درة القلوب الإخلاص

أزهري أحمد محمود

الحمد لله المتفرد بالثناء وله الدين الخالص

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفرد بالثناء وله الدين الخالص، وأصلي وأسلم على النبي محمد الهادي إلى المخالص وآله وصحبه المهتدين، ومن سلك سبيلهم المبين. وبعد: قف بنا أخي نعلل الأنفس المريضة، قف بنا نقوِّم القلوب الغليظة، قف بنا نهذب المقاصد الرخيصة. إنها أخي المسلم/ سلعة المتقين .. وتجارة الفائزين .. وغنيمة المخبتين، ... قد سعو نحوها بالإقدام، وواصلوا السير نحوها على السنين والأيام .. سلعة راجت عند الصادقين .. وكسدت في سوق الغافلين. شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة وشجرة الدباء تصعد في أسبوعين فتقول للصنوبرة: إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قطعتها في أسبوعين ويقال لي شجرة .. ولك شجرة! ! فقالت لها الصنوبرة: مهلاً حتى تهب رياح الخريف فإن ثبت لها تم فخرك؟ ذلك مثل ضربه الحكماء (للإخلاص) أخي: تجارة النيات تجارة العلماء! فأين أنت أخي المسلم من هذه التجارة؟ ! وإن كنت أخي ممن لا يعرفون حدودها وشروطها وربحها وخسارتها. فها أنا أعرِّفك ذلك، مسترشدًا بكلام المحققين. وعبارات العارفين. فخذ هذه أخي أولاً .. قالوا:

أخي المسلم: إخلاصك ..

(هو: إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة، هو: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. هو: التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك) [ابن القيم]. وقالوا: (الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله). أخي المسلم/ الإخلاص .. الإخلاص .. الصدق .. الصدق .. {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة] {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام]. {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء]. أخي في الله: أتدري ما هو إسلام الوجه لله وهو محسن في قوله تعالى: {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}؟ هو: (إخلاص القصد والعمل لله (الإحسان فيه) ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسنته» [ابن القيم]. أخي المسلم: إخلاصك .. صدقك مع الله دليل على حسن عملك .. {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك]. يقول سيد الزهاد .. وزينة العباد الفضيل بن عياض: (هو أخلصه وأصوبه) .. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟

أخي المسلم: ما أسعد أهل النيات الصادقة

فقال: «إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة». ثم قرأ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. أخي في الله: إلى الإخلاص ... إلى الإخلاص، فإنه رباط العمل وحصن القربات من الضياع {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان]. أخي المسلم: أتدري أي أعمال هذه التي أصبحت هباء منثورًا؟ ! ! هي: الأعمال التي كانت على غير السنة أو أريد بها غير وجه الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: «إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به خيرًا ودرجة ورفعة» [ابن القيم]. أخي المسلم: ما أسعد أهل النيات الصادقة، وما أطيب عيشهم بالإخلاص .. أيعجزك أخي أن تعقد قلبك على فعل الصالحات .. وعمل المكرمات؟ ! فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجع من غزوة تبوك وقد حفَّت به تلك الزمرة الطاهرة .. فيدنو الركب من المدينة الطاهرة .. طيبة .. طابة .. دار الإيمان .. فيقول وقتها - صلى الله عليه وسلم -: «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم». قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ !

قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر» [رواه البخاري]. أخي: إنها نيات الصادقين .. وإخلاص المتقين .. وزفرات القانتين .. بلغوا بها درجات المجاهدين .. وارتقوا بها مدارج العاملين. أخي المسلم: قف .. واسمع عظة نبيك - صلى الله عليه وسلم - إن كنت من السامعين .. المستجيبين .. فهذا أبي بن كعب - رضي الله عنه - يصغى لهذه الوصية: «بشر هذه الأمة بالثاء والرفعة والدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» [رواه أحمد]. أخي في الله: ما أتعس المرائين .. وما أبعد سعيهم .. وما أضل أعمالهم! ! تعبوا في غير تحصيل .. وشقوا في غير تاميل. أخي: «إذا لم تخلص فلا تتعب»، «كم بذل نفسه مراء ليمدحه الخلق فذهبت نفسه فانقلب المدح ذما! ! ولو بذلها لله لبقيت ما بقى الدهر»، «عمل المرائي بصلة كلها قشور». «المرائي يحشو جراب الزوادة رملا يثقله في الطريق وما ينفعه» [ابن القيم]. أخي المسلم: حديث سار في الناس أي مسير .. حتى حفظه الكبير والصغير .. والوضيع والوزير .. أتذكر أخي هذا الحديث؟ إنه حديث: «إنما الأعمال بالنيات» [رواه البخاري ومسلم]. ما أعظم هذا الحديث عند أهل الإخلاص .. وما أروعه عند تلك القلوب التي تعودت وصل الصالحات بالنيات .. حذرًا على أعمالهم من الضياع والبيات .. ولشرف هذا الحديث أخي ومنزلته لدى الصالحين ..

أخي المسلم: أما يستحي المرائى

أما رأيت عبد الرحمن بن مهدي يقول: «لو صنفت كتابًا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في الأعمال بالنيات في كل باب». أخي المسلم: صلاح القلوب بالإخلاص كصلاح الأرض بالغيث لا يدرك ذلك إلا أهل الإخلاص. أخي: «فإن حقيقة العبد قلبه وروحه وهي لا صلاح لها إلا بإلاهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره وهي كادحة إليه كدحًا فملاقيته ولابد لها من لقائه ولا صلاح لها إلا بلقائه» [ابن تيمية]. أخي المسلم: أما يستحي المرائى، والله مطلع على قلبه، فكم هو قبيح أن تسجد لله والقلب معلق بغيره .. ظاهر العمل عبادة للخالق .. وباطنه تودد للمخلوق .. فما انقص درجة هؤلاء المرائين المحرومين {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ... } [الحج]. وهذا أخي رسولنا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم]. أخي في الله: ما أشد الإخلاص على الصادقين .. وما أعزه عند العابدين الواصلين المجتهدين .. طوَّعوا له القلوب والجوارح .. وكدحوا في تحصيله لنيل الروابح .. وإن شئت فاسمع في هذا كلامهم .. لعلك تدرك آمالهم.

قال سفيان الثوري: «إن العبد ليعمل العمل في السر فلا يزال به الشيطان حتى يتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية». وقال يحيى بن أبي كثير: «تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل» وقال ابن المبارك: «رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية». وقال مطرف بن عبد الله: «صلاح القلب بصلاح العمل وصلاح العمل بصلاح النية». وقال بعض السلف: «من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسن نيته حتى باللقمة». أخي المسلم: لطالما جاهد العارفون نفوسهم .. وكم سلكوا بها ما تكره .. وفطموها عن محبوباتها .. واتهموها في أقوالها وأفعالها. قال يوسف بن الحسين الرازي: «أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر». وقال يوسف بن أسباط: «تعلموا صحة العمل من سقمه فإني تعلمته في اثنتين وعشرين سنة! ! » وقيل لسهل بن عبد الله: أي شيء أشد على النفس؟ قال: «الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب».

أخي في الله: كم بين المرائي والمخلص من درجات ..

أخي: ما أغلى الإخلاص من بضاعه .. وما أنفسه لمن عمل للساعة .. هنالك يسعد المخلصون .. ويبوء بالخسران المراؤون .. «إلام الرواح في الهوى والتغليس، وحتام السعي في صحبة إبليس، وكم بهرجة في العمل وتدليس» [ابن القيم]. أخي المسلم: الإخلاص جنة المخلصين .. وروح المتقيم. قال الجنيد: «الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده». وقال مكحول: «ما أخلص عبد قط أربعين يومًا إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه». وقال أبو سليمان الداراني: «إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء». وقال بعضهم: «الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدًا غير الله ولا مجازيًا سواه». أخي في الله: كم بين المرائي والمخلص من درجات .. كما بين قلبيهما من النيات .. هذا علق قلبه بخالق البريات .. وذاك علق قلبه بالأموات .. فآاه لها من درجات .. وكم دعا الصالحون بصلاح القلوب .. ورفعوا الأكف بذاك لمفرج المصائب والكروب. «اللهم اجعل عملي كله صالحًا وأجعله لوجهك خالصًا ولا تجعل لأحد فيه شيئًا» .. بهذه الكلمات الرقيقات كان يدعو الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن دعاء مطرف بن عبد الله، علم

أخي المسلم: ما أقذر الرياء ...

الصالحين .. وأسوة العارفين .. «اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أوف به لك، وأستغفرك مما زعمت إني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت». أخي: فيا لذة المخلصين بإخلاصهم .. وما أطيب الصادقين بإخباتهم .. «فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره إذ ليس عند القلب لا أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا ألين ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له، وإخلاصه الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيبًا إلى الله خائفًا منه راغبًا راهبًا كما قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ... } [ابن تيمية]. أخي المسلم: ما أقذر الرياء ... وما أسوأه يوم اللقاء .. «ريح الرياء جيفة تجافاها مشام القلوب، رياء المرائين صير مسجد الضرار مزبلة وخربة {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} وإخلاص المخلصين رفع التفث بـ «رب أشعث أغبر .. » [ابن القيم]. أخي المسلم: ما أحلى دعاء المخلصين .. وما ألطف همساتهم في ليل الغافلين .. {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم].

قال الحسن البصري: «بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك إن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً .. }. «وإذا كان الدعاء المأمور بإخفائه يتضمن دعاء الطلب والثناء والمحبة والإقبال على الله فهو من أعظم الكنوز التي هي أحق بالإخفاء والستر عن أعين الحاسدين وهذه فائدة من أعظم الكنوز التي هي أحق بالإخفاء والستر عن أعين الحاسدين وهذه فائدة شريفة نافعة» [ابن القيم]. أخي المسلم: «فتش على القلب الضائع قبل الشروع، فحضور القلب أول منزل من منازل الصلاة فإذا نزلته انتقلت إلى بادية المعنى فإذا رحلت عنها أنخت بباب المناجاة فكان أول قرى ضيف اليقظة كشف الحجاب لعين القلب فكيف يطمع في دخول مكة من لم يخرج إلى البادية بعد؟ ! » [ابن القيم]. أخي: هل سمعت بقصة المرأة الزانية التي سقت كلبًا فغفر الله لها؟ «فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها وإلا فليس كل بغي سقت كلبًا يغفر لها فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال» [ابن تيمية]. أخي المسلم: أما بلغك كيف كانت عبادة الصالحين .. وتوجه المخلصين؟ ! كم ضنوا بالطاعات من الآفات .. وحرصوا على سلامتها من العاهات، فألبسوها لباس الإخلاص والصدق .. فحصنوها في مكان حصين .. وحرز أمين.

وهذا الفقيه الرباني .. متين الإيمان

ألا ترى إلى سيد العباد .. وزينة الزهاد، عامر بن عبد قيس كان رحمه الله لا ينتفل في المسجد مع أنه كان يصلي في كل يوم ألف ركعة! وهذا الفقيه الرباني .. متين الإيمان، أبو وائل شقيق بن سلمة كان إذا صلى في بيته نشج نشجيًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله .. رحمه الله. وعلى هذا الطريق كان الربيع بن خثيم الثوري .. صاحب الهدى النبوي .. تلميذ ابن مسعود .. وصاحب الخط المسعود. كان عمله رحمه الله كله سرًا، فربما دخل عليه الداخل وقد نشر المصحف، / فيغطيه بثوبه. وكان أيوب السختياني رحمه الله إذا غلبه البكاء في مجلسه قام .. حتى لا يفطن أحد لذلك. وهذا ابن سيرين (رحمه الله) كان يضحك بالنهار ويبكي بالليل. أخي: وأعجب معي من داود بن أبي هند رحمه الله .. صام عشرين سنة، ولم يعلم به أهله، وكان يأخذ غذاءه ويخرج إلى السوق، فيتصدق به في الطريق، فأهل السوق يظنون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنون أنه قد أكل في السوق! ! أخي المسلم: ذاك هو خُلُق المخلصين .. ومسلك الأوابين .. انقطعوا بقلوبهم عن الخلق .. فربحوا بتجارة الصدق. فاتوا من ذلك بالأعاجيب .. فوآاهٍ لها من غايات لكل أريب.

فعن عبدة بن سليمان قال: «كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فهرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فطعنه فقتله ثم أخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله، فازدحم الناس عليه، فكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو ملثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك! فقال: «وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟ ! ». قال الإمام ابن الجوزي: «فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاص برؤية الناس له، ومدحهم إياه فستر نفسه». أخي في الله: قل معي: رحم الله تعالى أولئك الصادقين .. المخلصين .. وأجزل لهم من عظيم إحسانه ثواب المتقين .. وحشرهم في زمرة الناجين .. يوم يكون الملك لرب العالمين .. وسلكنا معهم، آمين .. آمين .. آمين .. أخي: وتعوذ من حال المرائين .. وشعار الغافلين .. فكم أفسد الرياء من قلوب .. ، وكم ضيَّع نفوسًا لا تخشع ولا تؤوب. «وقد يشيع عن المتعبد إنه يصوم الدهر فيعلم بشياع ذلك فلا يفطر أصلاً وإن أفطر أخفى إفطاره لئلا ينكسر جاهه، وهذا من خفى الرياء، ولو أراد الإخلاص وستر الحال لأفطر بين يدي من قد علم أنه يصوم، ثم عاد إلى الصوم ولم يعلم به، ومنهم من يخبر بما

قد صام فيقول: اليوم منذ عشرين سنة ما أفطرت، ويلبس عليه بأنك إنما تخبر ليقتدى بك، والله أعلم بالمقاصد» [ابن الجوزي]. أخي المسلم: ما أسوأ ديار الغافلين .. وما أقفر أرض المرائين .. هنالك حيث الأرض اغبرَّتْ .. والمحاسن اسودَّتْ. ديار ينعق في جنباتها البوم والغربان .. لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاً إنما هي قيعان! ! {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء]. * * * *

§1/1