دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه

عبد السلام بن محسن آل عيسى

المجلد الأول

المجلد الأول تمهيد ... الباب الأول: في شخصيّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: نشأته وصفاته الخَلقية والخُلقية. وفيه مبحثان: تمهيد قبل البدء بالحديث عن شخصية عمر رضي الله عنه أود أن أشير هنا بإيجاز إلى المنزلة والمكانة التي كانت لقوم عمر وأهله وعشيرته في مكة قبل الإسلام وهذه الإشارة تتناول بني عدي قوم أبيه، وأخواله بني مخزوم. فأما بنو عدي فهم بنو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة يلتقون في النسب مع بني هاشم، وبني مخزوم، وبني سهم في كعب بن لؤي1. وبنو عدي من قريش الأباطح الذين تزعمهم قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزلهم أباطح مكة، وحول الحرم، وأقطعهم الدور، وأما قريش الظواهر فقد ظلوا بدواً خارج مكة، ولم تكن لهم المنزلة التي كانت لقريش الأباطح في الجاهلية والإسلام2. وبنو عدي لم يكن لهم من الزعامة والشرف والثراء وكثرة العدد ما لبني هاشم، وبني سهم، وبني مخزوم، ولكنهم لم يكونوا بعيدين عن الساحة القرشية بل كانوا من قبائل قريش التي لها مكانتها ومنزلتها العالية وكلمتها المسموعة.

ومما يدلّ على ذلك أن عمر رضي الله عنه لما أسلم قامت إليه قريش يضربونه، فمر بهم العاص بن وائل السهمي فقال: أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟! 1. أي أن بني عدي عندهم من القوة والقدرة والمكانة التي يستطيعون بها إنقاذ عمر من القرشيين. وكانت بنو عدي ممن شارك قريشاً في قتال هوازن في حرب الفجار وكان الخطاب بن نفيل والد عمر بن الخطاب، وابن أخيه زي2 ابن عمرو بن نفيل على زعامتهم3، وقتل في هذه الحرب أخو الخطاب واسمه عبد نهم4. وحين تنازع أبناء قصي بن كلاب من بعده فيمن يلي أمر السقاية والرفادة والحجابة واللواء، حتى كادوا أن يقتتلوا، وتعاقدوا على الحرب،

فتحالفت بنو عبد مناف مع أسد، وزهرة، وتيم، ضد بني عبد الدار وبني مخزوم، وسهم، وجمح، وعدي1 الذين كانوا حلفاً واحداً. ولما جددت قريش بناء الكعبة جعلت لكل قبيلة أو أكثر جزءاً منها، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود، والركن اليماني لبني مخزوم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، وكان شق الحِجر لبني عبد الدار، ولبني أسد، ولبني عدي بن كعب. وبعد فراغ قريش من بناء البيت تنازعوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه، وعظم الخلاف، وتعاقدوا على الحرب، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وتحالفوا مع بني عدي بن كعب على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، فسموا لعقة الدم2. واشتهر بنو عدي بالبسالة والشجاعة. قال حفص بن الأخيف من بني عامر بن لؤي يمدح بني عدي: وبنو عدي لا أرى مثلهم عند القتال إذ القنا متحطم3

وكان فيهم من اشتهر برجاحة العقل ومنهم جد عمر رضي الله عنه وهو نفيل بن عبد العزى، فقد كان ممن تتحاكم إليه قريش في الجاهلية1. وكان فيهم من هو من مشيخة قريش وعلمائها بالنسب، كأبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عويج بن عدي بن كعب 2. وكان منهم الشعراء كحفص بن حذافة3. وكان في بني عدي من تمسك بالوثنية عند مجيء الإسلام وآذى المسلمين كما كان يفعل الخطاب بن نفيل والد عمر رضي الله عنه، فقد روى ابن إسحاق أن الخطاب بن نفيل كان قد وكل صفية بنت الحضرمي بزيد بن عمرو بن نفيل، فكان إذا أراد الخروج من مكة لطلب دين الحنفية آذنته به فمنعه من ذلك، وآذى الخطاب زيداً فكان يخرجه من مكة ويأمر شبان مكة وسفهاءها أن يمنعوه من دخولها، فكان لا يدخلها إلا سراً4.

وكان فيهم أيضاً النساك الحنفاء كزيد بن عمرو بن نفيل. قال ابن إسحاق: "وأمّا زيد بن عمرو بن نفيل فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموؤدة، وقال: أعبد رب إبراهيم"1. ومن السابقين إلى الإسلام من بني عدي نعيم بن عبد الله المعروف بالنَّحَّام2. ومما تقدم يتبين أن بني عدي كانوا من أشراف قريش ومن أهل الحل والعقد في المجتمع المكي، وكان فيهم أهل العلم بالنسب والشعر، وكان فيهم الحنفاء، وأهل العقل والحكمة الذين تركوا ونبذوا ما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان. يقول الدكتور حسين مؤنس رحمه الله وهو يبيّن مكانه عشيرة عمر رضي الله عنه، وذلك عند كلامه على الهجرة إلى الحبشة:

وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر قليل من المؤمنين، وثبت للمحنة وهم لم يستطيعوا إيذاءه أو إيذاء حمزة أو أبي بكر أو عمر ومن إليهم لأنهم كانوا ينتمون إلى بطون كبيرة من بطون مكّة ذات السلطان والعزّة، وقد أدرك أولئك القرشيون أنهم لو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحداً من كبار المسلمين من حوله لحدث صدع في بنيان قريش1. أمّا بنو مخزوم وهم أخوال عمر رضي الله عنه فهم أشهر من أن يكتب عنهم وهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي يلتقون مع بني عدي في كعب بن لؤي، وهم الذين كان فيهم الشرف وكانت فيهم السيادة، فمنهم أبو جهل عمرو بن هشام2، لعنه الله، كان من سادات قريش وزعمائها وهو الذي نزل فيه قول الله عز وجل: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ كَغَلْيِ الحَمِيمِ} إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ} 3.

ومنهم زعيم قريش وسيدها الوليد بن المغيرة المخزومي وهو الذي قال: أينزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأترك وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي، ونحن عظيما القريتين، فنزل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ عَظِيمٍ} 1. واشتهر بنو مخزوم بالعمل بالتجارة ولذلك كانوا من أثرياء قريش، وكان الوليد بن المغيرة، وأبو جهل من أثرياء قريش، فقد قدرت ثروة كلّ منهما بمائة ألف دينار، وكان فيهم أهل العلم بالكتابة، وذلك بحكم عملهم بالتجارة وما تتطلبه من الكتابة2. وكان في بني مخزوم ممن وقف في وجه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحاربها كما تقدم وكما هو معروف من موقف أبي جهل، والوليد بن المغيرة وغيرهما. إلا أنّهم كان فيهم من هم من خيرة السابقين إلى الإسلام، وممن قدموا الخدمات الجليلة للدعوة الإسلامية وأهلها في أيامها الأولى. فكان منهم الأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو الذي جعل داره مركزاً للهاربين من بطش القرشيين من المستضعفين من المسلمين في بداية الدعوة حتى قويت شوكتهم فخرجوا منها.

ومن السابقين إلى الإسلام من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوجته أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها رضي الله عنهما، ومنهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي1، رضي الله عنهم.

_ 1 ابن هشام/ السيرة النبوية 1/318، 319، 402، 403. عيّاش بن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة عمر بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو أخو أبي جهل لأمّه وابن عمه، كان إسلامه قديماً أول الإسلام، قبل أن يدخل النبي r دار الأرقم. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/161.

الباب الأول

الباب الأول الفصل الأول: نشأتة وصفاته الخلقية والخلقية المبحث الأول: نشأته المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخلقية. ... المبحث الأول: نشأته، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخَلقية. المسألة الأولى: اسمه ونسبه: تقدمت الإشارة إلى المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي كانت لعشيرة عمر رضي الله عنه وآبائه وأجداده في المجتمع القرشي بمكّة، وقريش التي ينتمي إليها عمر رضي الله عنه هي من أشرف قبائل العرب في الجاهلية والإسلام وأعزها مكانة ومنزلة فهم أهل البيت الحرام الذي هو مهوى الأفئدة، وكفاهم فخراً وشرفاً أن اختار الله عز وجل منهم نبيّه ورسوله محمّداً صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم من أشرفهم نسباً وأهلاً وبيتاً، ومنهم أيضاً صاحباه الصّديق رضي الله عنه وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهو يلتقي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في نسبه في الجدّ السابع وهو كعب بن لؤي. إذ هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي1

رضي الله عنه.

وأمّه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية1. وجاء في رواية أنها: حنتمة بنت هشام2. والصواب الأوّل3.

المسألة الثانية: كنيته: أمّا كنيته رضي الله عنه فقد اشتهر بـ (أبي حفص) ، وقد وردت عدة أخبار تفيد أن الذي كناه بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر1: "إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد

أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً " فقال أبو حذيفة1: أنقتُل آباءنا، وأبناءنا، وإخواننا، وعشيرتنا، ونترك العباس! والله لئن لقيته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص - قال عمر: إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف2.

ومنها: أنّ عمر سمع صوت امرأة تبكي على ميت لها، فنهاها عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعها يا أبا حفص فإن العهد قريب، والعين باكية"1.

وروي كذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما أسلم: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين"1. المسألة الثالثة: لقبه: وأمّا لقبه رضي الله عنه فهو (الفاروق) ، وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب فإنه ممن فرق الله به بين الإسلام والكفر بعد إسلامه

وبعد توليه الخلافة وظهر به الإسلام وخفقت راياته في أرجاء المعمورة. وقد اختلف فيمن لقّبه بهذا اللقب فقيل إن الذي لقّبه بذلك هم أهل الكتاب. قال الزهري رحمه الله: وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً1. وقيل: إن الذي لقّبه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال: "إن الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحقّ والباطل"2.

وكلتا الروايتين لم تثبتا، ولعل الصواب أن الذين لقّبه بذلك هم المسلمون، لأن الإسلام عز وظهر بإسلامه كما ثبت ذلك في الصحيح ولا مانع أن يكون أهل الكتاب لقبوه بذلك لما رأوا من عدالته وظهور الحقّ على يديه. ومن ألقابه رضي الله عنه بعد الخلافة (أمير المؤمنين) وهو أول من لقب بهذا اللقب وسبب ذلك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله بالعراق: أن ابعث إليّ برجلين جلدين، نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراق بلبيد1 بن ربيعة،

وعدي1 بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فوجدا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت. قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه إنه الأمير ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم2.

وقيل: إنه لقب بذلك بعد اجتماع المسلمين وتشاورهم ثم اتفاقهم بعد ذلك على أن يدعوا عمر بأمير المؤمنين وذلك بعد أن كان يقال لأبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستثقلوا أن يقولوا لعمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم1. وقيل: إن عمر رضي الله عنه هو الذي أشار بذلك على أصحابه وقال لهم: أنتم المؤمنون وأنا أميركم2.

وذكر أن أوّل من حيا عمر بن الخطاب (بأمير المؤمنين) هو المغيرة بن شعبة1. ولا مانع أن يكون المسلمون قد اجتمعوا واتفقوا على تلقيب عمر رضي الله عنه بهذا اللقب، بعد أن لقبه به المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ثم قدم الرجلان من

أهل العراق ولقبا عمر أيضاً بهذا اللقب فأقرّ عمر هذا، وقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم. ولقب عمر أمير المؤمنين مذكور في كتب أهل الكتاب، فقد جاء رجل من أهل الكتاب إلى عمر فقال: السلام عليك يا ملك العرب، فقال عمر رضي الله عنه: وعليك، كذلك تجده في كتابكم؟! أليس تجد نبياً، ثم خليفة ثم أمير المؤمنين، ثم الملوك. قال: بلى1. المسألة الرابعة: مولده: تعددت الأخبار في تحديد العام الذي ولد فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل إنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً2. وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال قيس3 بن

مخرمة رضي الله عنه: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل1. فعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسن من عمر بثلاثة عشر عاماً وهذا يشهد له ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ماتوا وهم أبناء ثلاث وستين2 حيث أن عمر رضي الله عنه مكث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً فيكون عمره يوم وفاته مساوياً لعمر النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل ولد قبل حرب الفِجار الأعظم بأربع سنين3.

وحرب الفجار وقعت في الجاهلية وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عشرين عاماً1. وقيل كان عمره صلى الله عليه وسلم أربعة أو خمسة عشر عاماً2. فعلى القول الأول يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من عمر بستة عشر عاماً وعلى الثاني يكون أكبر منه بأحد عشر عاماً أو عشرة أعوام. وفي رواية أنه ولد بعد الفجار بأربع سنوات3. والقول الأول هو الراجح لموافقته ما في الصحيح كما تقدم والله أعلم.

وأما مكان مولده: فقد ذكر أنه ولد في دار والده الخطاب1. وكانت تلك الدار بالحثمة2، قال عمرو بن العاص رضي الله

عنه: إنا بالحثمة، إذ سمعت صارخاً من دار الخطاب قال: فقلت: ما هذا؟ قالوا: ولد للخطاب مولود: يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه1.

المسألة الخامسة: صفاته الخَلقية: لقد كانت صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخَلقية صفاتٍ دالة على قوته وشدته وحزمه وصرامته وهيبته ووقاره رضي الله عنه. فمن صفاته رضي الله عنه أنه كان آدم اللون1.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إنما جاءتني الأدمة من قِبل أخوالي1. وذكرت بعض الأخبار: أن عمر رضي الله عنه كان أبيض اللون2 ولكن الأخبار التي في صفة الأدمة والسمرة وردت من طرق

ثابتة ووفق البعض بين ما ورد من صفة بياض لون عمر بن الخطاب وبين ما ورد من سمرة لونه بما ذكرته بعض الروايات من أن عمر كان أبيض اللون ولكن لونه تغير عام الرمادة فصار أسمر بسبب الجهد وقلة الطعام1. وأقول ليس هناك ما يمنع أن يكون عمر رضي الله عنه في شبابه أبيض اللون لو ثبت ما ورد في صفة البياض له ثم تغير لونه لما كبر بسبب أعباء الخلافة وما كان يقوم به من تفقد لأحوال رعيته ومشيه في شدة الرمضاء وما كان يناله من التعب والجهد والمشقة إضافة إلى ما عرف عنه من زهد في الطعام والشراب وغيرهما من متع الحياة.

وكان رضي الله عنه أصلع الرأس1، طويل القامة2.

وكان رضي الله عنه ضخم الجسم1، بعيد ما بين

المنكبين1.

وكان جهوري الصوت1. وكان إذا غضب فتل شاربه ونفخ2.

وكان أعسر يسراً1. وكان رضي الله عنه قوي الجسم والبنية2.

وهناك آثار تدل بمجموعها على قوة جسم عمر وبنيته، من ذلك: ما روي أن عمر رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة1 بن الوليد بن المغيرة إلى الشام، فشذت ناقة له، فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً، فحسده عمارة على ما رأى من قوته ... الخ2. ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يصارع في سوق عكاظ3.

وعكاظ لم تكن مجرد سوق تجارية بل كانت مناسبة سنوية للتسلية واللهو والتفريج عن النفس. وهذا الذي اجتذب الشعراء إليها1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر وتؤذي الضعيف ... " الحديث2.

ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان إذا ركب فرسه أخذ بأرنبة أنفه أو بأذنه ثم وثب وثوباً على متن فرسه1. وكان رضي الله عنه ذا لحية عظيمة2.

ومما روي في صفات عمر الخَلقية أنه كان: يسرع في مشيته، وكان في رجليه روح1. وأنه كان كثير الشيب2، وقال: أسرع إلى الشيب من قبل

أخوالي1. وأنه كان رجلاً أهلب2، فكان يحلق عنه الشعر3. وأنه كان بفخذه شامة سوداء4.

_ 1 رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/200 وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن الحسن بن علي بن محمد لم أجد له ترجمة. وأخواله رضي الله عنه هم: بنو مخزوم. 2 أَهْلَب: أي غليظ الشعر، وكثير شعر الرأس والجسد، ابن منظور/ لسان العرب 15/111. 3 رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/105 ورجاله ثقات سوى علي بن أبي عائشة الراوي عن عمر رضي الله عنه صوابه العلاء بن أبي عائشة لم أجد له ترجمة. 4 رواه ابن سعد/ الطبقات 3/326، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 328، ابن أبي الدنيا/ الأشراف ص 326، الطبراني/ المعجم الكبير 1/66، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/204،205، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 234 ومداره على عمرو بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس، من الثالثة تق: 423، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات. فالأثر ضعيف.

المطلب الثاني: حياته في الجاهلية

المطلب الثاني: حياته في الجاهلية، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تمسكه بالوثنية ومقاومته دعوة التوحيد. نشأ عمر رضي الله عنه بمكة وتربى في ربوع بطاحها بين أهله وأبناء عشيرته بني عدي بن كعب وشب كغيره من فتيان قريش وساداتها يدين بدين الوثنية بل إنه كان ممن قاوم دعوة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واضطهد من آمن بها، من بني عدي بن كعب، فكان ممن نالهم إيذاء عمر على الإسلام أقرب الناس إليه أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل1 وأم سعيد فاطمة بنت بعجة2.

وممن روى تعذيب عمر لهم، جارية بني المؤمل وهم حي من بني عدي بن كعب فكان عمر يضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة ... فابتاعها أبو بكر فأعتقها1.

ومن الأخبار المروية في تعذيب عمر للمستضعفين ما روي عن أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر1 في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه - قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا. قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله. قالت: فقلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أرها، ثم انصرف، وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفاً، ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأساً منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام2.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر رضي الله عنه: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص، فدعوت الله أن يعز بك الإسلام"1. فتبين من النصوص السابقة أن عمر رضي الله عنه كان ممن يقوم في جاهليته بتعذيب المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم من المستضعفين وخاصة من بني عدي وهم قومه والناظر في سيرة النبي وما تعرض له السابقون إلى الإسلام من التعذيب يجد أن هذا التعذيب إنما كان يقع من أشراف قريش وساداتها على من آمن من قومهم2.

وكذلك فإن صرامة عمر رضي الله عنه وقوة جسمه وبأسه وشدته مع تمسكه بالوثنية كان لها دور في تعذيبه للمسلمين السابقين وذلك قبل أن يدرك بفضل الله ثمّ بما أوتي من رجاحة رأي وعقل صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبطلان ما هو عليه من الشرك، فأسلم وتحولت صرامته وقوته على أعداء الله1. وفي هذا دلالة على مكانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قريش وفي بني عدي بن كعب بالأخص. ومن مساوئ الجاهلية التي ذكر أن عمر اتصف بها في جاهليته، تعاطي الخمور وشربها، فقد روي عنه قوله: وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية2.

ولا شكّ أنّ العرب في الجاهلية عرف عنهم حبّ الخمر والتلذّذ بشربها، وعدم مفارقتها لها في حضرهم أو سفرهم وفي نواديهم وحفلاتهم، ولا تكاد تخلو أشعارهم من التغني بها وذكر أوصافها، ومن ذلك قول عمرو1 بن كلثوم. ألا هي بصحنك فاصبحيناً ولا تبقى خمور الأندرينا مشعشعة كأن الحصَّ فيها إذا ما الماء خالطها سخينا2.

ويقول حاتم الطائي: أماوي إمامت فاسعي بنطفه من الخمر رياً فانضحن بها قبري1. ومما يدلّ على تأصل حبّ الخمر وشربها في نفوس العرب أن الله عز وجل لم يحرمها دفعة واحدة وإنما كان تحريمها بالتدرج حتى تعتاد النفوس ذلك. وكان عمر رضي الله عنه بعد إسلامه من أبعد الناس عن شرب الخمر وأكثرهم كراهية لها. يدعو الله ويقول: "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً حتى نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2. فقال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا"3.

ومنها وأد البنات1، وهي عادة عرف بها العرب، لتفضيلهم الذكور على الإناث فهم يعتمدون على الذكور في الصيد والغزو والحرب والتجارة وغيرها. أما الإناث فلم يكونوا يعتمدون عليهن في ذلك. وقد ذكر الله عز وجل كراهيتهم للإناث في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 2. وكان الرجل منهم يئد انته فيحفر لها الحفرة ثم يضعها فيها وهي حية ثم يهيل عليها التراب، وشاعت هذه العادة في تميم وقيس وهذيل، وكندة، وبكر وقريش، وكانوا يئدون البنات خشية العار إذا كبرت البنات ثم تعرضن للسبي. وكذلك خشية الفقر3. وكانت بعض قبائل العرب تكره هذه العادة بل كان فيهم من يأخذ البنات من آبائهم ويعتني بهن، ويحميهن من الوأد كصعصعة بن ناجية بن عقال، وكان يعرف بالذي أحيا الموؤوادات فبعث الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم

وعنده مائة جارية وأربع جوار أخذهن من آبائهن لئلا يوأدن، وفيه يقول الفرزدق: جدي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوأد1. وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية. ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه عبقرية عمر، فقال: وخلاصتها: أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله من حضر؟ فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة2، فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية.... وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب وكذلك لم يشتهر في بني عدي ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر بناته وهي التي كنى

أباحفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة..! لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها1. وعلى الرغم من تمسك عمر رضي الله عنه بالوثنية ومقاومة دعوة التوحيد وأتباعها وما روي من تعاطيه الخمر وغيرها من عادات الجاهلية السيئة إلا أنه كان ممن يعظم شعائر الله ويعرف لها فضلها وهذا مما بقي من ملة الخليل إبراهيم عليه السلام على الرغم من تفاوته في النفوس، فقد كان القرشيون في الجاهلية يعظمون البيت الحرام، ويطوفون به ويحجون ويعتمرون ويقفون بعرفة والمزدلفة ويهدون الهدي2. فقد سأل عمر رضي الله عنه بعد إسلامه النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية وهو أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره3.

المسألة الثانية: عمله بالرعي والتجارة. إن الاشتغال بالرعي والتجارة من المهن الفاضلة التي عرفت عند العرب في الجاهلية والإسلام، وكان أفضل الخلق نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم ممن عمل برعي الغنم. قال صلى الله عليه وسلم: "كنت أرعاها على قراريط1 لأهل مكة"2. وأمّا التجارة فقد اشتهرت بها قريش وأصبحت من قبائل العرب التي امتازت على غيرها بالغنى والثراء الذي كان مصدره الثروة المالية من الذهب والفضة وغيرها من الأقمشة والعطور إضافة إلى الإبل والغنم والخيل3. وامتن الله تبارك وتعالى على قريش بهذه النعمة وهي تجارتهم إلى بلاد الشام واليمن، قال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} 4. فكانوا يقومون برحلة الشتاء إلى اليمن للتجارة ورحلة الصيف إلى

الشام1. وقيل: إنهم كانوا يرحلون في الشتاء إيضاً إلى الحبشة والعراق2. ولذلك فقد ظهر في قريش من يمتلك ثروات هائلة كالوليد3 بن المغيرة، وعبد الله4 بن أبي ربيعة، وعبد الله5 بن جدعان، وأبو6

سفيان بن حرب، وهاشم1 بن عبد مناف2. وقد عرف الثراء في عدد من الأسر القرشية قبل الإسلام وهم: بنو عبد شمس، وبنو نوفل، وبنو مخزوم3، وكان هناك من الأسر القرشية من عرف بقله المال، ولم يعرف فيهم الثراء كبني المطلب أخو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم 4، وذكر أيضاً عن أبي طالب أنه لما قام بكفالة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قليل المال كثير العيال5.

ولعل قيام النبيّ صلى الله عليه وسلم بالرعي في شبابه مقابل أجر يأخذه كان فيه إعانة مالية لعمه أبي1 طالب، وعمل صلى الله عليه وسلم كذلك بالتجارة في الجاهلية. وخرج في تجارة لخديجة رضي الله عنها إلى جرش2 كل سفرة بقلوص3. وكذلك عمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة، وكان يتاجر بالثياب، وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم4. وأما عمر رضي الله عنه فقد عاش في صغره حياة الفقر والعوز وشدة العيش وقسوته وهي حياة تجعل الفرد أكثر مقاومة للصعاب، وأشد تحملاً للمسؤولية، وأبعد عن حب الدعة والراحة والترف، يقول عمر رضي الله عنه وهو يصف حياة الفقر والشدة التي كان يعيشها في الجاهلية وعمله

برعي الإبل: لقد رأيتني وأخية لنا، وإنا لنرعى على أبوينا ناضحاً1 لهما، فنغدوا فتعطينا آمنا يَمِينَيها 2 من الهبيد3، وتلقى علينا نقبة4 لها، فإذا طلعت الشمس، ألقيت النقبة على أختي، وخرجت أتبعها عرياناً ثم نرجع إليها، وقد صنعت لنا لفيتة5 من ذلك الهبيد، فنتعشاها، فيا خصباه6.

ومر عمر رضي الله عنه بشعب ضجنان1، ووقف، ووقف الناس، فقال: لقد رأيتني في هذا المكان، وأنا في إبل الخطاب، وكان فظاً غليظاً، أخبط عليها مرة وأحطب أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي منهم أحد، ثم تمثل هذا البيت: لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفنى المال والولد2

واشتغل عمر رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة فقد كان رضي الله عنه عند هجرته يمتلك ثروة كبيرة، فقد قال رضي الله عنه لعياش بن أبي ربيعة1 حينما أراد الرجوع إلى مكة بعد هجرته: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، أي مع أبي جهل والحارث بن هشام2.

والذي يظهر أن عمر رضي الله عنه اكتسب هذا المال من عمله بالتجارة فقد وردت نصوص عديدة تفيد أن عمر رضي الله عنه كان يعمل بالتجارة في الجاهلية من ذلك ما روي أن كعب بن عدي التنوخي1 كان شريكاً لعمر في الجاهلية في تجارة البز2.

وروي أنه خرج في تجارة إلى الشام قبل إسلامه فاعتدى عليه أناس وأخذوا ماله.1.

وروي كذلك أنه خرج في تجارة إلى الشام في الجاهلية ومعه ثلاثين من قريش فنسي قضاء حاجة له فعاد إلى مكّة وانطلق أصحابه ثم لحق بهم ثم عاد هو وأصحابه من الشام إلى الحجاز1. وروي كذلك أنه خرج في الجاهلية في تجارة إلى العراق فاعتدى عليهم أناس وسرقوا أمتعتهم حتى ردّها عليهم ملك المدائن وابتاع منهم تجارتهم بربح2.

المسألة الثالثة: قيامه بالسفارة: روي أن عمر رضي الله عنه كانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر1 أو فاخرهم مفاخر رضوا به، وبعثوه منافراً ومفاخراً2. وهذا الخبر وإن ورد من طرق ضعيفة إلا أن احتمال تكليف

قريش عمر بهذه المهمة العظيمة والهامة أمر وارد وذلك لما له من مكانة عالية ومنزلة رفيعة في قريش، وما كان لأبيه وجدّه من مكانة تقدم ذكرها1، ولما تميز به رضي الله عنه من صفات خَلقية قويّة وخُلقية حميدة وما اتصف به من رجاحة العقل وصواب الرأي.

_ 1 انظر ص: (61) .

المطلب الثالث: إسلامه وهجرتة

المطلب الثالث: إسلامه وهجرته، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إسلامه: ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى إسلام عمر رضي الله عنه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة1. وروي أن إسلامه رضي الله عنه كان في السنة السادسة من

البعثة1. وثبت في الصحيح2 أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من ضرب قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين لأن عمره كان يوم غزوة أحد أربعة عشر عاماً3، وكانت أحد بعد البعثة بستة عشر عاماً، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالباً

والذي أرى أنه أقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة1. أما تحديد اليوم والوقت الذي أسلم فيه، فروي أنه كان يوم الثلاثاء2. وقيل يوم الخميس3، وقيل يوم الجمعة4، وقيل إن إسلامه كان

بعد صلاة المغرب1. أما كيفية إسلامه رضي الله عنه فقد وردت فيها نصوص عديدة مختلفة من طرق ضعيفة وهي بمجموعها تفيد أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بسبب سماعه القرآن وتأثره به، وأما الروايات فهي: الرواية الأولى: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ

شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} ، فقلت: كاهن، فقال: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} 1 إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع2. الرواية الثانية: قال عمر: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة3

عند دور آل عمر بن عبد الله بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، فخرجت فجئته فلم أجده فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين، فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام1، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر،

فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة1، فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حسين، وكانت طريقه حتى يجزع2 المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري3، ثم على دار الأخنس بن شريق4 حتى يدخل بيته، وكان

مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان، قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار أزهر أدركته، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تتبعته لأوذيه، فنهمني1، ثم قال: "ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة"؟ قلت: جئت لأومن بالله ورسوله، وبما جاء من عند الله، فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هداك الله يا عمر"، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته2.

الرواية الثالثة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة1 قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّداً، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة2 وقد قتلت محمداً؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال:

أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك1 وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب2، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة3 التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرأون (طه) فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنة: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنة، فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها4 بيده نفحة، فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟! أتشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمداً رسول الله؟ فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه قال: وكان عمر يقرأ

الكتب فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر ثم أخذ الكتاب، فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله: {إنّني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِم الصَّلوة لِذِكْرِي} 1 فقال: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا2. فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى باب الدار حمزة وطلحة، وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة وَجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيراً يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يومىء إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل

السيف1 فقال: "أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر ابن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله2.

الرواية الرابعة: وهذه الرواية لا تختلف في مضمونها عن الرواية السابقة، إلا أن فيها أن عمر رضي الله عنه لما ضرب أخته وقرأ الصحيفة التي معها فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حتى بلغ

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولهِ وأنفقوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} 1.2 الرواية الخامسة: وهي لا تختلف عن الروايتين السابقتين في كيفة الإسلام ولكن فيها أن عمر رضي الله عنه لما دخل على أخته وضربها حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ، فقال: والله ما هذا بشعر ... الخ3.

الرواية السادسة: وفيها أن قريشاً اجتمعوا فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ، فيرده عما هو عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن عمر يأتيك فكن منه على حذر، فلما أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، قرع عمر الباب، وقال افتحي يا خديجة: فلما دنت قالت: من هذا، قال: عمر، قالت: يا نبي الله هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين وهم تسعة صيام وخديجة عاشرهم: ألا نشتفي يا رسول الله، فنضرب عنقه؟ قال: "لا"، ثم قال: "اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: "أقول أتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار، والبعث بعد الموت" فبايعه وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل، ثم تعشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات يصلي معه، فلما أصبح اشتمل على سيفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه، والمهاجرين خلفه حتى وقف على قريش وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فتفرقت حينئذ قريش من مجالسها1.

إيذاء قريش لعمر بعد إسلامه: وبعد دخول عمر رضي الله عنه في الإسلام جهر بدينه على ملأ قريش1 قال ابن عمر رضي الله عنهما لما أسلم أبي قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه فغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت، ودخلت دين محمّد؟ قال: فوالله ما رجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن عمر قد صبا2 وعمر خلفه يقول:

كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. وبعد إعلان عمر رضي الله عنه إسلامه وعلم قريش بذلك قامت قريش إلى عمر فضربوه وضربهم وقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤسهم وتعب عمر رضي الله عنه فكف عنهم وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فاحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا. ولقد كان في شيوخ قريش ورجالاتها من يتصف بصفات حميدة كإغاثة الملهوف وحماية المظلوم ورفع الظلم والوفاء بالعهود والمواثيق مع تمسكهم بوثنيتهم وشركهم، ولم يكن ذلك ديناً فيهم، وإنما كان في كثيرٍ من الأحيان حمية وعصبية، فقد مر بعمر رضي الله عنه وهو يضرب شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى1، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟! خلوا عن الرجل، قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه، قال ابن عمر رضي

الله عنهما لأبيه بعد هجرتهما: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟ فقال: أي بني، العاص بن وائل السهمي1. غير أن تذكير ذلك الشيخ قريشاً بمنزلة عمر وقبيلته وحثه قريشاً على ترك عمر وشأنه لم يمنع قريشاً من ملاحقة عمر رضي الله عنه فيما بعد، وخوف عمر رضي الله عنه على نفسه منهم، قال ابن عمر رضي الله عنه: بينما عمر رضي الله عنه في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية2، فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك

أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك، وبعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟. فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكَّر الناس1. وكان إسلام عمر رضي الله عنه فيما روي بعد تسعة وثلاثين رجلاً2.

وقيل: إن إسلامه كان بعد أربعين رجلاً1. وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلاً2.

وأمّا عدد النساء اللاتي سبقن عمر بالإسلام فقيل إنهن إحدى عشرة إمرأة1. وقيل إحدى وعشرين2. وهذه الروايات لا تخلو من ضعف كما هو مبين في الهامش ولكنها متقاربة في تحديد العدد، فالرواية الأولى حددت عدد الرجال السابقين لعمر بالإسلام بتسعة وثلاثين والثانية حددتهم بأربعين والثالثة بخمسة وأربعين وهذا فارق غير معتبر إذ إنّ زيادة العدد أو نقصه بواحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أمر معتاد في الإحصاء حيث إن بعض المسلمين كان يخفي إسلامه فيعلم به البعض ويخفي على البعض. وعلى أيّ حال فإن إسلام عمر رضي الله عنه كان في السنة السادسة أو السابعة كما تقدم ذلك3. إلاّ أن تحديد عدد من أسلم من الرجال بأربعين

أو نحوها والنساء بعشرة أو عشرين فيه نظر، فإن ابن إسحاق رحمه الله ذكر أن عدد المهاجرين إلى الحبشة الهجرة الثانية كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً1. ونقل ابن حجر عن ابن جرير الطبري أن نساءهم وأبناءهم كانوا معهم، فقال: وقيل: إن عدة نسائهم ثمان عشرة امرأة2. وقد ذكر ابن إسحاق أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة. لذلك قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر إسلام عمر كان بعد الهجرة الثانية للحبشة: "وهذا يرد قول من زعم أنه (أي: إسلام عمر) كان تمام أربعين من المسلمين، فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين، اللهم إلا أن يقال: إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين"3. ولعلّ مما يؤيّد كلام ابن كثير رحمه الله قول ابن إسحق رحمه الله بعد ذكره لأسماء المهاجرين إلى الحبشة وهم ثلاثة وثمانون رجلاً4. ثم ذكر إسلام عمر رضي الله عنه فقال: "وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة"1. وكان في إسلام عمر رضي الله عنه عز ورفعة ومنعة للإسلام والمسلمين وذلك لمنزلته العالية وشخصيته المهيبة في أوساط المجتمع الجاهلي. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر2. وروي عن صهيب بن سنان الرومي3 رضي الله عنه أنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا4.

وروي كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أسلم عمر قال المشركون: اليوم انتصف القوم منا1. وروي أن عمر رضي الله عنه لما أسلم في دار الأرقم خرج المسلمون بعد إسلامه من الدار وطافوا بالبيت ظاهرين وهم يكبرون2. وجاء في رواية أخرى: أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم: يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق، ويظهر دينهم

وهم على الباطل، فخرج عمر، فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل: زعم فلان إنك صبوت، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة بن ربيعة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم1. وكانت تلك العزة بإسلام عمر استجابة من الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعز الله دينه وينصره بأحب الرجلين إليه بأبي جهل أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه2.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يعز الدين بعمر بن الخطاب خاصة1.

وجاء في رواية ضعيفة أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو عامر1

ابن الطفيل1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر رضي الله عنه بعد إسلامه، وقال: "اللهم أخرج ما في صدره من غل، وابدله له إيماناً، ثلاث مرات، وضرب صدره بيده"2. ثانياً: هجرته. تقدم أن عمر رضي الله عنه تعرض بعد إسلامه للإيذاء من قبل مشركي قريش وذلك بعد أن أعلن إسلامه ولم يكف عنه المشركون حتى أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين على الرغم من منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلى المدينة نزلوا

بالعصبة1 إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآناً، فيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد2. وهاجر رضي الله عنه مستخفياً كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه. قال رضي الله عنه وهو يحكي قصة هجرته: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة3، وهشام بن العاص بن وائل

السهمي1 التناضب من أضاة بني غفار2، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، ففتن فافتتن3. ولحق بعمر رضي الله عنه عدد من قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.

قال البراء بن عازب1 رضي الله عنه: أول من قدم علينا - يعني المدينة - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 2. وممن هاجر مع عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله، فلما فرض عمر رضي الله عنه العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه3.

ولما وصل عمر رضي الله عنه المدينة نزل ومن معه العُصبة1 وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رفاعة2 بن عبد المنذر. ولا تعارض في ذلك فرفاعة من الأوس سكان العصبة. وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه هاجر علانية وهي رواية مشهورة ولكنها لم تأت من طرق ثابته، وفيها أن عمر رضي الله عنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى3 في يده أسهماً،

واختصر عنزته1 ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس2، من أراد ان تثكله أمه ويؤتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه3.

وكان وصول عمر رضي الله عنه المدينة قبل وصوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر1 حيث ذكر وصوله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم عمر وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم: كنا قد استبطأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلى ظهر الحرة، فيجلسون حتى يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلى منازلها، قال عمر: وكنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل من اليهود قد أومأ على أطم من آطامهم، فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون، قال عمر: وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، حتى نزل في بني عمرو بن عوف2.

وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمى. فأصبح لكلّ مهاجري أخاً من الأنصار. وترتب على المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون على أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغى الله تعالى التوارث بنزول قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... } الآية1. وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من أخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر رضي الله عنه وبين بعض الصحابة فروي أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما2، وروي أنه آخى بينه وبين عتبان بن

مالك1 وقيل بينه وبين عويم بن ساعدة2 رضي الله عنهما. وقيل

آخى بينه وبين معاذ بن عفراء1 رضي الله عنه فالله أعلم. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أنه كانت هناك مؤاخاة أولى بين المهاجرين بعضهم بعضاً، لأن بعضهم كان أقوى بالمال والعشيرة، فعلى هذا يحمل ما ورد من مؤخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولى2. وأمّا أخو عمر رضي الله عنه من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين أحد الأنصار، والذي أرجحه - والله أعلم - أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم 3، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: كان لي أخ من الأنصار4. وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن أسحاق فيه5.

_ 1 معاذ بن عفراء هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الأنصاري البخاري المعروف بابن عفراء وهي أمه صحابي عاش إلى خلافة علي وقيل بعدها، وقيل بل استشهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. تق 535. رواه ابن سعد/ الطبقات 3/272 من رواية الواقدي. 2 فتح الباري 7/271. 3 رواه البخاري في الصحيح 1/28، 3/258. 4 فتح الباري 7/271، ولم أقف عليه. 5 انظر: ابن كثير/ السيرة النبويّة 2/325.

المطلب الرابع: أحواله المعيشية

المطلب الرابع: أحواله المعيشية ... المطلب الرابع: حياته في الإسلام وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: التزامه الديني. 1- قوة إيمانه: لقد كان عمر رضي الله عنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقربين وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بكمال الإيمان وصدق اليقين وذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة التي سوف يأتي الكلام عليها في ذكر فضائل عمر رضي الله عنه بمشيئة الله تعالى. ومن أقواله وأفعاله رضي الله عنه الدالة على صدق إيمانه واتباعه وتحقيقه التوحيد: قوله رضي الله عنه وهو يستلم الحجر الأسود ويقبله: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"1.

وهو رضي الله عنه بقوله هذا يعلن براءته من الإشراك بالله وعبادة الأحجار والأوثان والتبرك بها، ويظهر طاعته وانقياده لأوامر الله ورسوله والتسليم لها. وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يقول عند استلام الحجر: آمنت بالله وكفرت بالطاغوت1. ومن ذلك قوله رضي الله عنه: فيما الرملان الآن والكشف عن

المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

وهو رضي الله عنه بين أن اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مقيداً بمعرفة الحكمة والسؤال عنها في الأمر المتبع، ولكنه اتباع وطاعة مطلقة مصدرها

الإيمان المطلق بكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الواجب على كل مؤمن ومؤمنه. وقرأ رضي الله عنه قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} 1 فقال: ما االأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب2. ومن الأخبار الدالة على تحقيقه رضي الله عنه التوحيد وبعده عن الشرك دقيقة وجليلة، ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه في ركب وعمر يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً3.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به قوله: ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره1. 2- اجتهاده في الطاعات: كان عمر رضي الله عنه كثير فعل الطاعات والقربات من الصلاة والصيام والصدقة كثير التضرع والدعاء لله عز وجل، فكان رضي الله عنه يداوم على قيام الليل وهي خصلة أثنى الله عز وجل على من اتصف بها وداوم عليها ووصف الله عز وجل بها عباده المقربين، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} 2. سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال: متى توتر؟ فقال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لعمر:

أخذ هذا بالقوة1.

فكان رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا خشي الفجر أيقظ أهله فصلوا ما شاء الله1. وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان يتهيأ لصلاة الليل فإذا صلى العشاء أمر أهله أن يضعوا عند رأسه إناء فيه ماء ثم يرقد، فإذا تعار2 من الليل وضع يده في الماء ومسح به وجهه وذكر الله عز وجل ثم ينام حتى تأتي الساعة التي يقوم فيها لصلاة الليل3.

وروي عنه رضي الله عنه أنه ربما فاتته الصلاة من الليل فيقضيها من النهار، فقد روي أن رجلاً استأذن على عمر بالهاجرة، فحجبه طويلاً ثم أذن له، فقال: إني كنت نمت عن حزبي فكنت أقضيه1. وجاء عنه أنه كان يأتي مسجد قباء فيصلي فيه كل يوم اثنين وخميس2.

وكان عمر رضي الله عنه يصوم من التطوّع ما شاء الله فكان يصوم الأيام البيض من كل شهر1. وجاء في رواية صحيحة أن عمر رضي الله عنه سرد الصوم قبل موته بسنتين2. وروي عنه أنه كان يجهد نفسه وهو صائم في الحر ويقول: أبشري بالري3.

وقال زياد بن حدير1: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر الناس صياماً وأكثر الناس سواكاً2. وكان رضي الله عنه كثير الصدقات فقد قال رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً3.

وأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها "، فتصدق بها عمر أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول1. قال ابن عمر رضي الله عنهما: تصدق عمر بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً2. وقد بين عمر مصدر هذا المال فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل ... الحديث3.

وكان عمر رضي الله عنه كثير الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، فكان يدعو الله بجوامع الدعاء ومن دعائه ما رواه أبو العاليه1 رحمه الله قال: أكثر ما كنت أسمع عمر يقول: اللهم عافنا واعف عنا2. وكان يسأل الله عز وجل المغفرة وأن يبدل الله سيئاته حسنات. قال عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي3: سمعت عمر بن الخطاب يقول: اللهم إن كنت كتبت علي ذنباً أو إثماً أو ضغناً فاغفره لي، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب4.

المسألة الثانية: في علمه وفقهه رضي الله عنه كان عمر رضي الله عنه ممن أوتي علماً كبيراً وفقهاً عظيماً. ولا شكّ أن ما اتصف به عمر رضي الله عنه من صدق الإيمان بالله واليقين التام

وخلوص العقيدة من الشرك بأنواعه والبدع والشبهات وما اتصف به كذلك من حسن الالتزام بشعائر الدين والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات من أسباب سعة علمه وفقهه رضي الله عنه. فقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"1. ومن شهادة الصحابة رضوان الله عليهم له بالعلم قول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر2. وقال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في

دين الله1. وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إن كنا نحسب أن عمر قد انفرد بتسعة أعشار العلم2. وروي عن حذيفة بن اليمان3 أنه قال: كأن علم الناس مدسوس

في حجر مع علم عمر1. وشهد له بذلك التابعون ومن بعدهم، قال مسروق بن الأجدع2 رحمه الله: انتهى علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء النفر الستة: عمر وعلي وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء3، وزيد بن ثابت4.

وقال قبيصة بن جابر1: ما رأيت رجلاً أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله وأفقه في دين الله من عمر2. وروي عن أيوب السختياني3 أنه قال: إذا بلغك اختلاف عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر فشد يدك به فهو الحق وهو السنة4. وعن رجل من أهل المدينة قال: دفعت إلى عمر بن الخطاب، فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه5.

ولمكانة عمر رضي الله عنه العلمية العالية فقد كان من أهل الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مسروق بن الأجدع1 رحمه الله: كان أصحاب الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعلي، وابن مسعود، وزيد، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم2. وجاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة، رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه، قالوا: ومن ذاك؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: وأمير لا يخاف، أو أحمق متكلف3. وكان رضي الله عنه شديد الحذر في الفتوى، قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر،

ولم يكن أحد أهيب لما لا يعلم من عمر1. ومن العلوم التي كان عمر رضي الله عنه يجيدها علم القراءة والكتابة وهما فنان لم يكن يجيدهما إلا القلائل من العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام. ففي قصة همرة عمر رضي الله عنه مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أنه كتب بيده قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ... } الآية2. وبعثها إلى هشام بن العاص بمكة3. وإن كانت قريش من أكثر قبائل العرب كتابة راءة وذلك لتحضرها وانشغالها بالتجارة التي تسلتزم ذلك4. ومن العلوم التي نقل عن عمر رضي الله عنه اهتمامه بها. ومعرفته لها الشعر. والشعر هو: ديوان العرب وصحيفة مفاخرهم، وسجل مناقبهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصل يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم، به يفتخرون، وبنابغيه يعتزون، لم تخل قبيلة من قبائلهم من شاعر يحمى

ذمارها، ويفاخر بأمجادها، ويصور عواطفها، وكانت القبيلة تزهو ويرتفع شأنها إذا نبغ منها شاعر ينافح عنها، ويشيد بمفاخرها، وكان للشعر تأثير كبير في نفوسهم يدلّ على ذلك أن الشاعر قد يخض بشعره شأن قبيلة ويرفع شأن قبيلة أخرى. ومن أمثلة ذلك: قول جرير1 في بني نمير من عامر بن صعصعة: فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلاباً جعل هذا البيت كلّ نميري إذا سئل عن نسبه قال: إنه عامري. وعكس ذلك قول الحطيئة2: قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يساوى بأنف الناقة الذنبا

فقد رفع هذا البيت شأن بني أنف الناقة وجعلهم يفاخرون بقبيلتهم بعد أن كان الواحد منهم إذا سئل عن نسبه قال: من بني قريع. وهو نسب آخر لهم. وبعد مجئي الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم مدى تأثير الشعر في نفوس العرب. فيأمر حسان1 بن ثابت رضي الله عنه أن يدافع وينافح عنه وعن صحابته، وأن يهجو المشركين. فيقول له صلى الله عليه وسلم: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك "2. ودعا له صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أيده بروح القدس"3. وقد أوجد الإسلام الكثير من المعاني والأغراض بما جد من شؤون وأحداث لم تكن عند العرب من قبل، وكان من أهم هذه الأغراض الدعوة للجهاد وتحميس الجند وحضّهم على الاستبال والاستشهاد في

سبيل الله1. ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان أهمية الشعر ما روي من قوله رضي الله عنه: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه"2. وقد روي عنه رضي الله عنه آثار فيها دلالة على حبّه سماع الشعر الذي لا لغو فيه. ومن ذلك أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض، فقال عمر رضي الله عنه: "الغناء زاد الراكب"3.

وروي عن خوات1 بن جبير رضي الله عنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر ابن الخطاب، فسرنا في ركب فيهم أبو2 عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن3 بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار4. فقال عمر رضي الله عنه:"دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده". يعنى: من شعره. قال: فما زلت أغنيهم

حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: "ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا"1. وروي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يسير في طريق مكّة في خلافته، ومعه المهاجرون والأنصار فترنم عمر ببيت. فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره: "غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين". فاستحيا عمر رضي الله عنه من ذلك وضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب2. وكان عمر رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بأبيات الشعر لذلك روي أنه كان

لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر1. ومن الأخبار الواردة عنه في ذلك: ما روي من أنه رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة2 بن الوليد بن المغيرة إلى الشّام، فشذت ناقة له فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً فحسده عمارة على ما رأى من قوته، فقال: انحرها وهي لنا طعاماً، فاختبز عمر وطبخ وقدم إلى عمارة طعاماً، فقال له: الشحم الحار على الخبز الحار في اليوم الحار، ما تريد إلا قتلي، ثم وثب إليه يضربه، فبادر عمر إليه بالسيف، فهرب عمارة من بين يديه وعمر يقول: والله لولا شعبة الكرم وسبطة3 في الحي من خال وعم لضمني الشر إلى مضم وما أساء مطعم ولا ظلم

إذ خلط الخبز بلحم ودسم1 ومما قال عمر رضي الله عنه يتمثل به من الشعر وهو محرم: إليك تعدو قلقاً وضينها2 معرضاً في بطنها جنينها مخلفاً دين النصارى دينها3 وروي أنه رضي الله عنه كان يتمثل أيضاً وهو محرم وقد ركب راحلته، فتدلت فجعلت تقدم يداً وتؤخر أخرى بهذا البيت:

كأن راكبها غصن بمروحةٍ1 إذا تدلت به أو شارب ثمل2. وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع عمر بن

الخطاب إلى الشام، فاستيقظنا به ليلة، وقد رحّل1 رواحلنا، وهو يرحل لنفسه ويقول: لا يأخذ الليل عليك بالهم والبس له القميص واعتم وكن شريك رافع وأسلم2 واخدم القوم حتى تخدم فقال أسلم: فقلت - رحمك الله - يا أمير المؤمنين لو أيقظتنا كفيناك3. وروي أنه رضي الله عنه كان يعظ نفسه ويتمثل بهذا البيت: لا يغرنك عشاء ساكن فقد توافى بالمنيات السحر4.

ومما ثبت تمثله به من الشعر ما تقدم ذكره من أنه رضي الله عنه مرّ بشعب ضجنان وذكر ما كان عليه في طفولته من الشيء وما هو عليه من النعمة والرخاء والخلافة فتمثل بهذا البيت: لا شيء من الدنيا تبقى بشاشته يبقى الإله ويفنى المال والولد1. ومما روي تمثله به قوله: هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك مَنْهِيُّها ولا حاضر عنك مأمورها2. وكان عمر رضي الله عنه مع حبّه للشعر وتمثله به في مناسبات عديدة فإنه أثر عنه أنه كان ناقداً للشعر وعالماً بمعانيه. فال الجاحظ: قال العائشي: كان عمر بن الخطاب أعلم الناس بالشعر3. وقال ابن رشيق: كان عمر من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة4.

ومن الأخبار التي جاءت عنه رضي الله عنه والدالة على علمه بمعاني الشعر، وأغراضه، وأهدافه، ونقده لذلك، وثنائه ومدحه للشعر المشتمل على المعاني والأغراض الخيرة الحسنة، ونقده وذمّه للشعر ذي المعاني السيئة ومعاقبته لمن قاله: 1- موقف عمر رضي الله عنه من شعر النابغة الذبياني1. روي أن ربعي بن خراش قال: لما أتينا عمر بن الخطاب في نفر من غطفان قال: من أشعر شعرائكم؟ قلنا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: من الذي يقول: أتيتك عارياً خلقاً ثيابي على خوف تظن بي الظنون فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون2

قلنا: النابغة. قال: فمن الذي يقول: كن كسليمان إذ قال الإله له قم في البرية فاحجزها عن الفند1 قلنا: النابغة. قال فمن الذي يقول: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب2 قلنا: النابغة. قال: هذا أشعر شعرائكم حين ذهب إلى هذا المذهب3.

2- موقفه من هجاء الحطيئة1 للزبرقان بن بدر التميمي2. فقد جاء أن الحطيئة هجا الزبرقان بن بدر فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنه هجاني. فقال عمر رضي الله عنه: وما قال لك؟ فقال: قال: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال عمر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة جميلة. فقال الزبرقان: وما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس، والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشدّ عليّ منه. سل ابن الفريعة يعنى حسان ابن ثابت3. فقال عمر رضي الله عنه: علي بحسان. فجيئ به، فسأله عمر رضي الله عنه. فقال: لم يهجه ولكن سَلَح4 عليه. فأمر به عمر رضي الله عنه فجعل في نقير

بئر1 ثم ألقى عليه حفصة2. فقال الحطيئة: ماذا تقول لأفراخ3 بذي مرخ4 حمر الحواصل5 لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر فأخرجه عمر وقال: إياك وهجاء الناس. قال: إذن تموت عيالي جوعاً، هذا كسبي ومنه معاشي. قال: فإياك والمقذع من القول. قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان. قال: أنت والله أهجى مني. ويقال إن عمر رضي الله عنه قال: والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك1.

قال ابن سلام الجمحي رحمه الله في سؤال عمر رضي الله عنه لحسان: ما تقول أهجاه؟ قال: وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان ولكنه أراد الحجة على الحطيئة1. وقال العقاد رحمه الله: في قول عمر رضي الله عنه للزبرقان بن بدر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاقبة. قال: فنسي أنه الأديب الراوية ولم يذكر إلا أنه القاضي الذي يدرأ الحدود بالشبهات، ولا يحكم بما يعلم ون ما يعلمه

أهل الصناعة1. 3- ما روي من نقد عمر رضي الله عنه لشعر الحطيئة وتكذيبه فيه. روي الأصفهاني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سبق على فرس له فجثا2 على ركبته وقال: إنه لبحر3. فقال عمر رضي الله عنه: كذب الحطيئة يقول: وإن جياد الخيل لا تستفزنا4 ولا جاعلات

الريط1 فوق المعاصم2 لو ترك هذا أحد لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم3.

ورى أن عمر رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة: متى تأته تعشو1 إلى ضوء ناره تجد خير نارٍ عندها خير موقد فقال عمر: كذب بل تلك نار موسى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم 2.

4- موقفه من شعر زهير1 بن أبي سلمى. فال الجاحظ: قال العائشي: ولقد أنشدوه أي: عمر بن الخطاب رضي الله عنه شعراً لزهير، وكان شعره مقدماً فلما انتهوا إلى قوله: وإن الحقّ مقطعه ثلاث يمين2 أو نفار3 أو جلاء4 قال عمر رضي الله عنه - كالمعتجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها وإقامته أقسامها -: وإن الحقّ مقطعه ثلاث: يمين أو نفار أو جلاء

يردِّد البيت من التعجب1. وذكر أن عمر رضي الله عنه قال لابنة زهير: ما فعلت حلل هرم2 بن سنان التي كساها أباك؟ قالت: أبلاها الدهر. قال: لكن ما كساه أبوك هرماً لم يبله الدهر. وقيل: إنه رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدني ما قال فيكم زهير. فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن. قال: يا أمير المؤمنين: إنا كنا نعطيه فنجزل. قال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم3.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال عمر بن الخطاب ليلة مسيره إلى الجابية: أين ابن عباس؟ قال: فأتيته ... ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال الذي يقول: ولو أن حمداً يخلد الناس أخلدوا ولكن حمد الناس ليس بمخلد قلت: ذاك زهير. قال فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام، وكان يتجنب وحشي الشعر ولم يمدح أحداً إلا بما فيه. قال الأصمعي: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه، ويقال: يتبع حَوشِيَّ الكلام وَوَحْشِيَّ الكلام والمعنى واحد1.

5- موقفه رضي الله عنه من هجاء النجاشي1 لبني العجلان قوم تميم2 بن مقبل. روي أن بني العجلان كان يفخرون بهذا الاسم لقصة كانت لصاحبه في تعجيل قرى الأضياف إلى أن هجاهم به النجاشي فضجروا منه وسبوا به فاستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، هجانا فقال: وما قال؟ فأنشدوه: إذا الله عادى أهل لؤم وَرِقَّةٍ فعادى بني عجلان رهط ابن مقبل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما دعا عليكم ولعله لا يجاب، فقالوا: إنه قال: قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل فقال عمر: ليتني من هؤلاء أو قال: ليت آل الخطاب كذلك أو كلاماً يشبه هذا. قالوا: فإنه قال:

ولا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الوُرَّاد عن كلّ منهل فقال عمر: ذلك أقل للسكاك. يعني: الزحام، قالوا فإنه قال: تعاف الكلاب الضاريات لحومهم وتأكل من كعب بن عوف ونهشل فقال عمر: كفى ضياعاً من تأكل الكلاب لحمه. قالوا: فإنه قال: وما سمي العجلان إلا لقولهم خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل فقال عمر: كلنا عبد وخير قوم خادمهم. فقالوا: يا أمير المؤمنين هجانا فقال: ما أسمع ذلك. فقالوا: فاسأل حسان بن ثابت. فسأله فقال: ما هجاهم ولكن سلح1 عليهم2. قال ابن رشيق: وكان عمر رضي الله عنه أبصر الناس بما قال النجاشي

ولكن أراد أن يدرأ الحد بالشبهات. فلما قال حسان ما قال، سجن عمر النجاشي وقيل: إنه حده. وقال: كان عمر رضي الله عنه عالماً بالشعر، قليل التعرض لأهله، استعداه رهط تميم بن أبي مقبل على النجاشي لما هجاهم، فأسلم النظر في أمرهم إلى حسان بن ثابت، فراراً من التعرض لأحدهما، فلما حكم حسان أنفذ عمر حكمه على النجاشي كالمقلد من جهة الصناعة، ولم يكن حسان على علمه بالشعر أبصر من عمر رضي الله عنه بوجه الحكم1. ولما ذكر من حبّ عمر رضي الله عنه لسماع الشعر وتمثله بأبيات منه في مناسبات عديدة ونقده له وعلمه بمعانيه روي أنه رضي الله عنه كان شاعراً. قال الشعبي2 - رحمه الله -: "كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان عليّ بن أبي طالب شاعراً3. أي: عالماً بالشعر وبمعانيه

وأغراضه متذوقاً له". لأن أهل النقد والأدب والشعر قديماً وحديثاً لم يذكروا عمر رضي الله عنه في الشعراء ولم تثبت عنه قصائد وأبيات من نظمه1، بل روي عنه رضي الله عنه أنه قال لمتمم بن نويرة أخي مالك2 بن نويرة: "لو كنت شاعراً أثنيت على أخي3 كما أثنيت على أخيك متمم". فقال: لو كان مهلك أخي

كمهلك أخيك لتعزيت عنه. فقال عمر: "ما رأيت تعزية أحسن من هذه"1. وكان لعمر رضي الله عنه اهتمام بأخبار الجاهلية وخاصة ما له تعلق بالإسلام وأحكام الدين، فقد أرسل عمر رضي الله عنه إلى شيخ من بني زهرة كان قد أدرك الجاهلية فجاء الشيخ إلى عمر وهو في حِجر الكعبة، فسأله عمر رضي لله عنه عن أولاد من أولاد الجاهلية فقال

الشيخ: أما النطفة فمن فلان، وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر: صدقت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش، فلما ولى الشيخ دعاه عمر، فقال: أخبرني عن بناء الكعبة، فقال: إن قريشاً تقربت لبناء الكعبة، فعجزوا واستقصروا فتركوا بعضاً في الحجر، فقال عمر: صدقت1. ومما اختص به عمر رضي الله عنه من العلم صدق الحدس، وهو علم جِبلِّي خلقي، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك عن عمر حيث قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون2، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب3.

ومن الأخبار الدالة على اختصاص عمر رضي الله عنه بذلك، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن1. وقال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر2. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده3.

وقال عبد الله بن سلمة المرادي1 رحمه الله: دخلنا على عمر معاشر مذحج2، وكنت من أقربهم منه مجلساً، فجعل عمر ينظر إلى الأشتر3ويصرف بصره، فقال: أمنكم هذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ماله قاتله الله، كفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم شره، والله إني لأحسب أن للناس منه يوماً عصيباً4. ولعلّ مما يلتحق بذلك وهو من كرامات عمر رضي الله عنه ما رواه عبد الله ابن عمر أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث جيشاً وأمّر

عليهم رجلاً يدعى سارية1، فبينما عمر يخطب الناس يوماً فجعل يصيح وهو على المنبر: "يا ساري الجبل يا ساري الجبل". قال: فقدم رسول الجيش، فسأله فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمناهم، فإذا بصائح يصيح: "يا ساري الجبل" فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله2. وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال ابن من؟ قال ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقه، قال: أين مسكنك؟ قال: الحرة، قال بأيها؟ قال: بذات لظى، قال: أدرك أهلك فقد

احترقوا، فرجع الرجل، فوجد أهله قد احترقوا1. وقال طارق بن شهاب2 رحمه الله تعالى: كان رأي عمر كيقين

آخر1. وجاء عنه أنه قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به أنه كذب فهو عمر2.

ومن العلوم التي وهبها الله تعالى لعمر وعرف بها علم القيافة، قال الحكم بن أبي العاص1: كنت قاعداً مع عمر بن الخطاب، فأتاه رجل فسلم عليه، فقال له عمر: بينك وبين أهل نجران2 قرابة؟ قال الرجل: لا، قال عمر: بلى، قال الرجل: لا، قال عمر: بلى والله، أنشد الله كل رجل من المسلمين يعلم أن بين هذا وبين أهل نجران قرابة لما تكلم. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين بلى بينه وبين أهل نجران قرابة من قبل كذا وكذا، فقال له عمر: مه فإنا نقفو الآثار3.

وروي أن عمر رضي الله عنه مر به رجل ضخم طويل سبط1، ثم اتبعه رجل نحيف جعد أسود، فقال عمر: هما أخوان، فنظر فإذا هما أخوان، وكان عمر قائفاً2. المسألة الثالثة: أسرته وحياته المعيشية. أولاً: أسرته. 1- زوجاته رضي الله عنه: كان عدد من تزوج بهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربع عشرة امرأة وهن: 1- أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، كانت زوجته رضي الله عنه في الجاهلية. 2- قريبة بنت أبي أمية المخزومية وكانت أيضاً زوجة له قبل الإسلام، وهاتان الزوجتان طلقهن عمر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 3، وذلك بعد صلح

الحديبية1 من السنة السادسة للهجرة2. 3- زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، وهي التي رافقت عمر رضي الله عنه في هجرته إلى المدينة3.

4- جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية تزوجها عمر رضي الله عنه سنة سبع من الهجرة ثم طلقها1.

5- ابنة حفص بن المغيرة1 تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن طلقها زوجها عبد الله بن أبي ربيعة2، فلما عرف عمر أنها عاقر لاتلد طلقها3.

6- عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن ولي الخلافة1. وكانت قد تبتلت وامتنعت من الأزواج بعد وفاة زوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما2، وكانت عاتكة رضي الله عنها تصلي العشاء والفجر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يكره خروجها، فقيل لها: تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار، قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا مساجد الله إماء الله"، وطعن عمر رضي الله

عنه وزوجته عاتكة تصلي معه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم1. 7- أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد استشهاد زوجها خالد بن سعيد بن العاص2 رضي الله عنه بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام3.

_ 1 رواه البخاري/ الصحيح 1/160، وليس فيه تصريح باسم عاتكة بل فيه أن امرأة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورواه أحمد/ المسند 2/7 بإسناد متصل رجاله ثقات، وفيه زيادة أن عمر طعن وهي في المسجد، وأما تحديد اسمها بأنها عاتكة، فقد رواه مالك/ الموطأ 1/213، وفي سنده إعضال بين يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة من الخامسة وبين عمر بن الخطاب ولم تذكر له رواية عن عاتكة، ورواه أحمد/ المسند 1/40، وسنده رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي فهو صدوق، وهو منقطع من رواية سالم ابن عبد الله بن عمر عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه ابن سعد/ الطبقات 8/217، من رواية الواقدي. 2 خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، أسلم قديماً، يقال إنه أسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قتل بأجنادين في جمادى الأول سنة 13هـ، وقيل بمرج الصفر سنة 14هـ. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/7،8. 3 انظر: ابن سعد/ الطبقات 5/50 حيث ذكر أن أم حكيم هي والدة فاطمة ابنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ترجم لأم حكيم ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/7، وابن الأثير/ أسد الغابة 5/577، وابن حجر/ الإصابة 4/443، ولم يذكروا زواج عمر منها. وسيأتي ذكر ابنتها فاطمة في ذكر بنات عمر رضي الله عنه في ص: (114) . مَرْج الصُّفَّر: سهل واسع جنوبي دمشق يبعد عنها حوالي 38 كم بين قريتي الكوة وغباغب. أحمد عادل كمال/ الطريق إلى دمشق ص293.

وروي أن مهر أم كلثوم رضي الله عنها الذي أمهرها إياه عمر رضي الله عنه كان أربعين ألفاً كما ذكر في بعض الروايات1.

9- فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام المخزومي1 بطاعون عمواس2، وتربى ابنها عبد الرحمن في حجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه3.

10- أم هنيدة الخزاعي1. 11- سبيعة الأسلمية2. 12- لهية أو نهية وهي من أهل اليمن، وقيل إنها كانت جارية لعمر وأم ولد3.

13- سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو بن عبيد الأنصارية1. 14- فكيهة أم ولد لعمر2. أما النساء اللاتي خطبهن عمر رضي الله عنه ولم يتزوج منهن فهن: 1- أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية خطبها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي عقب غزوة أحد من جرح أصابه فيها3، فأرسل إليها فأبت4.

2- فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قال بريدة بن الحصيب1 رضي الله عنه خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها صغيرة" فخطبها علي فزوجها منه2. 3- أم أبان بنت عتبة3 بن ربيعة فقد روي أن عمر رضي الله

عنه خطبها فأبته فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه1. 4- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه روي أنه خطبها وأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتها، فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين! قالت: نعم، إنه

خشن العيش، شديد على النساء ... الخ1. وقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يحرص على كثرة النساء رغبة في الولد وتكثير النسل، فقد روي عنه قوله: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح الله2. ورويت بعض الآثار التي تدل على شكوى عمر من نسائه وشدته

عليهن وتأديبه لهن من ذلك أن جرير بن عبد الله1 جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة، فيقال لي: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن، فقال له عند ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أما بلغك أن إبراهيم شكا إلى الله عز وجل ذرا2 خلق سارة فقيل له: إنما خلقت من ضلع، فالبسها على ما كان فيها ما لم تر عليها خزية في دينها، فقال له عمر: لقد حشى الله بين أضلاعك علماً كثيراً3.

وروي عن الأشعث1 بن قيس قوله: ضفت عمر ليلة، فلما كان جوف الليل قام إلى امرأته يضربها، فحجزت بينهما، فلما آوى إلى فراشه، قال لي: يا أشعث، إحفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل الرجل فيما يضرب امرأته ... " الحديث2.

وروي أن امرأة لعمر تكلمت في شيء من الأمر فانتهرها وقال: ما أنت وهذا، إنما أنتن لعب، فأقبلي على مغزلك، ولا تعرضي فيما ليس من شأنك1. ومن المعروف أن الحياة الزوجية قد يعرض لها ما يعكر صفوها بين الزوجين بسبب خطأ منهما أو من أحدهما، ولا يعتبر ذلك قادحاً في أحد الزوجين ونقصاً من قدره ومما لا شك فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من رجال ونساء كانوا من أكمل الأمة وأفضلها ديناً وخُلقاً وحسن معاشرة لأهليهم ومجتمعهم.

2- أبناؤه: 1- عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، وهو أكبر ولد عمر رضي الله عنه وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى بدر وأحد حيث أنه استصغر يوم أحد وشهد غزوة الخندق، وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم1. وهاجر مع أبيه وأمه إلى المدينة وهو ابن عشر سنين، وبقي حتى مات سنة 73هـ2. وجاء في رواية أن عبد الله رضي الله عنه كان أحب ولد عمر إليه، فروي أنه قال ما من أهل ولا مال، ولا ولد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون إلا عبد الله بن عمر فإني أحب أن يبقى في الناس بعدي3.

2- عبد الرحمن الأكبر وأمه هي أم عبد الله زينب بنت مظعون1. 3- عبيد الله بن عمر أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، ولد في عهد عمر، وثبت أنه غزا في خلافة أبيه، وهو الذي قتل الهرمزان2 وجماعة من الفرس لما قتل أبو لؤلوة والده، وقتل مع معاوية بصفين3. 4- عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمه جميلة بنت ثابت بن الأقلح، وهي التي طلقها عمر رضي الله عنه، وتخاصمت هي وعمر في عاصم، فقضى أبو بكر بالنفقة على عمر، وبالحضانة على

جميلة1. 5- زيد بن عمر بن الخطاب أمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، توفي هو وأمه في يوم واحد، وصلى عليها عبد الله بن عمر بن لخطاب رضي الله عنه وكان والي المدينة يومئذ سعيد بن العاص2.

6- عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو شحمة، وأمه لهية أم ولد لعمر1. 7- عبد الرحمن الأصغر وأمه هي أم عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو المجبر2. 8- زيد الأصغر، أمه أم كلثوم بنت جرول3. 9- عبد الله الأصغر أمه سُعيده بنت رافع بن عبيد الأنصارية4. 10- عياض بن عمر أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل5. بناته:

زوجها عرضها عمر رضي الله عنه على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال عثمان: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فعرض عمر حفصة على أبي بكر، فلم يرجع إليه شيئاً، قال عمر: فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها1.

وماتت حفصة رضي الله عنها لما بايع الحسن معاوية رضي الله عنهما في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وقيل بل بقيت إلى سنة خمس وأربعين1.

2- فاطمة بنت عمر أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وزوجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب1. 3- عائشة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها أمها لهية أم ولد لعمر، ولم تتزوج2. 4- صفية بنت عمر بن الخطاب، ولم أجد ذكراً لاسم أمها، روي أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر3. 5- جميلة بنت عمر رضي الله عنهما، ولم أجد ذكراً لاسم أمها،

كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة1. 6- رقية بنت عمر أمها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم شقيقة زيد الأكبر، تزوجها إبراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام2، وماتت وهي عنده، ودفنت بالبقيع3. 7- زينب بنت عمر أمها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، شقيقة عياض بن عمر، وزوجها عبد الرحمن بن معمر بن عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول4، ثم خلفه عليها عبد الله بن عبد الله بن سراقة العدوي5.

عناية عمر رضي الله عنه بأهله وأسرته. كان عمر رضي الله عنه شديد العناية والرعاية والرقابة على أهله، يقيم فيهم أحكام الدين ويلزمهم بها قبل أن يلزم بقية رعيته. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء، دخل إلى أهله - أو قال جمع أهله - فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم، ومن شاء فليتأخر1. وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا بعثني إلى بعض ولده قال لي: لا تخبره لم بعثتك إليه، فلعل الشيطان يعلمه كذبه، فجاءت أم ولد لعبد الرحمن إلى عمر، فقالت: إن أبا عيسى لا ينفق علي ولا يكسوني، قال: ويحك من أبو عيسى؟ قالت: ابنك عبد الرحمن، فقال:

وهل لعيسى من أب؟ قال أسلم: فأرسلني إليه فقال: قل له أجب، ولا تخبره لأي شيء دعوته، قال: فأتيته، وعنده ديك ودجاجة هنديان، فقلت له: أجب أباك أمير المؤمنين، قال: وما يريد مني؟ فقلت: لا أدري، قال: إني أعطيك هذا الديك والدجاجة على أن تخبرني ما يريد مني، فاشترطت أن لا يخبر عمر، فأخبرته، وأعطاني الديك والدجاجة، فلما جئت عمر رضي الله عنه قال لي: أخبرته، فوالله ما استطعت أن أقول لا، فقلت نعم، قال: أرشاك شيئاً، قلت: نعم، قال: ما رشاك؟ قلت: ديكاً ودجاجة، فقبض بيده اليسرى على يدي، فجعل يضربني بالدرة، وجعلت أنزو، وجعل يضربني وأنا أنزو، فقال: إنك لجدير، ثم جاء عبد الرحمن، فقال هل لعيسى من أب! يُكتنى أبا عيسى؟ هل لعيسى من أب؟ 1 وبالرغم من صرامة عمر رضي الله عنه في مراقبة أهله وتطبيق تعاليم الدين عليهم فإنه رضي الله عنه لم يخلُ من شفقة ورحمة لأهل بيته، رآه عيينة2 بن حصن يوماً يقبل أحد أبنائه وقد وضعه في حجره وهو

يحنو عليه، فقال عيينة: أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولداً. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثاً، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك؟ إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء1. 3- مواليه. 1- أسلم مولى عمر بن الخطاب، اشتراه عمر سنة إحدى عشرة من أناس من الأشعريين حين بعثه أبو بكر رضي الله عنه للحج في تلك السنة2.

وروي أن عمر رضي الله عنه اشتراه من سوق ذي المجاز1، وأنه كان حبشياً بجاوياً2، ومات وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم3. 2- يرفأ مولى عمر، وكان حاجبه4.

3- مهجع مولى عمر أصله من عك1 أصابه رِق فمن عليه عمر، فأعتقه وكان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدراً وكان أول شهيد بها2. 4- هُنَيّ مولى عمر رضي الله عنه، وهو الذي استعمله عمر رضي الله عنه على الحمى وقال له: اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة ... الخ3. 5- مالك بن عياض وهو مالك الدار، أصله من جبلان من حمير،

وكان خازناً لعمر1. روي أن عمر رضي الله عنه ضربه بالدرة، لأنه اشترى من أهل اليمن أشياء كان قد نهى الناس عن شرائها2. 6- رافع مولى عمر بن الخطاب3. 7- ذكوان مولى عمر بن الخطاب4. 8- فرقد مولى عمر بن الخطاب5. 9- فروخ مولى عمر بن الخطاب6. 10- وسق الرومي أو أسبق الرومي، روي أنه قال: كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب، وكنت نصرانياً، فكان يقول لي: يا وسق أسلم، فإنك لو أسلمت وليتك بعض أعمال المسلمين، فإنه لا يصلح أن يلي أمرهم من

ليس على دينهم فأبيت عليه، فقال لي: لا إكراه في الدين، فلما حضر أعتقني1. 11- سارية مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه2. وكان عمر رضي الله عنه حسن العشرة لين الجانب مع مواليه، معيناً لهم على فك رقابهم بالمكاتبة، فقد كاتب رضي الله عنه مولى له يكنى بأبي أمية على أقساط يدفعها على فترات متفاوتة، فجاء العبد بجزء من المال حين حل وقته إلى عمر رضي الله عنه، فأخذ عمر المال ودفعه إليه، وقال له: استعن به في مكاتبتك وهو يقرأ {وَءَاتُوهُمْ مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتاكم} 3.

ولما حضرته رضي الله عنه الوفاة أعتق جميع مملوكيه، وهذا من كمال إحسانه رضي الله عنه إلى هذه الفئة المستضعفة من المجتمع وعملاً بما حض عليه الدين من فك الرقاب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أول من دخل على عمر حين طعن فقال لي: يا بن عباس، إحفظ عني ثلاثاً، إني لم أستخلف على الناس خليفة ولم أقض في الكلالة قضاء، وكل مملوك لي عتيق1.

إماؤه: 1- لُهية1. 2- فكيهة2. 3- أمة لعمر كان لها اسم من أسماء العجم، فسماها عمر رضي الله عنه جميلة فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر تسمية عمر لها3. هؤلاء اللاتي وقفت عليهن ممن ذكرن في إماء عمر رضي الله عنه وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى لأمهات أولاده من أمائه بأربعة آلاف4.

ثانياً: حياته المعيشية. 1- منزله: كان منزل عمر رضي الله عنه بالمدينة بجوار منازل الأوس في منطقة العوالي، قال عمر رضي الله عنه: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة1، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك2. وقيل إن منزل عمر رضي الله عنه كان خطة وإقطاعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم3، وروي أن عمر رضي الله عنه سكن في مكة بدار الندوة في

سنة من سني خلافته1. 2- عمله بالتجارة. لقد عمل عمر رضي الله عنه بالتجارة في الجاهلية كما تقدم، وكان رضي الله عنه يشتغل بها بعد إسلامه وأخبر عن ذلك رضي الله عنه بنفسه فقد استأذن عليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ثلاثاً، فلم يأذن له عمر رضي الله عنه لانشغاله، فرجع أبو موسى، ثم فتح عمر رضي الله عنه الباب، فلم يجد أبا موسى، فانطلق، فدعاه وسأله عن سبب

رجوعه، وعدم انتظاره حتى يفتح له، فقال أبو موسى رضي الله عنه: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق أبو موسى إلى مجلس الأنصار، وسألهم فقالوا: لا يشهد على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فقال عمر رضي الله عنه: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألهاني الصفق بالأسواق، يعني الخروج في التجارة1. وعمل رضي الله عنه بالتجارة بعد توليه الخلافة: قالت عائشة رضي الله عنه: لما استخلف عمر أكل هو وأهله من المال، واحترف2 في مال نفسه3.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يبعث بتجارته إلى الشام وهو خليفة، وأنه جهز عيراً في تجارة له، وبعثها إلى الشام1. 3- طعامه وشرابه. كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه مكتفياً بالقليل والغليظ من الطعام الذي لا يصبر عليه الكثير من الناس. قال عتبة بن فرقد رضي الله عنه2 وهو يحكي غلظ طعام عمر: قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص3 عظام، ما ألوان أحسن وأجيد، فقال: ما هذه؟ قلت: طعام أتيتك به، لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام، فتصيب منه، فقواك، فكشفت عن سلة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة، فقلت: والذي

يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت مال قيس كلها ما وسع ذلك. قال: فلا حاجة لي فيه، ثم دعا بقصعة1 ثريد خبزاً خشناً ولحماً غليظاً، وهو يأكل معي أكلاً شهياً، فجعلت أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناماً فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها، فإذا هو غفل عني جعلتها بين الخوان2 والقصعة، ثم دعا بعس3 من نبيذ قد كاد يكون خلاً، فقال: اشرب، فأخذته وما أكاد أسيغه، ثم أخذه فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة، إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا أن يؤذينا4.

_ 1 القَصْعَة: الإناء الضخمة التي تشبع العشرة، ابن منظور/ لسان العرب 11/193. 2 الخِوَان: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/89. 3 العُسْ: القدح الكبير. المصدر السابق 3/236. 4 رواه هناد/ الزهد 2/364،365، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص252، ابن الجوزي/ المنتظم 4/253. صحح من طريق هناد. قال: حدّثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ثنا عتبة بن فرقد ...

جارية اسقينا، فجاءت بسويق سلت1، فقال: اعطه، فناولنيه فجعلت إذا أنا حركته ثارت له قشار2،وإن تركته تند، فلما رآني قد بشعت3 ضحك، فقال: مالك؟ أرنيه إن شئت فناولته، فشرب حتى وضع على جبهته هكذا، ثم قال: الحمدلله الذي أطعمنا، فأشبعنا وسقانا فأروانا، وجعلنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم4.

وقال حفص بن أبي العاص1 رضي الله عنه: كان عمر يغدينا بالخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد2، وكان يقول: مالكم لا تأكلون؟! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك، فقال: يابن أبي العاص، أما تراني عالماً أن أرجع إلى دقيق ينخل في خرقة، فيخرج كأنه كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى عناق3 سمينة، فيلقى عنها شعرها، فتخرج كأنها كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى صاع أو صاعين من زبيب، فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء فيصبح

كأنه دم الغزال ... والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم ولكني سمعت الله يذكر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا} 1. وروي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: مررت والناس يأكلون ثريداً ولحماً، فدعاني عمر إلى طعامه، فإذا هو يأكل خبزاً غليظاً وزيتاً، فقلت منعتني أن آكل مع الناس الثريد، ودعوتني إلى هذا؟! قال: إنما دعوتك لطعامي وذاك للمسلمين2.

وروي أن شريك بن نميلة الكوفي1 قال: ضفت عمر ليلة، فأطعمني كسوراً من رأس بعير بارد وأطعمنا زيتاً2. وروي عن السائب بن الأقرع3 أنه قال: دخلت على عمر رضي الله عنه، فإذا بين يديه جفنة4 فيها خبز غليظ، وكسوراً من بعير أعجف، فقال لي: كل، فأكلت قليلاً ثم لم أستطع أن آكل، فقال: كل فليس بدرمك5 العراق الذي تأكل أنت وأصحابك6.

وكان عمر رضي الله عنه ربما أكل اللحم الغريض1، ولكن ذلك لم يكن من عادته رضي الله عنه، قال الأحنف بن قيس2 رضي الله عنه: كنا نشهد طعام عمر فيوماً لحماً غريضاً، ويوماً قديداً، ويوماً زيتاً3. وكان عمر رضي الله عنه يأكل الدقيق الذي لم ينخل4 سواء كان من القمح أو الشعير، قال أسلم مولى عمر رحمه الله: ما نخلت لعمر طعاماً قط إلا وأنا له عاصٍ5.

وكان رضي الله عنه يكثر أكل التمر وكان يأكله بعد أن يزال عنه قشره، قال أسلم رحمه الله تعالى: كنت آتي عمر بالصاع1 من التمر، فيقول: حت عني قشره2. وربما أكله بحشفه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أكل عمر صاعاً من تمر بحشفه3.

ومن طعام عمر رضي الله عنه الذي كان يحبه الجراد، قال عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت عمر يتحلب فوه1، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما شأنك؟ قال: أشتهي جراداً مقلياً2. وسئل عن أكل الجراد فقال: وددت أن عندنا منه قفعة3 نأكل منه4. وقال رضي الله عنه في الضب: لو كان عندي لطعمته5.

وكان أحب الطعام إلى عمر الثفل1. وروي عن عمر أنه اشتهى الحوت يوماً، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ2 في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل3 راحلته، فسار ليلتين مدبراً، وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً4، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقاً تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله

لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك1. من آداب طعامه: ومن آداب طعامه رضي الله عنه أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام، روي ذلك عنه في عدة نصوص تدل بمجموعها على ذلك. فقد جاء أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام، صنع له دِهقان2 طعاماً، ولأصحابه، ثم جاء يدعوهم، فقال عمر للناس: من شاء منكم فليجبه، وقال له: ابعث إلي برغيفين ولون واحد من طعامك، ففعل، فأتاه الطعام وهو يمرن3 بعيراً له ببعر وقطران، فدلك يده بالتراب ثم نفضها

وأكل1. وروي عنه رضي الله عنه أنه كان إذا أتي بألوان من الطعام خلطها جميعاً وجعلها لوناً واحداً2. وروي أنه رضي الله عنه دخل على ابنته حفصة، فقدمت إليه

مرقاً بارداً وخبزاً وصبت على المرق زيتاً، فقال عمر: أأدمان في إناء واحد، لا أذوقه حتى ألقى الله1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أتي بلحم فيه سمن، فأبى أن يأكله، وقال كل واحد منهما أدم2. ومن آداب طعامه المروية عنه رضي الله عنه أنه كان لا يعيب طعاماً قط، فقال غلامه يرفأ أو أسلم: لأجعلنه حتى يعيبه، فجعل لبناً حامضاً ثم قربه إليه، فأخذ عمر منه، فقطب3، ثم قال: ما أطيب هذا من رزق الله عز وجل4.

وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يأكل وهو جالس على الأرض تواضعاً لله عز وجل1. وكان رضي الله عنه إذا أكل لعق أصابعه ومسح يديه مع بعضهما البعض ويقول هذه مناديل آل عمر. قال ابن عمر رضي الله عنه: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يؤتى بخبزه ولحمه ولبنه، وزيته، وبقله، وخله، فيأكل ثم يمص أصابعه، ويقول هكذا فيمسح يديه بيديه ويقول: هذه مناديل آل عمر2. وربما مسح عمر رضي الله عنه يديه بعد أكله بقدميه، قال

السائب بن يزيد1 رضي الله عنه: ربما تعشيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم ثم يمسح يده على قدمه، ثم يقول: هذا منديل عمر وآل عمر2. ولعل ذلك كان من عمر رضي الله عنه عند فقد الماء أو المناديل، وربما كان الطعام الذي يأكله ليس له زفر أو غمر كما نص على ذلك

أهل العلم1. أما شرابه رضي الله عنه: فمن الأشربة التي كان عمر رضي الله عنه يحبها النبيذ2 بل كان من أحب الشراب إليه3. مر عمر رضي الله عنه ومعه مولاه أسلم على عبد الله بن عياش المخزومي4 بطريق مكة فرأى أسلم عند عبد الله نبيذاً فقال له: إن هذا الشراب يحبه عمر رضي الله عنه، فحمل عبد الله بن عياش قدحاً عظيماً، فجاء به إلى عمر فوضعه في يده، فقربه عمر إلى فيه، ثم رفع رأسه فقال: من صنع هذا؟ فقال عبد الله: نحن صنعناه، فقال عمر: إن هذا لطيب،

فشرب منه ثم ناوله رجلاً عن يمينه1. وكان عمر يشرب النبيذ بعدما يتخلل2. وروي أن عمر رضي الله عنه قدمت إليه إداوة3 فيها نبيذ، فقبض وجهه عنها لأنها قد تخللت4 والأثر السابق هو الثابت. وجاء عنه أنه قال: لأن أشرب من قمقم5 أحرق ما أحرق،

أبقى ما أبقى أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر1. وروي أنه كان ينبذ له عشية فيشربه بالغداة2.

وأنه نبذ له يوماً فتأخر عليه فوجده قد اشتد فدعا بجفان1 فصبه ثم صب عليه الماء2. وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ بعدما يتردى غليه3.

ولم يثبت أن عمر رضي الله عنه شرب من إداوة نصراني بالشام نبيذاً بعد أن شمه فوجده منكر الريح وصب عليه الماء ثلاثاً1. وتبين مما تقدم أن عمر رضي الله عنه كان يشرب النبيذ وكان يحبه وكان النبيذ يصنع له ويترك حتى يتخلل ويصير حامضاً، ولم يشرب عمر رضي الله عنه النبيذ الذي تخمر كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وحاشاه رضي الله عنه من ذلك. وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إنا لنشرب من النبيذ نبيذاً يقطع لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا2. وكان عمر رضي الله عنه زاهداً في شرابه، فقد استسقى يوماً، فأتى بإناء من عسل فوضعه على كفه، وجعل يقول: أشربها، فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها، قالها ثلاثاً، ثم رفعه إلى رجل من القوم

فشربه1.

جاء في رواية أنّ قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه يشفقون عليه من شدته على نفسه في مطعمه ومشربه، فربما كلموه في ذلك ونصحوه بأن يرفق بنفسه ويأكل من الطعام ويشرب من الشراب ما يتقوى به. قال له يوماً ابنه عبد الله وابنته حفصة وعبد الله بن مطيع1 رضي الله عنهم: لو أكلت طعاماً أطيب كان أقوى لك على الحق، فقال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قال: قد علمت أنه ليس منكم إلا ناصح، ولكني تركت صاحبيَّ على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل2.

4- لباسه. كان عمر رضي الله عنه في لباسه مثلاً عالياً في الزهد والبعد عن الإسراف والمفاخرة مع حرصه على التنظف والتطيب في ملبسه، فقد كان رضي الله عنه يلبس القميص وربما انخرق فرقعه، قال أسلم مولاه: لما نزل عمر رضي الله عنه بالشام جاءه صاحب الارض، فأعطاه عمر قميصه ليغسله، ويرفوه1، وفي عاتقه خرق، فانطلق به فغسله ثم رقعه، وقطع

قميصاً جديداً، فأتاه به، وأعطاه الجديد، فرآه عمر ثم رده، قال: إيتيني بقميصي1. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع بين كتفيه ثلاث رقاع لبد2 بعضها فوق بعض3.

وقال رضي الله عنه: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميص له1. وروي عنه رضي الله عنه أنه لبس قميصاً طويل الكمين، فقطع ما زاد على أصابع يديه2. وروي أنه أبطأ يوم الجمعة، فخرج وعليه قميص ثمنه أربعة دراهم لا يجاوز كمه رسغه3.

ولبس رضي الله عنه الإزار1 وربما انخرق فرقعه. قال عبيد بن عمير رضي الله عنه2: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمار عليه إزار مرقع عند مقعدته3. وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه4:رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأديم أحمر5.

وروي أنه لبس إزاراً فيه ثلاثة عشر رقعة1،وقيل إن إزاره كان فيه أربعة عشر رقعة2، وقيل كان فيه إحدى وعشرين رقعة3.

وكان عمر رضي الله عنه يلبس الثوب، ولعل ذلك كان في الجمع والأعياد غالباً، قال زر بن حبيش رحمه الله1:خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في أضحى في ثوب قطن متلبباً2 به يمشي3. وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره4.

ولبس عمر رضي الله عنه ثوب القطن كما تقدم في الأثر السابق ولم يلبس رضي الله عنه ثياب الخز1 تورعاً منه وزهداً، قال عامر بن عبيدة الباهلي2: سألت أنساً3 عن الخز، فقال: وددت أن الله لم يخلقه وما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد لبسه ما خلا عمر وابن عمر4.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يلبس العمامة ويرخي طرفها خلفه1. وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يلبس النعل، وكان لنعله قبالان2. وكلم بعض أصحاب عمر عمر أن يلبس ثياباً لينة رقيقة تتناسب مع منزلته وكونه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولكنه أبى ذلك، ولامهم على كلامهم ذلك.

فقد قدم الربيع بن زياد الحارثي1 على عمر رضي الله عنه، فأعجبت عمر هيئة الربيع وشكا عمر رضي الله عنه طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت، فرفع عمر جريدة معه، فضرب بها رأسه وقال: أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت إلا مقاربتي إن كنت لأحسب أن فيك2. وروي أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لعمر رضي الله عنهما: لو لبست ألين من ثوبك هذا، وأكلت أطيب من طعامك هذا، قد فتح الله عليك، وأوسع عليك الرزق، قال: أخاصمك إلى نفسك، أما تعلمين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش، وجعل يذكرها شيئاً مما كا يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان

لي صاحبان سلكا طريقاً، فإني إن سلكت غير طريقهما، سُلك بي غير طريقهما، فإني والله لأشاركهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرضي1. 5- تجمله وتنظفه لقد كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه وشرابه ولباسه ولكنه رضي الله عنه كان يتنظف ويتطهر ويتجمل بالذي أباح الله عز وجل، فكان رضي الله عنه يغتسل ويستحم ويسخن له الماء للاستحمام في قمقم2 له3. وروي أنه رضي الله عنه كان يكره الحمام4 ولعل ذلك لما قد

يحصل فيه من التكشف وزيادة التنعم والإسراف في ذلك1. ومن تجمله رضي الله عنه أنه كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء2، وربما خضب بالحناء والكتم3. وجاء في رواية أنه رضي الله عنه كان لا يغير شيبه4، ولعل

ذلك كان في أولاً ثم خضب رضي الله عنه. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه خضب بالزعفران1، ولم

يثبت ذلك عنه، ومن تجمله رضي الله عنه تختمه، فقد لبس خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من فضة نقشه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان له خاتم نقشه كفى بالموت واعظاً2، وأنه كان يتختم في يساره3. وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه لم يتختم حتى لقي الله عز وجل4.

ومن التجمل الذي روي أن عمر رضي الله عنه كان يتجمل به أنه كان يزيل شعر جسده ويحلقه، ولا يتنور1 زهداً منه وتركاً للتنعم2.

6- نومه رضي الله عنه. جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا صلى العشاء أمر أهله، فوضعوا إناء فيه ماء، ثم ينام، فإذا استيقظ من الليل وضع يده في الإناء، ومسح به وجهه1. وكان رضي الله عنه يقيل قائله الظهر، فكان يصلي الظهر ثم ينام حتى العصر2.

7- مراكبه. كان عمر رضي الله عنه يركب البعير وهي الدابة التي كانت تركب في ذلك العهد، فقد قدم رضي الله عنه الشام على بعير، فعرضت له مخاضة1، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه2، فأمسكها بيده، فخاض في الماء ومع بعيره3. وكان قدومه الشام في سنة ست عشرة من الهجرة عند ما قدم لعقد صلح بيت المقدس، فقدم من المدينة إلى الجابية4، وكتب إلى أمراء

الأجناد أن يوافوه بها، وكتب صلح بيت المقدس وهو بالجابية ثم سار إلى بيت المقدس1. وكان لون بعيره أورق2كما جاء ذلك في رواية3، وروي أنه كان أحمر اللون4. وكان رضي الله عنه يعتني بدابته، وينظفها، قال ربيعة بن عبد الله ابن الهدير5:

رأيت عمر بن الخطاب يقرد1 بعيراً له في طين بالسقيا2وهو محرم3. وروي أنه رضي الله عنه ركب الحمار4. ولما قدم رضي الله عنه الشام قدم إليه

برذوناً1 ليركبه، فركبه رضي الله عنه فهزه وتمايل به، فنزل رضي الله عنه وقال: قبح الله من علمك ما أرى2. 8- سلاحه رضي الله عنه كان لعمر رضي الله عنه سيف محلى، وكان ابنه عبد الله رضي الله عنه يحمله بعد مقتل أبيه3. وروي أن النجاشي4 أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حربات، فوهب منها

حربة1 لعمر رضي الله عنه، ثم صارت لأهله2.

_ 1 الحَربة: رُمحٌ صغير. ابن القيم/ الفروسية ص152. 2 رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/137، وفي إسناده عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز، وهو متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه. تق 358. فالأثر ضعيف جداً.

المبحث الثاني: صفاته الخلقية

المبحث الثاني: صفاته الخلقية المطلب الثاني: صفاته الخلقية الدالة على عزمه، وقوة إرادتة وكمال شخصيته ... المطلب الثاني: صفات عمر الخُلقية الدالة على عزمه وقوة إرادته وكمال شخصيته. وفيه خمسة مسائل: المسألة الأولى: زهده. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على عزمه وقوة إرادته إضافة إلى قوة دينه وإيمانه الزهد في الدنيا وزينتها، والرغبة فيما عند الله، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك عند الكلام على طعام عمر رضي الله عنه وشرابه ولباسه. ومن الآثار الدالة على زهده في الدنيا ما ذكره رضي الله عنه عن نفسه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله1، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك"2.

ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على اتصاف عمر رضي الله عنه بهذه الصفة ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان ذات يوم في إبل الصدقة، يمرن أخفافها1، فجاع، فاشتد عليه الجوع والحر، فدخل منزله، فقال: هل عندكم من شيء فآكله؟ قالوا: نعم، قباع2 من تمر، فأتوه به، فأكل منه، ثم شرب ماء، ومسح بطنه وقال: ويل لمن أدخله بطنه النار، إنما يكفي الرجل ما يسد جوعته3. وروي أن عبد الله بن عامر بن ربيعة4 قال: كنت أفطر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه في شهر رمضان، فكان يأتينا بطعام

هو ألين من طعام عمر رضي الله عنه قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيد1، وصغار الضأن كل ليلة، وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولاً، ولا أكل من الغنم إلا مسانها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمراً، ومن يطيق ما كان يطيق عمر2. ومن ذلك ما روي في قصة قدوم عمر رضي الله عنه الجابية3 على جمل أورق4 تلوح صلعته لا حقبة5 ولا خشبة تصطفق رجلاه، ليس له ركاب6، وطاؤه فروة كبش ذات صوف، وهي فراشه إذا نزل،

وحقيبة نمرة1 أو شملة2 محشوة ليفاً هي وسادته إذا نزل، وحقيبته إذا ركب3. وروي أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام لقيه العجم من أهل الشام، فقالوا: أين أمير المؤمنين، فقالوا: قدامكم حتى جاوزوه، فسألوا: فقيل هذا أمير المؤمنين، فرجعوا فنظروا إليه في رجل أو اثنين، أو ما شاء الله، فقالوا: هذه والله الرهبانية لا رهبانيتكم4.

ومن ذلك ما روي من أن عمرو بن العاص كتب لعمر رضي الله عنهما: إنا قد اختططنا لك داراً عند المسجد الجامع، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أنّى لرجل بالحجاز تكون له دارٌ بمصر؟! وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين1. ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في زهد عمر رضي الله عنه ما روي من قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه: والله ما كان بأقدمنا إسلاماً، ولكن قد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا2.

وروي أن ابن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فأخذه بيده، وأقامه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: عن هؤلاء تسأل1. وروي عن عمرو بن العاص أنه قال وهو يذكر خلافة عمر رضي الله عنه: ثم ولي عمر فبعجت له الدنيا عن بطنها، وألقت إليه ... كبدها، ففرص منها فرصاً وجانب غمرتها، ومشى في ضحضاحها، فخرج والله منها، وما بلت عقبه2.

ومما روي في زهده رضي الله عنه أنه رضي الله عنه حج فما ضرب فسطاطاً1 يستظل به حتى رجع2. وروي أنه رضي الله عنه أنفق في حجه ستة عشر ديناراً3 فاستكثرها4.

وقد رويت عنه رضي الله عنه أقوال في الزهد منها: ما روي من قوله رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فجعلت إذا أردت الدنيا أضررت بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضررت بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية1. وروي أنه قال: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جنبي لله في التراب أو أجالس قوماً يلتقطون طيب الكلام كما يلتقطون طيب التمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله2.

وروي أن عمر رضي الله عنه خطب أم أبان بنت عتبة1، فردته، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه2. المسألة الثانية: صبره. ومن صفات عمر رضي الله عنه الصبر، والصبر من الصفات الحميدة التي حض الله تبارك وتعالى عليها في مواضع كثيرة من كتابه ورتب عليها الأجر والثواب العظيم، واتصاف عمر رضي الله عنه بالصبر أمر ثابت وله شواهد أكثر من أن تحصر حيث إن اتصاف عمر رضي الله عنه بالصفات السابقة الذكر كشدة الخشية لله والمراقبة له والورع، والزهد دليل على شدة صبره وعزمه لأن تلك الصفات تستلزم الصبر. وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر3.

المسألة الثالثة: هيبته. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته الهيبة، فقد كان رضي الله عنه ذا هيبة عظيمة، يهابه من حوله من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن بقية رعيته. قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له1. وقال عمرو بن ميمون2 رحمه الله تعالى: شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف المتقدم إلا هيبته وكان رجلاً مهيباً، فكنت في الصف الذي يليه3.

المسألة الرابعة: كراهيته المدح والثناء. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته وكمالها كراهيته المدح والثناء. دخلت عليه ابنته حفصة رضي الله عنهما لما طعن، فجعلت تثني عليه وتقول: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا أمير المؤمنين وجعلت تثني عليه، فقال عمر رضي الله عنه لابنه عبد الله: أجلسني، فلا صبر لي على ما أسمع، فأسنده إلى صدره، فقال عمر لحفصة رضي الله عنهم: إني أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينيك فلن أملكها1.

وروي أن رجلاً أثنى على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: تهلكني وتهلك نفسك1. وروي أن رجلاً قال لعمر رضي الله عنه: لو قدرت جعلت خدي نعلاً لك، فقال عمر: إذاً يهنك الله2. المسألة الخامسة: كرمه. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال شخصيته سماحته وكرمه.

فقد كان رضي الله عنه سخياً كثير الإنفاق في سبيل الله، وفي وجوه الخير وإكرام رعيته ومواساتهم. وقد تقدم ذكر شيء من حبه للإنفاق في سبيل الله، حيث كان يتسابق مع الصديق رضي الله عنه في الصدقة، وتصدق بأغلى وأحب مال عنده، وهو أرضه بخيبر1. ومن كرمه لأضيافه ومواساته لرعيته ما تقدم ذكره في خبر قدوم عتبة بن فرقد على عمر رضي الله عنه وفيه قال عمر رضي الله عنه: إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين2. وفي قصة قدوم رسول سلمة بن قيس الأشجعي بغنائم بعض فتوح فارس ذكر أنه قدم على عمر رضي الله عنه وهو يطعم الناس، وهو متكئ على عصا ويعاونه مولاه يرفأ، وعمر يقول: ضع هنا يا يرفأ، ضعها هنا3.

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد ولا أجود من عمر رضي الله عنه1. المسألة السادسة: شجاعته. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته، شجاعته فقد اتصف عمر رضي الله عنه بصفات خلقية فيها كل معاني القوة والقارئ لسيرته رضي الله عنه وحياته في الجاهلية والإسلام، ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تخلفه عنه في سلم أو حرب وجرأته على أعداء الله وانتقامه منهم، وما فتح الله على يديه من فتوحات في خلافته ما كانت تحقق لولا عون الله عز وجل وما منحه الله عز وجل لهذا الخليفة الراشد من صفات القوة والحزم والجلادة والصبر والشجاعة والإقدام.

_ 1 رواه البخاري / الصحيح 2/295، ابن أبي شيبة / المصنف 6/356.

المطلب الثالث: صفاته الخلقية الدالة على سماحته ولين جانبه

المطلب الثالث: صفاته الخلقية الدالة على سماحته ولين جانبه ... المطلب الثالث: صفاته الخُلقية الدالة على سهولته ولين جانبه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تواضعه. ومن صفات عمر رضي الله عنه والتي فيها معنى السهولة واللطف ولين الجانب، تواضعه لربه عز وجل وعدم تكبره على رعيته بالرغم مما كان يمتلكه من صفات القوة والهيبة، وما كان تحت ملكه وتصرفه من البلاد التي شملت الجزيرة العربية، وبلاد فارس من أقصاها إلى أدناها، وبلاد الشام ومصر فلم يزده الملك إلا تواضعاً لربه تبارك وتعالى وخوفاً وخشية منه. قدم الهرمزان المدينة وكان من ملوك فارس، فرأى عمر رضي الله عنه مضطجعاً على الأرض في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمير المؤمنين، وليس حوله خدم ولا حرس ولا حاجب قد أمن رعيته وأمنته، فرأى منظراً عجيباً ملأ قلبه هيبة وإجلالاً، فقال: هذا والله الملك الهني1، أي ليس

ملوك فارس الذين امتلأت قصورهم بالحرس والخدم وامتلأت قلوبهم خوفاً وقلقاً تخافهم رعيتهم ويخافونهم. ولما قدم عمر رضي الله عنه بلاد الشام عرضت له في طريقه وهو راكب على بعيره مخاضة فنزل رضي الله عنه عن بعيره، ونزع موقيه فأمسكهما بيده، فخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: قد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك في صدره وقال: آوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأصغر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله1. واستقبله رضي الله عنه الناس بالشام، وهو على بعيره فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذوناً2 حتى يلقاك عظماء الناس ووجوهم،

فقال عمر: لا أراكم ها هنا إنما الأمر من ها هنا، وأشار بيده إلى السماء، ثم قال: خلوا سبيل جملي1. ومن صور تواضعه ما رواه ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر رضي الله عنه يقرد بعيراً له وينظفه بالطين وهو محرم2. وقال مالك بن ابي عامر الأصبحي3 رحمه الله: رأيت عمر وعثمان إذا قدما من مكة ينزلان بالمعرص4، فإذا ركبوا، ليدخلوا

المدينة، لم يبق منهم أحدٌ إلا أردف وراءه غلاماً فدخلا على ذلك، فقال له ابنه نافع: هل كانا يفعلان ذلك إرادة التواضع؟ فقال: نعم1، ثم ذكر ما أحدث الناس من أن يمشوا غلمانهم خلفهم وهم ركبان، ويعيب ذلك عليهم. وقد رويت أخبار في تواضع عمر رضي الله عنه وفيها ضعف من ذلك: ما روي في قصة مجيء عمر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه ليستشيره في ميراث الجد، وفيها أن عمر رضي الله عنه استأذن على زيد ورأسه في يد جارية له ترجله، فلما رأى عمر نزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي2.

وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يوم الجمعة، فقطر عليه ميزاب العباس، وكان على طريق عمر إلى المسجد، فقلعه عمر رضي الله عنه، فقال له العباس رضي الله عنه: قلعت ميزابي، والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال عمر: لا جرم1 أن يكون لك سُلم غيري، ولا يضعه إلا أنت بيدك، فحمل عمر العباس على عنقه، فوضع رجليه على منكبي عمر، ثم أعاد الميزاب حيث كان فوضعه موضعه2.

ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر بعد أن جمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني ومالي من آكال1 يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم، فكنت أستعذب لهن الماء، فيقبضن لي القبضات من الزبيب، ثم نزل عن المنبر، فقيل له: ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني وجدت من نفسي شيئاً، فأدرت أن أطأطئ منها2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال لسلمان الفارسي رضي الله عنه: يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئاً إلا وضعه الله عنا بالإسلام

إلا أنا لا ننكح إليكم، ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجك ابنة الخطاب، أفر والله من الكبر1. وروي أنه رضي الله عنه كان يشتري اللحم لأهله ويعلقه في يده اليسرى ويحمل درته بيده اليمنى ويدور في الأسواق2. وروي أن الزبير بن العوام خرج بغلس يريد أرضاً له، فلما كان ببعض الطريق إذا هو بعمر رضي الله عنه على عنقه قربة من ماء، فعرفه الزبير، فقال له: والله ما أعلم هذا يسعك، لقد أغناك الله عن هذا وأقناك بما خولك وأعطاك، فما يحملك على هذا؟ قال عمر: لما رأيت هؤلاء الوفد سامعين لأمري، مطيعين لي، وما كنا نرى أنه لا تنجح لنا بطاعة،

ولا تطيع لنا أمراً1، دخلتني لذلك نخوة، فأردت أن أكسرها، قال الزبير: فمال بالقربة إلى حجرة أرملة من الأنصار، فأفرغها في جرارها2. وروي أن عمر رضي الله عنه خرج في يوم حار، واضعاً رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا، اركب وأركب خلفك تريد أن تحملني على المكان الوطئ، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك، فدخل المدينة وهو خليفة والناس ينظرون إليه3.

وروي كذلك أنه رضي الله عنه فقد عمار بن ياسر رضي الله عنه، فجاءه في منزله، وهو يبني داره، فوجده ينقل طيناً ولبناً، فنقل عمر رضي الله عنه معه بنفسه طيناً ولبناً1. ومما لا شك فيه أن تواضع عمر رضي الله عنه لم يكن تواضعاً فيه الضعف والخور والتماوت بل كان رضي الله عنه مع تواضعه قوياً شديداً ذا وقار وهيبة، وسيرته رضي الله عنه دالة على ذلك، وروي أن الشفاء بنت عبد الله2 رأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هؤلاء؟ قالوا: نساك، فقالت: كان والله عمر بن الخطاب إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله الناسك حقاً3.

وروي أن عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله كانا لا يعرف فيهما البر حتى يقولا أو يفعلا، فسئل الزهري عن المراد بذلك؟ فقال: لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين1. المسألة الثانية: مرحه: ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على سماحته ولين جانبه، مرحه ومداعبة أصحابه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفساً ونحن محرمون2.

فكان رضي الله عنه يتنافس مع ابن عباس رضي الله عنهما بإدخال رأسيهما في الماء أيهما أطول نفساً يستطيع البقاء في الماء. وقال أبو رافع الصائغ1: كان عمر يمازحني يقول: أكذب الناس الصائغ يقول اليوم غداً2. وروي عن أبي مسعود الأنصاري3 أنه قال: كنا جلوساً في نادينا، فأقبل رجل على فرس يركضه يجري حتى كاد يوطئنا، فارتعنا لذلك وقمنا، قال: فإذا عمر بن الخطاب، فقلنا: فمن بعدك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما أنكرتم؟ وجدت نشاطاً، فأخذت فرساً فركضته4.

وروي عن خوات بن جبير رضي الله عنه1 أنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا ياخوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار2، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده، يعني من شعره، قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا3. وروي أن سعيد بن المسلم4 كان يقص شارب عمر رضي الله عنه فبخ في وجهه يعني قال: بَخْ، ففزع سعيد فضرط، فقال: يا أمير المؤمنين أفزعتني، فقال عمر رضي الله عنه: ما أردت ذلك، سنعقل لك، فأعطاه أربعين درهماً5.

_ داود بن علبة الحارثي ضعيف. تق 203، وهو معضل من رواية إسماعيل ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، ثقة من السادسة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.

المطلب الأول: صفاته الخلقية الدالة على قوة إيمانه

المطلب الأول: صفاته الخلقية الدالة على قوة إيمانه ... المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه وفيه خمسة مسائل. المسألة الأولى: شدته في الدين وغيرته على محارم الله. من صفات عمر رضي الله عنه التي اشتهر بها الشدة في الدين، والصرامة في الحق، وشدة الغيرة على محارم الله عز وجل، ومواقفه الدالة على ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وفي خلافته كثيرة، وسيأتي إن شاء الله ذكر الكثير منها وأشير هنا إلى بعض تلك المواقف. فمن ذلك أن عمر رضي الله عنه أتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والحبشة يلعبون فيه بحرابهم1، فأهوى رضي الله عنه إلى الحصى، فحصبهم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "دعهم يا عمر"، وكانت عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم والنبي صلى الله عليه وسلم يسترها2.

وكان صلى الله عليه وسلم في جنازة ومعه عمر رضي الله عنه، فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعها يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب"1.

وقال الأسود1 بن سريع رضي الله عنه: كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب، أصلع، فقيل لي: اسكت، فقلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقيل: إنه عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي، فيسحبني إلى البقيع2. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مثل عمر مثل نوح عليه السلام، كان أشد في الله من الحجر"3.

ومن النصوص التي فيها دلالة على شدة غيرة عمر رضي الله عنه على محارم الله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله1؟! وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عمر غيور وأنا أغير منه، والله أغير منا"2.

وروي عن عمر رضي الله عنه قوله: لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر1. المسألة الثانية: قبول عمر رضي الله عنه للحق وسرعة رجوعه إليه. ومن صفاته رضي الله عنه الخُلقية والدالة على كمال دينه وإيمانه رجوعه للحق إذا تبين له، وإذا ذكر بالله عز وجل على الرغم من شدته رضي الله عنه وصلابته حيث إن تلك الشدة لم تكن إصراراً على الخطأ وتعصباً للرأي، وإنما كانت شدة وصلابة في التمسك بالحق والدفاع عنه. ومن أمثلة ذلك موقفه رضي الله عنه من عيينة بن حصن الفزاري2حينما قدم عليه ونزل على ابن أخيه الحر بن قيس3، وكان الحر من النفر

الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه الحر: يابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه، فأذن له عمر، فلما دخل عيينة على عمر قال: هي يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 1. وإن هذا من الجاهلين، قال ابن عباس رضي الله عنه: فوالله ما جاوزهما عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله2. وفي الأثر السابق دلالة أيضاً على تحلي عمر رضي الله بصفة الحلم. ومن المواقف الدالة على قبول عمر رضي الله عنه الحق ورجوعه إليه، موقفه مع جرير3 بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، فقد كان عمر رضي الله عنه ومعه نفر من أصحابه فيهم جرير بن عبد الله رضي الله عنهم في بيت، فوجد عمر رضي الله عنه ريحاً، فقال: عزمت على صاحب هذه

الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أويتوضأ القوم جميعاً، فقال عمر: رحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام1. وروي أن عمر ذكر بني تميم2 فذمهم، فقام الأحنف3 فقال: يا أمير المؤمنين إئذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: إنك ذكرت بني تميم

فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فمنهم الصالح والطالح، فقال عمر: صدقت، فعفا بقول حسن1. المسألة الثالثة: حبه للذكر وسماع الموعظة. ومن صفاته رضي الله عنه الدالة على كمال دينه، حبه لذكر الله عز وجل وسماعه لموعظة الواعظين، فإن ذلك يرقق القلب، ويزيد اليقين، فكان رضي الله عنه يجمع أصحابه ويقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: شوقنا إلى ربنا، فيقرأ أبو موسى رضي الله عنه من القرآن ما شاء الله2.

وكان رضي الله عنه يقول لكعب الأحبار1:خوفنا يا كعب، فيقول كعب: يا أمير المؤمنين، أليس فيكم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكمة؟! فيقول عمر: بلى، ولكن خوفنا، فيجعل كعب يذكر عمر أهوال القيامة، وعذاب النار، ويصغي له عمر رضي الله عنه، وهو مطرقٌ رأسه متأملٌ ما يقوله كعب، ثم يقول: زدنا2.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ بيد الرجل أو الرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزداد إيماناً1. المسألة الرابعة: خشيته لله عز وجل. كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية لله دائم الخوف والوجل من لقائه شديد المحاسبة لنفسه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خرجت مع عمر بن الخطاب حتى دخل حائطاً2،فسمعته يقول وبيني وبينه الجدار، وهو في جوف الحائط: أعمر أمير المؤمنين بخٍ بخٍ3،والله يا بُنَيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك4.

وقال عبد الله بن عمر لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري1 رضي الله عنهم: هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: لا، قال: فإن أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجرتنا معه وجهادنا معه، وعملنا كله معه بَرَد2 لنا، وان كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً3 رأساً برأس؟ قال: لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلينا وصمنا، وعملنا خيراً كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجوا ذلك، قال عبد الله: فقال أبي: لكني أنا والذي نفسي بيده، لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافاً رأساً برأس.

قال أبو بردة: قلت: إن أباك والله خير من أبي1. ولما حضرت الوفاة عمر رضي الله عنه أثنى عليه الناس في إمارته وخلافته، فقال: بالإمارة تغبطوني؟! فوالله لوددت أني أنجو كفافاً لا علي ولا لي2. ودخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما لما طعن، فقال: يا أمير المؤمنين، أبشر بالجنة، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً، فقال عمر رضي الله عنه: أعد علي، فأعاد عليه، فقال عمر: والذي لا إله غيره، لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطَّلع3.

وقال رضي الله عنه لابنه عبد الله، وكان رأسه في حجره لما طعن: ضع خدي بالأرض، فقال عبد الله: فخذي والأرض سواء، فقال: ضع خدي على الأرض لا أم لك1 في الثانية والثالثة، ثم شبك بين رجليه، وقال: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي2.

وروي أن عمر رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض، وقال: يا ليتني هذه التبنة1. وروي أنه قال: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديداً، ثم أكلوني، فأخرجوني عذرة، ولم أك بشراً2. ومن خشية عمر رضي الله عنه حرصه الشديد على أداء فرائض الله عز وجل، والوقوف عند حدوده.

قال المسور1 بن مخرمة رضي الله عنه: دخلت أنا وابن عباس على عمر بعدما طعن، وقد أغمي عليه، فقلنا: لا يتنبه لشيء أفزع له من الصلاة، فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فانتبه، وقال: لا حظ في الإسلام لامرئ ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دماً2. وروي أن عمر رضي الله عنه تأخر يوماً عن صلاة المغرب حتى طلع نجمان، فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين3.

ومن خشية عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب ثم ذكر الله عنده هدأ عنه الغضب وذهب كما مر ذلك في قصة دخول عيينة بن حصن عليه1. وروي أن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: صاح عمر يوماً، وعلاني بالدرة، فقلت: أذكرك الله فطرحها2. وروي كذلك أن بلال بن رباح رضي الله عنه قال لأسلم: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقال: خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم، فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.

وروي أيضاً أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما رأيت عمر غضب قط، فَذُكِرَ الله عنده أو خُوّف، أو قرأ عنده إنسان آية من قرآن إلا وقف عما كان يريد1. ورويت آثار تشير إلى كثرة ذكر عمر رضي الله عنه للموت، فروي عنه أنه قال: ما ترك الموت لذي لب قرة عين2. ورُوي أنه كان يتمثل بهذا البيت: لا يغرنك عشاء ساكن فقد توافى بالمنيات السحر3

المسألة الخامسة: رقة قلبه وخشوعه. وكان عمر رضي الله عنه خاشع القلب، رقيقه، كثير الدمع، سريع البكاء من خشية الله. قال عبد الله بن شداد بن الهاد1 رضي الله عنه: سمعت نشيج2 عمر وأنا في آخر الصفوف، وهو يقرأ سورة يوسف حين بلغ {قَالَ إنما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 3.

ومن الآثار المروية في ذلك والدالة على اتصاف عمر رضي الله عنه برقة القلب والخشوع، ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحداً إلا أخرجه، إلا رجلاً قائماً يصلي، فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي بن كعب، فقال عمر: من هؤلاء؟ قال أبي: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلفكم بعد الصلاة؟! قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: فجلس معهم، ثم قال لأدناهم إليه: خذ، قال: فدعا فاستقرأهم رجلاً رجلاً يدعون، حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه، فقال: هات، فحصرت1 وأخذني من الرعدة أفكل2، حتى جعل يجد حس ذلك مني، فقال: ولو أن تقول اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، قال: ثم أخذ عمر يدعو، فما كان في القوم أكثر دمعة، ولا أشد بكاء منه، ثم قال: إيهاً، الآن فتفرقوا3.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية فتخنقه العبرة1، فيبكي حتى يسقط ثم يلزم بيته، حتى يعاد، يحسبونه مريضاً2. وروي أن عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من البكاء3. وروي أنه رضي الله عنه خرج ليلة يعس بالمدينة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائماً يصلي، فوقف فسمع قراءته يقرأ {وَالطُّورِ} حتى بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} 4، فقال: قَسَمٌ وربُ

الكعبة حقٌ، ونزل عن حماره واستند إلى حائط، فلبث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فلبث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه1. وروي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب فوقف، فنودي الراهب، فقيل له: هذا أمير المؤمنين، قال: فاطلع، فإذا إنسان من الضر، والاجتهاد، وترك الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت، ولكن رحمته ذكرت قول الله: {عَامِلَة نَاصِبَة تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} 2، فرحمت نصبه واجتهاده وهو في النار3.

ومن ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر الأسود، فاستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: "يا عمر ههنا تسكب العبرات"1. المسألة السادسة: ورعه. ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال دينه وورعه وشدة تحرزه في دينه وتركه الشبهات استبراءاً لدينه وعرضه، ومن أخباره رضي الله عنه الدالة على ذلك: أنه رضي الله عنه كان له ناقة يحلبها ويشرب لبنها، فأتى له غلامه يوماً بلبن أنكره، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها، فشربها، فحلبت لك ناقة من مال الله، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك، تسقني ناراً2.

وروي أن عمر رضي الله عنه شرب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سَماه، فإذا نعم من نعم الصدقة، وهم يسقون، فجعلوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي هذا، فأدخل عمر رضي الله عنه إصبعه في فيه واستقاء1.

وروي أن عوف بن مالك الأشجعي1 رضي الله عنه قال: كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل2، فصحبت أبا بكر وعمر، فمررت بقوم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدورن على أن يعضوها3، وكنت امرأً لبقاً4 جازراً، فقلت: أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم؟ قالوا: نعم، فأخذت الشفرتين، فجزأتهما مكاني، وأخذت منها جزءاً، فحملته إلى أصحابي، فأطبخناه، فأكلناه، فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما خبره، فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيآن ما في بطنيهما من ذلك5.

وروي أن عمر وعثمان رضي الله عنهما دعيا إلى طعام فلما خرجا، قال عمر لعثمان: لقد شهدت طعاماً، وددت أني لم أشهده، فقال عثمان: وما ذاك؟ قال عمر: خشيت أن يكون جعل مباهاة1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام2.

وروي أن المسور بن مخرمة1 رضي الله عنهما قال: كنا نلزم عمر نتعلم منه الورع2. ففي هذه الآثار دلالة على تخلق عمر رضي الله عنه بهذه الصفة الجليلة ومما لا مراء فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هم أكثر هذه الأمة ورعاً وتقوى لله، وبالأخص صاحبي النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

_ 1 تقدمت ترجمته في ص: 324. 2 رواه ابن سعد / الطبقات 3/290، الطبقة الخامسة ص156، البلاذري / أنساب الأشراف ص226، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص245، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.

المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته

المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مكانته عندالله عز وجل: إن مكانة عمر رضي الله عنه ومنزلته عند ربه عز وجل منزلة عالية ورفيعة يدل على ذلك أمور هي: 1- نزول القرآن بموافقته: فقد نزلت آيات عديدة من القرآن الكريم موافقة لرأي عمر رضي الله عنه وما يميل إليه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر1.

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن في القرآن من كلام عمر لكثير1. ومن الآيات التي نزلت موافقة لرأي عمر رضي الله عنه ما أخبر به هو عن نفسه، قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبراهِيمَ مُصَلًّى} 2، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن3، فنزلت هذه الآية4.

وفي نزول آية الحجاب قالت عائشة رضي الله عنها: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع1 وهو صعيد أفيح2، فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أحجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب3. وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيساً4،

فمر عمر فدعاه، فأكل، فأصابت يده إصبعي، فقال: حس1، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب2. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت3. ومن القضايا التي نزل فيها القرآن موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه قضية أسارى بدر4. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما أسروا الأسارى، قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "ما ترون في هؤلاء الأسارى"؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟ فقال عمر: قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم، أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} 1.

ومنها تحريم الخمر: فقد كان عمر رضي الله عنه يرغب في تحريم الخمر ويأمل أن ينزل الوحي بتحريمها فقال رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثم كبير} 1 فدعى عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وأنتم سُكَارَى} 2، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية: {فَهَلْ أَنتُمْ مُنْتَهُونَ} 3، فقال عمر: إنتهينا4.

ومن موافقات القرآن لعمر رضي الله عنه موافقته له في عدم الصلاة على زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول1. فلما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: آذني أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا بين خيرتين قال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم"، فصلى عليه، فنزلت {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} 2.

وروي أن سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيمانكم وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ... } 1، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً له من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليدعوه، فانطلق إليه، فوجده نائماً فدفع الباب، وسلم فاستيقط عمر، وانكشف منه شيء، ورآه الغلام، وعرف عمر أنه رآه فقال: وددت أن الله عز وجل نهى أبناءنا، ونساءنا أن يدخلوا هذه الساعات، فنزلت هذه الآية2. وروي في سبب نزول قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } 3، أن رجلين احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقوا إلى عمر، فانطلقا، فلما أتينا عمر، قال الذي قضى عليه: يابن الخطاب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر، فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للذي قضى عليه: كذاك؟ فقال

عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عمر صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كنت أظن عمر يجرؤ على قتل مؤمن"، فأنزل الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ... } الآية1.

2- تبشير الله عز وجل لعمر بالجنة: ومن كريم مكانة عمر رضي الله عنه عند ربه عز وجل وعظم منزلته تبشيره بالجنة التي أعدها الله عز وجل لأوليائه جعلنا الله منهم. قال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟! 1. وخرج أبو موسى الأشعري رضي الله عنه من بيته وتوضأ وتبع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل معه بئر أريس2، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته وجلس أبو موسى رضي الله عنه عند باب البئر، وكان من الجريد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على البئر وتوسط قفها3، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر، فدفع الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقال:

على رسلك، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أبو بكر يستأذن، فقال: "إئذن له وبشره بالجنة"، فأقبل أبو موسى رضي الله عنه حتى قال لأبي بكر رضي الله عنه: أدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر، ... فإذا إنسان يحرك الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقال: على رسلك، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: "إئذن له وبشره بالجنة"، فجاء، فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أدخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ... الحديث1. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر سيدا كهول2 أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين"3.

وهو رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة1.

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأة رجل من الأنصار، فرشت لنا أصول نخل، وذبحت لنا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن رجل من أهل الجنة"، فدخل أبو بكر رضي

الله عنه، ثم قال: "ليدخلن رجل من أهل الجنة، فدخل عمر ... " الحديث1. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري، وإن أبا بكر وعمر لمنهما وأنعما"2.

ومن الأحاديث الضعيفة المروية في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بالجنة: ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد منكم جنازة؟ قال عمر: أنا، قال: من تصدق؟ قال عمر: أنا، قال: من أصبح منكم صائماً؟ قال

عمر: أنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وجبت"1. وروي أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهو معتمد على أبي بكر وعمر، فقال: "هكذا ندخل الجنة"2. وروي أن قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مَتَقَابِلِينَ} 3 نزلت في عشرة منهم أبو بكر وعمر4.

ومن الأحاديث الضعيفة المروية في رفعة مكانة عمر رضي الله عنه عند الله عز وجل ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة"1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يباهي بالناس يوم عرفة عامة ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة" 2.

وروي أن جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمر فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر،

ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر1." وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنه جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر2." وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً

فجعلهم خير أصحابي1. وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب2. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد سمعوا صوت مناد يهتف من نحو العرش: ألا لا يرفعن أحد كتابه قبل أبي بكر وعمر3."

_ 1 رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/162، وفي إسناده محمد بن عمرو ابن نافع أبو جعفر المعدل لم أجد له ترجمة، وفيه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط تق 308، وقال النسائي: ولقد حدث أبو صالح عن نافع بن يزيد عن زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي ... الحديث، ثم قال: حديث بطوله موضوع. المزي / تهذيب الكمال 15/104. 2 رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 5/430، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 63، ومداره على محمد بن عبد الله أبو لقمان النحاس، قال الخطيب: كان ضعيفاً يروي المنكرات عن الأثبات، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالحديث ضعيف. 3 رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/355، 356، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 138، وفي إسناديهما الفضل بن جبر الوراق، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، لسان الميزان 4/437، وفيهما داود بن الزبرقان، متروك تق 198، فالأثر ضعيف جداً.

عنها: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر ... 1. وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "هذان السمع والبصر"2.

وقال علي رضي الله عنه وقد دخل على عمر رضي الله عنه بعد أن كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر1. وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عمر"2.

وخطب عمر رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه امرأة فرد أهل المرأة عمر رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد ردوا خير هذه الأمة"1. وكان صلى الله عليه وسلم يوقر عمر رضي الله عنه ويجله، قالت عائشة رضي الله عنها: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة2 قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت،

فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: الضخي وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمر عمر فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن أن سيدخل فقال: "قوما، فاغسلا ما وجوهكما"، فقال عائشة رضي الله عنها: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة فيها إشارة لمحبته صلى الله عليه وسلم لعمر وتوقيره له، وعظم ثواب المحبين لعمر رضي الله عنه. فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المسجد، فلا يرفع إليه أحد بصره إلا أبو بكر وعمر ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما1.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: "الحمد لله الذي أيدني بكما"1. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب عمر فقد أحبني"2. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحب أبو بكر وعمر منافق ولا يبغضهما مؤمن"3.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"1. وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يؤتى بأقوام يوم القيامة، فيوقفون بين يدي الله تعالى، فيؤمر بهم إلى النار، فإذا همّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار، وهمّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة: ردوهم، فيردونهم فيقفون بين يدي الله تعالى طويلاً، فيقول: "عبادي، أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم، واستوجبتم بها، وقد روعتكم، وقد ذهبت ذنوبكم بحبكم أبا بكر وعمر"2.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متكأً على علي رضي الله عنه، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال له: يا علي، "أتحب هذين الشيخين"؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال: "أحبهما تدخل الجنة"1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت في السماء خيلاً موقوفة، مسرجة، ملجمة، لا تروث، ولا تبول، ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر، حوافرها من الزبرجد الأخضر، أبدانها من القيعان الأخضر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر

يزورون الله عليها يوم القيامة"1. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"2. وروي أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام، وأخبره أن رضاه عز وغضبه حكم"3.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء بعد النبيين على رجل خير منك يا عمر"1. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن لهذا الدين إقبالاً وإدباراً، ألا وإن من

إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها، حتى لا يبقى إلا الفاسق، والفاسقان ذليلان فيها، إن تكلما قهرا أو اضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، فلا يبقى إلا الفقيه والفقيهان فهما ذليلان، إن تكلما قهرا واضطهدا، ويلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا وعليهم حلت اللعنة حتى يشربوا الخمر علانية، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم فيرفع بذيلها كما يرفع بذنب النعجة، فقائل يقول يومئذ: ألا وار منها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم ... "1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا

ذلك له، يا أيها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر ... " الحديث1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "لا يتأمر عليكما أحد بعدي"2. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر حين استأذنه في العمرة: "أي أخيَّ أشركنا في دعائك ولا تنسا"3.

وروي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمد لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثل لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر"1.

ثانياً: موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لرأي عمر رضي الله عنه وقوله: وذلك في مواقف هي: 1- مشروعية الأذان: قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم، فنادي بالصلاة1.

2- عدم تبشير الناس بفضل لا إله إلا الله: قال أبو هريرة رضي الله: عنه كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً1 للأنصار، لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد له، فإذا ربيع2 يدخل في جوف الحائط من بئر خارجه، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبو هريرة؟ " قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما "شأنك؟ " قلت: كنت بين

أظهرنا، فقمت، فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي، فقال: "يا أبا هريرة"، وأعطاني نعليه، فقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة"، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدي، فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أبا هريرة؟ " قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثدي ضربة خررت لأستي، قال: ارجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر، ما حملك على ما فعلت؟ " فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بَشره بالجنة؟ قال: "نعم"، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فخلهم"1.

3- جمع أزواد الجيش والدعاء عليها يوم تبوك. قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما كانت غزوة تبوك1 أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا2، فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا"، فجاء عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم أدع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فدعا بنطع، فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال: خذوا أوعيتكم، فأخذوا أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد

غير شاك فيحجب عن الجنة1. 4- إعطاء أبي قتادة2 رضي الله عنه سلب قتيله يوم حنين3. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "من قتل كافراً فله سلبه" فقتل أبو طلحة"4 يومئذ عشرين رجلاً، فأخذ أسلابهم، وقال أبو قتادة: يا رسول الله: إني ضربت رجلاً على حبل العاتق وعليه درع، فأجهضت5 عنه، فانظر من أخذها، فقام رجل، فقال: أنا أخذتها، فارضه منها وأعطنيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، أو

سكت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر"1. 5- ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي بعدها فأخذ عمر بن الخطاب بردائه أو ثوبه، وقال: اجلس، فإنما هلك أهل الكتاب قبلكم لأنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن الخطاب"2.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف"، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهكذا بيده"، وجمع كفيه، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "وهكذا"، وجمع كفيه، فقال عمر: حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر: دعني يا عمر، ما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا، فقال عمر: إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر"1. وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن امرأة جاءت تبايعني فأدخلتها الدولج2، فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله؟ فقال: أجل، قال: فأت أبا بكر فاسأله. قال: فأتاه فسأله، فقال: لعلها مغيب في سيبل الله؟ قال: أجل. قال: فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "لعلها مغيب في سبيل

الله"؟ قال: أجل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قوله تعالى: {وأقم الصَّلوة طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} 1. فقال الرجل: ألي خاصة يا رسول الله أم للناس عامة؟ فضرب عمر صدره وقال: لا ولا نعمة عين بل للناس عامة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر"2. ومن الأحاديث المروية في علو منزلة عمر رضي الله عنه ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيري من أهل الأرض فأبو بكر وعمر"3.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كل نبي أعطي سبعة نجباء1، رفقاء أو قال: رقباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، قلنا: من هم؟ قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه (راوي الحديث) : أنا وابناي، وجعفر وحمزة، وأبو بكر، وعمر ... " الحديث2.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي خاصة، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر1. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر يحفر، فقال: "قبر من هذا"؟ قالوا قبر فلان الحبشي، قال: "سبحان الله سبق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها". قال الرواي: ما أعلم لأبي بكر وعمر فضيلة أفضل من أن يكونا خلقا من التربة التي خلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم2.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد وأبو بكر وعمر، وهو آخذ بأيديهما، فقال: "هكذا نبعث"1. وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبا بكر ثم عمر"2.

_ ص:161، 162، ومداره على عاصم بن عمر العمري، ضعيف. تق 286، ورواه ابن عساكر من طريق آخر وفيه القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري، متروك تق 450. فالأثر ضعيف.

المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الأحاديث الدالة على كمال دينه وقوة إيمانه وفرار الشيطان منه. ومن فضائل عمر رضي الله عنه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بصدق الإيمان وكمال الدين وفرار الشيطان منه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فإني أومن بهذا وأبو بكر وعمر وما هما ثم، وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري، فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم، فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم"1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجتره"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "الدين"1. وقال صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر"2. وأخبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببراءته من النفاق. فقال حذيفة رضي الله عنه: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إن فلاناً قد مات، فاشهد، ثم مضى

حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس، فعرف، فرجع إلي، فقال: يا حذيفة: أنشدك بالله، أمن القوم أنا؟ قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك، قال حذيفة: فرأيت عيني عمر جادتا1. وقالت أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصحابي من لا يراني، ولا أراه بعد أن أموت أبداً"، فأتاها عمر رضي الله عنه، فقال: أنشدك بالله أنا منهم؟ فقالت: لا، ولن أبرئ أحداً بعدك2. ومن فضائل عمر رضي الله عنه التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرار الشيطان منه، فقد استأذن رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة يكلمنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: أضحك الله

سنك يا رسول الله، فقال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب "، قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجّاً إلا وسلك فجّاً غير فجك"1. وكان الحبشة يلعبون بالحراب والنبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ينظران إليهم، فلما جاء عمر تفرقوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لما جاء عمر تفرقت الشياطين"2. وجاءت أمة سوداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من بعض مغازيه، فقال: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف،

فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي" فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان ليفر منك يا عمر"، أنا جالس ها هنا ودخل هؤلاء، فلما دخلت فَعَلت ما فَعَلت"1. ومن الأحاديث الضعيفة الواردة في كمال دين عمر رضي الله عنه ما روي من أن المراد بصالح المؤمنين في قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} 2 هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما3.

وروي كذلك أن الصادقين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 1 هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما2.

المسألة الثانية: الأحاديث الدالة على سعة علمه وأن الحق يؤيده. ومن فضائل عمر رضي الله عنه، شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بسعة علمه وصحته وصوابه، وأن قوله وعمله يوافق الحق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"1. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه"2.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا "، قال ذلك ثلاث مرات1. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطاب"2. وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"3.

وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر"1.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ستحدث بعدي أشياء، فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر"1. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقولها بالحق عمر ... "2.

وروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عمر يقول الحق، وإن كان مراً"1. وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "عمر بن الخطاب معي حيث أحب، وأنا معه حيث يحب، والحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان"2. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم"3.

_ 2/86، وفي إسناده عند أحمد عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: شيخ، الجرح والتعديل 6/17، وهي عبارة لا تفيد جرحاً ولا تعديلاً كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/385، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ورواه ابن الأثير والمقدسي من طريق أحمد به مثله، ورواه الحاكم من طريقين في أحدهما تدليس أبي إسحاق، وفي الآخر علي بن عبد الله الحكيمي ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 130/5، وفيه شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً، وفيه عثمان بن عمير ضعيف تق 386، وفي إسناده عند ابن عساكر عمرو بن عبد الغفار الفقيمي قال أبو حاتم: متروك الحديث واتهمه ابن عدي وابن المديني بالوضع. ميزان الاعتدال 3/272، فالأثر ضعيف.

المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعيين ومن بعدهم له بالفضل

المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعيين ومن بعدهم له بالفضل المطلب الأول: شهادة الصحابة رضي الله عنهم رضي الله عنه بالفضل. ... المطلب الأول: شهادة الصحابة رضي الله عنهم لعمر رضي الله عنه بالفضل. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون لعمر رضي الله عنه منزلته ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرفون له فضله وبلاءه في الإسلام، قال عبد الله بن حوالة1 رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجب رومة2، وهو يكتب الناس، فرفع رأسه إلي، فقال: يا عبد الله بن حوالة،

أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فجعل عليّ يرفع رأسه إلي فقال: أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فرأيت في الكتاب أبا بكر وعمر، فقلت: إنهما لا يكتبان إلا في خير، فقلت: نعم، فكتبني1. وقال أبو شريح الكعبي2 رضي الله عنه: أذن لنا رسول الله في قتال بني بكر3 حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

برفع السيف، فلقي رهط منا الغد رجلاً من هذيل1 في الحرم، يؤم2 رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم، وكان قد وترهم3 في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمن، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً، والله ما رأيته غضب غضباً أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر وعمر نستشفعهم وخشينا أن نكون قد هلكنا ... الحديث4.

وقد شهد كبار الصحابة رضوان الله عليهم وخيارهم بعظم منزلة عمر رضي الله عنه بينهم وبفضله عليهم بعد صاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ابن أبي قحافة الصديق رضي الله عنه: قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان1. وقال محمد بن الحنفية2 رحمه الله تعالى: قلت لأبي: أي الناس خير بعدرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين3.

وقال علي رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر1. وقال رضي الله عنه: سبق رسول الله، وصلى2 أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة ما شاء الله3.

وقال سويد بن غفلة الجعفي1 لعلي رضي الله عنه وقد دخل عليه في خلافته: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له أهل من الإسلام، لأنهم يرون أنك تضمر لهما على مثل ذلك، وأنهم لم يجترؤا على ذلك إلا وهم يرون أنك موافق ذلك، ثم ذكر حديث خطبة علي رضي الله وكلامه في أبي بكر وعمر، وقوله في آخره: ألا ولن يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري2.

وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلغه أن رجلاً نال من أبي بكر وعمر فأتي به، فجعل يُعّرض بذكرهما، وفطن الرجل، فأمسك، فقال له علي: أما لو أقررت بالذي بلغني عنك لألقيت أكثرك شعراً1. وروي أنه رضي الله عنه بلغه أن ابن السوداء (عبد الله بن سبأ2) يتنقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف وهم بقتله، فكُلم فيه، فقال: لا يساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن3.

وروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أزرى1 على المهاجرين والأنصار وأثنى عشر ألفاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم2. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كنا نعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر3.

وأما الآثار الدالة على ثناء الصحابة رضوان الله عليهم ومحبتهم لعمر رضي الله عنه فكثيرة: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دخل على عمر رضي الله عنه وقد كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر1. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض، كان أجد ولا أجود حتى انتهى من عمر رضي الله عنه2. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي3.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كان عمر إذا سلك بنا طريقاً وجدناه سهلاً1. وقال رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر2. وقال: كان عمر للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه، ولا يخرج منه، فلما قتل انثلم الحصن3.

وقالت أم أيمن بركة الحبشية1 حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها لما مات عمر: اليوم وهى الإسلام2. وقال أبو طلحة رضي الله عنه3 يوم مات عمر: ما أهل حاضر ولا باد إلا وقد دخل عليهم نقص4.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمارته كانت فتحاً، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئاً إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاة1، وايم الله لو أعلم كلباً يحب عمر لأحببته2. وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل3.

وقال رضي الله عنه: ما أبالي على كف من ضربت بعد عمر1. وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها2، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في ئاستخلف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر، فأقام واستقام، ثم استخلف عمر، رضي الله على عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه3.

وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر1. وبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أخيه لما مات، فقيل له: أتبكي؟ فقال أخي وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إلي إلا ما كان من عمر بن الخطاب2.

وقال عوف بن مالك الأشجعي1 رضي الله عنه: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا فكأني برجل قد فرعهم، فوقهم بثلاثة أذرع، قلت: من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قلت: لم؟ قالوا: إنه لا تلومه في الله لومة لائم، وإنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد، قال: فأتيت أبا بكر، فقصصتها عليه، فأرسل إلى عمر ليبشره، فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت إلى خليفة زبرني عمر وانتهرني، قال: تقول هذا وأبو بكر حي، فسكت، فلما ولي عمر كان بعد بالشام مررت به، وهو على المنبر، فدعاني فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت لا يخاف في الله لومة لائم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم، وأما خليفة مستخلف فقد والله استخلفني فأسأله أن يعينني على ما ولاني، فلما بلغت وشهيد مستشهد، قال: وإنى لي الشهادة وأنا في جزيرة العرب، وحولي يغزون، ثم قال: يأتي الله بها إن شاء الله2.

وقال سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى: قلت لأبي1: ما تقول في رجل سب أبا بكر رضي الله عنه؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر رضي الله عنه؟

قال: يقتل1.

_ 1 رواه محمد بن عاصم الأصبهاني / جزء ص 103 وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن حلف بن جوشب عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي ما تقول في رجل ... فالأثر صحيح.

المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.

المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل. لقد شهد التابعون ومن جاء بعدهم لعمر بالفضل كما شهد له بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا له قدره ومنزلته في الإسلام. قال سالم بن أبي حفصة1 رحمه الله: سألت أبا جعفر2 وجعفر3 عن أبي بكر وعمر، فقالا لي: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. قال: وقال لي جعفر: يا سالم أبو بكر جدي أيسب الرجل جده؟! قال: وقال لي: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة إن لم أكن أتولهما وأبرأ من عدوهما4.

وقال مسروق بن الأجدع1 رحمه الله: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة2. وقال محارب بن دثار3 رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر نفاق4. وقال مجاهد بن جبر المكي5 رحمه الله: كنا نتحدث أو نحدث أن الشياطين كانت مصفدة في زمن عمر رضي الله عنه6.

وقال أبو جعفر الباقر1 رحمه الله: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة2. وقال جعفر الصادق3 رحمه الله: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر4.

وقال: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير1. وقال عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي2 رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر من الكبائر3. وقال محمد بن يحيى بن فارس4 رحمه الله: سألت أحمد بن حنبل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان ولو قال قائل وعلي لم أعنفه، يعني في التفضيل5.

ومن الآثار المروية في شهادة التابعين ومن جاء بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل ما روي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يُعلمون السورة من القرآن1. وروي عن الحسن البصري2 رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر فريضة3.

وروي عن طاووس1 رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة2. وروي عن زيد بن علي3 رحمه الله أنه قال: البراءة من أبي بكر وعمر البراءة من علي4.

وروي أن كثير النواء1 سأل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر فقال: تولهما، قال: كيف تقول فيمن تبرأ منهما؟ قال: تبرأ منه حتى يتوب2. وروي أن الرافضة قالت لزيد بن علي: إبرأ من أبي بكر وعمر يضرب معك مائة ألف سيف، فقال: لا والله، ولكن أتولاهما، وأبرأ مما يبرأ منه3. وروي أن إبراهيم النخعي4 رحمه الله قال: من فضل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى5 على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ولا أدري هل يعطب أم لا6.

وروي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: من سب أبا بكر وعمر جلد1. وهناك من الآثار الضعيفة غير ما ذكرته ولم أوردها خشية الإطالة، وقد ذكرت من الآثار الصحيحة والثابتة ما فيه الكفاية والغنية.

_ 1 رواه ابن حزم / المحلى 2/440، وفي إسناده أحمد بن إسماعيل بن دليم الحضرمي، وأحمد بن الخلاص لم أجد لهما ترجمة، وفيه الحسن بن علي الهاشمي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف. ميزان الاعتدال 1/505، وفيه محمد بن سليمان الباغندي، قال الدارقطني: لا بأس به، وقال مرة: ضعيف. ميزان الاعتدال 3/571، وفيه شيخه هشام بن عمار الدمشقي كبر فصار يلقن، فحديثه القديم أصح، ولم يتبين لي هل رواية الباغندي عنه قبل اختلاطه أم بعده. فالأثر ضعيف.

الفصل الثالث:حياة عمر رضي الله عنة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه

الفصل الثالث:حياة عمر رضي الله عنة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه المبحث الأول: حياته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به وتوقيره له المطلب الأول: محبة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له. ... المطلب الأول: محبّة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له. لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في نفس عمر رضي الله عنه منزلة عالية لا تدانيها منزلة أحد من الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إليه قال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"1. وقال رضي الله عنه لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك2.

ومن مواقفه رضي الله عنه الدالة على محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، موقفه من إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه، ومعاتبته لابنته حفصة في ذلك، فقد دخل رضي الله عنه على حفصة رضي الله عنها، فقال لها: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: نعم، قال: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟! قالت: نعم. قال: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟! فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة رضي الله عنها1.

ومن تلك المواقف موقفه من أم سلمة رضي الله عنها حينما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقد قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيَّ خلالاً ثلاثاً، أنا امرأة مُصْبِية، وأنا امرأة شديدة الغيرة، وأنا امرأة ليس ها هنا من أوليائي أحد شاهد فيزوجني، فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته، فأتاها، فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه1. ومنها موقفه من وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد قام رضي الله عنه حينما أذيع خبر وفاته صلى الله عليه وسلم وهو يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم قبله، وخرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس، فأقبل الناس إلى أبي بكر وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت،

قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفإن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} 1. قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقِرت2 حتى ما تقلني رجلاي3، وأهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات4. فلعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر رضي الله عنه أصابه ما أصابه من السقوط إلى الأرض عندما علم بوفاته صلى الله عليه وسلم مع ما عرف عنه من القوة والجلادة وشدة البأس رضي الله عنه وأرضاه5. ومن محبة عمر رضي الله عنه للنبي محبته لما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: فوالله

لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب1. وكان عمر رضي الله عنه رؤوفاً رحيماً بالنبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على دفع الأذى والمشقة والعنت عنه صلى الله عليه وسلم. ومن الآثار الدالة على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: "سلوني عما شئتم"، فقال رجل: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة"، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: " أبوك سالم مولى شيبة"، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل2.

وأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم1. ولما حُضر النبي صلى الله عليه وسلم ودنا أجله قال: "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده"، وكان عنده رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب ربنا2.

ودخل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، قال: فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك"؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة"1. وجاء في قصة إسلام زيد بن سعنة2 رضي الله عنه أنه قال: ... خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه،

فلما صلى على الجنازة، ودنا من جدار ليجلس أتيته، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، وتبسم، ثم قال: "يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة ... " الحديث1.

وروي في قصة إسلام عمير بن وهب الجمحي1 أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد قتله بعد أن تكفل له صفوان بن أمية2 بقضاء دينه، ونفقة عياله، فجهز عمير سيفه وشحذ له سماً، فانطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف3، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا4 للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأدخله علي"، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث1. وكان عمر رضي الله عنه يهاب النبي صلى الله عليه وسلم ويجله ويوقره.

في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وكان في الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه ... الحديث1. وحينما قدم وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {يأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قوله تعالى: {عَظِيمٌ} 2.

فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه1. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ولا ميتاً أو كلمة نحوها2.

_ 1 رواه البخاري / الصحيح 4/260، الترمذي / السنن 5/63، البزار / المسند 6/146، 147، أبو يعلى / المسند 12/193،194 وغيرهم. 2 رواه ابن ماجه / السنن 1/497، وفي إسناده عبيد بن طفيل المقري مجهول تق 377، وعبد الرحمن بن أبي مليكة القرشي ضعيف، وأبو بكر بن أبي مليكة مقبول تق 623، فالأثر ضعيف. وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/260 لوروده من طرق عند أحمد في المسند3/139، والبغوي في شرح السنة 5/388، يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره، ولكن لفظه عند أحمد والبغوي ليس فيه ذكرٌ لكلام عمر رضي الله عنه المستشهد به.

المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. لقد كان لعمر رضي الله عنه دور هام، ومكانة متميزة في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم وسأعرض لذكرها هنا إن شاء الله. أولاً: كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم. قال رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما1. وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما لي ما شاورت غيركما"2.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أتخذ عمر مشيراً"1. ثانياً: كان عمر رضي الله عنه من جباة الزكاة وعمال الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وممن يأتمنه النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمول المسلمين. استعمل رضي الله عنه عبد الله بن السعدي2 على الصدقة، فلما فرغ من عمله أعطاه عطاءه، وعمالته، فقال: إنما عملت وأجري على الله، فقال عمر: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَمَّلني3،

فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق"1. ولم يبين عمر رضي الله عنه العمل الذي استعمله عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لجباية الصدقات2. ثالثاً: كتابته للوحي. فقد ذكر أهل السير أنه كان من كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم3. ومن المهام التي روي أن عمر رضي الله عنه قام بها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: - بعث النبي صلى الله عليه وسلم له مبلغاً عنه. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام عمر على الباب فسلم

عليهن، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن ... الحديث1. - قيامه بالفتوى والقضاء. فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان من أهل الفتوى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان من قضاة النبي صلى الله عليه وسلم2.

- مشاركته في بناء مسجد قباء ومسجده صلى الله عليه وسلم. روي أن عمر رضي الله عنه كان يأتي مسجد قباء يوم الاثنين والخميس فجاء يوماً فلم يجد فيه أحداً من الناس، فقال: مالي لا أرى في هذا المسجد أحداً من الناس، والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وأناساً من أصحابه ونحن ننقل حجارته على بطوننا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أسسه بيده وجبريل يؤم له الكعبة1.

- مشاركته رضي الله عنه في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم. لقد شارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه في جميع غزواته وكان له في تلك الغزوات مواقف خلدها القرآن الكريم والسنة المطهرة. فقد شارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى1 وهي الغزوة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، ومن مواقفه المشهورة فيها موقفه من أسارى بدر من المشركين، فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟ فقال عمر: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل1 فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر رضي الله عنهما، فلما كان من الغد جاء عمر رضي الله عنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذ الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا} 2.

وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد1 ومن مواقفه الفاضلة فيها بعد أن أصاب المسلمين ما أصابهم من القرح واثخنت فيهم الجراح وكثر شهداؤهم وهدأ القتال قام أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر رضي الله عنه نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسؤك2. وقاتل رضي الله عنه المشركين يوم الخندق3 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شغلوا عن صلاة العصر، فجعل رضي الله عنه يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فوالله إن صليتها"، فنزلنا بطحان4، فتوضأ

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوضأنا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب1. وفي غزوة بني المصطلق2 كان لعمر رضي الله عنه موقف حازم من زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، فقد حدث في هذه الغزوة أن رجلاً من المهاجرين كسع3 رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوا الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة"، فسمع بذلك

عبد الله بن أبي، فقال: فعلوها، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه"1. وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية2 وهو اليوم الذي عقد فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصلح بين المسلمين وبين كفار قريش. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، فبايعناه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري3 أختبأ تحت بطن بعيره4.

وموقفه رضي الله عنه من صلح الحديبية مشهور، فقد أعطت بنود هذا الصلح قريشاً حقوقاً وصلاحيات حرم منها المسلمون، فكان من تلك البنود: أن من أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً من قريش رده إليهم، فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف1 في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل2: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي"، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: "بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز3: بل قد أجزناه، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً

شديداً في الله1، فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذا؟! قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام"؟ قلت: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به"، قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذاً؟!

قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه1، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به2. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عمر رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة عام الحديبية، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، وأنه إنما جاء لزيارة البيت، وليس للحرب، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحداً يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان3.

وشارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر1، قال صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه"، فقال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى لها2، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها ... الحديث3. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق برايته البيضاء إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث الغد عمر

ابن الخطاب، فقاتل ثم رجع، ولم يك فتح، وقد جهد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار"1.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه بعد غزوة خيبر في سرية من ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن بتربة1، وخرج معه دليل من بني

هلال، فكان عمر يسير بالليل ويكمن بالنهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم، فلم يلق منهم أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة1. وفي السنة الثامنة من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل2، وبعث تحت إمرته عدداً من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما3.

وروي أن عمر رضي الله عنه شارك في سرية الخبط، والتي كانت بإمرة أبي عبيدة بن الجراح في السنة الثامنة من الهجرة1.

ومن مواقفه رضي الله عنه قبل غزوة الفتح، موقفه من حاطب بن أبي بلتعة لما أعلم قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم التجهز للمسير إلى مكة عمَّى الأخبار عن قريش حتى لا تعلم بمسيره إليهم، فيتجهزون لقتاله بل أراد صلى الله عليه وسلم مباغتتهم وأخذهم على غرة، وحدث أن أخبر حاطب1 بن أبي بلتعة قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم ونزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً له بفعل حاطب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً فسأله عن ذلك، فاعتذر وقبل عذره، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"2.

وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره لفتح مكة1، ومن مواقفه في هذه الغزوة الدالة على شدته على الكفار وأعداء الدين موقفه من أبي سفيان رضي الله عنه، فقد خرج النبي بعشرة آلاف من المسلمين حتى نزل بمر الظهران2، وأوقد الجيش النيران، وقد عمت الأخبار على قريش ولا يدرون ما هو فاعله، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام3، وبديل بن ورقاء الخزاعي4، يتحسسون الأخبار، فرأى العباس ابن عبد المطلب أبا سفيان، فأركبه على دابته، وكان يركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم

البيضاء، فقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في طريقه يمر بجيش المسلمين وهم قد أوقدوا النيران، وأبو سفيان ينظر إليهم، فلما مر بنار عمر رضي الله عنه، قال عمر: من هذا؟ وقام إلى العباس فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة عرفه، فقال: والله عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك، فخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليه في مكانه الذي نزل فيه، واشتد العباس ومعه أبو سفيان حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه: هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه في غير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقال العباس: قد أجرته يا رسول الله ... فلما أكثر عمر، قال العباس: مهلاً يا عمر، فوالله لو كان رجلاً من بني عدي ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، لا تقل هذا، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب1.

وكان عمر رضي الله عنه أميراً على حرس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح1.وبعد فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء عمر رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحوا كل صورة فيها، ولم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها2.

وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في غزوة حنين1، وكان له موقف كريم في هذه الغزوة التي أعجبت المسلمين فيها كثرتهم فكادت أن تحل بهم الهزيمة، لولا لطف الله عز وجل بهم ورحمته كما قال سبحانه: {لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} 2. فكان رضي الله عنه ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ونافح عنه في هذا الموقف العصيب3، وذلك دليل على قوة إيمانه وصدق يقينه وشجاعته.

ومن مواقفه رضي الله عنه في هذه الغزوة موقفه من ذي الخويصرة1 التميمي فبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القتال في حنين والطائف نزل بالجعرانة2، وفيها قسم غنائم حنين، فأتاه ذو الخويصرة فقال: يا رسول الله إعدل، فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل"، فقال عمر رضي الله عنه: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: "دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم ... "3 الحديث.

وكان عمر رضي الله عنه مع المسلمين في غزوة تبوك1، سئل رضي الله عنه فقيل له: حدثنا من شأن العسرة، فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) : يا رسول الله قد عودك الله في الدعاء خيراً، فادع لنا، فقال: "أتحب ذلك"؟ قال: نعم، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلم يرجعهما حتى أطلت سحابة، فسكبت، فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر2.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان ممن انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم للخروج في جيش أسامة بن زيد1 رضي الله عنه لقتال الروم في أطراف الشام حينما جهز ذلك الجيش قبل وفاته صلى الله عليه وسلم2.

هذا ما أردت الإشارة إليه من حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظهر مما تقدم ما كان عليه عمر رضي الله عنه من توقير وإجلال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تفانيه في خدمته والدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وملازمته له في حربه وسلمه، وما كان لعمر رضي الله عنه من منزلة ومكانة عالية ورفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه

المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه المطلب الأول: في معرفة عمر رضي الله عنه لفضل أبي بكر وتوقيره له. ... المطلب الأول: في معرفة عمر رضي الله عنه لفضل أبي بكر وتوقيره له. إن فضل أبي بكر رضي الله عنه، وعظم منزلته جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وعرف الصحابة رضوان الله عليهم لأبي بكر منزلته الرفيعة من الإسلام وأهله، ومن أفضل من عرف لأبي بكر هذه المنزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن أقواله في ذلك قوله رضي الله عنه: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالاً1. وقال رضي الله عنه: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر2. وقدم عليه رضي الله عنه وفد عبد القيس3، فأذن لهم، فدخلوا عليه، فقضى بينهم، وقضى من حوائجهم، فبينا هم كذلك، غلبته عينه،

فقال رجل منهم: ما رأيت امرأً قط خيراً من هذا، فاستيقظ عمر رضي الله عنه فقال: أكنت رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه؟ قال: لا، فقال: أما والله لو كنت رأيته لنكلت بك1. وقال رضي الله عنه: لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري2. وقال رضي الله عنه: يوم من أبي بكر خير من آل عمر3.

وذكر رضي الله عنه أبا بكر يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً1. وروي أن نفراً أثنوا على عمر رضي الله عنه فقالوا: أنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي2.

_ 6/126، وفيه أبو عيسى بن المنذر الحمصي مقبول. تق 441، ورواه في الإمامة ص: 270 وفيه محمّد بن علي بن حبيش، وموسى بن هارون، وسليمان بن آدم، لم أجد لهم تراجم.

المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه

المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: موقفه رضي الله عنه من استخلاف أبي بكر رضي الله عنه. لقد كان لعمر رضي الله عنه موقف جليل ومقام محمود من بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فقد كان له الفضل الأكبر بعد فضله سبحانه وتعالى في إخماد نار الفتنة وإزالة أسباب الشقاق والفرقة التي كادت أن تعصف بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فقد اختلفوا فيمن له الحق في تولي إمرة المسلمين بعده صلى الله عليه وسلم، فاجتمع الأنصار رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة1، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وتخلف عنهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال المهاجرون لأبي بكر: انطلق بنا إلى

إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقوا يريدونهم، وكان معهم عمر بن الخطاب، قال رضي الله عنه: فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان1، فذكرا ما تمالى2 عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل3 بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة4؟ فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك5. فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة6 الإسلام، وأنتم معشر

المهاجرين رهط1، وقد دفت دافة2 من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا3 من أصلنا، وأن يحضنوننا4 من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت5 مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد6، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو

جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلى نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار1: أنا جذيلها المحكك2، وعذيقها المرجب3، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار، ونزونا4 على سعد بن عبادة، فقال قائل

منهم: قتلتم سعد بن عبادة1، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرض، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا2.

وقد بين عمر رضي الله عنه للأنصار أنه لا يمكن أن يكون للمسلمين خليفتان ويستحيل أن يفعل المسلمون ذلك، لأنه سبيل إلى الفرقة والخلاف، فقال رضي الله عنه: سيفان في غمد واحد لا يصطلحان1. وذلك عندما طلب الأنصار أن يكون منهم أمير، ومن المهاجرين أمير، وذكرهم رضي الله عنه بفضل أبي بكر، وبأحقيته في الخلافة، فقال رضي الله عنه: ثم إن أبا بكر رحمه الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه، قال أنس بن مالك

رضي الله عنه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر1. ومن الأمور التي ذكر بها عمر رضي الله عنه الأنصار وهي من فضائل أبي بكر رضي الله عنه قوله رضي الله عنه: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر2. وبهذا أذعن الأنصار رضوان الله عليهم واستجابوا لبيعة الصديق رضي الله عنه. وروي أن عمر رضي الله عنه ذكر الأنصار بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه أحقية قريش بالخلافة، فقال: نشدتكم بالله يا معشر الأنصار ألم

تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من سمعه منكم وهو يقول: " الولاة من قريش ما أطاعوا الله، واستقاموا على أمره"1. وأما علي والزبير فإنهما كما ذكر عمر رضي الله في حديثه الذي تقدم في الصحيح تخلفا عن المهاجرين، وكانا يأتيان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتشاوران معها في أمرهما، وفي بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فعلم بذلك عمر رضي الله عنه، وخشي من تفرق كلمة المسلمين إذا رأوا اجتماع علي والزبير في بيت فاطمة، وذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم ولمنزلتها في قلوب المسلمين فذهب رضي الله عنه إليها وقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد

أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعى إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، فلما خرج عمر رضي الله عنه جاؤوها، فقالت رضي الله عنها: تعلمون أن عمر قد جاءني وحلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف، وأمرتهم أن ينصرفوا عنها، ويتشاوروا في أمرهم بأنفسهم ولا يرجعوا إليها، فلم يرجعوا إليها بعد ذلك حتى تشاوروا في أمرهما، ثم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه1.

وقد ثبت أن علياً والزبير بايعا أبا بكر رضي الله عنهم بالخلافة بعد أن وعظهما، وذكرهما بأن في تخلفهما عن البيعة شقاً لعصا المسلمين1. وبذلك يمكن القول بأن تخلف علي والزبير رضي الله عنهما واجتماعهما في بيت فاطمة رضي الله عنها، كان في بداية الأمر ثم بايعا بعد ذلك. المسألة الثانية: موقف عمر رضي الله عنه من قتال المرتدين. كان لعمر رضي الله عنه موقف معارض من قتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة من المرتدين الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال رضي الله عنه لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله"، حيث كان رأيه رضي الله عنه في بداية الأمر عدم قتال من نطق

بالشهادتين ومنع الزكاة ولم يعارض في قتال من ارتد عن الإسلام بادعاء النبوة والرجوع إلى عبادة الأوثان لأن إباحة قتال هؤلاء لا مرية فيه1. ولكن أبا بكر رضي الله عنه أصر على قتال من منع الزكاة سواءً كان جاحدًا لوجوبها أو مقراً، وبين رضي الله عنه أن من حق المال الزكاة، فمن لم يؤد حقه لم يكن معصوماً من القتل، وقال رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً2 كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها3. وتبين لعمر رضي الله عنه أن الصواب والحق فيما ذهب إليه أبو بكر، وعزم عليه من قتال مانعي الزكاة، فكان خير معين له في القضاء على فتنة الردة. وفي موقف عمر رضي الله عنه ذلك دليل على شدة تعظيمه رضي الله عنه لحرمات الله، وحفاظه على حرمات المسلمين ودمائهم

وأموالهم، وعدم التعرض لها إلا بحق وشدة تحريه في ذلك، وفيه دليل على سرعة رجوعه للحق والصواب إذا ظهر له. المسألة الثالثة: إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة1. كانت موقعة اليمامة إحدى المواقع التي قاتل فيها المسلمون المرتدين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت في أواخر السنة الحادية عشرة وأول الثانية عشرة، وقتل فيها مسيلمة الكذاب، وقتل فيها من المسلمين ستمائة وقيل سبعمائة، وكان فيهم عدد كبير من قراء القرآن رضوان الله عليهم2.

فخشى عمر من استمرار مقتل القراء واستشهادهم في حروب الردة، كما حدث في يوم اليمامة فيفضي ذلك لضياع القرآن الذي حفظه القراء في صدورهم وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة غضاً كما نزل، وحيث إن القرآن الذي كتب لم يكن مجموعاً في مكان واحد، بل كان متفرقاً، فأشار رضي الله عنه على أبي بكر بجمع القرآن، ثم شرح الله صدر أبي بكر لذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن. قال زيد رضي الله عنه: أرسل إلى أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر1 يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك رأي عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل

علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب1 واللخاف2، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري3 لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه4.

وكان جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه من حفظ الله عز وجل لكتابه العزيز وحمايته من الضياع، والفضل بعد الله في ذلك لأبي بكر ولعمر رضي الله عنه الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بذلك، وكان ذلك منه الرأي الصائب الذي وافقه عليه بقية الصحابة رضوان الله عليهم بعد جزمهم بصواب ذلك الرأي وأهميته البالغة1. المسألة الرابعة: ما ورد في معاونة عمر رضي الله عنه لأبي بكر في إدارة شئون الرعية. لا ريب أن عمر رضي الله عنه كان من أهل مشورة أبي بكر رضي الله عنه وكان ممن يعاونه ويعضده في إدارة شئون الرعية بقوله وفعله ومن الأخبار الدالة على ذلك ما جاء أن أبا بكر الصّديق رضي الله عنه طلب من أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يأذن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجلس في المدينة ليعاونه على إدارة شؤون المسلمين ومواجهة ما قد يحدث من ردة الأعراب حول المدينة2.

ومن المهام التي روي أن أبا بكر رضي الله عنه أسندها لعمر رضي الله عنه: 1- القضاء: فروي أنه رضي الله عنه لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء، وأبا عبيدة بيت المال، وقال: أعينوني، فمكث عمر سنة لا يأتيه اثنان، أو لا يقضي بين اثنين1.

2- استخلافه لعمر عند خروجه من المدينة: فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه خرج معتمراً في العام الثاني عشر من الهجرة، واستخلف على المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه1. 3- صلاته بالناس عند غياب الصديق رضي الله عنه: روي أن عمر رضي الله عنه كان يصلي بالناس عند غياب أبي بكر ومرضه رضي الله عنه2.

4- حجه بالناس في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما: روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف استعمل عمر رضي الله عنه على الحج ثم حج هو من عام قابل1. وهذه المهام الأربعة الأخيرة، وإن لم ترد بسند ثابت إلاّ أن وقوعها أمر غير مستبعد ولا غرابة فيه. وكان الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم ينيبون من يرون فيه الكفاءة في مثل هذه الأمور ومن قبلهم كذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

المسألة الخامسة: ما روي عن عمر رضي الله عنه من مواقف من بعض قادة أبي بكر رضي الله عنه:. 1- موقفه من تولية أبي بكر رضي الله عنه لخالد بن سعيد بن العاص1 رضي الله عنه لقيادة المسلمين بالشام. روي أن خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه قدم من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر، فقال لعلي وعثمان رضي الله عنهما: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟! فنقلها عمر إلى أبي بكر، فلم يحملها أبو بكر على خالد، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر، ثم بايعه، وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، وكان معظماً له، فلما بعث الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر وقال: تولي خالداً، وهو القائل ما قال؟! فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي2، فقال: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم،

ولا ساءنا عزلكم، وإن المُليم لغيرك، ثم دخل أبو بكر على خالد يعتذر إليه، ويطلب منه ألا يذكر عمر بحرف1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر لما عقد اللواء لخالد ابن سعيد: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب، فعزله أبو بكر2. 2- موقفه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة التميمي ومن معه من الأسرى في موقعة البطاح3.

روي أن خالداً رضي الله عنه لما قاتل المرتدين يوم البطاح، بزعامة مالك بن نويرة وقع مالك في الأسر في نفر من قومه، فجيء بهم إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، واختلف في أمرهم، فقال بعض جند خالد وفيهم أبو قتادة1: أن مالكاً ومن معه أذنوا، وأقاموا، وصلوا، وقال بعضهم: لم يفعلوا ذلك، فأمر خالد رضي الله عنه بهم، فحبسوا حتى يستوثق من أمرهم، وكانت تلك الليلة شديدة البرد، فأمر خالد رضي الله عنه بأن يدفأ الأسرى، وكانت كلمة أدفئوا في لغة أهل تلك الناحية بمعنى اقتلوا، فقتلوا جميع الأسرى، فقال أبو قتادة رضي الله عنه لخالد بن الوليد رضي الله عنه: هذا عملك! فزبره خالد، فغضب ومضى إلى أبي بكر بالمدينة، فغضب عليه، وأمره أن يرجع إلى خالد ولا يعود إلا معه، وتزوج خالد من زوجة مالك بن نويرة، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره، فقال عمر لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقاً2، فإن لم يكن هذا حقاً حق عليه أن تقيده، وأكثر عليه في ذلك، وكان أبو بكر لا يقيد من عماله، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد،

وودى مالكاً، وكتب إلى خالد أن يقدم إليه ففعل، فأخبره خبره، فعذره وقبل منه، وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب1. وروي أن أبا بكر قال لعمر لما أكثر عليه في شأن خالد رضي الله عنهم: لم أكن لأشم سيفاً سله الله على الكافرين2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال - لما بلغه مقتل مالك، وتزوج خالد لامرأته -: عدو الله عدا على امرئ مسلم، فقتله، ثم نزا على امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجراً3 بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً، فلما دخل المسجد قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه، فحطمها ثم قال: أرئاء قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك،

وخالد لا يكلمه، ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر، فأخبره الخبر، واعتذر إليه، فعذره أبو بكر1. والروايات الواردة في موقف عمر رضي الله عنه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة لم تثبت وأيضاً فإن فيها أن السرية التي كانت مع خالد رضي الله عنه اختلفت في أمر مالك وأصحابه هل عادوا إلى الدين وأذنوا وأقاموا أم تمسكوا بما هم فيه من الردة، ومنع الزكاة. وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد، وأما ما ذكر من تزوجه بامرأته ليلة قتله، فهذا مما لم يعرف ثبوته2.

هذه هي أهم مواقف عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياته مع أبي بكر رضي الله عنه وهي دالة على الدور العظيم والهام الذي قام به رضي الله عنه في تثبيت قواعد الدولة الإسلامية الناشئة والمحافظة على سلامة الأمة ووحدتها وصيانة دينها وعقيدتها.

المجلد الثاني

المجلد الثاني الباب الثاني: السياسة الإدارية للدولة في خلافة عمر ابن الخطاب الفصل الأول: الجهاز الإداري للدولة _الخليفة_الولاة_القضاة المبحث الأول: الخليفة المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه ... المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه، وفيه ثلاثة مسائل: المسألة الأولى: ما ورد من أحاديث فيها إشارة لخلافته رضي الله عنه. لقد وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه من بعده صلى الله عليه وسلم، وخلافة عمر رضي الله عنه من بعد أبي بكر رضي الله عنه، وأحقيتهما بالخلافة من بعده صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الأحاديث ليس فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر من بعده، بل إن عدم استخلافه صلى الله عليه وسلم لخليفة من بعده أمر ثابت. قال عمر رضي الله عنه: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

أما تلك الأحاديث فهي: 1- ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف1 السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون2 منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانطلق به ثم وصل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعبر"، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن وحلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك، فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت قال: لا تحلف3.

قال ابن حجر رحمه الله: قال القاضي عياض: والسبب في اللغة الحبل والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحداً بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل1. 2- حديث أبي بكرة2 رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم3.

قال أهل العلم: قوله في الحديث: فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور، وظهور الفتن بعد خلافة عمر رضي الله عنه، ومعنى رجحان كل من الآخران الراجح أفضل من المرجوح1.

وقد ذكر ابن العربي رحمه الله هذا الأثر والذي قبله في الاستدلال على إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لخلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما1. 3- حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إني لشاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة، وفي يده حصى، فسبحن في يده، وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فسبحن مع أبي بكر، سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسبحن في يده، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فسبحن في يده سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان بن عفان فسبحن في يده، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا2.

وقد استدل ابن أبي عاصم في السنة بهذا الأثر على خلافة الخلفاء الراشدين المهديين1. 4- قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك"2. فالثلاثون سنة هي خلافة أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ رضي الله عنهم. قال ابن كثير رحمه الله: "وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن عليّ، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأوّل من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين من موت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنه توفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأوّل سنة أحدى عشرة من الهجرة. وهذا من دلائل النبوّة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً".3

5- قوله صلى الله عليه وسلم: "تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين أو ست وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقي لهم دينهم فسبعين عاماً"، قال عمر: يا رسول الله، بما بقي أو بما مضى؟ قال: "بما بقي"1.

6- ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت مستخلفاً لاستخلفت أبا بكر أو عمر"1. وقد رويت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم أبا بكر من بعده وعمر من بعد أبي بكر، وهي غير ثابتة بل الثابت والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف خليفة من بعده. ومن تلك الأحاديث الضعيفة ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسس مسجد قباء جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر

بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "هذا أمر الخلافة من بعدي"1. وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: بعثني بنو المصطلق2 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟ قال: فأتيته، فسألته، فقال: "إلى أبي بكر"، فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه، فسله، فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال: "إلى عمر"، فأتيتهم فأخبرتهم ... الحديث3.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل من أهل البادية إبلاً، فلقيه علي بن أبي طالب، فقال له: ما أقدمك؟ قال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، قال: ارجع فقل له يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني؟ وانظر ما يقول لك، فارجع حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني مالي؟ قال: "أبو بكر"، فأعلم علياً، فقال له: ارجع اسأله إن حدث بأبي بكر حدث فمن يقضيني؟ فسأله فقال: "عمر"، فجاء فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله، إذا مات عمر فمن يقضيني؟ فجاء فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت"1.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة بنت عمر رضي الله عنه: "أبشرك ببشارة، فإن أباك يلي من بعد أبي بكر إذا أنا مت"1. ومن ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لم يقبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ومن بعد عمر عثمان ... الحديث2.

وروي أن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخليفة فيكم بعدي أبو بكر ثم عمر"1

المسألة الثانية: ما ورد في فضل خلافته. تعتبر خلافة عمر رضي الله عنه رمزاً لأمن واستقرار الدولة الإسلامية واتساعها، وعزة الأمة الإسلامية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وشهد بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ " قال حذيفة بن اليمان1 رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضوان الله عليهم: قلنا علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غداً الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط2.

ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر رضي الله عنه. فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه ومثل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب وأنه إذا مات فإن الباب سوف لن يغلق، لأنه كسر كسراً ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته ولن يكون لها مانع أو راد. وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية1. وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد، فقام أبو بكر، فنزع ذنوباً2 أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت بيده غرباً3، فلم أر عبقرياً4 في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن"5.

وقد ذكر أهل العلم أن تأويل رؤياه صلى الله عليه وسلم إخبار عن خلافة عمر رضي الله عنه، وما سوف تكون عليه من طول زمانها، وكثرة الفتوحات فيها، واتساع أمر الإسلام، واستقرار قواعده، وما يصيب المسلمين فيه من الخير والنعم الكثيرة1. ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في فضل خلافة عمر رضي الله عنه: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الإسلام ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم2 الحصن، فالإسلام يخرج منه، ولا يدخل فيه3. وقال رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمرته كانت فتحاً4. وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً5.

وقالت أم أيمن1 رضي الله عنها لما مات عمر رضي الله عنه: اليوم وهى الإسلام2. المسألة الثالثة: استخلافه رضي الله عنه. انتقلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه عن طريق الاستخلاف، فقد استخلف أبو بكر رضي الله عنه عمر قبل وفاته، قال عمر رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم3. ولما علم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم باستخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما دخل عليه رجل من المهاجرين وهو يشتكي، فقال له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له؟! فكيف لو ملكنا كان أعتا وأعتا، فكيف تقول لله إذا لقيته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أجلسوني فأجلسوه فقال: أبالله تفرقوني؟! أقول إذا لقيته: استخفلت عليهم خير أهلك4.

وروي أن أبا بكر استشار كبار المهاجرين والأنصار في استخلاف عمر رضي الله عنهما قبل استخلافه، فدعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، ثم قال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فسأله عن عمر، فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: ولو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل1، وأسيد بن حضير2، وغيرهما من

المهاجرين والأنصار، وقال أسيد: لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه1. وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أشرف على الناس من كنيفة2، وأسماء بنت عميس3 رضي الله عنها ممسكته، موشومة اليدين، وهو يقول: أترضون بمن استخلف عليكم؟ وإني والله ما آلوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا4. وهذان الأثران ضعيفان ولكن ذلك لا يمنع أن يكون أبو بكر قد استشار كبار الصحابة رضوان الله عليهم في استخلافه عمر رضي الله

عنه فوافقوه على ذلك، وعارض البعض تخوفاً من شدة عمر رضي الله عنه كما تقدم في الأثر، فبين لهم أبو بكر رضي الله عنه فضل عمر وأحقيته بالخلافة. ثم أمر أبو بكر رضي الله عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه بكتابة وصية وعهد الخلافة لمن بعده، فأغمي على أبي بكر، فتعجل عثمان رضي الله عنه وكتب اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: من كتبت؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: كتبت الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبت نفسك كنت لها أهلاً1. وبعد ذلك خرج عمر رضي الله عنه ومعه مولى أبي بكر شديد، وبيده الصحيفة التي فيها استخلاف عمر، وعمر رضي الله عنه بيده عسيب نخل2، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل شديد يقرأ ما في الصحيفة، فقال: يقول أبو بكر: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه

الصحيفة، فوالله ما آلوتكم1، قال قيس بن أبي حازم2 رحمه لله وهو راوي الخبر: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر3. وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه حين عهد إليه بالخلافة فقال: إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض، لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل المنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تجف يدك من دمائهم، وأن تضمر بطنك من أموالهم، وأن يجف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله4.

وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه أيضاً عند وفاته فقال: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عز وجل عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع في الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف ألا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوء أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء فيكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته عز وجل، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت ولست بمعجزة1.

وتوفي أبو بكر رضي الله عنه في ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من السنة الثانية عشر للهجرة، فتولى عمر رضي الله عنه خلافة المسلمين صبيحة يوم الثلاثاء لاثنين وعشرين يوماً خلت من شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة1.

_ 1 ذكر ذلك ابن سعد / الطبقات 3/274، البلاذري / أنساب الأشراف ص 165، 378، الطبري / التاريخ 2/348، 561، الطبراني / المعجم الكبير 1/70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/192،193، الحاكم / المستدرك 3/81، وهو عند ابن سعد والطبري وأبي نعيم من طريق الواقدي ولفظه: توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة، فاستقبل عمر بولايته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر. وفي لفظ عند الطبري، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر، واحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر. ورواه الطبراني بإسناد صحيح إلى يحيى بن بكير من كلامه وهو ثقة من العاشرة، ولفظه: استخلف عمر في رجب سنة ثلاث عشرة، ورواه الحاكم بإسناد حسن إلى ابن إسحاق من كلامه، ولفظه: استخلف عمر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم.

المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حقوق الخليفة على رعيته. إن من أعظم حقوق الخليفة على رعيته بعد مبايعتهم له طاعتهم إياه، وقد كان عمر رضي الله عنه يبايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا1.

وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته أن من بايع أميره فقد بايعه، ولا يلزم من البيعة لقاء الخليفة بشخصه. قال عمر رضي الله عنه لبشر بن قحيف: إذا بايعت أميري فقد بايعتني1. وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من شق عصا الطاعة على الخليفة، ويأمرهم بلزوم طاعته وإن كان عبداً حبشياً، ولا شك أن تلك الطاعة مقيدة بما ليس فيه معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة كما قال صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصيته، فإذا أمر بمعصيته فلا سمع ولا طاعة2.

قال عمر رضي الله عنه لسويد بن غفلة1 رحمه الله: يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع2 فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر3. وروي أن عمرو بن عطية قال: أتيت عمر وأنا غلام، فبايعته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي لنا وهي علينا، فضحك وبايعني4.

وقد بين عمر رضي الله عنه أن صلاح الوالي أو الحاكم وامتثاله أوامر الله عز وجل سبب في صلاح رعيته وامتثالهم طاعة الله عز وجل ومن ثم طاعته والانقياد له. قال عمر رضي الله عنه: إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم1. ومن حقوق الخليفة على رعيته التي نبه عليها عمر رضي الله عنه النصيحة له من رعيته. قال رجل لعمر رضي الله عنه: لا أخاف في الله لومة لائم خير لي، أم أقبل على نفسي؟ فقال عمر: أما من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخاف في الله لومة لائم، ومن كان خلواً، فليقبل على نفسه، ولينصح لولي أمره2.

وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حبه رضي الله عنه نصيحة رعيته له وحثه لهم على ذلك. روي أن رجلاً وعظ عمر رضي الله عنه فقال: إنك وليت أمر هذه الأمة، فاتق الله فيما وليت من أمر هذه الأمة في رعيتك، وفي نفسك خاصة، فإنك محاسب ومسؤول عما استرعيت، وإنما أنت أمين، وعليك أن تؤدي ما عليك من الأمانة فتعطى أجرك على قدر عملك، فقال عمر: ما صدقني رجل منذ استخلفت غيرك1. وروي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه وهو قاعد على جذع في داره، وهو يحدث نفسه فدنا منه فقال: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين؟ فقال: هكذا بيده، وأشار بها، قال حذيفة: قلت: الذي يهمك، والله لو رأينا منك أمراً ننكره قومناك، قال عمر: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم أمراً تنكرونه لقومتوه؟ فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك.

قال: ففرح بذلك فرحاً شديداً، وقال: الحمدلله الذي جعل فيكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أيها الرعية، إن لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير2. وروي أن عمر رضي الله عنه رد على أبي بن كعب قراءة آية، فقال أبي رضي الله عنه: لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت يلهيك الصفق بالأسواق بالبقيع، فقال عمر: صدقت، إنما أردت أن أجربكم هل فيكم من يقول الحق، فلا خير في أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله3.

وروي أن عمر رضي الله عنه خرج من المسجد ومعه الجارود العبدي1 رضي الله عنه، فإذا امرأة برزة2 على ظهر الطريق، فسلم عليها، فردت عليه السلام، فقال: هيها يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميراً تصارع الصبيان في سوق عكاظ3، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه فقد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فقال عمر رضي الله عنه: أما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت التي سمع الله عز وجل قولها من فوق سمواته، فعمر أحرى أن يسمع لها4.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي1. وروي أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل كتبا إلى عمر رضي الله عنه يعظانه: سلام عليك أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، وأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، فإنا نحذرك يوماً تعنو فيه الوجوه، وتحف2 فيه القلوب، وتقطع فيه الحجج، يملك قهرهم بجبروته، والخلق داخرون له،

يرجون رحمته، ويخافون عقابه وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع إلى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن يترك كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا كتبنا به نصيحة لك، والسلام عليك. فكتب إليهما: من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ومعاذ بن جبل سلام عليكما، أما بعد، فإنكما كتبتما إلي تذكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم وإني قد أصحبت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق ولكل حقه من ذلك، وكتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، وأنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا بالله، وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديماً كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار، وكتبتما تحدثان أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، ليس هذا بزمان ذلك، وأن ذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم، ورهبة بعض الناس من بعض، كتبتما به نصيحة تعظاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وإنكما

كتبتما به وقد صدقتكما، فلا تدعا الكتاب إلي، فإنه لا غنى بي عنكما، والسلام عليكما1.

المسألة الثانية: واجبات الخليفة نحو رعيته. كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية والمراقبة لله عز وجل في جميع أحواله، ولقد كان في تعامله مع رعيته أشد خشية لله وخوفاً من أن يضيع ما استرعاه الله عز وجل. قدم معاوية بن حديج1 رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه بفتح الاسكندرية، وأناخ راحلته، فخرجت جارية لعمر رضي الله عنه فرأته وعليه أثر السفر، فأدخلته، فقربت إليه خبزاً وزيتاً وتمراً، فأكل، فقال عمر لمعاوية رضي الله عنهما: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل2، قال عمر: بئس ما قلت أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية3؟!

وقال عمر رضي الله عنه: لو مات جمل من عملي ضياعاً، خشيت أن يسألني الله عنه1. ولما كانت أخر حجة حجها عمر رضي الله عنه أناخ بالأبطح2 ثم كوم كومة من بطحاء ثم طرح عليها رداءه، ثم استلقى ومد يديه إلى السماء، فقال: اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع3.

ولما حضرته الوفاة رضي الله عنه جعل الناس يثنون عليه بعدله في إمارته وقيامه بحقوق رعيته، فقال رضي الله عنه: أبالإمارة تغبطوني فوالله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي1. ومن الآثار الدالة بمجموعها على خشية عمر رضي الله عنه من التفريط في رعيته ما روي من أنه رضي الله عنه كان يدخل يده في دَبَرَةِ البعير2 ويقول: إني أخاف أن أسأل عما بك3. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بينما أنا أمشي مع

عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه1 بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد فضت أضلاعه فقلت: سبحان الله، وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم، قال: ويحك يا ابن عباس، والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: والله إنك بحمد لله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية، قال: إنه والله يا ابن عباس ما يصح هذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل، يقول ابن عباس: والله ما أعرف غير عمر2. وروي أن مالك الدار3 قال: غدوت على عمر رضي الله عنه يوماً، فقال لي: يا مالك، كيف أصبح الناس؟ قلت: أصبح الناس بخير، قال: هل سمعت من شيء؟ فقلت: ما سمعت إلا خيراً، قال: ثم غدوت عليه اليوم الثاني فسألني، فأخبرته، واليوم الثالث سألني وأبرمني، فقلت: وما تخشى من

الناس؟ فقال: ثكلتك أم مالك، هل خشيت أن يكون عمر يضرب عن بعض حقوق المسلمين فيغدون عليه براياتهم يسألون حقوقهم1. وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة خطب فقال: يا أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدكم استطلاعاً بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم، ويكفي عمر مُهِمّا محزناً انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها، وبالسير فيكم كيف أسير، فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة، ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده2. وقد قام عمر رضي الله عنه بواجباته نحو رعيته خير قيام وأتمه، وقد تمثل ذلك في عدة أمور هي:

أولاً: تعرفه رضي الله عنه على أحوال رعيته. فقد كان عمر رضي الله عنه دائم التعرف على أحوال رعيته بنفسه يجلس للرعية، ويلتقي بهم ويعرضون عليه حاجاتهم، كبيرهم وصغيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولم يكن رضي الله عنه يحتجب عنهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها1. وكان رضي الله عنه يجلس بعد صلاة الفجر للنظر في أمور رعيته حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل بيته2. وكان بعض الرعية لا يستطيع أن يعرض حاجته على عمر رضي الله عنه هيبة منه، فاجتمع عدد من الصحابة رضوان الله عليهم لإعلامه بذلك، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله،

والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وكان أجرأهم عليه عبد الرحمن بن عوف، فقالوا له: لو كلمت أمير المؤمنين للناس، فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة، فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يقض حاجته، فدخل على عمر رضي الله عنه، فكلمه فقال: يا أمير المؤمنين، لن للناس، فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك، فقال عمر رضي الله عنه: يا عبد الرحمن أنشدك الله أعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ فقال: اللهم نعم، قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجر رداءه، يقول بيده أف لهم بعدك، أف لهم بعدك1.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعوا الله ويقول: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني1. وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الناس خطب فقال: يا أيها الناس إني قد علمت أنكم تونسون مني شدة وغلظة، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان كما قال الله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 2 فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني، فأكف وإلا أقدمت على الناس لمكان لينه3.

وأما من كان من الرعية بعيداً عن المدينة كأهل العراق والشام وغيرهما من أقطار المسلمين، فإن عمر كان يسأل عن أحوالهم ويستخبر عنها ويتعرف عليها ومن ثم يقضي حاجتهم. كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالعراق: أن ابعث إلي برجلين جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم1. بل لقد عزم رضي الله عنه على أن لا يدع بلداً من بلاد المسلمين إلا ويأتيه ويطلع على أحوال أهله بنفسه، ويقضي حاجاتهم2. وقال عمر رضي الله عنه وقد عزم على قضاء حوائج رعيته قويهم وضعيفهم شريفهم ووضيعهم: لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي3.

وفي المدينة لم يقتصر عمر رضي الله عنه على الجلوس لرعيته للتعرف على أحوالهم بل كان رضي الله عنه يطوف بالمدينة ويراقب رعيته ويواسيهم ويخدمهم. ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه حرس بالمدينة ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبينما هم يمشون في طرقاتها إذ شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا نحوه، حتى إذا دنوا منه، إذا باب مغلق عليه قوم، ولهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال عبد الرحمن: لا، قال: هو ربيعة بن أمية بن خلف1، وهم الآن شرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} ،فقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم2.

وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم1 حتى إذا كنا بصرار2 إذ نار، فقال عمر: إني لأرى ها هنا ركباً قصر بهم البرد والليل، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون3، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول أصحاب النار، فقال: وعليك السلام، فقال: أدنو؟ فقالت: إدن بخير أودع، فدنا، فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: ما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر، فقال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى عمر أمرنا ثم يغفل عنا، قال أسلم: فأقبل علي فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً4 من دقيق وكبة من شحم، فقال: إحمله علي، فقلت: أنا

أحمله عنك، فقال: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ لا أم لك، فحملته عليه، فانطلق، وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر1. وقال أسلم رضي الله عنه: بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة إذا أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء؟ فقالت لها: يا أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بينه؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء؟ فقالت لها: يابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم: عَلّم الباب، واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم إمض إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من يعل؟ قال أسلم: فأتيت الموضع، فنظرت فإذا الجارية أَيّم لا بعل لها، وإذ تيك أمها، وإذ ليس لهم رجل، فأتيت عمر بن الخطاب، فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه، ولو كان بأبيكم

حركة إلى النساء ما سبقه فيكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبد الله: لي زوجة، وقال عبد الرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله1. ومن مواساة عمر رضي الله عنه لرعيته إطعامه المحتاجين والفقراء منهم ومواساته لهم، قدم بعض الرسل إلى عمر رضي الله عنه مبشراً له بفتح بعض مدن فارس، فوجد عمر رضي الله عنه يطعم الناس، ويعاونه مولاه يرفأ2. ومن أخباره رضي الله عنه في مراقبته لرعيته وتواضعه لهم ما حكاه سنان بن سلمة3 قال: كنت في أغيلمة نلتقط البلح، ففجئنا عمر، فتبعني الغلمان، فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه مما ألقت الريح، فقال:

أرنيه، فلما أريته قال: انطلق، قلت: يا أمير المؤمنين فبين هؤلاء الغلمان الساعة؟ فإنك إذا انصرفت عني، انتزعوا ما معي، قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني1. ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في ذلك، ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج في سواد الليل، فرآه طلحة، فذهب عمر، فدخل بيتاً، ثم دخل بيتاً آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل ببابك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع2؟ وروي أن عمر رضي الله عنه كان في سفر، فسمع صوت راع في جبل، فعدل إليه، فلما دنا منه صاح: يا راعي الغنم، فأجاب، فقال له

عمر: إني مررت بمكان هو أخصب من مكانك، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم عدل صدور الركاب1. وروي أن عمر رضي الله عنه افتقد أسيد بن حضير2 رضي الله عنه من المسجد، فقال: انطلقوا بنا إلى أسيد، فقال: ما أقعدك عنا؟ فأخبره بشغل، فقال: لله الحمد، خشيت أن تكون تركت الصلاة معنا لأمر كرهته منا. قال: معاذ الله أن أرى منك شيئاً منكراً ولا أنهاك عنه، فإن لم تنزع جاهدتك عليه3. وروي أن عمر رضي الله عنه كان يركب في كل جمعة ركبتين ينظر في أموال اليتامي4.

ومن الأقوال المروية عن عمر رضي الله عنه في اهتمامه برعيته قوله: إني والله لأكون كالسراج يحرق نفسه ويضيء للناس1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أول خطبة خطبها: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلوا عن الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم2.

ثانياً: عنايته رضي الله عنه واهتمامه بجميع فئات المجتمع وتقريبه لأهل الفضل والتقوى والصلاح. كان اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته وقيامه بشؤونها ورعايته لمصالحها شاملاً لجميع فئاتها وطبقاتها، فلم يكن يفضل فئة على فئة ويحسن إلى واحدة دون الأخرى. قال رضي الله عنه وهو يوصي الخليفة من بعده عند حضور أجله رضي الله عنه: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنهم ردء الإسلام1 وجباة المال، وغيظ العدو2، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي3 أموالهم، وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم4.

وروي أن عمر رضي الله عنه أشار إلى ذلك في خطبة خلافته فقال: أيها الناس إني نظرت في أمر الإسلام فإذا هو إنما يقوم بخمس خصال، فمن حفظهن وعمل بهن وقوي عليهن فقد حفظ الإسلام، ومن ضيع منهن خصلة واحدة، فقد ضيع أمر الإسلام، ألا فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن حفظتهن وعملت بهن وقويت عليهن إلا وآزرني، ألا ومن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن ضيعت منهن خصلة واحدة إلا خلعني خلع الشعرة من العجين، فلا طاعة لي عليه. فقام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال: وما هذه الخمس الخصال يا عمر؟ فقال: أما الأولى فهذا المال من أين آخذه أو من أين أجمعه، حتى إذا أخذته من مآخذه التي أمرني الله أن أضعه فيها1 حتى لا يبقى عندي منه دينار ولا درهم ولا عند آل عمر خاصة، وأما الثانية، فالمهاجرون تحت ظلال السيوف أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر عليهم فيئهم، ولا أجمرهم في المغازي، وأكون أنا أبو العيال حتى يقدموا، وأما الثالثة، فالأنصار الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وواسوه في دمائهم وأموالهم أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر فيئهم، وأفعل فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل محسنهم

وأعفو عن مسيئهم، وأما الرابعة فالعرب، فإنهم أصل الإسلام، ومنبت العز أثبتهم على منازلهم وآخذ من أموالهم صدقة أطهرهم وأزكيهم، لا آخذ في ذلك ديناراً ولا درهما، إلا الشاة والبعير، ثم أرده على فقرائهم، وأما الخامسة فأهل الذمة، أوفي لهم بعهدهم، وأقاتل عدوهم من ورائهم، ولا أكلفهم إلا دون طاقتهم، فإذا فعلت ذلك كنت عند الله مصدقاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم1. وكان عمر رضي الله عنه إضافة إلى اهتمامه بجميع طبقات رعيته يقرب أهل الفضل والسابقة في الإسلام وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم. حضر إلى بابه رضي الله عنه عدد من زعماء قريش في الجاهلية فيهم أبو سفيان، وسهيل بن عمرو2، والحارث بن هشام3، وحضره عدد من الموالي فيهم صهيب الرومي وبلال، فأذن عمر رضي الله عنه لصهيب وبلال ومن معهما، فغضب من كان واقفاً من أشراف قريش،

فقال عمر أو سهيل1: دعي القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم فلوموا أنفسكم2. ومن تكريم عمر رضي الله عنه لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه نبيح العنزي قال: كنت عند أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) فذكر علي ابن أبي طالب ومعاوية فنيل من معاوية، وكان أبو سعيد مضطجعاً، فاستوى جالساً، فقال: كنا ننزل أو نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم رفاقاً رفقة مع فلان ورفقة مع أبي بكر (رضي الله عنه) ، فكنت في رفقة أبي بكر، فنزلنا بأهل بيت أو بأهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية، فقال لها البدوي: أيسرك أن تلدي غلاماً أن تعطيني شاة، فأعطته شاة، فسجع لها أساجيع، ثم عمد إلى الشاة فذبحها ثم طبخها، قال:

فجلسنا أو جلسوا، فأكلوا، فذكروا أمر الشاة، فرأيت أبا بكر متبرزاً مستنثلاً1 يتقيأ، ثم إن عمر رضي الله عنه أتى بذلك الأعرابي يهجو الأنصار، فقال عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفيتكموه، ولكن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك: أن عمر رضي الله عنه جمع الناس لقدوم الوفد فقال لآذنه عبد الله بن أرقم3: أنظر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهم أول الناس ثم الذين يلونهم4.

وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سب المقداد بن عمرو1 رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: علي نذر إن لم أقطع لسانه، فمشى إليه ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه، فقال: دعوني أقطع لسانه، فلا يسب بعدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم2. وروي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قدم على عمر رضي الله عنه، فقال للناس: أخرجوا بنا نتلق سلمان3.

وروي أن خباب بن الأرت رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له عمر: أدن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون1. الطريق، فسلم عليها عمر، فردت عليه، أو سلمت عليه، فرد عليها، ثم قالت: هيه يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ2 تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام والليالي حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب منه البعيد، ومن خاف

الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه، فقد أكثرت وأبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: أو ما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت، التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر والله أجدر أن يسمع لها1. وكان عمر رضي الله عنه يكرم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم. قال عمر رضي الله عنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك2. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون3. وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح ويجلهم ويرفع من شأنهم ومن ذلك سؤاله رضي الله عنه عن أويس القرني4 رحمه الله

تعالى، فقد أتاه أمداد1 أهل اليمن فسألهم أفيكم أويس؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قَرن2؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي ... الأثر3. ومن ذلك تقريبه لأبي مسلم الخولاني4 رحمه الله تعالى الذي

حرقه الأسود العنسي المتنبي باليمن لعنه الله، وكان طلب منه الارتداد عن الإسلام والشهادة له بأنه رسول من عند الله عز وجل، فأبى ذلك فحرقه بالنار، ولكن الله عز وجل حماه فلم تحرقه النار، ثم قدم أبو مسلم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته بباب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد، فصلى إلى سارية، فبصر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه، فقال: ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن، قال: ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذلك عبد الله بن ثوب، قال: أنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله عليه السلام1. ومن تقريب عمر رضي الله عنه لأهل الصلاح والتقوى ما تقدم ذكره في قصة المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه وهو يعس بالليل وهي تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها: يا

أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه، فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، فسأل عمر رضي الله عنه عن هذه البنت، فدل على مكانها فأرسل إليها فزوجها ابنه عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله تعالى1. وكان زيد بن صوحان العبدي2 رضي الله عنه سيداً في قومه من فضلائهم ومن أهل الدين والخلق فيهم، فوفد على عمر رضي الله عنه وضفنه3 على الرحل كما يفعل بالأمراء، وأمر الناس أن يصنعوا به وبأصحابه كذلك4.

ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في إكرامه لأهل الفضل والتقوى: ما روي من أن بيرح بن أسد1 خرج مهاجراً إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه عمر رضي الله عنه يطوف في سكك المدينة، فأنكره، فقال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل عمان، فأخذ بيده، فذهب به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر، هذا من الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم أرضاً يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"2. وروي أن الطفيل بن عمرو3 حارب المرتدين في موقعة اليمامة، ومعه ابنه عمرو، فجرح عمرو، وقطعت يده، فكان يوماً عند عمر بن

الخطاب رضي الله عنه فأتي بطعام، فتنحى عنه، فقال عمر: مالك تنحيت بمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تسوط بيدك فيه، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك1. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو بالبصرة: بلغني أنك تأذن للناس جمعاً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القوة والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فائذن للعامة2. ثالثاً: الأخذ بمبدأ الشورى، ومشاركة الرعية في اتخاذ القرار. إن العمل بمدأ الشورى من الأمور التي حض عليها الدين، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 3، وقال عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 4، وعمل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وشواهد ذلك أكثر من أن تقع تحت الحصر. قال ابن كثير رحمه الله: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور

أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه1. وعمل بذلك عمر رضي الله عنه في حياته، فلم يكن يتخذ قراراته ويمضي في تدبير شؤون رعيته بمفرده بل كان رضي الله عنه يشرك رعيته في ذلك خاصة أهل العلم والرأي والتقوى والصلاح منهم، وهو بذلك رضي الله عنه يتعرف على أرائهم والسديد من أقوالهم، إضافة إلى إطلاعه بمشاورته لهم على حاجاتهم ورغباتهم، وفي مشاورته رضي الله عنه لرعيته زيادة في تقوية حبال المودة والسمع والطاعة له رضي الله عنه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً2. وقال محمد بن سيرين3 رحمه الله تعالى: إن عمر رضي الله عنه كان يستشير في الأمر حتى إنه كان يستشير المرأة، فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذ به4.

وقال الزهري1 رحمه الله تعالى: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر دعا الفتيان فاستشارهم2. وقال الشعبي3 رحمه الله: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير4.

ومن صور استشارته رضي الله عنه لرعيته، استشارته رضي الله عنه المهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة عندما علم بوقوع الطاعون بالشام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام حتى إذا كان بسرغ1 لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى

أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه ... الأثر1. ومن ذلك استشارته رضي الله عنه للهرمزان2 في قتال الفرس هل يبدأ بأصبهان3 أو فارس4 أو

أذربيجان1، فقال الهرمزان: يا أمير المؤمنين، إن أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين لاذ الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان2. ومن ذلك استشارة عمر رضي الله عنه الناس في مضاعفة حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر3.

رابعاً: عدم الاستعلاء على الرعية والتميز عنهم. فقد اعتبر عمر رضي الله عنه نفسه أحد الرعية له ما لهم وعليه ما عليهم. قال الأحنف بن قيس1 رحمه الله: كنا جلوساً عند باب عمر بن الخطاب، فخرجت جارية، فقلنا سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، قال: فتذاكرنا بيننا ما يحل من مال الله، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إلينا، فقال: ما كنتم تذاكرون؟ فقلنا: خرجت علينا جارية، فقلنا هذه سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله، فقال: ألا أخبركم بما أستحل من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم2.

وفي خلافته رضي الله عنه وقعت بالمدينة وما حولها من القرى مجاعة شديدة وكان ذلك في السنة الثامنة عشرة بعد عودة الناس من الحج، فحبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت هذه المجاعة تسعة أشهر حتى صارت الأرض سوداء فشبهت بالرماد1. وقد واسى عمر رضي الله عنه الناس بنفسه فحرمها من الطعام الذي لا يجده الناس. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بأصبعه. وقال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس"2.

وأكل رضي الله عنه الشعير فصوت بطنه، فضربه بيده وقال: "والله ما هو إلا ما ترى حتى يوسع الله على المسلمين"1. وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الطعام من الأرياف لأهل البوادي، وكان يدعو الله عز وجل أن يفرج عن المسلمين كربتهم. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو يصف عام الرمادة: "وكانت سنة شديدة ملمة ... اجتهد عمر فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف2 كلّها، حتى بلحت3 الأرياف كلّها مما جهدها ذلك، فقام عمر يدعو فقال: "اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال". فاستجاب الله له وللمسلمين. فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا

أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً"1. فعمر رضي الله عنه بعد أن واسى رعيته بنفسه وبذل جهده رضي الله عنه بإمداد الأعراب ومن أصابتهم المجاعة من أرياف المسلمين حتى نفد ما فيها قام يدعو الله ويستغيث به ويستسقيه حتى استجاب الله دعاءه، وكان عمر رضي الله عنه قد عزم إن استمرت هذه المجاعة أن يلزم كلّ أهل بيت عندهم أرزاق أن يقاسموا من أصابتهم المجاعة ويواسوهم وهذا منه رضي الله عنه عمل بالتكافل الاجتماعي بين المسلمين والتعاون على البرّ والتقوى.

وقد رويت آثار كثيرة تشير إلى ما أصاب الناس من الجهد والمشقة في هذا العام وأنهم أكلوا الجرابيع والجرذان من الجوع، وأن الموت انتشر فيهم. وأن عمر رضي الله كتب إلى عمرو بن العاص بمصر، وسعد بن أبي وقاص بالكوفة، وأبي موسى الأشعري بالبصرة، ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، يطلب منهم أن يمدّوه بالأطعمة والأكسية1. وهذه الآثار لا تخلو من ضعف ولكن ما ورد فيها لا يستبعد وقوعه خصوصاً وأن أرض الجزيرة العربية وخاصة البوادي حول المدينة أرض قليلة الماء والكلأ والعشب، فإن انقطع عنها المطر أصبحت الحياة فيها منعدمة لعدم وجود الماء الذي هو عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، حيث لا توجد أنهار ولا مصادر أخرى للمياه فتجف الأرض ويموت الزرع وتهلك الماشية فيضطر الإنسان لأكل ما يحيا به. ولا مانع أن يكون عمر رضي الله عنه كتب إلى أمرائه في العراق والشام ومصر يطلب منهم إمداد المسلمين بالأرزاق بل إن هذا هو الذي لا يتصور غيره منه رضي الله عنه لشدة اهتمامه وحرصه على رعيته، وقد ثبت كما تقدم أنه اجتهد في إمداد الناس من الأرياف.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه في مواساته لرعيته أنه قال: إذا كنت في منزلة تسعني، وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة الناس1. خامساً: الاهتمام بالمصالح العامة للرعية، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في الفصل الثاني وهو: التنظيمات الإدارية العامة للمجتمع إن شاء الله تعالى.

_ 1 رواه الطبري / التاريخ 2/565، ورجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه فالأثر ضعيف.

المبحث الثاني: الولاة

المبحث الثاني: الولاة المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم ... المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم، وفيه مسألتان. المسألة الأولى: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة. كانت سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة على الأمصار مبنية على اختيارهم من صفوة الرعية، وممن توفرت فيهم الخصال والشروط التالية: 1- أن يكون الوالي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد لاحظ عمر رضي الله عنه في الوالي أن يكون صحابياً، وإن المتتبع لأخبار ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والأقطار الإسلامية مثل مكة والمدينة واليمن والشام، ومصر والعراق وعمان وغيرها يتضح لديه أنهم كانوا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وربما كان هناك عدد قليل من غير الصحابة ممن روى أن عمر رضي الله عنه أسند إليهم ولاية بعض المدن وسيأتي ذكرهم إن شاء الله عند الكلام على أسماء ولاة عمر رضي الله عنه. قال عمر رضي الله عنه: قد علمت والله متى تهلك العرب، إذا ساس أمرهم من لم يصحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعالج أمر الجاهلية1.

ولقد كان ابن حجر رحمه الله تعالى يستدل على كون الرجل صحابياً إذا نقل أن عمر بن الخطاب ولاه على مصر من الأمصار، فيقول: وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة1. ولم يشترط عمر رضي الله عنه في الوالي قدم الصحبة والسابقة في الإسلام، ودليل ذلك أن عمر رضي الله عنه ولى بعض من أسلم عام الفتح كمعاوية بن أبي سفيان، وأخيه يزيد بن أبي سفيان2 وغيرهما. وما روي عنه رضي الله عنه أنه قال: وليس فيها لطليق ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيئاً3. أي الإمارة، فغير ثابت عنه رضي الله عنه.

2- أن لا يكون الوالي من قومه رضي الله عنه. فلم يول عمر رضي الله عنه أحداً من قومه بني عدي سوى ما روي من توليته النعمان بن عدي بن نضلة1 على ميسان2. بل لقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجنب قرابته الولاية والخلافة من بعده وأوصى مَنْ بَعْدَهُ من الخلفاء بعدم تولية قراباتهم وحملهم على رقاب الناس، فلما طعن رضي الله عنه، وطلب منه أن

يوصي ويستخلف قال: ما أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة سعداً وعبد الرحمن، وقال: ليشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء1. وقال رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم: ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس، فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي، فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس2. 3- الاستقامة والصلاح. فقد بين رضي الله عنه أن استقامة الوالي وصلاحه سبب لصلاح رعيته ومن تحت يديه وأن فساده وانحرافه سبب لفساد الرعية وانحرافهم. قال رضي الله عنه: إن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم

ولاتهم وهداتهم1. وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: لا يستعمل الفاجر إلا فاجر، من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو فاجر مثله2 ولم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نستعين بالمنافق وإثمه عليه3. وأنه سئل: إنك تستعين بالرجل الفاجر؟ فقال عمر: إني أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه4.

4- القدرة والخبرة والسياسية. فهي لازمة لمن يتولى أمر رعاية شؤون المسلمين ومصالحهم. ولا يكفي كونه مستقيماً في نفسه وكونه صحابياً إذا كان غير قادر على القيام بأمور الولاية لأي سبب من الأسباب، أو كان قليل الخبرة والحنكة السياسية بحيث يمكن مخادعته واستغفاله واستدراجه. جاء في الحديث الصحيح أن أبا1 ذرّ رضي الله عنه قال للنبيّ صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا تستعملني. قال: "فضرب على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذرّ إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدى الذي عليه فيها"2.

فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه بعد أن سأل عنه هل هو مجزي في ولايته، فقال جرير بن عبد الله1 رضي الله عنه: والله لا هو بمجزي ولا عالم بالسياسة، فعزله وولى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه2. وعزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة3 رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك، فتحرجنا من الله أن نقرك وقد رأينا من هو أقوى منك4.

وكان رضي الله عنه يقر الوالي على ولايته ويثبته عليها إذا كان متصفاً بالقدرة والخبرة والحنكة السياسية، ومن أمثلة ذلك: إقراره رضي الله عنه عمرو بن العاص على ولاية فلسطين ثم على مصر، ولم يبعث معه معاوناً، وذلك لما اتصف به عمرو من الدهاء والحنكة السياسية العالية. قال الشعبي رحمه الله: دهاة العرب في الإسلام أربعة وذكر منهم عمرو بن العاص رضي الله عنه1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه2. وروي عنه رضي الله عنه أنه أراد أن يستعمل رجلاً فقال: من يدلني على القوي الأمين3.

5- الفطنة والذكاء. ولا تخفى أهمية تحلي الوالي بالفطنة والذكاء والدهاء وسرعة البديهة بحيث يستطيع التعامل مع كلّ حدث بما يناسبه ويضع الأمور في نصابها. فقد لقي عمر رضي الله عنه ركباً يريدون البيت الحرام، فقال: من أنتم؟ فأجابه أحدثهم سناً فقال: نحن عباد الله المسلمون، قال: من أين جئتم؟ قال: من الفج العميق، قال: أين تريدون؟ قال: البيت العتيق، قال عمر: تأولها لعمر الله، فقال: من أميركم؟ فأشار إلى شيخ منهم، فقال عمر رضي الله عنه: بل أنت أميرهم لأحدثهم سناً الذي أجابه بجيد1. 6- الرحمة والشفقة. وهي خصلة هامة وأساسية للوالي الذي جمع صفات الصلاح والقدرة والحنكة السياسية إذ بها يحسن التعامل مع الرعية ويقيم العدل فيهم ويحبهم ويحبونه ويقبلون إليه ويأنسون به ويرفعون إليه حوائجهم من

غير رهبة ووجل. قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ... } الآية1. استعمل عمر رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم على عمر رضي الله عنه فأتي عمر ببعض ولده، فقبله، فقال الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولداً لي قط، فقال عمر: فأنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملاً أبداً، فرد عهده2. 7 - الزهد في الدنيا والرغبة عنها، وعدم الحرص على الولاية. ومن الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يحب توفرها في الوالي الزهد في الدنيا. وهي صفة حميدة من صفات المؤمنين الصادقين واتصاف الوالي بها تجعله أكثر إخلاصاً لله في عمله وأبعد عن مطامع الدنيا والتطلع إليها من خلال عمله ومنصبه.

قال مالك الدار رحمه الله تعالى: أخذ عمر رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرة، ثم قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تله1 ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حوائجك. فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره ووجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل ثم تله في البيت ساعة حتى تنظر إلى ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه، تعالي يا جارية، اذهبي إلى فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران، فرمى بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسر بذلك عمر، وقال: إنهم إخوة، بعضهم من بعض2.

وقدم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه وكان من أبيض الناس وأجملهم، فحج مع عمر رضي الله عنه فجعل ينظر إليه، ويعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه، ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخٍ بخٍ، نحن إذاً خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك ما بك، إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنك، وذوو الحاجات وراء الباب1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملاً كتب له عهداً وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين، والأنصار أن لا يركب برذوناً2، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقياً3.

ولعل المراد بذلك لوثبت عدم الإسراف في التنعم لأن هذه الأمور هي من المباحات، ويبعد أن يشترط عمر رضي الله عنه على ولاته الامتناع عنها، ولكنه رضي الله عنه كان يكره الإسراف في التنعم، وتناول المباحات، ويرغب من ولاته أن يكونوا من أهل الزهادة في الدنيا والرغبة في الآخرة كما دلت على ذلك النصوص السابقة. وإن من زهد الولاة الذي كان عمر رضي الله عنه يراعيه في تولية الولاة زهدهم في الولاية والتطلع إليها، واعتبر عمر رضي الله عنه من حرص على الولاية ورغب فيها غير قادر على القيام بأعباء الولاية والإخلاص في عمله. وجاء عنه رضي الله عنه: من حرص على الإمارة لم يعدل فيها1.

هذه أهم الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يراعيها في ولاته الذين يوليهم ويؤمرهم على الأمصار. وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى نماذج من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى فيهم الولاة المثاليين، وكان يأمل لو كان عنده مثلهم، فيوليهم شئون المسلمين. قال رضي الله عنه لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملؤة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق، وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجواهر فأنفقه في سبيل الله، وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أتمنى لو أنها مملؤة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله1.

وهؤلاء الذين ذكر عمر رضي الله عنه من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين إلى الإسلام، وممن اتصفوا بالورع والتقوى، والزهد وسعة العلم، والفقه في الدين، والشجاعة، وغيرها من الصفات الحميدة. وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى جدارة بعض ولاته بالخلافة من بعده لما يتحلون به من صفات تؤهلهم لذلك. قال رضي الله عنه: فإن أصابت الإمارة سعداً1 فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أُمّر، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة2. لذلك كان ولاة عمر رضي الله عنه مثلاً عالياً في التقوى والصلاح والزهد والورع وحسن القيام بأعباء الولاية والإخلاص لله في ذلك، وفوق كل ذلك ما تميزوا به من شرف صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر رحمهما الله: أن ابعث إلي بكتاب عمر بن الخطاب، وقضائه وسيرته في أهل العهد والذمة، فإني متبع أثره وسائر سيرته إن

أعانني الله على ذلك والسلام، فكتب إليه سالم: إنك لست في زمان عمر وليس عندك رجال عمر ... الأثر1. المسألة الثانية: سياسة عمر رضي الله عنه في عزل الولاة. لقد أوضحت النصوص الثابتة عن عمر رضي الله عنه في عزله لولاته الأسباب التي كان عمر رضي الله عنه يعزل ولاته من أجلها وهي: 1- عدم القدرة على سياسة الرعية أو التقصير في ذلك. فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه حينما شهد جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه بعدم علمه بالسياسة وقيامه بواجبات الولاية2. وعزل رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه فقال: أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك3.

2- شكوى الرعية للوالي. فحين شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي بهم، عزله عمر رضي الله عنه مع يقينه بعدم صدق هذه التهمة ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً للفتنة التي قد تقع بسبب كراهية الرعية للوالي وشق عصا الطاعة عليه1. قال رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة، فقال سعد: أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الآخريين، وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: ذاك الظن بك، أو ذاك ظني بك2. وقد بين عمر رضي الله عنه عند وفاته أنه لم يعزل سعداً عن عجز ولا خيانة3. 3- عدم امتثال الوالي لأوامر الخليفة. قال عمر رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية4: إني أعتذر إليكم

من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، فنزعته وأمرت أبا عبيدة1. فبين عمر رضي الله عنه أن من أسباب عزله خالد بن الوليد هو مخالفته لأمره له بشأن قسمة المال. وروي أن عمر رضي الله عنه عزل العلاء بن الحضرمي2 لأنه أغزى جيشاً في البحر، وقد نهى عمر رضي الله عنه عن ركوب البحر في الغزو3.

4- عزل الوالي إذا بلغه عنه أمراً يكرهه. قدم أبو هريرة رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه، وكان قد ولاه بعض المهام بالبحرين - ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر رضي الله عنه: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، فقال عمر: فمن أين هي لك، فقال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فعزله عمر رضي الله عنه، ثم نظروا بعد ذلك فوجدوه كما قال أبو هريرة، فلما كان بعد دعا عمر رضي الله عنه أبا هريرة ليستعمله فأبى أن يعمل له1.

ومن ذلك ما روي من عزل عمر للنعمان بن عدي بن نضلة1 لما تغنى بأبيات فيها مدح للخمر، ثم اعتذر من عمر وبين له أنه ما أراد مدح الخمر وإنما أراد مجرد التغني بالشعر، فقال عمر: إني لأظنك صادقاً ولكن لا تعمل لي عملاً2. وعزل عمر رضي الله عنه قدامة3 بن مظعون عن البحرين4

بعد أن شهد عليه الجارود العبدي سيد عبد القيس، وأبو هريرة رضي الله عنهما بأنه شرب الخمر، فحده عمر رضي الله عنه وعزله1. وعزل عمر رضي الله عنه المغيرة بن شعبة2 عن البصرة بعد أن شهد عليه أبو بكرة3 ونافع4 وشبل بن معبد 5 بالزنى، وأنهم رأوا

كالمرود في المكحلة، ونكل زياد1 عن الشهادة وقال: رأيت مجلساً قبيحاً وانبهاراً2، فجلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ونافعاً وشبلاً حد القذف، وعزل المغيرة عن البصرة ولم يعده إلى ولايتها3. 5- عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي. ولي عمر رضي الله عنه النعمان بن مقرن المزني4 رضي الله عنه

كَسْكَر1، فكتب إليه النعمان: يا أمير المؤمنين، إن مثلي ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فعزله عمر، وكتب إليه: سر إلى الناس بنهاوند2، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان رضي الله عنه أول قتيل3.

_ 1 كَسْكَر: معناها عامل الزراعة، وقصبتها واسط التي بين الكوفة والبصرة، وكانت قصبتها قبل أن يمصر الحجاج واسط خسرو سابور، ومن مشهور نواحيها، المبارك، وعبد سي، والمذار، ونغيا، وميسان. الحموي/ معجم البلدان 4/461. 2 نهاوند: مدينة إيرانية غربي كرمنشاه. المنجد/ الأعلام ص 578. 3 رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 172. ابن سعد/ الطبقات 6/18، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/552، بحشل/ تاريخ واسط ص 34، الطبري/ التاريخ 2/524، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عفان، ثنا عوانة، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا حصين عن أبي وائل، قال: جاء سعد بن أبي وقاص ... الأثر.

المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.

المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة. لقد قامت العلاقة بين عمر رضي الله عنه وبين ولاته على مبادئ وأسس هامة كان لها أثر كبير في استقرار دولة الخلافة، وانتشار الأمن في أرجائها الواسعة وسلامتها من الفتن الداخلية ومن أهم هذه المبادئ: أولاً: طاعة الولاة للخليفة وانقيادهم له وعدم شق عصا الطاعة عليه. وقد ضرب ولاة عمر رضي الله عنه في ذلك مثلاً فريداً ورائعاً، ومن الأخبار في ذلك أن عثمان بن حنيف1 رضي الله عنه كان يكلم عمر في شيء، فأغضبه، فأخذ عمر رضي الله عنه من البطحاء قبضة فرجمه بها، فأصاب حجر منها جبينه فشجه، فسال الدم على لحيته، فكأن عمر رضي الله عنه ندم، فقال: امسح الدم عن لحيتك، فقال عثمان بن حنيف رضي الله عنه: لا يهلك هذا يا أمير المؤمنين، فوالله لما انتهكت ممن وليتني أمره أشد مما انتهكت مني، فكأن ذلك أعجب عمر، فزاده عنده خيراً2.

وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على مائدته جاثياً على ركبتيه، وأصحابه كلهم على تلك الحال، وليس في الجفنة فضل لأحد يجلس، فسلم عمرو على عمر، فرد عليه السلام، قال عمرو بن العاص؟ قال: نعم، فأدخل عمر يده في الثريد فملاها ثريداً ثم ناولها عمرو بن العاص، فقال: خذ هذا، فجلس عمرو، وجعل الثريد في يده اليسرى، ويأكل باليمنى، ووفد أهل مصر ينظرون إليه، فلما خرجوا، قال الوفد لعمرو: أي شيء صنعت؟! فقال عمرو: إنه والله لقد علم أني بما قدمت به من مصر لغني عن الثريد الذي ناولني، ولكن أراد أن يختبرني، فلو لم أقبلها للقيت شراً1. ثانياً: معاونته ومساعدته على أعباء الخلافة. لقد بين عمر رضي الله عنه أنه إنما يستعمل الولاة ليعاونوه على

أعباء الخلافة، والقيام بشئون الرعية، قال رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم، ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم1. وروي أن عمر رضي الله عنه دعا سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي2 فقال: إني مستعملك على أرض كذا وكذا، فقال سعيد: يا عمر أو تقيلني يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: والله لا أدعك، قلدتموها في عنقي وتتركوني؟ ثم قال: ألا نفرض لك رزقاً؟ فقال: قد جعلت لي في عطائي ما يكفيني دونه، وفضلاً على ما أريد ... الأثر3.

3 - مراقبة الخليفة للولاة ومحاسبته لهم. وكان عمر رضي الله عنه يراقب عماله وولاته وينظر كيف عملهم في الرعية، ويعاقب المفرطين منهم، ومن صور مراقبته رضي الله عنه لعماله وولاته سؤاله الوفود التي تقدم عليه من الأمصار المختلفة عن أمرائهم، يسأل كل وفد عن أميرهم، فيقولون خيراً، فيقول: هل يعود مريضكم؟ فيقولون: نعم، فيقول: هل يعود العبد؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها لا، عزله1.

وأذن عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن يستعمل الربيع بن زياد1 وأمره أن لا تأتي عليه عشراً إلا تعاهد عمله، وكتب إليه بسيرته في عمله حتى كأنه هو الذي استعمله2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا حتى أنظر في عمله، أَعَمل ما أمرته أم لا3. وروي أنه رضي الله عنه كان يأمر عماله أن يوافوه بالموسم ليطلع على أخبارهم، وأخبار الرعية4.

وروي أن عمير1 بن سعد رضي الله عنه عامل عمر رضي الله عنه على حمص2 مكث حولاً لا يبعث إلى عمر رضي الله عنه بأخباره، فقال عمر رضي الله عنه لكاتبه: أكتب إلى عمير، فوالله ما أراه إلا قد خاننا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جئت من فيء المسلمين حين تنظر كتابي هذا3. وكان هذا ظناً من عمر رضي الله عنه وتبين له خلافه. كما

سيأتي ذلك إن شاء الله عند ذكر ولاية عمير على حمص1. وكان رضي الله عنه يعاقب عماله ويقتص منهم إذا ثبت لديه تعديهم وظلمهم. كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: من ظلمه أميره فلا إمرة له عليه، فكان الرجل يأتي المغيرة بن شعبة، فيقول: إما أن تنصفني من نفسك، وإلا فلا إمرة لك علي2. ولكن هل يعارض هذا ما يثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج على السلطان شبراً مات ميتة جاهلية"3. والظاهر أنه لا تعارض بينهما، لأنه - والله أعلم - أن المراد بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فليصبر" يعني: إذا لم يستطع أن يأخذ حقّه بالحسنى

والمعروف، ولم يجد أحداً يرد عليه حقّه من غير نزاع وقتال وخروج على الأمير والإمام. أمّا خبر عمر رضي الله عنه فإن صاحب المظلمة تكفل له عمر رضي الله عنه وهو الإمام برد حقّه وأمره ألا يوافق أميره ولا يقرّه ظلمه له بل يرفع أمره إليه حتى يقتص منه، وحينئذٍ لن يكون هناك خروج ونزاع وقتال، لأن حقّ المظلوم قد ردّ إليه من غير ذلك، والمراد بنفي الإمرة في الأثر عدم طاعة الأمير وإقراره على الظلم، بل يرفع أمره إلى الإمام وهو عمر رضي الله عنه، وليس المراد أن يشق عصا الطاعة ويعلن الخروج والحرب على الأمير. وقال رضي الله عنه: إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا أذن له عليَّ، ليرفعها إلي حتى أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن أدب أمير رجلاً من رعيته أتقصه منه؟! فقال عمر: وما لي لا أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه1؟!

وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال لرجل من تجيب1: يا منافق، فقال التجيبي: ما نافقت منذ أسلمت، ولا أغسل لي رأساً ولا أدهنه، حتى آتي عمر رضي الله عنه، فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عمراً نفّقني، ولا والله ما نافقت منذ أسلمت، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو رضي الله عنه، وكان إذا غضب عليه يكتب:

إلى العاص بن العاص أما بعد، فإن فلاناً التجيبي ذكر أنك نفقته، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدان أن يضربك أربعين أو قال سبعين، فقام الرجل، فقال: أنشد الله رجلاً سمع عمراً نفقني إلا قام فشهد، فقام عامة أهل المسجد، فقال له حَشَمُه: أتريد أن تضرب الأمير؟ قال وعرض عليه الأرض: لو ملئت لي هذه الكنيسة ما قبلت، فقال له حشمه: أتريد أن تضربه؟ فقال التجيبي: ما أرى لعمر رضي الله عنه ها هنا طاعة، فلما ولى قال عمرو بن العاص: ردوه، فأمكنه من السوط، وجلس بين يديه، قال: أتقدر أن تمتنع مني بسلطانك؟ قال: لا، فامض لما أمِرت به، قال: فإني أدعك لله1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان بمنى إذ دخل عليه رجل من أهل مصر، فقال: يا أمير المؤمنين، استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن

العاص، فسبقته، فعدا علي، فضربني بين ظهراني المسلمين وهو يقول: خذها وأنا ابن الكريمين، فجئت أباه أستأديه فيما صنع بي، فحبسني أربعة أشهر، ثم أرسلني، فخرجت في حاج المسلمين، فجئت إليك لتأخذ مظلمتي، فقال: أعجل علي بعمرو بن العاص وابنه، فأتى بهما. قال عمر: ويحك ما بينتك على ما تقول؟ قال: الجند كلهم يا أمير المؤمنين من وافى الحاج منهم، فسأل الناس، فأخبروه بذلك، فدعا بمحمّد ابن عمرو فجرد من ثيابه، ثم أمكن المصري من السوط، ثم قال له: اضرب، فضرب المصري وعمر يقول: خذها وأنت ابن اللئيمين، حتى تركه ... الأثر1. وروي أن رجلاً من الدهاقين2 شخص إلى عمر بن الخطاب في مظلمة له، فلما قدم المدينة سأل عن عمر، فقيل: هو ذاك، وإذا هو مستلق قد جمع إزاره تحت رأسه ودرته إلى جنبه، فقال: إني أريد أمير المؤمنين، قيل: فذاك أمير المؤمنين عمر، فقال في نفسه: لقد غررت بنفسي، وذهبت بنفقتي، ثم دنا من عمر فأخبره بقصته، فأخذ قطعة جلد، فكتب فيها

بخطه: لينصفن هذا الدهقان أو لأبعثن من ينصفه، فقال الدهقان: لقد خبت وخسرت، أنفقت مالي، وأتعبت نفسي وتجشمت هذا السفر البعيد الشديد، ثم رجعت بقطعة جلد من صحيفة، وهم أن يلقيها، فلما صار إلى العامل، ودفعها إليه، قام على رجليه، فلم يجلس حتى أنصفه، فقال الدهقان: هذا والله الملك، وهذه الطاعة، لا ما كنا فيه1. ومن مراقبة عمر رضي الله عنه لعماله وولاته محاسبته لهم في مصادر أموالهم ومواردها حرصاً منه رضي الله عنه على أموال المسلمين وعلى أرزاق ولاته أن تكون مباحة لا تشوبها شائبة من مال حرام، فكان رضي الله عنه يقبض أموال ولاته إذا استكثرها حتى يستوثق من شرعية مصادرها. استعمل عمر رضي الله عنه أبا هريرة على البحرين، فقدم على عمر رضي الله عنه ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما.

قال عمر رضي الله عنه: فمن أين لك هي؟ قال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فنظروه، فوجدوه كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيراً منك يوسف عليه السلام؟ قال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، أخشى ثلاثاً أو اثنين، قال عمر: أفلا قلت خمساً؟ قال: لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي1. وقول أبي هريرة رضي الله عنه في آخر الأثر: أخشى أن ينتزع مالي يدل على أن عمر رضي الله عنه قد أخذ ماله، وقد جاء ذلك مصرحاً به في روايات أخرى وفيها أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: فأخذ مني اثني عشر ألفاً2، وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أخذ منه عشرة آلاف.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: فأمر بها أمير المؤمنين فقبضت، فكان يقول: اللهم اغفر لأمير المؤمنين1. ولكن طلب عمر من أبي هريرة رضي الله عنهما أن يتولى الإمارة مرة أخرى دليل على عدم اتهام عمر رضي الله عنه لأبي هريرة باكتساب أمواله من وجوه غير شرعية ولعل عمر رضي الله عنه أعادها إليه بعد ذلك أو أنه جعلها في مال المسلمين، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه أن تكون أموال أبي هريرة خالصة لا شبهة فيها خصوصاً وأن الوالي قد تأتيه بعض الهدايا والأموال التي لا حق له فيها، فيأخذها من غير علم أو قصد. وممن روي أن عمر رضي الله عنه أخذ أموالهم وقاسمهم فأعطاهم شطرها، وقبض شطراً، عمال عمر رضي الله عنهم الذين شكاهم يزيد بن الصعق2 في أبيات بعث بها إلى عمر رضي الله عنه يطلب منه أن

ينظر في أموالهم، فقاسمهم عمر رضي الله عنه شطر أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً، وهم الحجاج بن عتيك الثقفي1 وجزء بن معاوية2 عم الأحنف، وبشر بن المحتفز3، وخالد بن الحارث4، وكان على بيت المال بأصبهان، وعاصم بن قيس بن الصلت5، وكان على مناذر6، وسمرة بن جندب7، وكان على سوق الأهواز8،

والنعمان بن عدي1، وكان على كور دجلة، ومجاشع بن مسعود2، وكان على صدقات البصرة، وشبل بن معبد 3، وكان على الغنائم، وأبو مريم الحنفي4، وكان على رامهرمز5.

وروي أن عمر رضي الله عنه قاسم عمرو بن العاص ماله، فكتب إليه: إنه قد فشت له فاشية من متاع، ورقيق وآنية، وحيوان لم يكن حين وليت مصر؟ فكتب إليه عمر: إنا أرضنا أرض مزدرع ومتجر نصيب فضلاً عما نحتاج لنفقتنا، فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى، وكتابك إلي كتاب من أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظناً، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة1 ليقاسمك مالك، فأطلعه طعله، وأخرج إليه ما يطالبك بها، واعفه من الغلظة عليك، فإنه برح الخفاء، فقاسمه ماله2.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا ولي عماله كتب أموالهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك1.

_ 1 رواه ابن سعد/ الطبقات 3/307، البلاذري/ فتوح البلدان ص 220،221، أنساب الأشراف ص 257، ومداره على الواقدي، ورواه البلاذري من طريق آخر بلفظ: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب ماله. وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف. ورواه في فتوح البلدان من رواية عبد الله بن المبارك عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه معضلة، فهو ثقة من الثامنة.

المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.

المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها. إن من حقوق الولاة على الرعية الطاعة بالمعروف التي هي حق من حقوق الخليفة لأن طاعة الوالي طاعة لمن ولاه. قال صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني"1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا استعمل الولاة كتب: إني بعثت إليكم فلاناً فأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا2. وأما حقوق الرعية وواجباتهم على الولاة فقد بينها عمر رضي الله عنه بقوله رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم، ويرفعوا إلي ما أشكل من أمرهم3. فبين عمر رضي الله عنه أن من واجبات الولاة على الرعية إقامة

العدل بينهم، ونشر العلم بينهم وتفقيههم بشرع الله، وإعطاؤهم حقوقهم المشروعة لهم، والتعرف على حوائجهم وما ينوبهم من أمور ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة بل أن عمر رضي الله عنه ألزم ولاته بالتعرف الدقيق على أحوال الرعية ومواساتهم وعدم الترفع عليهم وإهمال الضعفاء والفقراء، فكان رضي الله عنه يسأل الوفد إذا قدموا عليه عن أميرهم فيقول: هل يعود المريض؟ هل يعود العبد؟ كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا بخصلة واحدة منها: لا، عزله1. ومن حقوق الرعية التي أوجبها عمر رضي الله عنه على ولاته عدم الاستئثار عليهم في مآكلهم ومشاربهم وسائر أحوالهم وأن لا يمنعوهم ولا يحرموهم شيئاً يستمتعون به. بعث عتبة بن فرقد2 رضي الله عنه مع مولاه من أذربيجان3 بسلال فيها خبيص وهو نوع جيد من الحلوى، فتذوقه عمر رضي الله عنه، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ فقال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: أما بعد: فليس من كدك، ولا كد أمك، ولا كد أبيك،

لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بيان واجبات الولاة نحو الرعية: أن عمر رضي الله عنه بعث أبا موسى الأشعري والياً فقال لمن بُعث إليهم: إن أمير المؤمنين بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم2. وروي أن عمر رضي الله عنه استعمل معاذاً3 على الشام،

فكتب إليه: أن أعط الناس أعطياتهم واغز بهم1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل ولاته شرط عليهم أن لا يتخذوا أبواباً للمجالس التي يجلسون فيها للناس2. وذلك حتى لا يحتجبوا عنهم. وروي أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عندالله من شقيت به رعيته3.

وروي أنه كتب لعمرو بن العاص وهو أمير لمصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك1.

_ رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 274، وفي إسناده رشاء بن نظيف والحسن المصري، وأبو بكر المالكي لم أجد لهم تراجم، وهو معضل من رواية سفيان بن عيينة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثامنة، ورواه من طريق آخر وهو معضل أيضاً من رواية المدائني، المتوفى سنة 225هـ، عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.

المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار

المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار. قبل البدء في ذكر ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن في الدولة الإسلامية أود الإشارة إلى النقاط التالية: 1- إن الغالب على الروايات والأخبار التي ذكرت ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية الضعف إما لورودها من غير أسانيد أو بأسانيد فيها كثير من الضعفاء والمجاهيل والمتروكين أو بأسانيد منقطعة أو معضلة والقليل منها نقل بأسانيد صحيحة أو حسنة ولا شك أن مثل هذه الأخبار لا يتشدد فيها خصوصاً وأن الولاة الواردة أسماؤهم ممن ثبتت صحبتهم وممن توفرت فيهم شروط عمر رضي الله عنه في تولية الولاة. وقد تأتي بعض القرائن التي تدل عدم ثبوت الرواية فحينئذٍ يمكن رد الرواية بهذه القرائن والحجج القوية. 2- يلاحظ تعاقب عدد من الولاة على بعض المدن في مدة قصيرة وذلك راجع لكثرة استبدال عمر رضي الله عنه الولاة في هذه المدن حسب ما تقتضيه مصلحة الرعية مما قد يوهم بتعارض الروايات أو عدم ثبوتها. 3- إن ولاة عمر رضي الله عنه على المدن والأمصار خارج الجزيرة العربية كانوا في الغالب هم قادة الفتح، وأمراء الجيوش في البلاد المفتوحة.

وهذه أسماء ولاته رضي الله عنه على المدن والأمصار الإسلامية: 1- المدينة النبوية. إن لمدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم منزلة ومكانة متميزة عن بقية مدن الخلافة الإسلامية، فهي مقر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفيها مسكنه صلى الله عليه وسلم، وقبره، وفيها مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان مدرسة الإسلام الأولى التي تخرج منها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ملؤوا الأرض علماً وإيماناً ونوراً، فكانوا هم العلماء العاملين القادة الفاتحين. والمدينة هي عاصمة دولة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصّديق رضي الله عنه. وكذا كانت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لها مكانتها العالية فهي مقرّ الخلافة وفيها يقيم الخليفة عمر رضي الله عنه وأهل مشورته ووزراؤه من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها تدار شؤون الدولة الإسلامية، وتبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس والعراق والشام وإفريقية، وإليها ترسل الغنائم والفيئ والزكاة، ومنها يبعث الأمراء على البلدان والأقاليم. وكان عمر رضي الله عنه يقيم بالمدينة وكان هو الذي يتولى أمر الرعية فيها ويقف على أحوالهم ويقضي حوائجهم، فلم يكن بحاجة لأمير يعاونه في ذلك، ولكنه رضي الله عنه كان يستخلف على المدينة من يقوم مقامه عند غيابه وممن استخلف عمر رضي الله عنه على المدينة:

1- زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. فكان رضي الله عنه يستخلفه إذا سافر1، وكان يستخلفه على المدينة إذا خرج حاجاً2، وحين خرج إلى بلاد الشام لما وقع بها الطاعون3. 2- علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقد روي أن عمر رضي الله عنه استخلفه على المدينة عندما هم بالخروج لقتال الفرس بنفسه في موقعة القادسية4، وحينما خرج إلى بلاد الشام لعقد الصلح مع الروم في السنة الخامسة عشرة5، وكذلك

عندما خرج إلى الشام في السنة السابعة عشرة1، وهي غير المرة التي رجع فيها عندما علم بوقوع الطاعون، وكانت سنة ثمان عشرة للهجرة. وإن مما يزيد اليقين بثبوت الرواية التي فيها استخلاف عمر لعلي رضي الله عنه، اقتداء عمر رضي الله عنه في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه علياً فقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة يوم غزوة تبوك، فقال علي رضي الله عنه أتخلفني في الصبيان والنساء؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي2.

2- مكة: 1- عتاب بن أسيد1 رضي الله عنه. ذكر الطبري رحمه الله أن عتاباً كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة من السنة الثالثة عشرة وهي السنة التي ولي فيها عمر رضي الله عنه الخلافة حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله بسنة واحدة2. والذي ذكره خليفة بن خياط3 والذهبي4 رحمهما الله: أن عتاباً وأبا بكر رضي الله عنهما توفيا في يوم واحد، ونقل ذلك ابن عبد البر رحمه الله عن الواقدي وَوَلد عتاب، قال: وقال محمد بن سلام وغيره: جاء نعي أبي بكر إلى مكة يوم دفن عتاب بها5، ويعني هذا أن عتاباً لم يتول الإمارة في خلافة عمر رضي الله عنه لأنه كان قد توفي.

فالتعارض بين الروايتين ظاهر، وبَيّن ولا يمكن الجمع بينهما فلا بد من ترجيح إحداهما على الأخرى، وكأن ابن حجر رحمه الله مال إلى ترجيح قول الطبري رحمه الله تعالى قال: وروى الطيالسي والبخاري في تاريخه من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار عن عمرو1 بن أبي عقرب سمعت عتاب أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان. وإسناده حسن، ومقتضاه أن يكون عتاب عاش بعد أبي بكر، ويؤيد ذلك أن الطبري ذكره في عمال عمر في سني خلافته كلها إلى سنة اثنتين وعشرين، ثم ذكر أن عامل عمر على مكة سنة ثلاث وعشرين كان نافع بن عبد الحارث، فهذا يشعر بأن عتاباً مات في آخر خلافة عمر رضي الله عنه2.

2- محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى القرشي1. استخلفه عتاب بن أسيد على مكة في سفر سافرها، ثم ولاه عمر بن الخطاب مكة في أول ولايته ثم عزله2. ولم تذكر مدة ولايته وهو أول ولاة عمر رضي الله عنه على مكة على قول من قال إن عتاباً توفي يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه. 3- قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي رضي الله عنه3. ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله محرز بن حارثة، ولم تذكر مدة ولايته أيضاً4.

4- نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه1. ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله قنفذ بن عمير، فخرج نافع إلى عمر، واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزى، فقال له عمر رضي الله عنه: استخلفت على آل الله مولاك، فعزله2. وعند الطبري أنه كان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها عمر رضي الله عنه3. وثبت أن نافعاً لقي عمر رضي الله عنه بعسفان فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال عمر بن الخطاب: من ابن أبزى؟ قال: رجل من مواليّ، قال: استخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه لعالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين4.

5- خالد بن العاص بن هشام المخزومي1. ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله نافع بن عبد الحارث2. 6- طارق بن المرتفع الكناني3 رضي الله عنه. كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة4، استعمله عمر رضي

الله عنه عليها بعد عزله نافع بن عبد الحارث1. ولعلّه كان يتناوب الإمارة مع خالد بن العاص. 7- الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. روي أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فاستعمله على بعض عمله بمكة فأقره أبو بكر وعمر وعثمان، ثم انتقل إلى البصرة واختط بها داراً، ومات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يذكر متى كانت ولايته ولعلها كانت على بعض المهام وليس مطلق الإمارة2.

وهؤلاء الولاة الذين تقدم ذكرهم كانوا ولاة على مكة من قبل عمر رضي الله عنه على ما ذكره بعض المؤرخين وأما الطبري رحمه الله فذهب إلى أن والي عمر رضي الله عنه على مكة منذ استخلف حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله رضي الله عنه بسنة واحدة هو عتاب بن أسيد وكان واليه على مكة سنة ثلاث وعشرين نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه، فعلى قول الطبري رحمه الله تكون ولاية محرز بن حارثة وقنفذ بن عمير ولاية على بعض المهام وليس مطلق الولاية وذلك مع وجود الوالي الحقيقي وهو عتاب بن أسيد أو كانت ولاية قصيرة مؤقتة لغياب عتاب بن أسيد خصوصاً وأنه لم تذكر مدة ولايتهما ثم ولي عمر رضي الله عنه نافع بن عبد الحارث قبل مقتله بسنة فكان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها رضي الله عنه. ولم يعزله عمر رضي الله عنه حيث وردت قصة خروجه وإنابته مولى له بسند صحيح وليس فيها أن عمر رضي الله عنه عزله كما ذكر بعض المؤرخين أن عمر رضي الله عنه عزله بسبب ذلك وولى بعده خالد ابن العاص وطارق بن المرتفع1، وقد يوفق بينهما بأنه رضي الله عنه

ولاهما بعض المهام الخاصة بنافع أو أنه عزل نافعاً وولى خالداً وطارقاً مدة قصيرة ثم أعاد نافع بن عبد الحارث فتوفي عمر رضي الله عنه وهو على مكة والله أعلم. 3- الطائف: 1- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه1: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف فلم يزل عليها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر وهما السنة الثالثة عشرة والرابعة عشرة2. ثم عزله وولاه عمان والبحرين.

2- يعلى بن أمية التميمي الحنظلي1 رضي الله عنه: كان والياً لعمر رضي الله عنه على الطائف سنة خمس عشرة2. 3- سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي3 رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على الطائف ومخاليفها4، وكان استعمال عمر رضي الله عنه له بعد عزله عثمان بن أبي العاص في السنة الخامسة عشر كما ذكر ابن عبد البر5، وابن الأثير6 وأما يعلى بن أمية المتقدم ذكره والذي ذكره الطبري أن عمر رضي الله عنه استعمله سنة خمس عشرة فلعل ولايته كانت قصيرة لبضعة أشهر أو أنه كان نائباً عن سفيان في بعض الأحيان، وقد استمرت ولاية سفيان حتى سنة ثلاث

وعشرين حيث ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر سنة ثلاث وعشرين ولم يذكر المؤرخون أسماء ولاة الطائف في السنوات من السادسة عشرة إلى الثانية والعشرين فلا ريب أنه رضي الله عنه كان واليها في تلك السنوات خصوصاً وأنه لم ينص أحد على عزل عمر رضي الله عنه له. 4- عتبة بن أبي سفيان بن حرب القرشي الأموي1 أخو معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه. ولاه عمر رضي الله عنه الطائف وصدقاتها2. ولم تذكر متى كانت ولايته وكم استمرت والظاهر والله أعلم أنه كان من عمال الصدقة ولم يكن والياً.

4- اليمن: 1- يعلى بن أمية التميمي1 رضي الله عنه: كان عاملاً لعمر على اليمن في سنوات خلافته كلها2، وقد تقدم ذكره في ولاة عمر رضي الله عنه على الطائف في السنة الخامسة عشرة وذكرت بأن ولايته كانت قصيرة ربما لم تتجاوز عدة أشهر أو كان نائباً عن الوالي الحقيقي وهو سفيان بن عبد الله في غيابه3. ومما يؤيد ذلك أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على اليمن في سنوات خلافته كلها. 2- عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي4 رضي الله عنه:

أقره عمر رضي الله عنه على الجَنَد1 من اليمن بعد أن كان والياً عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه2. 3- عدي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى3.

ذكر أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حضرموت، وقيل إنه كان والياً لعثمان رضي الله عنه1. 5- عُمان: 1- بلال الأنصاري2 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه عمان، ثم عزله وضم عمان إلى عثمان ابن أبي العاص3. 2- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه: تقدم أن عمر رضي الله عنه أقره سنتين من خلافته على الطائف، ثم عزله وولاه سنة خمس عشرة عمان والبحرين4.

وكانت له فتوح بفارس، فقد روى أنه كان يذهب للجهاد، ويخلف على عمان والبحرين أخاه المغيرة بن أبي العاص، ويقال حفص بن أبي العاص1. وفي رواية أن عمر رضي الله عنه ولاه البحرين وعمان، فوجه أخاه الحكم2 إلى البحرين ومضى هو إلى عمان، فأقطع جيشاً إلى تانة3، فلما رجع كتب إلى عمر، فكتب إليه: يا أخا ثقيف، حملت دوداً على عود، وإني أحلف بالله أن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم، ووجه عثمان أخاه الحكم إلى بروص4، وأخاه المغيرة إلى خور الديبل5، فلقي العدو، فظفر بهم6.

وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إليه لما ولاه عمان: أن سر بأهل البحرين - يعني للجهاد - إلى شهرك1. وكان يغزو سنوات في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما يغزو صيفاً، فيرجع ويشتو بتوج2. 3- حذيفة بن محصن الغلفائي3:

ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على عمان من السنة التي ولي فيها الخلافة حتى سنة اثنين وعشرين ولم يذكر من ولي عمان في آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه1. والذي عليه خليفة بن خياط2، وابن عبد البر3، وابن الأثير4 أنه كان والياً على عمان في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأن والي عمان في خلافة عمر رضي الله عنه هو عثمان ابن أبي العاص الثقفي واستمر والياً عليها حتى وفاة عمر رضي الله عنه. ولعل حذيفة كان معاوناً ومساعداً لعثمان بن أبي العاص في بعض المهام خصوصاً أثناء غيابه لانشغاله بالفتوح، والله أعلم.

6- البحرين: 1- العلاء بن الحضرمي1 رضي الله عنه. أقره عمر رضي الله عنه على البحرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه إياها وأبو بكر كذلك، ثم عزله عمر رضي الله عنه، وولاه البصرة، فمات قبل أن يصل إليها في أواخر سنة أربع عشرة وأوائل سنة خمس عشرة من الهجرة2. وقيل إن العلاء توفي في سنة عشرين أو إحدى وعشرين، فولى عمر رضي الله عنه مكانه أبا هريرة رضي الله عنه3. وقد ذكر الطبري رحمه الله أن العلاء كان والياً لعمر رضي الله عنه على البحرين في السنوات ثلاث عشرة وأربع عشرة وست عشرة،

وأن عمر رضي الله عنه عزله عن البحرين عندما أمره بعدم ركوب البحر بجند المسلمين لقتال الفرس، فلم يستجب لذلك فندب أهل البحرين إلى فارس، فتسارعوا إلى ذلك، وفرقهم أجنداً، وقاتل الفرس بإصطخر1، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم أراد الرجوع إلى البصرة بمن معه من المسلمين وقد غرقت سفنهم، فبلغ الخبر عمر رضي الله عنه، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله، ويؤمر سعد بن أبي وقاص عليه، وأمره أن يلحق بجند سعد رضي الله عنهما، وكان ذلك في السنة السابعة عشرة من الهجرة2. وهذا القول قريب من القول الأول وهو أن عزل العلاء كان في السنة الخامسة عشرة إذ أن الفارق التاريخي بينهما قليل وهذا يقع كثيراً بين المؤرخين للاختلاف في بداية التاريخ الهجري، وسرعة بلوغ الخبر عند البعض، وتأخره عند البعض الآخر، وأما القول بأن موت العلاء كان في سنة عشرين أو إحدى وعشرين فقد نقله المؤرخون بصيغة التمريض والتضعيف كما تقدم ذلك3.

2- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على البحرين بعد عزله العلاء بن الحضرمي، وقد تقدم الكلام عن ولايته على عمان والفتوحات التي قام بها وقد أورد المؤرخون خبر تولية عمر رضي الله عنه له عمان والبحرين معاً1. واستمر عثمان رضي الله عنه والياً على البحرين حتى وفاة عمر رضي الله عنه حيث لم يذكر أحد من المؤرخين فيما بحثت فيه عزل عمر رضي الله عنه له. 3- عياش بن أبي ثور2 رضي الله عنه: ذكر أنه من ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين قبل قدامة بن مظعون3 رضي الله عنه4، ويظهر أن ولايته كانت على جباية الأموال وعلى الصدقات كما كانت ولاية قدامة بن مظعون رضي الله عنه وأنها

كانت قصيرة فأغفلها كثير من المؤرخين. 4- قدامة بن مظعون رضي الله عنه: ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين، ولم تذكر سنة ولايته والراجح عندي أنها كانت على جباية الأموال والصدقات حيث أن تلك المهمة كانت من خصوصيات الولاة، ولعل عمر رضي الله عنه بعثه على تلك المهمة لأن والي البحرين عثمان بن أبي العاص كان منشغلاً بالفتوح وبالقتال مع الفرس، وولى عمر معه معاوناً لعثمان أبا هريرة على القضاء والصلاة1. ثم إن عمر رضي الله عنه عزل قدامة بعد أن شرب الخمر وشهد عليه الجارود القيسي2 سيد عبد القيس3، وأبو هريرة رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه لأبي هريرة: بما تشهد؟ فقال: لم أره شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، فقال: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، فقدم قدامة، فأقام عليه عمر رضي الله عنه حد الخمر4 وعزله.

5- أبو هريرة رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه عمل قدامة بن مظعون بعد عزله سنة عشرين من الهجرة ثم عزله عمر رضي الله عنه عن البحرين، وقاسمه ماله1. وأسند المهام التي كان يقوم بها لوالي البحرين الرسمي وهو عثمان ابن أبي العاص ولذلك ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه لما عزل أبا هريرة وولى البحرين عثمان2. أي أسند إليه مهام أبي هريرة وهذا يؤيد ما ذكره أهل التاريخ من أن عثمان بن أبي العاص كان والي البحرين لعمر بعد عزل العلاء وحتى وفاة عمر رضي الله عنه3. 7- اليمامة: 1- حذيفة بن محصن الغلفائي4: ذكر الطبري أن عمر رضي الله عنه ولاه عمان واليمامة في السنة الثالثة عشر5.

2- عثمان بن أبي العاص الثقفي: تقدم أن الطبري رحمه الله ذكر أن عمر رضي الله عنه ولى عثمان البحرين واليمامة بعد عزله عن ولاية الطائف في السنة الرابعة عشرة وأن غير الطبري ذكر ولايته على البحرين وعمان في السنة الخامسة عشرة حتى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، ولم يذكروا ولايته على اليمامة1، فلعل اليمامة كانت تابعة من ناحية الإمارة للبحرين لقربها منها جغرافياً2. 3- أبو هريرة رضي الله عنه: ذكر الطبري أن عمر ولاه البحرين واليمامة بعد عزله قدامة بن مظعون عن البحرين وقد تقدم أن قدامة ولاه عمر رضي الله عنه البحرين وأن ولايته كانت لجباية الأموال ثم عزله وولى أبا هريرة ثم عزله وأسند المهام التي كلف بها قدامة وأبا هريرة للوالي الحقيقي وهو عثمان بن أبي العاص3.

وهذا يؤيد القول بأن اليمامة والبحرين كانت تحت ولاية واحدة وأن المراد بولاية أبي هريرة لليمامة هي ولاية جباية الصدقات وأن ذلك كان حين ولي ذلك في البحرين. 8- البصرة: 1- شريح بن عامر بن قيس السعدي1 رضي الله عنه: ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه ولاه البصرة حين بعثه مدداً لقطبة بن قتادة السدوسي2 رضي الله عنه لما كتب إليه يستمده في قتال الفرس، فقال لشريح: كن ردءاً للمسلمين، فأقبل إلى البصرة، ثم سار إلى الأهواز3، فقتل بها فبعث عمر رضي الله عنه على عمله عتبة بن غزوان4.

2- عتبة بن غزوان رضي الله عنه: أمره عمر رضي الله عنه على البصرة بعد مقتل شريح بن عامر، وكان ذلك في السنة الرابعة عشرة من الهجرة1. وذلك لقطع المدد عن

جند الفرس بالمدائن1، فخرج عتبة رضي الله عنه من المدينة بثلاثمائة مقاتل في شهر صفر، وانضم إليه بعض الأعراب، فقدم البصرة ومعه خمسمائة جندي أو أقل أو أزيد في شهر ربيع الأول أو الآخر، فنزل عتبة بالخريبة2، وبالأبلة3 خمسمائة من الأساورة4 يحمونها، وكانت مرفأ

السفن من الصين وما دونها، فسار عتبة، فنزل دون الأجّانة، فأقام نحواً من شهر، ثم خرج أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فهزمهم، ففروا، وخلوا المدينة، فدخلها المسلمون1. وبعد دخولهم الأبلة خطب فيهم عتبة رضي الله عنه خطبة ذكرهم فيها بفناء الدنيا، وأن الناس منتقلون منها إما إلى جنة أو نار، وذكرهم بحالهم في بداية الإسلام، وما من الله به عليهم، قال رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حَذّاء2، ولم يبق منها إلا صُبَابة3 كصبابة الإناء، يتصابها صحابها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً، والله لتملأن، أفعجبتم، ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا من

طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك1، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وعند الله صغيراً2. ثم اختط عتبة بن غزوان البصرة، وكانت قبل ذلك تسمى الأبلة، وأمر محجن بن الأدرع3 بخط المسجد، وبناه بالقصب، ثم خرج رضي الله عنه حاجاً، وخلف على البصرة مجاشع بن مسعود4، وأمره أن يسير إلى الفرات، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فجمع أهل مسيان5 للمغيرة عليهم الفيلكان عظيم من عظماء الفرس، فظهر عليهم المغيرة، وكتب بالفتح إلى عمر، فأمر عمر عتبة أن يسير إلى عمله، فمات قبل أن يصل البصرة، فقدم غلامه سويد على عمر بمتاعه، فأقر عمر المغيرة على البصرة وكان ذلك في آخر سنة أربع عشرة وأول

سنة خمس عشرة من الهجرة1. وكانت مدة ولاية عتبة بن غزوان رضي الله عنه على البصرة ستة أشهر2.

3- المغيرة بن شعبة1 رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على البصرة بعد وفاة عتبة بن غزوان رضي الله عنه وكانت مدة ولايته سنتين من السنة الخامسة عشرة إلى السنة السابعة عشرة، وكانت له عدة فتوح في بلاد العراق وفارس، ومنها فتح مدينة ميسان2، ثم عزله عمر رضي الله عنه بعد اتهامه بالزنى3. 4- عبد الرحمن بن سهل بن يزيد بن كعب الأنصاري4 رضي الله عنه: قال ابن الأثير نقلاً عن أبي نعيم: ولاه عمر البصرة بعد موت عتبة ابن غزوان، ولم أقف على من ذكر ولايته على البصرة ممن ترجم له غير

ما نقله ابن الأثير1. 5- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه بعد عزله المغيرة بن شعبة عن البصرة في السنة السابعة عشرة واستمر والياً عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه، وكانت له عدة فتوح ببلاد فارس ومنها فتح الأهواز2 ثم أصبهان3. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب مع أبي موسى حين ولاه كتاباً للمغيرة وفيه أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى أميراً، فسلم إليه ما في يدك والعجل، وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويكم، وليقاتل بكم عدوكم، ويدفع عن ذمتكم وليحصي لكم فيئكم ثم يقسمه بينكم، ولينقي لكم طرقكم4.

وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى الخليفة من بعده ألا يقر أميراً من أمرائه أكثر من سنة إلا أبا موسى الأشعري1. وروي أن عمر رضي الله عنه نزع أبا موسى عن البصرة وولاها عمر بن سراقة2، وولى أبا موسى الكوفة ثم أعاد أبا موسى على البصرة وصرف عمر بن سراقة إلى الكوفة3. وروي أن عمر رضي الله عنه ولي أبا موسى الأشعري رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه في سنة اثنتين وعشرين، وأنه رضي الله عنه مكث على ولاية الكوفة سنة واحدة ثم عزله بعد أن شكاه أهل الكوفة4. ولعل ما روي من نزع أبي موسى

عن البصرة وتولية عمر بن سراقة عليها كان لمدة قصيرة جداً وغير معتبرة ولذلك أهملها المؤرخون ثم أعاده عمر رضي الله عنه على البصرة كما ذكرت الرواية. وأما الرواية التي فيها أنه ولى أبا موسى على الكوفة بعد نزع عمار عنها في سنة اثنتين وعشرين فإن الطبري قال: في قول بعضهم، وقد ذكرت ما قال الواقدي، والذي نقله الطبري عن الواقدي هو أن عمر رضي الله عنه ولى الكوفة بعد نزع عمار بن ياسر عنها المغيرة بن شعبة1. وهذا القول هو الذي اعتمده الطبري في ذكره لولاة الكوفة واعتمد أيضاً القول باستمرار ولاية أبي موسى على البصرة منذ ولاه إياها عمر حتى توفي عمر رضي الله عنه كما تقدم ذلك، وقد يوفق بين الروايتين بأن عمر رضي الله عنه لم يعزل أبا موسى عن البصرة بل ضم إليه الكوفة بعد عزل عمار عنها حتى عين والياً آخر عليها وهو المغيرة بن شعبة، والله أعلم.

9- الكوفة: 1- المثنى بن حارثة الشيباني1 رضي الله عنه: ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً على الكوفة من قبل عمر رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة من الهجرة2، والكوفة إنما مصرت في السنة السابعة عشرة على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ومراد الطبري رحمه الله أنه كان والياً على موضع الكوفة وما جاوره من المناطق والمواضع التي كانت جيوش المسلمين ترابط بها، والتي كانت تحت قيادته رضي الله عنه، حيث قاد رضي الله عنه المسلمين في موقعة البويب3 التي قتل فيها قائد الفرس مهران واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.

2- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة في السنة الرابعة عشرة بعد عزل المثنى بن حارثة رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين وأمر عمر له بالانضمام تحت لواء سعد بن أبي وقاص الذي ولاه قيادة جيش المسلمين في موقعة القادسية1، ولكن المثنى رضي الله عنه توفي قبل أن يصل إليه سعد متأثراً بجراحه التي أصيب بها في موقعة الجسر2. وجهود سعد رضي الله عنه في فتوح العراق وبلاؤه فيها أشهر من أن يكتب عنها، فهو قائد الموقعة العظيمة الفاصلة موقعة القادسية، والتي هزم فيها الفرس شر هزيمة، وهو قائد موقعة المدائن3 التي دخل فيها المسلمون المدائن واستولوا على إيوان كسرى وعرشه، وقائد موقعة

جلولاء1 وغيرها من المواقع. وهو الذي مصر مدينة الكوفة، وأنشأها، وكان ذلك في شهر محرم من السنة السابعة عشرة للهجرة. وسبب بنائها ما ذكره الطبري رحمه الله أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالمدائن: أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: إن العرب خدَدَهم2، وكفى3 ألوانهم وخومة المدائن ودجلة. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان فابعث سلمان4 رائداً، وحذيفة5 - وكانا

رائدي الجيش - فليرتادا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فخرج سلمان حتى أتى الأنبار1 فسار غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة وهي على حصباء، فنزلها فصليا، وقال كل واحد منهما: اللهم رب السماء وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، والريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت والشياطين وما أضلت، بارك لنا في هذه الكوفة، واجعلها منزل ثبات. وكتبا إلى سعد بالخبر2. ثم شرع سعد رضي الله عنه في بناء الكوفة، وبعث إلى أبي الهياج3، فأخبره بكتاب عمر رضي الله عنه في الطرق، وكان أول ما بنى فيها المسجد في وسط المدينة، وبقربه دار الإمارة، وحوله البنيان بعيداً عنه، حيث أمر برام شديد النزع فرمى حول المسجد بسهمه، وأمر من

أراد البناء أن يبني خلف السهم، وأنزل القبائل العربية في الكوفة1. وجاء من طريق صحيح أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أراد أن ينزل المسلمين المدائن فاجتووها وكرهوها، فبلغ عمر رضي الله عنه أن الناس كرهوها، فسأل: هل تصلح بها الإبل؟ قالوا: لا، لأن بها البعوض، فقال عمر: فإن العرب لا تصلح بأرض لا تصلح بها الإبل، فارجعوا، فلقي سعد بن أبي وقاص عباداً2، فقال: أنا أدلكم على أرض ارتفعت من البقعة3، وتطأطأت من السبخة4، وتسوطت الريف5، وطعنت في أنف التربة، أرض بين الحيرة6

والفرات1. واستمرت ولاية سعد رضي الله عنه على الكوفة حتى سنة عشرين من الهجرة2.ثم عزله عمر رضي الله عنه لشكاية أهل الكوفة له أنه لا يحسن يصلي بهم ودعاه عمر رضي الله عنه إلى المدينة، فقدم سعد رضي الله عنه، فذكر له عمر رضي الله عنه له ما عابوا عليه من أمر الصلاة، فقال رضي الله عنه: إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، إني لأركد بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر رضي الله عنه: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل عمر رضي الله عنه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة وبعث معهم سعداً، فسألوا أهل الكوفة عن سعد، ولم يدعوا مسجداً إلا سألوا عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخلوا مسجداً لبني عبس3، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا

سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسَّرِيَّة1، ولا يقسم بالسويّة ولا يعدل في القضية، فقال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبد ك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، فكان الرجل بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك أحد رواة الأثر: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن2. وروي أن أهل الكوفة شكوا سعداً لعمر بأنه اتخذ باباً على قصره يحتجب به عن الناس وعن حاجاتهم، فبعث عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة3 إلى الكوفة وأمره بإحراق باب سعد بن أبي وقاص، فأحرقه4.

وعلى الرغم من عزل عمر رضي الله عنه لسعد عن ولاية الكوفة، إلا أنه بين أنه لم يعزله بسبب تقصيره في أداء واجبه أو عجزه عن أداء مهمته أو خيانته. قال رضي الله عنه عن سعد رضي الله عنه: إني لم أعزله عن عجز ولا خيانة1. ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً لدابر الفتنة التي قد يثيرها المرجفون ومن معهم من الغوغاء، فكان فعله ذلك رضي الله عنه إخراساً لألسنتهم وقطعاً لحجتهم، ولذا جاء عنه رضي الله عنه أنه قال لأهل الكوفة: لأبدلنكم حتى ترضون، أي بالأمير الذي يتولى أمركم2. 3- عبد الله بن عبد الله بن عتبان رضي الله عنه3.

4- زياد بن حنظلة رضي الله عنه1: قال الطبري رحمه الله تعالى نقلاً عن سيف بن عمر: وكان بين عمل سعد بن أبي وقاص، وبين عمل عمار بن ياسر أميران، أحدهما عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وفي زمانه كانت وقعة نهاوند، وزياد بن حنظلة حليف بني عدي بن قصي، وفي زمانه أمر بالانسياح وعزل عبد الله ابن عبد الله، وبعثه في وجه آخر من الوجوه، وولى زياد بن حنظلة، وكان من المهاجرين، فعمل قليلاً، وألح في الاستعفاء فأعفي، وولى عماراً2. ولم تذكر مدة ولايتيهما ولعلها كانت قصيرة ولمدة عدد من الأشهر فقط. 5- عمار بن ياسر رضي الله عنه: ولاه عمر الكوفة في سنة إحدى وعشرين بعد عزله سعد بن أبي وقاص في سنة عشرين من الهجرة3. ولما ولى عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه، بعث

معه عبد الله بن مسعود معلماً لأهل الكوفة، وكتب إليهم: أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار أميراً وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء1 من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما، وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي2. وكان من مهام عمار رضي الله عنه الصلاة بالناس، وقيادة الجيوش وعبد الله بن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف3 على مساحة الأرض، وكان عطاؤهم كل يوم شاة، شطرها لعمار لأنه الأمير، وشطرها الباقي لابن مسعود وابن حنيف4.

واستمر عمار رضي الله عنه عاملاً لعمر رضي الله عنه على الكوفة لمدة سنة واحدة وبعض السنة، ثم عزله عمر رضي الله عنه في سنة اثنين وعشرين1. وكان سبب عزل عمر رضي الله عنه له، شهادة جرير بن عبد الله رضي الله عنه بضعفه في سياسة الرعية، وذلك حينما سأل عنه عمر رضي الله عنه2.

6- المغيرة بن شعبة1 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه2. ولعل ذلك كان في بداية السنة الثانية والعشرين فقد ذكر المؤرخون أن ولايته استمرت نحواً من سنتين، وكان والياً على الكوفة حين قتل عمر رضي الله عنه3.

وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى المغيرة لما بعثه على الكوفة فقال: ليأمنك الأبرار، وليخافك الفجار1. وكان للمغيرة رضي الله عنه حين ولاه عمر رضي الله عنه عدة فتوح ببلاد فارس منها فتح مدينتي همذان2 وأذربيجان3 في قول بعض المؤرخين4.

10- الموصل: 1- عتبة بن فرقد السلمي1 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه الموصل2 بعد فتحه لها بعد أن فتح نينوى3 وصالحه أهلها على الجزية في سنة عشرين من الهجرة4. 2- عرفجة بن هرثمة البارقي5 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه الموصل بعد عزله عتبة بن فرقد6، وقام عرفجة بخط الموصل وتمصيرها وأسكنها العرب7.

11- مَيْسان: 1- النعمان بن عدي بن نضلة1 رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على ميسان2، فتغنى بأبيات فيها مدح للخمر وهي: من ملبغ الحسناء أن خليلها بميسان يسقي في زجاج وحنتم3 إذا شئت غنتني دهاقين قرية وصناجة4 تجذو5 على كلّ منسم6 لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا7 بالجوسق8 المتهدم فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم {حم تَنزِيلُ

الْكِتَبِ مِن اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} 1. أما بعد، فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا في الجوسق المتهدم وأيم الله لقد ساءني ذلك. وعزله، فلما قدم عليه المدينة، سأله فقال: والله ما كان من هذا شيء، وما كان إلا فضل شعر وجدته، وما شربتها قط. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن لا تعمل لي على عملاً أبداً2. 2- حصين بن الحر بن مالك العنبري3 رضي الله عنه: كان عاملاً لعمر رضي الله عنه على ميسان4، ولم تذكر متى كانت ولايته.

12- المدائن1. 1- سلمان الفارسي رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن2، ولم تذكر السنة التي ولي فيها، وكم كانت مدة ولايته عليها. ولا شك أن ولايته لم تستمر إلى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، فقد استعمل عمر رضي الله عنه بعده ولاة آخرين سيأتي ذكرهم إن شاء الله. وكان لسلمان رضي الله عنه دور كبير في فتح المدائن، فقد كان رائد الجيش، وداعية الفرس3. وروي أن سلمان رضي الله

عنه كان يطلب من عمر رضي الله عنه أن يعفيه من الإمارة، فيأبى1، ولعل عمر رضي الله عنه أعفاه بعد ذلك، فقد ولي المدائن بعده ولاة آخرون. 2- السائب بن الأقرع الثقفي2: استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن3 ولم أقف على مدة

ولايته ومتى كانت. 3- حذيفة بن اليمان1 رضي الله عنه: استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن، واستمر والياً عليها حتى توفي بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه2. وروي أن عمر لما استعمله كتب له عهداً للرعية وفيه: اسمعوا له وأطيعوا. فقدم حذيفة المدائن على حمار، وفي يده عرق ورغيف يأكله، فاستقبله الناس، فقرأ عليهم كتاب عمر، فقالوا له: سلنا، فقال: أسألكم طعاماً آكله وعلف حماري هذا، فأقام عندهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فخرج فلما بلغ عمر قدومه، كمن له في مكان حيث يراه، فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه عمر رضي الله عنه، فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك3. كانت لحذيفة رضي الله عنه آثار عظيمة، ومواقع جليلة في

فتوح العراق، فقد كان أميراً على جيش المسلمين في نهاوند1 بعد مقتل النعمان بن مقرن رضي الله عنه، وكان فتح همذان2 والري3، والدينور4 على يديه5.

13- كسكر1. وليها النعمان بن مقرن2 رضي الله عنه، ولكنه اعتذر عن الولاية خوفاً من الافتتان بالدنيا، فكتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن مثلي، ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فكتب إليه عمر: سر إلى الناس بنهاوند، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان أول قتيل3. ولم أقف على أسماء ولاة كسكر قبل النعمان أو بعده، ولعلها كانت تابعة لولاية البصرة، أو الكوفة أو المدائن لقربها منها. 14- الأهواز4. ليها في عهد عمر رضي الله عنه جزء بن معاوية التميمي5، وهو الذي أمد به عمر رضي الله عنه عتبة بن غزوان6 واليه على

البصرة عند قيامه بفتح الأهواز بقيادة حرقوص بن زهير السعدي1 رضي الله عنه. ولم تذكر مدة ولايته ومتى كانت، والظاهر أن ولايته على الأهواز كانت من قبل ولاة عمر رضي الله عنه على البصرة وذلك لقرب منطقة الأهواز من البصرة، وولاة البصرة هم الذين أوكل إليهم عمر رضي الله عنه قيادة جيوش المسلمين في منطقة الأهواز وما والاها. 15- أصبهان2. السائب بن الأقرع3:ولاه عمر رضي الله عنه أصبهان بعد أن فتحها عبد الله بن عتبان4، فأمره عمر رضي الله عنه بالتوجه إلى كرمان5، وأن يستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع، وذلك في سنة إحدى وعشرين من الهجرة6.

16 - أذربيجان1. 1- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد فتحها سنة اثنتين وعشرين2. ولم أقف على مدة ولايته على أذربيجان. وتقدم أن حذيفة كان والياً على المدائن حتى وفاة عمر رضي الله عنه3 فلعله وليها بعد عزله عن أذربيجان أو أنه كان والياً أو أميراً على جيش من جيوش المسلمين التي فتحت أذربيجان حيث أنه ذكر فيمن تولى فتح أذربيجان4. ولعل عمر رضي الله عنه ولاه أذربيجان مدة يسيرة إضافة لولايته المدائن ثم أسند ولاية أذربيجان لعتبة بن فرقد الذي كان من قادة

المسلمين في فتح أذربيجان ورد حذيفة لعمله على المدائن. والله أعلم. 2- عتبة بن فرقد السلمي1 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد عزله حذيفة رضي الله عنه2 ولم أقف على تاريخ ولايته لأذربيجان وكم كانت. له قصة مع عمر رضي الله عنه تدل على ولايته لأذربيجان، قال أبو عثمان النهدي3 رحمه الله: كنت مع عتبة حين افتتح أذربيجان فصنع صفطين4 فيهما خبيص، وألبسهما الجلود واللبود5، ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولاه، فلما قدم على عمر قال: ما الذي جئت به، أذهب أم ورق؟ وأمر به فكشف عنه، فذاق الخبيص، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب إليه عمر: أما بعد، فليس من كدك ولا كد أمك ولا

كد أبيك، لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم1. ثانياً: بلاد الشام. 1- أبو عبيدة عامر بن الجراح: كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أميراً على جيوش المسلمين التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في بداية السنة الثالثة عشرة لقتال الروم وهي: جيش يزيد بن أبي سفيان2 ووجهته دمشق، وشرحبيل بن حسنة3 ووجهته الأردن، وأبو عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أمره بالقدوم من العراق، فقدم خالد من العراق بتسعة آلاف مقاتل4 وأمره على أجناد المسلمين المرابطة ببلاد الشام5، والتي تقدم ذكرها وفتح

خالد رضي الله عنه وهو في طريقه لبلاد الشام قادماً من العراق مدناً هامة منها دومة الجندل1، وتدمر2، وبصرى3، وكانت أولى المواقع

الفاصلة التي قادها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، موقعة أجنادين1 في شهر جمادى الأولى من السنة الثالثة عشرة للهجرة، والتي هزم فيها الروم هزيمة منكرة، ثم توفي الصديق رضي الله عنه، وبعد أن تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة المسلمين ببلاد الشام وولى عليهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه2. وقد بين عمر رضي الله عنه سبب عزله لخالد رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية3 قال رضي الله عنه: وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس وذا الشرف فنزعته، وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو

ابن حفص بن المغيرة1، فقال: والله ما اعتذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت غلاماً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت لواءً نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك2.

وأما السبب الآخر لعزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد فهو خشيته رضي الله عنه من افتتان الناس به، وأن النصر على الأعداء مقترن به، فيقل اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه واستنزالهم نصره. قال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد، والمثنى مثنى بني شيبان، حتى يعلما أن الله إنما كان ينصر عباده، وليس إياهما النصر1. أما ما روي من أن سبب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد رضي الله عنه هو غضبه عليه بعد قتله مالك بن نويرة وزواجه من امرأته في أحد حروب الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فهو خبر

ضعيف سنداً ومتناً وقد تقدم الكلام عليه1. وبعد تولية عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة رضي الله عنه روى أنه كتب إليه: أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك إلقاء المسلمين في التهلكة وقد أبلاك الله بي، وأبلاني بك، فغمض بصرك عن الدنيا، وألن قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم2. وقيل إن أبا عبيدة رضي الله عنه لم يخبر خالداً رضي الله عنه بعزل عمر إياه ومكث عهد عمر رضي الله عنه عنده شهرين3. هذا غير مستبعد على أولئك السلف الصالح الذين كان هدفهم الأول مصلحة المسلمين والحرص على وحدة صفوفهم وكلمتهم فلعل أبا

عبيدة كتم عزل عمر لخالد حرصاً على وحدة صفوف المسلمين، وقوة معنوياتهم وهم يواجهون العدو، وهذا دليل على تواضع أبي عبيدة وعدم حرصه على الزعامة والرئاسة، والله أعلم. وظل خالد رضي الله عنه جندياً مخلصاً لدينه وربه ولولاة أمره تحت إمرة أبي عبيدة يقاتل في صفوفه الروم حتى لقي وجه ربه صابراً محتسباً في السنة الحادية والعشرين من الهجرة بمدينة حمص. ولما توفي رضي الله عنه اجتمع نسوة في داره بالمدينة يبكينه فمر بهم عمر رضي الله عنه، فقال معترفاً بفضل خالد بن الوليد رضي الله عنه وبمنزلته في الإسلام: وما عليهن أن يرقن من أعينهن على أبي سليمان1.

واستمر أبو عبيدة رضي الله عنه والياً على بلاد الشام، وقاد فيها المعارك الفاصلة مع الروم في اليرموك، وفتح دمشق وموقعة فحل1، وفتح حمص، وبعلبك وحلب، وإنطاكية2، وفتح بيت المقدس، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه بطاعون عمواس3 في السنة الثامنة عشرة للهجرة4. 2- معاذ بن جبل رضي الله عنه: استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته بالطاعون، ولم تطل مدة ولايته رضي الله عنه، فقد توفي في العام الذي ولي فيه بالطاعون5.

3- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه1: ولاه معاذ بن جبل رضي الله عنه الشام قبل وفاته بالطاعون، فأقره عمر رضي الله عنه، ثم ما لبث يزيد رضي الله عنه أن توفي بالطاعون2. 4- معاوية بن أبي سفيان: بعد موت يزيد بن أبي سفيان تولى إمرة بلاد الشام أخوه معاوية، وكان قد أوصى بها إليه، وأمره عليها قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه3. وروي أن عمر رضي الله عنه نعى يزيداً لأبيه أبي سفيان حينما دخل عليه أبو سفيان، فقال عمر رضي الله عنه: آجرك الله في ابنك يا أبا سفيان، فقال: أي بني يا أمير المؤمنين؟ قال: يزيد بن أبي سفيان، قال: فمن بعثت على عمله؟ قال: معاوية، وقال عمر رضي الله عنه: إنه لا يحل لنا أن ننزع مصلحاً4.

وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى معاوية لما ولاه فكتب إليه بكتاب يوصيه فيه بتقوى الله في عمله1. واستمر معاوية والياً على الشام حتى وفاة عمر رضي الله عنه2. هؤلاء هم الولاة الذين نقل أن عمر رضي الله عنه جمع لهم ولاية الشام، والذي أرجحه أن أبا عبيدة رضي الله عنه هو الذي جمع له عمر رضي الله عنه ولاية أجناد الشام فقط وأما من جاء بعده فكانوا ولاة على بعض مناطق الشام، فمعاذ بن جبل استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته على دمشق فقط، وكذلك من جاء بعده كيزيد ومعاوية لأن المؤرخين ذكروا إنابة أبي عبيدة ولاة آخرين لمناطق أخرى في الشام

قبل وفاته، وأيضاً ذكروا أن عمر رضي الله عنه ولى بعض مناطق الشام ولاة أخرين، وكانت لهم فتوح في مناطقهم التي ولاهم عليها، وتفصيل ذلك ك الآت ي: أولاً: دمشق: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: قال الزهري1: إنما ولاه عمر عمل يزيد، ولم يفرد له الشام، حتى كان عثمان فأفرد له الشام2. وقال الواقدي: هذا الأمر المجتمع عليه عندنا ولا خلاف فيه3. وقال الذهبي رحمه الله: والمحفوظ أن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان4. ونقل ذلك ابن كثير رحمه الله5. وهو الذي رجحه الطبري رحمه الله حيث ذكر ولاية معاوية رضي الله عنه على دمشق في السنة الثالثة والعشرين، وهي آخر سنة من

خلافة عمر رضي الله عنه1. ونقل الطبري عن ابن إسحاق رحمه الله قوله: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة رضي الله عنه، ويزيد بن أبي سفيان، أمر معاوية بن ابي سفيان على جند دمشق2. واستمر معاوية رضي الله عنه والياً على دمشق حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه. حيث لم يذكر أن عمر رضي الله عنه ولى دمشق بعده أحداً غيره.

ثانياً: حمص والجزيرة1. 1- عياض بن غنم2 رضي الله عنه: استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه على حمص قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه. وكانت لعياض فتوح كثيره في هذه المنطقة بل لقد ذكر المؤرخون أن فتح منطقة الجزيرة جميعاً كان على يديه، ولم يزل والياً عليها حتى توفي سنة عشرين من الهجرة، وأن عمر رضي الله عنه رزقه كل يوم ديناراً وشاة ومداً3. وروي أن عمر رضي الله عنه لما أتاه نعي أبي عبيدة رضي الله

عنه أكثر الاسترجاع والترحم عليه، وقال: لا يسد مسدك أحد،، وسأل: من استخلف على عمله؟ فقالوا: عياض بن غنم، فأقره، وكتب إليه، إني قد وليتك ما كان أبو عبيدة بن الجراح عليه، فاعمل بحق الله عليك1. 2- سعيد بن عامر بن حذيم2 رضي الله عنه: ولاه عمر على حمص والجزيرة بعد وفاة عياض بن غنم، ولم تطل مدة ولايته فقد توفي في السنة التي ولي فيها3. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب له كتاباً يوصيه فيه بتقوى الله، والجد في أمر الله، والقيام بالحق الذي يجب عليه، والرفق بالرعية4. ان رضي الله عنه زاهداً في الدنيا روي أن عمر رضي الله عنه

بلغه أنه يأتي عليه حين لا يدخن في تنوره، فبعث إليه بمال فاشترى ما يصلحه وأهله ثم قال لامرأته: لو أنا أعطيناها تاجراً لعله أن يصيب لنا فيها، فقالت: فافعل، فتصدق بها وأعطاها حتى لم يبق منها شيء، ثم احتاجوا، فقالت له امرأته: لو أنك نظرت إلى تلك الدراهم، فأخذتها، فإنا قد احتجنا إليها، فأعرض عنها، ثم عادت، فقالت أيضاً، فأعرض عنها، حتى استبان لها أنه قد أمضاها، قال: فجعلت تلومه، فاستعان عليها بخالد بن الوليد، فكلمها فقال: إنك قد آذيته، فقالت له أيضاً، فلما رأى ذلك سعيد برك على ركبتيه فقال: ما يسرني أن أحبس عن العنو1 الأوّل يوم القيامة، ولا أن لي ما ظهر على الأرض، ولو أن خيرة من الخيرات أبرزت أصابعها لأهل الأرض من فوق السموات لوجد ريحهن، فأنا أدعهن لكُنَّ؟! فلما رأت ذلك كفت عنه2. روي أن أهل حمص قدموا على عمر رضي الله عنه فقال: يا

أهل حمص كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه، وكان يقال لحمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال، فشكوا أربعاً، قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. قال: أعظم بها، قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحداً بالليل، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام، أي تأخذه موتة، فجمع عمر بينهم وبينه، وقال: اللهم لا تقيل رأي فيه اليوم ما تشكون منه؟ فذكروا الشكوى الأولى، فقال سعيد: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يخمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم، ثم ذكروا الثانية فقال: إني جعلت النهار لهم، والليل لله عز وجل، ثم ذكروا الثالثة فقال: ليس لي خادم يغسل ثوبي، ولا ثياب لي أبدلها، فأجلس حتى يجف، ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار، ثم ذكروا الرابعة، فقال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري1 بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على خشبة فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أنني في أهلي وأن

محمداً شيك بشوكة، ثم نادى، يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبداً، فتصيبني تلك الغبطة فقال عمر: الحمد لله الذي لم يقيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار، فقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمدلله الذي أغنانا عن خدمتك فقال لها: هل أدلك على خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها، فقالت: نعم، فدعا رجلاً من أهله يثق به فصرها صرراً، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان، فبقيت منها ذهبية، فقال لامرأته: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله، فقالت امرأته: ألا تشتري لنا خادماً، ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين إليه1. 3- عمير بن سعد2 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه حمص بعد وفاة سعيد بن عامر3،

وكانت له فتوح في منطقة الجزيرة، فقد فتح عين الوردة بعد قتال شديد، وكذلك رأس العين1. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب لعمير أن يقبل إلى المدينة وذلك حين تأخرت أخباره عن عمر رضي الله عنه حولاً كاملاً، فقدم المدينة ماشياً ومعه جرابه وقصعته، فأمره عمر رضي الله عنه أن يأتي بالخراج، فأخبره أنه لم يقدم بشيء منه، وأنه أنفقه في أهل حمص، ورأى عمر رضي الله عنه من زهده وورعه، ثم جدد له الولاية، وقال: وددت لو أن لي رجلاً مثل عمير أستعين به2. واستمرت ولاية عمير بن سعد على حمص حتى آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه3.

وقد أوردت المصادر التاريخية أسماء ولاة آخرين لحمص في عهد عمر بن الخطاب ولعلهم كانوا ينوبون عن الولاة المتقدم ذكرهم أحياناً أو كانوا ولاة على بعض المهام كالقضاء ونحوه، وهم كالآتي: 1- أبو الدرداء1. روي أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حمص، فبلغ عمر رضي الله عنه أنه ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه، أما بعد: يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزين الدنيا، وقد آذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي هذا، فانتقل من حمص إلى دمشق2.

2- حبيب بن مسلمة الفهري1 رضي الله عنه: ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على حمص والجزيرة2. 3- عبد الله بن قرط الثمالي رضي الله عنه3: ولي حمص بعد عزل حبيب بن مسلمة4. 4- عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه بعد عزله عبد الله بن قرط، ثم عزله وأعاد عبد الله بن قرط5.

5- خالد بن الوليد رضي الله عنه: روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على مناطق من منطقة الجزيرة على الرها1وحران2 والرقة3 وآمد4، فمكث سنة، فاستعفاه فأعفاه عمر5، ولم يذكر تاريخ ولايته رضي الله عنه ولا شك أنه كان قبل سنة إحدى وعشرين لأنها السنة التي توفي فيها رضي الله عنه. وقيل إن سبب عزل عمر رضي الله عنه لخالد بن الوليد أنه اطِّلَى في حمام بآمد أو غيرها بشيء فيه خمر، قال الواقدي: وليس ذلك

بثبت1. ثالثاً: فلسطين. 1- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه: استخلفه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على فلسطين وناحيتها بعد أن ولاه عمر رضي الله عنه إمارة الشام2، وقيل إن الذي ولاه على فلسطين عمر رضي الله عنه بعد أن بلغه نبأ وفاة أبي عبيدة رضي الله عنه3. وأمر عمر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان بغزو قيسارية4، فنهض إليها في سبعة عشر ألفاً، فقاتله أهلها، فحاصرهم، ثم مرض رضي الله عنه بالطاعون واستخلف أخاه معاوية على قيسارية ففتحها معاوية رضي الله عنه بعد ذلك ورجع يزيد إلى دمشق ومات بها بالطاعون في آخر سنة ثماني عشرة5.

2- عمرو بن العاص: ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلسطين بعد موت يزيد بن أبي سفيان سنة ثماني عشرة1. وكان لعمرو بن العاص رضي الله عنه فتوحات كثيرة بفلسطين وغيرها من بلاد الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد فتح مدن غزة، وسبسطية2، ونابلس، واللد، وعمواس، وبيت جبرين، وقنسرين3. وصالح أهل حلب ومنبج4 وإنطاكية5. وهو الذي فتح مصر، عندما أذن له عمر رضي الله عنه بغزوها

وكتب إليه أن يسير إليها فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة من الجند ففتحها، وولاه عمر مصر وظل والياً عليها في خلافة عمر رضي الله عنه1، والظاهر أن ولاية عمرو بن العاص على فلسطين استمرت حتى بعد مسيره إلى مصر في العام التاسع عشر، وإمرته عليها، حيث لم تذكر المصادر تعيين عمر رضي الله عنه وال عليها غيره بعد خروجه إلى مصر، ولعل قرب منطقة فلسطين من مصر، وخبرة عمرو بن العاص رضي الله عنه بفلسطين وأهلها جعل عمر رضي الله عنه يقره عليها ويضم إليه مصر.

رابعاً: الأردن. 1- شرحبيل بن حسنة1: ولاه أبو عبيدة رضي الله عنه الأردن لما تولى إمرة بلاد الشام، وهو الذي فتح جميع مدن الأردن وحصونها، ففتح أفيق2 وجرش، وبيت رأس3 وغيرها، وغلب على سواد الأردن وجميع أراضيها. وقد عزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة لما خرج إلى الشام في خرجته إلى بلاد الشام سنة سبع عشرة، فقال شرحبيل: أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا إنك لكما أحب، ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل4. 2- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه: لاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد عزله شرحبيل بن حسنة5،

وظل والياً عليها وعلى فلسطين حتى وفاته بالطاعون سنة ثماني عشرة1. 3- عمرو بن العاص رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد وفاة يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وتقدم أنه كان والياً أيضاً على فلسطين2، ويبدو أن ولايته عليها استمرت حتى وفاة عمر رضي الله عنه. وقد أوردت المصادر أسماء ولاة آخرين على الأردن ولم تذكر متى كانت ولايتهم وكم استمرت ولعلهم كما مر من قبل كانوا معاونين للولاة الحقيقيين أو كانوا ولاةً على بعض المهام كالصدقات والقضاء وهؤلاء هم: 1- بلال بن رباح3 رضي الله عنه. 2- خالد بن رباح4 أخو بلال بن رباح رضي الله عنه.

3- حصين بن نمير1. خامساً: مصر. 1- عمرو بن العاص رضي الله عنه: بعثه عمر رضي الله عنه من فلسطين فاتحاً لمصر، فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل، ففتح مصر وأمده عمر رضي الله عنه بإمدادات أخرى، وولاه مصر بعد فتحه لها في سنة عشرين وظل رضي الله عنه والياً عليها طوال خلافة عمر رضي الله عنه2. 2- عبد الله بن أبي السرح3 رضي الله عنه:

كان والياً على الفيوم من الصعيد1، وكان صاحب الميمنة في جيش عمرو بن العاص، وكانت له مواقف محمودة في الفتح، وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

_ 1 الصّعيد: منطقة في مصر بين القاهرة وشلالات أسوان، تضم محافظات: الجيزة، بني سُويف، الفيّوم، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، أسوان. المنجد/ الأعلام ص 345. رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 173 من كلام سعيد بن كثير بن عفير المصري، صدوق من العاشرة. تق 240.

المبحث الثالث: القضاة

المبحث الثالث: القضاة المطلب الأول: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار ... المطلب الأول: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار. كان ولاة المدن والبلاد التابعة للدّولة الإسلاميّة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم هم المكلّفون بمهمة القضاء بين النّاس، خاصّة في المناطق البعيدة من المدينة حيث لا يتمكن النبيّ صلى الله عليه وسلم من النّظر في قضايا المسلمين والحكم فيها لبعدها، أما في المدينة وما حولها، وما قرب منها من المدن الإسلاميّة فإنه صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يقوم بالقضاء فيها بين النّاس. وفي العام التاسع من الهجرة النّبويّة بعد أن فتح النبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة وفرغ من غزوة حنين والطائف وتبوك وأسلمت قريش وثقيف جاءت وفود العرب تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام من جميع أنحاء الجزيرة العربيّة، وسمي هذا العام بعام الوفود. فانتشر الإسلام في الجزيرة العربيّة وأسلمت قبائلها المختلفة في شرقها وغربها، وشمالها ووسطها وجنوبها، كعبد القيس وتميم وطيئ وأسد وبني حنيفة وهمدان والأشعريين وغيرها من قبائل العرب. وبذلك توحدت الجزيرة العربيّة سياسياً لأوّل مرّة في تاريخها تحت راية التوحيد بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمكن صلى الله عليه وسلم من تحقيق هذه الوحدة

بفضل الله عز وجل في أقلّ من عشر سنوات بالرغم من قوّة الروح الاستقلاليّة بين القبائل، وتغلغل العصبيّة القبليّة والنزاعات الجاهليّة1. وكان لا بد من بعث أمراء على هذه القبائل والبلدان والمدن التي دخلت تحت راية الإسلام وعلماء يعلّمونهم أمور دينهم وقضاة يقيمون العدل فيهم ويحكمون فيما شجر بينهم. فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل حجّة الوداع أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن كلّ منهما أمير على مخلاف2. واليمن مخلافان، ثم قال: "يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا". فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريباً من صاحبه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، إذا هو جالس، وقد اجتمع إليه النّاس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم3 هذا؟ قال:

هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك، فأنزل. قال: ما أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل1. وفي هذا الحديث تصريح بإرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ أمرين كلّ منهما على ناحية من اليمن، وفيه إشارة إلى أنهما كانا يقضيان أيضاً بين النّاس، وذلك في حكمهما بقتل الذي الرجل ارتد عن إلاسلام فقتل. وكان من مهامهما القيام بالدّعوة إلى الله، ونشر الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول اله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"2. وأما حديث تعليمه صلى الله عليه وسلم معاذاً القضاء لما بعثه إلى اليمن، وقال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله. قال:"فإن

لم تجد في كتاب الله؟ " قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله"1. فهو حديث ضعيف. لكن هذا لا يمنع أن يكون معاذ قام بالقضاء بين النّاس كما مرّ ذلك في حديث الرجل الذي ارتد عن إسلامه. وأما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه قاضياً قال رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترسلني وأنا حديث السن ولا أعلم القضاء؟ فقال: "إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، وإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد2. وكان من مهامه أيضاً القيام بالدّعوة، فقد أسلمت قبيلة همدان3 على يديه، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فخر لله ساجداً، ثم رفع رأسه فقال:

" السّلام على همدان"1. وكان رضي الله عنه والياً على ناحية من نواحي اليمن2. ومما تقدم يتبيّن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفصل القضاء عن الولاة، فكان ولاته في الأقاليم هم القضاة، وكذلك أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه لم يؤثر عنه أنه عيّن قضاة مستقلّين عن الولاة في الأقاليم الإسلاميّة حيث لم تدعو الحاجة لذلك لقصر مدّة خلافته رضي الله عنه، وعدم توسع نفوذ الدّولة الإسلاميّة في عهده3.

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنّه أوّل من فصل القضاء عن الولاية، فعيّن قضاة مستقلّين في الأقاليم الإسلاميّة بجانب الولاة وفرض لهم رزقاً. ومن أسباب ذلك اتساع الدّولة الإسلاميّة في خلافته اتساعاً كبيراً وكثرة رعاياها، فكان لا بد من وجود قاضٍ يفصل في قضايا النّاس وخصوماتهم، لأن الأمير عنده من الأعمال والمهام الشيء الكثير الذي لا يستطيع معه الجمع بين مهمتي الولاية والقضاء، إضافة إلى أنّ الولاة في الغالب كانوا منشغلين بأمور الفتح وإعداد الجيوش والقيام بالدّعوة إلى الله عز وجل، والمحافظة على الأمن في مناطقهم وولايتهم. وكان فصل عمر للقضاء عن الولاية مركز بشكل كبير في مناطق الثغور حيث كثافة الجند، وانشغال الولاة بأمور الإعداد للجند والجهاد في سبيل الله. وفي المدينة كان عمر رضي الله عنه يقوم بمهمة القضاء بين الرعية والنظر في منازعاتهم وخصوماتهم بنفسه حتى إذا كان آخر خلافته وكثرت رعيته رضي الله عنه وكبرت سنه، قال ليزيد بن أخت النمر1 رضي الله عنه: اكفني بعض الأمور - يعني صغارها2.

وممن كان عمر رضي الله عنه يستشيرهم ويأخذ برأيهم في قضائه: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد شهد عمر رضي الله عنه بسعة علم علي رضي الله عنه بالقضاء، قال رضي الله عنه: علي أقضانا1.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من معضلة لا أبا حسن لها1. وممن روي أن عمر رضي الله عنه استقضاه بالمدينة وفرض له رزقاً زيد بن ثابت رضي الله عنه2. وروي أن عمر كان إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد3. وربما كان عمر رضي الله عنه يستشير زيداً في القضاء كما كان يستشير علياً رضي الله عنه، فقد كان زيد أحد فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم4، ولكن لم يأت ما يثبت أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء.

وأما ما ورد من أن عمر رضي الله عنه لم يتخذ قاضياً حتى كانت الفتنة فاتخذ معاوية1 قاضياً فغير ثابت وما صح من استقضاء عمر رضي الله ليزيد بن أخت النمر مقدم عليه. أما قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلامية فهم كالآتي: أولاً: الكوفة. 1- عروة بن عياض بن أبي الجعد2 رضي الله عنه: ولاه عمر رضي الله عنه قضاء الكوفة، ولم أقف على تحديد الزمان الذي ولي فيه3. 2- سلمان بن ربيعة الباهلي4 رضي الله عنه: بعثه عمر رضي الله عنه معاوناً لعروة بن عياض5، ولم تذكر المصادر تحديد زمان ذلك.

3- شريح بن الحارث الكندي1: استعمله عمر رضي الله عنه على قضاء الكوفة بعد عروة بن عياض، وروي أنه رزقه كل شهر مائة درهم وقيل: خمسمائة درهم، واستمر شريح رحمه الله على قضاء الكوفة حتى توفي في سنة ثمان وسبعين في إمارة عبد الملك بن مروان وله مائة وثمان سنوات2، وقيل إنه استعفى من القضاء قبل وفاته3. ولم أقف على تحديد السنة التي ولي فيها القضاء، وذكر البعض أنه استمر قاضياً على الكوفة ستين سنة4، فتكون بداية توليه القضاء في سنة ثمان عشرة من الهجرة على القول بأنه استمر قاضياً حتى توفي في سنة ثمان وسبعين. وقيل إن سبب استقضائه رضي الله عنه لشريح رحمه الله، أن عمر رضي الله عنه ساوم رجلاً بفرس، فركبه عمر رضي الله عنه، فعطب، فقال للرجل: خذ فرسك، فقال الرجل: لا، فقال عمر رضي الله عنه: اجعل بيني وبينك حَكَماً، فقال الرجل: شريح، فتحاكما إليه، فقال

شريح: يا أمير المؤمنين خذ ما ابتعت، أو رد كما أخذت، قال عمر: وهل القضاء إلا على هذا، فصيره إلى الكوفة قاضياً وإنه لأول يوم عرفة1. 4- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على قضاء الكوفة ولم تثبت الرواية في ذلك2، بل الثابت أن عمر رضي الله عنه بعثه معلماً لأهل الكوفة، ووزيراً لعمار بن ياسر، وقال لأهل الكوفة: وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي إثرة3. ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على عدم استقضاء عمر رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه رضي الله عنه قال

لابن مسعود رضي الله عنه: بلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ قال: بلى، قال عمر رضي الله عنه: فول حارها من تولى قارها1. ولكن قيام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقضاء أحياناً أمر ممكن ولا غضاضة عليه رضي الله عنه في ذلك فهو من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسعة العلم، وقد بعثه عمر رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة. ثانيا: البصرة. 1- أبو مريم إياس بن صبيح الحنفي2: وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بالبصرة3، وروي أن

عتبة بن غزوان1 رضي الله عنه ولاه القضاء حين كان والياً على البصرة، فلم يزل قاضياً بها حتى تولى المغيرة بن شعبة إمرة البصرة2. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن ينظر في قضاء أبي مريم ويتحقق منه، فكتب إليه أبو موسى: إني لا أتهم أبا مريم، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا لا أتهمه، ولكن إذا رأيت من خصم ظلماً فعاقبه3. وربما كان في هذا الأثر إشارة إلى ضعف أبي مريم في القضاء، ولذلك أمر عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالنظر في قضائه باعتاره والياً على البصرة.

ومما روي أيضاً وفيه دلالة على ضعف أبي مريم في القضاء: أن عمر رضي الله عنه شكي إليه ضعف أبي مريم فأمر بعزله1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أبي مريم: لأنزعن فلاناً عن القضاء، ولأستعملن رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه2. وروي أن أبا مريم اختصم إليه رجلان في دينار، فحمل ديناراً، فأعطاه المدعي فقال عمر رضي الله عنه: اعتزل قضاءنا3. وهذه الآثار تدل مجتمعة على عزل عمر رضي الله عنه لأبي مريم عن القضاء بسبب ضعفه في القضاء.

وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: إن أبا مريم تولى القضاء بعد عمران بن حصين1. ولعل الصواب والله أعلم هو ما تقدم من أن أول من استقضى عمر بالبصرة أبا مريم الحنفي، وأما عمران بن حصين فإن عمر رضي الله عنه بعثه ليفقه أهل البصرة كما قال ابن حجر رحمه الله: إن الطبراني أخرج ذلك بسند صحيح2. 2- كعب بن سور الأزدي3 رحمه الله: ولاه عمر رضي الله عنه قضاء البصرة بعد عزله أبي مريم، وظل والياً على قضاء البصرة حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه4.

وروي في سبب تولية عمر لكعب، أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: أشكو إليك خير أهل الدنيا إلا رجلاً سبقه بعمل، أو عمل بمثل عمله يقوم الليل حتى يصبح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم تجلاها الحياء، فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين، فقال: جزاك الله خيراً، قد أحسنت الثناء، قد أقلتك. فلما ولت، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: ما اشتكت؟ قال: زوجها، قال: عليّ المرأة، فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟! قال: إنك فطنت إلى ما لم أفطن، قال: إن الله يقول {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ} 1، صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يوماً، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: لهذا أعجب من الأول، فرحل به أو بعثه قاضياً لأهل البصرة2.

وممن كان يقضي بالبصرة في خلافة عمر أميرها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وسيأتي إن شاء الله ذكر كتاب عمر رضي الله عنه إليه في كيفة القضاء1. 3- مصر. 1- قيس بن أبي العاص السهمي2 رضي الله عنه: وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بمصر3، ذكر أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص أن يوليه قضاء مصر4، ولي القضاء في أول سنة ثلاث وعشرين، واستمر قاضياً حتى توفي في شهر ربيع الأول من تلك السنة5.

2- كعب بن يسار بن ضبة1 رضي الله عنه: كتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أن يولي كعب بن يسار القضاء بمصر بعد وفاة قيس بن أبي العاص، فأقرأ عمرو بن العاص كعباً كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية، وما كان فيها من الهلاك ثم يعود فيها أبداً، فأبى أن يقبل القضاء، فتركه عمرو2. 3- عثمان بن قيس بن أبي العاص3: ولاه عمرو بن العاص القضاء بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن امتنع كعب بن يسار، وظل والياً للقضاء حتى انقضاء خلافة عمر رضي الله عنه4.

ثالثا: بلاد الشام. 1- دمشق: كان القاضي بها في خلافة عمر رضي الله عنه أبو الدرداء1 رضي الله عنه. وكان عمر رضي الله عنه بعثه أيضاً لتفقيه أهل الشام، ونزل دمشق ومات بها2.

2- حمص وقنسرين1. 1- عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ولى عمر رضي الله عنه قضاءهما عبادة بن الصامت رضي الله عنه2 وكان يقوم بتعليم أهل حمص الفقه والدين3. 2- حابس بن سعيد الطائي4 رضي الله عنه: روي أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء بحمص، فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص، فكيف أنت صانع؟ قال: أجتهد رأيي، وأشاور جلسائي، فقال: انطلق، فلم يمض إلا يسيراً حتى رجع، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك، قال: هاتها، قال: رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق، ومعها جمع عظيم، وكأن القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم.

فقال عمر رضي الله عنه: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر، فقال عمر: كنت مع الآية الممحوة، لا والله لا تعمل لي عملاً أبداً ورده1.

3- الأردن: روي أن عمر رضي الله عنه استعمل على قضائها كريب1 بن سيف الأنصاري. 4- البحرين: تقدم أن عمر رضي الله عنه بعث على قضائها أبا هريرة رضي الله عنه ثم عزله وقاسمه ماله، وأسند مهمة القضاء لوالي البحرين عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه2.

_ 1 لم أجد له ترجمة. رواه أبو زرعة الدمشقي / التاريخ 1/227، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، ولم أقف على تفاصيل أخرى في ولايته للقضاء. 2 انظر: ص (691) في ولاية قدامة بن مظعون على البحرين.

المطلب الثاني: توجيه عمر رضي الله عنه لقضاته وإرشاده لهم في صفة القضاء وآدابه.

المطلب الثاني: توجيه عمر رضي الله عنه لقضاته وإرشاده لهم في صفة القضاء وآدابه. إن القضاء مهمة عظيمة جليلة، وهي أيضاً مهمة ذات خطورة بالغة ومسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل إذ إن القاضي محكّم في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، لذلك جاءت نصوص السنة تحث القضاة على العدل في الحكم، وتحذرهم من الجور فيه، قال صلى الله عليه وسلم وهو يبين عظم شأن القضاء وخطورة هذا المنصب على من لم يتحر العدل فيه، والبعد عن الظلم: "من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين"1. وأما عمر رضي الله عنه فإنه ما فتئ يحث قضاته على العدل ويحذرهم من الظلم ومن عواقبه المخزية في الدنيا والآخرة، قال رضي الله عنه: ويل لديان أهل الأرض من ديان أهل السماء يوم يلقونه، إلا من أم العدل وقضى بالحق، ولم يقض لهوى، ولا لقرابة، ولا لرغبة، ولا لرهبة، وجعل كتاب الله مرآة عينيه2.

وقال المسور بن مخرمة1 رضي الله عنه: سمعت عمر وإن إحدى أصابعي في جرحه هذه أو هذه أو هذه، وهو يقول: يا معشر قريش، إني لا أخاف الناس عليكم إنما أخافكم على الناس، إني قد تركت فيكم ثنتين لن تبرحوا بخير مالزمتموهما: العدل في الحكم، والعدل في القسم2. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم، فأكرم من قبلك من وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في الحكم والقسم3. وإن من أهم النصوص الواردة عن عمر رضي الله عنه والتي جمعت عدداً كبيراً من الوصايا الهامة في كيفة القضاء وآدابه، هو كتابه رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك فإنه

لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له1، وآس بين الاثنين في مجلسك، ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس وضيع وربما قال: ضعيف من عدلك2، الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك، وربما قال: في نفسك، ويشكل عليك ما لم ينزل في الكتاب، ولم تجربه سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعضها ببعض، فانظر أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق فاتبعه، واعمد إليه3، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت فيه وهديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً حداً أو مجرباً عليه شهادة

زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة1، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه أو بينة عادلة، فإنه أثبت للحجة، وأبلغ في العذر، فإن أحضر بينة إلى ذلك الأجل، أخذ بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، إن الله تبارك وتعالى، تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والقلق والضجر، والتأذي بالناس والتنكر للخصم في مجالس القضاء، التي يوجب الله فيها الأجر، ويحسن فيها الذخر، من حسنت نيته، وخلصت فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، والصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراماً، أو حرم حلالاً، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل دنيا، وآجل آخرة والسلام2.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه، وإلى تأمله والتفقه فيه1. ومن النصوص الهامة أيضاً في هذا الجانب كتابه رضي الله عنه لشريح القاضي في كيفة القضاء، قال رضي الله عنه: اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقض به

الصالحون، فإن شئت، فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك، والسلام1. ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في حث القضاة على عدم الميل لأحد الخصمين، قوله رضي الله عنه: ما أبالي إذا اختصم إلي رجلان لأيهما كان الحق2. ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في كيفة القضاء وآدابه ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان بينه وبين أبي بن كعب خصومة، فقال عمر رضي الله عنه لأبي بن كعب رضي الله عنه اجعل بيني وبينك رجلاً، فجعلا بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فأتياه فقال عمر: أتيناك لتحكم بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم، فلما دخلوا عليه، أَجلس

زيد عمر معه على صدر فراشه، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أول جورك، جرت في حكمك، اجلسني وخصمي مجلساً، فقصا عليه القصة، فقال زيد: اليمين على أمير المؤمنين، وإن شئت أعفيته، فأقسم عمر على ذلك، ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك على أحد فضيلة1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان يحكم بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن وجد لأبي بكر قول وقضاء أخذ به وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم2. وقال الشعبي رحمه الله تعالى: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير3.

وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين القضاء1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ردوا الخصوم إذا كانت بينهم القرابات فإن فصل القضاء مورث بينهم العداوة2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو كنت القاضي والوالي، ثم أبصرت إنساناً على حد،

أكنت مقيماً عليه؟ قال: لا، حتى يشهد معي غيري، قال: أصبت، ولو قلت غير هذا لم نجز1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو رأيتُ رجلاً زنى أو سرق؟ قال: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: أصبت2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التحذير من الرشوة وقبول الهدايا في الحكم أن رجلاً كان يهدي لعمر رضي الله عنه كل عام فخذ جزور، فخاصم إليه رجلاً فقال: يا أمير المؤمنين، اقض بيننا قضاءً فصلاً، كما تفصل الرجل من سائر الجزور، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: إن الهدايا هي الرشا3.

وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى قضاته: اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، وإياكم والرشا، والحكم بالهوى1. وروي كذلك أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: لا تبيعن ولا تبتاعن، ولا تشارن، ولا تضارن، ولا ترشى في الحكم، ولا تحكم بين اثنين وأنت غضبان2.

_ 1 رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/135، ورجال إسناده ثقات سوى يزيد بن أيهم فهو مقبول من الخامسة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه وروياته عنه معضلة. فالأثر ضعيف. 2 رواه عبد الرزاق / المصنف 8/300، وفي إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، متروك من السادسة. تق 494. فالأثر ضعيف جداً، وما فيه من النهي عن البيع والشراء يبعد أن يأمر به عمر رضي الله عنه فإن كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا تجاراً وكان فيهم الولاة والقضاة.

الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع

الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع المبحث الأول: الاهتمام بالنواحي الدينية الفكرية المطلب الأول: العناية بالكتاب والسنة. ... المطلب الأول: العناية بالكتاب والسنة. إنّ العناية بالكتاب والسنة مقصد عظيم من مقاصد الدين، فهما مصدر هداية المسلمين وعزتهم في الدنيا والآخرة. وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده وسلف هذه الأمة على العناية بالكتاب والسنة، وحمايتهما من الضياع والتلف والنسيان، ومن التحريف والدس والتزوير. وقد تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العناية بها، والحفاظ عليها ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"2. وحذر صلى الله عليه وسلم من التهاون بسنته ومن التعرض لها بشيء من التغيير أو التحريف أو الكذب، قال صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار"3. وقال صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"4.

وكان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على حماية الكتاب والسنة من الضياع أو التحريف أوالتبديل أو الزيادة والنقص. أما عنايته بالقرآن الكريم فقد تمثلت في عدة جوانب هامة هي: أولاً: اهتمامه بجمع القرآن الكريم: فقد أشار على الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد مقتل عدد كبير من القراء في موقعة اليمامة وكان له الفضل بعد الله عز وجل في حفظ القرآن من الضياع والنسيان. وقد كتب القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه في الصحف وكانت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت بعد وفاته عند عمر رضي الله عنه ثم كانت عند حفصة بعد وفاة عمر رضي الله عنه1. وقد رويت بعض الآثار التي فيها إشارة إلى جمع عمر رضي الله عنه القرآن ولو ثبت تلك الآثار لكان المراد بها مشاركته في ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كما قال ابن حجر رحمه الله عند تعقيبه على الأثر الذي فيه أن عمر رضي الله عنه سأل عن آية من كتاب الله، فقيل له: كانت مع فلان، قتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف2.

قال ابن حجر: هذا منقطع، فإن كان محفوظاً حمل على أن المراد بقوله: "فكان أول من جمع القرآن" أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنسب الجمع إليه لذلك1. ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يكتب المصحف أقعد له نفراً من أصحابه، وقال: "إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر2، فإن القرآن نزل على رجل من مضر3. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: "لا يملي في مصاحفنا إلا

غلمان قريش وثقيف"1. وروي أن الأنصار جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالوا: نجمع القرآن في مصحف واحد، فقال: "إنكم أقوام في ألسنتكم لحن، وإني أكره أن تحدثوا في القرآن لحناً"، فأبى عليهم2. وروي أن عمر رضي الله عنه كان لا يقبل في جمع القرآن من أحد شيئاً من القرآن يأتي به حتى يشهد شاهدان3.

وروي أن الحارث بن خزيمة1 جاء بالآيتين آخر سورة براءة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إلى قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 2 إلى عمر رضي الله عنه فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إلا أني أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيتها، وحفظتها، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا من القرآن فألحقوها فيها، فألحقتها في آخر براءة3.

وروي أن عمر رضي الله عنه خشي الفتنة لما اختلفوا في القراءات فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص1، قال: فمن أخطّهم؟ قالوا: زيد بن ثابت، فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد، وخط زيد، فلما كان عثمان بن عفان وكثر اختلاف الناس أمرهم بقراءة هذا المصحف، وترك ما سواه2. وأما ما روي من أن عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن في خلافة عمر رضي الله عنه فغير ثابت3. وكذلك ما روي من أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ماتا ولم يُجمع القرآن فغير ثابت أيضاً4 فإن جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن ثابت في الصحيح، إلا أن يكون المراد الجمع الأخير الذي فعله عثمان رضي الله عنه من جمع الناس في جميع الأمصار على مصحف واحد، ومحو

وإحراق ما عداه من المصاحف كما ثبت ذلك في الصحيح1. ثانياً: تحريه وتشدده في قبول القراءات التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يقرؤون بها: فكان رضي الله عنه إذا سمع من أحد من الصحابة رضي الله عنهم قراءة تخالف ما سمعه وأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يقرأ بها حتى يتوثق ويتحقق من ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام2 يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: "أرسله"، ثم قال له: "اقرأ"، فقرأ، قال: "هكذا أنزلت"، ثم قال لي: "اقرأ": فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر"3. ووجد عمر رضي الله عنه مصحفاً في حجر غلام له، فيه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} 4، فقال:

أحِككها يا غلام، فقال: والله لا أحكها، وهي في مصحف أبي بن كعب، فانطلق عمر إلى أبي بن كعب، فقال كعب: شغلني القرآن وشغلك الصفق بالأسواق1. وروي أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان يقرأ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ} 2 فبلغ ذلك عمر، فأغلظ له، فقال: إنك لتعلم إني كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله، فقال عمر: بل أنت رجل عندك علم وقرآن، فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله3. وروي أن عمر رضي الله عنه سمع كثير بن الصلت4 يقرأ: لو أن

لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. فقال عمر: ما هذا؟ قال في التنزيل، فقال عمر: من يعلم ذاك؟ والله لتأتين بمن يعلم ذاك أو لأفعلن كذا وكذا، قال أبي بن كعب، فانطلق إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال: ما يقول؟ قال: فقرأ عليه، فقال: صدق، قد كان هذا فيما قرأ، قال: أكتبها في المصحف، قال: لا أنهاك، قال: أتركها؟ قال: لا آمرك1. ثالثاً: كراهيته قراءة القرآن على وجوه غير معروفة: فقد كان رضي الله عنه يكره قراءة القرآن بالقراءات التي لم يألفها الناس، ولم يسمعوها أو قراءة بعض الآيات التي نسخ رسمها وبقي حكمها، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على سلامة عقيدة الرعية في كتاب ربها وقرآنها، وعدم إدخال الشك والريب إلى قلوب العامة، ومن قل حظهم من العلم.

قال رضي الله عنه: إلا وإن ناساً يقولون: ما بال الرجم في كتاب الله الجلد، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون أو يتكلم متكلمون أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت1 وقال ابن عباس رضي الله عنه: بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عز وجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة، فإذا أنا برجل ينادي من بعدي، أتبع2 ابن عباس، فإذا هو أمير المؤمنين عمر، فقلت: أتبعك على أبي بن كعب، فقال: أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ، قلت: نعم، قال: فأرسل معي رسولاً، قال: اذهب معه إلى أبي بن كعب، فانظر أيقرئ أبي كذلك، قال: فانطلقت أنا ورسوله إلى أبي بن كعب، فقلت: يا أبي بن كعب، قرأتُ آيةً من كتاب الله، فنادى من بعدي عمر بن الخطاب، أتبع ابن عباس، فقلت أتبعك على أبي بن كعب، فأرسل معي رسوله، أفأنت أقرأتنيها كما قرأت؟ قال أبي رضي الله عنه: نعم، فرجع الرسول إليه، فانطلقت أنا إلى حاجتي، فراح عمر رضي الله عنه إلى أبي، فوجده قد

فرغ من غسل رأسه، ووليدته تدري لحيته1 بمدراها فقال أبي: مرحباً يا أمير المؤمنين، أزائراً جئت أم طالب حاجة، فقال عمر رضي الله عنه: بل طالب حاجة، فجلس ومعه مَوْلَيان له، حتى فرغ من لحيته، وأدرت جانبه الأيمن من لمته، ثم ولاها جانبه الأيسر، حتى فرغ أقبل إلى عمر بوجهه، فقال: ما حاجة أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يا أبي، علام تقنط الناس؟ فقال أبي: يا أمير المؤمنين، إني تلقيت القرآن من تلقاء جبريل، وهو رطب، فقال عمر: تالله ما أنت بمنته، وما أنا بصابر، ثلاث مرات، ثم قام فانطلق2. وقال عمر رضي الله عنه: أبي أقرؤنا، وإنا لندع من لحن3 أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء، قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 4.

وروي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقرأ من سورة يوسف {عَتَا حِينٍ} ، فقال له عمر رضي الله عنه: من أقرأك هكذا؟ قال: ابن مسعود، فكتب إلى ابن مسعود: سلام عليك أما بعد، فإن الله أنزل هذا القرآن بلسان قريش، وجعله بلسان عربي مبين، أقرئ الناس بلغة قريش، لا تقرئهم بلغة هذيل1 والسلام2.

رابعاً: حرصه على سلامة تعلم القرآن وأخذه عن المتقنين لقراءته وترتيله: ومن صور ذلك: ما رواه عبيد1 بن عمير، قال: اجتمعت جماعة في بعض ماء حول مكّة، قال: حسبت أنّه قال: بأعلى الوادي ههنا، قال: وفي الحجّ فحانت الصّلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي أعجمي اللسان، قال: فأخرّه المسور بن مخرمة2، وقدّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجميَّ اللسان، وكان في الحجّ، فخشيت أن يسمع بعض الحاجّ قراءته، فيأخذ بعجمته، قال: أو هناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت3.

وقدم قيس بن مروان الجعفي1 على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، جئت من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن

ظهر قلب، فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل1، فقال: ومن هو؟ ويحك: قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسري عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة3، ولعل المراد به من كان يقرأ للناس ويعلمهم القرآن لأنه يبعد أن يلزم عمر رضي الله عنه كل قارئ للقرآن أن يكون عالماً باللغة. وأما عناية عمر رضي الله عنه بالسنة فقد تمثلت في عدة أمور هي:

أولاً: الحرص الشديد على التوثق من صحة ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان عمر رضي الله عنه يستوثق أحياناً من صحة ما ينقله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ويطلب منهم أن يأتوا بمن يشهد معهم على صحة ما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مع يقينه رضي الله عنه بعدالتهم وصدقهم، وعدم احتمال صدور الكذب منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك منه رضي الله عنه زيادة في التحري والتوثق من صحة المنقول وإبعاداً عن احتمال الوهم أو الخطأ أو النسيان أو الغفلة من الناقل. ولعل عمر رضي الله عنه كان يلجأ إلى ذلك إذا بلغه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم استغربه أو علم خلافه ومن أمثلة ذلك قصته المعروفة مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عندما استأذن عليه ثلاثاً فلم يأذن له عمر رضي الله عنه، وكان مشغولاً، فرجع أبو موسى، ففزع عمر رضي الله عنه، فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، إئذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، فقال: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألهاني الصفق بالأسواق1. واستشار عمر رضي الله عنه أصحابه في إملاص المرأة2، فقال

المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة1. وقد قبل عمر رضي الله عنه الأخبار التي بلغته عن آحاد الصحابة رضوان الله عليهم ولم يطلب منهم توثيقاً لخبرهم من طرف آخر. فقد خرج رضي الله عنه حاجاً، فاشتدت الريح عليه وعلى أصحابه وهم بالطريق، فقال عمر رضي الله عنه: من يحدثنا عن الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئاً، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فبلغني الذي سأله عنه عمر رضي الله عنه، فاستحثثت راحلتي حتى أدركته، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها، فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا من شرها" 2.فأخذ عمررضي الله عنه بقوله.

ولما خرج رضي الله عنه إلى الشام1، وعلم بوقوع الطاعون استشار كبار الصحابة، والمهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة أو الدخول إلى بلاد الشام، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان متغيباً في حاجة له، فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فراراً منه". فحمد الله عمر رضي الله عنه، وانصرف راجعاً إلى المدينة2. وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن المرأة لا ترث من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي3 أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي4 من دية زوجها5.

وأتى عمر بامرأة تشم، فقام فقال: أنشدكم بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا سمعت، قال: ما سمعت؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشمن، ولا تستوشمن"1. ثانياً: النهي عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن حرص عمر رضي الله عنه وعنايته بالسنة النبوية، وخشيته أن يدخل فيها ما ليس منها، نهيه عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك مظنة وقوع المتحدث في الوهم والخطأ، ومدعاة لعدم التحري والدقة في نقل الأخبار ولقد اتسعت الدولة الإسلامية في خلافة عمر رضي الله عنه وكثر الداخلون في الإسلام، وربما كان الكثير منهم حديثو عهد بكفر ومن غير العرب، فتفضي كثرة تحديثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقوعهم في الحيرة والشك، وربما الانحراف عن الصراط المستقيم بسبب سوء الفهم وقلة الفقه2. قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إياكم وأحاديث إلا

حديثاً كان في عهد عمر، كان يخيف الناس في الله عز وجل1. وقال قرظة بن كعب2 رضي الله عنه: بعث عمر رضي الله عنه رهطاً من الأنصار إلى الكوفة، فبعثني معهم، فجعل يمشي معنا حتى أتى صرار3، وصرار ماء في طريق المدينة، فجعل ينفض الغبار عن رجليه ثم قال: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم، فيقولون: قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم4. وقال عمر لأبي هريرة رضي الله عنهما، وكان من المكثرين من رواية الحديث: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض

دوس1، وقال لكعب2: لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة3. ومراد عمر بذلك - والله أعلم - نَهْي أبي هريرة رضي الله عنه من التحديث أو الإكثار منه بين عامة الناس، فإن فيهم العالم والجاهل وسيء الفهم والزائغ عن الحق فيفضي ذلك إلى مساوئ كثيرة، وإلاّ فإنه رضي الله عنه لم يمنع أبا هريرة من التحديث بين أهل العلم ومن يعي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر رضي الله عنه يقبل منه ما يحدث به كما تقدم، ولم يثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله لما حدث بأحاديث بعد وفاة عمر رضي الله عنه: أفإن كنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي، أما والله إذاً لألفيت المخفقة ستباشر ظهري4.

وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إن حذيفة1 كان يحدث بأشياء كان يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غضبه لأقوام، فأؤتى فأسأل عنها فأقول: حذيفة أعلم بما يقول، وأكره أن تكون ضغائن بين أقوام، فأُتى حذيفة فقيل له: إن سلمان لا يصدقك ولا يكذبك بما تقول، فجاءني حذيفة، فقال: يا سلمان بن أبي سلمان، فقلت: يا حذيفة ابن أم حذيفة، لتنتهين أو لأكتبَنّ فيك إلى عمر، فلما خوفته بعمر تركني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولد آدم أنا، فأيما عبد من أمتي لعنته لعنة أو سببته سبة في غير كنهه2، فاجعلها عليه صلاة"3. وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لابن مسعود وأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهم: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم

لم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات1. وفي آخره عند البلاذري زيادة "سوى ابن مسعود". ولكن حبس عمر رضي الله عنه لأبي الدرداء، وأبي ذر أمر مستبعد، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم من المكثرين للحديث كأبي هريرة الذي أنكر عليه عمر رضي الله عنه كثرة تحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولم يؤثر عن عمر رضي الله عنه حبسه لهم، ثم إن أبا ذر، وأبا الدرداء، لم ينقل عنهم كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 2،إضافة إلى أن المؤرخين وأهل التراجم ذكروا أن

عمر رضي الله عنه بعث أبا الدرداء قاضياً ومفقهاً لأهل دمشق، كما تقدم ذلك1. وكذلك فإنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعثه عمر رضي الله عنه معلّماً لأهل الكوفة ومفقّهاً كما ثبت بذلك الأثر2. فهذا يضعف ما في هذا الحديث من حبس عمر رضي الله عنه للمذكورين في الأثر. ثالثاً: همه رضي الله عنه بكتابة السنة صيانة لها من الضياع، ثم تركه ذلك خشية من الانشغال بها عن القرآن. فقد أراد عمر رضي الله عنه كتابة السنة وجمع نصوصها في كتاب مكتوب حفاظاً لها من الضياع ولكنه رضي الله عنه خشي أن ينشغل الناس بذلك عن دراسة القرآن والعناية به حيث لا زال تدوين القرآن غضاً طرياً، وهو بحاجة إلى مزيد من العناية والاهتمام، ولا زال الناس في حاجة لمدراسة كتاب الله وحفظه في الصدور، ولم تكن هناك خشية من ضياع السنة وكبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا عنه أقواله وأفعاله وعاصروا حياته صلى الله عليه وسلم متوافرون في كل بلد ومصر من أمصار المسلمين، يقومون بالجهاد في سبيل الله والدعوة إلى دينه، ويجلسون للناس في حلقات الدرس والعلم، لذلك أمر عمر رضي الله عنه بمحو ما

كتب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم1.

_ 1 رواه ابن سعد / الطبقات 3/286،287،5/188، البلاذري / أنساب الأشراف ص 217، ابن أبي خيثمة / العلم ص 115، الخطيب البغدادي / تقييد العلم ص 50، ورجال إسناده عند ابن سعد والبلاذري ثقات ولكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر أراد كتابة السنن، فاستخار الله شهراً، ثم أصبح وقد عزم له، فقال: ذكرت قوماً كتبوا كتاباً، فأقبلوا عليه، وتركوا كتاب الله. وهو عند الخطيب بهذا اللفظ ولكنه من رواية الزهري عن عروة بن الزبير، وعروة روايته عن عمر منقطعة فهو ثقة من الثالثة. ورواه الخطيب من طريق آخر وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى شيخ الخطيب أبي الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف، قال الخطيب: لم يكن بذاك. تاريخ بغداد 10/433، وهو من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي خيثمة من طريق رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية يحيى بن جعدة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظه أن عمر أراد كتابة السنة ثم كتب في الناس: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه، وقد ورد الأمر بالمحو أو التحريق عند ابن سعد بإسناد رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عنه، وهو ثقة من الثالثة. فما ورد في الأثر من همّ عمر رضي الله عنه بكتابة السنة ثم تركه ذلك، وأمره بمحو ما كتب، يرتقي لدرجة الحسن لغيره.

المطلب الثاني: العناية بالعقيدة وسلامتها.

المطلب الثاني: العناية بالعقيدة وسلامتها. لقد حرص عمر رضي الله عنه غاية الحرص على سلامة عقيدة رعيته وإيمانهم ويقينهم بالله عز وجل وتصديقهم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع والدين وقد عمل رضي الله عنه على تحقيق ذلك بما يلي: أولاً: التحذير من الإشراك بالله عز وجل وسده الذرائع الموصلة إليه: فمن تحذيره رضي الله عنه عن الإشراك بالله عز وجل واعتقاد النفع والضر في غيره وحثه على إخلاص العبادة لله عز وجل قوله رضي الله عنه، وهو يطوف بالكعبة وقد قبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك1. وذلك ليعلم رضي الله عنه من حوله من الناس هذا المبدأ العظيم، وهو أن النافع والضار هو الله عز وجل، وأن من سواه لا يملك نفعاً ولا ضراً، وإن بلغ ما بلغ من المكانة العظيمة عند الله عز وجل وعند خلقه. ومن سده رضي الله عنه لذرائع الشرك أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه يصلي، وأمامه قبر، فقال رضي الله عنه له وهو يصلي: القبر القبر2. وذلك لكي يتجنب الصلاة وراء هذا القبر فقد يراه من يمر

به من عامة الناس ويظن جواز فعل ذلك أو مشروعيته لفعل هذا الصحابي الجليل لذلك. ولما ذهب رضي الله عنه إلى الشام، صنع له رجل من عظماء النصارى طعاماً ودعاه إليه، فقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل1. ومن حرص عمر رضي الله عنه على سلامة عقيدة رعيته في أفعالهم وأقوالهم وجميع أحوالهم، ما رواه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: كان عمر بالمخمص2 فاستبق الناس، فسبقهم عمر فقال عبد الله: فانتهزت، فسبقته فقلت سبقته والكعبة، ثم انتهز فسبقني فقال: سبقته والله، ثم انتهزت فسبقته فقلت: سبقته والكعبة، ثم انتهز الثالثة فسبقني فقال: سبقته والله، ثم أناخ فقال: أرأيت حلفك بالكعبة، والله لو أعلم

أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فآثم أو ابرر1. روي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يحلف بالكعبة فضربه ثم قال: الكعبة تطعمك، الكعبة تسقيك؟! 2. وروي عن خناس بن سحيم، قال: أقلبت مع زياد3 بن حُدَير فقلت في كلامي: لا والأمانة. فجعل زياد يبكي فظننت أني أتيت أمراً عظيماً، فقلت له: أكان يكره هذا؟ قال: نعم. كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي4.

_ 1 رواه عبد الرزاق / المصنف 8/468، ابن أبي شيبة / المصنف 3/79، الفاكهي / أخبار مكة 1/353، البيهقي / السنن الكبرى 10/29. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يخبر أنه سمع ابن الزبير يخبر أن عمر لما كان ... الأثر. 2 رواه الفاكهي/ أخبار مكة1/345، وفي إسناده شيخه إبراهيم بن أبي يوسف لم أجد له ترجمة، وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صدوق يخطئ، تق: 361. وهو من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، وروايته عنه منقطعة، فالأثر ضعيف. 3 زياد بن حُدَير الأسدي، له ذكر في الصحيح، ثقة عابد من الثانية، تق: 218. 4 رواه ابن المبارك/ الزهد ص: 70، 71،وأبو نعيم/ حلية الأولياء4/196. وفي إسناده عند ابن المبارك شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً تق: 266. وفيه خناس بن سحيم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً3/395، وذكره ابن حبان في الثقات6/276، ورواه أبو نعيم من طريق ابن المبارك، فالأثر ضعيف.

ومن سد عمر رضي الله عنه لذرائع الشرك والاعتماد على غير الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر، محاربته رضي الله عنه للسحرة والمشعوذين الذين يصرفون الناس عن تعلقهم بربهم، وسؤاله، وتوكلهم عليه، إلى الاعتماد على الجن وسؤالهم، ويسعون في إفساد عقائد المسلمين وعقولهم، وأكل أموالهم بالباطل، فكانت عقوبته رضي الله عنه لهؤلاء المفسدين صارمة وقاطعة لدابرهم، فقد كتب رضي الله عنه قبل موته بسنة إلى عماله والقائمين بأمره: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة1. وروي أنه رضي الله عنه أخذ ساحراً فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات2.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه في تحذيره من الشرك وصرفه الناس عنه، أنه رضي الله عنه بلغه أن الشجرة التي بويع عندها النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها الناس، أي بقصد التبرك، فأمر بها عمر فقطعت1. وروي أن المعرور بن سويد2 رحمه الله تعالى قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر رضي الله عنه: ما شأنهم؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرض له فيه صلاة فليصل، ومن لم يعرض له فيه صلاة فليمض3. وهذا الأثر والذي قبله فيهما دلالة على كراهية عمر رضي الله عنه إتيان المواضع التي أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة أو الجلوس، فيها والتي لم

يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإتيانها، لأن ذلك قد يفضي إلى الغلو فيها والتبرك بها، واعتقاد النفع والضر بها. ثانياً: الحث على العمل بالسنة، ومجانبة الابتداع: فقد عمل عمر رضي الله عنه على إلزام رعيته الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وترك الابتداع والإحداث في الدين. كتب عامل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر رضي الله عنه للبواب: أعد سوطاً، فلما دخلوا على عمر رضي الله عنه، علا أميرهم ضرباً بالسوط1. وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان في نَعم من نَعم الصدقة، فمر به رجلان، فقال: من أين جئتما؟ قالا: من بيت المقدس، فعلاهما بالدرة، وقال: حج كحج البيت؟! قالا: يا أمير المؤمنين، إنا جئنا من أرض كذا وكذا، فمررنا به، فصلينا فيه، فقال: كذلك إذاً، فتركهما2.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يضرب الرجبيين، الذين يصومون شهر رجب كله1. ثالثاً: الحث على الاتباع وترك السؤال عن المشتبهات والخوض فيها: قال عمر رضي الله عنه وهو يوضح ذلك لرعيته: فما لنا وللرمل2 إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال رضي الله عنه: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه3. وقرأ رضي الله عنه وهو بين أصحابه قوله تعالى {وَفَكِهَةً وَأَبًّا} 4 فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، وما عليك ألا

تدري ما الأب1. وقال عمر رضي الله عنه: اقرأوا القرآن ما اتفقتم عليه، فإذا اختلفتم فقوموا2. وقال رضي الله عنه: يهدم الإسلام ثلاث، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون3.

وقال رضي الله عنه: ثلاثة أشياء وددت أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها، الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا1. وذلك لكراهيته رضي الله عنه الخلاف الذي وقع في هذه المسائل، وما ينشأ عن ذلك من فرقة واختلاف. ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في حث رعيته على اتباع السنة وترك الخوض في المشتبهات موقفه رضي الله عنه من صبيغ التميمي2، فعن السائب3 بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: أتى عمر بن الخطاب، فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: اللهم مكّني

منه. قال: فبينما عمر ذات يوم جالساً يغدي الناس إذ جاء عليه ثوب وعمامة فتغدى حتى أفرغ. قال: يا أمير المؤمنين: {وَالذَّارِيتِ ذَرْوًا فَالْحَمِلتِ وِقْرًا} 1. فقال عمر: أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال: والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقاً2 لضربت رأسك. ألبسوه ثياباً واحملوه على قَتَب3 ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم يقول إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيد قومه4.

ومما روي عنه في ذلك قوله رضي الله عنه: دعوا الربا والريبة1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنة أعلم بكتاب الله2.

رابعاً: تحذيره من التنطع والتعمق في الدين: فقد كان عمر رضي الله عنه حريصاً على ابعاد الرعية عن التنطع في الدين والتشدد فيه والذي يفضي إلى الخروج عن الحق إلى الباطل بالزيادة في الدين والغلو فيه وترك ما جاء به الدين من الوسطية في العقائد والعبادات والمعاملات. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت أحداً كان أشد خوفاً على المتنطعين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشد خوفاً من أبي بكر، وإني لأرى عمر بن الخطاب كان أشد خوفاً عليهم ولهم1.

خامساً: النهي عن مشابهة الكفار وموادتهم: فإن مخالطة أهل الشرك وموادتهم مدعاة للتأثر بهم في عادتهم، وعقائدهم. قدم الحارث بن معاوية1 على عمر رضي الله عنه فقال له: كيف تركت أهل الشام؟ فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين، قال عمر: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك2. ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام أتى ببرذون فركبه، فهزه فكرهه، فنزل عنه وركب بعيره، فعرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأخذهما بيده وخاض الماء، وهو ممسك بعيره بخطامه، أو قال: بزمامه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد صنعت اليوم صنيعاً

عظيماً عند أهل الأرض، فصك في صدره، ثم قال: أوه يمد بها صوته لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأقل الناس، وأحقر الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم2. وروي أنه قال: لا يجاورنكم خنزير، ولا يرفع فيكم صليب، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر3.

وصح أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه اتخذ كاتباً نصرانياً، فانتهره عمر، وقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 1.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار1 لما دخل بيت المقدس: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة، فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه النهي عن قراءة كتب أهل الكتاب خشية التأثر بهم. أن عمر رضي الله عنه أتي برجل من عبد القيس3، مسكنه بالسوس4، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان

العبدي، قال: نعم، فضربه بعصاً معه، فقال الرجل: مالي يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: اجلس، فجلس، فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَءَايتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءانَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَفِلِينَ} 1،فقرأها عليه ثلاثاً، وضربه ثلاثاً، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين. فقال: لأنت الذي نسخت كتاب دانيال. فقال: مرني بأمرك أتبعه، قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه أنت، ولا تقريه أحداً من المسلمين، فلأن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من المسلمين لأهلكنك عقوبة2. وروي أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر، وكانا قد

اكتتبا من اليهود ملء صفنين1، فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين فقالا: يا أمير المؤمنين: إنا بأرض أهل الكتابين، وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منهم أم نترك؟ قال: لعلكما اكتتبتما منه شيئاً؟ فقالا: لا ... 2، فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالاً لهذه الأمة، قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً، فخرجا بصفنيهما، فحفرا لهما من الأرض، فلم يألوا أن يعمقا ويدفنا، فكان آخر العهد منهما3. خامساً: الحثّ على إخلاص العمل لله والحذر من الرياء الذي هو الشرك الأصغر الذي يبطل به العمل.

قال عمر رضي الله عنه: "أيّها الناس قد أتى عليّ زمان وأنا أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل ليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"1. وروي أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "من خلصت نيّته كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل فما ظنّك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام"2. سادساً: توضيحه لحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر وتعنيفه لمن خاض فيه وذلك لأهمية هذا الركن العظيم من أركان الإيمان، وكثرة الهالكين فيه.

فقد بيّن عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر، وأوضح له ما أشكل عليه منه، فلما قدم عمر رضي الله عنه الشام في العام الثامن عشر من الهجرة، الذي انتشر فيه وباء الطاعون، وعلم رضي الله عنه بوقوعه استشار رضي الله عنه الصحابة في دخول الشام أو الرجوع إلى المدينة، ثم شرح الله صدره للعودة إلى المدينة. فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر رضي الله عنه: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله. أريت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان1 إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ... " الأثر2. ومما جاء عنه رضي الله عنه في توضيحه وتقريره للإيمان بالقضاء والقدر ما ثبت عنه أنه لما قدم الشام لعقد صلح بيت المقدس خطب بالجابية3 فتشهد ثم قال: "من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له". فقال الجاثليق4: لا. فقال عمر: "ما قال؟ " فقالوا ما قال. فأعاد: "من

يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له" فقال الجاثليق بقميصه هكذا (ونفض إسماعيل ثوبه) وأخذه من صدره فنفضه وقال: إن الله لا يضل أحداً. فقال: "ما يقول؟ " فقالوا له ما قال: فقال: "كذبت عدو الله. خلقك والله، وأضلك ثم يميتك فيدخلك النار إن شاء الله، والله والله لولا وَلْث1 عقد لك لضربت عنقك، ثم قال: إن الله خلق آدم فنثر ذريته في يديه، ثم كتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون، ثم قال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه". فقال فتصدع الناس وما يُتنازع في القدر2.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التشديد في القدر: أنه قيل له: إن ناساً يتكلمون في القدر، فقام خطيباً فقال: "أيّها الناس، إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفس عمر بيده لأسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما"1.

وهذا الأثر فيه ضعف ويشهد له الأثر قبله في قول عمر للجاثليق: "ولولا ولث عقد لك لضربت عنقك". وهذا الأثر ليس فيه دلالة على ظهور بدعة القدر من القول بالجبر أو من نفي القدر وأن الأمر أنف في عهد عمر رضي الله عنه وإنما كانت هذه أحداث فردية لأن أوّل من أحدث بدعة نفي القدر والكلام فيه معبد الجهني في أواخر عهد الصحابة بالبصرة. فأنكر كلامه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبين أنهم لا ينفعهم إيمانهم إن لم يؤمنوا بالقدر، لأنه ركن من أركان الإيمان1. ومما روي عنه رضي الله عنه في معاقبة من احتجّ بالقدر: أنه أتى بسارق فقطع يده، وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: القدر. فضربه أربعين سوطاً، ثم قال: "قطعت يدك لسرقتك، وضربتك لفريتك على الله"2.

_ 1 رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/150. وانظر: محمّد بن صالح العثيمين/ شرح لمعة الاعتقاد ص: 114. والذهبي/ سير أعلام النبلاء 4/185. 2 رواه الخطيب البغدادي/ الجامع لأخلاق الراوي 2/169. وفي إسناده حماد المالكي نقل ابن أبي حاتم تكذيبه. الجرح والتعديل 3/153. وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف جداً.

المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين

المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين: لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على إقامة رعيته لشعائر الدين وأركان الإسلام، وتطبيقها كما جاءت بها السنة النبوية الصحيحة من غير زيادة ولا نقص. وسوف أتكلم إن شاء الله على ما فعله عمر رضي الله عنه وأمر به في سبيل إقامة هذه الشعائر وأدائها وهي الصلاة والصيام والحج والعمرة1. المسألة الأولى: الاهتمام بالصلاة وأدائها. لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة دالة على عظم منزلة الصلاة في الإسلام وعلو منزلتها من الدين، وقد عرف السلف رضوان الله عليهم لهذه الفريضة العظيمة الجليلة مكانتها، وقد أولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الفريضة اهتماماً عظيماً من حيث التهيؤ لها وأداؤها في أوقاتها، ومن حيث الاهتمام بأماكن أدائها وهي المساجد والاهتمام أيضاً بالأئمة والمؤذنين. وقد بين عمر رضي الله عنه عظم مكانة الصلاة في الإسلام، فقال رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"2.

وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عرى الإيمان أربع: الصلاة والزكاة والجهاد والأمانة2. وقد تمثل اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة في عدة أمور هي: 1- الاهتمام بالمساجد: فإن المساجد بيوت الله التي تقام فيها الصلاة، ولا شك أن العناية

بها فيها إعانة على إقامة الصلاة بسكون وطمأنينة، وحضور للقلب، وقد اعتنى عمر رضي الله عنه بالمساجد وعرف لها فضلها وحرمتها، وإن من أولى المساجد بالعناية والاهتمام مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اهتم به عمر رضي الله عنه وتمثل ذلك في زيادة مساحته بعد أن ضاق بالمسلمين، فقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه من الجريد، وعمده من خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنايته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وعمده من الخشب1، ونهى رضي الله عنه أن يزخرف بحمرة أو صفرة لئلا يفتن الناس في صلاتهم2. وروي أن عمر رضي الله عنه كان يجمر المسجد النبوي كل جمعة، ويطيبه بالبخور3.

ولا شك أن تنظيف المساجد وتطهيرها وتطييبها أمر حث عليه الشارع وعمر رضي الله عنه أولى الناس بفعل ذلك. ومن قيام عمر رضي الله عنه بحرمة المساجد ومعرفته لفضلها وخاصة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، زجره وتوبيخه لمن رفع صوته في المسجد. قال السائب بن يزيد1 رضي الله عنه: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! 2 وكان رضي الله عنه يأمر باجتناب اللغو من الحديث والكلام الذي لا فائدة فيه في المسجد، فكان رضي الله عنه إذا مر بنادٍ، وجماعة من الناس في المسجد قال: إياكم واللغط3.

ومر عمر رضي الله عنه بحسان بن ثابت1 رضي الله عنه وهو ينشد في المسجد، فلحظه، فقال حسان: والله لقد أنشدت فيه، وفيه من هو خير منك، فخشي عمر رضي الله عنه أن يرميه برسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز وتركه2. وروي أن عمر رضي الله عنه بنى مكاناً خارج مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لينشد فيه الشعر، وعرف بالرحبة أو البطيحاء3.

وروي أن عمر رضي الله عنه سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم، والدنيا في المسجد، فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله، فإذا ذكرتم تجارتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع1. 2- الاهتمام بالمؤذنين والأئمة: ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة، اهتمامه بالأذان والمؤذنين إذ أن المؤذن هو الذي يعلم الناس بدخول وقت الصلاة، ويأتمنه الناس على ذلك، وقد بين عمر رضي الله عنه مكانة المؤذن، وعظم مهمته التي يقوم بها بقوله: لوكنت أطيق الأذان مع الخليفىأي الخلافة لأذنت2.

وفي رواية أنه قال: لولا أني أخاف أن يكون سنة، ما تركت الأذان1. وقال عمر رضي الله عنه لقوم: من مؤذنوكم؟ قالوا: عبيدنا، وموالينا، فقال عمر: إن ذلك لنقص بكم كبيراً أو كثيراً2. وكان عمر رضي الله عنه يوجه المؤذنين ويرشدهم، ومن ذلك: إرشاده لأبي محذورة المؤذن3 رضي الله عنه أن يرفق بنفسه. قدم عمر رضي الله عنه مكة، فأذن أبو محذورة ثم أتى عمر رضي الله عنه فسلم عليه، فقال له عمر: ما أندى صوتك، أما تخشى أن ينشق مريطاك4.

واهتم عمر رضي الله عنه بالأئمة وبحسن أدائهم للصلاة بأركانها وواجباتها وإن مما يدل على اهتمام عمر رضي الله عنه البالغ بالإمام وحسن صلاته بالناس وإعطائه الصلاة حقها من القراءة والقيام والركوع والسجود والجلوس عزله رضي الله عنه سعد1 بن أبي وقاص رضي الله

عنه عن ولاية الكوفة بعد أن شكاه أهلها أنه لا يحسن يصلي بهم، حتى قدم سعد رضي الله عنه على عمر بالمدينة، وبين له كيفة صلاته بهم وأنه كان يصلي بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرم عنها، فقال عمر: ذاك الظن بك أبا إسحاق1. ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الإمام وحسن قراءته للقرآن، أن جماعة اجتمعت في ماء قريب من مكة بأعلاها في الحج، فحانت الصلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي، أعجمي اللسان فأخره المسور بن مخرمة، وقدم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فعرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان، وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته، قال: أوهناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت2. 3- الاهتمام بالصلاة بأدائها في أوقاتها، وعدم التشاغل عنها: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يعلمه بأوقات الصلاة، ويحذر من تأخير الصلاة عن وقتها والتشاغل عنها: صلِ الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله، والعصر

والشمس بيضاء نقية، قبل أن تدخلها صفرة، وفي رواية: قدر ما يسير الراكب فرسخين1 أو ثلاثة، والمغرب حين تغرب الشمس، ويدخل الليل، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، وصلِ الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيه سورتين طويلتين من المفصل2. وكتب رضي الله عنه: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، وكان عمر يضرب عليهما الرجال3. ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان فضل أداء الصلاة في وقتها، وشهودها في جماعة المسلمين أنه رضي الله عنه فقد سليمان بن

أبي حثمة1 في صلاة الصبح فغدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي، فغلبته عيناه، فقال عمر: "لأن أشهد صلاة الصبح أحب إلي من أن أقوم ليلة"2. وروي أن عمر رضي الله عنه فقد رجلاً في صلاة الصبح، فأرسل إليه، فجاء فقال: أين كنت؟ فقال: كنت مريضاً، ولولا أن رسولك أتاني لما خرجت، فقال عمر: فإن كنت خارجاً إلى أحد فاخرج للصلاة3. وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الصلاة، فاستقبل الناس، فأمر المؤذن فأقام وقال: لا ننتظر لصلاتنا أحداً، فلما قضى صلاته أقبل على الناس، ثم قال: ما بال أقوام يتخلف بتخلفهم آخرون، والله لقد

هممت أن أرسل إليهم، فيجاء في أعناقهم، ثم يقال: اشهدوا الصلاة1. وروي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى سعيد بن يربوع2 بمنزله، فعزاه بذهاب بصره، وقال: لا تدع الجمعة ولا الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليس لي قائد، قال عمر: فنحن نبعث إليك بقائد، فبعث إليه غلاماً من السبي3. وهذه الآثار دالة على حث عمر رضي الله عنه رعيته على أداء الصلوات في أوقاتها وفي جماعة المسلمين. ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الصلاة، اهتمامه بالتهيؤ لها والتطهر بالوضوء، فقد كان رضي الله عنه يأمر بالتحري في الوضوء وإسباغه. رأى رضي الله عنه رجلاً يتوضأ، قد ترك برجله لمعة لم يصبها الماء، فقال: أعد الوضوء4.

وروي أنه رضي الله عنه: مر بقوم يتوضئون، فقال: خللوا1 - يعني بين الأصابع2. وروي أنه رضي الله عنه رأى رجلاً قد غسل ظاهر قدميه، وترك باطنهما، فقال: لم تركتهما للنار3؟

ومن آداب الصلاة التي أوصى بها عمر رضي الله عنه ووجه إليها وعمل بها: 1 - تعهد الصفوف وتسويتها، لما في ذلك من زيادة طمأنينة القلب وهو دليل على وحدة المسلمين وقوتهم، قال أبو عثمان النهدي1 رحمه الله: ما رأيت أحداً كان أشد تعاهداً للصف من عمر رضي الله عنه، إن كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان ليبعث رجالاً يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف2. وقال رحمه الله: كنت فيمن يقيم عمر قدامه لإقامة الصف3. 2 - عدم إطالة الصلاة بالناس: قال عمر رضي الله عنه: أيها الناس، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماماً فيطول عليهم ما هم فيه4. 3 - الاستعجال بصلاة العشاء قبل نوم المريض، وكسل العامل:

قال رضي الله عنه: عجلوا العشاء قبل أن ينام عنها المريض، ويكسل العامل1. 4 - عدم التكلف في الصلاة: فقد رأى رضي الله عنه رجلاً قد أثر السجود بأنفه فقال: لا تقلب صورتك2. وذلك أن عمر رضي الله عنه علم من حاله التكلف في السجود حتى يظهر ذلك في وجهه كما روي في رواية أخرى: أن الرجل كان يعتمد على وجهه وأنفه ليؤثر فيهما3.

المسألة الثانية: الاهتمام بالصيام والقيام في شهر رمضان كان عمر رضي الله عنه يهتم كثيراً بالتحري في ثبوت شهر رمضان وخروجه ويأمر رعيته بذلك، ويحثهم على عدم التفريط في ذلك، ولا تخفى أهمية هذه المسألة، إذ أن التهاون في التعرف على دخول شهر رمضان وخروجه والتحري في ذلك يفضي إلى إفطار ما يجب صومه، وصوم ما يجب إفطاره. قال أبو وائل1 رحمه الله تعالى: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين2: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس3. وكان رضي الله عنه يحث على عدم الفرقة والاختلاف في صيام شهر رمضان، وفطره قال رضي الله عنه: ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان أو يفطر يوماً من رمضان، وأن يتقدم قبل الناس، فليفطر إذا أفطر الناس4.

وكان رضي الله عنه يحض الرعية، ويأمرهم باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر وعدم تأخيره حتى تظهر النجوم لما في ذلك من مشابهة أهل الكتاب. قال المسيب بن حزن1رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر إذ جاءه ركب من الشام، فطفق عمر يستخبر عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الفطر؟ قال: نعم، قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق2. وناول عمر رضي الله عنه رجلاً كان إلى جنبه إناء حين غربت الشمس، فقال له: اشرب، ثم قال: لعلك من المسرفين3 بفطره، سرف، سرف4.

وكان عمر رضي الله عنه يهتم بقيام رمضان وإحياء لياليه بالصلاة والعبادة فكان يحض رعيته على ذلك، ويرغبهم فيه، وإن مما يدل على ذلك، فعله رضي الله عنه في جمعه الناس في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه، ثم خرج رضي الله عنه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون بها1. وكما يظهر من الأثر السابق أن عمر رضي الله عنه كان يفضل قيام آخر الليل على أوله وذلك في قوله: والتي ينامون عنها خير من التي يقومون بها2. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: دعاني عمر رضي الله عنه أتسحر عنده، وأتغدى في شهر رمضان، فسمع هيعة3 الناس حين خرجوا من

المسجد فقال: ما هذا؟ فقلت: الناس حين خرجوا من المسجد، فقال: ما بقي من الليل أحب إلي مما ذهب1. وكان الناس في عهد عمر رضي الله عنه يصلون التراويح إحدى عشرة ركعة. وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه أمر أبياً أن يصلي بهم، وكان تميم الداري2 رضي الله عنه أيضاً ممن أمره عمر أن يؤم الناس بالتراويح. قال السائب بن يزيد3 رضي الله عنه: أمر عمر بن الخطاب أبي ابن كعب، وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر4.

وثبت أيضاً أنهم كانوا يقومون بإحدى وعشرين ركعة1. وأشار أهل العلم أن الزيادة في عدد الركعات تكون عند التخفيف، والتقليل فيها يكون مع التطويل2. المسألة الثالثة: الاهتمام بأداء فريضة الحج، وأداء العمرة فكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على أداء فريضة الحج والمسارعة في ذلك. قال رضي الله عنه: إذا وضعتم السروج فشدوا الرحيل إلى الحج والعمرة، فإنه أحد الجهادين3. وقال رضي الله عنه: كتب عليكم ثلاثة أسفار الحج، والعمرة، والجهاد في سبيل الله4.

وروي أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعرض على الناس عدة1 في كل بلد، يوافون الحج في كل عام، فلما رأى تسارع الناس فيه كف عن ذلك، وقال: لو تركوه لجاهدناهم عليه كما نجاهدهم على الصلاة والزكاة2. وروي أن عمر رضي الله عنه هم أن يبعث إلى الأمصار، فلا يوجد رجل قد بلغ سناً وله سعة، ولم يحج إلا ضربت عليه الجزية، والله ما أولئك بمسلمين، والله ما أولئك بمسلمين3.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يحث رعيته على الرفق بالنفس في أداء الحج، والتهيؤ له، وينهى عن الغلو وتحميل النفس ما لا تطيق. روى أنه رضي الله عنه رأى رجلاً أحرم من البصرة، وقدم محرماً على عمر رضي الله عنه، ورآه عمر سيئ الهيئة، فأغلظ له، فأخذ بيده وجعل يدور به في الحِلق ويقول: انظروا إلى ما صنع هذا بنفسه، وقد وسع الله عليه1. ومن الأمور الهامة التي ينبغي الإشارة إليها والتي لها علاقة باهتمام عمر رضي الله عنه بأمور الحج والعمرة هو حده رضي الله عنه ميقات

ذات عرق1 لأهل العراق2. قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما فتح هذان المصران3، أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جور4 عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق5.

_ 1 ذاتُ عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/107،108. 2 وقد وافقه الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك وأقروه عليه، وعملوا به وهو دليل على حجية ما فعله رضي الله عنه. انظر: ابن قيم الجوزية / أعلام الموقعين 4/118،119. 3 المِصْرَان: هما الكوفة والبصرة، والمراد غلبة المسلمين على أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين. ابن حجر / فتح الباري 3/389. 4 جور: أي مائل. المصدر السابق 3/389. 5 رواه البخاري / الصحيح 1/267، أحمد /المسند 2/3، 11،50،وغيرهما

المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء

المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء: إن منزلة العلم والعلماء في الإسلام منزلة عالية ورفيعة فقد حض القرآن الكريم والسنة المطهرة على تعلم العلم النافع، ورفع الإسلام من شأن العلماء وأعلى منزلتهم وقدرهم، وقد عرف عمر رضي الله عنه للعلم أهميته، وللعلماء قدرهم. وسأتناول ذلك بالبيان في عدة مسائل: المسألة الأولى: الحث على تعلم العلم: فقد حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم العلوم النافعة فكان يحثهم على التفقه في الدين الذي هو شرط قبول العمل، فلا يقبل العمل إلا أن يكون موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته الصحيحة، ولاشك أن التفقه في الدين شامل للعقائد والعبادات والمعاملات، قال عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا1، وقال رضي الله عنه: تفقهوا في الدين2.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم1. وحث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم كتاب الله عز وجل، والتفقه فيه، والعمل به. قال رضي الله عنه: تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض2. وقال رضي الله عنه وهو يحث على قراءة القرآن وإتقان تجويده

وإقامة حروفه: أعربوا القرآن فإنه عربي1. وروي أنه رضي الله عنه انتهى إلى قوم يقرئ بعضهم بعضاً، فقال: اقرؤوا ولا تلحنوا2. ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قراءة القرآن وتعلمه والعمل به وإخلاص النية لله فيه أنه قال: "يا أيّها الناس، إنه قد أتى على زمان رأي أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل إليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"3.

وروي أنه قال: "تعلموا القرآن واعملوا به"1. وروي أنه قال: اقرؤا كتاب الله عز وجل، وسلوا الله عز وجل به قبل أن يقرأه أقوام يسألون الناس به2. وروي أنه رضي الله عنه قال: تعلموا سورة براءة، وعلموا نساءكم سورة النور3.

وكان عمر رضي الله عنه يأمر بتدارس القرآن وقراءته وعدم المجادلة فيه والاختلاف في نصوصه، قال رضي الله عنه: "اقرأوا القرآن ما اتّفقتم فإذا اختلفتم فقوموا عنه"1. ومن العلوم الهامة التي حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلمها اللغة العربية وأصولها، فبها يستطيع المسلم تعلم القرآن والسنة ومعرفة أحكامهما وفقههما. كتب عمر رضي الله عنه إلى رعيته: أن تعلموا العربية2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على تعلم اللغة العربية والاهتمام بها: أن عمر رضي الله عنه مر بقوم يرمون رشقاً3 فقال: بئس ما رميتم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين، فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد علي من لحنكم في رميكم4.

وروي أنه رضي الله عنه مر برجلين يرميان، فقال أحدهما: أسبت، فقال عمر: سوء اللحن أشد من سوء الرمي1. وروي أن رجلاً سأله رضي الله عنه فقال: ما علي بالضبي؟ قال: وما عليك لو قلت بالظبي؟ قال: إنها لغة، قال: انقطع العتاب2. وروي أن كاتباً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: من أبو موسى فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا، فاضرب كاتبك سوطاً، واعزله عن عمله3.

وروي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتكلم الفارسية في الطواف فقال: ابتغ إلى العربية سبيلاً1. وأذن عمر رضي الله عنه في معرفة أخبار الأمم الماضية وأخذ العبر والحكم من تاريخهم مع أخذ الحيطة والحذر، فإن تلك الأخبار قد يكون فيها كثير من الكذب والتزوير وهذا العلم هو ما يعرف بالقصص. قال السائب بن يزيد2 رضي الله عنه: لم يكن قص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، كان أوّل من قص تميم

الداري1 رضي الله عنه، استأذن عمر رضي الله عنه أن يقص قائماً، فأذن له2. وقد رويت عن عمر رضي الله عنه عدة آثار تدل بمجموعها على إذنه رضي الله عنه لتميم الداري بأن يقص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تردده في ذلك وتخوفه منه، ولعل ذلك راجع لخوفه رضي الله عنه من انشغال الناس بذلك عن طلب العلوم الشرعية التي أمر الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم بتعلمها. روي أن تميماً الداري استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال: إنه على مثل الذبح، فقال: إني أرجو العافية فأذن له عمر3. وروي أن تميماً استأذن عمر رضي الله عنه في القصص، فأبى أن يأذن ثم استأذنه فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه، فقال: إن شئت وأشار

بيده يعني الذبح1. وروي أنه رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص فلم يأذن له، ثم استأذنه، فقال عمر: تقول ماذا؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وأذكرهم وأعظهم، قال: فأذن له في الأسبوع يوماً واحداً2. وروي أن تميماً رضي الله عنه هو أول من قص على عهد عمر رضي الله عنه، فكان يقوم فيتكلم، فإذا جاء عمر أمسك، وقد علم ذلك عمر رضي الله عنه3. وجاء في رواية صحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لم يقص في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر ولا عمر، ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة4.

والمراد بذلك هو التوسع في القصص والإكثار منها وانتشارها بحيث غلبت على الناس لأن القصص في عهد عمر رضي الله عنه ثابت كما تقدم. ومن العلوم التي روي عن عمر رضي الله عنه أنه حض على تعلمها: 1- تعلّم الشعر: تقدم الكلام على أهمية الشعر ومنزلته عند العرب في الجاهلية وفي الإسلام، وتقدم كذلك الكلام على حبّ عمر للشعر واهتمامه به1. وعمر رضي الله عنه لم يكره لرعيته تعلّم الشعر إذ لم يشغل عما هو أهمّ منه من تعلّم كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم والتفقه في دين الله. مرّ عمر رضي الله عنه بحسان2 بن ثابت رضي الله عنه وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره ذلك لأن المساجد وضعت للصّلاة وذكر الله ودراسة العلم الشرعي فيها، فلحظ إليه.

فقال حسان رضي الله عنه: "قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم التفت إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس؟ قال: اللهم نعم"1. ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه وفيه إشارة لكراهيته رضي الله عنه الإكثار من قول الشعر والاهتمام به: ما رواه عمرو2 بن حريث رضي الله عنه قال: كان في عهد عمر رضي الله عنه شاعر يروي شعراً كثيراً، فقال عمر رضي الله عنه: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"3.

وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار فيها حض على تعلّم الشعر المحمود الذي فيه دعوة للإسلام والإيمان وفيه من العظات والعبر ما يتّعظ به المسلم. وروي أنّه قال: "تعلّموا من الشعر ما يكون حِكَماً ويدلّكم على مكارم الأخلاق"1. وروي أنه قال: "تعلّموا الشعر، فإنّ فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتّقى، وحكمة الحكماء"2. وروي أنّه رضي الله عنه كتب إلى أهل الأمصار: "أن علّموا أولادكم الفروسية والعوم، وروّوهم الشعر"3.

2- تعلّم أخبار الجاهليّة: روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى سعد بن أبي وقاص: "أن جنب الناس أحاديث الجاهلية فإنّها تذكر الأحقاد، وتنشئ الضغائن وعظهم بآيات الله ما نشطوا للسماع"1. وهذا الخبر لم يثبت عن عمر رضي الله عنه إلاّ أنه لا يتعارض لو ثبت مع ما تقدم من حرص عمر رضي الله عنه على معرفة أخبار الجاهلية2، لأنه كره هنا ذكر الأخبار التي فيها إشارة للعصبيات والضغائن بين الناس بذكر ما كان بينهم من ذلك في الجاهلية. أمّا ذكر أخبار الجاهلية لأخذ العظة والعبرة، ومعرفة ما له تعلّق بأحكام الدّين، فلم يكره عمر رضي الله عنه ولم ينه عنه. 3- تعلّم علم النجوم: اهتم العرب في الجاهلية بالنجوم وتعلّقوا بها واعتقدوا فيها النفع والضّرّ، بل وعبد وها من دون الله كما قال تعالى على لسان هدهد سليمان عليه السلام حكاية عن ملكة سبأ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} 3. ومما اعتقده العرب في الجاهلية في النجوم قدرتها على إنزال المطر.

فعن زيد1 بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية2 على أثر سماء3 كانت من الليل، فلما انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"4. وإن من الجاهلية الأولى ما نسمعه ونقرؤه في وسائل الإعلام من إذاعة وصحف ومجلات وغيرها من تعليق الخير والشعر والفلاح والسعادة والشقاوة وادعاء معرفة مستقبل الإنسان من معرفة برجه الذي ولد فيه، كالجوزاء والدلو والعقرب وغيرها، وكلّ ذلك إفك ودجل وكذب وصرف للعباد عن التعلّق بخالقهم وفاطرهم والتوكّل عليه. وقد خلق الله النجوم لثلاث: علامات يهتدى بها، وزينة للسماء،

ورجوماً للشياطين، كما قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 1. وقال: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} 2. قال قتادة3 رحمه الله: "فمن تأوّل فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به"4. وعمر رضي الله عنه أثر عنه الحثّ على تعلّم علم النجوم للأغراض التي شرعها الله عز وجل روي أنه قال: "تعلّموا من النجوم ما تعرفون به ساعات الليل والنهار، وتهتدون به السبيل، ومنازل القمر"5. المسألة الثانية: العمل على نشر العلم بين الرعية: إن نشر العلم وتعليمه، ونشر الثقافة والمعرفة الدينية، بين أفراد الرعية مما حضت عليه الشريعة، وجاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولقد قام سلفنا الصالح بذلك خير قيام، وإن من نشر عمر رضي الله عنه للعلم بين رعيته ما تقدم من حثه على تعلم العلم، ومن ذلك أيضاً، بعثه

من يفقه أهل الأمصار المختلفة، ويعلمهم القرآن والسنة. فقد بعث عمر رضي الله عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة، كتب رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وإني آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة1. وبعث عمر رضي الله عنه عمران بن حصين2 ليفقه أهل البصرة3. وممن نقلت إلينا المصادر بعث عمر رضي الله لهم إلى الأمصار لتعليم الرعية العلم، وتفقيههم في الدين: 1 - حبان بن أبي جبلة، بعثه لتفقيه أهل مصر4. 2 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه، بعثه لتفقيه أهل حمص5.

3- أبو الدرداء1 رضي الله عنه، بعثه إلى أهل دمشق لتعليمهم وإقرائهم القرآن2. 4- معاذ بن جبل، بعثه لتعليم أهل فلسطين3. 5- عبد الرحمن بن غنم4، بعثه لتفقيه الناس بالشام5. 6- أبو سفيان الفهري، بعثه يستقرئ أهل البادية القرآن6. 7- قسيط بن أسامة بن عمير، بعثه ليعلم أهل البادية القرآن7. ومما لا شك فيه، أن ولاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلاميّة المختلفة

وكذلك قضاته وقادة جنده كانوا من من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يقومون في الغالب بالدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس بأقوالهم وأفعالهم رضي الله عنهم وأرضاهم. المسألة الثالثة: الحث على التخلق بآداب العلم. وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وطلبة العلم على التخلق والالتزام بآداب العلم، سواء في تلقيه أو تعليمه ونشره. فمن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه العلماء على التحلي بها: التواضع وعدم العجب بالنفس: جاء الحارث الكندي1 رضي الله عنه فقال: إن قومي يريدوني أن أقرأ عليهم، وأقص، قال عمر: فإني أخاف عليك أن تقرأ عليهم، وتقص حتى تراهم منك كالثريا، فيجعلك الله تحتهم بقدر ذلك2.

ورأى عمر رضي الله عنه قوماً يتبعون أبي بن كعب رضي الله عنه يسألونه، فضربه عمر بالدرة فقال أبي لعمر: انظر ما تصنع، فقال عمر: على عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع، مذلة للتابع1. ولا شك أن تواضع العالم، ولين جانبه وحسن خلقه في تعامله مع

تلاميذه من الأسباب الهامة والرئيسة لقبول العلم عنه ومحبة تلاميذه له وتوقيرهم إياه ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الأرض، وأكثرهم تواضعاً لله عز وجل. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حث العلماء على التواضع أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، ومن قال: أنا عالم فهو جاهل1. ومما روي في تواضع عمر رضي الله عنه في تعليمه العلم، ما رواه أبو رافع الصائغ2 رحمه الله قال: كان عمر يجلس عندي، فيعلمني الآية، فأنساها، فأناديه يا أمير المؤمنين، قد نسيتها فيرجع فيعلمنيها3.

ومن الآداب التي روى أن عمر رضي الله عنه أرشد العلماء على التخلق بها في تدريسهم العلم، الترويح على طلبة العلم وعدم مواصلة الدرس حتى لا يملوا. روى أن عمر رضي الله عنه كان يحدث الناس، فإذا رآهم قد تعبوا أو ملوا، أخذ بهم في غراس الشجر1. ولا شك أن هذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العلم، قال ابن مسعود رضي الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا2. ومن الآداب التي وجه إليها عمر رضي الله عنه طالب العلم، توقير العلماء وإجلالهم، وأن يعرف لهم مكانتهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله إياها. ولقد كان عمر رضي الله عنه يجل أهل العلم ويوقرهم، ومن ذلك تكريمه رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن عباس

رضي الله عنهما: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم، وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، وقال: ما تقولون {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ ... } حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يابن عباس، أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، إذا جاء نصر الله والفتح، فتح مكة، فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم1. ومن توقيره رضي الله عنه لأهل العلم، ما ورد من أن عمر رضي الله عنه جاء إلى زيد بن ثابت، فاستأذن عليه، فأذن له، ورأسه في يد جارية له ترجله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين: لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي2. 1 رواه البخاري / الصحيح 3/63، 91،222، الترمذي / السنن 5/120 وغيرهما. 2 رواه البخاري / الأدب المفرد ص 442، البيهقي / السنن الكبرى 6/247، ومداره على سليمان بن زيد بن ثابت، ذكره ابن حبان في الثقات 4/315، وقال ابن حجر: مقبول. تق 251، وبقية رجاله عند البخاري ثقات، وقد حسن الشيخ الألباني الأثر في صحيح الأدب المفرد ص 495.

وكان بين معاوية بن أبي سفيان، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما خلاف حول بيع الذهب بالدنانير، وبيع الفضة بالدراهم، فقال عبادة لمعاوية: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة. فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في توقير العلماء ومعرفة فضلهم قوله: تعلموا العلم، وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمون منه العلم، وتواضعوا لمن تُعلِّموه العلم، ولا تكونوا جبابرة

العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لموت الف عابد أهون من موت عاقل عقل عن الله2. وروي أن عمرو بن العاص قدم على مصر، واستخلف عليها مجاهد بن جبر، فقال له عمر: من استخلفت؟ فقال: مجاهد بن جبر، فقال عمر: مولى ابنة غزوان؟ قال: نعم، إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم ليرفع

صاحبه1. وكان عمر رضي الله عنه يحثّ طلاب العلم على تلقيه وأخذه ممن عرف به وكان راسخ القدم فيه قد أمضى فيه وقته وأفنى فيه عمره، وكان جليل القدر كبير المنزلة بين أهل الدين والعلم. قال رضي الله عنه "فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير"2. قال ابن حجر: "وذكر أبو عبيد أن المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا صغر السن. والله أعلم". ومن آداب العلم الهامة التي حث عليها عمر رضي الله عنه العالم والمتعلم: 1- إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، وابتغاء وجهه دون الأغراض الدنيوية، والجد في طلب العلم، وعدم الزهد فيه والرغبة عنه لأي سبب كان. قال رضي الله عنه: لا يتعلم العلم لثلاث ولا يترك لثلاث، لا يتعلم ليمارى به، ولا ليباهى به، ولا ليراءى به، ولا يترك حياء من طلبه

ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل منه1. 2- تحري الحق والصواب عند تلقي العلم ونشره: فقد حذر عمر رضي الله عنه طالب العلم ومتلقيه أن يحدث بكل ما سمعه من غير تروٍ وتوثق من صحة ما سمعه وصوابه وموافقته للحق. قال رضي الله عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع2. وشبه عمر رضي الله عنه الخطيب الذي يتكلم بالكلام الكثير من غير تحقق من ثبوته من عدمه بالشيطان. فقد خطب رجل عند عمر رضي الله عنه فكثر الكلام، فقال عمر: "إن كثرة الكلام في الخطب من شقائق الشيطان"3.

ومن آداب العلم المروية عن عمر رضي الله عنه: 1- العمل بالعلم: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إياكم والمنافق العالم، قالوا: وكيف يكون المنافق عليماً؟ قال: يتكلم بالحق، ويعمل بالمنكر1. وهذا الأثر صحيح المعنى، فإن مدح العالم العامل بعلمه والثناء عليه، وذم من لا يعمل بعلمه، ويخالف قوله فعله جاءت به النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة. 2- الاهتمام بحفظ العلم وتقييده: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قيدوا العلم بالكتاب2. 3- الحث على حسن كتابة العلم وقراءته:

روي أنه رضي الله عنه قال: شر الكتابة المشق1، وشر القراءة الهذرمة2، وأجود الخط أبينه3. 4- التهيؤ لطلب العلم بالتنظف والتطيب: روي عنه رضي الله عنه أنه قال: يعجبني أن أرى القارئ النظيف4. المسألة الرابعة: الاهتمام بالفتوى: إن التصدي للفتوى، وبيان أحكام الدين من الحلال والحرام، من الأمور التي أمر الشارع العظيم بالتحري فيها، والتريث، وعدم القول على الله بغير علم، وكان عمر رضي الله عنه شديد الحيطة والحذر، كثير

التحري عند إصدار الفتوى، وبيان الأحكام الشرعية. قال رضي الله عنه وهو يحذر من خطأ العالم في فتواه وزلته: يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، ومجادلة منافق بالقرآن، وحكم أئمة مضلين1. وإن من تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى استشارته الصحابة رضوان الله عليهم قبل أن يفتي في المسألة مع سعة علمه رضي الله عنه ومع ما أوتيه من فقه وحكمة ومن أمثلة ذلك: قال قبيصة بن جابر2 رحمه الله: كنت محرماً فرأيت ظبياً، فرميته فأصبت خششاه - يعني أصل قرنه، فركب ردعه3، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله، فوجدت لما جئته رجلاً أبيض رقيق الوجه، وإذا هو عبد الرحمن بن عوف، قال: فسألت عمر: فالتفت إلى عبد الرحمن بن عوف فقال: ترى شاة تكفيه؟ قال: نعم، فأمرني أن أذبح شاة، فقمنا من عنده، فقال صاحب لي: إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل، فسمع عمر كلامه، فعلاه بالدرة، ثم أقبل علي عمر ليضربني فقلت: يا أمير المؤمنين لم أقل شيئاً، إنما هو قاله، قال:

فتركني، ثم قال: أردت أن تقتل في الحرم وتتعدى الفتيا، ثم قال: إن في الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة، وواحدة سيئة، فيفسدها ذلك السيء، وقال: إياك وعثرة الشباب1. وسأل عمر رضي الله عنه أصحابه، فقال: فيما ترون أنزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} 2، فقالوا: الله أعلم، فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن في النفس منها شيئاً يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قل يابن أخي ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضُربت مثلاً لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل رجل عُني بعمل الحسنات، ثم بعث إليه شيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله3.

ومما روي في تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى، ما روي من قول أبي حصين1 رحمه الله: إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر2. وكان عمر رضي الله عنه يلوم ويعاقب من يتسرع في الفتوى ثم يخطئ فيها، فقد مر أبو هريرة رضي الله عنه بقوم محرمين، فاستفتوه في لحم صيد، وجدوا ناساً أحلة يأكلونه، فأفتاهم رضي الله عنه بأكله، ثم قدم على عمر رضي الله عنه، فسأله عن ذلك فقال عمر رضي الله عنه: فبما أفتيتهم؟ قال: بأكله، فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك3. وخرج عمر رضي الله عنه من الخلاء بعد أن قضى حاجته، ثم أخذ يقرأ القرآن فقال له أبو مريم الحنفي4: لو توضأت يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: أمسيلمة أفتاك بهذا5.

وكان رضي الله عنه يكره اختلاف العلماء في الفتوى، لما يسببه ذلك من اختلاف الأمة وتفرق كلمتها. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: اختلف أبي بن كعب، وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة في ثوب واحد، فقال أبي بن كعب: ثوب واحد، وقال ابن مسعود: ثوبين، فجاز عليهم عمر رضي الله عنه فلامهما وقال: إنه ليسوؤني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء واحد، فعن أي فتياكما يصدر الناس، أما ابن مسعود فلم يأل، والقول ما قال أبي1. وتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر العزل، فاختلفوا فيه، فقال عمر رضي الله عنه: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم2.

وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وأهل الفتيا على أن يكونوا قدوة للناس بأعمالهم قبل أقوالهم، فإن الناس يقتدون بهم في أفعالهم، ويرون أعمالهم موضع القدوة. رأى عمر رضي الله عنه على طلحة رضي الله عنه ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة1. وكان عمر رضي الله عنه يسأل أصحابه أحياناً ويختبر قدراتهم على الفتيا في الأحكام حتى يعلم مدى كفاءتهم لذلك.

قال طارق بن شهاب1 رحمه الله: خرجنا حجاجاً، فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضباً ففزر ظهره، فقدمنا على عمر رضي الله عنه، فسأله أربد فقال عمر: احكم يا أربد فيه، فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر رضي الله عنه: إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن تزكيني. فقال أربد: أرى فيه جدياً2، قد جمع الماء والشجر، فقال عمر: فذلك فيه3. المسألة الخامسة: وضع التأريخ الهجري: إن من الأعمال الجليلة التي قام بها عمر رضي الله عنه خدمةً للعلم والمعرفة وضعه رضي الله عنه التأريخ الهجري الذي حفظ الله به للأمة تراثها وثقافتها. وقد رويت في ذلك عدة آثار تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ الهجري، فقد روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه صك محلة في شعبان فقال عمر: أي شعبان الذي هو آت، أو الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئاَ

يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الروم، فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الفرس، فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فوجدوه عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم1. وروي أن عاملاً لعمر رضي الله عنه جاء من اليمن، فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون، تكتبون في سنة كذا وكذا، من شهر كذا وكذا؟ فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة، ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم، فقالوا من المحرم2.

وروي أن عمر رضي الله عنه جمع المهاجرين والأنصار، فقال: من أين نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك - يعني يوم هاجر، فكتب عمر رضي الله عنه1.

وروي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: إنه تأتينا كتب ما ندري ما تاريخها، فاستشار عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم من المبعث، وقال بعضهم من وفاته، فقال عمر: أرخوا من هجرته، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل1.

_ 1 رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: نا محمّد بن عبد الله بن الزبير، قال: نا حبان عن مجالد عن عامر، قال: كتب أبو موسى ... فذكر الأثر. محمّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي ثقة ثبت إلاّ أنه قد يخطئ في حديث الثوري تق: 487. وحبان بن عليّ العنزي ضعيف من الثامنة تق: 149. ومجالد بن سعيد ليس بالقويّ وتغير في آخر عمره تق: 520. والشعبي عامر بن شراحيل ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة. البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 189. قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثني محمّد بن عبد الله الأسدي، حدّثنا حبان عن مجالد عن الشعبي ... فذكره. عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ثقة حافظ تق: 320. وبقية رجال السند تقدموا في الذي قبله. الطبري/ التاريخ2/3. قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا حبان بن عليّ العنزي عن مجالد عن الشعبي. محمّد بن إسماعيل لعلّه البخاري. وأبو نعيم الفضل بن دكين ثقة ثبت تق: 446. ورجال السند تقدموا. فتبيّن مما تقدم أن مدار الأثر على حبان بن عليّ العنزي عن مجالد بن سعيد، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.

المطلب الأول: الحثّ على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها: إن منزلة حسن الخلق في الدين منزلة عظيمة، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً وإن المجتمع الذي يتحلى أفراده بحسن الخلق مجتمع مثالي، تتجلى فيه مظاهر الود والرحمة والتآلف، والتكافل الاجتماعي، ويكون ذلك المجتمع موضع القدوة والتقدير من الغير، لذلك حرص عمر رضي الله عنه على أن يتحلى أفراد رعيته بمحاسن الأخلاق، ويبتعدوا عن مساوئها. قال عمر رضي الله عنه وهو يذكر مقياس التفاضل بين الناس، والصفات التي يرتفع بها قدر المرء ومنزلته عند الله عز وجل: حسب المرء دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله1.

فالصفات التي ذكرها عمر رضي الله عنه صفات شاملة وجامعة لكل خير وفضيلة، فإذا تحلى المرء بالالتزام الديني، وحسن خلقه ورزق من العقل الراجح ما يعرف به الخير والشر والمعروف والمنكر، فقد اجتمع له خيرا الدنيا والآخرة. وقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص فيها إرشاد لرعيته إلى بعض الصفات الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها وهي: 1- الزهد: فقد كان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الدنيا وحبها الذي هو مصدر كل شر وعلى حب الآخرة والعمل لها الذي هو مصدر كل خير وفضيلة في الدنيا والآخرة.

قال رضي الله عنه وقد رأى توسع الناس في متاع الدنيا: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل1 ما يملأ به بطنه2، فذكرهم رضي الله عنه بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء من الأولين والآخرين من الزهد بالدنيا والإعراض عنها رجاء أن يقتدوا به في دنياهم ليلحقوا به في أخراهم. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على الزهد في الدنيا، ما روي أنه قال: الزهادة في الدنيا راحة للقلب والجسد3. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: إنك لن تنال عمل الآخرة بشيء أفضل من الزهد في الدنيا4.

وروي أنه رضي الله عنه قال: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب1. وروي أنه قال: إياكم وكثرة الحمام، وكثرة إطلاء النورة، والتوطؤ على الفرش، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين2. وروي أنه رضي الله عنه مر على مزبلة، فاحتبس عندها فكأنه شق على أصحابه، وتأذوا بها، فقال لهم: هذه دنياكم التي تحرصون عليها3. وروي أنه رضي الله عنه رأى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه كاشفاً عن بطنه، فرأى جلدة رقيقة فرفع الدرة عليه، وقال: أجلدة كافر4؟

2- التواضع: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير وفي أنفس الناس كبير، وإن العبد إذا تعظم وعدا طوره، رهصه الله إلى الأرض، وقال إخسأ أخسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أنفس الناس صغير، حتى لهو أحقر عنده من خنزير1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتغى منه وجد رجلاً2.

3- الورع: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الدين ليس بالطنطنة من آخر الليل ولكن الدين الورع1. وروي أن قال: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه2. 4- الصبر: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أولا يسكت أحدكم، فإن عوفي شكر، وإن ابتلي صبر3.

5- محاسبة النفس: روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله: أن حاسب نفسك قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة1. وروي أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه2. وروي أنه قال: خذوا بحظكم من العزلة3.

6- تقوى الله: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أوصيكم بتقوى الله إذا خلوتم1. وروي أنه قال: الأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل، فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه2. 7- الرجوع إلى الحق: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من ينصف الناس من نفسه يعط الظفر في أمره، والذل في الطاعة أقرب إلى البر من التعزيز في المعصية3.

8- ذكر الآخرة، وعدم الغفلة: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد1. 9- الاستقامة على الدين: روي أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلئِكَةُ} 2، فقال: استقاموا والله بطاعة الله، ثم لم يروغوا روغان الثعالب3.

10- البدء بإصلاح النفس قبل إصلاح الغير: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كفى بالمرء عيباً أن يستبين له من الناس ما يخفى عليه من نفسه، ويمقت الناس فيما يأتي1. 11- المسارعة في فعل الطاعات: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: التؤدة في كل خير إلا ما كان من أمر الآخرة2. 12- الإنفاق في سبيل الله، وإفشاء السلام، والحلم: روي عن عمر رضي الله عنه قوله: إن أجود الناس من جاد على من لا يرجو ثوابه، وإن أحلم الناس من عفا بعد القدرة، وإن أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس الذي يعجز في دعاء الله3.

وروي عنه رضي الله عنه في الإنفاق: رحم الله من قدم فضل المال وأمسك عن فضل الكلام1. 13- التحذير من فتنة المال، والحث على القناعة: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: للخرق2 في المعيشة أخوف عليكم من العوز3. إنه لا يقل قليل مع الإصلاح، ولا يبقى كثير مع الإفساد4.

وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: الكفاف1 مع القصد2 أكفى من السعة مع الإسراف3. وروي عنه أنه قال: من استغنى بالله اكتفى، ومن انقطع إلى غير الله يعمى، ومن كان من قليل الدنيا لا يشبع لم ينفعه كثير ما يجمع، فاكتف منها بالكفاف، والزم نفسك بالعفاف، ودع الغلول فإن حسابها غداً يطول4.

14- العفو والصفح عن الناس: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا القيامة لكان غير ما ترون1. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك2. وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من مساوئ الأخلاق كما كان يحضهم على محاسنها. قال رضي الله عنه وهو يبين خطر سوء الخلق على المرء: إن المرء تكون فيه عشرة أخلاق تسعة صالحة، وخلق سيء فيفسد السيء التسعة3.

وقد حذر عمر رضي الله عنه الناس ونهاهم عن التخلق ببعض الأخلاق السيئة التي هي من الأمراض التي يكثر انتشارها في المجتمعات والتي لها مخاطر عظيمة على الفرد والمجتمع ومنها: 1- الكذب: قال عمر رضي الله عنه: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك1. وقال رضي الله عنه: أما في المعاريض2 ما يغني الرجل من الكذب3.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب1. وروي أنه قال: لا تجد المؤمن كذاباً2. 2- الغيبة: قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على القيام بالأخذ على يد المغتابين وتحذيرهم من فعلهم: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض

_ 1 رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/236، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية ميمون بن أبي شبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو صدوق من الثالثة، فالأثر ضعيف ويشهد له الذي قبله. 2 رواه البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول4/230، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية حسان بن عطية المحاربي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، فالأثر ضعيف.

4- كثرة التمادح: ومما حذر منه عمر رضي الله عنه رعيته من الخصال الذميمة مدح المرء لأخيه بحضرته لما في ذلك من إدخال الغرور والعجب إلى نفسه، وقد يفضي ذلك إلى الرياء في العمل لكسب ثناء الناس ومدحهم، فيبطل عمل المرء ويفسد ويذهب ثوابه. قال رضي الله عنه: المدح الذبح1. وقال رضي الله عنه لرجل أثنى على رجل بحضرته وفي وجهه: عقرت الرجل عقرك الله2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حطه من نفوس أصحابه إذا رأى منهم إعجاباً بأنفسهم:

أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه، وعليه حلة خضراء، فنظر إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه، وثب إليه ومعه الدرة، فجعل ضرباً لمعاوية، ومعاوية يقول: الله، الله يا أمير المؤمنين، فيم فيم؟! فلم يكلمه حتى رجع، فجلس في مجلسه، فقال له القوم: لم ضربت الفتى يا أمير المؤمنين؟ ما في القوم مثله، فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خيراً، ولكني رأيته - وأشار بيده - فأحببت أن أضع منه1. وروي أن ابناً لعمر رضي الله عنه دخل على عمر، وقد ترجل ولبس ثياباً حساناً فضربه عمر بالدرة، حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم يكن فاحشاً، لم ضربته؟ فقال: رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه2. وروي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان إذا قدمت عليه العير من الشام تحمل الزيت تلقاها فادهن، فقدمت عير، فادهن منها،

فلقيه عمر رضي الله عنه، فأخذ بقفاه فقال: ادهنت بعد جفوف، ثم نظرت في حلتك فأعجبتك نفسك، لا تفارقني حتى أجز من شعرك1. 5- تحذيره رضي الله عنه من هفوات الشباب: وحذر عمر رضي الله عنه الشباب الذين هم عماد الأمة بعد الله عز وجل من الغفلة والطيش والانحراف عن الصراط المستقيم الذي يقترن بمرحلة الشباب غالباً، قال رضي الله عنه وهو ينصح رجلاً: إياك وعثرة الشباب2.

_ 1 رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 6/109، وفي إسناده يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، ضعيف. تق 593، وهو منقطع من رواية عثمان بن أبي سودة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف. 2 صحيح، تقدم تخريجه في ص (898) . وهو جزء من أثر قبيصة بن جابر: كنت محرماً ... الأثر.

المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية

المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية المطلب الأول: الحث على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها ... الناس لا تغيروا عليه؟ قالوا: نتقي لسانه، قال: ذلك أدنى أن تكونوا شهداء1. 3- الطمع والغضب: وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على تحذير عمر رضي الله عنه من هاتين الخصلتين الذميمتين. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: قد أفلح منكم من حفظ من الهوى والطمع والغضب2. وروي أن عمر قال: لا يغرنك خلق امرئ حتى يغضب، ولا دينه حتى يطمع3.

_ 1 رواه ابن أبي شيبة/المصنف5/230، ابن أبي الدنيا/ الصمت ص: 137، الغيبة ص: 90، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن زيد بن صوحان، قال: قال عمر: ... الأثر. 2 رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص249، البيهقي / السنن الكبرى 3/215، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية أبي بكر بن عياش عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، وسنده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي، قال الخطيب البغدادي: ذكر أنه كان فيه لين، تاريخ بغداد 1/282، لسان الميزان 5/49. 3 رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 204، ورجال إسناده ثقات، وفيه بقية ابن الوليد، صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالأثر ضعيف.

المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة

المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة: وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالنواحي الأخلاقية في المجتمع، محاربته الرذيلة، وذلك بالقضاء على أسباب انتشارها، وذلك بما يلي: 1- منع الاختلاط بين الرجال والنساء: فالاختلاط من أكبر انتشار الرذيلة والفاحشة في المجتمع، سواءً بالاختلاط بهن في الأماكن العامة أو بالخلوة بهن. وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على قيامه رضي الله عنه بمحاربة الاختلاط بين الرجال والنساء. روي عنه رضي الله عنه أنه أتى حياضاً عليها الرجال والنساء، يتوضؤون، فضربهم بالدرة، ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً والنساء حياضاً1. وروي أنه رضي الله عنه: نهى أن يطوف الرجال مع النساء،

فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على تحذيره رضي الله عنه من الدخول على المغيبات الذين غاب أزواجهن في الجهاد لما في ذلك الاختلاء من مظنة وقوع الفاحشة أو داوعيها. روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا يدخل على امرأة مغيبة إلا ذو محرم، ألا وإن قيل: حموها، ألا وإن حموها الموت2. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يدخل رجل على مغيبة، فقام رجل فقال: إن خالاً لي، او ابن عم لي خرج غازياً، وأوصاني بأهله، فأدخل عليهم، فضربه بالدرة، ثم قال: ادن كذا، ادن كذا، وقم على الباب، لا تدخل، فقل: ألكم حاجة؟ أتريدون شيئاً3؟

وروي أنه رضي الله عنه قال: ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسراً وسادة عند امرأة مغزية، يتحدث إليها، وتتحدث إليه، عليكم بالجنبة، فإنها عفاف، إنما النساء لحم على وضم1، إلا ما ذب عنه2. 2- منع النساء من التبرج وإبداء الزينة: فقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه على منع النساء من إبداء زينتهن لغير محارمهن، حتى لا تقع الفتنة بهن. روي أن جارية جميلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقال لها زيرا، خرجت وعليها قميص فكشفتها الريح، فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة، فذهب سعد يدعو على عمر رضي الله عنه، فناوله عمر الدرة، وقال: اقتص، فعفا عنه3.

وروي أن عمر رضي الله عنه طاف في صفوف النساء، فوجد ريحاً طيبة من رأس امرأة فقال: لو أعلم أيتكن هي لفعلت، وفعلت، لتتطيب إحداكن لزوجها، فإذا خرجت لبست أطمار1 وليدتها2. وروي أن امرأة خرجت متطيبة على عهد عمر رضي الله عنه، فوجد ريحها فعلاها بالدرة، ثم قال: تخرجن متطيبات فيجد الرجال ريحكن، وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم، أخرجن تفلات3. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: يا معشر النساء إذا اختضبتن فإياكن النقش، ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا، وأشار إلى موضع السوار4.

ومن ذلك ما روي من نهيه رضي الله عنه من دخول النساء الحمامات1 لما يحصل فيها من الاختلاط وتكشف العورات. روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: بلغني أن نساء المؤمنين والمهاجرين يدخلن الحمامات، ومعهن نساء من أهل الكتاب، فازجر عن ذلك وحل دونه2. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا يدخل رجل الحمام إلا بمئزر، ولا امرأة إلا من سقم3.

وروي أن عمر رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: وإياكم أن تدعوا نساءكم يدخلن الحمامات، فإن ذلك لا يحل1. 3- نفي وإبعاد من يخش من الفتنة: فقد أخرج عمر رضي الله عنه من المدينة من يخشى منه إثارة الفتنة بين الرجال والنساء ونشر الرذيلة والفاحشة، قطعاً لشره وحماية للأمة منه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخنثين2 من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً3.

ومن الآثار الدالة بمجموعها على إخراج عمر رضي الله عنه من يخشى منه الفتنة على النساء: ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج يعس ذات ليلة، فإذا هو بنسوة يتحدثن فإذا هن يقلن: أي أهل المدينة أصبح؟ فقال امرأة منهن: أبو ذؤيب، فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر: أنت والله ذئبهن مرتين أو ثلاثاً، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، قال: فإن كنت لا بد مسيرني فسيرني حيث سيرت ابن عمي - يعني نصر بن حجاج، فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة1. وروي أن رجلاً يقال له معقل2، وكان رجلاً جميلاً، ويخشى منه على النساء الفتنة، فسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول:

أعوذ بالله من شر معقل إذا معقل راح البقيع مرجلاً فأرسل عمر رضي الله عنه إلى معقل أن الحق ببادية قومك، ولا ترح إلى المدينة ما دام هذا غازياً حتى يرجع1. ومن ذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه بينما كان يعسّ ذات ليلة إذا امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج. فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من أحسن الناس شعراً، وأصبحهم وجهاً، فأمره عمر أن يطم2 شعره، ففعل فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمر عمر أن يعتم، ففعل، فازداد حسناً. فقال: "لا والذي نفسي بيده لا

تجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه، وأمر به إلى البصرة"1.

_ وهذا السند رجاله ثقات، وأبو بكر محمّد بن محمّد هو الباغندي تُكلم فيه لكثرة تدليسه. انظر: الميزان4/26، وسير أعلام النبلاء14/383. وخالد هو: ابن عبد الله الواسطي. وعوف هو: ابن أبي جميلة، وهو ثقة من السادسة. روايته عن عمر معضلة. وفي إسناده عند أبي نعيم الهيثم بن عدي الطائي، قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث. ميزان الاعتدال 4/324. وهو أيضاً من راية عامر الشعبي، وروايته عن عمر منقطعة.

المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة.

المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة. تعتبر فئة الفساق والعصاة من الفئات المنحرفة أخلاقاً، وقد عامل عمر رضي الله عنه هذه الفئة معاملة حكيمة عالجت انحرافها ووقت المجتمع مخاطرها، وتمثل ذلك بالآتي: 1- الرأفة بأهل المعاصي: لقد كان من المبادئ التي عامل عمر رضي الله عنه بها الفساق والعصاة الرفق بهم، وتقديم النصح والتوجيه لهم أملاً في رجوعهم إلى الحق ودعوتهم إلى الرشد والصواب من ذلك تلطفه مع بعض من ارتد عن الإسلام أملاً في رجوعه إلى الحقّ بالرغم من عظم إثمه وجرمه. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: بعثني أبو موسى بفتح تستر1 إلى عمر رضي الله عنه فسألني عمر فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل2؟ وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا

بالمشركين، فأخذت في حديث آخر لأشغله، فقال: ما فعل النفر من بكر ابن وائل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلماً أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم، قال: كنت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن1. ولعلّ عمر رضي الله عنه فعل بهم ذلك، لأنه علم أنهم قد غرر بهم وأنهم ارتدوا بسبب جهلهم وقلة علمهم، وأن استوداعهم السجن مع وعظهم وإرشادهم سبب في عودتهم ورجوعهم إلى الحقّ. لأن عمر رضي الله عنه كان له موقف آخر من مرتدّين آخرين وهو قتلهم مباشرة إن لم يتوبوا. فقد كتب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إليه في قوم من أهل العراق ارتدوا، فكتب إليه: أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها، فخل عنهم، وإن لم يقبلوها، فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله2.

وجاء عن عمر رضي الله عنه أيضاً التلطف مع شارب الخمر أملاً في عودته للحقّ وحرصاً على عدم نفوره من الحقّ ولحاقه بأهل الفسق والكفر. فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في حج أو عمرة، فإذا نحن براكب، فقال عمر رضي الله عنه: أرى هذا يطلبنا، فجاء الرجل، فبكى فقال عمر: ما شأنك؟ إن كنت غارماً أعناك، وإن كنت خائفاً أمناك، إلا أن تكون قتلت نفساً، فتقتل بها، وإن كنت كرهت جوار قوم حولناك عنهم، قال: إني شربت الخمر، وأنا أحد بني تميم، وإن أبا موسى جلدني، وحلقني، وسود وجهي، وطاف بي في الناس، وقال: لا تجالسوه، ولا تؤاكلوه، فحدثت نفسي بإحدى ثلاث، إما أن أتخذ سيفاً فأضرب به أبا موسى، وإما أن آتيك فتحولني إلى الشام، فإنهم لا يعرفوني، وإما أن ألحق بالعدو، وآكل معهم وأشرب، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ما يسرني أنك فعلت وإن لعمر كذا وكذا، وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية، وإنها ليست كالزنى، وكتب إلى أبي موسى: سلام عليك أما بعد، فإن فلان بن فلان التميمي أخبرني بكذا وكذا، وايم الله لئن عدت لأسودن وجهك، ولأطوفن بك في الناس، فإن أردت أن تعلم صدق ما أقول لك فعد، وأمر الناس أن يجالسوه ويؤاكلوه وإن تاب قبلت شهادته، وحمله وأعطاه مائتي درهم1.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا رأيتم أخاكم زل زلة فقوموه وسددوه وادعوا الله أن يتوب عليه ويراجع به إلى التوبة، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه1. 2- الستر على أهل المعاصي وعدم التشهير بهم: ومن الأساليب التي كان عمر رضي الله عنه يعامل بها العصاة والفساق، عدم التشهير بهم، وإبداء عوراتهم وفضح أسرارهم، وخاصة من تاب منهم، ورجع عن ذنبه، حرصاً منه رضي الله عنه على عدم شعورهم بالنقص، ونبذ المجتمع لهم، فيؤثرون المعصية على التوبة والطاعة.

كان شرحبيل بن السمط1 رضي الله عنه على جيش قرب المدائن2، فقال لجنده: إنكم نزلتم أرضاً الشراب فيها فاش، والنساء فيها كثيرة، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا، فنقيم عليه الحد، طهوره، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: لا أم لك، أنت الذي تأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم3. وتزوج رجل امرأة في عهد عمر رضي الله عنه ولها ابنة من زوج قبله، وكان له ابن من زوجة سابقة، ففجر ابنه ببنت زوجته الثانية فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فحد الابن، وأخر المرأة حتى وضعت ثم حدها، ثم حرص أن يتزوج كل منهما الآخر، ولكن الابن أبى4.

وجاء رجل إلى عمر فذكر له أن ابنة له قد خُطبت، وكانت قد أحدثت، فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت إلا خيراً، فقال رضي الله عنه: زوّجها ولا تخبر1. 3- معاقبة الفساق وإهدار حرمتهم: ومما عامل به عمر رضي الله عنه العصاة والفساق إيقاع العقوبة عليهم، وإهدار حرمتهم، وذلك إذا تعدى فسقهم لغيرهم، وانتشر شرهم وبغيهم، وذلك حفاظاً على مصالح المسلمين، ولكي يكونوا عبرة لغيرهم. روى عبيد بن عمير2 أن رجلاً ضاف ناساً من هذيل3، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال: ذاك قتيل الله، والله لا يودى أبداً4.

وأحرق عمر رضي الله عنه بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتاً للشراب، وكان عمر رضي الله عنه قد نهاه. قال راوي الخبر: فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة1. وروي أن رجلاً من الأنصار اسمه أشعث غزا في جيش من جيوش المسلمين، وكان له أخ فقالت له امرأته: هل لك في امرأة أخيك معها رجل يحدثها، فصعد فأشرف عليه، وهو معها على فراشها وهو يقول: وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه يوم التمام أبيت على حشاياها ويمسي على دهماء2 لاحقة الحزام كأن مواضع الربلات3 منها تمام قد جمعن إلى تمامي

فوثب إليه، فضربه بالسيف حتى قتله، ثم ألقاه فأصبح قتيلاً بالمدينة، فقال عمر: أنشد الله رجلاً كان عنده من هذا علم إلا قام به، فقام الرجل: فأخبره بالقصة، فقال: سحق، وبعد1.

_ 1 رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/449، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة فالأثر ضعيف.

المطلب الرابع: إقامة الحدود

المطلب الرابع: إقامة الحدود إن إقامة الحدود، والأخذ على يد الفساق والبغاة من أهم عوامل الانضباط الخلقي لدى المجتمعات، وإن مجتمعاً تطبق فيه أحكام الدين بإقامة الحدود، يقل فيه الفساد والانحلال الخلقي، وارتكاب الجريمة، ويسود فيه الأمن والأمان، ويأمن فيه الخلق على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ولقد عمل عمر رضي الله عنه على إقامة الحدود بكل دقة وحزم في أنحاء الدولة الإسلامية التي اتسعت وترامت أطرافها، وكثر رعاياها من مسلمين وكتابيين وغيرهم على القريب والبعيد والشريف والوضيع. وسأتكلم عن هذا المطلب في مسألتين: المسألة الأولى: إقامة عمر رضي الله عنه الحدود على من استوجبها من العصاة1. فقد أقام عمر رضي الله عنه الحدود المختلفة على من استوجبها من أهل الكبائر ومنها:

1- حد شرب الخمر: فقد حد عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون رضي الله عنه لشربه الخمر وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان عمر رضي الله عنه استعمله على البحرين، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب، فسكر ولقد رأيت حداً من حدود الله حقاً عليَّ أن أرفعه إليك، فقال عمر رضي الله عنه: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: أما تشهد؟ فقال: لم أره حين شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، قال: لقد تنطعت في الشهادة يا أبا هريرة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه، وأرسل عمر رضي الله عنه هند بنت الوليد يسألها، فأقامت الشهادة على زوجها فقال عمر رضي الله عنه لقدامة: إني جالدك يا قدامة، فقال: لئن كان كما يقولون فليس لك أن تجلدني، قال: لم؟ قال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} 1 حتى قرأ الآية، فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك، ثم استشار الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً، قال: لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي، إيتوني بسوط فأمر بقدامة فجلد2.

وممن جلد عمر رضي الله عنه في شرب الخمر ابنه عبد الرحمن، قال ابن عمر رضي الله عنه: شرب أخي عبد الرحمن، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث1، وهما بمصر في خلافة عمر رضي الله عنه، فسكرا، فلما أصبحا، انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله: فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت: ادخل الدار أطهرك، ولم أشعر أنهما أتيا عمرواً فأخبرني أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس، ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن ابعث إلي بعبد الرحمن على قتب2. ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم اصابه قدره فمات، فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر3.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يقضي حاجته بأجياد1 فوجد سكراناً، فطرق به عبيد الله بن أبي مليكة2، وكان جعله يقيم الحدود، فقال: إذا أصبحت فاجلده3. وكان عمر رضي الله عنه ربما غرب في الخمر، فقد أتى عمر رضي الله عنه بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال: للمنخرين للمنخرين4، وولداننا صيام، فضربه ثمانين، ثم سيره إلى الشام5.

وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه غرب ربيعة بن أمية بن خلف1 في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعده مسلماً أبداً2. وقد زاد عمر رضي الله عنه حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين جلدة باستشارة الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك حينما رأى عمر رضي الله عنه أن الناس قد أكثروا من شرب الخمر وذلك بعدما خالطوا أهل البلاد المفتوحة من الفرس والروم ونزلوا أرضهم التي يكثر فيها الخمر ومن يتعاطاه.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف1 والقرى، قال: ما ترون في حدّ الخمر؟ فقال: عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، فجلد عمر ثمانين2. 2- حد الزنى: قال عمر رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحمل، أو الاعتراف، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده3.

وجلد عمر رضي الله عنه وغرب من استحق الجلد من الزناة. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب1. 3- حد القتل: فقد قتل عمر رضي الله عنه عدداً من الرجال، قتلوا رجلاً بصنعاء فقال رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً2. 4- حد السرقة: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد لرأيت عمر قطع رِجل رجل بعد يد ورِجل، سرق الثالثة3.

المسألة الثانية: كيفة إقامة الحدود: ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في كيفة إقامة الحدود:

1- عدم إقام الحدود في المسجد: فقد أتى عمر رضي الله عنه برجل في شيء اقترفه، فقال: أخرجاه من المسجد فاضرباه1. 2- صفة السوط الذي يقام به الحد، وكيفة الجلد به. أتى عمر رضي الله عنه برجل في حد، فأمر بسوط، فجيء بسوط فيه شدة، فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب به، ولا يرى أبطك، وأعط كل عضو حقه2. وأمر عمر رضي الله عنه رجلاً بإقامة الحد على شارب الخمر، فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضرباً شديداً، فقال: قتلت الرجل،

كم ضربته؟ قال: ستين، فقال: اقص عنه بعشرين، فأمره أن يجعل الستين ثمانين لشدة ضربه له1.

_ 1 رواه ابن كثير / مسند الفاروق 2/521، نقلاً عن أبي عبيد في غريب الحديث، البيهقي / السنن الكبرى 8/317، صحيح من طريق أبي عبيد. قال: حدّثنا أبو النضر عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أبي رافع عن عمر ... الأثر.

المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الإجتماعية

المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الإجتماعية المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان ... المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه بالنكاح واهتمامه به: لقد أولى الشارع الحكيم أمور النكاح وما يتعلق به عناية كبيرة وعظيمة إذ هو أساس تكوين الأسرة ثم المجتمع المسلم، فالعناية به عناية بالأسرة والمجتمع، وقد اشتملت نصوص الكتاب والسنة على عدد كبير من النصوص التي تعالج مسائل النكاح وما يتعلق به، ونظراً للمكانة التي تحتلها قضية النكاح فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها عناية كبيرة وعظيمة تتناسب وأهمية هذه القضية وخطورتها وتمثل ذلك في عدة أمور هي: 1- حثه رضي الله عنه على النكاح وعلى تيسير أموره: قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على نكاح المرأة المسلمة الحسنة الخَلق والخُلق الودود الولود: والله ما أفاد رجل فائدة بعد الإسلام خير من امرأة حسناء حسنة الخلق، ودود، ولود، والله ما أفاد رجل بعد الشرك بالله شر من امرأة سيئة الخلق حديدة اللسان1.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على حثه على النكاح: ما روي من قوله رضي الله عنه لأبي الزوائد1: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور2. وروي أنه قال: زوجوا أولادكم إذا بلغوا لا تحملوا آثامهم3. وروي عنه قوله رضي الله عنه: اطلبوا الفضل في الباه، وتلا عمر {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 4.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أبرزوا الجارية التي لم تبلغ، لعل بني عمها أن يرغبوا فيها1. ومن حث عمر رضي الله عنه على النكاح واهتمامه به حثه أولياء الزوجات أو النساء على عدم المغالاة بالمهور، فغلاء المهور كثيراً ما يكون سبباً في إحجام كثير من الراغبين في النكاح عنه لقلة ذات اليد. قال عمر رضي الله عنه: ألا لا تغالوا في صَدُقَة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم. ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية2.

وأما ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صُدُق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أو قولك؟! قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً في صدق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه {وءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} 1، فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له2. فهو أثر غير ثابت.

وكذلك لا يثبت ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق حتى عرضت لي هذه الآية: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا ... } الآية1. 2- حرصه على شرعية الأنكحة، وإلغاء الأنكحة الفاسدة ومعاقبته لمن يتعامل بها: فمن الأنكحة المحرمة التي حرص عمر رضي الله عنه على تطهير المجتمع منها، نكاح المتعة، وهو نكاح المرأة لمدة مؤقتة على مهر معين. قدم عمرو بن حريث2 من الكوفة، وقد استمتع بمولاة من الموالي، فأتى بها إلى عمر وهي حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو ابن حريث فسأله، فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، فقال عمر: فهلا غيرها، فذلك حين نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة3.

ولعل عمر رضي الله عنه لم يعاقب من نكح نكاح المتعة كما مر في قصة عمرو بن حريث مراعاة لجهله بحكم التحريم حيث كان بعض الناس لا يعلمون بتحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فعلناهما أي متعة الحج، ومتعة النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر رضي الله عنه فلم نعد لهما1. قال النووي رحمه الله: هذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر، لم يبلغه النسخ2. ولكن عمر رضي الله عنه أوضح للناس حقيقة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة حتى يعذر إليهم، وأوعد من فعل هذا النكاح بالرجم. قال رضي الله عنه: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله ... 3 وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة4.

وقال رضي الله عنه وهو يبين تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد إذ حرمها1. ولعل عمر رضي الله عنه رجع عن توعده بإيقاع عقوبة الرجم بمن نكح نكاح المتعة، وقد أحصن لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لذلك. فقد ثبت عنه رضي الله عنه قوله: لو كنت تقدمت في متعة النساء لرجمت2. ولم ينقل أن عمر رضي الله عنه رجم أحداً نكح نكاح المتعة في خلافته، والله أعلم.

ومن الأنكحة الفاسدة التي توعد عمر رضي الله عنه من عمل بها، نكاح التحليل: قال عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل1، ومحلل له إلا رجمتهما2. ومما عاقب عليه عمر رضي الله عنه من الأنكحة، نكاح المرأة في عدتها. فقد نكحت طليحة في عدتها بعد أن طلقها زوجها البتة، فضربها عمر رضي الله عنه وضرب زوجها بمخفقة ضربات، وفرق بينهما3.

ومنها نكاح المرأة عبد ها: فقد روي أن عمر رضي الله عنه أتى بامرأة تزوجت عبد ها، فقال: ما حملك على هذا؟ قالت: هو ملك يميني، أوليس الله قد أحل ملك اليمين، فأمر بها عمر رضي الله عنه فضربت، وكتب إلى أهل الأمصار ينهاهم عن ذلك1. وروي أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين، إني امرأة كما ترى وغيري من النساء أجمل مني، ولي عبد قد رضيت دينه وأمانته، فأردت أن أتزوجه، فدعا عمر بالغلام فضربها ضرباً مبرحاً وأمر بالعبد فبيع في أرض غربة2. وهذان الأثران يدلان على معاقبة عمر رضي الله عنه لمن نكحت عبد ها. وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من يحرم ما أحل الله من النكاح، جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه قال: كانت لي وليدة، وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها، فأرضعتها، فدخلت عليها وقالت: دونك قد

والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها، وأت جاريتك وإنما الرضاعة رضاعة الصغير1. 3- الحث على نكاح المسلمات العفيفات: فقد حث عمر رضي الله عنه على نكاح النساء العفيفات المسلمات ذوات الدين والخلق، وقد تقدم قوله رضي الله عنه: ما أفاد رجل بعد الإسلام خيراً من امرأة حسناء، حسنة الخُلق ودود، ولود2. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: النساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها، والأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً وأخرى غل، قمل3 يجعلها الله في عنق من يشاء وينزعها إذا شاء4.

وكان عمر رضي الله عنه يكره نكاح الكتابيات، ويحث من تزوج بهن من أصحابه على مفارقتهن، وذلك حرصاً منه على نكاح المسلمة العفيفة، وخوفاً من توسع الناس في ذلك حتى ينكحوا المومسات منهن، فقد تزوج حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يهودية، فكتب إليه عمر: طلقها فكتب إليه حذيفة: لِمَ؟ أحرام هي؟ فكتب إليه: لا، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن1. وأذن رضي الله عنه في نكاح المؤمنات التائبات من اقتراف الفاحشة، من غير ذكر ما أحدثن قبل توبتهن، فالتائب من الذنب كم لا ذنب له. قال طارق بن شهاب2 رحمه الله: أراد رجل أن يزوج ابنته فقالت: إني أخشى أن أفضحك، إني قد بغيت فأتى عمر، فأخبره فقال: أليس قد تابت؟ قال: نعم، قال: فزوجها3.

ولا شك أن هذه الآثار التي فيها الحث على نكاح العفيفات الطاهرات واللاتي يتصفن بحسن الخلق والخلق يشمل الرجال أيضاً، فالذي ينبغي للمرأة وولي أمرها أن يختار لها من الرجال أهل الصلاح والتقوى وممن اتصف بحسن الخلق، وأن لا يجبر الولي المرأة على من تكره من الرجال سواء في خَلقه أو خُلقه. روي أن عمر رضي الله عنه قال: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل الذميم فإنهن يحببن من ذلك ما تحبون1. وروي أنه رضي الله عنه أتى بامرأة شابة، زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال: يا أيها الناس، اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، يعني شبهها2.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا المعنى فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه حينما خطب امرأة أن ينظر إليها، قال صلى الله عليه وسلم: "فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"1. المسألة الثانية: الاهتمام بالعلاقة الزوجية: كان عمر رضي الله عنه حريصاً على دوام السعادة والمحبة والألفة بين الزوجين، وذلك بحث كل من الزوجين على إعطاء الآخر حقوقه والتغاضي عن زلاته، وهفواته، والصبر عليها. فمن حقوق الزوج على زوجته التي حث عمر رضي الله عنه الزوجات على التخلق بها والاتصاف بها في معاملة الزوج حسن الخلق معه وهي كلمة شاملة لحسن معاملة الزوج وإعطائه حقوقه الزوجية، وهذا المعنى مأخوذ من مدح عمر رضي الله عنه للمرأة الحسنة الخلق مع زوجها ووصفها بأنها الزوجة المثالية2. ومن حقوق الزوج على زوجته التي هي من عوامل دوام المحبة والألفة بين الزوجين وثقتهما بأنفسهما، اعتراف الزوجة بالجميل الذي يقدمه لها زوجها وعدم إنكار فضله ومعروفه معها.

جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجي كثر شره، وقل خيره، فقال لها عمر: ومن هو زوجك؟ قالت: أبو سلمة، قال: إن ذاك الرجل رجل له صحبة، وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر لرجل جالس عنده: أليس كذلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا نعرفه إلا بما قلت، فقال عمر لرجل: قم فادعه لي، وقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها، فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معاً، حتى جلس بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول في هذه الجالسة خلفي، فقال: ومن هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه امرأتك، فقال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنه قد قل خيرك، وكثر شرك، فقال: بئس ما قالت يا أمير المؤمنين، إنها لمن صالح نسائها، أكثرهن كسوة وأكثرهن رفاهية، ولكن فحلها بكي1، فقال عمر: ما تقولين؟ قالت: صدق، فقام إليها عمر بالدرة، فتناولها بها، ثم قال: أي عدوة نفسها، أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أتيت تخبرين بما ليس فيه، فقالت: يا أمير المؤمنين لا تعجل فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً، ثم أمر لها بثلاثة أثواب فقال: خذي لما صنعت بك، وإياك أن تشتكي هذا الشيخ، ثم أقبل على زوجها بعد أن قامت، فقال: لا يمنعك ما رأيتني صنعت بها أن تحسن إليها، انصرفا. فقال الرجل ما كنت لأفعل2.

ومن حقوق الزوج على زوجته التي رويت عن عمر والتي يعتبر عدم تخلق الزوجة بها سبباً رئيساً لشقاء الحياة الزوجية، ومن ثم تفككها وانهيارها، وهذا الحق هو حفظ المرأة لزوجها في غيبته وعدم خيانته في نفسها وماله وأهله، روي عنه رضي الله عنه أنه قال: ثلاث هن فواقر1، جار سوء في دار مقامة، وزوجة سوء إن دخلت عليها آذتك، وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت إليه لم يقبل منك، وإن أسأت إليه لم يقلك2.

ومما ذمه عمر رضي الله عنه في هذا الأثر أيضاً سوء تعامل الزوجة مع زوجها وإيذائها له، وعدم إعطائه حقه في حسن العشرة. أما حقوق الزوجة على زوجها التي أشار إليها عمر رضي الله عنه فهي حسن تعامله معها وحسن عشرته لها، ويدل على ذلك ما مر في الأثر السابق من قول عمر رضي الله عنه لزوج المرأة التي جاءت تشكوه، فلامها عمر رضي الله عنه، ثم قال له: لا يمنعك ما رأيتني صنعت أن تحسن إليها1. والإحسان إلى الزوجة هو إعطاؤها حقوقها التي شرعها الله عز وجل، وحسن التعامل معها في المبيت والسكن والنفقة. ومن حقوق الزوجة على زوجها التي نبه عمر رضي الله عنه الأزواج إليها وألزمهم بها، لأن التقصير فيها غالباً ما يكون منهم، حق الزوجة في المبيت والفراش، الذي هو المقصد الأول من النكاح، والذي تحصل به عفة الفرج للرجل والمرأة. خرج عمر رضي الله عنه يوماً في الليل يتفقد أحوال رعيته، فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني، إلا حبيب ألاعبه

فجاء عمر رضي الله عنه إلى ابنته حفصة رضي الله عنها فقال: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا1.

وروي أن عمر رضي الله عنه مر في بعض طرق المدينة، فسمع امرأة تقول: دعتني نفسي بعد خروج عمرو إلى اللذات فاطلع التلاعا1 فقلت لها: عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا أحاذر أن أطيعك سب نفسي ومخزاة تجللني قناعاً فقال عمر رضي الله عنه، وأتي بالمرأة: أي شيء منعك؟ قالت: الحياء، وإكرام عرضي، فقال عمر رضي الله عنه: إن الحياء ليدل على

هنات1 ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وفى، وكتب عمر إلى صاحب زوجها فأقفله إليها2. وروي أن امرأة جاءت عمر رضي الله عنه فقالت: زوجي رجل صدق يقوم الليل ويصوم النهار، ولا أصبر على ذلك فدعاه فقال: لها من كل أربعة أيام يوم، وفي كل أربع ليال ليلة3. وروي كذلك أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه، فسأله فقال: قد كبرت سني، وذهبت قوتي، فقال عمر: أتصيبها في كل شهر مرة؟ قال: في أكثر من ذلك، فقال عمر: كم؟ قال: أصيبها في كل طهر مرة، قال عمر: اذهبي فإن في هذا ما يكفي المرأة4.

ومن حقوق الزوجة على زوجها التي ألزم عمر رضي الله عنه بها الأزواج، الإنفاق عليها، وعلى من يعول من عياله، وإعطائهم حقوقهم المالية. كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد، أن ادع فلاناً وفلاناً ناساً قد انقطعوا من المدينة: إما أن يرجعوا إلى نسائهم، وإما أن يبعثوا إليهن بنفقة، وإما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى1. ومن حقوق الزوجة في مال زوجها غير الإنفاق عليها، نصيبها في الميراث من ماله بعد وفاته، فقد عاقب عمر رضي الله عنه من حرم نساءه من ميراثهن منه. طلق غيلان الثقفي2 نساءه، وقسم ماله بين بنيه في خلافة عمر رضي الله عنه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فقال له: طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك؟ قال: نعم. قال: والله إني لأرى الشيطان فيما يسرق من السمع سمع بموتك فألقاه في نفسك، فلعلك أن لا تمكث إلا قليلاً، وايم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لأورثهن

منك، إذا مت، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما رجم قبر أبي رغال1. فراجع نساءه وراجع ماله، قال نافع راوي الأثر: فما مكث إلا سبعاً حتى مات2. ومن حقوق الزوجة على زوجها والتي تدخل ضمن حسن العشرة، الاستئذان على الزوجة خاصة عند القدوم من سفر أو غيبة طويلة، وعدم الدخول عليها ليلاً على غرة وغفلة، فقد يرى منها ما يكره ويكون ذلك سبباً لفراقه لها وطلاقه إياها. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غزوة سرغ3،حتى إذا بلغ الجرف4،قال: يا أيها

الناس، لا تطرقوا النساء ثم بعث راكباً إلى المدينة، بأن الناس داخلون الغداة1. وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالعلاقة الزوجية وحرصه على دوامها واستمرارها في ظل المحبة والألفة بين الزوجين لما في ذلك من تماسك البيت المسلم والقضاء على أسباب الفرقة والعداوة في المجتمع المسلم، تشدده رضي الله عنه في أمر الطلاق، ومعاقبته لمن تسرع وتساهل فيه. جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس، فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي، لعلمت كيف أصنع، فقلت: إن الذي بيدي من أمرك بيدك، قالت: فأنت طالق ثلاثاً، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة، وسألقى أمير المؤمنين عمر فلقيه فقص عليه القصة، فقال عمر: فعل الله بالرجال، وفعل الله بالرجال، يعمدون إلى ما في أيديهم فيجعلونه في أيدي النساء، بفيها التراب، ماذا رأيت؟ قال: أراها واحدة، وهو أحق بها، قال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك2.

وطلق رجل بالمدينة امرأته ألف مرة، وجاء إلى عمر رضي الله عنه وقال: إنما كنت ألعب، فعلا عمر رضي الله عنه رأسه بالدرة، وفرق بينهما1. وطلق رجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فأوجعه عمر رضي الله عنه ضرباً وفرق بينهما2. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، قبل أن يدخل بها هي ثلاث، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وكان عمر إذا أتى به أوجعه3. ومن عناية عمر رضي الله عنه بأمر الطلاق وتشدده فيه، وحرصه على عدم تسرع الناس فيه، وتهاونهم بشأنه، أنه جعل الطلاق الثلاث في مجلس واحد تقع ثلاثاً تبين بها الزوجة من زوجها بينونة كبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم1. ومما روي في حرص عمر رضي الله عنه على دوام العلاقة الزوجية أن عمر رضي الله عنه أخذ امرأة ناشزاً، فوعظها فلم تُقبل بخير فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام، ثم أخرجها فقال: كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لا والله ما وجدت راحة إلا هذه الثلاث، فقال عمر رضي الله عنه: اخلعها ويحك، ولو من قرطها2.

_ 1 رواه مسلم / الصحيح 10/69-72، عبد الرزاق / المصنف 6/391-392، أحمد / المسند 4/96. 2 رواه عبد الرزاق / المصنف 6/505، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/336، البيهقي / السنن الكبرى 7/315، وفي إسناده عند عبد الرزاق والبيهقي كثير مولى سمرة، مقبول من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة وإسناده عند سعيد معضل من رواية الحكم بن عتيبة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.

المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي

المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي: وكما عمل عمر رضي الله عنه على نشر المحبة والمودة بين الأزواج وعلى استمرار العلاقة الزوجية الكريمة بين الزوجين فإنه رضي الله عنه حرص أيضاً على الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة وعلى توثيق حبال المودة والطاعة بين أفرادها وخاصة علاقة الأبناء بوالديهم. وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه طاعة الأبناء لوالديهم وبرهم بهم. روي أن عمر رضي الله عنه رد رجلاً من الطريق أراد الغزو بغير إذن أبويه، وكان أبوه حين خرج ابنه قال قولاً يلوم فيه ابنه على تركه والديه قال: تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شراباً فبلغ قوله ذلك عمر رضي الله عنه فرده1.

وروي أن محمد بن طلحة1 أراد الغزو، فأتت أمه عمر، فأمره أن يقيم2. وروي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف بالكعبة إذا رجل يحمل أمه وهو يقول: أحمل أمي وهي الحمالة ترضعني الدِّرَّة3 والعُلالة4.

هل يجزين ولد فعاله فقال عمر رضي الله عنه: لا ولا رضعة واحدة1. وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أماً بلغ بها الكِبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، أوضئها وأحرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست عليها نفسي؟!، قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنع ذلك، وأنت تتمنى فراقها2.

وروي أن رجلاً جاء إلى عمر فقال: إني قتلت نفساً، قال: ويحك، أخطأ أم عمداً؟ هل من والديك أحد حيٌ؟ قال: نعم، قال: أمك، قال: لا والله، إنه لأبي، قال: انطلق فبره وأحسن إليه، فلما انطلق قال عمر: والذي نفس عمر بيده لو كانت أمه حيّة فبرها وأحسن إليها رجوت أن لا تطعمه النار أبداً1. وعمل عمر رضي الله عنه على تقوية أواصر الأخوة الإسلامية بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك بالحث على التقارب والتواصل ومصاحبة أهل التقوى والصلاح ومودتهم، ومجانبة أهل الشر والبغي والفساد. قال رضي الله عنه: إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها2.

وقال رضي الله عنه: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين، فإن الأمين من القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر ليعلمك فجوره، ولا تفش سرك، واستشر في أمرك الذين يخافون الله1.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بث المحبة والمودة في المجتمع الدعوة إلى مصاحبة الأخيار ومؤاخاتهم، وهجران أهل المعصية وأصحاب السوء ومفارقتهم. روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يصفي لك ود أخيك أن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس، وتسلم عليه إذا لقيته1.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء1. وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة2.

وروي أنه قال: من يصحب صاحب السوء لا يسلم1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال في العزلة راحة من خلطاء السوء2. ومن مبادئ الصحبة والصداقة التي أرشد إليها عمر رضي الله عنه، أن يكون المرء المسلم معتدلاً في محبته وبغضه فلا يحب لدرجة الكلف والغلو، ولا يبغض لدرجة العداوة الشديدة. قال رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً، ولا بغضك تلفاً3.

وحث عمر رضي الله عنه على التكافل الاجتماعي والتعاون وبذل الخير بين أفراد المجتمع لما في ذلك من إشاعة المودة والألفة والأخوة في المجتمع المسلم، وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل بمجموعها على هذا المعنى. ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه مر في السوق بعد صلاة الغداة، فسمع صوت مولود يبكي، فقام عليه فإذا عنده أمه، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: جئت إلى هذا السوق لبعض الحاجة، فعرض لي المخاض، فولدت غلاماً، وهي إلى جنب دار قوم في السوق، فقال عمر: هل شعر بك أحد من أهل هذه الدار؟ أما إني لو علمت أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك، فعلت بهم، وفعلت، ثم دعا لها بشربة سويق فقال: اشربي هذه تقطع الحشا، وتعصم الأمعاء، وتدر العروق1. وروي أن الضحاك بن خليفة2 رضي الله عنه ساق خليجاً له من العريض3، فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة4 رضي الله عنه،

فأبى محمد فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً، ولا يضرك؟! فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر رضي الله عنه، فدعا محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا، فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً ولا يضرك؟! فقال محمد بن مسلمة: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به، ولو على بطنك، فأمر عمر أن يمر به ففعل الضحاك1. وروي أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سافروا فأرملوا2 فمروا بحي من الأعراب، فسألوهم القرِى فأبوا، فسألوهم الشرى فأبوا، فضبطوهم، وأصابوا من طعامهم، فذهبت الأعراب إلى عمر رضي الله عنه يشكوهم، فأشفقت الأنصار، فقال عمر: تمنعون ابن السبيل ما يخلق الله بالليل والنهار في ضروع الإبل والغنم؟! لابن السبيل أحق من التأني عليه3.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا كنتم ثلاثة، فأمّروا أحدكم يعني في السفر، فإذا مررتم براعي إبل، أو راعي غنم، فنادوه ثلاثاً فإن أجابكم أحد فاستسقوه، وإلا فانزلوا فاحلبوا واشربوا ثم صروا1. وهذا الأثر والذي قبله يرتقي لدرجة الحسن لغيره ويدل على إلزام عمر رضي الله عنه لأهل البادية بإغاثة ابن السبيل الذي نفد زاده. وروي أن رجلاً استقى على باب قوم، فأبوا أن يسقوه فأدركه العطش فمات فضمنهم2. وحرص عمر رضي الله عنه على إزالة أسباب الشقاق والفرقة والبغضاء بين أفراد المجتمع المسلم، فكان يعاقب من يتعرض لأعراض الناس، ويذكر معائبهم ويقدح فيهم لما يسببه ذلك من العداوة والتقاطع والتدابر بين أفراد المجتمع المسلم.

قال أبو رجاء العطاردي1 رحمه الله تعالى: كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يعاقبان على الهجاء2. وقد تقدم ما ورد من معاقبة عمر للحطيئة بحبسه وهمه بقطع لسانه لما هجا الزبرقان بن بدر3. ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على معاقبة من يتعرض لأعراض الناس بالقدح والسب والشتم أن رجلاً هجا قوماً في زمان عمر رضي الله عنه، فجاء رجل منهم فاستأدى4 عليه عمر فقال عمر رضي الله عنه: لكم لسانه، ثم دعا الرجل، فقال: إياكم أن تعرضوا له بالذي قلت، فإني إنما قلت ذلك عند الناس كيما لا يعود5.

وروي أن رجلاً جاء إلى كعب1 بن عجرة رضي الله عنه، فجعل يذكر عبد الله بن أبي سلول، وما نزل فيه من القرآن ويسبه، وكان بين كعب وعبد الله بن أبي حرمة وقرابة، وكعب ساكت، فانطلق الرجل إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تراني ذكرت ما نزل في عبد الله بن أبي، فلم يكن من كعب، فالتقى عمر كعباً، فقال: ألم أخبر أن عبد الله ابن أبي ذكر عندك، فلم يكن منك، فقال كعب: قد سمعت مقالته، فلما رأيته كأنه يعمد مساءتي، فقال عمر: وددت لو ضربت أنفه، أو وددت أني لو كسرت أنفه2.

_ 1 هو: كعب بن عُجْرَة بن أمية بن عديّ بن عبيد بن الحارث البلوي ثم السواري، الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور. فيه نزل قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} سورة البقرة آية: 196. شهد عمرة الحديبية. روى عنه أهل المدينة وأهل الكوفة. نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. تق 461. انظر: الاستيعاب/ ابن عبد البر3/1321، برقم: 2197، والإصابة/ ابن حجر5/448-449، برقم: 7434. 2 رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/193، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة من الثالثة، روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة على الصحيح. فالأثر ضعيف

المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان

المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الاهتمام بالأنساب: إن معرفة النسب والاهتمام به من المقاصد التي جاء بها الدين، وحث عليها الشارع الحكيم، ذلك لما لها من أهمية ومكانة اجتماعية عظيمة، فبمعرفة الأنساب تمكن صلة الأرحام والقرابات، وتتوقف على معرفة النسب مسائل هامة في النكاح والميراث والولاء وغيرها، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتساب المرء لغير نسبه الذي يعلم صحته، قال صلى الله عليه وسلم: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار"1. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التفاخر بالأنساب، ومعرفتها بغرض الاستعلاء بها على الناس، ولأجل الشهرة والسمعة والطعن في أنساب الغير. قال صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت"2. ونظراً لهذه المكانة الاجتماعية الهامة التي تمثلها الأنساب فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها، والاهتمام بصحتها لتحقيق الغاية الاجتماعية الشرعية منها، وتمثل ذلك بما يلي:

1- الحرص على إلحاق الأبناء بآبائهم الشرعيين. فقد جاء أن امرأة هلك عنها زوجها، فاعتدت أربعة أشهر وعشراً، ثم تزوجت حين حلت، فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصفاً ثم ولدت له ولداً تاماً، فجاء زوجها عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فدعا عمر رضي الله عنه نسوة من نساء الجاهلية قدماء فسألهن عن ذلك، فقالت امرأة منهن: أنا أخبرك عن هذه المرأة، هلك عنها زوجها حين حملت، فهرقت الدماء، فحش1 ولدها في بطنها، فلما أصابها زوجها الذي نكحت، وأصاب الولد الماء تحرك الولد في بطنها، وكبر، فصدقها عمر رضي الله عنه، وفرق بينهما، وقال لهما: أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خيراً، وألحق الولد بالأول2. فقد تحرى عمر رضي الله عنه في هذه القضية المشكلة، وسأل نساء الجاهلية وذلك لما للنساء من خبرات وتجارب في مسائل الحمل والوضع.

وكان عمر رضي الله عنه يستعين في تحريه فيمن أشكل أمره من الأولاد حتى يلحقه بنسبه الصحيح بالقافة الذين يعرفون شبه الولد بأبيه. جاء رجلان إلى عمر رضي الله عنه كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفاً فنظر إليهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة وقال: وما يدريك؟ ثم دعا المرأة فقال: أخبريني خبرك، فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها، وهي في الإبل لأهلها، فلا يفارقها حتى يظن وتظن قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها، فهرقت الدماء، ثم خلف هذا يعني الآخر، ولا أدري من أيهما هو، فكبر القائف، فقال عمر للغلام، والِ أيهما شئت1. وروي أن ثلاثة من التجار، تداولوا جارية فولدت فدعا عمر القافة فألحقوا ولدها بأحدهم2.

وقد حذر عمر رضي الله عنه أولياء الإماء الذين ينكحوهن من إطلاقهن يخرجن من غير رقابة مما يعرضهن لأيدي الفساق، ووقوعهن في الفاحشة، وتوعد من فعل ذلك بإلحاق أولاد إمائه به، سواء أقر بذلك أم لم يقر، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على محافظة الرجال على إمائهن وولائدهن حتى لا ينشأ منهن أبناء في المجتمع لا يعرفون آباءهم. قال عمر رضي الله عنه: ما بال رجال يطأون ولائدهم، ثم يدعونهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فأمسكوهن بعد أو أرسلوهن1. وروي أن عمر رضي الله عنه مر على غلمان على بئر يدلون فيها، ومعهم أمة تدلي معهم فقال: ها! لعل صاحب هذه أن يكون يصيب منها، ثم يبعثها فيما ترون، أما إنها لو جاءت بولد ألحقناه به2.

2- إنكار عمر رضي الله عنه، ومعاقبته لمن ينتسب لغير أبيه: فقد أنكر رضي الله عنه على صهيب الرومي1 رضي الله عنه انتسابه للعرب ولسانه أعجمي، ولكن صهيباً أوضح لعمر رضي الله عنه صحة نسبه وحقيقته. قال رضي الله عنه لصهيب: ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال لولاهن ما قدمت عليك أحداً، وذكر عمر منها وتنتسب عربياً ولسانك أعجمي، فقال صهيب رضي الله عنه: وأما انتسابي في العرب، فإن الروم سبتني وأنا صغير2.

وعاقب عمر رضي الله عنه من انتسب لغير أبيه وقومه، فقد كان في زمانه مملوك يقال له كيسان، فسمى نفسه قيساً، وادعى نفسه إلى مواليه ولحق بالكوفة، فركب أبوه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ولد على فراشي ثم رغب عني، وادعى إلى مواليه، ومولاي. فقال عمر رضي الله عنه: أزيد بن ثابت، ألم تعلم أنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، فقال زيد: بلى، فقال عمر: انطلق فاقرن ابنك إلى بعيرك، ثم انطلق به، فاضرب بعيرك سوطاً وابنك سوطاً1. 3- الحث على تعلم النسب لصلة الأرحام والقرابات: قال عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم والله ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه2.

4- التحذير من التفاخر بالأنساب ومعاقبة من فعل ذلك، والإنكار عليه: بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا آل بني تميم، فحرم عمر رضي الله عنه بني تميم العطاء سنة، ثم أعطاهم في رأس السنة عطاءين1، وذلك تأديباً لهذا الرجل الذي أراد إثارة العصبيات والحميات الجاهلية. ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه الدالة بمجموعها على معاقبة عمر رضي الله عنه من اعتز وتفاخر بقومه ونسبه. روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فإنه بلغني أنه دعي في جندك بدعوى الجاهلية، وأنه قيل: يا آل ضبة، إن ضبة لم تجز خيراً قط، ولم تدفع سوءاً قط، فإذا جاءك كتابي هذا، فأنزل بهم عقوبة في أشعارهم وأبشارهم، لعلهم يعرفون إن لم يفقهوا2.

وروي أن رجلاً من قبيلة بلي حي من قضاعة بالشام نادى: يا آل قضاعة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إلى عامل الشام، أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر1. وروي أن عمر رضي الله عنه قال: من اعتز بالقبائل فأعضوه2. وعاب عمر رضي الله عنه على من احتقر أهل النسب الوضيع من الموالي وغيرهم وتوعده بالعقوبة. فقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على ذلك. روي أن قوماً قدموا على عامل لعمر رضي الله عنه، فأجاز العرب وترك الموالي، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم3.

وروي أن سعد بن أبي وقاص كان بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنهما شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان، فانتسب ثم قال للآخر: انتسب، حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمى ذلك عمر رضي الله عنه، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد، فقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين وكأنه قد عرف، فأبى أن يدعه حتى انتسب، ثم قال للآخر: انتسب حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله علي بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام. قال عمر: قد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان في الإسلام، أما والله لولا لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو أما سمعت أن رجلاً انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام، وترك ما فوق ذلك، فكان معه في الجنة1. وروي أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فقال: استأذنوا لابن الأخيار، فقال عمر رضي الله عنه: ائذنوا له، فلما دخل قال له عمر

رضي الله عنه: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان بن فلان، فجعل يعد رجالاً من أشراف الجاهلية، فقال له عمر رضي الله عنه: أنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا، قال: ذلك ابن الأخيار، وأنت ابن الأشرار، إنما تعد علي رجالاً من أهل النار1. وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يمشي وإذا رجل يخطر بين يديه وهو يقول: أنا ابن بطحاء مكة كدياً فكداها2، فوقف عليه عمر رضي الله عنه فقال: إن يك لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال، فلك شرف وإلا فأنت والحمار واحد3.

المسألة الثانية: الاهتمام بالأسماء: كان عمر رضي الله عنه حريصاً على أن تتسمى رعيته بالأسماء الحسنة والتي لا تدل على معنى مكروه أو مستقبح. فقد غير رضي الله عنه اسم والد مسروق بن الأجدع إلى عبد الرحمن1. وأراد رضي الله عنه أن ينهى أن يسمي ببركة، وأفلح، ويسار، ونافع، ثم تركه2. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن ينهى عن تلك الأسماء ثم ترك ذلك، والعلة في ذلك، ليست لمعنى سيء في الاسم، ولكن كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرء قد يسأل فيقول: أثم بركة أو أفلح، أو يسار، فيقال: لا، إذا كان غير موجود، فينفي بذلك وجود البركة والفلاح واليسر3.

ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدلّ على كراهيته لبعض الأسماء التي تحمل معنًى سيئاً أنه أراد أن يستعمل رجلاً، فسأله عن اسمه، واسم أبيه فقال: ظالم بن سراقة، فقال: تظلم أنت، ويسرق أبوك، ولم يستعن به1. وروي أن عمر رضي الله عنه أتاه كتاب من دهقان يقال له: جوابابنه، فأراد عمر رضي الله عنه أن يكتب إليه فقال: ترجموا لي اسمه، فقالوا: هذا بالعربية خير الفتيان، فقال عمر: إن من الأسماء أسماءً لا ينبغي أن يسمى بها، اكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى شر الفتيان2. وروي أن عمر قال: لا تسموا الحكم ولا أبا الحكم، فإن الله هو الحكم3. وروي أنه رضي الله عنه غير اسم كثير بن الصلت4 إلى كثير بعد أن كان اسمه قليل5.

وكره عمر رضي الله عنه التسمي بأسماء الأنبياء فقد يحمل هذا الاسم من ليس له أهل. فقد جمع عمر رضي الله عنه كل غلام اسمه اسم نبي، فأدخلهم داراً وأراد أن يغير أسماءهم فشهد آباؤهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم1. ودعا عمر رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ليغير كنيته، وكان يكنى أبا عيسى، فقال: يا أمير المؤمنين، والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بها2. وروي أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه، فاستأذن عليه، فنادى: يستأذن أبو عيسى، فقال عمر رضي الله عنه: من أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا، فقال عمر: وهل لعيسى أب؟!

أما في كنى العرب ما تكتنون بها؟! أبو عبد الله، أبو عبد الرحمن، فقال رجل: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى بها المغيرة، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في خلج1، ما ندري ما يفعل بنا، فكناه بأبي عبد الله2. وهذا الأثر يخالف الأثر الصحيح المتقدم وفيه أن عمر رضي الله عنه أقر تكني ابنه عبد الرحمن بأبي عيسى بعد أن أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بها، وهذا هو الذي يظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا خالف قولهم.

_ 1 اخْتَلَجَ الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك. ابن منظور / لسان العرب 4/169. 2 رواه الحاكم / المستدرك 3/450، وفي إسناده شيخ الحاكم أحمد بن يعقوب، وشيخه أبو مسلم لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.

المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية

المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق ... المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق: إن العمل والكسب وطلب الرزق من طرقه المشروعة، مما حث عليه ديننا القويم، وهو الذي تقوم عليه مصالح الناس، وتسير عليه دفة الحياة، وهو مصدر هام من مصادر الحياة المعيشية، فبالعمل تزدهر الحياة وترقى الأمم، وتنال عزتها، ولا تكون عالة على غيرها. وقد حث رضي الله عنه الرعية على العمل والكسب، والاعتماد على النفس ونبذ الكسل والخمول، وبين رضي الله عنه أن ذلك لا يتعارض مع العبادة، والتقرب إلى الله عز وجل، وأداء ما أوجب، وأيضاً لا ينافي الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. قال رضي الله عنه: يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم، ما أوضح الطريق فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا كلاً على المسلمين1. وحث رضي الله عنه رعيته على الكسب، والمحافظة على مصادر الرزق وتنميتها. قال الحارث بن لقيط النخعي2: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذا؟! فجاءنا كتاب عمر: أن

أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفساً1. وحث عمر رضي الله عنه رعيته على العمل والكسب، وأن يتخذ المرء صنعة أو مصدر رزق له، وأن لا تكون نظرته قاصرة على يومه الذي يعيش فيه، فقد يكون لديه من المال والعطاء ما يغنيه عن العمل، ولكنه قد يفتقر، وقد ينقطع مصدر رزقه في يوم من الأيام. قال عمر رضي الله عنه لأبي ظبيان2: كم مالك يا أبا ظبيان؟ قال: قلت: أنا في ألفين وخمسمائة، قال: فاتخذ شاءاً، فإنه يوشك أن تجيء أغيلمة من قريش يمنعون العطاء3.

ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على حث عمر رضي الله عنه على العمل، وترك مسألة الناس، والاعتماد عليهم ما روي من أن عمر رضي الله عنه لقي ناساً من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله عز وجل1. وروي أن شاباً قوياً دخل المسجد، فقال: من يعينني في سبيل الله؟ فدعا به عمر رضي الله عنه، فأتي به، فقال: من يستأجر مني هذا بعمل في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين، فقال: بكم تأجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا، قال: خذه فانطلق به، فعمل في أرض الرجل شهراً ثم قال عمر للرجل: ما فعل أجيرنا؟ قال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: ايتيني به، وبما اجتمع له من الأجر، فجاء به وبصرة من دراهم، فقال عمر للشاب: خذ هذه، فإن شئت فالآن فاغز، وإن شئت فاجلس2.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: فرقوا عن المنية واجعلوا الرأس رأسين1، ولاتلثوا بدار معجزة2، وأصلحوا مثاويكم3، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، واخشوشنوا4. وروي أنه قال: مكسبة فيها بعض الدنية خير من مسألة الناس5.

وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمشي في طريق ومعه عبد الله ابن عمر رضي الله عنه، فرأى جارية تطيش مرة، وتقوم أخرى، فقال: ها بؤس لهذه هاه، من يعرف تياه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك، قال: بناتي؟! قال: نعم، قال: من هي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: ويلك يا عبد الله بن عمر، أهلكتها هزلاً، قال: ما نصنع منعتنا من عندك، فنظر إليه فقال: ما عندي؟ عزك أن تكسب لبناتك كما تكسب الأقوام؟ لا والله مالك عندي إلا سهمك مع المسلمين1. وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الجار2، فوجد حبًّا منثوراً فجعل عمر يلتقطه حتى جمع منه مدّاً أو قريباً من مد، ثم قال لرجل من الصيادين ألا أراك تصنع مثل هذا، وهذا قوت رجل من المسلمين حتى الليل، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، لو ركبت لتنظر كيف نصطاد، فركب عمر رضي الله عنه معهم فجعلوا يصطادون، فقال عمر:

تا الله إن رأيت كاليوم كسباً أطيب أو قال أحل ... الأثر1.

_ 1 رواه عبد الرزاق / المصنف 1/94، ورجال إسناده ثقات، وفيه أبو يزيد المدني، قال الذهبي: ثقة، الكاشف 2/472، وقال ابن حجر: مقبول. تق 685، وبقية رجاله ثقات، وفيه إبهام بالراوي عن عمر رضي الله عنه، ففي السند عن أبي يزيد المدني، حدثني رجل من الصيادين.

المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل

المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل: المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة: لقد حرص عمر رضي الله عنه على أن تكون الأطعمة والأشربة التي يتناولها الناس مما أباحه الله عز وجل، ولا تشوبه شائبة حرام، خصوصاً بعد تفرق المسلمين في البلاد المفتوحة، من بلاد فارس والروم والتي تكثر فيها الأطعمة والأشربة المحرمة والمشبوهة. كتب عمر رضي الله عنه إلى جنده بأذربيجان1: بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً، ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً2. وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته حل بعض الأطعمة التي كانت عند الكفار، وأجاز لهم تناولها وأكلها، ومن ذلك الجبن، وذبائح بعض الطوائف فقد وصف الجبن لعمر رضي الله عنه حين أصابه المسلمون من المجوس فأكلوا ولم يسألوا فقال رضي الله عنه: اذكروا اسم الله عليه، وكلوه3.

وكتب عامل لعمر رضي الله عنه فقال: إن ناساً قبلنا يدعون السامرة يقرأون التوراة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر: إنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب1. ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالأطعمة إرشاده لبعض الأطعمة التي فيها المنفعة الكبيرة مع قلة مؤنتها وسهولة حصول الفقير عليها من ذلك قوله رضي الله عنه: لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله2. فبين عمر رضي الله عنه أهمية هذا الطعام، وهو نخالة الدقيق، والتي ربما كان الناس لا يُعيرونها أهمية كبيرة، وقد أثبت الطب الحديث فوائد نخالة الدقيق لصحة الجسم وقوته. ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه في الضب3: إن الله ينفع به

غير واحد، فإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندي لطعمته1. وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً سميناً في عام سنة، فقال: ما طعامك؟ قال: الضباب، قال عمر: وددت أن لي في كل حجر ضب ضبين2. وروي عن عمر رضي الله عنه التحذير من الإكثار من بعض الأطعمة لما في الإكثار منها من ضرر على الصحة. فقد روي عن عمر رضي الله عنه التحذير من إكثار أكل اللحم، روي أنه قال لبنيه: لا تديموا أكل اللحم3. وروي أنه قال: إياكم وكثرة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر4.

وكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الأطعمة وعدم التوسع فيها، ويذكرهم بحال نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجد من الدقل1 ما يملأ به بطنه2. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حثه رعيته على الزهد في الأطعمة أنه دخل على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ فقال: قرمنا إلى اللحم، فقال عمر رضي الله عنه: كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما يشتهي3. وروي أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مر على عمر رضي الله عنه بلحم قد اشتراه بدرهم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: اشتريته بدرهم، قال: كلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟! لا تكون من أهل هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا} 4.

وروي أن عمر رضي الله عنه بلغه أن يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه يأكل ألوان الطعام، فقال عمر رضي الله عنه لمولاه يرفأ: إذا عملت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فلما حضر عشاؤه أعلمه، فأتى عمر، فسلم واستأذن، فأذن له، فدخل فقرب عشاؤه، فجاء بثريدة لحم، فأكل عمر معه منها، ثم قرب شواء، فبسط يزيد يده، فكف عمر، ثم قال: الله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده لأن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقتهم1. وأما اهتمام عمر رضي الله عنه بالأشربة فإنه قد حرص على إبعاد رعيته عن شرب ما حرم الله كشرب الخمر، وحذرهم من شربها، وحثهم على التحري في الأشربة مخافة الوقوع في الحرام، قال رضي الله عنه وهو يبين أنواع الأشربة التي يدخل فيها الخمر حتى لا يلتبس الأمر على الناس: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل2. وعاقب عمر رضي الله عنه من باع الخمر، واتجر به، فقد بلغه

رضي الله عنه أن رجلاً أثرى من بيع الخمر، فقال: اكسروا كل آنية له، وسيروا كل ماشية له1. ونهى عمر رضي الله عنه رعيته عن الطعام مع من يشرب الخمر، خوفاً من التأثر به، ومشاركتهم في شربها، قال رضي الله عنه: لا يجاورنكم خنزير، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر2. وأجاز عمر رضي الله عنه شرب النبيذ3 ما لم يتخمر، وأمرهم إذا خشوا تخمره باشتداده بصب الماء عليه، قبل أن يتخمر، فإذا تخمر حرم مطلقاً4. قال عبد الرحمن بن عثمان التيمي5 رضي الله عنه: صاحبت عمر

ابن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فأهدى له ركب من ثقيف1 سطيحتين من نبيذ، فشرب عمر رضي الله عنه إحداهما طيبة، ثم أهدي له لبن فعدله عن شرب الأخرى حتى اشتد ما فيها، فذهب عمر رضي الله عنه يشرب منها، فوجده قد اشتد، فقال: اكسروه بالماء2. وقد أذن عمر رضي الله عنه في شرب وتناول الطلاء3 الذي طبخ حتى ذهب ثلثاه ولم يكن مسكراً. كتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد فإنها قدمت عليَّ عير من الشام تحمل شراباً غليظاً أسود كطلاء

الإبل، وإني سألتهم على كم يطبخونه، فأخبروني أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث ببغيه، وثلث بريحه، فمر من قبلك يشربونه1. وكتب رضي الله عنه: أما بعد، فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد2.

المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة. لقد اهتم عمر رضي الله عنه بالألبسة التي ترتديها رعيته أن تكون مما أباحه الله عز وجل، وأن تكون على الصفة المشروعة، فمن الألبسة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه رعيته: 1- لباس الكفار، ولبس الحرير: كتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد1، ومن معه من جند المسلمين بأذربيجان2: يا عتبة بن فرقد إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير، وقال: " إلا هكذا"، ورفع لنا إصبعيه3. وقال سويد بن غفلة4 رضي الله عنه: كنا غزاة بالشام، فقضينا غزاتنا فقدمنا على عمر وهو بظهر المدينة يستقبلنا أو يتلقانا، فلما رآنا وعلينا الديباج5 والحرير، جعل يرمينا فرجعنا فخلعناها، ولبسنا بروداً

يمانية، ثم أتيناه فلما رآنا قال: مرحباً بالمهاجرين إن الله عز وجل لم يرض الحرير والديباج لمن كان قبلكم فيرضاه لكم1. 2- النهي عن لبس ما يدخل فيه جلود الميتة: فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً2. ورأى عمر رضي الله عنه رجلاً عليه قلنسوة بطانتها جلود الثعالب، فألقاها عن رأسه، وقال: وما يدريك لعله ليس بذكي3. وقد حرص عمر رضي الله عنه أن تكون الألبسة على هيئة شرعية، فنهى رضي الله عنه عن إسبال الإزار للرجال. أى رضي الله عنه على عتبة بن فرقد قميصاً طويل الكم، فدعا بشفرة ليقطعه من أطراف أصابعه، فقال عتبة: يا أمير المؤمنين، إني أستحي

أن تقطع كمي أنا أقطعه، فتركه1. ودخل شاب على عمر رضي الله عنه حينما طعن، فجعل يثني على عمر رضي الله عنه، فرأى عمر رضي الله عنه عليه إزاراً يمس الأرض، فقال له: يابن أخي ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوابك2. ونهى عمر رضي الله عنه عن لبس النساء ما يصف بشرتهن، قال رضي الله عنه: لا تلبسوا نساءكم القباطي3، فإنه لا يشف يصف4.

وحث عمر رضي الله عنه على الزهد في اللباس، وترك زيادة الترف والنعم، وحث على لبس ما ألفه المسلمون، قال رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، والسراويلات، وذروا التنعم وزي العجم1. ولم يرد بذلك رضي الله عنه ترك التمتع بما أباح الله عز وجل، وحرمان النفس والتضييق عليها، بل إنه رضي الله عنه حث على إظهار

النعمة والتوسيع على النفس، والتجمل بما أباح الله من اللباس، قال رضي الله عنه، إذا وسع الله عليكم، فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداء وقميص في إزار، وقباء1 في تبان2، في تبان وقميص3. المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن: حث عمر رضي الله عنه على الاهتمام بالمساكن وإصلاحها، والمحافظة على مرافقها حتى تبقى صالحة للعيش، والإقامة فيها، قال رضي الله عنه: أصلحوا مثاويكم4. ولكنه رضي الله عنه نهى رعيته عن الإفراط في الاهتمام بالمنازل وتزيينها بما يصل لحد المباهاة والسرف والبذخ، وعاقب رضي الله عنه من فعل ذلك. بلغه رضي الله عنه أن ابناً له ستر جدران منزله، وجللها زيادة في تزيينها وتجميلها، فقال رضي الله عنه: لئن كان ذلك لأحرقن بيته5.

وروي عن عمر رضي الله عنه كراهيته لرفع بناء المساكن. روي أن أهل الكوفة بعثوا إلى عمر رضي الله عنه يستأذنونه في البناء باللبن، فقال عمر: افعلوا، ولا يزيدن أحدكم عن ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنة، تلزمكم السنة، وكتب ألا يرفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف، ولا يخرجكم من القصد1. وروي أنه قال: لا تطيلوا بيوتكم، فإنه من شر أعمالكم2. وروي أن الناس استأذنوا عمر في البناء بالمدر، فكتب: إني كنت أكره لهم البناء، فأما إذا فعلوه فليقلوا السمك3، ويعرضوا الجدر، ويقاربوا بين الخشب في السقوف4.

المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة: إن من اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته، اهتمامه بصحتهم، وحرصه على خلوهم من الأمراض استبقاءً لهم وحرصاً على سلامة المجتمع المسلم وتمتع أفراده بالعافية التي يستطيعون معها القيام بواجباتهم، وما أراد الله منهم من العبادات، والقيام بنشر دين الله بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله. ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وعافيتهم وحمايتهم من انتشار الأوبئة والأمراض فيهم، وتعريضهم للهلكة، موقفه رضي الله عنه من الإقدام بجند المسلمين على طاعون عمواس الذي وقع بالشام، فإنه رضي الله عنه لما بلغ سرغ لقيه أمراء أجناد المسلمين بالشام، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه بوقوع وباء الطاعون، فاستشار عمر رضي الله عنه أصحابه فاختلفوا، ثم أشار عليه مهاجرة الفتح بالرجوع، فمال عمر رضي الله عنه إلى قولهم، وتجهز للرجوع، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه "، فحمد الله عمر ثم انصرف1.

ومن عناية عمر رضي الله عنه برعيته إرشاده المرضى لما فيه شفاؤهم بإذن الله إن كان عنده علم من ذلك. جاء رجل إليه رضي الله عنه يشتكي داء النقرس1، فقال له عمر رضي الله عنه: كَذَبَتْك الظهائر2، فبرئ في العام المقبل، وما يشتكي شيئاً3. وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً بيده جرحاً فقال: بطه4 ولو بعظم5. وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه وهو ينهج6،قد ركبه

اللحم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: بركة الله يا أمير المؤمنين، فقال: كذبت، بل هو عذاب الله1. وكان رضي الله عنه ربما استدعى الأطباء لمعاينة المرض للذين اشتد مرضهم وتأخر برؤهم، حرصاً منه رضي الله عنه على شفائهم واستردادهم عافيتهم. كان معيقب الدوسي2 رضي الله عنه مصاباً بمرض الجذام3، فكان عمر رضي الله عنه يطلب له الطب من كل من سمع له بطب، حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن، فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فإن هذا الوجع قد أسرع فيه، فقالا: أما شيء يذهبه فإنا لا نقدر عليه، ولكنا سنداويه دواء يقفه فلا يزيد، قال عمر: عاقبة عظيمة أن يقف فلا يزيد، فقالا له: هل تنبت أرضك الحنظل؟ قال: نعم، قالا: فاجمع لنا منه، فأمر من جمع لهما منه مكتلين عظيمين، فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها بثنتين، ثم أضجعا معيقباً، ثم أخد كل رجل منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة، حتى إذا أمحقت أخذا أخرى، قال

الراوي: حتى رأينا معيقباً يتنخم أخضر مراً، ثم أرسلاه، فقالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبداً. قال عبد الله بن جعفر1 رضي الله عنه: فوالله ما زال معيقب متماسكاً لا يزيد وجعه حتى مات2. وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: مرضت زمان عمر مرضاً شديداً، فدعا لي الطبيب، فحماني حتى كنت أمص النواة3. وكان عمر رضي الله عنه يرشد بعض المرضى إلى ترك العلاج

والصبر على المرض إن كان المرض لا خطر فيه، ويزول من غير علاج، وكان العلاج يترتب عليه بعض الضرر. فقد جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يشتكي من ذات الجنب، قد دعي له رجل يكويه، فأبى إلا أن يأذن له عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه: لا تقربن النار، فإن له أجلاً لن يعدوه، ولن يقصر عنه1. ولعل من اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وقوتهم ونشاطهم حثه لهم على إعطاء أنفسهم حقاً من الراحة والنوم بعد عناء العمل، والكدح في طلب الرزق. فقد كان رضي الله عنه يحث رعيته على النوم بعد العشاء، وعدم السمر والحديث بعد صلاة العشاء لأن في السمر بعدها مضار كبيرة، ومن أكبرها النوم عن صلاة الفجر وبالأحرى عدم قيام الليل، ومنها عدم

القدرة على الاستيقاظ المبكر، للعمل وطلب الرزق، والسعي في الأرض، وغير ذلك من المضار. قال سليمان بن ربيعة الباهلي1 رحمه الله: كان عمر يتجدب2 لنا السمر بعد العتمة3. وكان رضي الله عنه ينُشّ4 الناس بعد العشاء بالدرة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم5.

وكان عمر رضي الله عنه يحذر الناس من النوم قبل العشاء وذلك خشية النوم عن صلاة العشاء. كتب رضي الله عنه إلى رعيته وعماله: أن لا ينام قبل صلاة العشاء فمن نام، فلا نامت عينه1. ومن ساعات النوم الهامة والمفيدة لراحة البدن، واسترداده نشاطه النوم بعد الظهر، أو القيلولة، فكان عمر رضي الله عنه يرغب رعيته فيها. قال السائب بن يزيد2 رضي الله عنه: ربما قعد على باب ابن مسعود رضي الله عنه رجال من قريش، فإذا فاء الفيء3، قال عمر رضي الله عنه: قوموا فما بقي فهو للشيطان، ثم لا يمر بأحد إلا أقامه. وقال: كان عمر رضي الله عنه يمر بنا نصف النهار، أو قريباً منه، فيقول: قوموا، فقيلوا فما بقي للشيطان4.

ومما رأيت إلحاقه بمسألة الاهتمام بالصحة لعلاقته بالمرض والوفاة حث عمر رضي الله عنه من أصيب بوفاة قريب أو عزيز عليه بالصبر واحتساب الأجر على الله، وعدم الجزع والنياحة على الميت. قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر يضرب فيه أي البكاء على الميت برفع الصوت والنوح عليه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي التراب1. وأذن عمر رضي الله عنه لأهل الميت بإظهار الحزن عليه والبكاء على فراقه من غير رفع الأصوات لأن ذلك من طبيعة البشر التي لا يستطيعون دفعها. فلما توفي خالد بن الوليد رضي الله عنه مر عمر رضي الله عنه بنسوة من بني المغيرة، وهن يبكين خالد بن الوليد في داره، فقال رضي الله عنه: ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقعاً2 أو لقلقة3.

_ ثقات سوى شيخ الحاكم محمد بن علي الصنعاني لم أجد له ترجمة، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ثقات، وشيخه أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، قال الذهبي فيه: الإمام المحدث الصالح، سير أعلام النبلاء 17/239. وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق 2/466، 467 إلى رواية أبي عبيد له في غريب الحديث، ولم أقف عليه في المطبوع، وأشار رحمه الله إلى رواية ابن سعد له فقال: قال ابن سعد: أنا وكيع بن الجراح، وأبو معاوية الضرير، وعبد الله بن نمير، قالوا: ثنا الأعمش عن شقيق، قال: لما مات خالد ابن الوليد اجتمع نسوة ... الأثر باللفظ الذي في المتن، وهذا الإسناد متصل، ورجاله ثقات. فالأثر صحيح.

المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة.

المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة. المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء ... المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: معاملة العبيد: لقد حض الإسلام على العناية بالعبيد، وإعطائهم حقوقهم، والتعامل معهم باعتبارهم أناساً أسوياء يتمتعون بكامل الحقوق الإنسانية، وأن ما وقع عليهم من الرق، والعبودية أمر طارئ، قد يقع على غيرهم من البشر. قال صلى الله عليه وسلم: في العبيد:"إخوانكم خولكم1، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"2. وعمر رضي الله عنه أولى العبيد العناية والرعاية والرحمة والشفقة، وأعطاهم حقوقهم، ورد عليهم ظلامتهم، وتمثل اهتمامه رضي الله عنه بهم في عدة أمور هي: أولاً: العناية بالعبيد ومواساتهم، وإعطاؤهم حقوقهم. قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا مر بالعبد قال: يا فلان، أبشر بالأجر مرتين3.

وقال أبو محذورة رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه، إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة يحملها نفر في عباءة، فوضعها بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين، وأرقاء من أرقاء الناس حوله، فأكلوا معه ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم، أو قال لحا الله1 قوماً يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم، فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم، ولكن نستأثر عليهم، لا نجد والله من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم2. وروي عن أبي رافع الصائغ رحمه الله أنه قال: مر بي عمر رضي الله عنه وأنا أصوغ، وأقرأ القرآن، فقال: يا أبا رافع، لأنت خير من عمر تؤدي حق الله، وحق مواليك3. ومن الآثار الدالة على إنصاف عمر رضي الله عنه الرقيق، وإعطائهم حقوقهم والعناية بهم، أن رقيقاً لعبد الرحمن بن حاطب4

انتحروا ناقة رجل من مزينة، فأمر عمر رضي الله عنه أن تقطع أيديهم، ثم أرسل فردهم، ثم قال لعبد الرحمن: أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم، وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرم الله لأكله لقطعت أيديهم، ولكن الله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال للمزني: كم ثمنها؟ قال: كنت أمنعها من أربعمائة، فقال عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن: أعطه ثمانمائة1. وروي أن رجلاً أمر غلاماً له أن يسنو على بعير له، فنام الغلام، فجاء بشعلة من نار، فألقاه في وجهه، فتردى الغلام في بئر، فلما أصبح أتى عمر رضي الله عنه، فرأى الذي في وجهه فأعتقه2.

وقال محمد بن سيرين رحمه الله: كان عمر رضي الله عنه يعدي المملوك على سيده إذا استعداه1. وروي أن عمر رضي الله عنه كان يذهب إلى العوالي2 كل سبت، فإذا وجد عبد اً في عمل لا يطيقه وضع عنه3. وممن أولاهم عمر رضي الله عنه رعايته وعنايته اللقطاء ومن لا يعرف لهم أب، فقد جاء أبو جميلة4 رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه بمنبوذ وجده، فاتهمه عمر رضي الله عنه، ثم سأله عنه، فأثنى عليه خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: هو حر، وولاؤه لك، ونفقته من بيت المال5. ثانياً: الحث على إعتاق العبيد المسلمين، وفك رقابهم. وعمل عمر رضي الله عنه على فك رقاب العبيد، وإزالة الرق

عنهم والعبودية، وحث رضي الله عنه رعيته على ذلك، وشدد عليهم فيه. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أعتق عمر كل من صلى من سبي العرب، فبت عتقهم، وشرط عليهم أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات1. وكاتب سيرين والد محمد بن سيرين رحمهم الله أنس بن مالك رضي الله عنه علىعشرين ألف درهم يدفعها إليه، فيعتقه، فأتى سيرين أنساً بالعشرين ألفاً كاملة، فأبى أنس أن يقبلها إلا منجمة، ومفرقة، فأتى سيرين عمر رضي الله عنه، فشكا إليه أنساً، فكتب عمر إلى أنس أن اقبلها من الرجل، فقبلها أنس، وعتق سيرين2.

وقال عمر رضي الله عنه: إذا أدى المكاتب إلا الشطر، لم يسترق1. أي إذا أدى شطر ما كاتب عليه سيده فقد عتق. ثالثاً: كراهية عمر رضي الله عنه لجلب العبيد، وخاصة من بقي منهم على الكفر. كان عمر رضي الله عنه ينهى عن الإتيان بالعبيد البالغين إلى

المدينة، خصوصاً من كان منهم مقيماً على كفره، وذلك لأن البالغ أقدر من الصبي الصغير على الاطلاع على أسرار المسلمين، وكشف عوراتهم، وعلى التخطيط للنيل من الإسلام والمسلمين. قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر رضي الله عنه، يكتب إلى أمراء الجيش: لا تجلبوا علينا من العلوج أحداً جرت عليه المواسي، فلما طعنه أبو لؤلؤة، قال: من هذا؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة، قال: ألم أقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج1 أحداً؟ فغلبتموني2.

المسألة الثانية: معاملة الإماء. واهتم عمر رضي الله عنه بالإماء كاهتمامه بالعبيد، وأحسن إليهن وأعطاهن حقوقهن، ومما قضى به عمر رضي الله عنه، والذي يظهر رأفته ورحمنه، وعنايته بالإماء، عتق أمهات الأولاد بموت ساداتهن وألا يوهبن ولا يبعن. قال ابن عمر رضي الله عنهما: قضى عمر في أمهات الأولاد1 أن لا يبعن ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها صاحبها ما كان حياًّ، فإذا مات عتقت2. وجاء عن عمر رضي الله عنه ما يدل على أن هذا العتق إنما تناله العفيفات المسلمات من أمهات الأولاد.

قال عمر رضي الله عنه: إن أحصنت وأسلمت عتقت، وإن هي فجرت وكفرت وزنت رقت1. ومن عناية عمر رضي الله عنه بالإماء وإنصافهن ممن ظلمهن من أسيادهن، أن أمة جاءت إليه تشكو سيدها بأنه عذبها، فأقعدها على الجمر حتى احترقت مقعدتها، فأرسل عمر إلى سيدها، فأوجعه ضرباً، وأعتق الأَمة2. ومن الأمور التي لاحظها عمر رضي الله عنه في الإماء هو عدم تشبههن بالحرائر، فكان يعاقب من يفعل ذلك من الإماء، لأن ذلك قد

يوقع في الغرر والخداع بحيث تظن الأمة حرة، فتعامل معاملتها في الأحكام الشرعية، فكان رضي الله عنه ينهى الإماء أن يلبسن لبس الحرائر من الحجاب وغيره1.

_ 1 ورواه عبد الرزاق / المصنف 3/135، البيهقي / السنن الكبرى 2/226، 227، وهو عند عبد الرزاق من ثلاث طرق، الأولى رجالها ثقات، وفيها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ولفظها: أن عمر رأى أمة لابنه عبد الرحمن خرجت من عند ابنته حفصة، فعاقبها، ونهاها عن أن تلبسها لبس الحرائر، والثانية رجالها ثقات، وهي منقطعة من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظها: أن عمر رضي الله عنه كان ينهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر، وأما الطريق الثالث فرجاله ثقات، وفيه قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، لم يصرح بالسماع من أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، فقال: إكشفي رأسك، لا تشبهين بالحرائر. فهذه الطرق الثلاثة يرتقي ما فيها من نهي عمر رضي الله عنه الإماء عن أن يلبسن لبس الحرائر لدرجة الحسن لغيره، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. فالأثر يرتقي لدرجة الصحيح لغيره بمجموع طرقه، سوى ما فيه من ذكر الضرب فهو ضعيف.

المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة

المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة1، وفيه ثلاثة مسائل: المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه، واهتمامه بأهل الذمة. يعتبر أهل الذمة من رعايا الدولة الإسلامية، وفئة من فئاتها، إذ أنهم يعيشون على أراضيها، وينعمون بحمايتها، مقابل جزية يدفعونها، لأنهم ليسو من المسلمين، ولكن لهم ذمة وعهداً، وقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بأهل الذمة وحمايتهم، وإعطائهم حقوقهم التي كفلتها لهم شريعة الإسلام، وعدم تكليفهم بما لا يطيقون والرأفة بهم. بعث عمر رضي الله عنه حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف2 لجباية الخراج، ومسح أرض السواد، وقال لهما محذراً من تكليف أهل الذمة ما لا يطيقونه من الخراج: تخافا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. فقال عثمان: لو شئت لأضعفت، وقال حذيفة: لقد حملت الأرض أمراً هي له مطيقة، وما فيها كبير فضل، فجعل عمر يقول: انظر ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق3.

ومن رأفة عمر رضي الله عنه بأهل الذمة وعنايته بهم، ومعرفته لحوائجهم أن أذن لهم بدخول المدينة ثلاثة أيام يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم ولا يقيمون فوق ثلاث1. وقد أوصى رضي الله عنه عند وفاته مَنْ بعده بالعناية بأهل الذمة، وإعطائهم حقوقهم، والرأفة بهم. قال رضي الله عنه: وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم2، ولا يكلفوا فوق طاقتهم3. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الرأفة بأهل الذمة أنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير، ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر رضي الله عنه بيده، وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن

بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم1. المسألة الثانية: دعوة أهل الذمة للإسلام. كان عمر رضي الله عنه يدعو أهل الذمة للإسلام، ويحرص على هدايتهم وإنقاذهم من النار رحمة بهم وشفقة عليهم، ومن الآثار في ذلك: أن أسلم مولى عمر التمس وضوءاً لعمر رضي الله عنه، فلم يجده إلا عند نصرانية فاستوهبها، وجاء به إلى عمر رضي الله عنه، فأعجبه حسنه، فقال: من أين هذا؟ فقال له: من عند هذه النصرانية، فتوضأ عمر رضي الله عنه، ثم دخل عليها، فقال: أسلمي فكشفت عن رأسها كأنه ثغامة2 بيضاء، فقالت: أبعد هذه السن3؟!

ومما روي في شفقة عمر رضي الله عنه على أهل الكتاب لكونهم ممن يعبد الله على ضلالة، وحزنه على مشقتهم في عبادتهم مع أن مصيرهم إلى النار. روي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب، فناداه: يا راهب، فأشرف عليه، فجعل عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك، من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عز وجل: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍءَانِيَةٍ} 1، فذلك الذي أبكاني2. المسألة الثالثة: الشروط التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة. إن من أهم النصوص، وأشملها لبنود الصلح التي عقدها عمر رضي الله عنه مع أهل الذمة، ذلك النص الذي نقل إلينا صلح عمر رضي الله عنه مع نصارى الشام، وفيه: أن أهل الشام كتبوا لعمر رضي الله عنه: إنكم لما قدمتم علينا، سألناكم الأمان لأنفسنا، وذرارينا، وموالينا، وأهل ملتنا، وشرطنا على

أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا، ولا فيما حولها ديراً، ولا كنيسة، ولا قلاية1، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نجيء ما كان من خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة، وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا ثلاثة أيام من المسلمين نطعمهم، وأن نرشدهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً، ولا نعلم أولادنا القرآن، وأن لا نظهر شركاً، ولا ندعو إليه أحداً، وأن لا نمنع أحداً من ذوي قراباتنا الدخول في الإسلام، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زيّنا حيث ما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، وأن لا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة

المسلمين، وأن لا نخرج شعانين1، ولا باعوثاً2، وأن لا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم، ولا نجاورهم بموتنا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نطلع عليهم في منازلهم. قال عبد الرحمن بن غنم الأشعري3: فلما أتيت عمر بن الخطاب بهذا الكتاب زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرطنا ذلك لكم على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا الأمان، فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطنا لكم، وضمنا على أنفسنا، فلا ذمة لنا، وقد حل لكم ما حل لأهل المعاندة والشقاق4.

وروي أن عمر رضي الله عنه اشترط على أهل الذمة إصلاح القناطير1، وإن قتل رجل من المسلمين فعليهم ديته، وضيافة المسلمين يوماً وليلة2.

ومما لا شك فيه أن هذه الشروط التي شرطها عمر رضي الله عنه على أهل الذمة كانت مع أدائهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: ضرب عمر رضي الله عنه الجزية، وكتب بذلك إلى أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربوها على صبي، ولا على امرأة1، وكان عمر رضي الله عنه يختم أهل الجزية في أعناقهم2. وممن عاملهم عمر رضي الله عنه معاملة الذميين، المجوس، فقد

أخذ عمر رضي الله عنه منهم الجزية بعد أن شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها منهم، وأمر عمر رضي الله عنه بالتفريق بين محارم المجوس1. ونهى عمر رضي الله عنه المجوس عن الزمزمة2. ويظهر من شروط الصلح التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة أنها نصت على إذلال الكفار، وإظهار عزة المسلمين، والعمل على توقيرهم وخدمتهم، والنصح لهم، وعدم غشهم، وخيانتهم وموالاة أعدائهم. ونصت على التمييز بين المسلمين وأهل الذمة في الهيئة واللباس، ولم تغفل الشروط حق أهل الذمة في العيش بكل حرية في ظل الدولة الإسلامية، وأدائهم لعباداتهم في معابدهم، وممارستهم لحياتهم الاعتيادية

في مآكلهم ومشاربهم، ومصالحهم الشخصية، بشرط عدم إظهار وإعلان الكفر والفسق. ومن أهم ما كفلته هذه الشروط لأهل الذمة عيشهم تحت حماية الدولة الإسلامية، وأمنهم على أنفسهم وأعراضهم، وأموالهم لا يتميز المسلمون عليهم بشيء في ذلك، ما داموا أوفياء بعهدهم وذمتهم التي صالحوا عليها المسلمين. وكان عمر رضي الله عنه صارماً شديد الحزم مع من نكث عهده، وخان ذمته من أهل الذمة، وذلك لما يترتب على هذه الخيانة من مفاسد دينية ودنيوية، ولأن ذلك دليل على خبث نية هذا الخائن، وفساد طويته. ولقد كان من أسباب إجلاء عمر رضي الله عنه لليهود من خيبر اعتداؤهم على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت1 يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا

وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم1. وروي أن رجلاً من أهل الذمة نخس بامرأة من المسلمين، ونزع خمارها وجابذها، فحال بينه وبينها عوف بن مالك2، وضرب الذمي، ثم أتى عمر رضي الله عنه، فذكر له، فدعا عمر رضي الله عنه المرأة، فسألها فصدقت عوفاً، فأمر عمر رضي الله عنه بالذمي فصلب، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تظلموهم، فمن فعل منهم مثل هذا، فلا ذمة له3.

_ 1 رواه البخاري / الصحيح 2/119، كتاب الشروط باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت، وأبو داود / السنن 3/158. وغيرهما. 2 تقدمت ترجمته في ص:333. 3 رواه عبد الرزاق / المصنف 6/114،115، الحارث / المسند / إتحاف الخيرة المهرة 3/102، الطبراني / المعجم الكبير 18/37، البيهقي / السنن الكبرى 9/201، ومدار الأثر على عامر الشعبي روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة، وكذا عن عوف بن مالك كما في جامع التحصيل ص 204. وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.

المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية

المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري. ... المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري. إن قيام عمر رضي الله عنه بالتعبئة القتالية، وتهيئة الجيوش للغزو والجهاد أمر لا يحتاج إلى دليل يثبته، وقرينه تؤيده، فلولا فضل الله ثم قيامه رضي الله عنه بذلك على أكمل وجه، لما كانت تلك الفتوحات العظيمة، التي أزالت دولة الفرس، وضمت أجزاء كبيرة وهامة من دولة الروم، كبلاد الشام، ومصر إلى حظيرة الدولة الإسلامية. ولكن المراد بالحديث عن ذلك بيان الكيفية التي أعد بها عمر رضي الله عنه جنده، وجعل منهم جنداً أوفياء، وقادة أكفاء للقيام بتلك الفتوحات الجليلة، ولبيان سياسته رضي الله عنه في إعداد القوات، وشحن الثغور، ويمكن الحديث عن ذلك في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: الاهتمام بالقدرة القتالية، واللياقة البدنية للجند. فقد عمل عمر رضي الله عنه على تهيئة جنده عسكرياً، وتدريبهم على حمل السلاح واستخدامه بمهارة عالية. كتب عمر رضي الله عنه: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي1.

وكتب رضي الله عنه: وارموا الأغراض1. فحث عمر رضي الله عنه على تعلم الرمي وإتقانه، لما له من أهمية بالغة في الحروب، فهو سلاح فعال في حسم المعارك، وقتل أعداد كبيرة من العدو بأقل عدد من الخسائر في الأرواح والمعدات، فربما قتل فرد واحد ماهر في استخدام هذا السلاح أعداداً من العدو، بخلاف السلاح المستخدم عند التحام الصفوف كالسيوف والخناجر وغيرها فإنه

تكثر باستخدامها الخسائر بين الجانبين، والرمي قديماً بالسهام والحراب، والمنجنيقات يعادل في الأهمية استخدام الرشاشات والمدرعات والراجمات في وقتنا الحاضر. كما حرص عمر رضي الله عنه على رفع اللياقة البدنية لجنده، وذلك بحثهم على ممارسة الألعاب الرياضية، ومنها الفروسية وركوب الخيل حيث أن الخيل كانت هي المستخدمة في القتال، والكر والفر، وأمرهم بالنزو عليها والقفز على ظهرها، وهذا لا يتأتى إلا مع رشاقة الجسم وقوته، ولياقته البدنية. وحث عمر رضي الله عنه جنده على عدم التنعم في اللباس، ومشابهة العجم لأنه يورث الليونة والنعومة في الأجسام، فيجعلها غير قادرة على مواجهة ظروف القتال والجهاد، والتي تستلزم قدراً كبيراً من الخشونة والغلظة والبأس للجندي المقاتل. قال عمر رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، والقوا الخفاف، والسراويلات، وألقوا الركب1، وانزوا على الخيل نزواً، وعليكم بالمعدية2، وراموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير3.

وحث رضي الله عنه على تعلم السباحة والعوم، وهي رياضة هامة للجندي تزيد من رفع قوته وقدرته الجسمية. قال رضي الله عنه: علموا غلمانكم العوم1. المسألة الثانية: المحافظة على الجند والعناية بهم، وحمايتهم من المهالك. وكان عمر رضي الله عنه شديد العناية بجنده، وكان قريباً منهم، متواضعاً لهم رحيماً بهم، يعرف لهم فضلهم، ومكانتهم. قال الحارث بن لقيط النخعي2 رحمه الله: لما وجهنا عمر إلى الكوفة مشى معنا ساعة، فودعنا، ودعا لنا، ثم قعد ينفض رجليه من الغبار3.

وقال قرظة بن كعب1 رضي الله عنه: شيعنا عمر إلى صرار2. ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده وقواته ورحمته بهم، إعطاؤهم حقوقهم، وواجباتهم، وعدم حرمانهم من أهلهم وقراباتهم، فكان رضي الله عنه يعقب بين الجيوش، فيأمر الجيش الذي كان مرابطاً بالقدوم، ويبعث مكانه غيره، وذلك في كل عام3. وكان عمر رضي الله عنه يأمر قادة جيوش المسلمين بعدم تجمير4 الجيوش.

قال رضي الله عنه: ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض1 فتضيعوهم2. ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده تجنيبهم المهالك والمخاطر. عن فضيل بن زيد الرقاشي3 قال: سرت سرية على عهد عمر رضي الله عنه على أرجلهم، فأعيا رجل منهم، فأرادوا أن يقيموا عليه، فرفض أمير السرية، فنادى يا عمراه، فمضوا وتركوه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه، أن ابعث إلي بالرجل، فبعث به إليه، فأخذ قناة فجعل يضربه بها، ويقول: يقول لك

الرجل انتظرني، فتذهب وتتركه، فينادي: يا عمراه؟ فجعل يعتذر إليه، فقال عمر: والله لصلاح رجل من المسلمين أحب إلي من هلاك كذا وكذا من أهل الشرك1. وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على أنه كان يكره ركوب الجيش البحر خوفاً من هلاكهم. روي أنه رضي الله عنه قال: عجبت لراكب البحر2. وروي أنه قال رضي الله عنه: لا يسألني عن ركوب المسلمين البحر أبداً3.

وروي أنه رضي الله عنه عرض عليه أن يحمل جيشاً في السفن في البحر، فقال: أحمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على لوح، فأغرقهم، لا والله لا أفعل1. وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص يسأله عن ركوب البحر، فقال عمرو في جوابه لعمر: دود على عود، فإن انكسر العود، هلك الدود، فكره عمر أن يحملهم في البحر، وأمسك عن ذلك2. وروي أن عثمان بن أبي العاص3 أخرج جيشاً في البحر، فبلغ عمر فقال: حمل ناساً ليس بينهم وبين الماء إلا الألواح، والذي نفسي بيده لئن هلكوا لآخذن عدتهم من ثقيف4.

ومن عناية عمر رضي الله عنه بالجند والاهتمام بهم تكريمهم والإشادة بأهل البلاء والفضل منهم. قال أسلم مولى عمر رحمه الله: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً1، ولا لهم زرع، ولا ضرع2، وخشيت أن تأكلهم الضبع3، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير4 كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يغني حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها حاصرا حصناً زماناً، فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهامنا منه5.

وقسم عمر رضي الله عنه مروطاً1 بين نساء من نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: أم سليط أحق. وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد، قال أبو عبد الله: تزفر: تخيط2. وروي أن عمر رضي الله عنه كان بين يديه مال يقسمه، فرأى رجلاً في وجهه ضربة، فقال: ما هذه الضربة؟ قال: ضربتها في غزاة كذا وكذا، فقال عمر: عدوا له ألفاً، ثم حرك المال، ثم قال: عدوا له ألفاً، حتى عدوا أربعة آلاف، فاستحيا الرجل مما يعطيه، فذهب فحرك المال، فقال: أين الرجل؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، استحيى مما تعطيه، فذهب، فقال: لو مكث لأعطيته ما بقي بين يدي درهم، رجل ضرب في سبيل الله ضربة خفرت وجهه3.

وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر رضي الله عنه في ثمانية عشر بختياً1 أصابها، فكتب إليه عمر: أن ضعها في أشجع حي من العرب، فوضعها في بني رباح حي من بني تميم2. ومن ذلك ما روي في تكريم عمر رضي الله عنه لعبد الله بن حذافة3 رضي الله عنه حين أسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية: هل لك أن تتنصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟ فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكت العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك، فأمر به، فصلب، وقال للرماة: ارموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه، وهو يأبى، ثم أمر به، فأنزل، ثم دعا بقدر،

وصب فيها ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين، فأمر أحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبى، ثم أمر به أن يلقى فيها، فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه بكى، فظن أنه رجع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية، فأبى، قال: فما أبكاك؟ قال: أبكاني أني قلت هي نفسي نفس واحدة تلقى هذه الساعة في هذا القدر، فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى هذا في الله عز وجل. قال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ قال عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين. قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه، ويخلي عني وعن أسارى المسلمين، لا أبالي فدنا منه، وقبل رأسه، فدفع إليه الأسارى، فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر بخبره، فقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه1.

المسألة الثالثة: تجهيز الجيوش وشحن الثغور، وإعداد العدة. وعمل عمر رضي الله عنه على إعداد الجيوش وتجهيزها، وشحن الثغور بها، وكان ذلك شغله الشاغل، وهمه الدائم حيث كانت الجيوش الإسلامية تقاتل عدواً شرساً يفوقها في العتاد والعدة في بلاد الفرس والروم.

قال عمر رضي الله عنه: إني لأجهز الجيوش وأنا في الصلاة1. وكتب أبو عبيدة رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه يعلمه بكثرة جمع الروم، فهمه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم من الليل2. وكان رضي الله عنه يحث الناس على الخروج للقتال والجهاد في سبيل الله، ويمد بهم جنود المسلمين الملتحمة مع العدو. قال الحارث بن لقيط النخعي3 رحمه الله تعالى: قدمنا من اليمن، ونزلنا المدينة، فخرج علينا عمر، فطاف في النخع4، ونظر إليهم، فقال:

يا معشر النخع إني أرى الشرف فيكم متربعاً، فعليكم بالعراق وجموع فارس، فقلنا: يا أمير المؤمنين، لا بل الشام نريد الهجرة إليها، قال: لا بل العراق، فإني قد رضيتها لكم، قال: حتى قال بعضنا: يا أمير المؤمنين، لا إكراه في الدين. قال: فلا إكراه في الدين عليكم بالعراق فيها جموع العجم. قال لقيط: ونحن ألفان وخمسمائة، فأتينا القادسية ... الأثر1. وقال عمر رضي الله عنه لسعد بن عبيد القاري2، وكان لقي عدواً، فانهزم منهم: هل لك في الشام لعل الله يمن عليك، قال: لا إلا الذين فررت منهم، فشهد القادسية، وخطبهم، فقال: إنا لاقوا العدو إن شاء الله غداً، وإنا مستشهدون فلا تغسلوا عنا دماً، ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا3.

لقتال الفرس بالقادسية، لا تدعوا في ربيعة1 أحداً، ولا مضر2، ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات، ولا فارساً إلا جلبتموه، فإن جاء طائعاً، وإلا حشرتموه، احملوا العرب على الجد إذا جد العجم، فلتقوا جدهم بجدكم3. وروي أنه رضي الله عنه قال: لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدع رئيساً، ولا ذا رأي، ولا ذا شرف، ولا ذا سطة، ولا خطيباً، ولا شاعراً إلا رماهم به، فرماهم بوجوه الناس4. وروي أنه ندب الناس إلى العراق، فجعلوا يتحامونه، ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه5.

وعمل عمر رضي الله عنه على شحن الثغور بالقوات لمواجهة أي خطر يهدد الدولة الإسلامية، ووضع الحاميات بها، فكانت كل حامية ترابط مدة من الزمان ثم تعود، وتعقبها أخرى كما تقدم ذكر ذلك1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في وضع الحاميات على الثغور أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية2 جماعة من المسلمين أهل نيات وحسبة، واجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء وذلك بعد أن فتحها المسلمون3. وروي أنه رضي الله عنه كان يبعث في كل سنة غازية من أهل

المدينة ترابط بالإسكندرية1. واهتم عمر رضي الله عنه بالخيل والإبل وإعدادها للمقاتلة، وإمدادهم بها، وربما وهبها لهم تكريماً لهم وتشجيعاً على الجهاد في سبيل الله. قال ربيعة بن عبد الله بن الهدير رحمه الله2: كان عمر رضي الله عنه إذا حمل على فرس أو بعير في سبيل الله قال: إذا جاوزت وادي القرى3 أو مثلها من طريق مصر، فاصنع بها ما بدا لك4. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في اتخاذ الخيل للمجاهدين في سبيل الله أن عمر رضي الله عنه كان له أربعة آلاف فرس على أري5

بالكوفة موسومة على أفخاذها في سبيل الله، فإن كان في عطاء الرجل حقه، أو كان محتاجاً أعطاه الفرس، ثم قال: إن أجريته فأعييته أو ضيعته، فأنت ضامن، وإن قاتلت عليه، فأصيب أو أصبت، فليس عليك شيء1.

_ 1 رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/475، الطبري / التاريخ 2/482، 483، 571، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أبو سعيد لعله البقال. ضعيف مدلس تق 341، وهو منقطع من رواية محمد بن عبد الله الثقفي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، وهو عند الطبري من طريق شعيب عن سيف، ورواه من طريق آخر وفيه الواقدي. فالأثر ضعيف.

المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه

المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه: لقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص تبين الأصول والآداب التي ينبغي للمجاهد والمقاتل أن يسير عليها، وأن يتحلى بها قائداً كان أو جندياً، حتى يكون مجاهداً مثالياً في دينه، وخلقه، بارعاً في قتاله، ومنازلته العدو، كما أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فمن المبادئ الهامة في القتال والتي عمل بها عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى، وهو مبدأ حض عليه القرآن الكريم، والسنة، وذلك لما للشورى من أهمية بالغة في استجلاء الحقيقة، ومعرفة الصواب والحق، والبعد عن التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية العشوائية. فقد شاور عمر رضي الله عنه الهرمزان1 في قتال الفرس، لعلمه ببلاد فارس، ومدنها وطبيعتها الجغرافية، ومراكز القوة والضعف فيها، ولأن الهرمزان كان قائداً عسكرياً ذا خبرة قتالية وعسكرية لا يستهان بها، فاستشاره عمر رضي الله عنه أيبدأ بقتال فارس أم أصبهان2 أم أذربيجان3، فقال الهرمزان: أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان،

فإن قطعت أحد الجناحين، مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بالرأس، فأخذ عمر رضي الله عنه بقوله، فأمر النعمان بن مقرن المزني1 رضي الله عنه بالتوجه لقتال الفرس بنهاوند2، ومعه الزبير بن العوام، وعمرو بن معدي كرب 3، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر والأشعث بن قيس4. ومن المبادئ الأساسية التي حض عليها عمر رضي الله عنه المجاهدين إخلاص النية لله عز وجل، وأن يبتغوا بجهادهم وجه الله، وإعلاء دينه، قال رضي الله عنه، وهو يبين أن من لم يخلص نيته لله عز وجل في جهاده، وكان غرضه دنيوياً، فإنه لن ينال ما أعده الله عز وجل للمجاهدين: وأخرى تقولونها لمن قتل في مغازيكم أو مات فلان شهيداً،

ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف1 راحلته ذهباً أو ورقاً يطلب التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة2. وبين عمر رضي الله عنه أنه ينبغي للمجاهد أن تكون نيته من جهاده هو إعلاء كلمة الله عز وجل، ونصرة دينه وإذلال الكفر وأهله، وليس مجرد أن يقتل في سبيل الله، قال رضي الله عنه: لأن أموت على فراشي صابراً محتسباً أحب إلي من أن أقدم على القوم، ولا أريد إلا أن يقتلوني، أوليس الله يأتي بالشهادة؟! 3.

ومن المبادئ الهامة التي حرص عمر رضي الله عنه على ترسيخها في نفوس المجاهدين، أن يكون تعلقهم بالله عز وجل، واعتمادهم عليه، وأن لا يغتروا بقوتهم أو حنكة وخبرة قادتهم. فقد كان من أسباب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد، اغترار الناس به حتى خشي عمر رضي الله عنه أن يعتقد الناس أن النصر مقترن به، وبقيادته فتتعلق قلوبهم به دون الله عز وجل. قال رضي الله عنه بعد أن عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين بالشام، وولى أبا عبيدة رضي الله عنه، وجاءته البشارة بنصر المسلمين، وهزيمة الروم، قال: الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد1. وقال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد والمثنى مثنى بني شيبان حتى يعلما أن الله كان ينصر عباده، وليس إياهما كان ينصر2. وقد نبه عمر رضي الله عنه جنده، وقواته إلى أمور وأصول هامة،

لا غنى للمقاتل عن معرفتها، والعمل بها في ساحة القتال لأنها من أسباب النصر، وقهر العدو، وهي: 1- الصبر والاعتماد على الله عز وجل، وعدم اليأس من رحمة الله وقرب فرجه ونصره. كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه لما حصر وجنده بالشام، وأصابهم جهد شديد: سلام عليكم، أما بعد، فإنه لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، وكتب إليه: {يأ يُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 1.

2- الاستبسال في الجهاد، فقد أثنى عمر رضي الله عنه على من تحلى بذلك. قدم الرسول إلى عمر رضي الله عنه، بنعي النعمان بن مقرن المزني رضي الله عنه، فسأله عمر رضي الله عنه عن الناس. فقال: أصيب فلان وفلان آخرون لا أعرفهم. فقال عمر: لكن الله يعرفهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ورجل شرى نفسه، فقال مدرك بن عوف1: ذلك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه ممن شرى الآخرة بالدنيا2. 3- التقوي على مجاهدة العدو. فقد حث رضي الله عنه جنده على تقوية أبدانهم في أرض القتال

حتى يتمكنوا من مقاومة العدو، ومن ذلك أمره رضي الله عنه لجنده بالإفطار في رمضان، وكانوا يحاصرون حصناً للعدو1. ومن التوجيهات الهامة التي وجه إليها عمر رضي الله عنه قادة جيشه، عدم المغامرة وتعريض قوات المسلمين للمخاطر والمهالك، والعمل على الإقلال من الخسائر البشرية بقدر المستطاع. ومن ذلك إعلامه رضي الله عنه بجنده وقادتهم أن تراجعهم عن مواجهة العدو في أرض المعركة وانسحابهم إلى ديار المسلمين عند إحساسهم بعدم تكافء كفة القتال، وشعورهم بالخطر المحقق، أن ذلك

لا يعد فراراً من الزحف، وإنما هو من الرجوع إلى فئة، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 1. فلما بلغ عمر رضي الله عنه مقتل أبي عبيد الثقفي2 رضي الله عنه قائد موقعة الجسر3، وهزيمة جيشه، قال: إن كنت له فئة لو انحاز إلي4. ولما رجع بعض جيشه إلى المدينة قال لهم عمر رضي الله عنه: أنا فئتكم5.

وأمر عمر رضي الله عنه قادة جيشه بعدم المغامرة بأنفسهم، وحذرهم من نزول الأماكن التي يمكن أن يكمن لهم فيها عدوهم، ويفرق جمعهم، وذلك كالغابات الكثيفة الشجر، والمستنقعات المائية، ونحوها، قال رضي الله عنه وهو يوصي قادة جيشه بجند المسلمين: ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم1. ومما روي عن عمر رضي الله عنه في عدم الإقدام على المهالك، أنه قال: لا تستعملوا البراء بن مالك2 على جيش من جيوش المسلمين، فإنه مهلكة من الهَلك يقدم بهم3. ومن المبادئ التي روي عن رضي الله عنه توجيه قادته للتحلي بها هو التريث والتعقل والتؤدة في إدارة العمليات العسكرية، ولا شك أن هذا المبدأ مبدأ في غاية الأهمية، وما ثبت عن عمر رضي الله عنه من أخذه

بمبدأ الشورى1 في القتال يدل عليه. فالقائد الذي يشاور أصحابه، وأهل الرأي منهم، يبعد عنه التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية، ويكون أقرب إلى الصواب والحق. روي عنه رضي الله عنه أنه لما بعث أبا عبيد إلى العراق، بعث معه سليط بن عمرو الأنصاري2 رضي الله عنه، وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون3 لا يصلح لها إلا الرجل المكيث4. وقد أمر عمر رضي الله عنه قادته وجنده وأوصاهم ببعض الآداب التي ينبغي أن يتحلوا بها في تعاملهم مع عدوهم في أرض المعركة. وهي آداب أمر بها الله عز وجل في كتابه العزيز، وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن تلك الآداب دعوة العدو من أهل الكتاب ومن يلحق بهم إلى الإسلام قبل القتال فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال. قال رضي الله عنه وهو يوصي سلمة بن قيس الأشجعي1 رضي الله عنه أحد قادته لقتال الفرس: وإذا انتهيت إلى القوم فادعهم إلى الإسلام والجهاد، فإن قبلوا فهم منكم، فلهم مالكم، وعليهم ما عليكم، وإن أبوا فادعهم إلى الإسلام بلا جهاد، فإن قبلوا فاقبل منهم، وأعلمهم أنه لا نصيب لهم في الفيء، فإن أبوا فادعهم إلى الجزية، فإن قبلوا فضع عنهم بقدر طاقتهم، وضع فيهم جيشاً يقاتل من روائهم، وخلهم وما وضعت عليهم، فإن أبوا فقاتلهم2. ومن آداب القتال التي حث عمر رضي الله جنده على التخلق بها أثناء القتال، عدم الغدر بالعدو بعد إعطائه الأمان، قال رضي الله عنه لجنده: ولا تغدروا3. وقد أوضح رضي الله عنه لجنده وقادتهم أن إعطاء الأمان يكون أماناً باللفظ الدال عليه سواء كان بالعربية أم بغيرها. قال رضي الله عنه: إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه، وإذا

قال: مطرس، فقد أمنه، وإذا قال: لا تدحل1 فقد أمنه، فإن الله يعلم الألسنة2. وأجاز عمر رضي الله عنه أمان العبد، وبين رضي الله عنه أنه لا فرق بين أن يؤمن العدو حر أو عبد من المسلمين، وإليك هذه القصة الدالة على ذلك، وفيها دلالة أيضاً على شدة تحري عمر رضي الله عنه العدل وترك الظلم حتى مع أعداء الإسلام، وفيها دلالة واضحة على الهدف السامي، والغاية النبيلة من الفتح الإسلامي، وهي نشر الدين وليس نهب خيرات البلاد المفتوحة، وسبي ذراريها ونسائها. قال فضيل بن زيد الرقاشي رضي الله عنه3، وكان غزا على عهد عمر رضي الله عنه سبع غزوات: بعث عمر جيشاً، فكنت في ذلك الجيش،

فحاصرنا أهل سيراف1، فلما رأينا أنا سنفتحها من يومنا ذلك، قلنا: نرجع فنقيل ثم نخرج فنفتحها، فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين فراطنوه فراطنهم، فكتب لهم كتاباً في صحيفة ثم شده في سهم، فرمى به إليهم، فخرجوا، فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا، قلنا لهم ما لكم؟ قالوا: أمنتمونا، قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: ما نعرف عبد كم من حركم، ما نحن براجعين، إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم قفوا لنا. قال: فكتبنا إلى عمر فكتب إلينا: إن عبد المسلمين من المسلمين ذمته ذمتهم، فأجاز عمر أمانه2.

ومن تلك الآداب عدم التمثيل بالقتلى، والنهي عن قتل الصبيان والنساء والشيوخ. قال رضي الله عنه: ولا تمثلوا، ولا تقتلوا امرأة، ولا صبياً، ولا شيخاً هِمًّا1. ومن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه جنده بعد فراغهم من القتال ونصرهم على عدوهم عدم الغلول من الغنيمة والأخذ منها قبل قسمتها، وأخذ كل مقاتل سهمه الذي قرره كتاب الله عز وجل وسنة نبيه2 صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من العدوان على حق الله عز وجل ورسوله في الفيء أولاً، وعلى حقوق جند المسلمين ثانياً. هذا ما أردت كتابته فيما يتعلق بالنواحي الجهادية، وأشير هنا إلى أني لم أتطرق لمسألة قادة عمر رضي الله عنه العسكريين، وذلك لأن كبار قادة عمر رضي الله عنه الذين أوكل إليهم مهمة قيادة جيوش المسلمين الفاتحة، كانوا هم ولاة عمر رضي الله عنه في البلاد المفتوحة، كولاة العراق، والشام، ومصر أو ولاة المناطق القريبة من مناطق الفتح كعمان والبحرين، وقد تقدم ذكرهم في مبحث الولاة.

_ 1 الهِمُّ: الشيخ الكبير البالي. ابن منظور / لسان العرب 15/138. وهذا الأثر صحيح. تقدم تخريجه في ص 266 وهو جزء من أثر سلمة بن قيس. 2 ورد ذلك في جزء من الأثر المتقدم.

وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده. إن الاستشهاد في سبيل الله مطلب نبيل، وغاية سامية يتطلع إليها كل مؤمن صادق الإيمان، موقن بما أعده الله عز وجل للشهداء في سبيله من عظيم الكرامات، ورفيع الدرجات في دار رضوانه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} 1. ولقد كان عمر رضي الله عنه يسأل الله عز وجل الشهادة في سبيله، وأن يجعل موته في بلد رسوله صلى الله عليه وسلم. قال رضي الله عنه: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك2. وفي رواية أنه قال: اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك، فقالت حفصة رضي الله عنها: وأنى ذلك؟! فقال رضي الله عنه: إن الله يأتي بأمره أنى شاء3.

وكان رضي الله عنه يدعو بذلك مع بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بحيازة هذه المرتبة العظيمة، والمنزلة الرفيعة، وذلك لحرصه الشديد على الشهادة رضي الله عنه. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: اثبت أحد، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان1. ومكن الله عز وجل لعمر رضي الله عنه في الأرض، وفتح على يديه الفتوحات العظيمة، وانتشرت رعيته، وكبرت سنه رضي الله عنه، فأحس بدنو أجله وانقضاء أيامه، قال رضي الله عنه لما قفل من آخر حجة حجها بعد أن أناخ بالأبطح، وكوم كومة من البطحاء ثم طرح عليها رداءه، واستلقى عليها، ومد يديه إلى السماء: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع2. وكان يدعو فيقول: اللهم توفني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وألحقني بالأخيار3.

ولما دنا أجله رضي الله عنه رأى رؤيا زادت من يقينه بدنو أجله. خطب رضي الله عنه يوم الجمعة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ثم قال: إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي1. ورأى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه رؤيا أحزنته، وأولها بوفاة عمر رضي الله عنه. قال رضي الله عنه: رأيت كأني أخذت جواداً كثيرة، فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه، وإلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله أمير المؤمنين. قال أنس بن مالك رضي الله عنه لأبي موسى: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه2.

ودنت ساعة القدر المحتوم التي أصيب فيها الصحابي الجليل، والخليفة العظيم، وهو يصلي صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تقدم رضي الله عنه ليؤم الناس، فجعل رضي الله عنه يسوي الصفوف، ويقول: استووا، حتى اطمئن إلى عدم وجود الخلل، تقدم، فكبر رضي الله عنه، ودخل في الصلاة، فباغته أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله بيده الغادرة، وقد امتلأ صدره حقداً وغيظاً عليه رضي الله عنه فطعنه بسكين ذي طرفين، فسمعه مَن خلفه يقول: قتلني أو أكلني الكلب، وطعن أبو لؤلؤة لعنه الله وهو يحاول الهرب ثلاثة عشر رجلاً من المسلمين، فمات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ألقى عليه أحد المسلمين برنساً1، وظن أنه قد أخذ، فأخذ عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة، فلما انصرف الناس من الصلاة، قال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: انظر من قتلني، فجال في الناس ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة2. قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً3، ثم قال عمر: الحمد الله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم

احتمل رضي الله عنه إلى بيته وأصاب الناس من الحزن والغم وكأنهم لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. فقائل يقول: لا بأس، وقال يقول: أخاف عليه، فأتى رضي الله عنه بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتى بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت1. وفي رواية أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن علم بقاتله: الحمد الله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا اله، أما نهيتكم أن تجلبوا

إلينا من العلوج أحداً فغصبتموني1. ولم يمنع عمر رضي الله عنه توكله على ربه عز وجل، وإيمانه المطلق بقضائه، وقدره وغلبة ظنه بحضور أجله، لم يمنعه ذلك من أن يعرض نفسه على الأطباء لعل أن يكون عندهم دواءٌ شافٍ. فبعد أن طعن رضي الله عنه قال: أرسلوا إلي طبيباً ينظر إلى جرحي هذا، فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقى عمر نبيذاً فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، فدعوا طبيباً آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقاه لبناً، فخرج اللبن من الطعنة صلداً أبيض، فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين اعهد، فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية، ولو قلت غير ذلك كَذَّبتُك2. ولم يتمالك أهل عمر رضي الله عنه وأصحابه أنفسهم، وهم ينظرون عظم مصابه، وعظم المصاب به، فجاشت أعينهم بالدمع، وارتفعت أصواتهم بالبكاء عليه فنهاهم عمر رضي الله عنه عن ذلك، ولم يمنعه ما هو فيه من البلاء والمحنة، ومعاينة الموت من إرشادهم للصواب وبيان الحق الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: لما طعن عمر رضي الله عنه عولت1 عليه حفصة، فقال: يا حفصة، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المعول عليه يعذب". وعول صهيب2، فقال عمر: يا صهيب، أما علمت أن المعول عليه يعذب3. وقبل وفاته رضي الله عنه طلب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم منه أن يستخلف عليهم خليفة، فقالوا: ألا تستخلف؟ فقال رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك، فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم4. ثم قال رضي الله عنه: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمارة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة5.

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "دخل الرهط على عمر قبيل أن ينزل به عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وسعد، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو فيكم، وإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وطلحة وسعد، وكان طلحة غائباً في أمواله بالسراة. ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة لعبد الرحمن وعثمان وعليّ، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عليّ فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس. ثم قال: قوموا فتشاورا فأمروا أحدكم. قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورن فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر، ولا والله ما أحب أني كنت فيه، علماً أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان حقاً. فلما أكثر عثمان عليّ قلت له: ألا تعقلون؟ أتؤمرون وأمير المؤمنين حي؟! فوالله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر: أمهلوا فإن

حدث بيَ حدث فليصل لكم صهيب ثلاثاً، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه1. وروي أن عمر رضي الله عنه بعد أن رشح الستة: عثمان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد، أوصاهم واحداً واحداً بتقوى الله إن هم ولوا الخلافة، ثم دعا صهيباً فقال: "صل بالناس ثلاثاً، ليخل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه"2.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال للستة من أهل الشورى: "بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فإذا بايعتم لمن بايع له عبد الرحمن فمن أبى فاضربوا عنقه"1. وروي أنه رضي الله عنه قال للأنصار بعد أن رشح الستة نفر من أهل الشورى: "أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام، فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم"2.

والذي يستنتتج من الروايات في خبر أصحاب الشورى الستة وهي رواية الصحيح الأولى أن عمر رضي الله عنه رشح للمسلمين بعده ستة نفر يختارون أحدهم خليفة.

وفي الرواية الثانية الصحيحة زيادة تفصيل وهو أن عمر رضي الله عنه أوصى الستة الذين رشحهم للخلافة بعده أن يتقي الله كل منهم إن اختاره المسلمون خليفة لهم ولا يحملون قرابته على رقاب الناس، وحذّرهم من الانشقاق، وأمرهم بضرب عنق من يريد أن يشقّ عصا المسلمين ويبايع بالخلافة من لم يبايعوه، أو من يتأمر من غير مشورة منهم كائناً من كان هذا الخارج والمنشق. وهذا هو الذي تدلّ عليه الرواية الثالثة. أما الروايتان الأخيرتان، فإنهما لم تثبتا، ويبعد أن يأمر عمر رضي الله عنه الستة بمبايعة من بايعه عبد الرحمن بن عوف وهو قد جعل الأمر للمسلمين يختارون أحد الستة. وكذلك يستحيل أن يأمر عمر رضي الله عنه الأنصار بإمهال هؤلاء النفر الستة وهم من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ليختاروا أحدهم، فإن فعلوا وإلا ضربوا أعناقهم، وكيف يكون حال المسلمين بعد ضرب أعناق جميع من هم أهل للخلافة من التفرق والخلاف والشقاق والفتنة. والله أعلم. ثم أوصى عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله بسداد دينه، فقال: يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه، فوجدوه، ستة وثمانين ألفاً أو نحوه1، فقال عمر رضي الله عنه: إن وفى مال آل عمر فأده من

أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال1. وأمر رضي الله عنه ابنه عبد الله أن يستأذن عائشة رضي الله عنها في أن يدفن في بيتها بجوار صاحبيه، النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه. قال رضي الله عنه: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّ به اليوم على نفسي. فلما أقبل عبد الله، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، فقال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أَذِنَت، قال: الحمدلله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك،

فإذا أنا قضيت، فاحملوني ثم سلم، فقل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي، فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين1. ووافت المنية عمر رضي الله عنه وانتقل إلى جوار ربه عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وقد رويت عدة أقوال في تاريخ وفاته رضي الله عنه، روي أنه أصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة2. وروي أنه طعن لثلاث بقين من ذي الحجة، فعاش ثلاثة أيام، وقيل سبعة3. وروي أنه طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودفن يوم الأحد، صبيحة هلال المحرم، فكانت خلافته عشر سنوات، وخمسة أشهر، وإحدى وعشرين ليلة4.

وقيل إنه دفن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة1. وقيل إنه توفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة2. وهذه الأقوال متفقة على أنه طعن وتوفي في الأيام الأخيرة من شهر ذي الحجة، من السنة الثالثة والعشرين. ثم غسل رضي الله عنه وكفن3. وروي أنه غسل ثلاثاً بماء وسدر4. وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هو الذي ولي غسل عمر وكفنه في خمسة أثواب5.

وروي أنه أوصى أن لا يغسل بمسك1. وروي كذلك أنه كفن في ثلاثة أثواب2. وروي أنه كفن في قميص وحلة3.

وصلى عليه صهيب الرومي1 رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم2. وروي أنه صُلى عليه وهو على سريره3. وروي أن الذي صلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنه، ولا يثبت ذلك4.

ثم أدخل رضي الله عنه حجرة عائشة رضي الله عنها، ودفن إلى جنب صاحبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر1. وروي أن قبره لحد2 له رضي الله عنه3. وروي أنه رضي الله عنه جعل رأسه في قبره عند حقوي4 النبي صلى الله عليه وسلم5.

وروي أن القاسم بن محمد1 رحمه الله قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة2 مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم3.

وروي أن عثمان بن عفان وسعيد بن زيد1 رضي الله عنهما نزلا في قبر عمر رضي الله عنه لما دفن2. وكان عمره رضي الله عنه حين توفي ثلاثة وستين عاماً3. ورويت أقوال أخرى في مقدار عمره رضي الله عنه وما تقدم هو الثابت. فروي أنه توفي وعمره واحد وخمسون4، وقيل اثنان وخمسون5. وقيل أربعة وخمسون6، وقيل خمسة

وخمسون1، وقيل سبعة وخمسون2، وقيل تسعة وخمسون3، وقيل إحدى وستون4. وقيل وهو ابن ستة وستين5، وقيل توفي وهو ابن ثلاثة وسبعين6.

ولعل سبب الاختلاف في مقدار سن عمر رضي الله عنه، راجع للاختلاف في سنة ولادته رضي الله عنه الذي تقدم ذكره1. ولقد خيمت على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سحابة من الحزن والغم والكرب الشديد لفقد هذا الخليفة والقائد المظفر البار الراشد رضي الله عنه وأرضاه. قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو يخطب في أهل الكوفة: أما بعد، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات، فلم نر يوماً أكثر نشيجاً من يومئذ2. وسعى عبيد الله بن عمر3 رضي الله عنه للثأر من قاتل أبيه، فقام بقتل الهرمزان4، وجفينة النصراني، وابنة لأبي لؤلؤة المجوسي صغيرة، وذلك بعد أن سمع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق5 رضي الله عنهما

يقول: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة النصراني1 وأبي لؤلؤة، وهم نجي2، فبغتُّهم، فثاروا، وسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا، فوجدوه خنجراً على النعت الذي نعت عبد الرحمن، فخرج عبيد الله مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتى تنظر إلى فرس لي، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، ثم أتى جفينة، وكان نصرانياً، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب بين عينيه3، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة، تدعي الإسلام، فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها، ثم أقبل عبيد الله بالسيف صلتاً في يده، وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته، فجعلوا يقولون له: الق السيف، ويأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمرو بن العاص، فقال: أعطني السيف يابن أخي،

فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان، فأخذ برأسه فتناصيا1حتى حجز الناس بينهما، فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام فتقاً، يعني عبيد الله ابن عمر، فأشار عليه المهاجرون أن يقتله، وقال جماعة من الناس: أيُقتل عمر أمس، وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم؟ أَبْعَدَ الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أعفاك الله أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان، إنما كان هذا الأمر، ولا سلطان لك على الناس، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين. فتفرق الناس على خطبة عمرو، وودى عثمان رضي الله عنه الرجلين والجارية2. والأثر السابق استدل به على مشاركة الهرمزان وجفينة النصراني في التآمر على قتل عمر رضي الله عنه. وقد أضاف إليهم البعض3 كعب الأخبار4 لإخباره عمر رضي الله عنه بيوم وفاته.

فقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه دعا أم كلثوم1 بنت عليّ بن أبي طالب وكانت تحته فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهودي2 - تعني كعب الأخبار - يقول: إنّك على باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء، والله إنّي لأرجوا أن يكون ربّي خلقني سعيداً ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب، قال: يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجّة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء هذا، مرّة في الجنة ومرة في النّار؟ فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع النّاس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة3.

وفي أثر آخر أنّ كعب الأخبار قال: يا أمير المؤمنين: اعهد فإنّك ميّت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل التّوراه. قال عمر: آلله إنّك لتجد عمر بن الخطاب في التّوراة؟ قال اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، وأنّه قد فنى أجلك. وعمر لا يحسّ وجعاً ولا ألماً فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يوم وبقي يومان، ثم جاءه من غد الغد، فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة، وهي تلك إلى صحبيحتها فلما طعن عمر دخل عليه كعب، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول:

فأوعدني كعب ثلاثاً أعدّها ولا شكّ أنّ القول ما قال لي كعب وما بي حذر الموت إنّي لميّت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب1. ففي هذه الرّواية أخبر كعب عمر أنّه يجد في التّوراة صفته وأنّ أجله قد فني. وأخبار كعب - رحمه الله - عمر رضي الله عنه بقرب وفاته لا يدل على مشاركته في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه، فلعله وجد ذلك في التّوراة أو فهمه من نصوصها، أو سمعه من أهل الكتاب وإقسام كعب لعمر بذلك كما في الرّواية الأولى يدل على أنّه أخذ ذلك من علم صحيح، ولو كان إخباره له بذلك لاشتراكه في مؤامرة لقتله لما جزم بذلك، فقد تفشل المؤامرة، وتحل

الدائرة على المتآمرين، وينجو عمر، وأيضاً لو كان الأمر كذلك لكتم كعب ذلك عن عمر حتّى لا يثير الشّبهات حوله، وعلى أية حالٍ فإنّ عمر رضي الله عنه وهو صاحب الحدس الصادق والمعرفة التامة بالرّجال لم يفهم من كلام كعب تهديداً له بل لقد كان كعب من جلساء عمر رضي الله عنه وأصحابه وكان يطلب منه أن يخونه ويذكره حتّى يرق قلبه1.والله أعلم. وكذلك لم يثبت اشتراك عيينة2 بن حصن في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه كما فهمه البعض من الرواية التي فيها أنّ عيينة قال لعمر: إنّ الله جعلك فتنة على أمة محمّد، فقال: كذّب. إنّ رّبي ليعلم أنّي لم أضمر لها غير العدل والإحسان. وقال عيينة: لم أذهب هناك، ولكن يفقدون سيرتك، فيضرب بعضهم رقاب بعض، فقال: ما أنا لذلك بآمر. فقال: يا أمير المؤمنين، احترس من الأعاجم وأخرجهم من المدينة فإنّي لا آمنهم عليك3.

بعض الأخبار المتعلّقة بعمر رضي الله عنه بعد وفاته: 1- نعي الجنّ له رضي الله عنه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فحججن في آخر حجة حجّها عمر رضي الله عنه، قالت: فلما ارتحل عمر رضي الله عنه من الحصبة1 من آخر اللّيل أقبل رجل متلثم وقال وأنا أسمع: أين كان أمير

المؤمنين نزل؟ فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقبرته1 ينغني: عليك السّلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يجر أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق قضيت أموراً ثم غادرت بعدها نوائح في أكمامها لم تفتق قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت لهم: اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يروا في مناخه أحداً، فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنّي لا أحسبه من الجن2.

وفي رواية ابن سعد: فكنا نتحدث أنّه من الجن. وفي الأثر السّابق دلالة على أنّ الجن تنبئت بوفاة عمر رضي الله عنه وذلك في آخر حجة حجها رضي الله عنه، ونعته الجن بالأبيات السابقة، وهذا ليس من علمهم الغيب، فقد أخبر المولى العظيم أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب. قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} 1. ولكن هذا مما يسترقه الجنّ من السّمع كما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: سأل أناس النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فال: "إنّهم ليسوا بشيء". فقالوا: يا رسول الله فإنّهم يحدّثون بالشّيء يكون حقّاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحقّ يخطفها الجنّيّ فَيُقَرقِرها في أذن وليه تقرقرة الدّجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة"2.

ومن ذلك - والله أعلم - ما رواه جبير1 بن مطعم، قال: بينما عمر واقف على جبل عرفة سمع رجلاً يصرخ يقول: يا خليفة، يا خليفة فسمعه رجل آخر وهم يعتافون2. فقال: ما لك فكّ الله لهواتك3، فأقبلت على الرّجل فصخبت عليه، فقلت: لا تسبن الرّجل، قال جبير بن مطعم: فإنّي الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها، إذ جاءت حصاة عائرة4 فنفقت5 رأس عمر، ففصدت6 فسمعت رجلاً من الجبل

يقول: أشعرت1 وربّ الكعبة، لا تقف عمر هذا الموقف بعد العام أبداً، قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس، فاشتد ذلك عليّ2. 2- انكساف الشّمس يوم موته رضي الله عنه: عن عبد الرّحمن بن يسار رحمه الله تعالى، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فانكسفت الشّمس يومئذٍ3.

وليس في هذا الأثر دلالة على أنّ الشّمس كسفت لموته رضي الله عنه وتعظيماً لشأنه، وإنما ذلك تخويف منه سبحانه وتعالى لعباده. قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشّمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها فصلّوا"1. 3- رؤية العباس بن عبد المطلب له في منامه رضي الله عنه: روي أنّ العباس بن عبد الملطب كان خليلاً لعمر، فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام، فرآه بعد حول هو يمسح العرق عن جبينه، فقال: ما فعلت؟ قال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرشي ليهد لولا أنّي لقيته رؤوفاً رحيماً2.

وهذه الرّؤيا فيها منقبة لعمر رضي الله عنه في نجاته من شديد الحساب، ونيله رحمة ربّه به كيف لا، وهو من تحرى العدل بين رعيته في كلّ دقيقة وجليلة حتى شمل عدله البهائم. 4-حفظ الله تعالى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قبره وعدم أكل الأرض لجسده: ومن مناقبه رضي الله عنه وفضائله التي أظهرها الله تعالى لخلقه بعد موته، عدم أكل الأرض لجسده وبقائه غضّاً طريّاً كيوم موته. قال عروة1 بن الزّبير رضي الله عنه: لما سقط عليهم

الحائط1 في زمان الوليد2 بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم ففزعوا3 وظنوا أنّها قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم4، فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتّى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ما هي إلاّ قدم عمر رضي الله عنه5.

هذا آخر ما تيسّرت كتابته في هذا البحث، وأسأل الله العليّ القدير أن يجعله خالصاً لوجه الكريم، وأن ينفع به آمين. وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة

الخاتمة وفيها أهم نتائج البحث: أولاً: النتائج المتعلقة بشخصية عمر رضي الله عنه: 1- ورد من طرق يقوي بعضها بعضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كنّى عمر رضي الله عنه بأبي حفص. 2- لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر رضي الله عنه بالفاروق وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب. 3- ثبت بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه هو أول من لقب بأمير المؤمنين، وأن أهل الكتاب يجدون لقبه في كتبهم. 4- الذي أرجحه والذي تدل عليه الآثار الصحيحة أن عمر رضي الله عنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً. 5- ثبت بسند حسن أن عمر رضي الله عنه كان آدم اللون أي أسمر اللون، وقد وردت صفة البياض له في خبر عند أبي نعيم بسند رجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم أحمد بن محمد بن حامد بن جبلة، لم أجد له ترجمة. ولو ثبت صفة البياض لقلنا إن عمر رضي الله عنه تغير لونه بسبب إجهاده نفسه في مراقبته رعيته ومشيه في الرمضاء، وإجهاده رضي الله عنه نفسه في ذلك وقلة طعامه وشرابه.

6- كان عمر رضي الله عنه متصفاً بصفات خَلقية فيها معاني القوة والعزم والشدة والهيبة، فقد ثبت أنه كان طويل القامة، ضخم الجسم، قوي الجسم، أصلع الرأس، بعيدَ ما بين المناكب، جهوري الصوت، أعسر يسراً، طويل اللحية، إذا غضب فتل شاربه. وجاء من طرق ضعيفة أنه كان يسرع في مشيته وأنه كان أروح الرجلين كثير الشعر، وكثير الشيب. 7- نشأ عمر رضي الله عنه في صغره حياة الفقر والعوز والشدة، وكان أبوه يقسو عليه، وعمل رضي الله عنه في رعي إبل والديه واشتغل رضي الله عنه في شبابه بالتجارة. ورد ذلك من طرق ثابتة. 8- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان في جاهليته شديد التمسك بالوثنية وكان يعذب السابقين إلى الإسلام، وذكر أنه كان يتعاطى الخمر، ولم يثبت عنه أنه وأد البنات، وكان بالرغم من ذلك عنده حس ديني وتعلق بربه عز وجل. 9- لم يرد من طرق ثابتة قيام عمر رضي الله عنه بالسفارة لقريش، ولا يستبعد وقوع ذلك منه لما كان يمتلكه من صفات خَلقية وخُلقية قويّة، إضافة لمعرفته القراءة والكتابة ورفه مكانته ومنزلته بين القرشيين.

10- لم تثبت رواية في كيفية إسلام عمر رضي الله عنه، ولكن وردت روايات ضعيفة وهي تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه أسلم متأثراً بسماعه القرآن. 11- ثبت أن عمر رضي الله عنه أعلن إسلامه على ملأ قريش وقاموا إليه يضربونه ويضربهم، بل لقد هموا بقتله حتى حماه ودافع عنه العاص ابن وائل السهمي. 12- وردت عدة روايات ضعيفة تشير أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد إسلام أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. 13- صح أن إسلام عمر رضي الله عنه كان فيه عزة للإسلام والمسلمين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يعز الإسلام به أو بأبي جهل. 14- ثبت أن عمر رضي الله عنه هاجر إلى المدينة هو وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل، وأنهم اتعدوا بمكان يعرف بالتناضب، وكانوا يخشون من حبس قريش لهم، فقالوا: أينا لم يصبح بذلك المكان فقد حبس، فليمض صاحباه. ولم يثبت أنه هاجر علانية، وأنه توعد من تبعه من قريش بالقتل. 15- صح أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه هاجر مع أبيه عمر رضي الله عنه وأمه، وأن عشرين راكباً من قرابة عمر رضي الله عنه وحلفائهم لحقوا بعمر رضي الله عنه مهاجرين. 16- صح أن عمر رضي الله عنه نزل بالمدينة بالعصبة من منازل الأوس.

17- صح أن عمر رضي الله عنه كان قوي الإيمان بالله عز وجل وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوة الإيمان وكماله، وكان رضي الله عنه شديد الحذر من الشرك وأسبابه، شديد التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه. وكان كثير العبادة لله عز وجل والتقرب إليه بنوافل العبادات من صلاة وصيام وإنفاق وغير ذلك. 18- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان واسع العلم عظيم الفقه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وشهد له بذلك كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه من أصحاب الفتوى من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. 19- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان قوي الفراسة صادق الحدس، جيد القيافة. 20- كان عمر رضي الله عنه شديد الرقابة والملاحظة والعناية بأهل بيته وأسرته، مقيماً فيهم أوامر الله عز وجل، ونواهيه قبل إقامتها على رعيته، وكان مع ذلك عطوفاً ورحيماً بهم، كما دلت على ذلك النصوص الثابتة. 21- ورد من طريق ثابتة أن منزل عمر رضي الله عنه كان بالمدينة في منطقة عوالي المدينة، وأنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أهل التاريخ أن عمر رضي الله عنه كانت له دار بغرب المسجد النبوي الشريف حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وصارت بعد ذلك داراً للقضاء.

22- صح أن عمر رضي الله عنه عمل بالتجارة بعد قدومه المدينة وأنّه عمل بها أيضاً بعد تولِّيه خلافة المسلمين. 23- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في طعامه وشرابه وأنه كان يأكل التمر بحشفه، وكان رضي الله عنه يأكل الجراد ويأكل الثفل وهو الدقيق والسويق، وربما أكل اللحم الطري. وثبت أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام. وكان يشرب النبيذ. 24- ثبت أن قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه عرضوا عليه أن يرفق بنفسه ويأكل أطايب الطعام، فأخبرهم رضي الله عنه أنه يخشى إن فعل ذلك أن يكون ممن عجلت لهم طيباتهم وأن لا يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. 25- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في لباسه يلبس القميص المرقع، وكان يلبس الإزار، وربما انخرق فرقعه، وكان رضي الله عنه يلبس الثوب القطني يوم الجمعة، وفي الأعياد، ولم يلبس رضي الله عنه الثياب التي خالطها الحرير. وكان رضي الله عنه نظيفاً في ملبسه وهيئته. 26- ثبت أن بعض أصحاب عمر رضي الله عنه طلب منه رضي الله عنه أن يلبس ألين من ثيابه، فلامه عمر رضي الله عنه وعاتبه.

27- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يغتسل ويتنظف بالماء الحار، وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء أو بالحناء والكتم، وجاء في رواية حسنة أنه كان لا يغير شيبه ولعل ذلك كان أولاً، ثم خضب رضي الله عنه، ولم يثبت أنه خضب بالزعفران. 28- ثبت أن عمر رضي الله عنه تختم بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت تختمه بغيره. 29- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان ينام بعد العشاء، ويضع بجواره إناء فيه ماء، فإذا استيقظ لصلاته من الليل وضع يده في ذلك الإناء ومسح وجهه، وأنه رضي الله عنه كان ينام نوم القيلولة. 30- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يركب البعير، وكان يعتني بدابته وينظفها ويداويها بنفسه، وركب عمر رضي الله عنه البرذون لما قدم الشام فهزه وتمايل به، فنزل عنه وعابه. 31- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له سيف محلى، كان ابنه عبد الله يحمله بعد مقتل أبيه رضي الله عنهما. 32- ثبت لعمر رضي الله عنه من الصفات الخُلقية أنه كان صارماً في الحق شديد الغيرة على محارم الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رجّاعاً للحق سريع الإنابة إليه إذا تبين له، وكان يحب الذكر

والوعظ، ومجالس قراءة القرآن، وكان رضي الله عنه شديد الخشية لله شديد الخوف من عقابه، يحقر أعماله، ويرجو ثواب الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رقيق القلب، سريع البكاء من خشية الله عز وجل، شديد الورع والبعد عن الحرام، زاهداً في الدنيا كثير البعد عن زخارفها، وملذاتها، وكان صابراً مصابراً جواداً كثير الإنفاق في سبيل الله، يكرم أضيافه ورعيته. وكان رضي الله عنه شجاعاً مغواراً، وكان يمتلك شخصية مهيبة يهابه أصحابه وتهابه رعيته. وكان متواضعاً شديد التواضع والتذلل لله عز وجل يفر من الكبر ويبغضه ويحقر نفسه ويذلها في ذات الله عز وجل، وكان مع ذلك قوي النفس بعيداً عن الخور والضعف والتماوت، وكان مرح النفس سهل الخلق يمازح أصحابه ويلاطفهم. 33- من فضائل عمر رضي الله عنه الثابتة بالأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة محبة الله عز وجل له ونزول القرآن موافقاً لأقواله وآرائه وتبشير الله عز وجل له بالجنة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمر رضي الله عنه ويجله ويوقره ويوافقه في أقواله وآرائه، وشهد له صلى الله عليه وسلم بصدق الإيمان والبراءة من النفاق وفرار

الشيطان منه، وبسعة علمه وصحته وفقهه، وحث على الاقتداء به والأخذ بسنته رضي الله عنه وأرضاه، وأبعد من جفاه وقلاه. 34- ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا لعمر رضي الله عنه قدره ومنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد له كبار الصحابة بالفضل مثل علي بن أبي طالب الذي توعد من انتقصه وفضله عليه بالجلد. وعبد الله بن العباس وابنه عبد الله بن عمر، وابن مسعود، وأبو طلحة الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأم أيمن بركة الحبشية حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم. 35- كان عمر رضي الله عنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً أشد من حبه لنفسه وأهله وماله، ويجله ويوقره ويهابه، وكان عظيم الرحمة والرأفة بالنبي صلى الله عليه وسلم يدافع عنه وينافح عن مقامه. وهذا ثابت بالآثار الصحيحة. 36- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال جليلة ومواقف محمودة، فقد كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ صلى الله عليه وسلم برأيه ومشورته وكان خازناً للنبي صلى الله عليه وسلم وأميناً على المال، وكان رضي الله عنه من جباة الزكاة، وعمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة. 37- ثبت أن عمر رضي الله عنه شارك النبي صلى الله عليه وسلم في جميع مغازيه التي قاتل فيها المشركين، وكانت له فيها مواقف مشهودة.

38- كان عمر رضي الله عنه يوقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه ويعرف له فضله ومنزلته ويتوعد من يفضله عليه بالعقوبة دلت على ذلك الآثار الثابتة. 39- ثبت أن عمر رضي الله عنه كانت له مشاركات ومواقف هامة وعظيمة في خلافة أبي بكر، فلقد كان له الفضل بعد الله عز وجل في مبايعة المهاجرين والأنصار أبا بكر رضي الله عنه يوم السقيفة. وكان له الفضل بعد الله عز وجل في الإشارة على أبي بكر بجمع القرآن بعد موت القراء في موقعة اليمامة. 40- ورد بأسانيد يقوي بعضها بعضاً أن عمر رضي الله عنه تخلف عن جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه ليعاون أبا بكر الصديق رضي الله عنه في إدارة شئون الدولة الإسلامية والقضاء على فتنة الردة. 41- لم يرد من طرق ثابتة استعمال أبي بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه على القضاء، ووقوع ذلك أمر ممكن. 42- لم يثبت ما ورد عن عمر رضي الله عنه من مخاصمته خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتله مالك بن نويرة في موقعة البطاح، وتزوجه من امرأته، وما روي من إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بعزله عن قيادة جيوش المسلمين وإقادته من مالك بن نويرة.

ثانياً: النتائج المتعلقة بسياسة عمر رضي الله عنه في معاملة الرعية. 43- وردت عدة أحاديث صحيحة فيها إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بتولي أمر المسلمين من بعده أبي بكر ثم عمر، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً من بعده صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. 44- صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خلافة عمر رضي الله عنه وأثنى عليها وأشار إلى خلوها من الفتن، وإلى اتساع الدولة الإسلامية وكثرة الفتوحات فيها. 45- صح أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي استخلف عمر رضي الله عنه على المسلمين، وأن بعض المهاجرين لامه في استخلافه عمر لكونه فظاً غليظاً، فكيف لو استخلف على الناس، ولكن أبا بكر رضي الله عنه رد ذلك وبين أنه استخلف خير أهل الله عليهم. 46- ثبت أن الذي كتب عهد الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. 47- ثبت أن عمر رضي الله عنه بايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا، ولم يشترط على رعيته مبايعته شخصياً بل من بايع أميره فقد بايعه، وكان رضي الله عنه يحث رعيته على السمع والطاعة للخليفة والصبر على ما يلقون منه، وعدم شق عصا الطاعة عليه، ما دام قائماً بأمر الله عز وجل وبين رضي الله عنه أن صلاح الرعية واستقامتهم سبب لصلاح واليهم وحاكمهم.

48- صح أن عمر رضي الله عنه حث رعيته على بذل النصح له وتقويمه. 49- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الخشية والحذر والخوف من الله عز وجل من التفريط في حقوق رعيته وواجباتها دقيقة كانت أو جليلة. 50- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقوم بمراقبة رعيته وبتفقد أحوالها في المدينة بنفسه، وكان يتعرف على أحوال رعيته ويتفقد أوضاعها خارج المدينة ببعث من يقوم بهذه المهمة ويوافيه بأخبار الرعية وحاجاتها في الأمصار المختلفة، وكان يسأل من يقدم عليه من الأمصار عن أحوال المسلمين فيها، ويلبي حاجاتهم بل إنه رضي الله عنه عزم أن يأتي أمصار المسلمين بنفسه في كل عام ليقف على حوائجهم ويتعرف على أحوالهم. 51- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بجميع طبقات الرعية كبيرهم وصغيرهم شريفهم ووضيعهم، حرهم وعبدهم، ذكرهم وأنثاهم، حاضرهم وباديهم، مسلمهم وذميهم، وأعطى كل ذي حق حقه، وعرف له مكانته ومنزلته وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح والسابقة في الإسلام على غيرهم. 52- صح أن عمر رضي الله عنه كان يحب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم ويوقرهم، ويحب القرب منهم، ويدني مجلسهم بل ثبت أنه

وكان رضي الله عنه دائم التفكير والتخطيط في إعداد الجيوش وتجهيز المقاتلين، وإمداد الثغور بالجند، وربما أقلقه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم. 86 - وثبت أن عمر رضي الله عنه كان دائم التوجيه لجنده يرشدهم لآداب الجهاد وأصوله، فقد حثهم على الأخذ بمبدأ الشورى وحث المقاتلين على إخلاص النية لله عز وجل، والاعتماد عليه في استجلاب النصر، والصبر والثبات عند لقاء العدو، وعدم اليأس من روحه، والاستبسال في قتال العدو، والتقوى لمجاهدته بإعطاء البدن حقه من المأكل والمشرب والراحة. وبين رضي الله عنه أن انسحاب الجيش من مواجهة العدو عند الإحساس بالخطر المحدق والهلاك المحقق لا يعد فراراً من الزحف بل هو من التحيز إلى فئة. وحث رضي الله عنه دعوة المقاتلين من أهل الكتاب للإسلام أو الجزية أو القتال، وحث المقاتلين وقادتهم على عدم الغدر والنكث بالعهد، ونهى عن التمثيل بالقتلى، وقتل النساء والشيوخ والصبيان، والغلول من الغنيمة.

57- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يشترط في ولاته وقادته التقوى والصلاح والخبرة والحنكة السياسية، والرحمة والرأفة بالرعية، والزهد في الدنيا والرغبة عنها. 58- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يعزل ولاته إذا ثبت تقصيرهم في أمر الرعية، وربما عزلهم لشكوى الرعية لهم حتى ولو كانت تلك الشكوى غير عادلة، وذلك خوفاً من وقوع الخلاف والشقاق بين الولاة والرعية، وثبت أنه كان يعزل الوالي إذا بلغه عنه أمرٌ يكرهه، وربما عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي. 59- ثبت أن علاقة عمر رضي الله عنه بولاته كانت مبنية على السمع والطاعة له، ومساعدته ومعاونته في أعباء الخلافة، وثبت أنه كان يراقبهم ويلاحظ تعاملهم مع الرعية، وإعطاءها واجباتها وحقوقها، وكان يعاقب من ثبت تقصيره وتعديه، وكان يراقب مصادر أموالهم ويقاسمهم إياها إذا ارتاب في أمرها. 60- ثبت أن عمر رضي الله عنه أوضح أن من حقوق الولاة على الرعية السمع والطاعة لهم فيما أمر الله، وأن حقوق الرعية على الولاة إقامة العدل بينهم، ونشر العلم فيهم، وإعطاؤهم حقوقهم، والتعرف على حوائجهم، ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة وعدم الترفع على الرعية والاستئثار عليهم.

61- ثبت أن ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية كانوا في الغالب الأكثر قادة عسكريين، قادوا الفتوح في بلاد فارس والروم. 62- صح أن عمر رضي الله عنه هو أول من اتخذ القضاة لمعاونته على أمور القضاء والنظر في القضايا المختلفة بعد أن اتسعت دولة الخلافة، وكثر رعاياها. 63- ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضاء والقضاة عناية عظيمة وكان يحذر القضاة من الجور في الحكم ويحثهم على تحري العدل والحق، وثبت أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً في كيفية القضاء وآدابه، وحثه على العمل به، وكتب كذلك إلى شريح القاضي كتاباً مختصراً في كيفية القضاء، وكانت تلك الكتب مصدراً هاماً في آداب القاضي وكيفية القضاء للعصور اللاحقة. 64- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الاهتمام بمصادر التشريع الكتاب والسنة وعلى سلامتها من الزيادة والتحريف والتبديل، فقد أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد مقتل القراء بموقعة اليمامة خشية ضياعه ونسيانه، وكان إذا سمع قراءة من أصحابه تخالف ما يقرأه وما تعارف عليه القراء منعه من ذلك حتى يتثبت من صحة تلك القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

67- ثبت أن عمر رضي الله عنه نهى رعيته عن مشابهة الكفار في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعن محبتهم ومودتهم ومعاشرتهم. 68- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على إقامة رعيته شعائر الدين في أنحاء الدولة الإسلامية إقامة صحيحة على وفق ما شرعه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فاهتم رضي الله عنه بإقامة الصلاة والتهيؤ لها، واعتنى بالأئمة والمؤذنين وبتحديد أوقات الصلاة وبالمساجد. واهتم رضي الله عنه بالصيام وأدائه في أوقاته المشروعة، وحرص على إحياء شهر رمضان وقيامه، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين وكان مع ذلك يفضل صلاة آخر الليل على أوله. واعتنى رضي الله عنه بالحج وأدائه وحث رعيته على ذلك، وثبت أنه رضي الله عنه حد ذات عرق ميقاتاً لأهل العراق. 69- ثبت أن عمر رضي الله عنه حرص على نشر العلم بين الرعية وخاصة العلم الشرعي والفقه في الدين وقراءة القرآن وتعلم العربية وقواعدها.

وأذن رضي الله عنه في تعلم أخبار الأمم السابقة وقصصهم وأخذ العبر منها، وكره الإكثار من تعلم الشعر والنظر فيه، والانشغال به عما سواه. 70- ثبت أنه رضي الله عنه بعث إلى أهل الأمصار خيار الصحابة وفقهاءهم لتفقيه أهل الأمصار. 71- ثبت أن عمر رضي الله عنه حث طلبة العلم والعلماء على التحلي بآداب العلم والتخلق بأخلاقه. 72- ثبت أنه رضي الله عنه حرص على الاهتمام بالفتوى والتحري فيها وعدم التسرع في إصدارها وكره اختلاف العلماء في المسائل. 73- ثبت أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التاريخ الهجري. 74- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على تخلق رعيته بالأخلاق الفاضلة والحسنة وكان يحثهم على ذلك، ويحذرهم من الأخلاق السيئة، وبين رضي الله عنه أن حسن الخلق من مقاييس التفاضل بين الخلق. 75- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على محاربة أسباب انتشار الرذيلة والفاحشة بين الرعية، وعمل على القضاء عليها وتحذير الرعية منها. 76- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على الحد من ارتكاب المعاصي واقتراف المآثم بين الرعية، وعامل العصاة بتقديم النصح لهم وأخذهم باللين والرحمة والستر عليهم حتى يرجعوا إلى الحق، ولكنه رضي الله عنه عاقب من طغى منهم وتجاوز شره إلى غيره.

وأقام عمر رضي الله عنه الحدود بأنواعها على من استوجبها من العصاة على القريب والبعيد، والشريف والوضيع، والذكر والأنثى. 77- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الاجتماعية فاعتنى بالأسرة ابتداءً من الزوجين فحرص على إفشاء النكاح بالطرق الشرعية، وحارب الأنكحة الفاسدة، وعاقب من عمل بها، وحث على نكاح المسلمات العفيفات وترك من سواهن، وحث على تيسير المهور، وعدم المغالاة فيها، وعمل رضي الله عنه على استمرار العشرة الزوجية الطيبة بين الزوجين، وحرص رضي الله عنه على استمرار العلاقة الحسنة بين الأبناء ووالديهم، وعلى تقوية أواصر الأخوة والمودة بين أفراد المجتمع. 78- ثبت أن عمر رضي الله عنه حض على الاهتمام بالأنساب واعتنى بها، وحذر رضي الله عنه بل وعاقب من تعالى بنسبه وتفاخر به واحتقر الآخرين. وحرص رضي الله عنه على تسمي رعيته بالأسماء الحسنة. 79- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالحياة المعيشية للرعية فحثهم على الاهتمام بالكسب والعمل على طلب الرزق من وجوهه المشروعة، وبين أن ذلك لا ينافي الزهد في الدنيا والعمل للآخرة، واعتنى عمر رضي الله عنه بالمطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمراكب أن تكون مما أباحه الله عز وجل.

80- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الصحية لرعيته فحرص رضي الله عنه على خلوهم من الأوبئة والأمراض وعدم تعريضهم لها حفاظاً على قدراتهم البشرية، حث رضي الله عنه المرضى على تقديم الوقاية على العلاج بقدر الإمكان، وعلى تناول العلاج إن اضطروا إلى ذلك، وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الأطباء للمرضى لمعاينتهم، وحث عمر رضي الله عنه رعيته على إعطاء أبدانهم حقها من الدعة والراحة حتى لا تكون عرضة للإعياء والمرض. فحث على النوم بعد العشاء، وعلى نوم القيلولة. 81- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالعبيد وأولاهم الرعاية ورفع من شأنهم وقدرهم، وأوصى بهم خيراً، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم، وعدم إهانتهم واحتقارهم. وحث رضي الله عنه على إعتاق العبيد وفك رقابهم وكان يكره جلب العلوج إلى المدينة وخاصة من بقي منهم على دينه. 82- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالإماء وأنصفهن ممن ظلمهن، وحث على إعتاقهن وقضى بعتق أمهات الأولاد إذا مات أسيادهن، وأنهن لا يوهبن ولا يبعن، وخاصة المسلمات منهن. ونهى عمر رضي الله عنه الإماء من التشبه بالحرائر لما يترتب على ذلك من الغرر والغش.

83- ثبت أن عمر رضي الله عنه اعتنى بأهل الذمة وأعطاهم حقوقهم وأوصى بعدم تكليفهم فوق طاقتهم، وحرص رضي الله عنه على دعوتهم للإسلام. 84- ثبت أن عمر رضي الله عنه صالح نصارى الشام على الشروط التي عرفت بالشروط العمرية، وعامل رضي الله عنه المجوس معاملة أهل الكتاب، وكان رضي الله عنه شديد الصرامة والحزم مع من نكث عهده من الكتابيين. 85- ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضايا الجهادية عناية فائقة فعمل على إعداد الجند وتهيئتهم عسكرياً فحث رضي الله عنه على تعلم الغلمان العوم والسباحة، وعلى تعلم المقاتلة الرمي وحث على تعلم رمي الأغراض، وحث على تعلم ركوب الخيل والنزو عليها، وحث على عدم التنعم في المآكل والمشارب والألبسة. واعتنى رضي الله عنه بجنده وكان يواسيهم ويتواضع لهم ويعطيهم حقوقهم ويأمر بعدم حبس الجيوش فوق ستة أشهر. ونهى قادته عن الإقدام بالجند على المهالك والمخاطر، والتفريط بهم وتضييعهم، وعاقب من فعل ذلك، وكان رضي الله عنه يكرم جنده ويشيد بهم، وخاصة أهل البلاء منهم. واهتم رضي الله عنه بإعداد العدة، فأعد الخيل للمقاتلة.

وفاة عمر رضي الله عنه: 87- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يتمنى الاستشهاد في سبيل الله (والموت في بلدة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه الله عز وجل أمنيته. 88- ثبت أن عمر رضي الله عنه رأى قبل موته كأن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فأول ذلك بدنو أجله. 89- ثبت أن عمر رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن كبر واستفتح صلاة الفجر بسكين ذي طرفين، وطعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ظن أنه قد أُخذ، ولما علم عمر رضي الله عنه بقاتله قال رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا الله وعرض عمر رضي الله عنه نفسه على الأطباء فنظروا إلى جرحه وأخبروه بأنه ميت، فقال عمر للطبيب: صدقتني، ولو قلت غير ذلك كذبتك. ونهى عمر رضي الله عنه أهله وأصحابه من البكاء عليه. 90- ثبت أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يستخلف عليهم خليفة، فلم يستخلف أحداً، ولكنه رشح لهم ستة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راضٍ عنهم: عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ.

91- ثبت أن عمر رضي الله عنه أوصى ابنه عبد الله بسداد دينه وكان مقداره ستةً وثمانين ألفاً أو نحوها من ماله، فإن لم يوف فيسأل بني عدي، فإن لم تف فيسأل قريشاً، ولا يتعداهم إلى غيرهم. 92- ثبت أن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يدفن في حجرتها بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له. 93- ثبت أن عمر رضي الله عنه طعن وتوفي في أواخر شهر ذي الحجة من العام الثالث والعشرين من الهجرة. 94- ثبت أن عمر رضي الله عنه غسل وكفن، وصلى عليه صهيب الرومي رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخل حجرة عائشة رضي الله عنها ودفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عمره رضي الله عنه يوم وفاته ثلاثة وستين عاماً. هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع - آثار المدينة المنورة لعبد لقدوس الأنصاري. المكتبة العلمية التجارية بالمدينة، ط/ الرابعة 1406هـ. - الآحاد والمثاني لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني. تحقيق: باسم الجوابرة. دار الراية. الرياض. ط/الأولى. 1411هـ - 1991م. - الآداب. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية. بيروت. 1406هـ. - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة. لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني البوصيري. (مخطوط) نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة عن الأصل المحفوظ بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (232، 243) . - إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة. للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر العسقلاني تحقيق الدكتور وصي الله محمّد عباس. الطبعة الأولى 1421هـ - 2001م.

- الأحاديث المختارة لضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي، دراسة وتحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة / الأولى 1410هـ مكتبة النهضة الحديثة، مكة. - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لأبي حاتم محمد بن حبان البستي: بترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي. قدم له وضبط نصه: كمال يوسف الحوت / دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ. - أخبار القضاة محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع. عالم الكتب. بيروت -أخبار المدينة النبوية لأبي زيد عمر بن شبة النميري البصري. تحقيق الشيخ عبد الله بن أحمد الدويش. الطبعة الأولى 1411هـ. دار العليان. - أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه لأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي. دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. مكة المكرمة. ط/الأولى 1407هـ. مكتبة ومطبعة النهضة الحديثية. -أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار. لأبي الوليد محمّد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق رشدي

الصالح. ط/ السابعة 1405هـ، دار الثقافة. -الإخوان. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد الرحمن الطوالبة، إشراف د. نجم عبد الرحمن خلف، دار الاعتصام. - أدب الإملاء والاستملاء لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني. دراسة وتحقيق أحمد محمد عبد الرحمن محمود. ط / الأولى. مطبعة المحمودية. - الأدب المفرد. لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار البشائر الإسلامية. ط/ الثالثة / 1409هـ. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405هـ. - الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم الكبير محمد بن محمد بن أحمد. تحقيق: يوسف بن محمد الدخيل. مكتبة الغرباء الأثرية. المدينة المنورة. ط/الأولى: 1414هـ. - أسباب النّزول لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي. تحقيق السيد أحمد صقر. ط/

الثالثة 1407هـ. مؤسسة علوم القرآن. - الاستيعاب في أسماء الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق علي معوض وعادل عبد الجواد. ط/ الأولى 1415هـ. دار الكتب العلمية. - أسد الغابة لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير الشيباني. دار إحياء التراث العربي لبنان. - الأشراف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى. مكتبة الرشد الرياض. - الأشربة لأحمد بن محمد بن حنبل. حققه صبحي الجاسم. مطبعة العاني. بغداد. - الشريعة لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري. تحقيق محمد حامد الفقي. مكتبة دار السلام. ط/ الأولى 1413هـ. - الإصابة في تمييز الصحابة لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار صادر. مطبعة السعادة. ط/ الأولى.

- أضواء على التاريخ الإسلامي. لفتحي عثمان. دار العروبة. القاهرة. - أطلس تاريخ الإسلام. د. حسين مؤنس. الزهراء للإعلام العربي. ط/ الأولى 1407هـ. - الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي. ضبطه أحمد عبد الشافي. ط/ الثانية 1411هـ. دار الكتب العلمية. - الأعلام لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين. لبنان ط/الثامنة 1989م. - إعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. راجعه طه عبد الرؤوف. دار الجيل. - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. إخراج فرانز روزنثال. ترجمة د صالح أحمد العلي. ط/ الأولى 1407هـ. مؤسسة الرسالة. - الأغاني لأبي الفرج على بن الحسين الأصفهاني/ إعداد مكتب. تحقيق إحياء التراث العربي. ط/ الأولى 1415هـ. وأيضاً ط/ دار الكتب المصرية ط/ الأولى 1357هـ.

- اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. مطبعة المجد. - الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد الهمداني. تحقيق محب الدين الخطيب ط/1368هـ. الطبعة السلفية ومكتباتها - القاهرة. - الأم. لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. أشرف على تصحيحه محمد زهري النجار. دار المعرفة. لبنان. - الأمالي للحسن بن محمد الخلال. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1411هـ. دار الصحابة للتراث. - الأمالي. لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي الرياض. - الأمالي لأبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي. تحقيق د. إبراهيم القيسي. ط/ الأولى 1412هـ. دار ابن القيم. المكتبة الإسلامية. - الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. علي بن محمد بن ناصر فقيهي. مكتبة

العلوم والحكم. ط/ الأولى 1407هـ. - الأموال لحميد بن زنجوية. تحقيق الدكتور: شاكر ذيب فياض. ط/الأولى 1406هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض. - الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم الهروي. تحقيق: محمد خليل هراس. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1401هـ. - المحبر لأبي جعفر محمّد بن حبيب. دار الآفاق الجديدة. اعتنى بتصحيحه الدكتور إيلزه لبختن. - أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. تحقيق د. إحسان صدقي العمد. مؤسسة الشراع العربي ط/ الأولى 1409هـ. - الأوائل لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ. - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق الدكتور أبي حماد صغير

أحمد بن محمد حنيف. دار طيبة. ط/ الثانية 1414هـ. - أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق عادل جاسم البياتي. ط/ الأولى 1407هـ. عالم الكتب. مكتبة النهضة العربية. - الإيمان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي. تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. نشر وتوزيع دار الأرقم ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة. - الإيمان لمحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. دراسة وتحقيق محمد بن حمدي الجابري. ط/ الأولى 1407هـ. الدار السلفية الكويت. - البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي..تحقيق: مجموعة من الباحثين. دار الكتب العلمية. بيروت. ط / الأولى1405هـ. - البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي. تحقيق: محمد أحمد دهمان. دار البصائر ط/الثانية1400هـ. - البحر الزخار لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزار. تحقيق محفوظ

الرحمن زين الله. مؤسسة علوم القرآن. مكتبة العلوم والحكم. - البر والصلة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ابن الجوزي. تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض. ط/ الأولى 1413 هـ. مكتبة السنة. - البر والصلة لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. مطبوع مع كتاب المسند له. تحقيق د. مصطفى عثمان محمد. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1411هـ. - البعث والنشور لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق أحمد عامر حيدر. ط/ الأولى 1406هـ مركز الخدمات والأبحاث. - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث. لنور الدين علي بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق الدكتور: حسين أحمد الباكري. نشر مركز خدمة السنة النبوية والسيرة بالمدينة المنورة ط/الأولىعام 1413هـ. - البيان والتبيين لأبي عثمان بن بحر بن محبوب الجاحظ. قدم له د. علي أبو ملحم. دار مكتبة الهلال ط/ الأولى 1408هـ. - بيوت الصحابة حول المسجد النبوي الشريف

لمحمد بن إلياس عبد الغني. ط/ الأولى 1407هـ مركز طيبة للطباعة. - التاريخ لأبي بكر أحمد بن زهير بن أبي خيثمة. مخطوط، نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية عن الأصل المحفوظ بمكتبة القرويين بالمغرب. - تاريخ ابن خلدون المسمى: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر. ط: 1399هـ. مؤسسة جمال للطباعة والنشر. - تاريخ أبي زرعة الدمشقي لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي. تحقيق: شكر الله بن نعمة الله القوجاني. - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي. ط/ الأولى 1407هـ. - تاريخ الأمم والملوك. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ. - تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية – لبنان.

- تاريخ خليفة بن خياط لخليفة بن خياط العصفري. تحقيق د. أكرم ضياء العمري. دار طيبة الرياض. ط/ الثانية 1405هـ. - تاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي. دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمرو. دار الفكر 1415هـ، وأيضاً الجزء الخاص بترجمة عمر بن الخطاب تحقيق سكنية الشهابي. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1414هـ. وأيضاً المخطوط نسخة المكتبة الظاهرية، فهرسة محمد بن رزق بن طرهوني. - التاريخ الصغير. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار المعرفة. لبنان. - تاريخ الطبري = تاريخ الأمم. - تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. قدم له وعلق عليه أسامة بن عبد الكريم الرفاعي. دار إحياء علوم الدين. دمشق. - تاريخ فتوح الشام لمحمد بن عبد الله الأزدي. تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر. مؤسسة سجل العرب.

- تاريخ قريش لحسين مؤنس. ط/ الأولى 1408هـ. الدار السعودية للنشر والتوزيع. - التاريخ الكبير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تصحيح وتعليق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. دار الكتب العلمية. بيروت. - تاريخ المدينة لعمر بن شبة = أخبار المدينة - تاريخ معالم المدينة قديماً وحديثاً لأحمد بن ياسين الخياري. ط/الرابعة 1414هـ. مطابع مؤسسة المدينة للصحافة. دار العلم بجدة. - تاريخ واسط لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي بحشل. تحقيق كوركيس عواد. عالم الكتب. - تاريخ ولاة مصر وقضاتها لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي المصري. مؤسسة الكتب الثقافية. ط/ الأولى 1408هـ. - التاريخ عن يحيى بن معين. ليحيى بن معين بن عون المري الغطفاني. رواية عباس بن محمد الدوري. دراسة وترتيب وتحقيق د. أحمد بن محمد نور سيف ط/ الأولى 1399هـ. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.

جامعة الملك عبد العزيز. مكة المكرمة. - تاريخ يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز = معرفة الرجال. - تاريخ اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن واضح. دار صادر. - التبيين في أنساب القرشيين لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. تحقيق وتعليق محمد نايف الديلمي. مكتبة النهضة العربية ط/ الثانية 1408هـ - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبي العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. ضبطه وراجع أصوله عبد الرحمن بن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ط/ الثانية 1385هـ. - تخريج الدلالات السمعية لعلي بن محمد بن سعود الخزاعي. تحقيق د. إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي. ط/ الأولى 1405هـ. - تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. دار الفكر العربي. لبنان. - تصحيفات المحدثين

لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري. دراسة وتحقيق محمود أحمد ميرة ط/ الأولى. المطبعة العربية الحديثة. القاهرة. - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب العربي - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق الدكتور: عبد الغفار سليمان البنداري والأستاذ: محمد أحمد عبد العزيز. دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى1405هـ. - تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولى1406هـ. - تغليق التعليق على صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دراسة وتحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزقي. المكتب الإسلامي. بيروت ودار عمار. الأردن ط/الأولى1405هـ. - تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم. - تفسير البغوي = معالم التنزيل. - تفسير سفيان الثوري لسفيان بن سعيد الثوري. راجعه لجنة من العلماء بإشراف الناشر دار

الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى1403هـ. - تفسير الطبري= جامع البيان. - تفسير القرآن لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق د. مصطفى مسلم محمد ط/ الأولى 1410هـ. مكتبة الرشد. الرياض. - تفسير القرآن العظيم لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي. دار التراث. القاهرة. مكتبة الدعوة الإسلامية. - تقريب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي. قدم له وقابله محمد عوامة. ط/ الرابعة 1412هـ. دار الرشد ودار القلم. - تقييد العلم لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: يوسف العش. دار إحياء السنة النبوية. ط/الثانية عام: 1974م. - التمهيد لمافي الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق: مجموعة من العلماء. - التنكيل لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني

ومحمد عبد الرزاق حمزة. دار الكتب السلفية. - تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآثار لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. تخريج محمود محمد شاكر. - تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ط/ الأولى 1325هـ. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية. حيد آباد الدكن. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط/الثانية 1403هـ. - التواضع والخمول لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط/ الأولى 1409هـ. دار الكتب العلمية. - التوكل لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق جاسم الفهيد الدوسري. ط/ الأولى 1404هـ. دار الأرقم. الكويت. - الثقات لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. طبع دائرة المعارف العثمانية. بحيدر آباد. بالهند. ط/الأولى1402هـ.

- جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري. دار الباز للنشر والتوزيع 1398هـ. دار الكتب العلمية. - جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. ط/ الأولى1412هـ. دار الكتب العلمية. - جامع التحصيل في أحكام المراسيل لصلاح الدين أبي سعيد خليل العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. ط/ الثانية 1407هـ. عالم الكتب. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق د. محمود الطحان. مكتبة المعارف 1403هـ. - الجرح والتعديل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الرازي. ط/ الأولى. دائرة المعارف العثمانية. الهند، تصوير: دار إحياء التراث العربي. بيروت. - جزء ابن ديزيل تحقيق وتخريج: عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم البخاري. ط/ الأولى. مكتبة البخاري.

- جزء الحسن بن الأشيب لأبي علي الحسن بن موسى الأشيب. تحقيق: أبي ياسر خالد بن قاسم الردادي. دار علوم الحديث. الإمارات العربية. ط/الأولى1410هـ - جزء الحسن بن عرفة تحقيق وتعليق وتخريج عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة دار الأقصى. الكويت. ط/ الأولى 1406هـ. - جزء أبي مسهر لعبد الأعلى بن مسهر. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. دار الصحابة للتراث. ط/ الأولى 1410 هـ. - جزء محمد بن عاصم الثقفي الأصبهانيتحقيق وتخريج: مفيد خالد عيد. دار العاصمة. الرياض. ط/ الأولى 1409هـ. - جمهرة النسب لأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي. رواية السكري عن ابن حبيب. تحقيق د. ناجي حسن ط/ الأولى 1407هـ. عالم الكتب. - جمهرة النسب. لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق: عبد السلام هارون. دار المعارف. ط/ الرابعة. - الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة.

لأبي القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بقوام السنة الأصبهاني. تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي. دار الراية. الرياض. ط/الأولى عام: 1411هـ. - حذف من نسب قريش لمؤرج بن عمر السدوسي. تحقيق صلاح الدين المنجد. دار الكتاب العربي الجديد. بيروت ط/ الثانية. - الحلم لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. دار الكتب العلمية. - الخراج لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم. نشره قصي محب الدين الخطيب ط/ الخامسة 1396هـ. المطبعة السلفية. - خطط البصرة ومنطقتها. للدكتور صالح أحمد العلي. مطبعة المجمع العلمي العراقي 1406هـ. - دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات البوطي، لمحمد بن ناصر الدين الألباني. نشر مجلة التمدن الإسلامي بدمشق.

طبع ضمن مجموعة رسائل. - دلائل النبوة لأحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس. دار النفائس. ط/ الثانية 1406هـ. - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. - لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. توثيق وتخريج /عبد المعطي قلعجي. دار الريان للتراث. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى1408 هـ. - ديوان الحطيئة/ شرح أبي سعيد السكري. دار صادر - بيروت 1401هـ. - ديوان النابغة الذبياني. صنعه ابن السكيت. تحقيق شكري فيصل. ط/ مطابع دار الهاشم/ بيروت. - ديوان حاتم الطائي. شرحه وقدّم له أحمد رشاد. ط/ دار الكتب العلمية بيروت. ط/ الأولى 1406هـ. - ذم الدنيا لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق السيد إبراهيم. مكتبة الساعي.

- ذم المسكر لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1409هـ. دار الراية. - الرقة لموفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. حققه وعلق عليه: مسعد بن عبد الحميد السعدني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1414هـ. - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام. لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسين السهيلي. قدم له: طه عبد الروؤف سعد. دار المعرفة. - الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري. حققه إحسان عباس. مكتبة لبنان. ط/ الثانية 1984م. - روضة العقلاء ونزهة الفضلاء. لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. تحقيق وتصحيح محمد حامد الفقي. مطبعة السنة المحمدية. - الزهد لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. تحقيق د. عبد العلي عبد الحميد. الدار السلفية. بومباي. ط/الأولى 1403هـ.

- الزهد لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. دار الريان. ط / الأولى 1408هـ. - الزهد لعبد الله بن المبارك المروزي. حققه حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية. - الزهد الكبير لأحمد بن الحسين البيهقي تحقيق وتخريج عامر أحمد حيدر. ط/ الأولى 1408هـ. دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية. - الزهد لوكيع بن الجراح. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. ط/ الأولى. مكتبة الدار بالمدينة المنورة. - الزهد لهناد بن السري. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ط/ الأولى 1406هـ. - الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن محمد بن زياد ابن الأعرابي. تحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1408هـ. مكتبة الصحابة. - سلسلة الأحاديث الصحيحة

لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. ط/ الرابعة 1405هـ. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الدين الألباني. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1408هـ. - السنة ومكانتها في الشرع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي. ط/ الثالثة 1402هـ. المكتب الإسلامي. - السنن لمحمد بن إدريس الشافعي. تحقيق وتخريج د. خليل إبراهيم ملا خاطر. مؤسسة علوم القرآن. ط/ الأولى 1409هـ. - سنن ابن ماجه لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني. حققه محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. - سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. راجعه محمد محيي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. - سنن الترمذي وهو الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. حققه وصححه عبد الوهاب عبد اللطيف. دار الفكر. ط/ الثانية 1398هـ. - سنن الدارقطني.

لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني. وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. دار المحاسن للطباعة. عني بتصحيحه عبد الله هاشم يماني. - سنن الدارمي لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي. دار الكتب العلمية. طبع بعناية محمد أحمد دهمان. نشر دار إحياء السنة النبوية. - سنن سعيد بن منصور لسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1414هـ. وأيضاً بتحقيق د. سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد. دار الصميعي. الرياض. ط/الأولى1414هـ. - السنن الصغرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. تخريج وتعليق د. عبد المعطي أمين قلعجي. ط/ الأولى 1410هـ. منشورات جامعة الدراسات الإسلامية. كراتشي - باكستان. - السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. في ذيله الجوهر النقي. دار المعرفة. لبنان. مكتبة المعارف. الرياض. - السنن الكبرى

لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن. دار الكتب العلمية. بيروت ط/ الأولى 1411هـ. - سنن النسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية السندي - دار الفكر ط/ الأولى 1348هـ. - السنة. لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال. دراسة وتحقيق د. عطية الزهراني. دار الراية. الرياض. ط/الأولى1410هـ. - السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل. تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول - دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ. - السنة لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني. ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405هـ. - السير لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري. دارسة وتحقيق د. فاروق حماده. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1408هـ

- سير أعلام النبلاء. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت ط/الرابعة1406هـ - 1986م. - السيرة النبوية لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. تحقيق مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة 1403هـ. - السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام الحميري النحوي. مع شرح أبي ذر الخشني. تحقيق د. همام عبد الرحيم سعيد ومحمد عبد الله أبو صعيلك. ط/ الأولى 1409هـ. مكتبة المنار. وأيضاً بتحقيق مصطفى السقا. دار إبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي. دار/ الثالثة 1375هـ. مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. - السيرة النبوية الصّحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري. 1412هـ. مكتبة العلوم والحكم. - السيرة النّبويّة في ضوء المصادر الأصليّة. للدكتور مهدي رزق الله. ط/ الأولى 1412هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة. - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة

لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي. تحقيق د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي. ط/ الثالثة 1415هـ. دار طيبة للنشر والتوزيع. الرياض. - شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي. - شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين. ط/الثالثة 1405هـ. مؤسسة الرسالة. مكتبة الرشد. - شرح معاني الأثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الثانية 1407هـ. - شرف أصحاب الحديث لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق الدكتور: محمد سعيد خطيب أوغلي. دار إحياء السنة النبوية، كلية الإلهيات جامعة أنقرة. - شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: أبي هاجر محمد السعيدبن بسيوني زغلول. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.

ط/الأولى1410هـ وأيضاً بتحقيق عبد العلي بن عبد الحميد حامد باسم (الجامع لشعب الإيمان) الدار السلفية بومباي، الهند ط/ الأولى 1406هـ. - شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام. تأليف الإمام أبي الطيب تقي الدين محمّد بن أحمد القاسي. حققه د/ عمر تدمري 1405هـ. دار الكتاب العربي. - صحيح ابن حبان = الإحسان بترتيب. - صحيح الأدب المفرد لمحمد ناصر الدين الألباني. ط/ الأولى 1414هـ دار الصديق الجبيل. - صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وأولاده. - صحيح سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. بيروت. ط/الثالثة عام: 1408هـ. المكتب الإسلامي. - صحيح سنن أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. ط/ الأولى 1409هـ

- صحيح سنن الترمذي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1408هـ. - صحيح سنن النسائي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1409هـ. المكتب الإسلامي. - صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. بحاشيته شرح محي الدين النووي. المطبعة المصرية ومكتباتها. - صريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. حققه بدر بن يوسف المعتوق ط/ الأولى 1405هـ. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي. - الصمت وآداب اللسان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق د. محمد أحمد عاشور. دار الاعتصام. ط/ الثانية 1408هـ. الضعفاء الكبير لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار الكتب العلمية. بيروت ط/الأولى عام: 1404هـ. - ضعيف سنن أبي داود

لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. إشراف زهير الشاويش بيروت. ط/الأولى1412هـ. - ضعيف سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي. بيروت. ط/ الأولى1408هـ - ضعيف سنن الترمذي لمحمد اصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي ط/ الأولى 1411هـ. - طبقات الشعراء لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. تحقيق مفيد قميحة ط/ الأولى 1401هـ. دار الكتب العلمية بيروت. - طبقات فحول الشعراء. تأليف محمّد بن سلام الجمحي. شرح محمود بن محمّد شاكر. مطبعة المدني. - الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع البصري. دار صادر. بيروت. 1405هـ. - الطبقات الكبرى - الطبقة الخامس دراسة وتحقيق د. محمد بن صامل السلمي. نشر مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1414هـ.

- الطبقات الكبرى - الطبقة الرابعة تحقيق ودراسة د. عبد العزيز عبد الله السلومي. مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1416هـ. - الطريق إلى دمشق لأحمد عادل كمال. دار النفائس. ط/ الرابعة 1411هـ. - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. تأليف ابن قيم الجوزية. تحقيق محمّد حامد الفقي. ط/ مطبعة السنة المحمّديّة 1372هـ - 1395هـ. - الطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق ودراسة صالح محمد الفهد المزيد ط/ الثانية 1414هـ. مكتبة العلوم والحكم. - عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي. المطبعة المصرية بالأزهر. ط/ الأولى 1350هـ. - عبقرية عمر لعباس محمود العقاد. المكتبة العصرية. بيروت. - العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي. تحقيق مفيد محمد قميحة. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1404هـ. - العقل وفضله واليقين

لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي. الرياض. - على طريق الهجرة لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع. - العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني. تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي. دار طيبة الرياض. ط/الأولىعام 1405 هـ. - العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. نشر دار الأرقم. ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة. - العمدة في محاسن الشعر وآدابه. لأبي الحسن بن رشيق الأزدي. تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد. دار الجيل بيروت. ط/ الخامسة 1401هـ. - عمل اليوم والليلة لأبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني. حققه وخرج أحاديث أبو محمد عبد الرحمن كوثر البرني. دار القبلة للثقافة الإسلامية. جدة - العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي r للقاضي أبي بكر بن العربي 1405هـ. المكتبة العلمية.

- عون المعبود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي. ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة. ط/ الثانية 1389هـ. - العيال لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1410هـ. دار ابن القيم. - غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام لعز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمّد بن فهد الهاشمي القرشي. تحقيق فهيم محمّد شلوّت ط/ الأولى 1406هـ. مركز البحث التراث جامعة أم القرى. - غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد إبراهيم الخطابي البستي. تحقيق عبد الكريم إبراهيم بن إبراهيم العزباوي. مركز البحث العلمي وإحياء التراث. جامعة أم القرى 1403هـ. - غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي. ط/ الأولى 1406هـ. دار الكتب العلمية. - الغيبة والنميمة لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه

عمرو علي عمر. الدار السلفية بومباي. الهند. ط/ الأولى 1409هـ. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي - قابله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار الفكر. - فتح المغيث شرح ألفية الحديث لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. ط/ الأول1403هـ. دار الكتب العلمية. - فتوح البلدان لأبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. راجعه رضوان محمد رضوان. دار الكتب العلمية 1403هـ. - فتوح مصر وأخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. طبعة ليدن 1920م. مكتبة المثنى. بغداد. - الفروسية لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب. تحقيق مشهور ابن حسن سلمان. دار الأندلس. ط/ الأولى 1414هـ. - فضائل الأوقات. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دراسة وتحقيق عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي. ط/الأولى 1400هـ. مكتبة المنارة - مكة.

- فضائل بيت المقدس لضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي. تحقيق: محمد مطيع الحافظ. دار الفكر. ط/الأولىعام 1405هـ. - فضائل الصحابة لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل. حققه وخرج أحاديثه وصي الله محمد عباس. ط/ الأولى 1403هـ. جامعة أم القرى. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي. - فضائل الصحابة لخيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي. في مجموعة من حديث خيثمة ابن سليمان. دراسة وتحقيق عمر بن عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي. - فضائل الصديق لأبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العشاري. تحقيق وتخريج عمرو بن عبد المنعم. ط/ الأولى 1413هـ. دار الصحابة للتراث - طنطا. - الفوائد. لأبي عمرو بن منده. تخريج مسعد بن عبد الحميد السعدني. ط/ الأولى 1412هـ. دار الصحابة للتراث بطنطا. - الفوائد

لتمام بن محمد الرازي. حققه وخرج أحاديثه حمدي بن عبد المجيد السلفي. مكتبة الرشد. ط/ الأولى 1412هـ. - القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. دار الجيل. - القصاص والمذكرين لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. حققه وعلق عليه د. محمد بن لطفي الصباغ. المكتب الإسلامي. ط/ الثانية 1409هـ. - القضاء في عهد عمر بن الخطاب لناصر بن عقيل الطريفي. دار المدني. ط/ الأولى 1406هـ. - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. وحاشية لبرهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد سبط بن العجمي. قدم له محمد عوامة وخرج نصوصه أحمد محمد نمر الخطيب. دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن. ط/الأولىعام 1413هـ. - الكامل في التاريخ. لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير. راجعه مجموعة من العلماء. دار الكتاب العربي. ط/ الرابعة 1403هـ. - الكامل في ضعفاء الرجال

لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني. دار الفكر. ط/الثانية 1405هـ. - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي. تقديم وضبط كمال يوسف الحوت. مكتبة العلوم والحكم. ط/ الأولى 1409هـ. - كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. مؤسسة الرسالة. ط/الثانية 1404هـ. - الكفاية في أصول السماع والرواية. تأليف الحافظ الخطيب البغدادي. ط/ دار الكتب الحديثية. - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لأبي البركات محمد بن أحمد المشهور بابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي. دار المأمون للتراث. ط/الأولىعام 1401هـ. - لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري. مكتبة تحقيق التراث - دار إحياء التراث العربي. مؤسسة التاريخ العربي. ط/ الثالثة 1413هـ. - لسان الميزان لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب

الإسلامي. ط/الثانية. - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التيمي البستي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الوعي. ط/الأولى عام 1396هـ. - مجمع البحرين في زوائد المعجمين لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق ودراسة عبد القدوس بن محمد نذير. مكتبة الرشد. الرياض. ط/الأولىعام 1413هـ. - مجمع الزوائد ومنع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. مكتبة المعارف 1406هـ. - محاسبة النفس لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن. - المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق عبد الغفار البنداري. دار الفكر. - المحن لمحمد بن أحمد بن تميم التميمي. تحقيق يحيى وهيب الجبوري. ط/ الثانية 1408هـ. دار الغرب الإسلامي. - مختار الصحاح

لمحمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي. إخراج دائرة المعاجم في مكتبة لبنان. مكتبة لبنان 1986م. المختارة للضياء المقدسي. انظر: الأحاديث المختارة. - مختصر منهاج السنة لعبد الله الغنيمان. مكتبة الكوثر. دار الأرقم. ط/ الثانية 1412هـ. - المذكر والتذكير والذكر لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. تحقيق أبي ياسر خالد بن قاسم. ط/ الأولى 1413هـ. دار المنار. - مرويات العهد المكي. لعادل عبد الغفور. رسالة ماجستير بقسم السنة بكلّيّة الحديث. الجامعة الإٍسلاميّة، بالمدينة المنورة. - مسائل الإمام أحمد لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني. ط/ الثانية. الناشر. محمد أمين دمج. - مساوئ الأخلاق ومذمومها لأبي بكر محمد بن جعفر بن سهل السامري الخرائطي. تحقيق وتخريج مصطفى أبي النصر الشلبي. ط/الأولى1412هـ. مكتبة السوادي. جدة. - المستدرك على الصحيحين

لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. وفي ذيله تلخيص المستدرك للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. دار الفكر 1398هـ. - المسند لمحمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة بن أدهم. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن. القاهرة. - المسند لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني. دار الكتبي. - المسند لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. حققه وعلق عليه صبحي البدري السامرائي. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1407. - المسند. لأحمد بن حنبل الشيباني. المكتب الإسلامي. بيروت. ط/ الخامسة. 1405هـ. - المسند. إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي. تحقيق: الدكتور عبد الغفور البلوشي. مكتبة الإيمان. المدينة المنورة. ط/ الأولى 1412. - مسند ابن الجعد

لأبي الحسين علي بن الجعد الجوهري. تحقيق: الدكتور عبد المهدي بن عبد القادر. مكتبة الفلاح. الكويت. ط/الأولىعام 1405هـ. - مسند أبي يعلى لأحمد بن علي بن المثنى التميمي. حققه وخرج أحاديث حسين سليم أسد. دار المأمون. ط/ الأولى 1404هـ. - مسند البزار = البحر الزخار. - مسند الحميدي لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. عالم الكتب. بيروت. - مسند الشاشي لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي. تحقيق محفوظ الرحمن زين الله السلفي. ط/ الأولى 1410هـ. نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة. - مسند الشافعي لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1400هـ. - مسند الشهاب لأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي. حققه وخرج أحاديثه حمدي ابن عبد المجيد السلفي. ط/ الأولى 1405هـ. مؤسسة الرسالة. - مسند الطيالسي

لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري. مكتبة المعارف. دار المعرفة. - مسند عمر بن الخطاب لأبي يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت. تحقيق كمال يوسف الحوت. ط/ الأولى 1405هـ. مؤسسة الكتب الثقافية. - مسند الفاروق لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي. وثق أصوله وخرج أحاديثه د. عبد المعطي قلعجي ط/ الأولى 1411هـ. - مشكاة المصابيح. لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي بيروت. ط/الثالثة1405هـ - مشكل الآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي. ط/ الأولى. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد الدكن. 1333هـ. - المشيخة لإبراهيم بن طهمان. تحقيق د. محمد طاهر مالك. دمشق. 1403هـ. - المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ.

- المصباح المنير. تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيُّومي. مكتبة لبنان. - المصنف لأبي بكر بن أبي شيبة = الكتاب المصنف. - المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. توزيع المكتب الإسلامي. بيروت. ط/الثانيةعام 1403هـ. - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. (مخطوط) لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نسخة مصورة بمكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن الأصل المحفوظ بالمكتبة السلمانية. مكتبة مراد بخارى باستنبول برقم 83/2. - معالم التنزيل لمحي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي. حققه محمد بن عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان الحرش. دار طيبة للنشر والتوزيع 1411هـ. - المعجم لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي.تحقيق: الدكتور أحمد بن ميرين البلوشي. مكتبة الكوثر. الرياض. ط/الأولى عام 1412هـ. - معجم البلدان

لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي. دار صادر. بيروت. 1404هـ. - المعجم لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي. حققه حسين سليم أسد الداراني وعبده علي كوشك. دار المأمون للتراث. ط/ الأولى 1410هـ. - معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة. ط/ السادسة 1412هـ. - المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. ط/ الثانية. مكتبة ابن تيمية. القاهرة. - معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي والدكتور حامد صادق قني-ب-ي. ط/ الثانية 1408هـ. دار النفائس. - معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع. ط/الأولى 1402هـ. - المعجم الوسيط لمجموعة من العلماء. ط/ الثانية. مطابع دار المعارف بمصر. - معرفة الرجال

لأبي زكريا يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز. تحقيق محمد كامل القصار 1405هـ. - معرفة الصحابة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. تحقيق: محمد راضي بن حاج عثمان. مكتبة الدار بالمدينة، ومكتبة الحرمين بالرياض. ط/ الأولى عام1408هـ. وأيضاً النسخة المخطوطة وهي مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن الأصل المحفوظ بمكتبة أحمد الثالث بتركيا. - المعرفة والتاريخ لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي. تحقيق: الدكتورأكرم ضياء العمري. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولىعام 1410هـ. - معرفة السنن والآثار لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، مصور عن المكتبة الآصفية، حيدر أباد الدكن. - المعلقات العشر وأخبار شعرائها. جمع وتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي. ط/ دار الكتب العلمية. - المغانم المطابة في معالم طابة لمجد الدين أبي الطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزابادي. تحقيق/ حمد الجاسر. ط/ الأولى 1389هـ. منشورات دار اليمامة. - المغني لموفق الدين ابن قدامة. دار الفكر. ط/ الأولى 1404هـ.

- مقاييس نقد متون السنة. تأليف الدكتور سفر غرم الله الدميني ط/ الأولى 1404هـ. - مكارم الأخلاق لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن ابي الدنيا. تحقيق. محمد بن عبد القادر أحمد عطا. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1409هـ. - مكارم الأخلاق لأبي بكر محمد بن جعفر السامري الخرائطي. تحقيق سعاد سليمان إدريس ط/ الأولى 1411هـ. مطبعة المدني. - المنتخب من مسند عبد بن حميد لأبي محمد عبد بن حميد. تحقيق: صبحي السامرائي ومحمود الصعيدي. مكتبة السنة. ط/ الأولى 1408هـ. - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي. دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا. ط/ الأولى دار الكتب العلمية 1412هـ. - المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري. فهرسه وعلق عليه عبد الله بن عمر البارودي. ط/ الأولى 1408هـ. مؤسسة الكتب الثقافية.

- المنجد في اللغة والأعلام. دار المشرق. بيروت. ط/ الثامنة والعشرون. - المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ للدكتور محمد رشاد خليل. دار المنار. ط/ الأولى 1404هـ. - منهج النقد عند المحدّثين نشأته وتاريخه. تأليف د. محمّد مصطفى الأعظمي. ط/ المكتبة الكوثر. ط/ الثانية. - الموطأ. مالك بن أنس الأصبحي. تحقيق وتعليق د. بشار عواد ومحمود محمد خليل. ط/ الثانية 1413هـ. مؤسسة الرسالة. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق علي بن محمّد البجاوي. دار المعرفة. بيروت. - نسب قريش لأبي عبد الله مصعب بن عبيد الله الزبيري. عني بنشره: إ /ليفي بروفنسال. توزيع مكتبة ابن تيمية. ط/ الثالثة. دار المعارف. - النكت لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: الدكتورربيع هادي عمير المدخلي. ط/ الأولى1404هـ. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة.

- النهاية في غريب الحديث لمجد الدين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي. دار الفكر. ط/ الثانية 1399هـ. - الورع لأحمد بن محمد بن حنبل. تحقيق د. زينب إبراهيم القاروط. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1403هـ. - وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين علي بن أحمد السمهودي. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط/ الرابعة1404 هـ.

§1/1