالله ورسوله أتفضل هدي المجوس والمشركين على هدي سيد المرسلين؟!! لا والله، ولهذا ننصح إخواننا بالكف عن هذا العمل الذي يعلن الإنسان فيه مخالفته لله ولرسوله، لأن اللحية في الوجه، كل إنسان يلاقيك وهو حالقٌ لحيته يقول: أشهدك أني قد خالفت الرسول -أعوذ بالله- وهذا خطير خطيرٌ جداً، فحلق اللحية حرام. ومن ذلك أيضاً ما أشرنا إليه: النمص: وهو نتف شعر الوجه، هذا من المحرم. بقي علينا المسكوت عنه كشعر الذراع وشعر الصدر وشعر الساق هذا مسكوت عنه، فمن العلماء من يقول: إنه لا بأس بأخذه؛ لأن ما سكت الله عنه ورسوله فهو عفو. ومنهم من قال: إنه يكره، ومنهم من قال: يحرم؛ لأنه من تغيير خلق الله، ولكني أرى أن الأولى ألا يأخذه إلا إذا كان مشوهاً، لكن كثرة الشعر في الرجال رجولة، أما في النساء ربما يكون مشوهاً للمرأة، فالرجل لا يحب أن يرى امرأته وعليها شعرٌ كثير في الساق والذراع فتخففه ولا بأس. والكوافير إذا كانت تنمص فهذا حرام، وإذا كانت كان لا تنمص ينظر: هل أجرتها بقدر عملها أو أكثر؟ فإن كان أكثر فيكون هذا من الإسراف. وليُعلم أن العروس الحسنة ألقى الله المحبة بينها وبين زوجها فهي لا تحتاج إلى كوافير، وإن كانت الأخرى فهي لو تُجمل أجمل تجميل ما نفعها ذلك، ونسأل الله أن يجمع بين العروسين على كل خير، وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.

§1/1