دراسة موضوعية للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية

عبد الرحيم السلمي

دراسة موضوعية [1]

دراسة موضوعية [1] دين الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى للناس ديناً، والذي تكفل الله تعالى بحفظه دون سائر الأديان، والكتاب والسنة الصحيحة هما المصدران اللذان تؤخذ منهما جميع عقائد الإسلام وتشريعاته، فيجب على كل مكلف اتباعهما دون غيرهما، وأهل السنة والجماعة هي الفرقة الوحيدة التي التزمتهما علماً وعملاً واعتقاداً، فيجب لزوم عقيدة أهل السنة في سائر أمور الدين ونبذ ما سواها من آراء ومعتقدات الفرق الضالة المنحرفة عن هدي الكتاب والسنة.

أهمية الالتزام بالدين الإسلامي والاستقامة عليه

أهمية الالتزام بالدين الإسلامي والاستقامة عليه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا الدين الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة هو أصدق الأديان وأفضلها وآخرها، وقد جاء هذا الدين لصلاح الإنسان في نفسه وماله وحياته بأكملها، فإنه لا صلاح للإنسان ولا هداية له ولا طمأنينة ولا سعادة ولا سرور إلا بالالتزام بدين الله سبحانه وتعالى والاستقامة على هديه، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33]، فالهدى والدين الحق: هو العلم النافع والعمل الصالح، فسمى الاهتداء بهذا الدين هدى؛ لأن الإنسان في ضلال وفي عماية إلا إذا اهتدى بهذا الدين والتزم به، وقد سمى الله سبحانه وتعالى القرآن وما تضمنه من العقائد والمفاهيم بمجموعة أسماء، كل اسم من هذه الأسماء يدل على صفة من هذه الصفات، وكلها تدل على الثناء على هذا الدين، فسماه سبحانه وتعالى هدى، وسماه شفاء، وسماه روحاً؛ لأن الحياة الحقيقية موقوفة على هذا القرآن، وسماه أيضاً بأنه نور؛ لأن الإنسان في عماية وفي ضلال إلا إذا اهتدى بهذا القرآن وما جاء فيه من الأحكام والعقائد، ولهذا كل الأديان غير هذا الدين باطلة وفاسدة وغير مقبولة، وكل المناهج والفلسفات والآراء والمذاهب غير ما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي آراء ومذاهب وفلسفات باطلة ضالة، وهي ناتجة عن هوى متبع، سواء كان هذا الهوى في أصله دين، كما هو الحال في تفرق الأديان، أو كان هذا الهوى في قاعدة من قواعد هذا الدين كما هو حاصل في انحراف الفرق الضالة التي افترق إليها المسلمون، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر افتراق اليهود والنصارى قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (هي الجماعة) وفي بعض الروايات قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فهذا الحديث العظيم فيه دلالات كثيرة، منها: أن هذه الأمة لابد أن تفترق، وأن هذا الخلاف والافتراق الذي نشاهده لا ينبغي أن يحزن الإنسان وأن يشغله، بل لا ينبغي أن يتصور أن هذا الخلاف المحتدم بين هذه الأمة أنه علامة على ضياعها وعدم انتصارها وظهورها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذا أمر قدري، وأنه لابد من حصول هذا الاختلاف وهذا التفرق، لكنه في نفس الوقت بين صلى الله عليه وسلم المنهاج الذي يضبط الإنسان والذي ينجيه في الدنيا والآخرة، فقال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، يعني: من كان على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، وفي التعامل مع الكتاب والسنة، وفي السلوك، وفي الدعوة، وفي أي باب من أبواب هذا الدين.

تكفل الله بحفظ الدين الإسلامي عن بقية الأديان

تكفل الله بحفظ الدين الإسلامي عن بقية الأديان لقد تميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان بأنه محفوظ ولله الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، ولأنه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وهذا الدين محفوظ بعدة أمور: أولاً: بحفظ الكتاب والحكمة اللذين هما المصدر الأساسي لهذا الدين. والأمر الثاني: بحفظ أهل العلم لمناهج الاستدلال بهذا القرآن، وبهذه الحكمة التي هي السنة، وبما يتعلق بهذا القرآن من العقائد والآراء والمناهج. فهذه الأمة -ولله الحمد- متميزة عن غيرها من الأديان الأخرى، فاليهودية والنصرانية لم تحفظ كتبهم، وإنما تفرقت في أيدي الناس وأصبحوا يروونها، ولهذا عندما تقرأ ما يسمونه بالكتاب المقدس، سواء العهد الجديد أو العهد القديم، تجد أنها عبارة عن حكايات يحكونها، وليست هي من كلام الله عز وجل، ولا من كلام الرسل الذين بعثهم الله سواء موسى أو عيسى أو غيرهم من الرسل الذين أرسلهم الله إلى هاتين الأمتين، وإنما يقوم تلاميذ هؤلاء أو تلاميذ تلاميذهم بحكاية هذه الحكايات بدون أي إسناد وبدون أي برهان يقيني يدل على صحة هذه العقائد أو هذه الأفكار أو هذه الآراء الموجودة في ما يسمونه بالكتاب المقدس. إذاً: منهج هذه الأمة محفوظ، والاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ممكن حتى لو تأخر الزمان، وحتى لو نسق العالم عن نهايته كما يقولون. وللأسف الشديد أنك تجد كثيراً من الناس قد يدخل في نفسه شيء من الشك أو شيء من الشعور بأنه لا يمكن للإنسان أن يهتدي بالهدي الرباني المميز للعقيدة الصحيحة عن غيرها؛ بسبب البعد الشاسع في الزمان والتفرق في البلاد، وهذا لا شك أنه تصور فاسد، بل يجب على الإنسان أن يعتقد عقيدة جازمة بأن هذا الدين محفوظ إلى قيام الساعة، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) والظهور معناه: أنه يمكن للإنسان أن يعرفه؛ لأنهم ليسوا مستترين عن الأنظار أو مختفين أو أن عملهم وعقائدهم سرية لا يدركها أحد، وإنما هم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: (ظاهرين)، وفي بعض الألفاظ قال: (منصورة)، وفي بعض الألفاظ قال: (يقاتلون على دين الله عز وجل، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).

أدلة وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن البدعة

أدلة وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن البدعة هذه المقدمة الضرورية لها أدلة كثيرة جداً من الكتاب والسنة، ولهذا عقد العلماء في كتب العقائد أبواباً مستقلة في الترغيب في اتباع السنة والنهي عن البدعة، ويستدلون لذلك بعشرات النصوص القرآنية والنبوية، وآثار الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ومن بعدهم، في أهمية الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وبالسنة المطهرة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، ويقول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وقال أكثر من واحد من الصحابة ومن التابعين: (السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها غرق)، فاتباع السنة أمر لازم وضروري.

قضايا مهمة تتعلق بالكتاب والسنة

قضايا مهمة تتعلق بالكتاب والسنة

اتباع الكتاب والسنة بين الالتزام والادعاء

اتباع الكتاب والسنة بين الالتزام والادعاء من القضايا التي نحتاج أن نجليها وأن نوضحها خصوصاً في هذا الوقت الذي نعيشه الآن هي، أن اتباع الكتاب والسنة أصبح شعاراً عاماً تدعيه طوائف متعددة من الناس مختلفة في الآراء والمناهج والأفكار، وأصبحت كلمة اتباع الكتاب والسنة شعاراً غير مميز لكثير من الطوائف بعضها عن بعض، ولهذا لابد أن ندخل أكثر في العمق لنميز منهاج السلف الصالح ومنهاج أهل السنة والجماعة في تعاملهم مع الكتاب والسنة. هناك الكثير من الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين بعقائد باطلة هم لا يعتقدونها، لكن لهم هدف من وراء نشر هذه العقائد بين الناس من أجل إضلال الخلق ومن أجل إفساد عقائد الناس، سواء كانت أهدافهم سياسية أو اجتماعية، وكان أكبر من مثل هذا الاتجاه هم اليهود الذين يريدون إفساد عقائد الناس من أجل أن تبقى لهم السيطرة والمكانة، هذا على المستوى العام، وهناك زنادقة اضطروا إلى إخفاء الكفر وإعلان الإسلام من أجل انتشار منهاج المسلمين، ومن أجل الخوف على أنفسهم من القتل، فكانت ظاهرة الزندقة، ومجال الحديث هنا ليس عن ظاهرة الزندقة وكيفية نشأتها وتطورها، لكن الذي يهمنا هو أن هناك من الزنادقة ومن المستشرقين ومن الذين لديهم قراءات في كتب المسلمين أصبحوا يأتون بالعقائد الضالة والمناهج الفاسدة ويستدلون عليها بالكتاب والسنة، مثلاً الشيعة الذين يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تجدهم يحاولون أن يجمعوا بعض الشواهد من القرآن ومن السنة، ومن السير والأخبار ومن غيرها حتى يظهروا بصفة الأشخاص الذين لديهم حجة وبيان، وفي كتاب (كشف الشبهات) بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خاصية معينة في الشبهات التي تنشر، وهي أن أصحاب الشبهات لا يتكلمون اعتباطاً، وإنما يتكلمون بعلم، لكنه علم فاسد مضلل، ليس علماً يقينياً وصحيحاً، والمشكلة أن هؤلاء يؤثرون على عقائد العامة وعلى عقائد أنصاف المثقفين، فتجد بعض الأحيان كتاباً مليئاً بالأدلة وبأقوال العلماء وبنصوص الفقهاء، حتى إن هذه السمة صارت منتشرة، فتجد أحدهم يبدأ بجمع بعض أقوال العلماء ويأخذ النص فيبتره ويتأوله، ثم يأتي إلى عالم من العلماء نقل مذاهب شاذة مثلاً ثم رد عليها، فينقل هذه المذاهب ويترك الرد عليها، ومعروف أن أي أمة من الأمم لديها أشخاص عندهم آراء شاذة وآراء غير صحيحة، فهذا يحرم على النساء الحجاب، وذاك يحرم صيام الست من شوال بشكل مستمر قائلاً: أخشى أن تتحول إلى بدعة، فمن حرصه على السنة حرم على الناس أن يصوموا الست من شوال، زاعماً أنها قد تتحول إلى بدعة يعتادها الناس، وتصبح كأنها في حكم الواجب، ثم يبدأ بنقل نصوص كثيرة من هنا وهناك يجمعها عن طريق بتر النصوص والتلاعب بها. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: إن هؤلاء يتكلمون بنصوص سواء قرآنية أو نبوية أو أقوالاً لأهل العلم يخدعون بها العوام ويضللونهم، ويضللون الأشخاص غير المتخصصين، كأحدهم أفنى عمره كله في الطب لا يعلم شيئاً من الأحكام الشرعية فمستواه ضحل وضعيف جداً، فعندما يقرأ مثل هذا يقول: يا أخي! انظر إنه ينقل كلام العلماء، مع العلم أن هذا الطبيب أو المتخصص في أي تخصص من التخصصات الأخرى أو العامي الجاهل، لن يتوقع منه أنه سيرجع إلى هذه الكتب لأنه قد لا يعرفها، وقد لا يدري ما هي، لكنه يبهر بكثرة المراجع، وكثرة أرقام الصفحات والمجلدات، وكثرة النقول التي ينقلها، وكثرة الآيات والأحاديث التي يوردها، وبهذه الطريقة يضللون الخلق.

أهمية تعلم منهج أهل السنة

أهمية تعلم منهج أهل السنة كذلك ينبغي أن نتعلم مناهج أهل السنة في التعامل مع القرآن والسنة، لأن هناك طوائف ترى الاستدلال بأدلة ليست من القرآن والسنة مثل المتكلمين الذين جاءوا بالدليل العقلي وجعلوه صنواً للدليل الشرعي، أو مثل المقلدين الذين يجعلون قول الإمام مثل النصوص الشرعية، أو مثل الشيعة الذين يجعلون قول أئمتهم مثل النصوص الشرعية باعتبار أنهم معصومون، فالمناهج في طريقة التعامل مع الكتاب والسنة تنقسم إلى قسمين: مناهج سنية سلفية صحيحة، ومناهج بدعية ضالة منحرفة. إذاً: يجب أن نتعلم التمييز بين هذه المناهج، ويكون ذلك بدراسة أصول الفقه وبتعلم طريقة الصحابة رضوان الله عليهم في الإفتاء، وفي كيفية التعامل مع القرآن ومع السنة، وبهذا تكون كل أمور المسلمين وأهل السنة منضبطة، فليس هناك قول من الأقوال إلا وله حكم شرعي، وليس هناك عقيدة إلا ولها حكم شرعي، وليس هناك فكرة إلا ولها تقويم شرعي، ومن الخطأ الكبير الذي نعايشه خصوصاً مع موجة الإعلام المعاصر الآن الذي يدندن حول الرأي والرأي الآخر كما يسمونه، أرادوا أن يفقدوا أهل السنة والدعاة والمصلحين هذه الخاصية التي تميزهم عن غيرهم، فنحن أهل السنة لدينا خاصية مميزة وهي أنه إذا حكمنا على كاتب من الكتاب أنه مبتدع فنحن لا نحكم عليه بالهوى، وإذا حكمنا على شخص بأنه كافر فنحن لا نحكم عليه بالهوى، وإذا حكمنا على شخص بأنه مخطئ فنحن لا نحكم عليه بالهوى، فالإنسان كما يكون ملتزماً في سلوكه وفي أخلاقه بالشريعة، يجب أن يكون ملتزماً في أحكامه وفي عقائده بالشريعة أيضاً، ولهذا هناك باب كبير من أبواب العقيدة اسمه: باب الأسماء والأحكام، هذا الباب تابع لباب الإيمان والكفر، فهناك أسماء شرعية لها حدود منضبطة في القرآن والسنة، فهناك اسم الكافر، والمشرك، والفاسق، والضال، والمبتدع، والزنديق مثلاً، وهناك أيضاً أحكام: خارج عن الإسلام يجب أن يقتل، أمة محاربة يجب أن تقاتل، مستأمنون، أهل بدع يجب هجرهم، أشخاص مجتهدون أخطئوا لهم أجر، لكنهم ملتزمون بالسنة، وهكذا أمور كثيرة في الشريعة يجب أن نتعلمها حتى نعرف كيف نكون ملتزمين بالكتاب والسنة في أحكامنا وفي إطلاقنا للأسماء على الناس. والحقيقة: أن هذا يدل بشكل مؤكد على أهمية تعلم العلم الشرعي، فإن العلم الشرعي إذا تعلمه الإنسان والتزم بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه سيكون منضبطاً في ما يطلقه من أسماء وأحكام على الخلق. وأكثر الخلافات التي نسمعها الآن هي متعلقة بالأسماء والأحكام، فهناك طائفة متسرعة في إطلاق الأسماء والأحكام على الخلق بشكل غير منهجي وغير شرعي، وهناك طائفة أخرى تطالب باحترام الآخر، ويجعلون كلمة الآخر هكذا مفتوحة، وهذه (كلمة الآخر) كلمة جديدة لها عشر سنوات، صار الناس يرددونها: ما هو موقفك من الآخر؟ يجب أن تكون متسامحاً مع الآخر، الرأي والرأي الآخر، وكأن الآخر هذا ليس له تقويم، الآخر هذه كلمة عائمة بحسبه، إن كان كافراً فحكمه الكفر، وإن كان مسلماً فهو بحسب حاله، وإن كان مبتدعاً فهو مبتدع، وإن كان من أهل السنة فهو من أهل السنة، ثم أهل السنة يختلفون، فمنهم من يصيب فله أجران، ومنهم من يخطئ فله أجر، فالفوضى التي نلاحظها في ما يتعلق بالأسماء والأحكام سببها عدم التأصيل الشرعي، فتجد مثلاً من مهنته وبضاعته الأساسية القراءة في الصحافة وفي المجلات ثم يتكلمون عن قضايا عميقة وصعبة بدون علم شرعي، كذلك تجد من ليس لديهم معلومات شرعية كافية، بل هم من المبتدئين من طلاب العلم، تجد أنهم يتكلمون في قضايا حساسة وخطيرة، ويطلقون الأسماء والأحكام في هذا الموضوع. ولهذا نحن بحاجة إلى التعلم بشكل مستمر. أولاً: أن نعلم حجية الكتاب والسنة والأدلة الدالة التي تجعل الإنسان يطمئن بشكل كبير على أن الكتاب والسنة حجة في ذاتهما. والأمر الثاني: أن نتعلم المناهج الشرعية في طريقة التعامل والاستدلال بالكتاب والسنة. والأمر الثالث: أن نتعلم ضوابط وحدود الأسماء الشرعية، وضوابط وحدود الأحكام المترتبة عليها، وحينئذ يتكلم الإنسان بعلم، أو يجب عليه أن يسكت إذا كان الحال في قضية ليس لديه علم شرعي فيها، فالتخبط والحيرة والفوضى التي نراها اليوم في كثير من الناس، سواء على مستوى شباب الدعوة أو على مستوى أعم وأشمل من ذلك، سببه هو عدم الدارسة الكافية، أو أنه في بعض الأحيان قد يظن الإنسان أن طريقة طلب العلم هي: أن تدرس متناً، ويدرسه بطريقة آلية، يعني: يعرف صاحب الكتاب ويعرف المسائل الموجودة والأدلة فقط بدون أن يفهم ويتفقه، ولهذا تحدث أهل العلم كثيراً في الكتب التي صنفوها في العلم أن العلم ليس هو حفظ المسائل وتكرار المسائل واجترارها بشكل مستمر، وإنما العلم الفقه، أي: أن يفهم الإنسان حدود الأسماء الشرعية، وحدود الأحكام المترتبة عليها، وأن يتكلم الإنسان بعلم أو يسكت بدون أن يكون عليه مسئولية شرعية بسبب كلمة يتكلم بها.

بعض مظاهر الفوضى بسبب عدم الالتزام بالعلم الشرعي

بعض مظاهر الفوضى بسبب عدم الالتزام بالعلم الشرعي من مظاهر الفوضى التي نعايشها الآن: أن الرجل يكون من أهل السنة له عقيدة مشهورة في مسائل السنة الأساسية، لكنه قد يجتهد في مسألة من المسائل فيخطئ، وقد يكون خطؤه هذا فيه مشابهة لطائفة من الطوائف المنحرفة، فمن مظاهر الفوضى أنك تجد أشخاصاً يأتون إلى هذا العالم فيسقطون كل أوصاف تلك الطائفة المنحرفة عليه؛ لوجود هذا التوافق الموجود عنده من أجل هذا الرأي، وينسون أنه في باب كذا وفي باب كذا وفي باب كذا من الأبواب التفصيلية المعروفة عند أهل السنة أنه على السنة وأنه على عقيدة صحيحة، وهذا من الظلم والجور. إن بعض أهل السنة السابقين وافقوا طوائف من أهل البدع في بعض الآراء الجزئية، ومع ذلك لم يعتبرهم أحد أنهم من أهل البدع والضلالة، ثم ينزل عليهم كل الأوصاف المتعلقة بأهل البدع والضلالة والعياذ بالله. فالإمام الطبري رحمه الله إمام وعالم كبير: كان يؤول الكرسي بأنه العلم، وهذا تأويل صريح، مع أن آية الكرسي، وحديث ابن عباس رضي الله عنه: في أن الكرسي موضع قدمي الرب صريحان في المسألة، ومع هذا أولها بأنه العلم، ولم يقل أحد بأن الطبري رحمه الله من المؤولة ومن المعطلة، ثم ينزل عليه أوصاف المعطلة والمؤولة جميعاً، هذا مظهر من المظاهر. مظهر آخر من مظاهر الفوضى التي نعايشها بسبب عدم الالتزام بالعلم الشرعي: هو أن تجد إنساناً في خطابه الدعوي أو في خطابه الفكري، تجد أنه يعيش في حالة كما يسمونها من الانفلات، فتجد أن كلامه ليس له حدود، قد يصدق كلامه الذي فيه مدح أو ثناء على طوائف من أئمة الكفر، يصدق كلامه في الذم على طوائف من أهل الإيمان، فأصبح الكثير لا يعرف حدود مقصوده أو رأيه، وهذا الانفلات في الخطاب سببه أيضاً عدم الالتزام باللغة الشرعية، والضوابط الشرعية في ما يتعلق بالأحكام والمفاهيم وحدودها وضوابطها، ولهذا لا تجدون مثلاً في خطاب عالم كشيخ الإسلام ابن تيمية تسيباً، بل تعرفون حدود كلامه وانضباطه، كذلك الحال فيما يتعلق بمشايخ وأئمة أهل السنة سواء في العصر الحديث أو المتقدمين، تجد أنهم من أضبط الناس في ما يتكلمون به، ومن أدق الناس عبارة في ما يتحدثون به، ولهذا نؤكد على أهمية دراسة العلم بالطريقة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي أن تعرف أدلة حجية الكتاب والسنة حتى تستطيع أن تبطل، وعلى الأقل أن يتميز لديك بشكل يقيني ودقيق فساد العقائد الأخرى التي جعلت أدلة مصافة للكتاب والسنة، ثم تدرس المناهج المنضبطة الشرعية التي يكون الاستدلال من خلالها بالنصوص الشرعية استدلالاً صحيحاً، ثم تعرف حدود الأسماء والأحكام في ما يتعلق بالخلاف الذي يحصل بين الناس، سواء خلافاتنا مع الكفار أو خلافاتنا مع أهل البدع، أو خلافات أهل السنة فيما بينهم، بحيث يتكلم الإنسان أو يعتقد بشكل دقيق وصحيح وموافق للنصوص الشرعية. هذه المقدمة أرى أنها ضرورية في مقتبل درس يتعلق بالعقيدة، لأننا سنجد طوائف انحرفت في العقائد وسنذكر بعض الآراء والمناهج والأفكار، وقد نذكر بعض الأحيان أعلاماً مشهورين خالفوا السنة في هذه المسألة أو تلك ونرد عليهم، وهذا أمر طبيعي فإن هذه هي طريقة أهل العلم من القديم أن الحق أحق أن يتبع وأن التقليد مذموم، وأنه يجب على الإنسان أن يكون متبعاً لنصوص الكتاب والسنة بشكل دائم ومستمر.

ترجمة مؤلف الحائية

ترجمة مؤلف الحائية ابن أبي داود المتوفى سنة 316هـ هو أبو بكر ابن صاحب السنن المشهور أبي داود سليمان بن الأشعث، وأبو بكر اسمه عبد الله، استفاد من والده الذي كان عالماً، فطوف به والده كثيراً في البلاد، وكان حافظاً وإماماً مشهوراً. ومن القصص التي تذكر في حفظه: أنه لما جاء إلى سجستان طلبوا منه أن يحدث، فقال: ليس عندي أصل، يعني: ليس عندي كتاب أحدث منه، فقالوا: ابن أبي داود ويحتاج إلى أصل؟! فاستفزوه فأملى عليهم ثلاثين ألف حديث، فلما رجع إلى بغداد لم ينتقد منها إلا ستة، وهذا يدل على سعة حفظه وعلمه رحمه الله، وقد كان من أئمة أهل السنة، وهذه الأبيات التي ستأتي معنا تدل على ذلك، وقد كان أبو بكر بن أبي داود عالماً مصنفاً مشهوراً، له مجموعة من الكتب، منها (المصاحف) وهو مطبوع، وأيضاً: كتاب (البعث) وهو مطبوع أيضاً، وهذه الحائية تقريباً ستة وثلاثون بيتاً، أو ثمانية وثلاثون بيتاً موزعة على مجموعة من الأبواب، وسيأتي الحديث عنها إن شاء تعالى. وحائية ابن أبي داود شرحها الآجري رحمه الله صاحب (الشريعة)، لكن شرحه غير موجود الآن، وشرحها أيضاً السفاريني صاحب (لوامع الأنوار) المشهور، وصاحب الدرة المضيئة، وشرحه مطبوع، وهذه الحائية ثابتة من حيث الإسناد عن أبي بكر بن أبي داود فقد نقلها عنه مباشرة تلميذه ابن شاهين ضمن كتابه (شرح مذاهب أهل السنة)، وهو مطبوع، وقد نقل عنه القصيدة كاملة في أربعين بيتاً تقريباً نقلها مباشرة عن شيخه، وأيضاً نقلها ابن أبي يعلى في (طبقات الحنابلة)، وكذلك نقلها الحافظ الذهبي رحمه الله في (سير أعلام النبلاء) في ترجمة ابن أبي داود نقلها بإسناده عن ابن شاهين الذي سبق أن أشرنا إليه.

ترجمة مؤلف لمعة الاعتقاد

ترجمة مؤلف لمعة الاعتقاد الكتاب الثاني هو: لمعة الاعتقاد لـ ابن قدامة رحمه الله، وابن قدامة إمام مشهور وعالم معروف، له في العقيدة كتاب (العلو)، وأيضاً كتاب (ذم التأويل) وهما مطبوعان، وهو إمام مشهور كان في جيش صلاح الدين الأيوبي عندما كان يجاهد الصليبيين في بيت المقدس، فقد كان جامعاً بين العلم والجهاد أيضاً. وهذا المتن قد شرحه كثيرون، لكن من أفضل الشروح تقريباً هو شرح الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى.

ترجمة مؤلف العقيدة الواسطية

ترجمة مؤلف العقيدة الواسطية الكتاب الثالث هو العقيدة الواسطية لـ ابن تيمية، وهو إمام معروف ومشهور وتراجمه معروفة، وكتبه في العقيدة معروفة أيضاً.

طريقة دراسة الكتب الثلاثة في العقيدة في نفس الوقت

طريقة دراسة الكتب الثلاثة في العقيدة في نفس الوقت وطريقة دراستنا إن شاء الله لهذه الكتب الثلاثة هي دراسة موضوعية، يعني: موضوع هذه المتون الثلاثة متقاربة كلها في العقيدة، ولهذا وزعت الموضوعات الموجودة في هذه الكتب الثلاثة إلى ستة أبواب: الباب الأول: باب الصفات، والباب الثاني: باب القدر، والباب الثالث: باب الإيمان، والباب الرابع: باب الغيبيات، والباب الخامس: باب الصحابة وكرامات الأولياء، والباب السادس: باب السلوك. وهذه الأبواب الستة موجودة في الكتب الثلاثة بنسب متفاوتة، فيوجد في كتاب ما لا يوجد في كتاب آخر، ولهذا بدلاً من أن ندرس هذا مستقلاً وهذا مستقلاً وهذا مستقلاً، مع أن الموضوعات متقاربة ومتداخلة، أردنا دراستها جميعاً في مكان واحد، فالمكرر سنأخذه في الأماكن الثلاثة جميعاً، والمميز سندرسه إن شاء الله، بحيث نخرج من هذا الدرس وقد درسنا ثلاثة كتب في وقت واحد بالطريقة التي أشرت إليها بإذن الله تعالى. أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الخوض والكلام في المناهج

حكم الخوض والكلام في المناهج Q كثير من الشباب في هذا العصر يخوضون في الكلام في المناهج، ويقولون: الشيخ فلان فيه كذا، والشيخ فلان فيه كذا؟ A هذه إحدى علامات أو نقاط الضعف في شباب الدعوة الإسلامية، فتجد أحياناً أن المنهج يكون واحداً وهو منهج السنة، لكن تجد رأي هذا الشيخ يختلف عن رأي هذا الشيخ، فيتعصبون لرأي هذا الشيخ ويذمون هذا الشيخ، وبناء على هذا يصنفون المشايخ، وهذا لا شك أنه خطأ، صحيح أن الإنسان لا يجوز له أن يتبع الشيخ أو العالم في خطئه، لكن لا يجوز له أيضاً أن يسبه ويذمه، ونحن نقول: تقويم الآراء لها ميزان في الكتاب والسنة، فأنت إذا سمعت أن الشيخ الفلاني له رأي انظر إلى رأيه، وقبل أن تنظر إلى رأيه اطلب العلم الشرعي حتى يكون ميزانك ميزاناً صحيحاً، فإذا تعلمنا العلم الشرعي وسمعنا رأياً لشيخ من المشايخ نأخذ هذا الرأي بشكل هادئ بعيداً عن الظلم والاعتداء، ثم نزنه، وحينئذٍ لا يخلو رأيه من عدة حالات: إما أن يكون رأيه كفراً والعياذ بالله، أو بدعة، أو اجتهاداً اجتهده، وكل واحدة من هذه الحالات لها أحكامها الخاصة بها، فلو افترضنا أن رأيه كان كفراً والعياذ بالله، فإذا جئنا إلى هذا الإنسان المعين فلابد أن توجد فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع، كحال بعض الصحابة الفضلاء الأخيار وقعوا في الكفر ولم يكفروا، ومنهم حاطب بن أبي بلتعة الذي حضر يوم بدر، ووقع في الكفر، لكنه لم يكفر، ولهذا لا يستغرب أن يقع مثلاً عالم فاضل في مقالة من المقالات، قد تكون هذه المقالة كفرية في حد ذاتها، لكن هو نفسه لا يكفر، وقد يكفر إذا قالها غيره، فبعض الأحيان يكون هناك رأي واحد يقول به عشرة؛ سبعة يكفرون وثلاثة لا يكفرون، لأنهم يتفاوتون بحسب: هل هذا الإنسان عنده علم بهذا الحكم؟ هل هو متأول؟ هل هو جاهل بها؟ على تفصيلات مشهورة عند أهل السنة في مسألة عوارض الأهلية. كذلك لو أن القول الذي قاله من صنف البدع، ننظر هل هذه البدعة عند هذا الإنسان منهج بدعي يسير عليه ويدعو الناس إليه، أو أنها مقالة أخطأ فيها، فإذا كانت مقالة أخطأ فيها فلا يجوز للإنسان أن يجعلها منهجاً له، ثم إن الاجتهاد بعض الأحيان قد يكون اجتهاداً يثاب عليه الإنسان إذا كان اجتهاداً شرعياً بذل فيه غاية الجهد، وقد تكون زلة من ضمن الزلات كما سماها ابن تيمية رحمه الله في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، وهذه الزلة من جنس الذنوب والمعاصي، وقد يكون لديه من الجهاد والصدق والصبر والبذل والحب لله ولرسوله ما يمحو عنه هذه الزلة. إذاً: يجب على الإنسان أن يكون منضبطاً من الناحية الأخلاقية والأدبية، ولا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بالكلام عن الناس وذمهم ونقدهم والقدح فيهم، بل يجب أن يهتم بالمكاسب الأساسية للدعوة الإسلامية وهي الدعوة إلى السنة، والالتزام بها وحياطتها والمحافظة عليها، وأما الخلافات التي تكون بين أهل العلم فيما بينهم فلا يجوز أن يبني عليها الإنسان موقفاً أو منهجاً أو رأياً عنيفاً أو متشدداً.

كيفية التعامل مع من يروج للباطل في الصحف والمجلات

كيفية التعامل مع من يروج للباطل في الصحف والمجلات Q هناك من يروج الباطل في الصحف والمجلات، فكيف يكون الرد على مثل هؤلاء؟ A الرد على هؤلاء أمر ضروري، لكن هنا قضية مهمة، وهي أنه لا يصلح أن يرد على مثل هؤلاء إلا من يملك الحجة والبرهان والدليل الصحيح، وأن يكون الإنسان إذا أراد أن يرد عليهم أن يكون مستعداً للرد؛ لأنه في بعض الأحيان قد يأتي إنسان منحرف ينشر بدعته ولديه لسان وقوة، وثقافة واسعة، فيأتي شاب بسيط يتهجم عليه يسبه فقط، فيكون هذا فتنة للآخرين الذين ينظرون إليه، فهم ينظرون إلى أن كلام ذلك منظم ودقيق وقوي، وأن كلام الراد كله سب وشتم وليس فيه فائدة، وبهذه الطريقة يكون قد هيأ مجالاً لانتشار هذه الفكرة، وحقيقة أنا لي تعليقات على كثير من الإخوة الذين يشاركون في مثل الحوارات التي تكون عن طريق الإنترنت: التعليق الأول: أنه لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بمثل هذا، بل عليه أن يشغل نفسه بالنافع والمفيد، فكون الإنسان لديه منهج في طلب العلم يرتقي فيه ويشتغل بما ينفعه، أفضل من الاشتغال بالكلام الذي لا داعي له في المنتديات، وحال هذه المنتديات كحال الجلسات التي تكون على الأرصفة، ولو أن إنساناً جعل يومه وليلته للجلسات هذه التي على الأرصفة من جلسة إلى جلسة أخرى فلن يستفيد. التعليق الثاني: أن الإنسان ينبغي له أن يكتب بشكل مفيد، وإذا كان هو نفسه ليس عنده أهلية أو قدرة على الكتابة بشكل قوي فلا يتعرض للكتابة وهو غير مقتدر، وأفضل الأحوال ألا يشتغل الإنسان بمثل هذا، وإنما يشتغل بما ينفعه في دراسة العلم ونحوه.

حكم حضور دعوة الاحتفال بالمولد

حكم حضور دعوة الاحتفال بالمولد Q ما حكم حضور دعوة الاحتفال بالمولد، علماً أنه لا توجد منهيات أو منكرات فيه؟ A الأصل أن الاحتفال بالمولد في حد ذاته يعتبر منكراً وبدعة، أما مجرد المشاركة حتى لو لم يكن فيه اختلاط، أو موسيقى فإنها تعتبر مخالفة للسنة؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من أكثر الناس محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذوا يوم مولده عيداً، كما هو الحال عند أصحاب هذه الموالد.

كيفية تطبيق مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات

كيفية تطبيق مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات Q بعض العلماء المعاصرين لا يأخذون بمبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات، بل يقومون بتجريح المخطئ انطلاقاً من قاعدة: أن الجرح مقدم على التعديل، وقد يؤلفون المؤلفات في إسقاط بعض الألفاظ والأعمال لبعض الطوائف المبتدعة، فما رأيكم؟ A مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات ليس على إطلاقه في كل موضع وفي كل شخص، وإنما الصحيح أن الموقف من الآراء والأفكار المخالفة للسنة يختلف باختلاف الشخص وباختلاف الوقت وباختلاف الحال، ولهذا فرق العلماء بين المبتدع الداعي لبدعته، والمبتدع الذي لا يدعو لبدعته، كذلك هناك فرق بين المبتدع الذي بدعته مؤثرة ورائجة في الناس، وبين المبتدع الذي بدعته مقصورة عليه ولا يستجيب لها أحد، وهناك فرق أيضاً بين المبتدع الذي يبتدع بدعة في قضية عامة تشغل الناس وتتعلق أنظار الناس بها، وبين من يتكلم بكلام عابر ثم يكون ضمن كلامه بدعة يقول بها، ولهذا مثل هذه الأشياء توزن بميزان المصلحة والمفسدة، وهذا الميزان لا يستخدمه بشكل جيد إلا أهل العلم، فهم الذين يستطيعون أن يزنوا الأمور بميزان المصلحة والمفسدة، فبعض الأحيان قد يكون من المصلحة أن تنتقد صاحب هذه البدعة وألا تذكر له حسنة؛ لأنه ليس المجال مجال ذكر الحسنات، ولهذا نجد كلام شيخ الإسلام رحمه الله مختلفاً من كتاب إلى كتاب، ومن حالة إلى حالة، ومن مسألة إلى مسألة، وكل ذلك بحسب الظرف والوقت والحال والشخص والتأثر، فهناك اعتبارات أخرى، فليس هناك لهذه القضية قاعدة واحدة يمكن لكل الناس أن يطبقها في كل الأحوال، وإنما هي تختلف بحسب الحال، ولهذا نجد بعض الناس مثلاً يأخذ بمبدأ الموازنة بين السيئات والحسنات، فيأتي إلى شخص ينشر بدعته على الناس جميعاً ثم يقول: لابد أن نوازن بين الحسنات والسيئات وألا نرد عليه إلا بذكر حسناته، وهذا غير لازم، فنحن عندما نقرأ كلام أهل العلم لا نجد أنهم في كل حال يذكرون حسنات هؤلاء، وإنما بحسب الحال، مثلاً ابن تيمية عندما يرد على الأشاعرة، في بعض الأحيان يغلظ عليهم حتى يقول: إنهم مخانيث المعتزلة، ولا يذكر لهم في ضمن كلامه في تلك اللحظة ثناء، لكنه عندما يتكلم على النصارى والرد على النصارى، تجده يذكر مواقف علماء الأشاعرة في الرد عليهم ويثني عليهم في ردودهم، فتجد أن الحال يختلف من هنا إلى هناك، لذلك قد تجلس مثلاً مع أشخاص معجبين برأي من الآراء وتريد أن تغلظ حتى تبين أن هذا القضية غير صحيحة وأنها خطأ، وبعض الأحيان قد تجد شخصاً متشدداً في موضوع من الموضوعات، فهذه القضية راجعة إلى مسألة المصالح والمفاسد وحكمة الداعية، لكن الأصل هو أن الإنسان يبتعد عن تجريح الخلق إلا إذا كان عنده علم، وإذا لم يكن لديه علم فلا يشتغل بالنقد وإيذاء الخلق بدون علم، وأحياناً قد تجد أن المسألة اجتهادية يضعها إنسان وكأنها مسألة من مسائل الكفر وهذا لا يجوز، بل يجب على الإنسان أن يكون عاقلاً متزناً لا يتكلم إلا بعلم.

مناهج الاستدلال بالقرآن والسنة

مناهج الاستدلال بالقرآن والسنة Q ما هي مناهج الاستدلال بالقرآن والسنة؟ A كتب الأصول في الجملة هي التي تتحدث عن مثل هذه المناهج، وهذه العلوم تسمى علوماً معيارية، يعني: تحدد المعايير والأسس والقواعد الأساسية التي تضمن للإنسان السير الصحيح، فمصطلح الحديث مثلاً علم معياري للنقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم أصول الفقه علم معياري لطريقة التعامل مع الكتاب والسنة.

موقف المسلم من الفتن

موقف المسلم من الفتن Q ما هو موقف المسلم من الفتن حتى ينجو مما حذر الله عز وجل من الأهواء والفتن؟ A لا شك أن الفتن منتشرة انتشاراً كبيراً جداً، وكلما تقدم الزمان كلما راجت الفتن والعياذ بالله، وليس هناك عاصم بعد توفيق الله عز وجل من الفتن إلا بالالتزام بالكتاب والسنة، هذا فيما يتعلق بالفتن العلمية والفكرية، أما الفتن العملية مثل: (الحروب) وتشتت أمر الناس، وانفصام عقد اجتماعهم، فمثل هذه الفتن العملية التي يكثر فيها القتل والهرج والمرج، ينبغي على الناس أن يلتزموا مع علمائهم ومع المصلحين فيهم، فموضوع الفتن يحتاج إلى وقت طويل حتى يكون هناك حديث عنه، لكننا نتكلم هنا من حيث الجملة.

حكم الاقتداء بالعلماء في عمل من الأعمال

حكم الاقتداء بالعلماء في عمل من الأعمال Q أنا إمام مسجد أقنت في هذه الأيام، وأنا أقتدي بالشيخ ابن باز في هذا، هل عملي فيه خلاف للسنة؟ A لا، ليس فيه خلاف للسنة إذا كنت ممن يقتدي بالشيخ عبد العزيز بن باز فهو إمام وعالم من العلماء المسلمين، لكن بشرط: ألا تكون عندك معرفة بدليل صريح من القرآن والسنة يخالف قوله، فطريقة أهل السنة فيما يتعلق بالعلاقة مع العلماء: هي احترامهم ومحبتهم وتقديرهم وتعظيمهم وقبول فتواهم، إلا ما علمنا أنه مخالف للكتاب والسنة، فما علمنا أنه مخالف للكتاب والسنة فلا يجوز قبوله أبداً.

دراسة موضوعية [2]

دراسة موضوعية [2] منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك نعرف بطلان عقائد الفرق الضالة الذين قدموا العقل على النقل ونفوا ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات.

شرح مقدمة كتاب حلية طالب العلم

شرح مقدمة كتاب حلية طالب العلم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فإن من المهم جداً أن يتعلم الإنسان مع العلم الأدب وتزكية النفس، والله سبحانه وتعالى قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس قراءة القرآن وتزكية النفوس وتعليمهم أيضاً العلم النافع، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. وتعليم الكتاب هو تفسير الكتاب وتعلم العلم النافع، والحكمة المراد بها: السنة. والتزكية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم هي تطهير القلب ونماؤه بالعلم النافع والعمل الصالح، فإن القلب هو الأساس بالنسبة لحركة الجوارح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب). قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه حلية طالب العلم: [الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه. فأقيد معالم هذه الحلية المباركة عام (1408 هـ) والمسلمون - ولله الحمد - يعايشون يقظة علمية، تتهلل لها سبحات الوجوه، ولا تزال تنشط -متقدمة إلى الترقي والنضوج- في أفئدة شباب الأمة، مجدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله، يعلون منه وينهلون، فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يفرح به المسلمون نصراً، فسبحان من يحيي ويميت قلوباً]. لا يشك أحد في ظهور هذه الصحوة الإسلامية -ولله الحمد-، وكونها منتشرة في سائر البلاد، وكل من يشاهد الواقع يعرف ذلك جيداً، حتى أن الأعداء الذين يتربصون بهذه الصحوة الإسلامية وهذه اليقظة الإسلامية يعلمون ذلك، بل إن عامة الناس اليوم لا يبغون بدلاً عن الإسلام وعن تطبيق أحكام الإسلام، حتى عبر بعض المغرضين فقال: إن هذه الصحوة الإسلامية صحوة أو هي القاعدة لكن لها هامش محدود. ويقصد بذلك أن القاعدة العريضة من الشعوب الإسلامية تريد الإسلام وتتمنى أن تحكم به، وتتمنى أن تعود إلى تاريخها المجيد، ولكن لها هامش ضيق في التطبيق العملي وفي الواقع المعاش سواءٌ فيما يتعلق بالجانب السياسي أو الجانب الحياتي عموماً. ولكن هذه الصحوة تحتاج إلى توجيه، فهي مثل صحوة الإنسان الذي يستيقظ مباشرة؛ فإنه لا يكون متمالكاً لنفسه، ولا يستطيع أن يقف موقفاً قوياً وواضحاً، ولهذا يوجد في هذه الصحوة كثير من الأخطاء والملاحظات، ويوجد فيها ضعف يحتاج إلى تقوية، وتوجد فيها أخطاء تحتاج إلى تصحيح، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصحيح وبالتعليم وبدراسة العلم النافع ومعرفة الحق واتباع هذا الحق. قال المؤلف رحمه الله: [لكن لا بد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشراً للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل؛ من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية. وقد جعلت طوع أيديهم رسالة في (التعالم) تكشف المندسين بينهم خشية أن يردوهم، ويضيعوا عليهم أمرهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب، فيستلوهم وهم لا يشعرون]. وكتاب الشيخ هذا مطبوع وهو: التعالم وأثره في الفكر والكتاب. ومقصود الشيخ رحمه الله أن هذه الصحوة بحاجة إلى تسديد وإصلاح وتعليم، وبحاجة إلى خلق وأدب وتزكية، وبحاجة إلى معرفة الحق واتباعه الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، وأنتم تعلمون أن هذه الأمة افترقت إلى فرق متعددة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فبين أن هذه الفرق فرق هالكة وفرق متوعدة بالنار، مع أنها من جملة المسلمين، لكن هذه الفرق لم تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصارت هالكة إلا واحدة، فلما سئل عنها قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). وحتى يكون الإنسان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهو بحاجة إلى علم، وبحاجة إلى عمل بعيد عن الهوى والشبهات حتى يطبق هذا العلم، وحينئذ يكون من هذه الفئة المصطفاة التي وفقها الله سبحانه وتعالى للبعد عن الاختلاف والتفرق والهلاك الذي ورد في هذا الحديث. ولهذا لا بد من التعلم، ولا بد من طلب العلم، والإنسان مهما بلغ من السن أو الوجاهة أو المكانة عند الناس لا بد له أن يطلب العلم، وطلب العلم ليس المقصود به الاستكثار من المحفوظات، في الفقه أو في العقيدة أو في أي باب من الأبواب، وإنما المقصود بالعلم العلم النافع، والفقه المقصود به الفهم، يعني: أن يفهم دين الله عز وجل على وجهه الصحيح. وأنت قد تجد أشخاصاً كثيرين، هـ

منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات

منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات القاعدة العامة للسلف في باب الأسماء والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العليا، ونفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. هذه هي القاعدة العامة فيما يتعلق بهذا الباب العظيم، ومن خلال هذه القاعدة يتبين لنا الالتزام بالقرآن والسنة كمصدر أساسي في معرفة الأسماء والصفات؛ لأن الأسماء والصفات هي من الأخبار، والأخبار في ما يتعلق بالله عز وجل من الغيب، ولا يمكن للإنسان أن يكتشف الغيب إلا بخبر صادق، وليس هناك أصدق من الله سبحانه وتعالى حديثاً ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قيلاً، ولهذا فإن المصدر الأساسي في معرفة أسماء الله عز وجل وفي معرفة صفات الله سبحانه وتعالى هو القرآن والسنة. وهذا يعني أن هناك بعض الصفات يمكن أن تدرك بالعقل؛ فإن الإله المعبود لا بد أن يكون حياً، ولا بد أن يكون عالماً، ولا بد أن يكون مريداً، ولا بد أن يكون سميعاً بصيراً، وهكذا. لكن هذه الدلالة العقلية لا نأخذها استقلالاً وإنما هي من جنس الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على صفات الله سبحانه وتعالى بعد معرفة النصوص الشرعية من القرآن ومن السنة.

منهج المبتدعة في العقائد

منهج المبتدعة في العقائد وبهذا نعرف بطلان من اعتمد على مصدر آخر غير القرآن والسنة في تلقي العقائد عموماً، وفي باب الأسماء والصفات خصوصاً، وأعني بذلك منهج أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية الذين جعلوا العقل مصدر تلقي العقيدة عموماً والأسماء والصفات بشكل خاص؛ فعظموا العقل تعظيماً كبيراً وجعلوه حاكماً على النصوص الشرعية. وإذا اختلف العقل عندهم مع النقل فإنهم يقدمون دلالة العقل، وأما النقل -سواء كان القرآن أو السنة- فإنهم يؤولونه، ولا شك أن هذا سوء أدب وسوء تعامل مع القرآن والسنة. علماً أنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك تعارض بين العقل والنقل؛ لأن العقل خلقه الله سبحانه وتعالى والنقل أنزله وجاء به الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون هناك خلاف وتباين بين ما خلق الله عز وجل وما أمر به: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. ومشكلة التعارض بين العقل والنقل هي مشكلة قديمة وحديثة في نفس الوقت، فقد وجدت عند الفلاسفة الذين لم يتدينوا بدين سماوي، يعني: ليسوا من اليهود ولا من النصارى كـ أرسطو وأفلاطون، فهؤلاء لم يكن لهم وسيلة للوصول إلى الغيبيات سوى العقل، ولهذا اشتغلوا بتقرير العقائد وتقرير ما يتعلق بما يسمونه: الميتافيزيقيا -وهي الغيبيات- اعتماداً على العقل. فلما جاءت الأديان جاءت بما يوافق العقل، وزادت على ذلك من أمور الغيب التي لا يعلمها العقل لوحده، ثم جاء الإسلام جاء بأصدق عقيدة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته. فلما ترجمت كتب هؤلاء الفلاسفة إلى اللغة العربية وتأثر بها أقوام ليسوا من أهل العلم -يعني: لم يدرسوا الحديث ولم يدرسوا السنة ولم يتعلموا العلم الشرعي أصلاً وإنما كانوا من عموم المسلمين- جاءوا إلى المحكمات من النصوص الشرعية وبدءوا يؤولونها حتى توافق هذه المقررات العقلية الموجودة لديهم. ثم ألفوا الكتب في ذلك وانتشروا وصار لهم ظهور، ورد عليهم أئمة السنة، ومع طول الزمان أصبحوا فرقاً لهم كتب ومبادئ وعقائد وأفكار تختلف غلواً وبعداً عن السنة من فرقة إلى فرقة ومن رأي إلى رأي، لكن كثيراً منهم في الجملة من عموم المسلمين ووقعوا في بدع، وهذا يدل على ضريبة تكلم الإنسان في دين الله عز وجل بغير علم: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].

أزمة التوفيق بين العقل والنقل في الماضي والحاضر

أزمة التوفيق بين العقل والنقل في الماضي والحاضر لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله عز وجل بغير علم. وهكذا الحال اليوم؛ حيث نجد كثيراً من المشتغلين بالصحف أو التقارير الإخبارية أو غيرها يتكلمون في قضايا عميقة تتعلق بالموقف من المخالف أو كما يسمونه الرأي الآخر، ويقررون وكأنهم من كبار علماء المسلمين، ولهذا يقعون في زلات عظيمة وكبيرة بسبب الجهل. وهذا لا يعني أن الإنسان لا يتكلم فيما يتعلق بعمومات الإسلام، لكن يجب أن يتكلم بعلم، وإذا لم يكن عنده معلومات تتعلق بهذا الأمر يحيله إلى عالمه ولا يتكلم بغير علم. فما زالت مشكلة التعارض بين العقل والنقل إلى زماننا المعاصر، بل إنها في الزمان المعاصر زادت بشكل أكبر، لأن العالم الغربي اليوم هو المتفوق سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً، والعالم الإسلامي ضعيف بشكل كبير. والعالم الغربي له قصة مع الدين، وقصته يمكن تلخيصها بأنه حطم الدين؛ لأنه يعتقد أن الدين خرافة، وأن العقل هو مصدر كل خير، ولهذا جعلوا تضارباً بين الدين والعلم، أي: العقل. والسبب أنهم ظنوا أن كل الأديان -بما فيها دين الإسلام الذي لم يعرفوه في الحقيقة- معارضة للعقول، ولهذا لا بد أن ترد، ولهذا عندما يعرفون الأديان عموماً يقولون: الإيمان أن تؤمن وتصدق وتجزم بدون برهان يقيني وعقلي يدل على صدق ما تؤمن به، ولهذا يحشرون في الأديان كل الأديان الخرافية والأديان الوضعية كما يسمونها، والأديان التي تأتي من عند الله، كل هذه الأديان يرونها من جنس واحد، وهي أن تؤمن بدون برهان ولا دليل، وإنما لمجرد الخبر، أخبرك فلان بشيء فآمنت به، ولو كان هذا الخبر غير صحيح في نفسه. فأصبحت أزمة العقل والنقل الآن في العصر الحديث أكبر بكثير مما كانت في العصر القديم، وأصبح الدعاة اليوم يواجهون تيارين خطيرين: التيار الأول: تيار تراثي كما يسمونه، وهو الذي يوجد في الكتب القديمة والتي ما زالت تطبع إلى الآن، ويوجد لها معاهد ومراكز ومعاقل للعلم تدرس هذه الكتب التراثية، وهي كتب المعتزلة والأشاعرة وغيرها من الكتب التي تقرر التعارض بين العقل والنقل وتقدم العقل على النقل. التيار الثاني: التيار التغريبي الذي يتمثل في المذاهب الفكرية المعاصرة التي تبناها عدد كبير من الأحزاب والمؤسسات والأشخاص الذين تأثروا بهذه الأحزاب، سواء كانت العلمانية أو الحداثة أو الديمقراطية أو الفكر الغربي عموماً بكل أطيافه وألوانه. فصاروا يتأثرون به، ومن ضمن ما يتأثرون به المنهج العقلي المعاصر الذي يفترض أن الدين إيمان بدون دليل، وأن العلم هو الاستدلال العقلي، وأنه هو اليقيني وحده دون غيره.

دين الإسلام دين يقيني يقبله العقل

دين الإسلام دين يقيني يقبله العقل لكن نحن نقول: إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإننا نؤمن بهذا الدين بناءً على أدلة يقينية قطعية وليس إيماناً مجرداً، وهو مبني على صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم -كما يقول العلماء- دل عليها أكثر من ألف دليل، يعني: ليس الدليل هو المعجزات فقط وإنما أكثر من ألف دليل، فمن الأدلة مثلاً: أن هذا القرآن في حد ذاته معجزة من حيث بيانه، فتحدى الكفار الأوائل أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بل أن يأتوا بعشر سور أو سورة واحدة. أيضاً هذا القرآن معجز؛ لأن فيه إخباراً عن الغيبيات وقعت بالتفصيل، ولو لم يكن من عند الله لما أمكن أن يتنبأ بالغيب ثم يقع، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بغيبيات يقينة، وقد وقعت تماماً، ومن ذلك أنه قال: (إن ابني هذا سيد - يعني الحسن - ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فحصل تماماً أنه اقتتلت فئتان وأصلح بينهما الحسن عندما تنازل عن الخلافة. كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع فتنة بين الصحابة، وأن أهل الحق فيها هم الذين يعتزلون هذه الفتنة. بل إن جملة من الكشوف العلمية اليقينية ورد في النصوص الشرعية ما يدل عليها. هذا بالإضافة إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو كونه صادقاً، فلم يحفظوا عنه كذباً قط، فلا يمكن أن يصدق في حديثه مع الناس ويكذب على الله سبحانه وتعالى. أضف إلى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر بين قريش حتى وصل عمره أربعين سنة وهو لم يدع أي دعوى لها علاقة بموضوع النبوة، ولم تكن له علاقات بأشخاص عندهم علم عن النبوات، ثم يأتي بدين متكامل، ويأتي بمعجز لفظي، فكل هذا يدل على صدق نبوته. وإن أردت أن تجمع من النصوص الشرعية ما يدل على أن هذا الدين حق فستجد شيئاً كثيراً وعظيماً. إذاً نحن آمنا بهذا الدين والتزمنا به بناءً على أن هذا الدين دين يقيني صحيح وأن العقل يدل على صدقه وصحته، ويترتب على هذا أن كل ما يخبر به النبي فهو حق ويقين، لأنه ثبت عندنا أنه نبي، فكل ما يخبر به من أمور الغيب لا بد أن يكون حقاً، ومن ذلك هذا الباب الذي نحن في صدد الحديث عنه وهو باب الأسماء والصفات، فكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم سواء نسبه إلى الله عز وجل كما في القرآن أو تكلم به صلى الله عليه وسلم، فهذا حق في باب الأسماء وفي باب الصفات أيضاً. ونحن أهل السنة نؤمن بها كما جاءت في النصوص الشرعية، فنؤمن أن الله عز وجل هو العليم الرحيم الجبار المتكبر الرحمن الإله سبحانه وتعالى، هذا بالنسبة لأسمائه. ونؤمن بصفاته سواء الصفات الفعلية مثل النزول والضحك والإتيان والغضب ونحو ذلك، أو الصفات الذاتية مثل العلم والسمع والبصر ونحو ذلك، فهذه الصفات وهذه الأسماء نؤمن بها كما جاءت في النصوص الشرعية.

التوافق بين أسماء الله وأسماء صفاته وبين أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يستلزم التوافق في المسمى

التوافق بين أسماء الله وأسماء صفاته وبين أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يستلزم التوافق في المسمى وقد أشكل على بعض الناس التوافق في أسماء صفات الله عز وجل وأسمائه وأسماء وصفات المخلوقين، فالله عز وجل هو الحي وقد سمى بعض عباده الحي، وهو سبحانه وتعالى يعلم وعبده يعلم أيضاً، وهو سبحانه وتعالى له قدم ولعبده قدم، وهو سبحانه وتعالى له عينان ولعبده عينان، وهو سبحانه وتعالى له يد ولعبده يد، هذا التوافق أشكل وأصبح مأزقاً عند الكثير لا يستطيع الخروج منه، أو يخرج منه ببدعة ضالة إما بدعة التعطيل ونفي صفات الله سبحانه وتعالى وحقائقها، أو التمثيل وهو أن صفات الله سبحانه وتعالى مثل صفات المخلوقين. وهذا المأزق يمكن أن نحله كالتالي: أن التوافق بين أسماء صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوق لا تستلزم التوافق في المسمى، فالله عز وجل يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، ويقول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:19] فسمى نفسه الحي وسمى عبده الحي. وكذلك الحال في بقية الأسماء والصفات. نقول: إن الاشتراك في الأسماء لا يقتضي التماثل في المسميات، فإن هذا الاشتراك يحصل في قدر كلي لا وجود له في الخارج وإنما هو موجود في عقل الإنسان وذهنه. ويتميز بالنسبة، يعني: عندما ننسب هذا الأمر نقول مثلاً: يد الإنسان؛ فعرفنا خصوصية معينة لهذه اليد وهي أنها يد إنسان ذات صفة معينة. وإذا قلنا: يد الله، عرفنا أنها يد خاصة بالله سبحانه وتعالى لها صفة أخرى تختلف عن صفة المخلوق لأن هناك فارقاً بين الخالق والمخلوق. فهذه القضية لم يدركها المعطلة ولا الممثلة، فالمعطلة قالوا: إن هذا التشابه يقتضي التماثل التام بين صفات الله عز وجل وصفات خلقه، وبناءً على هذا فلا بد أن ننفي مقتضاها، ورتبوا على هذا أن النصوص القرآنية والنبوية ظواهرها التمثيل، وأن اعتقاد ذلك كفر والعياذ بالله، وأنه لا بد لنا من التأويل، وأن التأويل هو العقيدة الصحيحة التي تجعلنا نصل إلى حقيقة صفات الله سبحانه وتعالى، وأما الإيمان بالظواهر وإثبات ما أثبته الله لنفسه فإن هذا يستلزم التمثيل ولا بد. أما الممثلة فقالوا نفس الكلام، لكن قالوا: لا بد أن نؤمن بما أخبر الله، وقد أخبر الله بالتمثيل فلا بد أن نؤمن به. والحق أن كلتا الطائفتين أخطأت، فإن الله عز وجل لم يجعل ظاهر هذه النصوص التمثيل، ولم يجعل ظاهر هذه النصوص الموافقة التامة، وإنما هي تتفق في الأسماء لكن تختلف في الحقائق. فأنت الآن مثلاً تقول: يد الفيل، وتقول: يد النملة، هنا يد وهنا يد، لكن هذه مختلفة عن هذه من كل الوجوه. وبناءً على هذا نقول: إن القدر المشترك بين اسم صفة الله عز وجل واسم صفة العبد لا حقيقة له من حيث الواقع، وإنما هو قدر يقتضيه الاشتراك الذهني فقط، يعني: يمكن أن يوجد في الذهن أن هذه يد وهذه يد، لكن لا يوجد لها صورة وحقيقة معينة في ذهنك. ويمكن أن توجد في الخارج عند الاختصاص أي: عندما يكون يد الله أو يد المخلوق، فتقول: يد المخلوق وتعرف حقيقتها وتعرف طبيعتها، ويد الله عز وجل تليق بجلاله لا تشبه يد المخلوق، ولا نعلم كيفيتها. فمجرد الاشتراك في الاسم لا يقتضي التماثل في المسميات، ولهذا ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلاً في كتابه التدمرية بالجنة، فقال: الجنة ورد في النصوص الشرعية أن فيها نخلاً وفيها ثمراً وفيها فواكه، لكن لا تشبه شيئاً مما في الدنيا، فليست فواكه الجنة مثل فواكه الدنيا، وليس هناك تشابه أصلاً بينهما، ولهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ليس شيء في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. وهذه الأسماء معنى كلي في الذهن، أي: لا يمكن للإنسان أن يميزه إلا بالاختصاص، فإذا خصه فقال: ثمرة الدنيا أو ثمرة الآخرة، وهكذا الحال في كل الأسماء الكلية، فإن الأسماء الكلية لا وجود لها في الواقع، وقد يعبر بعض العلماء عن كلمة الواقع هذه فيقول: في الخارج، يعني: خارج الذهن، فيقولون: في الداخل يعني: داخل الذهن، وفي الخارج يعني: الواقع المعاش الذي يعايشه الناس. إذاً القدر المشترك هو المعنى الكلي الذي يؤخذ من مطلق الاسم، مثل عموم كلمة يد، أو عموم كلمة نزول، أو عموم كلمة علم، أو عموم كلمة وجه، لكن عند الاختصاص تتمايز وتختلف بشكل تام.

أقسام الألفاظ المشتركة في اللغة ودلالتها

أقسام الألفاظ المشتركة في اللغة ودلالتها وقد وقع خلاف كبير عند هؤلاء في القدر المشترك في الأسماء ما هو؟ هل هو مقول بالاشتراك اللفظي، أو هو مقول كما يسمونه بالتواطؤ، أو هو مقول بالتشكيك؟ وهذه مصطلحات للكلمات العربية. فبعضها تقال بالاشتراك اللفظي، مثلاً كلمة عين، ممكن تفهم عين الإنسان، وممكن تفهم العين الجارية، وممكن تفهم الجاسوس، ويمكن أن تفهم أشياء متعددة مع أن الكلمة واحدة، فيعرفون الاشتراك اللفظي بأنه اللفظ الذي يدل على حقائق مختلفة وهو لفظ واحد. فالعين لفظ واحد، لكنها تدل على حقائق مختلفة تمام الاختلاف. كذلك (المشتري) تطلق على الإنسان الذي يشتري بضاعة من بائع، وتطلق على الكوكب، والفرق بين الكوكب وبين المشتري كشخص في الحقائق تماماً. وهناك اصطلاح آخر وهو التواطؤ، والتواطؤ هو الاسم الكلي الذي يدل على أنواع متعددة متفقة في الحقيقة، يمثلون له بكلمة إنسان، فكلمة إنسان كلمة كلية عامة تدل على أشخاص كثر، هذا إنسان وهذا إنسان وهذا إنسان، لكنها كلها متفقة في الحقيقة، أي: حقيقة الإنسان أن له جسداً وروحاً وعينين وأذنين، لكن هذا الإنسان يختلف عن هذا الإنسان، هذا زيد وهذا عمرو، وهذا محمد، وهذا خالد، وهذا فهد، وهكذا. هذا يسمى التواطؤ. والتواطؤ يقسمه بعض الأصوليين إلى قسمين: تواطؤ عام. وتواطؤ خاص. وهناك فرق بين التواطؤ العام والتواطؤ الخاص، وقد يسمون التواطؤ الخاص بالمشكك. ومعنى اصطلاح المشكك: اللفظ الذي يدل على أكثر من معان مختلفة في الحقيقة، لكن مقسمها واحد، وهناك فرق بين أن يكون حقيقتها واحدة وبين أن يكون مقسمها واحداً، مثل كلمة (الحيوان) تدل على أنواع متعددة لكن الحقيقة واحدة. لكن في المشكك الحقيقة ليست واحدة، بل هي حقائق مختلفة، لكن ليس مثل الاشتراك اللفظي، وهي أن الحقائق مختلفة كلياً بحيث إن هذا له معنى مختلف عن المعنى الآخر، وهذه الحقائق المختلفة لها معنى، كل واحد يمكن أن يفهم فهماً من خلال الاسم العام والمطلق. فإطلاق الصفات سواء إطلاقاً عاماً هكذا هي من جنس المشكك وليست من جنس الاشتراك اللفظي، ولهذا جمهور المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم يعتقدون أن إطلاق هذه الأسماء من جنس المشكك كما سبق، لكنهم ينفونها لاعتقادهم أن هذا يدل على التماثل ولا بد، ونحن نقول: إنه لا يدل على التماثل وإنما هو معنى عام مشترك يتمايز في الحقائق. وانحرف بعضهم انحرافاً كبيراً جداً في هذه المسألة فقال: إن إطلاق هذه الأسماء هي من جنس الاشتراك اللفظي. وهذا يدل على أن الذي يؤمن بهذه القضية سيدخل في فوضى كبيرة من خلال تفكره في هذا الاشتراك اللفظي. ونحن قلنا: إن الاشتراك اللفظي هو الكلمة التي تستخدم في حقائق متعددة، يعني: العين الباصرة غير العين الجارية من كل وجه، يعني: ليس هناك قدر مشترك بينها أبداً، فهي مختلفة من كل وجه، وإنما اتفقت في الحروف (ع ي ن). وأما اتفاق أسماء صفات الله عز وجل مع أسماء المخلوقين فهي ليست من هذا الباب، وإنما هي من باب الاتفاق في قدر مشترك ومعنى عام يختلف في الحقائق عند الإضافة، فيقال: هذه صفة المخلوق وهذه صفة الخالق، هذه صفة الله وهذه صفة العبد مثلاً، لأن القول بأنها من الاشتراك اللفظي يجعل الإنسان في متاهة وفي حيرة كبيرة، فعندما يقرأ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] ماذا يفهم من كلمة الحي؟ يعني: ما دام أنه بالاشتراك اللفظي يمكن أن يكون معناها بعيداً كل البعد، ونحن خاطبنا الله عز وجل بلغة العرب الواضحة البينة، وإنما يتضح معنى الآية من السياق. ولو أخذنا مثالاً واحداً وهو الوجود، فالله عز وجل موجود والعبد موجود، لكن وجود الله ليس مثل وجود العبد، بل هو مختلف تماماً، لكن هذا وجود وهذا وجود، بمعنى: هذا ليس بمعدوم وهذا ليس بمعدوم أيضاً. والوجود له معنى عام يفهمه الإنسان، لكن هذا المعنى لا يمكن للإنسان أن يحدده بالنسبة لله ويجعلها مثل صفة المخلوق، وهذا هو التمثيل الذي حذر الله ونهى عنه. على كل حال هذه خلاصة هذه المسألة، وهي مسألة طويلة الذيل، وهذا هو المأزق الذي وقع فيه أهل الكلام سواء المعطلة منهم أو المشبهة، والحق هو ما سبق أن أشرنا إليه، ولهذا يرد كثيراً في كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن من لم يقل بالقدر المشترك فهو ينفي وجود الله سبحانه وتعالى. ومعنى كلامه أن من لم يقل بأن هناك قدراً مشتركاً بين وجود العبد ووجود الخالق، وأن هذا القدر المشترك لا يقتضي التماثل وإنما هناك تمايز من كل وجه إذا أضيفت إلى الخالق أو المخلوق؛ فإن هذا يقتضي ألا يثبت وجوداً أصلاً، أي: لا يثبت وجوداً حقيقياً لله سبحانه وتعالى. هذا ما يتعلق بقضية موقف السلف الصالح رضوان الله عليهم بشكل مجمل في إثبات الأسماء والصفات، فهم يثبتونها كما أثبتها الله عز وجل وكما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينفون ما نفاه الله عز وجل أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

تنوع تقسيم الصفات لاعتبارات مختلفة

تنوع تقسيم الصفات لاعتبارات مختلفة والصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية أو منفية. وهذه نأخذها من القاعدة: وهي إثبات ما أثبته الله وأثبته رسول الله، ونفي ما نفاه الله أو نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك صفات أثبتها الله لنفسه وهناك صفات نفاها الله عز وجل عن نفسه. والصفات الثبوتية كثيرة وهي الأصل، ولهذا أثبت الله عز وجل لنفسه الحياة والعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك، ونفى الله عز وجل عن نفسه نفياً مجملاً كقوله سبحانه وتعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]. وكقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، وكقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، فهذا النفي جاء مجملاً؛ لأن النفي التفصيلي ليس فيه شيء من الكمال والمدح، وإنما يكون الكمال بالإثبات التفصيلي والنفي المجمل، هذا بالإضافة إلى أن النفي ينبغي أن يتضمن إثبات كمال الضد، يعني: إذا نفينا عن الله سبحانه وتعالى مثلاً {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] فذلك لكمال علمه وحياته وإحاطته سبحانه وتعالى بكل شيء. {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ:3] يعني: لكمال علمه، فهو سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، وهكذا. وتقسيمات الصفات الثبوتية كثيرة لأهل العلم، فهم يقسمونها باعتبار الدليل إلى صفات عقلية وصفات خبرية، والفرق بينهما أن الصفات العقلية يمكن الاستدلال عليها عقلاً بشكل مستقل، وأما الصفات الخبرية فهي التي لا يمكن أن يعرفها الإنسان إلا من الخبر. ومثال الصفات العقلية: العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام. وهناك صفات خبرية مثل: النزول والاستواء والضحك ونحو ذلك هذه من الصفات الخبرية. وقد يقسمون الصفات الثبوتية باعتبار تعلقها بذات الله عز وجل إلى قسمين: صفات ملازمة لذات الله عز وجل لا تنفك عنه بوجه من الوجوه، وهي الصفات الذاتية مثل: الوجه واليدين والعلم والحياة ونحو ذلك. وهناك صفات تسمى الصفات الفعلية أو الصفات الاختيارية، وهي الصفات المتعلقة بإرادة الله عز وجل إذا شاء فعلها وإذا شاء تركها، مثل النزول والاستواء والضحك والخلق ونحو ذلك، ويقسمون هذه الصفات إلى قسمين: صفات فعلية متعدية إلى الخلق وتشمل صفات الربوبية مثل الإحياء والإماتة والتدبير، وهناك صفات لازمة لله عز وجل مثل الاستواء. فهذه التقسيمات كلها العبرة فيها بالمعنى، وإنما جاءت هذه التقسيمات من أجل التقريب العلمي عندما تقدمت العلوم وأصبح لا بد من تصنيف المسائل وتقسيمها. فالتقسيم في حد ذاته ليس خطأ، إنما الخطأ إذا كان مفهوم التقسيم ومعنى التقسيم فاسداً. يعني: عندما نقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، بعض الناس يقول: هذه بدعة، من أين أتيتم بهذا التقسيم؟ فنقول: البدعة تتعلق بما أخبر الله عز وجل به أو أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: عندما نقول إن الله أخبر بهذا التقسيم يكون ذلك مبتدعاً، لأنا إذا قلنا: إن الله أخبر بهذا التقسيم بهذا الشكل المفصل فهذا كذب على الله سبحانه وتعالى وكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن نحن نقول: إن هذه معان صحيحة وحقائق صحيحة، وهذا إخبار عنها بطريق التقسيمات، وهذا أمر متفق عليه في سائر العلوم، يعني: سواء فيما يتعلق بعلوم العربية أو العلوم الإنسانية عموماً، لا بد من تقسيم القضايا حتى يفهمها الإنسان ويدركها إدراكاً صحيحاً. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدعوة إلى التقريب بين الأديان

حكم الدعوة إلى التقريب بين الأديان Q بعض الناس يدعو إلى ما يسمى بالتقريب بين الأديان، فما الحكم؟ A لا شك أن التقريب بين الأديان بمعنى خلط الأديان بعضها مع بعض الذي هو وحدة الأديان؛ أن هذا كفر بالله رب العالمين، وأن هذه الفكرة عقيدة فاسدة لا يشك فيها أحد، لكن هناك أشخاص يدعون إلى ما يسمى الحوار بين الأديان. وكلمة (الحوار) كلمة فضفاضة يمكن أن يقصد بها معنى صحيح، ويمكن أن يقصد بها معنى فاسد، ولهذا لا يصح للإنسان أن يضع كلمة حوار موطن القبول مطلقاً، ولا يجعلها أيضاً موطن الرد مطلقاً، وبعض الناس عنده حساسية مباشرة يرى أن هذا المقصود به خلط الأديان، وهذا خطأ. لكن الحوار بحسب طريقة الحوار، إذا كان المقصود به دعوة أصحاب الأديان وبيان العقيدة الصحيحة لهم فهذا أمر مطلوب، وإذا كان غير ذلك فهذا أمر يحكم عليه بحسب حاله.

حكم تكفير المعين إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام

حكم تكفير المعين إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام Q هل يحكم على شخص معين يدعي الإسلام بالكفر إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام مثل موالاة الكفار ومحاربة المسلمين؟ A أولاً: موالاة الكفار ليست ناقضة مطلقاً، وإنما هو بحسب ما يكون في عقيدة الإنسان الذي يوالي، فإذا كانت الموالاة بمجرد التشبه أو الحب لغير وصف الدين، مثلاً لأنه ظريف، لأنه لطيف، لأنه عالم، لأنه يحسن لعب الكرة، فهذا لا يعتبر كفراً مخرجاً عن الملة، وإنما هو كبيرة من الكبائر. أما الموالاة لأجل دينه، يعني: محبته لأجل دينه؛ فهذا هو الكفر المخرج عن الملة. وأيضاً ليست محاربة المسلمين مطلقاً كفراً، لكن إذا كانت لأنهم مسلمون فهذا كفر، أما إذا حاربهم مثلاً لأنه يريد أن يوسع أرضه مثلاً، فهذا ظالم وفاجر لكن لا يصل إلى درجة الكفر. أما إذا ارتكب الإنسان ناقضاً حقيقياً من نواقض الإيمان؛ فإنه عند الحكم عليه لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، يعني: لا يصح الحكم عليه مطلقاً، فهناك فرق بين الفعل والفاعل، فقد يأتي إنسان بناقض من النواقض لكن هو نفسه لا يكفر، ولا يخرج عن الإسلام لوجود مانع من الموانع. فـ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وقع في ناقض عندما كتب إلى كفار قريش يخبرهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فهذا ناقض من النواقض، لكنه هو نفسه لم يكفر، لوجود مانع من الموانع وهو التأويل، ولهذا عذره النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا الرجل الذي قال لأهله: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم ذروا رفاتي في الهواء، ثم قال: لئن قدر علي الله ليعذبنني عذاباً شديداً) فهو يعرف الله عز وجل وهو يعظم الله عز وجل، بل إنه خائف من الله سبحانه وتعالى، ووجه الكفر عنده أنه شك في قدرة الله، فهو ليس بكافر لعارض الجهل، فليس كل من وقع في كفر يكون كافراً، قد يكون لديه عذر كأن يكون جاهلاً -وليس الجهل عذراً في كل حال، وإنما هناك تفصيلات دقيقة عند أهل العلم- أو مكرهاً أو متأولاً أو نحو ذلك، فلا يصح للإنسان أن يكفر الأشخاص لمجرد أنهم تلبسوا بالكفر. ولهذا أريد أن أنبه إلى قضية مهمة جداً، وهي أن كثيراً من الشباب يتعجل وقد يصل به الحال أن يكفر عالماً من العلماء، لأن عالماً من العلماء يقول كلمة قد لا يؤيد المجاهدين -مثلاً- فيها، صحيح قد يكون مخطئاً، قد يكون ظالماً مثلاً بحسب قوله، قد يكون مبتدعاً؛ لكن التكفير خطير، فلا يصح للإنسان أن يتجرأ على تكفير أهل العلم، أو على تكفير هيئات معينة، أو جهات معينة. ولهذا نحن بحاجة إلى أن يكون طالب العلم عفيف اللسان، بل عليه أن يبتعد عن بعض الناس الذين يجلسون في مجالسهم فيتكلمون ويلوكون في أخبار بعض أهل العلم الذين يكون لهم مواقف أو آراء اجتهدوا فيها، نعم قد يكون بعضهم أخطأ فيها، لكن ليس كل خطأ كفراً، وليس كل من وقع في مسألة قد تكون هي كفر في ذاتها يكون كافراً، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر غاية الحذر من هذا. وهناك قاعدة مشهورة عند العلماء: الخطأ في العذر خير من الخطأ في العقوبة، بمعنى: أنك عندما تجد إنساناً مسلماً في الأصل ثم تلبس بكفر، ثم تخاف من تكفيره وتقول: هو مسلم عندي، وقد يكون هو كافراً في الحقيقة، فهذا الخطأ أخف بكثير من أن تطلق الكفر على إنسان قد يكون مسلماً، ولهذا فالتعجل والكلام بدون علم هو الذي يوصل الإنسان إلى كثير من الزلات. ولهذا ليس هناك أفضل من أن يكون الإنسان ملتزماً بالسنة، وعلى طالب العلم أن يكون عفيف اللسان بعيداً عن الوقيعة في أهل العلم، فالوقيعة في أهل العلم علامة شؤم على الإنسان. صحيح أن المخطئ لا نقبل قوله حتى ولو كان عالماً، ونحن أهل السنة والجماعة -ولله الحمد- لا نقلد قول عالم مخالف للدليل الصحيح الصريح الواضح، لكن إذا اجتهد عالم يجب أن يعذر، فإذا كان عالماً من أهل السنة ثم اجتهد في مسألة فلم يوفق في اجتهاده، فإن غاية ما هنالك أن يكون قد أخطأ فله أجر، أو قد تكون زلة من جنس الذنوب والمعاصي، وما لديه من الأعمال الفاضلة والطيبة يمحو الله عز وجل بها هذه الزلة. إذاً: ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر، وأن يتأدب مع أهل العلم غاية الأدب.

حكم انتقاص قدر العلماء وتتبع زلاتهم

حكم انتقاص قدر العلماء وتتبع زلاتهم Q يتردد أحياناً في مجتمع طلاب العلم -وللأسف الشديد- انتقاص قدر العلماء وطلاب العلم المتمكنين وتتبع زلاتهم حتى ولو كان العلماء مجتهدين؟ A لا شك أنه خطأ كبير ومنقصة عظيمة أن يتجرأ الإنسان على أهل العلم، وأن يتكلم عليهم، وأن يذمهم، وعيب عليك أن تكون معروفاً بأنك سباب لأهل العلم، والعياذ بالله. السلف ذموا الروافض بكثير من الأمور، كان من أبرزها أنهم ممن يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف تسب أشخاصاً من أهل العلم قد يكونون أقرب إلى الله عز وجل منك، وأكثر عبادة منك. لكن كيف نجمع بين هذا وبين الكلام في أهل البدع ونصوص السلف الطويلة في ضرورة التحذير من أهل البدع؟ نقول: هناك فرق بين علماء أهل السنة وعلماء المبتدعة، فعلماء أهل السنة الأصل فيهم الثناء عليهم وقبول قولهم إلا إذا خالف الدليل الصحيح الصريح الواضح. وأما الذين ينصبون أنفسهم لبدعة مخالفة للسنة ويدافعون عنها ويهاجمون أهل السنة بسببها؛ فهذا لا يعني أن الإنسان يسبهم ويشتمهم، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتعود على السب أصلاً، لأن السب منقصة، ولم يكن السب في يوم من الأيام محموداً شرعاً، حتى على الكافر، وإنما يكون الرد وبيان الخطأ والتحذير منه بحسب حجمه، فالداعية إلى البدعة غير الذي لا يدعو إلى البدعة، والمؤثر غير الإنسان الذي لا يكون له تأثير، وهكذا بضوابط.

الكتب التي ينصح بقراءتها لطالب العلم المبتدئ

الكتب التي ينصح بقراءتها لطالب العلم المبتدئ Q أنا مبتدئ في قراءة العقيدة، فما هي الكتب التي تنصحون بقراءتها؟ A المبتدئ في العلم سواء في دراسة العقيدة أو في غيرها عليه أن يبتدئ بتصحيح قراءته للقرآن حتى تكون قراءة صحيحة، ثم ينظر في حاله إن كان سيتفرغ للعلم ويشتغل به فيقرأ متناً صغيراً في العقيدة أو في الفقه أو في اللغة. ثم إذا انتهى منها وحفظها وأتقنها ينتقل إلى متن آخر، ثم إذا انتهى ينتقل إلى متن ثالث، وهكذا يستمر حتى يصل إن شاء الله إلى رتبة أهل العلم، مع الالتزام بالتقوى والإيمان والخوف من الله ودعاء الله سبحانه وتعالى، والأدب والعفة. أما إذا كان شخصاً غير متفرغ للعلم كمن له تجارة يشتغل بها أو أسرة كبيرة يريد أن ينفق عليها وهو يريد أن يتعلم الأصول الأساسية؛ فهذا الإنسان عليه أولاً أن يتعلم قراءة القرآن حتى يتقنه، ولا يشترط في الإتقان أن يأخذ إجازة أو سنداً وإنما تكون قراءته صحيحة في التشكيل الإعرابي، وفي التجويد، أي: في الجملة، ولا يكون فيها لحن. ثم يأخذ كتب أهل العلم المعروفة في العقيدة، مثلاً كتاب التوحيد للشيخ الفوزان، وكتاب الإرشاد له، ويأخذ مثلاً بعض شروح الشيخ ابن عثيمين، مثل القول المفيد في كتاب التوحيد. ويقرأ ما يتيسر له من تفسير القرآن، ويشتغل بقراءة فتاوى أهل العلم حتى يعرف الحلال من الحرام، وإذا وقع في قضية أو حصلت عنده مشكلة أو مسألة لم يفهمها يسأل أهل العلم المتقنين المتخصصين فيها ليتفهمها.

كيفية الاستفادة من الدروس العلمية

كيفية الاستفادة من الدروس العلمية Q أنا طالب علم أحضر دروس ودورات علمية ومع ذلك لا أشعر بالفائدة العظيمة من تلك الدروس، وأشعر بأني لم أدرس بعض تلك العلوم؛ فما الطريقة المفيدة لتذكر العلم والاستفادة من الدروس العلمية؟ A على الإنسان ألا يكتفي بالحضور، فإذا انتهى الدرس ذهب وحضر درساً آخر أو اشتغل بأمر آخر، فحينئذ تصبح الدروس بالنسبة له مثل المحاضرات ومثل قراءة الصحف ومثل قراءة الكتب، وإذا أصبحت الدروس العلمية بهذه الصورة لا يتقن الإنسان، وفعلاً يشعر بأنه تنتهي دورة وسنة وسنتان وهو يحضر دروساً لكنه غير مستفيد؛ لأنه لا يحفظ. فالعلم لا بد له من حفظ، ولا يشترط أن يحفظ مثلاً متناً، وإن حفظ فهذا خير، لكن على الأقل يحفظ أدلة من النصوص القرآنية والنصوص النبوية، ويحفظ أيضاً قواعد أهل العلم، ويحفظ تقسيمات المسائل بشكل دقيق، وحينئذ يكون طالب علم ويشعر أنه استفاد. لكن إذا كان يكتفي بالحضور ثم يخرج فلن يستفيد شيئاً كثيراً، هذا بالإضافة إلى أنه ينبغي أن يرتب جدوله ويجعل لنفسه مثلاً أوقاتاً للحفظ وأوقاتاً للقراءة وأوقاتاً لتكرار العلم، وهكذا بحيث إنه يستفيد.

حكم التسمي بالأسماء التي لم يثبت أنها أسماء لله تعالى

حكم التسمي بالأسماء التي لم يثبت أنها أسماء لله تعالى Q هناك أسماء لله تعالى فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من يثبتها اسماً لله، ومنهم من يقول هي صفة فقط، وعلى المنع لا يجوز التسمي بهذه الأسماء؛ فهل هناك قاعدة في ذلك؟ A هناك أسماء مجمع عليها أنها أسماء، وهناك أسماء اختلف العلماء في كونها أسماء لاختلافهم في ثبوت النص مثل اسم المحسن، أو في ثبوت الصيغة التي جاءت في النص هل هي اسم أو أنها صفة؟ فالخلاف في هذه المسألة خلاف يسير، ولا يترتب عليه إشكال كبير، وهو من جنس الاجتهاد في مسائل الفروع، وكذلك الحال فيما يتعلق بالصفات، وإنما يتميز صاحب العقيدة الصحيحة من غيره في باب أسماء الله وصفاته بالقاعدة في منهج إثبات الاسم أو نفيه، وفي منهج إثبات الصفة أو نفيها. هذا المنهج وهذه القاعدة هي التي يتميز بها صاحب العقيدة الصحيحة من دونه، فإذا اتفقوا في عقيدة واحدة ثم جاءوا إلى مواطن فيها إشكال بناءً على ما سبق أن أشرنا إليه من الاختلاف في ثبوت النص أو الاختلاف في دلالته وصيغته؛ فهذا الاختلاف ليس فيه إشكال.

حكم تكفير الخوارج

حكم تكفير الخوارج Q في حاشية فتح المجيد يقول الشيخ محمد حامد الفقي: (وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للخوارج بكثرة الصلاة والصيام وقراءة القرآن المشحون بلا إله إلا الله، ومع ذلك فقد حكم عليهم بالكفر). اهـ. هل قوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد) دليل على أن الخوارج -كما ذكر في الحاشية- كفار؟ A الخوارج أنواع وليسوا نوعاً واحداً، فمنهم من وقع في الكفر فعلاً، ومنهم من ليس كذلك. فالخوارج الأوائل الذين خرجوا على علي رضي الله عنه كانوا يكفرون مرتكب الكبيرة ولم يكفرهم علي رضي الله عنه ولا الصحابة الذين معه، ولهذا لم يأخذوا أموالهم غنائم في وقعة النهروان، ولم يرتبوا عليهم أحكام الكفر مطلقاً. وحديث: (يمرقون من الدين) هو وصف عام للخوارج، فيحتمل أن يكون من نصوص التكفير إذا وقعوا في الكفر أو من نصوص الوعيد، ولهذا عندما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الخوارج: هل هم كفار؟ اكتفى بقوله: (يمرقون من الدين) يعني: لم يزد على ذلك! ولهذا فتكفير مرتكب الكبيرة في حد ذاته ليس مبرراً للقول بأن الخوارج كفار، لكن من الخوارج من يكون لديه من العقائد الكفرية مثل إنكار السنة النبوية بناءً على أن الصحابة كفار إلا مجموعة بسيطة منهم، وهكذا. وهؤلاء لا شك أنهم وقعوا في الكفر.

حكم تلقي العقيدة من الإجماع

حكم تلقي العقيدة من الإجماع Q هل يعتبر الإجماع مصدراً أساسياً في تلقي العقيدة؟ A الإجماع عموماً من مصادر التشريع؛ لأن الشرع من القرآن والسنة دل على أن الإجماع حجة، لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.

حكم الكتب التي تتكلم في المغيبات وأشراط الساعة

حكم الكتب التي تتكلم في المغيبات وأشراط الساعة Q انتشر في الآونة الأخيرة بعض الكتب مثل كتاب عمر أمة الإسلام، وكتاب هرمجدون، فما رأيكم فيها؟ A مع الأسف أن كثيراً من الناس عندما ينظر إلى الواقع المؤلم للمسلمين يبدأ يشتغل بالقراءة في كتب الفتن وأشراط الساعة وأخبار آخر الزمان فيقع عند قراءته هذه في زلات، إما أن يتعطل عن العمل وينتظر المهدي، وإما أن يدعي في إنسان أنه المهدي وهو ليس كذلك، وإما أن يحاول أن يطبق هذه النصوص التي يقرأها على الواقع، فيقول مثلاً: السفياني هو فلان، والذي يأتي وينقض الكعبة فلان، ومعركة هرمجدون ستقع بعد فترة وقدرها كذا، وهكذا. وهذه الطريقة ليست بطريقة مشروعة؛ لأن تنزيل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم على الواقع هي من جنس الظن الذي ليس عليه دليل، والظن كما تعلمون هو أكذب الحديث، ولا ينبغي للإنسان أن يشتغل بهذا. والحقيقة أن من الخطأ اشتغال كثير من الناس بما يتعلق بالنبوءات، سواء نبوءات أهل الكتاب أو نبوءات المسلمين؛ نعم يمكن لنا أن نقرأ مثل هذه الأشياء وأن نستفيد منها، وأن نفكر في المستقبل، لكن من الخطأ الكبير أن يحاول الإنسان أن يطبق ذلك، ولذلك تجد مثلاً من يقول: إن أمريكا ضربت العراق من أجل سببين: الأول: النفط، وهذا ليس مشكلاً. والثاني: من أجل جبل الذهب الذي يظهر عند انحسار نهر الفرات. نعم الحديث صحيح، لكن هو خرافة بالنسبة أمريكا، لأن أمريكا أصلاً لا تؤمن بالحديث ولا فكرت في الحديث، وإنما لها مبررات أخرى تفيدها هي في ذاتها وفي شخصها. فالاشتغال بمثل هذه القضايا لا يفيد الإنسان، بل ينبغي على الإنسان أن يبتعد عن مثل هذه الأمور.

حكم نشرات الأحوال الجوية في الأخبار

حكم نشرات الأحوال الجوية في الأخبار Q ما حكم ذكر الأحوال الجوية في نشرة الأخبار والتي يذكر فيها درجات حرارة اليوم الثاني بجزم ويقين؟ A إن كان يحكم بجزم ويقين فهذا ظالم لنفسه، فهو يدعي ما ليس له به علم، لكن إن كان يقول: من المتوقع مثلاً أن يحصل كذا وكذا؛ فهذا لا إشكال فيه، لأنهم يبنون هذا التوقع على دراسات علمية مرتبطة بأمور كونية ليس هناك إشكال فيها. لكن يكون هذا الإنسان مخطئاً إذا جزم وقال: سيكون غداً كذا وكذا.

حقيقة منهج الحداثة

حقيقة منهج الحداثة Q ما هي الحداثة؟ ومتى بدأت؟ A الحداثة منهج فكري نشأ في الغرب مبني على أن الحياة الحديثة أفضل من القديمة، وأنه لا يمكن للإنسان أن يتوصل إلى حياة حديثة حتى يهدم القديم، فيبني المجتمع الحديث على المجتمع القديم. ومعنى يهدم القديم: أن يهدم أديانه وقيمه وأخلاقه ويهدم عاداته وتقاليده، ويهدم كل شيء فيه، وحينئذ نستطيع أن نبني مجتمعاً جديداً، فإذا بنيناه ثم استمر فترة فيصبح هذا القديم يجب أن نهدمه ونبني مجتمعاً جديداً آخر، ثم يصبح هذا بعد فترة مجتمعاً قديماً ويجب أن نهدمه لنبني مجتمعاً آخر، ويعتبرون هذا هو التحديث وأن هذا هو الأصلح للإنسانية، وأن هذا هو الأفضل، وأن هذا هو مقتضى تحكيم العقل واستعماله، ولا شك أنه خرافة، فهناك حقائق مطلقة ويقينية وثابتة ومستمرة إلى أن يموت الإنسان. لكن هؤلاء أرادوا معارضة طبيعة الحياة، ومعارضة الأديان عموماً، ومعارضة الأخلاق، فليست هناك قيم أخلاقية مطلقة، يعني: الصدق ليس ممدوحاً دائماً عندهم، وإنما يمكن في المجتمع الحديث أن يكون الكذب هو الأصل، وأن يكون الصدق منقصة للإنسان ومذمة له، وهكذا بالنسبة لبقية الأخلاق الأخرى. وهم يتخذون من الأدب ستاراً يتغطون به حتى ينفذوا إلى المجتمع من خلاله، وإلا فهو منهج فكري متكامل كما يعبرون عن ذلك.

دراسة موضوعية [3]

دراسة موضوعية [3] الكتاب والسنة هما المصدران الوحيدان اللذان تؤخذ منهما الأسماء والصفات، ويستوي في ذلك آيات القرآن وصحيح السنة، سواء كانت متواترة أو آحاداً، ومنهج أهل السنة والجماعة أن ظواهر النصوص الواردة في الصفات مرادة ما لم يكن في ظاهرها مشابهة للمخلوق، وهذا لا يمكن أن يكون؛ فهي لا تقتضي المماثلة بأي وجه من الوجوه، وبذلك يتميز منهج أهل السنة والجماعة عن مناهج الفرق الضالة الأخرى.

من آداب الطالب في نفسه أن يعلم أن العلم عبادة

من آداب الطالب في نفسه أن يعلم أن العلم عبادة قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم: [الفصل الأول: آداب الطالب في نفسه. الأول: العلم عبادة، أصل الأصول في هذه الحلية بل ولكل أمر مطلوب علمك بأن العلم عبادة، قال بعض العلماء: العلم صلاة السر، وعبادة القلب]. هذه المقدمة التي بدأ بها الشيخ في آداب الطالب مع نفسه هي مقدمة مهمة جداً؛ لأن فيها تحديد الهدف من طلبنا للعلم، هل نحن نريد أن نطلب العلم لأننا نجد متعة في طلب العلم؟! أما أننا نطلب العلم من أجل أن يشار إلينا بالبنان وأن نمدح في المجالس وأن نكون فصحاء في كتابتنا ومقالتنا، أو من أجل أن يتخرج الإنسان بدرجة علمية معينة أو أي غرض من أغراض هذه الدنيا الحقيرة الدنيئة؟! ولهذا لا بد لطالب العلم منذ أن يضع قدمه على هذا الطريق أن يحدد الهدف الأساسي من طلبه للعلم، فإنه إذا فهم أن طلب العلم عبادة فإنه سيقوم بحق هذه العبادة، وهو أن يفرد هذه العبادة لله عز وجل، فلا يطلب العلم لأي غرض من أغراض الدنيا، بل يعطي هذا العلم حقه من حيث الاهتمام بمعرفة المنهج الشرعي الرباني في هذا العلم، وهكذا يترتب على تحديد هذا الهدف قضايا كثيرة، وخصال كثيرة، وآداب كثيرة، وإرادات كثيرة، ولهذا ينبغي للإنسان دائماً أن يستحضر في طلبه للعلم في كل أحواله أنه يؤدي عبادة لله عز وجل، وينبغي عليه أن يحتسب ذلك عند الله عز وجل فإن له به أجراً، وله عند الله سبحانه وتعالى درجة، فهو مثل العابد الذي يصوم، ويصلي، ويزكي، ويتصدق ونحو ذلك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) وهكذا طلب العلم عندما يتعب الإنسان نفسه بطلب العلم يكون عابداً لله سبحانه وتعالى، لكن بشرط أن يكون مخلصاً لله عز وجل وأن يبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، وأن يجتهد غاية الاجتهاد في تخليص نيته وإرادته من الشوائب الدنيوية الحقيرة.

إخلاص النية لله في طلب العلم

إخلاص النية لله في طلب العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليه فإن شرط العبادة الأول: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] الآية، وفي الحديث الفرد المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث. فإن فقد العلم إخلاص النية انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، ولا شيء يحطم العلم مثل الرياء، رياء شرك أو رياء إخلاص، ومثل التسميع بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت]. هذه القضايا قضايا دقيقة جداً وحساسة، وينبغي للإنسان أن يتعامل معها بحساسيتها الموجودة؛ لأنه إذا جمعنا فضائل العلم سنجد أنها قوائم متعددة وكثيرة، لكن في نفس الوقت إذا جمعنا آثار تعلم العلم لغير الله سنجد أنها قوائم كثيرة أيضاً، فأفضل الناس هم أهل العلم، وأول من تسعر بهم الناس يوم القيامة ثلاثة: منهم رجل طلب العلم لغير الله عز وجل، فقارنوا بين هذا وبين هذا، الجميع عمل في مهنة واحدة وفي عمل واحد لكن الأول اشتغل بالعلم من أجل الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، ولهذا تضع له الملائكة أجنحتها وهو يسلك طريقاً إلى الجنة إلى آخر الفضائل المعروفة في طلب العلم. أما الآخر فهو أول من تسعر به النار والعياذ بالله، ويكون من حطب جهنم وحصبه، ولهذا ينبغي للإنسان أن يعتني بالنية غاية الاعتناء، ولهذا قال العلماء: إن الإخلاص من أصعب وأشق العبادات، وقد قال الشيخ هنا: (ولا شيء يحطم العلم مثل الرياء رياء الشرك أو رياء إخلاص) فرياء الشرك هو أن يطلب العلم من أجل أن يمدح ويثنى عليه بشكل صريح وواضح، ورياء الإخلاص هو التظاهر بالإخلاص لكن لغير الله سبحانه وتعالى حتى يقال: مخلص، وهنا تكون المشكلة، فينبغي للإنسان أن يجتهد في تصحيح نيته وتصفيتها قدر ما يستطيع. أما التسميع فهو أن يقول مسمعاً: علمت وحفظت، يعني: عندي علم قدره كذا وحفظ قدره كذا، يحاول أن يظهر علمه للناس. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليه فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمي نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمي الحمى]. هناك علامات مميزة للعالم الرباني عن عالم السوء، لكن كيف يمكن للإنسان أن يميز بين العالم الرباني والعالم السوء؟ وكيف يمكن لنا حتى ولو كنا من العوام أن نميز بين الاثنين؟ لأن كثيراً من الناس يقول: إن محاولة التفريق بين العالم الرباني وعالم السوء أن هذا يوقع الناس في حرج، فالناس قد ترى الرجل يتكلم ويحسن الكلام، ويكون كلامه رائعاً وممتازاً ومؤثراً ثم يأتي أشخاص فيقولون: إن هذا الإنسان مثلاً من علماء السوء، وهذا يجعل الأمة تتخبط، والحقيقة أنه لا داعي للتخبط، فإن الفرق بين العالم الرباني وعالم السوء مثل الفرق بين الطائع والمخلص، والمؤمن وبين الفاسق والمنافق والضال، فهذا له علامات يعرف بها، وذاك أيضاً له علامات يعرف بها، فمن هذه العلامات إخلاص النية لله سبحانه وتعالى. قد يقول قائل: النية عمل قلبي كيف يمكن لنا أن نميز بين إنسان مخلص لله سبحانه وتعالى، وإنسان غير مخلص لله تعالى؟ فنقول: نحن لم يطلب منا أن نفتش عما في قلوب الناس، بل إنه لا يجوز للإنسان أن يحكم على نية أحد من الناس هكذا دون بينة، لكن مع هذا هناك قرائن تدل على أن هذا الإنسان صادق أو ليس بصادق كما قال الله عز وجل عن المنافقين: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30]، فجعل لحن القول من الإشارات والقرائن والدلائل التي تظهر من خلال كلماتهم، وقد تكون كلمات نادرة وقليلة تفصح عن حقيقة هذا الإنسان، والمتكلم بشكل دقيق، لكن لا يصح للإنسان أن يتهم الناس لظنه أن هذا من لحن القول، فهذه مسألة حساسة ينبغي للإنسان أن يكون فيها دقيقاً، وهو أمر دقيق جداً قد يخوض الإنسان فيه بالباطل، فينبغي للإنسان أن يكون دقيقاً بعيداً عن القدح في الناس، لكن هذا لا يعني ألا نميز بين الإنسان الذي يتكلم بحق وبعدل، وسيرته وطريقته تدل على ذلك، وبين الآخر المختلف عنه في ذلك كله.

نهي العلماء عن الطبوليات

نهي العلماء عن الطبوليات قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللعلماء في هذا أقوال ومواقف بينت طرفاً منها في المبحث الأول من كتاب (التعالم) ويزاد عليه: نهي العلماء عن الطبوليات، وهي المسائل التي يراد بها الشهرة]. ونحن نجد مع الأسف أن بعض طلاب العلم بدل أن يشتغل ببناء نفسه علمياً في أنواع العلوم الشرعية في الفقه وفي العقيدة وفي الحديث وفي اللغة أو علوم الآلة مثل اللغة والمصطلح وأصول الفقه، تجده يشتغل بما يسمى بالطبوليات، وهي المسائل المشهورة، فتجد البعض مثلاً ينظر ما هي المسائل المشهورة عند طلاب العلم في جدة، قالوا: والله المسائل المشهورة عند طلاب العلم في جدة خمس مسائل يتردد الكلام عليها في المجالس، فيأتي إلى هذه المسائل الخمس ثم يجمع عشرات الكتب، ويحفظ ما يستطيع منها، ثم يأتي ويتصدر المجالس ويقول: هذه المسألة فيها كذا، وهذه المسألة فيها كذا، وقال فلان في هذه القضية كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا، علماً أنه لو خرج عن هذه الخمس المسائل إلى مسائل واضحات من الشريعة فإنه لا يجيد منها شيئاً، وهذه مشكلة! فهذه الطريقة التي يستخدمها بعض الناس ليست طريقة منهجية وصحيحة، بل هي علامة ضعف، فينبغي للإنسان أن يبتعد عن هذا النوع من المسائل، وعليه أن يبني نفسه مثل ما يبني البيت، بأن تأتي وتضع له أساساً ثم تبنيه بناء دقيقاً وتضع له أعمدة ثم تبنيه، وهكذا الإنسان يبني نفسه علمياً، ولذلك لو أن إنساناً تعلم جزئيات من العلوم الطبيعية لا يقال له: إنه عالم إلا إذا أخذ العلم بأصوله وبطريقته السليمة والصحيحة.

التعلق بالدنيا يذهب نور العلم

التعلق بالدنيا يذهب نور العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قيل: زلة العالم مضروب لها الطبل. وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: كنت أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة سلبته]. سفيان هو الثوري، وقوله: (كنت أوتيت فهم القرآن) يعني: أعطاني الله عز وجل فهماً في القرآن واستنباطه، مع أن فهم القرآن الفهم الصحيح لا يحده حد؛ لأن كلام الله عز وجل فيه من الكنوز والفوائد والمعاني ما عرفه الناس، وهناك الكثير مما لم يعرف، ولهذا يقول: (أوتيت فهم القرآن) يعني: حسن تدبر القرآن وحسن تنزيل القرآن على المسائل، وعلى أحوال النفس وعلى الناس. قوله: (فلما قبلت الصرة) هي: الوعاء الذي يكون فيه نقود، ويقصد بذلك أنه لما قبل الصرة من حاكم من حكام زمانه قال: (سلبته) يعني: سلبت هذا الفهم. وهو يريد رحمه الله أن يبين أن الإنسان إذا كان نزيهاً وبعيداً عن الدخول على السلاطين وبعيداً عن أخذ أعطياتهم، وبعيداً عن مجاملتهم، فإن الله عز وجل يوفقه ويكون أقرب إلى الإخلاص، بينما إذا كان يقبل أعطيات السلاطين وهباتهم فإن هذا يجعل عينه كسيرة عندهم، فإذا رأى منكراً من المنكرات لا يستطيع أن ينكره، وبهذه الطريقة يضعف علمه، ويخفت وهج الإخلاص لديه. ومسألة الدخول على السلاطين مسألة دقيقة وحساسة وفيها تفصيل، فهي ليست مسألة مطلقة، فلا يقال: لا يصح الدخول على السلطان مطلقاً، أو يصح الدخول مطلقاً، وإنما يختلف الناس باختلاف قدراتهم وإمكاناتهم. والأصل في ذلك أنه إذا تحققت المصلحة الشرعية واستطاع الإنسان أن يدخل على السلطان وينصحه، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، مع استخدام الأسلوب الطيب دون مجاملة في حد من حدود الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الوضع كذلك فإنه يجوز له أن يدخل عنده، بينما قد يوجد إنسان لا يتحمل مثل هذه الأشياء، ويخاف على نفسه أنه قد يجامل وقد يداهن في الحق، فمثل هذا لا ينبغي له الدخول. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب؛ بأن تكون مع بذل الجهد في الإخلاص شديد الخوف من نواقضه، عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه. ويؤثر عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قوله: ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي! وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده: يا أبي! ما لك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بني! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة. وفقك الله لرشدك آمين]. المقصود من هذا أن النائحة الثكلى -وهي النائحة التي أصابتها المصيبة- ليست مثل المستأجرة؛ لأن العرب قديماً كانوا يميزون بين العظماء وغير العظماء بأن العظيم هو الذي يكثر عليه البكاء ويشتد عليه النواح، وكلما كثر البكاء دل هذا على عظمته، ومكانته، وعدم استغناء الناس عنه، فكان بعضهم ربما استأجر نساء ينحن على والده أو أخيه أو نحو ذلك، فكان هناك بعض الناس يمتهن مثل هذا العمل، فقد تبكي وهي لا دخل لها بالقضية لا من قريب ولا من بعيد، وإنما تبكي من أجل المال، والناس الذين يأتون من الخارج لا يعرفون من القريبة له ومن المستأجرة. وعلاقة هذا الموضوع بكلام عمر بن ذر هو أن الإنسان الذي يتكلم وهو يشعر بكلامه يختلف عن الإنسان المستأجر الذي يتكلم من أجل أجرة ودنيا، وهذا نجده حتى على مستوى الخطباء، فتجد الخطيب الذي يتكلم وهو صادق فيما يقول ويتكلم عن حرقة ورغبة في إصلاح الناس ليس مثل الخطيب الذي يتكلم من أجل أن يبقى خطيباً، ومن أجل أن يكون له مكافأة لهذا المسجد أو نحو ذلك. فالإخلاص ليس له مثل أبداً، فينبغي للإنسان أن ينقب نفسه بشكل مستمر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة؛ محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحقيقها بتمحض المتابعة، وقفو الأثر للمعصوم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]]. الخصلة الثانية مع الخصلة الأولى هما شرطان في كل عمل من العبادات، يعني: يشترط لها إخلاص النية، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبالجملة؛ فهذان أصل هذه الحلية، ويقعان منها موقع التاج من الحلة]. فيا أيها الطلاب! هأنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق (طلب العلم)، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهي مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا]. إذاً النقطة الأولى هي: أن العلم عبادة، وأن العبادة يشترط لها الإخلاص والمتابعة، ومن أعظم الأهداف التي يبارك الله عز وجل بها لطالب العلم أن يبارك له في علمه وفيما يكتبه، مثلاً: هذا الكتاب الصغير الذي كتبه الشيخ بكر أبو زيد أنا أعتقد أنه أفضل من مئات الآلاف من الكتب الموجودة التي نلاحظها في كثير من ال

قواعد مستنبطة من القاعدة العامة في باب الأسماء والصفات

قواعد مستنبطة من القاعدة العامة في باب الأسماء والصفات باب الصفات من أطول الأبواب التي تحدثت عنها الكتب الثلاثة إلى درجة أن من يسمع بأسماء هذه الكتب يتبادر إلى ذهنه مباشرة باب الصفات، ولذلك نجد كثيراً من المشايخ عندما يريدون أن يوصوا طلابهم بكتب أهل العلم يقولون: اقرءوا كتابين: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكتاب الواسطية في توحيد الألوهية والصفات، مع أن الواسطية فيها مباحث عقدية أخرى غير باب الصفات مثل باب القدر، وباب الإيمان، والصحابة، وباب الغيبيات، لكن باب الصفات هو من أبرز هذه الأبواب التي توجد في هذه الكتب. وقد تحدثنا مسبقاً عن القاعدة العامة للسلف الصالح رحمهم الله في باب الصفات، وقلنا: إن القاعدة العامة هي إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه القاعدة العامة تتضمن كثيراً من المعاني والمسائل والقواعد التي يمكن أن تكون داخل هذا الشعار، وهذا الشعار الكبير لا يمكن أن نذكر كل ما يتعلق به، لكن يمكن ذكر أهم ما يتعلق بهذا الشعار.

الكتاب والسنة هما مصدرا الأسماء والصفات

الكتاب والسنة هما مصدرا الأسماء والصفات مصدر الأسماء والصفات هو الكتاب والسنة: لأن الأسماء والصفات من الأخبار التي لا تدخلها الأقيسة المجردة، بل هي من الأخبار التي تتلقى عن الصادق، وسبق أن قلنا إن تلقي الأخبار عن الصادق -وهو كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم- لا يدل على أننا نؤمن بهذه الأسماء والصفات إيماناً مجرداً دون أن يكون للعقل مدخل فيها، ولهذا فالمعتزلة، والأشعرية، والماتريدية وغيرهم ممن يعظم العقل لم يسمهم أهل السنة بالعقلانيين، وإنما كانوا يسمونهم أهل الأهواء والبدع، فإن العقل اسم شريف، وممدوح في الكتاب والسنة، وهو أيضاً ممدوح عند كل الناس، فعندما يقال: فلان عاقل، وفلان غير عاقل، أي: الممدوح منهما العاقل، ولهذا نحن نقول: إن منهج أهل السنة هو المنهج العقلاني الوحيد الصحيح؛ لأن خالق العقل هو الله، ومنزل النقل هو الله، ولا يمكن أن يختلف ما خلقه الله مع ما أنزله، ولهذا استدللنا على ذلك بقول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. فلا شك أنه أعلم بخلقه سبحانه وتعالى من غيره، لكن أهل البدع ظنوا أن النصوص الشرعية الموجودة في القرآن والسنة والتي جاءت في باب الغيبيات وبالذات في باب الصفات؛ ظنوا أنها مخالفة للعقل، وهذا ظن فاسد، فهي ليست مخالفة للعقل، فإن هذه النصوص مصدرها الأساسي القرآن، والقرآن عليه من الأدلة العقلية التي تثبت صدقه ما حصر لها، ولهذا سبق أن ذكرت أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليها أكثر من ألف دليل، منها: القرآن، فالقرآن دليل واحد، وهناك أدلة متعددة أخرى غير القرآن، وسبق أن ذكرت نماذج من الأدلة العقلية التي يمكن أن نستدل بها على أن هذا القرآن حق، ومن ثمَ على أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبناء على هذا فكل ما يأتي في القرآن والسنة من المعاني -ومنها الأسماء والصفات- فهي معان حقيقية صادقة لا شك فيها، ليست بحاجة إلى تحريف أو تبديل أو تغيير هذا معنى من المعاني التي يمكن أن نأخذها من القاعدة العامة.

يقبل في باب الأسماء والصفات من الحديث ما يقبل في باب الأحكام

يقبل في باب الأسماء والصفات من الحديث ما يقبل في باب الأحكام سبق أن ذكرنا أن الأسماء والصفات كما أنها تؤخذ من القرآن الذي نقل بالتواتر من حيث الثبوت يمكن أن تأخذ أيضاً من السنة المنقولة بالتواتر وبالآحاد، وبناء على هذا فما يكون مقبولاً في باب الأحكام لا بد أن يكون مقبولاً في باب الأخبار وفي باب الأسماء والصفات وبقية العقائد؛ لأنه إذا تعبدنا الله سبحانه وتعالى ونحن أمرنا الناس أن يتعبدوا في الأحكام بأخبار الآحاد، فلا شك أن أخبار العقائد مثلها ولا فرق، ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأقطار أفراداً يقررون لهم أصل الدين، وأساس الملة، وقاعدة التوحيد، ولم يرسل عدد التواتر، ولو كان عدد التواتر شرطاً في قضايا العقائد لاشترطه أهل الأقطار، ولأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اشتراطهم؛ لكنه ليس بشرط، وأهم شيء هو أن يكون ثابتاً، وأن يكون النقل بإسناد صحيح، وأن لا يخالف ما هو أصح منه وأوثق منه.

التوافق الوارد في أسماء الله وأسماء صفاته مع أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يقتضي التماثل

التوافق الوارد في أسماء الله وأسماء صفاته مع أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يقتضي التماثل من المعاني التي تدخل في هذه القاعدة ما سبق أن أشرنا إليه، وهو أن التوافق الوارد في أسماء الله وفي أسماء صفاته مع أسماء المخلوقات لا يقتضي التماثل، وإنما هو اتفاق في أسماء بينها قدر مشترك، هذا القدر المشترك إذا ذكرته على الإضافة لا يكون له حقيقة خارجية، وإنما حقيقته في الذهن فقط، فإن الذهن يربط بين المعاني برابط كلي عام لا يمكن أن يكوم موجوداً في الخارج إلا إذا أضفته، فاليد أو القدم أو العلم أو الوجود أو أي اسم من هذه الأسماء له معنى في الذهن، لكن إذا أضفته فقلت: يد الله، وعلم الله، ووجود الله اختلفت تماماً عن يد المخلوق، وعلم المخلوق، ووجود المخلوق؛ مع كونها تتفق في الاسم العام، وهذا الاتفاق لا يقتضي التماثل بأي وجه من الوجوه. كذلك نحن ننفي عن الله التشبيه، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله تحقيق دقيق جداً في هذه المسألة حيث قال رحمه الله: إن كلمة التشبيه كلمة مجملة، فإن أرادوا بالتشبيه التماثل فلا شك أنه ليس هناك تماثل بين أسماء الله وصفاته وبين أسماء المخلوقين؛ لأنه ليس هناك تماثل بين الخالق والمخلوق. أما إذا أرادوا بالتشبيه مجرد التشابه في الأسماء، فنحن لا ننفي هذا بل نثبته ونرى أن إثباته أساسي لفهم معاني أسماء الله وصفاته. ولهذا سبق أن ناقشنا مسألة الاشتراك في الألفاظ وقلنا: إنها قطعاً ليست من الأسماء المشتركة، مثل لفظ (العين) الذي يطلق على الجاسوس، ويطلق على العين الباصرة، ويطلق على العين الجارية، وهي كذلك ليست من التواطؤ الذي يجتمع في الحقيقة مثل لفظة (إنسان) الذي يوجد أفراده في الخارج، لكن حقيقته واحدة، وإنما قلنا: إنه يطلق بالتشكيك كما يسميه بعض أهل الأصول أو بالتواطؤ العام الذي يفهم منه المعنى الكلي العام، لكن لا وجود له في الخارج إلا مختصاً. وسبق أن قلنا: إن هذا يعتبر مأزقاً وإن هذه المسألة تعتبر من نقاط الارتكاز التي اختلف فيها أهل السنة مع المعطلة من جهة أخرى، فالمعطلة ظنوا أنه إذا قلنا: إن لله يداً، ولله وجهاً، ولله علماً، وإن لله سبحانه وتعالى صفات متعددة، وهذه الأسماء موجودة في المخلوقات؛ أن هذا يقتضي التماثل من كل وجه، ونحن نقول: لا يقتضيه، فقالوا: أنتم تكابرون! فقلنا لهم: إذا كان يقتضيه فلا بد أنكم -أيها المعطلة- تثبتون قدراً من أسماء الله أو من صفاته أو على الأقل وجوده، فالمعتزلة مثلاً ينفون صفات الله عز وجل جميعاً ويثبتون الأسماء، فنقول لهم: كيف تثبتون الأسماء وبعض المخلوقين لهم أسماء كأسماء الله عز وجل، فالله هو العزيز سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: {وقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51]، فهذا عزيز وذاك عزيز، فلماذا تعتبرون أسماء الله مختصة به، وأسماء المخلوقين مختصة بهم، والصفات لا تطبقون عليها القاعدة؟ هذا تناقض! وإذا كان المناقش والمجادل من الأشعريين الذين يثبتون لله عز وجل سبع صفات عقلية: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وينفون عن الله سبحانه وتعالى بقية الصفات الفعلية والصفات الخبرية الأخرى، نقول لهم: ما نفيتموه مثل ما أثبتموه، فإن قلتم: إن علم الله عز وجل لا يشبه علم المخلوق، قلنا: وكذلك غضبه، وكذلك ضحكه، وكذلك نزوله، وكذلك بقية الصفات التي نفيتموها. فإن قلتم: إن هذا يليق بجلال الله، قلنا: وذاك أيضاً يليق بجلال الله. فإن قالوا: إن الغضب لا يفهم إلا من المخلوق، قلنا: وكذلك المخلوق عنده علم، والمخلوق عنده حياة، والمخلوق موجود! وهذا تناقض كبير؛ فهم في الحقيقة لم يحققوا هذه المسألة، ولم يبحثوها بشكل جيد، فاضطربوا فيها اضطراباً كبيراً، فلا يستطيعون القول بأن هذه الكلمات مطلقة من باب الاشتراك اللفظي، فجمهورهم يقولون: إنها من باب المتواطئ العام الذي سبقت الإشارة إليه. أما الرازي والآمدي فتجد أن هناك اضطراباً في كلامهم حول هذه المسألة، ومع ذلك لما قالوا بها شن عليهم عدد كبير من أهل السنة، وحتى من المتكلمين أنفسهم؛ بسبب أن هذا يقتضي أن لا نفهم شيئاً من صفات الله، وأن لا نفهم معاني أسمائه، وأنه يحتمل أن يكون لها معنى مختلف اختلافاً كلياً مائة بالمائة. وهذا لا يقول به عاقل، فإن الله عز وجل خاطبنا بلغة واضحة وبينة، يمكن للإنسان أن يفهمها ويدركها ولهذا كان كتاباً مبيناً، وكان شفاءً وقد سبق أن وضحنا هذه القضايا بشكل تفصيلي.

كيفية التعامل مع ظواهر النصوص التي وردت في الصفات

كيفية التعامل مع ظواهر النصوص التي وردت في الصفات هنا قضية مهمة وهي قضية ظواهر النصوص التي وردت في الصفات هل ظواهرها مقصودة أو ليست مقصودة؟ أو هل هناك معان باطنية في هذه الظواهر ينبغي أن نبحث عنها، وننقب عنها، ونرد معاني أسماء وصفات الله عز وجل إليها، وأن ننتقد كل من يفهم الظواهر التي تأتي في النصوص؟ لا شك أن منهج أهل السنة والجماعة هو أن ظواهر هذه الأسماء والصفات مرادة لكن بشرط إلا يكون ظاهرها مشابهة المخلوق، ولا يمكن أن يكون ظاهرها كذلك؛ لأن الله عز وجل الذي أثبت لنفسه الصفات نفى عن نفسه مماثلة المخلوقات فقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، وهذا استفهام إنكاري معناه: ليس له سبحانه وتعالى سمي. وقال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:74]، وقال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، فالله عز وجل ليس له شبيه ولا مثيل. وبناء على هذا فكل ما نقرؤه في القرآن أو في السنة من أسماء الله ومن صفاته فهي على ظواهرها، لكن لا يجوز للمسلم أن يظن أن ظواهرها مماثلة المخلوقات، لكن قلوبهم اشتملت على الشبهات فإذا قرءوا آية من آيات الله عز وجل في القرآن أو حديثاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ظنوا مباشرة أن هذا يقتضي المماثلة، فاتفقوا على أنها ليست على ظاهرها، ثم اختلفوا: هل نعين المعنى المراد بهذه النصوص، أم نكتفي بأن نقول: ليست على ظاهرها ونترك معانيها؟ فالقسم الأول: هم المعطلة المؤولة، والقسم الثاني: هم المعطلة المفوضة. فهم جميعاً اتفقوا على نفي مدلول معاني أسماء الله وصفاته عن الله عز وجل، ثم اختلفوا فيما يترتب على ذلك: مثلاً قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] يقولون: هذه قطعاً لا تدل على إثبات المجيء لله عز وجل، فلا يصح أن ننسب لله عز وجل صفة المجيء؛ لأن المجيء من صفات المخلوق، والله عز وجل مخالف للمخلوق، فلا نثبتها لله، ثم اختلفوا: هل نأتي بمعنى ملائم للآية وهو ما يسمى (التأويل) وهو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح لوجود قرينة. والقرينة عندهم جميعاً هي أن هذه الظواهر تقتضي التمثيل، فالمؤولة قالوا: لا بد أن نحدد المعنى على سبيل التبرع، كما قال بذلك الرازي في القانون الكلي في كتاب له اسمه أساس التقديس؛ يقول: نحن نؤول هذه النصوص من باب التبرع، يعني: حتى يفهم الإنسان معانيها. وقالت المفوضة: نمرها كما جاءت. ثم فسروا آية آل عمران في المتشابه على نحو ما يريدون وبالطريقة التي يريدون، وسيأتي معنا إن شاء الله عند القراءة وقوع أحد علماء هذه الكتب الثلاثة وهو ابن قدامة رحمه الله في خطأ لكنه خطأ جزئي وليس هو حقيقة مذهب المفوضة. ونحن نقول: لا شك أن هذه الظواهر على حقيقتها، وأن ظواهر هذه الأسماء والصفات لا تقتضي المماثلة بأي وجه من الوجوه. إذاً الطريقة التي ندرس بها العقيدة الآن تسمى: (طريقة التصحيح)، أعني: تصحيح المفاهيم العقدية مما خالطها من شوائب البدع؛ لأن هناك مدارس كلامية سابقة ألف علماؤها كتباً وانتشرت في الأمة، وصار لديها معاهد، ومدارس دينية، وظهر على أثر هذا علماء ينشرون هذه العقائد بشكل كبير، فاقتضى ذلك تصحيح العقيدة مما وقع حولها من الشوائب، وإلا فإن الواجب أن تكون دراستنا في الأسماء والصفات هي دراسة أثرها التربوي والإيماني على القلوب. ويدل لذلك أنه عندما جاء لقيط بن صبرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه قوله: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) (القنوط) هو: اليأس، (وقرب غيره) يعني: قرب انفراج هذا اليأس، فيضحك الله عز وجل من ذلك لضعف العبد قال لقيط: (يا رسول الله! أيضحك الرب؟) ما كان يعرف هذه الصفة، قال: (نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً). فهو استفاد منها أثراً تربوياً وإيمانياً، يعني: هذا الرب الذي يضحك لا نعدم منه خيراً، فأثر في نفس لقيط بن صبرة أن ربه يضحك، واستفاد منه أثراً إيمانياً ضوعبادة إيمانية ضرورية عند أهل السنة وهي الرجاء. يعني: ينبغي للإنسان أن يرجوه وأن يطلب منه الخير مادام يضحك، وهذه من صفاته، ولم يخطر في بال لقيط بن صبرة ما يخطر في عقول المتكلمين في زماننا وفي الزمان الذي قبله، لم يقل: هل الضحك يقتضي أن يكون مماثلاً لضحك المخلوق؟ وهل يقتضي أن يكون هناك لهاة؟ وهل يقتضي أن يكون هناك أسنان؟ وهل يقتضي أن يكون هناك لسان مع الفارق بين الخالق والمخلوق؟ إذاً: لقيط لم يقس ربه على خلقه، وإنما عرف أن ربه مختلف، لكن له هذه الصفة التي تدل على معنى، فاستفاد من هذا المعنى، ولم يشبه ولم يمثل في صفته سبحانه وتعالى، وأيضاً لم يدفعه ذلك لنفي هذه الصفة عن الله سبحانه وتعالى، هـ

كلام ابن أبي داود في الحائية في وجوب التزام الكتاب والسنة في باب العقائد

كلام ابن أبي داود في الحائية في وجوب التزام الكتاب والسنة في باب العقائد قال الشيخ أبو بكر بن أبي داود رحمه الله: [تمسك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعياً لعلك تفلح ودن بكتاب الله والسنن التي أتت عن رسول الله تنج وتربح] هذه قاعدة عامة في باب الأسماء والصفات وفي غيره من الأبواب، وهي أن الالتزام بالكتاب والسنة هو الموصل إلى العقيدة الصحيحة في كل باب. وينبغي البعد غاية البعد عن البدع، والبدعة هي الاختراع في الدين والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الاختراع الذي يخترعه العبد، سواء في باب العلميات وهي العقائد أو في باب العمليات وهي العبادات. فليست البدعة هي مطلق الاختراع، وإنما الاختراع ما كان منسوباً إلى الدين وليس عليه دليل من الكتاب والسنة، فلا شك في كونه حينئذٍ من البدع. ونحن لا نسمي المصطلح مصطلحاً شرعياً إلا إذا كان هذا المصطلح في القرآن أو السنة؛ لأن الشرع هو كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هناك مصطلح معناه صحيح وليس فيه معان باطلة فهذا لا إشكال فيه، ولهذا لا يزال أهل العلم منذ زمن الصحابة يفصلون المسائل ويقسمونها، فأصول الفقه فيه تقسيمات، ومصطلح الحديث فيه تقسيمات، واللغة فيها تقسيمات وكذلك كافة العلوم. ومن الطبيعي أن الإنسان إذا كان لديه معنى من المعاني يمكن له أن يقسمه وأن يفصله وأن يسمي كل قسم من الأقسام باسم، وليس في التسمية مشكلة إذا كان المعنى صحيحاً، ولهذا لم ينكر السلف مصطلحات الفناء والكشف والجوهر والحيز والجهة على الصوفية والمتكلمين بسبب أنها مصطلحات جديدة، وإنما أنكروها لأنها تتضمن معاني تناقض المعاني الشرعية، فالسلف لم ينكروا مصطلح الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق، والمرسل، والمقيد، والمعنعن، والمعلل أو المعل ونحو ذلك؛ لأن المعاني التي تضمنتها معان صحيحة، وإنما أنكروا المصطلحات التي تكون معانيها باطلة. وبهذا نعلم فساد قول من يرى أن مصطلح (العقيدة) مصطلح بدعي؛ لأن كلمة (العقيدة) لم ترد في الكتاب ولا في السنة، فأنتم بهذا قد وقعتم في بدعة! نقول: كلمة (العقيدة) أصلاً مأخوذة من عقد الحبل إذا وثقته، فالمقصود منه: هل عقدتم الأيمان، يعني: وثقتموها، فالعقد المقصود به التوثيق الذي يدل على معنى اليقين، فالمقصود أن ما يعتقده الإنسان ويوقن به يمكن تسميته عقيدة، فهل هذا يتضمن معنى فاسداً؟ لا يتضمن معنى فاسداً، ولهذا لا يصح الإنكار من هذه الزاوية، فهو إنكار ناقص، ويدل على ضعف علم عند مثل هذا الشخص.

شرح مقدمة لمعة الاعتقاد

شرح مقدمة لمعة الاعتقاد قال الشيخ الموفق ابن قدامة رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، له الأسماء الحسنى والصفات العلى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:5 - 7]، أحاط بكل شيء علماً، وقهر كل مخلوق عزة وحكماً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]، موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم]. هذه المقدمة حسنة الاستهلال؛ لأنه بدأها بالحديث عن الله سبحانه وتعالى، وعما يتعلق بأسمائه وصفاته.

شرح قوله: (وترك التعرض له بالرد)

شرح قوله: (وترك التعرض له بالرد) قال المؤلف رحمه الله: [وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن، وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه والتمثيل]. قوله: (وترك التعرض له بالرد) يعني: أن يكذب الإنسان هذا الوحي، ولا شك أن تكذيب القرآن أو تكذيب شيء مما في القرآن كفر بالله رب العالمين، لكن الحقيقة أن الخطر على عقائد المسلمين ليس من المكذبين، لأنه يسهل على الإنسان أن يكتشف أمرهم وحالهم، فالذي يبارز أهل الدين العداء بشكل صريح وواضح فهذا لا إشكال فيه حيث يعرفه المسلمون، لكن المشكلة في الذي يقر بالألفاظ الموجودة في القرآن وفي السنة لكن يقول: إن معانيها ليست كما تقولون، وإنما لها معان أخرى، ثم يأتي بمعان مبتدعة، ثم يأخذ هذه الألفاظ الموجودة فيها ويلوي أعناقها، ويحرفها حتى تكون موافقة لهذا المعنى الجديد الذي جاء به. وهذا يعتبر من أخطر الأمور على المسلمين لأنه هو الذي فرق المسلمين وجعلهم شيعاً وأحزاباً، وهو المعنى الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)، يعني أمة الإجابة وهم المسلمون، وفي بعض الألفاظ: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فبين أن الفرق تفترق، ولا يتصور من فرق تنتسب إلى الإسلام -وهم من المسلمين في الجملة- أن يكذبوا بالنصوص، وإنما المشكلة التي وقعوا فيها أنهم آمنوا بألفاظها وحرفوا معانيها، وسموا هذا التحريف اسماً لطيفاً جميلاً وهو التأويل، والحقيقة أن التأويل في المصطلح الشرعي يأتي بمعنيين: المعنى الأول: يأتي بمعنى التفسير. والمعنى الثاني: يأتي بمعنى حقيقة الشيء. فالتأويل في الاصطلاح الشرعي لا يكون إلا بهذين المعنيين، فالأول: معناه تفسير المعاني الموجودة ضمن هذه الألفاظ بما يقتضيه المعنى الشرعي الصحيح، والثاني: وهو حقيقة الشيء وذاته في نفس الأمر، ولهذا عندما كان يركع النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) قالت عائشة: (كان يتأول القرآن) يعني: يفسر القرآن بعمله، وذلك أن الله يقول: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]، فتقول عائشة: إنه كان يتأول القرآن، يعني يفسر بفعله فيقول في ركوعه: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي). وأما حقيقة الشيء فهذا هو الذي سيأتي معنا إن شاء الله عند الحديث عن آية المتشابه في سورة آل عمران.

شرح قوله: وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه

شرح قوله: وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه قال ابن قدامة: [وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً، وترك التعرض لمعناه]. قوله: (وما أشكل من ذلك) يعني: ما كان من المتشابه، ولهذا فالنصوص الشرعية تنقسم إلى قسمين: محكم ومتشابه. المحكم: هو الواضح البين، ولهذا قال تعالى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران:7] يعني: هن أصل الكتاب وأساس الكتاب. قال: {وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7]، المتشابهات هي التي تكون خفية الدلالة وغير واضحة المعاني. وهناك نصوص فيها إشكال، ونصوص اختلف العلماء فيها هل هي من نصوص الصفات أو ليست من نصوص الصفات، كالآية التي وردت في إثبات الساق {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] اختلف العلماء فيها هل تتضمن إثبات صفة الساق لله عز وجل أو لا تتضمن؟ أما الصفة نفسها فقد دل عليها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وعلى كل حال هذه الصفة بشكل خاص هي الصفة الوحيدة التي وقع فيها الخلاف، لكن الكلام في القاعدة العريضة العامة. ومن هنا فباب الصفات يعتبر من المحكم في أصله وفي قاعدته، لكن قد تكون بعض النصوص مورد إشكال، وتكون غير واضحة في الدلالة والمعنى، وحينئذٍ إذا وقعت مثل هذه النصوص نردها إلى المحكم، ولهذا انقسم الناس في التعامل مع المتشابه إلى فريقين: الفريق الأول: (الذين في قلوبهم زيغ) وهم الذين يتبعون المتشابه، يأخذون النص ويبترونه، ثم يوظفونه في الشيء الذي يريدونه من الأفكار والعقائد، وأما أهل العلم فإنهم إذا وجدوا النص المشكل ردوه إلى أساسه المحكم الواضح. قال ابن قدامة رحمه الله: [وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعاً لطريق الراسخين في العلم، الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]، وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أملوه، وقطع أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]]. هذه الآية وهي آية المتشابه في سورة آل عمران اختلف أهل العلم في تفسيرها اختلافاً كبيراً، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله رسالة مستقلة في هذا الموضوع بعنوان: الإكليل في المتشابه والتأويل، وهي مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى الكبير. هذه الآية يقول الله عز وجل في بدايتها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7]، فإلى هذا الحد متفق عليه وليس فيه اختلاف، والمقصود بهذه الآية أن القرآن مشتمل على محكمات واضحات بينات هن أم الكتاب، (وأخر) يعني: نصوص أخرى فيها اشتباه وإشكال في المعنى، فينبغي أن ترد إلى المعنى المحكم. هناك خلاف دقيق لا يعنينا الآن في تفسير معنى المحكم، فبعضهم مثلاً يقول: المحكم هو الناسخ، والمتشابه هو المنسوخ، وبعضهم يقول: المحكم هو الواضح، والمتشابه هو غير الواضح المبهم، وبعضهم يرى أن المحكم هو الخاص، والمتشابه هو العام ونحو ذلك، لكن الذي يهمنا هو الفهم العام لهذه الآية. قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران:7]، يعني: أهل الأهواء {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7]، يعني: يذهبون إلى النصوص التي في معانيها إشكال {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:7] يعني: طلب الفتنة، والمقصود بالفتنة هو الشرك أو البدعة أو العقيدة الفاسدة عموماً {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] يعني ابتغاء حقيقته. فهؤلاء الذين في قلوبهم زيغ يريدون باتباعهم للمتشابه وإعراضهم عن المحكم يريدون الفتنة من جهة، ويريدون الوصول إلى حقيقة الشيء من جهة أخرى! لو قال قائل: لماذا لا يكون معنى {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] تفسيره؟ نقول: ليس في هذا ذم، يعني: لو كان المقصود أنهم يبتغون تفسير القرآن، فإن كل المسلمين يبتغونه، ولهذا أمرنا الله عز وجل أن نتدبر القرآن فقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29]، ولا يمكن تدبر الآيات إلا بفهم تفسيره، ولهذا ذم الله عز وجل الذين لا يتدبرون فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ ع

الأسئلة

الأسئلة

أمثلة على الغلو في القول والاعتقاد

أمثلة على الغلو في القول والاعتقاد Q يعرف العلماء الغلو بأنه الإفراط في التعظيم بالقول والاعتقاد بالعمل، فما مثال الغلو بالقول؟ A الغلو بالقول مثل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: يا رسول الله اغفر لي، والغلو في الاعتقاد كأن يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، والغلو في العمل مثل السجود لقبر أو نحو ذلك.

تنوع الغلو

تنوع الغلو Q يرى العلماء أن الغلو تارة يكون شركاً وتارة يكون وسيلة إلى الشرك، فهل من تفصيل في ذلك؟ A من الغلو مثلاً عبادة غير الله عز وجل والطواف حول القبور، والذبح لغير الله، والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ومن الغلو ما هو أقل من ذلك مثل تقبيل يد الفاضل أو التمسح ببعض الأماكن الفاضلة والمباركة لكن على غير وجهها الشرعي، فهذه من البدع وليست من الكفريات.

منزلة العمل من الإيمان

منزلة العمل من الإيمان Q بعض أهل العلم يقول: العمل جزء تكميلي في الإيمان، وليس من أصل الإيمان، فلو كان العمل من أصل الإيمان لكان ترك العمل ناقضاً من نواقض الإيمان، فما رأيكم في هذا القول؟ A هذا القول مبهم، إذا كان المقصود بالعمل جزء العمل كأن يترك الإنسان بعض الأعمال الواجبة فهذا لا شك أنه لا ينقض الإيمان، لكن إذا كان المقصود ترك العمل بالكلية بحيث إنه لا يعمل شيئاً من أعمال الظاهر والباطن أو من أعمال الظاهر مطلقاً فلا شك أن هذا ينقض أصل الإيمان.

المقصود بقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)

المقصود بقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) Q ما هي تزكية النفوس في قوله: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]؟ A ليس المقصود بها النماء والطهارة، بل المقصود بتزكية النفس في هذه الآية الثناء عليها ومدحها.

حكم الإيمان بالأسماء والصفات بعيدا عن العقل

حكم الإيمان بالأسماء والصفات بعيداً عن العقل Q أود أن أستفسر عن الإيمان بالأسماء والصفات هل هو إيمان مجرد عن العقل وليس له دخل فيه أو نؤمن بها مع العقل، وهل هذه العقيدة سليمة؟ A هذا الكلام عام، إذا كان الأخ يقصد أن نؤمن بها مع العقل، أي: مع فهم معانيها؛ نقول: نعم لا بد أن نؤمن بها مع العقل، لكن إن كان يقصد أن يدرك الإنسان كل معانيها وحقائقها وكيفيتها؛ فلا شك أن هذا من علم الغيب الذي لا نعرفه، وإنما نؤمن بمعانيها العامة والإجمالية، فلا بد من تفصيل المعاني؛ لأن كلمة العقل قد تستخدم في معنى، وقد تستخدم في صيغه أخرى بمعنى آخر، فينبغي أن نتعود على تدقيق الألفاظ.

الأشاعرة ليسوا من أهل السنة

الأشاعرة ليسوا من أهل السنة Q هل الأشاعره الموجودون الآن هم من أهل السنة؟ A لا شك أن الأشاعرة الآن وقديماً ليسوا من أهل السنة، فأهل السنة يختلفون عنهم تماماً، وهم يخالفون أهل السنة في أبواب متعددة: فيخالفونهم في الصفات، في مسائل الإيمان والتكفير، وفي مسائل القدر، وفي كثير من المسائل، والأشاعرة ليسوا كفاراً، بل هم من المسلمين لكنهم من أهل البدع.

حكم الطعن في عقائد بعض العلماء والفاتحين

حكم الطعن في عقائد بعض العلماء والفاتحين Q نرى بعض طلبة العلم يطعن في عقائد بعض العلماء مثل الحافظ ابن حجر وبعض رواد المسلمين والفاتحين مثل صلاح الدين الأيوبي، فما تعليقكم على هذا؟ A لا شك أن الحافظ ابن حجر رحمه الله كان من أهل السنة، ومن علماء السنة، لكنه أخطأ وزل في بعض المسائل العقدية في الصفات وفي غيرها، وكذلك صلاح الدين كان مجاهداً وصادقاً ونفع الله عز وجل به المسلمين لكنه كان على طريقة الأشاعرة في الجملة، لكن ينبغي أن ننبه لعدة أمور: الأمر الأول: أنه في بعض الأحيان قد يكون الإنسان عالماً في الحديث أو في الفقه ثم يكون عنده خلل في مسألة عقدية، فهذا الإنسان غير متخصص في هذا الباب، لكنه أخطأ أثناء شرح لحديث أو أثناء تفسيره للآية، فهذا الإنسان إذا أخطأ في شرحه لحديث أو في تفسيره لآية لا يعتبر خارجاً عن السنة، وإنما هو من أهل السنة إذا كانت أصوله هي أصول السنة، ويعتبر مخطئاً في هذه المسألة. أما صلاح الدين فإنه لم يكن عالماً وإنما كان مجاهداً صادقاً، وأي مجاهد لا بد أن يكون عنده قدر من العلم، فعندما كان يقرأ كان العلماء في تلك الفترة هم علماء الأشعرية، فدرس على علماء الأشعرية فصار عنده أخطاء بسب ذلك. الأمر الثاني: أن مقام النقد ومقام الاعتراض ومقام المواجهة يختلف من حال إلى حال، يعني: عندما يكون المقام مقام تدريس للعقيدة، وتربية الأمة على العقيدة ينبغي أن ندرس الأمة على العقيدة السلفية الصحيحة التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، التي نعتقد عن علم ويقين أنها هي الحق وما سواه ضلال وانحراف، هذا مقام، أما عندما يجاهد الكفار، وعندما نقاتل الأعداء، وعندما نواجه طواغيت العالم الكافرين حينئذٍ يجب أن نلتزم باسم الإسلام العام. ولهذا فإن ابن قدامة رحمه الله الذي ندرس عقيدته كان في جيش صلاح الدين الأيوبي عندما دخلوا بيت المقدس، وكان في جيشه آلاف من علماء أهل السنة، وطلاب العلم، وعوام أهل السنة، ففي مقام الجهاد في سبيل الله يجب أن تشرك الأمة جميعاً في حماية بيضة الإسلام؛ لأن هؤلاء الأشاعرة حتى لو كانوا أشاعرة أليسوا مسلمين؟! بلى هم مسلمون. وأذكر أنني سمعت فتوى للشيخ محمد ناصر الدين الألباني هذا العالم الذي كان كثيراً ما يتكلم عن البدع ويحذر منها، وكثيراً ما يتكلم عن بعض الأعيان من المبتدعة ويحذر منهم، فأحد الشباب كان مشحوناً جداً على سيد قطب فجاءه يستفتيه يقول له: هل نترحم على سيد قطب؟ فسأله الشيخ سؤالاً موضوعياً دقيقاً جداً قال: هل سيد قطب مسلم أو كافر؟ فسكت السائل وانبهر بالسؤال فقال: مسلم! قال: إذا كان مسلماً يجوز الترحم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس) وذكر منها رد السلام عليه، والصلاة على جنازته ومن باب أولى الترحم عليه. ولهذا ينبغي أن ندرك المقامات، مثلاً بعض الشباب يقرأ في الكتب القديمة أنهم كانوا يهجرون أهل البدع، وأنهم كانوا يذمونهم، ويتكلمون عليهم وما كانوا يصلون على جنائزهم، ثم يطبقها تطبيقاً خاطئاً في الحياة، وهذا خطأ كبير جداً، فالهجر الذي كان يمارس بعض الأحيان فيه نصوص مجردة كانت مرتبطة بالمصلحة، فمثلاً جاء عن الشافعي رحمه الله أنه جاءه حفص الفرد فطلب منه المناظرة فقال: لا أتكلم معك. قال: بكلمة؟ قال: ولا بنصف كلمة. وذلك لأن في هذا عدة مصالح، أولها عدم تنبيه العامة، وقد كان الشافعي رأساً في الناس، ولهذا لا يصلح أن نناقش كل من انحرف حتى لو كان مجهولاً أو سفيهاً أو أحمق أو لا يحسن العلم؛ لأن كثيراً من الناس يريد أن يصعد ويشتهر على حساب أهل العلم. لكن الأصل في المسلمين عموماً أن نرد عليهم السلام إذا سلموا وأن نسلم عليهم، وأن نشهد جنائزهم، وأن نصلي عليها، وأن نستجيب لدعوتهم إذا دعوا، إلا إذا كان هناك مصلحة من المصالح، فينبغي علينا أن نوفق بين كون هذا الإنسان مسلماً وله حقوق، وبين كونه مبتدعاً يجب التحذير منه، فليس هناك تناقض بينهما، لكن لكل مقام مقال وحال. فينبغي إدراك هذه القضية وفهمها فهماً جيداً؛ لأن البعض مثلاً إذا سمعك تقول هذا الكلام قال: أنت تدافع عن أهل البدع، فأقول: معاذ الله، كيف ندافع عن أهل البدع؟! لكن يمكن لشخص آخر أن يتطرف في جهة أخرى: إذاً أنت تكفر أهل البدع، فأنت ستقول: أنا لا أكفر الأشاعرة، يقول: إذاً أنا أرى أنهم مسلمون ولهم حقوق الإسلام المعروفة، فكونهم مبتدعة لا يعني أنهم ليسوا مسلمين، وأنهم ليس لهم حقوق الإسلام العامة، وهذا أيضاً لا يعني أن نذوب في هذه الفرق ولا نميز بين الحقائق الشرعية، ولهذا فمنهج أهل السنة في غاية الاستقامة، وفي غاية العدل، وهم أرحم الخلق بالخلق، لا يكفرون تكفيراً مطلقاً بدون بينة، ولا يبدعون تبديعاً مطلقاً بدون بينة، وإنما يلتزمون بالنصوص الشرعي

حكم تسمية علم العقيدة بعلم الفلسفة

حكم تسمية علم العقيدة بعلم الفلسفة Q هل يصح تسمية علم العقيدة بعلم الفلسفة؟ A لا؛ لأن علم الفلسفة علم فاسد يتضمن عقائد فاسدة، ولا يصح أيضاً أن نسمي علم العقيدة علم الكلام؛ فينبغي الانتباه لهذه القضية.

دراسة موضوعية [4]

دراسة موضوعية [4] صفات الله تعالى لها معانٍ تفهم من أدلتها من الكتاب والسنة، وهي معلومة لنا؛ لأنها مأخوذة من لغة العرب، وهي المرادة في الكتاب والسنة، وعليه فلا يجوز تفويض معاني الصفات، ومن فوض فقد وقع في ضلال عظيم وانحراف كبير؛ إذ إن منهج السلف هو إثبات المعنى أما الكيفية فهم يفوضون معناها إلى الله تعالى.

آداب طالب العلم في نفسه

آداب طالب العلم في نفسه بدأنا في الدرس الماضي بالكلام في شرح (حلية طالب العلم) على آداب الطالب في نفسه، وذكرنا أن الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد صدر هذا الموضوع وهو: آداب الطالب في نفسه بقضية أساسية ومهمة، وهي أن هذا العلم الذي نطلبه ونشتغل به هو عبادة من العبادات الشرعية الذي ينبغي أن نهتم بها كأي عبادة من العبادات، فهي ليست صنعة، وهي ليست أيضاً ثقافة، وهي ليست في الوقت نفسه أمور دنيوية يشتغل بها الإنسان، وإنما هي أكبر من ذلك بكثير. فالقضية أن هذا العلم عبادة شرعية ينبغي للإنسان أن يتعامل معها على هذا الأساس، ثم ذكر الشيخ أن شرط العبادة: الإخلاص، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسننتقل في هذا الدرس بإذن الله إلى بقية الصفات التي ينبغي على طالب العلم أن يتصف بها في نفسه.

كن سلفيا على الجادة

كن سلفياً على الجادة قال المصنف رحمه الله: [الثاني: كن على جادة السلف الصالح: كن سلفياً على الجادة طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ممن قفا أثرهم، في جميع أبواب الدين: من التوحيد والعبادات ونحوها، متميزاً بالتزام آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال والمراء والخوض في علم الكلام وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع]. هذه الصفة هي: أن يعتني الإنسان بأن يكون سلفياً، سنياً، متابعاً لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن أشرنا أن هذه الأمة افترقت كغيرها من الأمم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ستفترق هذه الأمة -يعني: المسلمين- على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). فالفرقة الناجية هي ناجية من الاختلاف والتفرق، وناجية من الهلاك أيضاً، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، ومن سار على منهجهم وترك التفرق وأسباب التفرق، واشتغل باتباع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً فيجب على الإنسان أن يكون سنياً، وهذا ليس مجال اختيار، فليس للإنسان أن يختار في أن يكون سلفياً أو لا يكون، فالمنهج السلفي ليس مثل الآراء الفقهية، علماً أن الآراء الفقهية أيضاً ليست مجال اختيار فيما يتعلق بالوجوب والتحريم، أما في قضايا الندب فالأولى أن يفعل وإن لم يفعل فلا تثريب عليه، ولكن ليس الإنسان مخيراً في أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو ليس كذلك، بل يجب عليه أن يكون سنياً وأن يكون سلفياً. والمقصود بالمنهج السلفي هنا: هو ما كان في كتاب الله، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل الاتباع، وليست السلفية أو المنهج السلفي هو آراء خاصة، فمع الأسف أنه يوجد في الدعوة الإسلامية أشخاص يتبنون مواقف من بعض العلماء، ويظنون أن من وافقهم فهو سلفي ومن خالفهم فليس كذلك، وهذا خطأ، فإن المنهج السلفي هو الالتزام بالقرآن والسنة في قضايا الاعتقاد وقضايا الأعمال ومناهج الاستدلال وما يتعلق بها. وأما المواقف من الأشخاص فهذا مما يختلف فيه الناس، إلا إذا كان هذا الشخص رجلاً متفقاً على أنه من المبتدعة، وأمره ظاهر مشتهر ليس فيه خلاف ولا شك ولا شبهة، فإنه والحالة هذه لا شك أن من تبناه واتبعه وسار على طريقته فهو مثله على البدعة، والعياذ بالله. لكن عندما يوجد شخص من الأشخاص وهو في جملته على أصول السنة، وهو بشر قد يخالف السنة في مسألة أو مسألتين، لكن أصوله جملته واستدلاله وطريقته ليست مثل طريقة المبتدعة، ثم يخالفه أشخاص، ثم يمتحنون الخلق على ذلك فمن وافقهم فهو سلفي، ومن خالفهم فليس بسلفي، فهذا خطأ وليس بمنهج صحيح ولا مستقيم. لكن إذا كانت بدعته ظاهرة وبينة وليس فيها إشكال كـ الجهم بن صفوان، فإنه من وافق جهماً وأحبه ووالاه فلا شك أنه ليس على السنة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الذهبي رحمه الله تعالى: وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام، قلت: لم يدخل الرجل أبداً في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً. انتهى]. علم الكلام من العلوم التي تناقش قضايا العقيدة في الإلهيات، وفي السمعيات كما يسمونها، وفي النبوات، أي: فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وبالألوهية وما يتعلق باليوم الآخر، والإيمان، والقدر. فهذا العلم نشأ بسبب المجادلات بين طائفة من المسلمين مع الفلاسفة، فنشأ من خلال هذا الجدل علم سموه علم الكلام، وقد اختلف الناس في سبب تسميته بعلم الكلام، فقيل: لأنه كلام فارغ ليس هناك فائدة منه، وقيل: لأنه كلام ليس فيه استدلال، وقيل: لأنه يعتمد على مجرد الكلام وليس فيه عمل، وقيل: لأن أول مسألة ناقشها هي مسألة الكلام. وهو علم اتفق علماء الإسلام على ذمه، لأنه جاء بمصطلحات جديدة لم تكن معروفة سابقاً مثل الجوهر، والعرض، والتحيز، والجهة، والجسم، والمركب ونحو ذلك، ولكونه يتضمن معاني باطلة مخالفة لأصول السنة في باب الأسماء والصفات والقدر ونحو ذلك. وعلماء الكلام هم المعطلة، وهم الجبرية، وهم القدرية، وهم المرجئة، وهم الذين خالفوا السنة في أبواب كثيرة من أبواب العقيدة، وهم الذين نناقشهم كثيراً في هذه الدروس. فهذا علم فاسد ينبغي للإنسان أن يبتعد عنه، وأن يكون سلفياً على الجادة بعيداً عن الاختلاط بهذه العلوم المذمومة.

الالتزام بالسنة في طلب العلم

الالتزام بالسنة في طلب العلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهؤلاء هم: أهل السنة والجماعة المتبعون آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأهل السنة نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس. فالتزم السبيل: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]]. خلاصة هذا الأدب الرفيع هو أن الإنسان ينبغي أن يلتزم سنة النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه للعلم، فيطلب العلوم السنية مثل: قراءة القرآن، والقراءات، وحفظ القرآن، وتفسير القرآن، وعلوم القرآن، وكذلك السنة، والحديث، ودراسة مصطلح الحديث، ودراسة ما يتعلق بهذه العلوم الشرعية، ودراسة العلوم التي تفيد في فهم الكتاب والسنة وهي علوم الوسائل، وأن يبتعد الإنسان عن كل علم من العلوم التي أضيفت إلى العلوم الشرعية وهو ليس منها، مثل: علم الكلام، وعلم الفلسفة، والمنطق ونحو ذلك، فهذه كلها علوم مذمومة فرقت المسلمين إلى فرق، وجعلتهم فرقاً وأحزاباً والعياذ بالله. فينبغي للإنسان أيضاً أن يوظف السنة على نفسه، فيلتزم بالسنة في مظهره ومخبره، فيلتزم بالسنة في ظاهره من ناحية تشمير الثياب، وإعفاء اللحية، والحرص على السنة في الصلاة، والحرص على السنة في التعامل مع أهل العلم، والحرص على السنة في كل أبواب الدين، والذين يسمون هذه السنن قشوراً مخطئون خطأ كبيراً، والذين يسمون هذا إغراقاً في الجزئيات هذا أيضاً خطأ كبير. فينبغي للإنسان أن يحرص على السنة في الظاهر والباطن، ومثال السنة في الباطن: التوكل على الله، ومحبة الله، وتنمية الإيمان في القلب، والحرص على أسباب الإيمان، والبعد كل البعد عما ينقص الإيمان، ومما ينقص الإيمان أن ينظر الإنسان إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى بحجة: متابعة الأخبار، فبعض الشباب قد يكون ملتزماً، وقد يكون صالحاً، وقد يكون من طلاب العلم، لكنه يكون عنده تفريط في هذه الزاوية، فقد ينظر إلى النساء، وقد يتجاوز في استعمال القنوات الفضائية فينظر بحجة متابعة أخبار المسلمين، علماً بأن أخبار المسلمين يمكن أن تتابع بغير هذا الطريق الذي يوصل إلى المحرم، فينظر الإنسان إلى امرأة تقرأ الأخبار وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر الإنسان إلى النساء، والنظرة توقع الفتنة في القلب والعياذ بالله، فحينئذ يصبح الإنسان قد توصل إلى الشيء الذي يريده وهو متابعة أخبار المسلمين بوسيلة غير صحيحة، أو التساهل مثلاً في الانترنت إلى درجة مثلاً الدخول إلى المواقع الخبيثة والسيئة. ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص غاية الحرص على نقاء مظهره، وباطنه، وأن يحرص على غرس الإيمان في قلبه، وأن يبتعد عن كل وسيلة من الوسائل التي تفسد عليه إيمانه. وبعض الناس قد يقول: يا أخي! المشايخ يشاركون في القنوات الفضائية، فنقول: إن المشايخ الذين يشاركون في القنوات الفضائية أشخاص اجتهدوا، ويرون أن هناك كثيراً من المسلمين لا يحضرون المساجد، ولا يستمعون إلى المحاضرات، ولا يستمعون إلى خطب الجمعة، ولا يقرءون شيئاً مما يكتبه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وهم أمام الشاشة بشكل مستمر، فهم يريدون مخاطبة هؤلاء، والحريص فعلاً على رؤية المشايخ وعلى الاستفادة منهم، فلهم منشورات كثيرة، ولهم كتب مطبوعة في الأسواق، فهل قرأها أحد؟ ولهم أشرطة يمكن الاستماع إليها، فهل لم تبقَ إلا هذه الزاوية وهي النظر إلى المشايخ في القنوات الفضائية؟! وقد يأتي بعض الطيبين بشيء من هذه القنوات إلى بيته ويقول: هذا أمر لا بد منه، ونحن الآن في زمن الانفتاح ونحو ذلك من الكلام، وهذا كلام كله ساقط، ولو انفتحت الدنيا كلها على الحرام فيجب ألا تنفتح أنت، وهذا من استخدام العبارات المطاطة والعائمة مثل: قضايا الانفتاح، وقضايا التواصل العالمي وغير ذلك. فهذه الكلمات كلها لا يمكن أن تؤثر علينا فنرتكب المحرم، فالمحرم يجب تركه مهما حصل. فينبغي للإنسان أن يكون حريصاً، وكما قلت: فأهل العلم الذين لهم رؤية معينة في المشاركة لا يقصدون مخاطبة الصالحين الذين يمكن أن يحضروا إلى المساجد ليستمعوا إليهم، وإنما قصدهم الأول: مخاطبة الذي لا يمكن مخاطبتهم إلا من خلال هذه الوسيلة. فالذين يحتجون بهذا يحتجون به في غير مكانه، وإن كان كثير من أهل العلم يرون أن المشاركة في مثل هذه القنوات الفضائية ليس فيها مصلحة لا من قريب ولا من بعيد، لكن على كل حال فالمسألة اجتهادية، وهي قابلة للأخذ والرد وليست مسألة قطعية، هذا ما يتعلق بهذا الأدب العظيم من آداب الإنسان مع نفسه: أن يكون على السنة في كل أحواله وشئونه.

ملازمة خشية الله تعالى

ملازمة خشية الله تعالى قال المصنف رحمه الله: [الثالث: ملازمة خشية الله تعالى: التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى، محافظاً على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها، والدعوة إليها، دالاً على الله بعلمك وسمتك وعملك، متحلياً بالرجولة والمساهلة، والسمت الصالح]. الحقيقة يا إخوان! أن من تساهل في الواقع الذي نعيش فيه فإنه سيوصله إلى كثير من المحرمات والعياذ بالله، وسيجعله يرتكب كثيراً من الآثام بحجة الاستفادة أو بأي حجة من هذه الحجج، لكن يبغي للإنسان أن يحرص دائماً على نقاء نفسه وصفائها، وأن يحرص على التزامه بالسنة في الظاهر والباطن، وأن يبتعد عن كل وسيلة من الوسائل التي تفسد عليه قلبه والعياذ بالله. ومن ذلك ملازمة خشية الله عز وجل، فالعلم ليس المقصود به الاستكثار من المسائل، وأن يكون عندك مسائل كثيرة ومحفوظات كثيرة، وعندك قدرة أن تسرد عشرات المسائل في وقت واحد، وإنما العلم الحقيقي هو الذي يؤثر فيك فيجعل عينك تدمع من خشية الله، ويجعل قلبك يخشع من خوف الله سبحانه وتعالى، ويجعل نفسك تشتاق إلى الجنة، ويدفعك إلى الجهاد في سبيل الله، ويدفعك إلى الدعوة إلى الله، ويدفعك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدفعك إلى العمل الصالح. فهذا هو العلم النافع الصحيح، ولهذا يقول السلف: العلم علمان: علم القلب وعلم اللسان، فأما علم اللسان فهو حجة الله على عباده، وأما علم القلب فهو العلم النافع. فعلم اللسان هو: معرفة المسائل وتشقيقاتها وتفصيلاتها ونحو ذلك، وهذا ليس مذموماً إذا انضم إليه علم القلب، لكن إذا كان الإنسان يظن أن العلم وحده هو علم اللسان فقط دون علم القلب ولا ينتفع به في قلبه، فهذا غير مستفيد في الحقيقة من هذا العلم. ولهذا قيل لأحد العلماء: أيها العالم! فقال: لا تقل ذلك؛ إنما العلم خشية الله يعني: العلم هو الذي يورث في القلب الخشية، والخوف من الله سبحانه وتعالى، وينفع الإنسان في قلبه بالإنابة إلى الله، ويدفعه إلى الأعمال الصالحة كلها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وملاك ذلك خشية الله تعالى، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أصل العلم خشية الله تعالى، فالتزم خشية الله في السر والعلن فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم. إذاً فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لازمته خشية الله]. العلم هو الذي يدعو الإنسان إلى خشية الله، ولهذا قال السلف: كل من عصى الله فهو جاهل حتى ولو كان من أعلم الناس، أي: جاهل بقدر الله، وجاهل بحق الله، وجاهل بواجبات الإنسان الشرعية نحو الله سبحانه وتعالى. وكل من أطاع الله فهو من أهل العلم في هذا الباب، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه دائماً، وأن يراجع نفسه، وأن ينظر إلى نفسه هل هو ما زال في طريق طلب العلم الصحيح، أم أن الأهواء والحياة قد جرفته وأخرجته عن طلب العلم الصحيح واشتغل بغيره؟ فهذا أمر يحتاج منا دائماً إلى مراجعة ومراقبة وتفكير وتأمل وعناية وحرص؛ لأن الإنسان في بعض الأحيان مع زخارف الدنيا، ومع أشغالها، ومع تقلبات الأهواء وأدواء الحياة قد ينحرف عن طريق طلب العلم وهو لا يشعر، ثم يتخبط والعياذ بالله، فتكون نهايته نهاية سيئة للغاية. ولهذا لا بد من العناية بهذا الباب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال: أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من حفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى].

دوام مراقبة الله تعالى

دوام مراقبة الله تعالى قال المصنف رحمه الله: [الرابع: دوام المراقبة: التحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر، فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه]. دوام المراقبة هي نتيجة لخشية الله سبحانه وتعالى؛ لأن خشية الله إذا حصلت في القلب فإنه يحصل دوام لمراقبة الله عز وجل في قلب الإنسان. ولهذا ينبغي للإنسان دائماً أن يحاسب نفسه، وأعظم منزلة كما تعلمون من منازل الإيمان والإسلام منزلة الإحسان وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذه منزلة عظيمة ينبغي للإنسان أن يحرص على الوصول إليها، نكتفي بهذا القدر.

التفويض في الصفات

التفويض في الصفات في الدرس السابق تحدثنا في باب الأسماء والصفات عن القاعدة العامة للسلف الصالح رضوان الله عليهم في باب صفات الله سبحانه، وتوقفنا عند مسألة مهمة وهي مسألة التفويض ومعنى التفويض. فالتفويض عند السلف هو: تفويض الكيفية، وأما المعاني فإنها مفهومة لنا، فلا يصح للإنسان أن يقول: نفوض المعنى، فمعاني صفات الله عز وجل هي المعاني المأخوذة من لغة العرب، وهي المعاني التي يوصل إليها الكلام الموجود في القرآن أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الكيفية فإنه لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يعلمنا بكيفية صفاته سبحانه وتعالى. وصفات الله عز وجل لها كيفيات معينة، لكننا نجهل هذه الكيفيات ولا نعرفها، ولم يخبرنا الله سبحانه وتعالى عنها، بل هي من الغيب بالنسبة لنا. وصفات الله سبحانه وتعالى الواردة في القرآن والسنة لها معانٍ تفهم من خلال السياق العام للقرآن، ومن خلال السياق العام لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وينتفع الإنسان بما تتضمنه من المعاني والآداب، وما تحث عليه من الأخلاق ونحو ذلك، وصفات الله عز وجل تتضمن كثيراً من الآداب، وكثيراً من الأخلاق، وكثيراً من المعاني العظيمة. ولهذا فالسلف رضوان الله عليهم كانوا يثبتون أسماء الله وصفاته؛ لأن الله أثبتها لنفسه، ثم ينتفعون بما فيها من المعاني، وسبق أن أشرنا إلى قصة لقيط بن صبرة رضي الله عنه عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، فقال لقيط: يا رسول الله! أو يضحك الرب؟ قال: نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً)، لم تدر في ذهن لقيط الشبهات التي جاءت عند المتأخرين، وإنما استفاد منها لقيط فائدة عظيمة دفعته إلى عمل من أعظم أعمال القلوب وهو الرجاء، لكن لما وجدت الفرق الضالة مثل المعطلة والمفوضة الذين يعطلون صفات الله سبحانه وتعالى، ويؤولون معانيها إلى معان أخرى خارجة عن مدلول النصوص اقتضى ذلك أن تصحح العقيدة مما شابها من الانحرافات التي حصلت عند هذه الفرق. ومن هنا فنحن نناقش الفرق الضالة في هذه المسألة من هذا الباب، فصفات الله سبحانه وتعالى نفهم معانيها، وهذا هو مقتضى كون القرآن شفاء للناس، وقد وصف الله عز وجل القرآن بأكثر من ثلاثين وصفاً، كما ذكر ذلك السيوطي في (الإتقان)، فوصفه بأنه شفاء ونور وهدى وروح، ولا يوصف بهذه الأوصاف إلا لأن معانيه واضحة، وتدعو إلى هذه الحقائق. {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52]، قال ابن أبي العز الحنفي في (شرح الطحاوية): سماه الله عز وجل ((رُوحًا)) لأن الحياة الحقيقية تتوقف على هذا القرآن، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. وسماه بياناً، والبيان معناه الأمر الواضح البين، وقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]، فهو ميسر من حيث حفظ ألفاظه، ومن حيث إن معانيه واضحة، فيمكن للإنسان أن يستفيد منها، ولو كانت صفات الله عز وجل لا نعرف لها معنىً كما تقول ذلك المفوضة لكان هذا القرآن ألغازاً وأحاجي لا يمكن أن يفهم له معنىً. وهذا بعيد عن كلام الله عز وجل، فهذا القرآن أنزله الله هدىً للناس، وأنزله الله عز وجل مرشداً لهم، ومعلماً لهم، وأنزله الله عز وجل من أجل أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، فلا يمكن أن يكون غامض المعاني، نعم قد توجد هناك بعض الآيات في معناها غموض لكن القاعدة الشرعية أن كل آية لا يفهم الإنسان معناها بشكل دقيق فيردها إلى المحكم. وهذا هو معنى المحكم والمتشابه، فالمحكم هو الأمر الواضح، والمتشابه هو الأمر الغامض، ولا يعني هذا أن الأمر الغامض لا يمكن أن يفهم، فيمكن أن يفهم لكن برده إلى المحكم، وبرده إلى ما يشبهه من النصوص الواضحة والبينة، وقد سبق أن أشرت إلى أن شيخ الإسلام رحمه الله فصل في هذا بصورة كبيرة في كتابه (الإكليل في المتشابه والتأويل)، وسبق أن أشرنا إلى أن التأويل يأتي بمعنيين شرعيين، ومعنىً بدعي. فأما المعنيان الشرعيان فهما: الأول: حقيقة الشيء وما يئول إليه، والمعنى الثاني: التفسير. وأما المعنى البدعي فهو المشهور عند علماء الكلام، وهو: صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح لقرينة، وهذا لا شك أنه تغيير وتبديل وتحريف لكلام الله سبحانه وتعالى. وأما المفوضة فهم يتفقون مع المؤولة -كما سبق أن أشرنا- في أنهم فرغوا النصوص الشرعية من مدلولاتها الصحيحة، ثم اختلفوا هل تفسر هذه الألفاظ التي بين أيديهم بتأويل يجتهدون فيه؟ أو يبقونها ألفاظاً مجردة لا معاني لها؟ فقال بالأول:

كيفية التعامل مع المصطلحات الحادثة

كيفية التعامل مع المصطلحات الحادثة وكذلك الحال في أي مصطلح من المصطلحات التي يؤتون بها، فلا يجوز للإنسان أن يقبل هذا المصطلح مطلقاً، ولا أن يرده مطلقاً، فهذه قاعدة في مصطلحات أهل الكلام، أو مصطلحات الصوفية، أو حتى المصطلحات العصرية، فهناك مصطلحات عصرية بدأت تظهر، كالحوار مثلاً أو التعايش، أو مثلاً من المصطلحات الجديدة التي بدءوا يرددونها: الإقصاء، فيقولون: لا تكن شخصاً إقصائياً، فماذا تقصد بكلمة إقصائي؟ قال: معناها: لا تحجر على رأيي، أو مثلاً يقول لك: الاعتراف، فيجب أن نعترف بكذا، وبعض الناس يقول: يجب أن نعترف بالأفكار الجديدة التي جاءتنا من الغرب، فما معنى كلمة الاعتراف به؟ هل هو الاعتراف بأنه موجود؟ فإذا كان الاعتراف بأنه موجود فهو موجود، لكن إذا كان المراد الاعتراف بأحقيته، وأنه صاحبه معذور فهذا معنى فاسد؛ لأن الشرك والكفر لا يحق أبداً لأي أحد أن يعترف به بهذا المعنى وهذه الدلالة. ولهذا يا إخواني! فالمصطلحات الكلامية، والمصطلحات الصوفية، والمصطلحات الصحفية التي بدأت تظهر الآن لا يصح للإنسان أبداً بأي وجه من الوجوه أن يحاكم الناس إليها أو يحاكم النصوص الشرعية إليه، وإنما إذا تكلم بها أحد نقول له: ماذا تعني بهذا الكلام؟ وماذا تقصد به؟ فإن كان يقصد به معنىً صحيحاً شرعياً قُبل، وإن كان يقصد به معنىً مخالفاً للشريعة فإنه يرد. ونقول أيضاً: إنه لا يصح للإنسان أن يستخدم المصطلحات المطاطية والمصطلحات العامة في القضايا الخاصة، فإن القضايا الدقيقة الخاصة ينبغي أن تستخدم لها ألفاظ دقيقة خاصة تدل عليها، فمثلاً كلمة حوار الآن أصبح يرددها كثير من الناس، وأننا الآن في عالم الحوار، والحوار مع الآخر، وحتى كلمة الآخر هذه ليس لها معنىً محدد، فالآخر يحتمل أن المقصود به: النصارى والملاحدة، ويحتمل أن يقصد به المخالف لي في مسألة فقهية؛ لأنه فعلاً آخر. فالكلمات المطاطية العامة بهذا الأسلوب لا يصح استخدامها خصوصاً في القضايا العقدية الحساسة التي ينبغي فيها التفصيل والكلام الدقيق، والتي ينبغي أن يكون الإنسان فيها دقيقاً في ألفاظه؛ حتى يحدد الأمور بشكل دقيق، وأما استخدام الكلام العام الإجمالي الذي يحتمل حقاً وباطلاً فهذه ليست طريقة شرعية، وإنما الطريقة الشرعية استخدام المصطلحات الشرعية أو على الأقل استخدام الألفاظ الخاصة التي تدل على معناها دون أي إشكال. فكلمة الحوار يمكن أن يفهم الإنسان منها التقارب مع الآخرين، فيقول لك: حوار الأديان، فكلمة حوار الأديان كلمة عامة جداً، ماذا تقصد بحوار الأديان؟ هل تقصد دين النصارى مثلاً أو اليهود أو غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى ونتقارب بحيث نتنازل عن قضية العداء للكفار والولاء للمؤمنين، إن كان هذا هو المعنى فهذا معنىً فاسد تخالفه النصوص. وإن كان معنى الحوار: الدعوة، فندعوهم ونكلمهم فهذا طبيعي، فالدعوة توجه إلى المسلم، وتوجه إلى الكافر، وتوجه إلى النصراني، وتوجه إلى الملحد، والأولى أن نستخدم كلمة الدعوة ولا نستخدم كلمة الحوار التي فيها إشكال. وإن كان يقصد بالحوار أن نترك القضايا العقدية ونتحاور في المصالح المشتركة بيننا وبينهم مثل: نفي الفقر ونحو ذلك، فنقول: وما علاقة الأديان بهذا؟ لماذا سميته حوار الأديان؟ فهذا تتبناه بعض الدول وله ضوابط شرعية في السياسات الشرعية، وهو بالجملة بعيد عن السنة باعتبار أن الذي ينبغي على الإنسان نحو أصحاب الأديان هو دعوتهم إلى الله عز وجل، وبيان التوحيد، وإنكار الشرك ونحو ذلك. ولهذا يا إخواني! أنا أتمنى من الإخوة جميعاً أن يقرءوا رسالة شيخ الإسلام رحمه الله إلى ملك قبرص، وهو ملك نصراني أرسل إليه شيخ الإسلام رحمه الله رسالة عجيبة جداً تمتلئ عزة، وهذا نموذج للحوار، وفيها بيان للتوحيد، وفيها رد للشرك، وفيها السؤال عن أسراء المسلمين، وفيها قضايا متعددة وكثيرة ومهمة. فهذا نموذج من نماذج الحوار، فالحوار لا يقتضي مثلاً إلغاء قضية محكمة، ونحن لا نريد الإطالة في موضوع الحوار كقضية، وإنما الهدف هو أن الكلمات الإجمالية لا يصح استخدامها في المسائل التفصيلية الدقيقة، وإنما ينبغي للإنسان أن يستخدم الألفاظ التي توصل إلى معانيها بدون إشكال. فهم قالوا: التركيب يقتضي نفي الصفات الذاتية، وقالوا: الحدوث يقتضي نفي الصفات الفعلية، ومعنى الحدوث عندهم وجود الشيء بعد أن لم يكن موجوداً، وقالوا: إن الصفات المتعلقة بالإرادة لا بد أن تدل على الحدث. فإذا كان الله عز وجل ضحك بعد أن لم يكن يضحك سابقاً، ثم ضحك مرة أخرى ثم ضحك مرة ثلاثة، فهذه تقتضي أن كل صفة من الصفات تستلزم حدوث هذه الصفة، والحدوث هو صفة المحدثات والمخلوقات ولا يصح وصف الله عز وجل به. والجواب أن نقول: كلمة الحدوث كلمة إجمالية وعامة ما هو مدلولها المعنوي؟ قالوا: معناها وجود الشيء بعد أن لم يكن، قلنا: أتقصدون بوجود الشيء بعد أن لم يكن أن الله عز وجل لم يكن قادراً عليه ثم قدر عليه؟ إن كنتم تقصدون هذا فهو معنىً باطل، فالله عز وجل قادر على كل شيء،

وجوب الإيمان بكل ما جاء في القرآن والسنة من صفات الله تعالى

وجوب الإيمان بكل ما جاء في القرآن والسنة من صفات الله تعالى نحن الآن نقرأ من (لمعة الاعتقاد)، وقد توصلنا في الدرس الماضي إلى النص المنقول عن الإمام أحمد رحمه الله، وهذه النصوص التي ينقلها ابن قدامة رحمه الله الهدف منها هو بيان القاعدة العامة عند السلف في هذا الباب، وهذه القاعدة العامة تندرج فيها تلك الصفات التي سبق أن أشرنا إليها. قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في كتابه (لمعة الاعتقاد): قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا)، (إن الله يُرى في القيامة)، وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها، ونصدق بها لا كيف ولا معنىً، ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق]. ذكر الإمام أحمد الواجب نحو هذه الصفات فقال: نؤمن بها، ونصدق بها لا كيف، يعني: لا نحدد الكيفية، وليس المقصود نفي الكيف في نفس الأمر، وإنما المقصود: لا نعلم الكيف ولا نحدده؛ لأن هذا غير معلوم بالنسبة لنا. قوله: (ولا معنىً) هذه الكلمة يوجد لها أشباه في بعض أقوال السلف، وهي من أعظم القضايا التي احتج بها المفوضة، فقالوا: هذا الإمام أحمد ينفي المعنى، وأنتم تقولون: إنه يجب أن نثبت المعنى وننفي الكيفية، فكيف تجمعون بين قول الإمام أحمد هذا وبين قولكم؟ فنقول: إن الإمام أحمد يقرر في كثير من كتبه أن هذا القرآن جاء بياناً وهدىً للناس، وأن معانيه واضحة، وأن معاني الصفات واضحة، فما أشكل من كلام الإمام أحمد هنا نحمله على الواضح من كلامه، فيكون معنى قوله: (ولا معنى) ولا معنى من المعاني الفاسدة التي ظهرت في زمانه. فهناك معان فاسدة ظهرت، فحرفوا بها صفات الله سبحانه وتعالى، فهو ينفي هذا المعنى، وليس المقصود من كلامه رحمه الله: أن نصوص الصفات ليس لها معان؛ لأنه قد صرح في أماكن متعددة في كتاب (الرد على الجهمية) بأن هذه النصوص لها معانٍ، وأنّا نثبتها كما يدل عليها مقتضى لغة العرب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية]. كلمة: (بلا حد ولا غاية) من الأمور أيضاً التي أشكلت عند بعض الناس، فما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله: بلا حد ولا غاية؟ قوله: (بلا حد) المقصود به نفي التماثل الذي جاء به المجسمة والمشبهة، فليس له حد محدود يمكن للإنسان أن يتخيل كيفية له، قوله: (ولا غاية) يعني: وليست له غاية محددة. وهذا الكلام العام للإمام أحمد قد يستغله البعض في نصرة بعض أقوالهم وآرائهم، لكن نحن كما نعلم أن أهل العلم بشر، وأنه يوجد في بعض كلامهم كلام عام أو مشكل، ويوجد في بعض كلامهم كلام تفصيلي وبيِّن، فنحمل الكلام المشكل على الكلام البيِّن. فنحن نعرف من خلال موقف الإمام أحمد في الفتنة، ومن خلال النصوص المنقولة عنه، ومن خلال كتبه مثل (الرد على الجهمية) فموقف الإمام أحمد رحمه الله من هذه المسائل على نحو ما سبق أن أشرنا وبيّنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت]. يقصد بالشناعة هنا شبه أهل الكلام وشبه المعطلة مثل: التركيب، والتجسيم، والحدوث، والجهة ونحو ذلك من الأمور التي سبقت أن أشرنا لها. قال المصنف: [ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيت القرآن]. هذا الكلام من الإمام أحمد رحمه الله عام في طريقة السلف رضوان الله عليهم -وهو منهم- في التعامل مع نصوص الصفات. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله]. تلاحظون أنه في هذا الكلام يقرب قاعدة عامة في الصفات وفي غيرها، وأنه ينبغي للإنسان أن يؤمن بما جاء عن الله؛ لأنه مؤمن بالله، فما دام أنه مؤمن بالله فإنه يلزمه أن يؤمن بكل ما جاء عن الله سبحانه وتعالى، وكذلك الحال مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

لزوم منهج السلف في إثبات صفات الله تعالى

لزوم منهج السلف في إثبات صفات الله تعالى قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لتأويله]. قوله: (لتأويله) يعني: لصرفه عن ظاهره، وقد سبق أن أشرنا إلى أن ابن قدامة رحمه الله له كلام فيه نظر في قضية التعامل مع معاني صفات الله سبحانه وتعالى. فيفهم من كلامه أنه لا يمكن لنا إدراك معاني صفات الله عز وجل، ولا شك أن هذا غير صحيح، لكن أيضاً لا يمكن للإنسان أن يقول: إن ابن قدامة رحمه الله من المفوضة، فهو وإن أخطأ في هذه المسألة إلا أنه ليس من المفوضة؛ لأن المفوضة ينفون الصفات أولاً، ثم ينكرون أن يكون لها معان ثانياً، فهو خالفهم في الصفات، حيث أثبت الصفات كما سيأتي معنا، لكنه أشكل عليه موضوع المعنى؛ لأنه ظن أن الصفات من المتشابه، وفهم آية آل عمران بأن الراسخين في العلم لا يمكن أن يعرفوا المعنى، وأن الوقف لازم، ففهم من هذا أن المعاني لا يمكن إدراكها، مع أنه يثبت الصفات. ولهذا يعتبر هذا في حد ذاته تناقضاً، لكن لا يصح أن ننسب إماماً مثل ابن قدامة المقدسي رحمه الله إلى التفويض؛ لأن ابن قدامة رحمه الله كان على منهج السلف بدليل إثبات الصفات كما سبق أن أشرنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضواً عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم! وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاماً معناه: قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر، ولقد قصر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم]. سيأتي معنا إن شاء الله مبحث خاص عن موضوع الوسطية ومفهومها الشرعي ومعناها، وابن تيمية رحمه الله أفرد جزءاً من (الواسطية) للكلام على مفهوم الوسطية ومعناها، فما هو معنى الوسطية؟ ومتى يكون الإنسان وسطياً؟ لأن الدعاة الذين يتكلمون عن الوسطية كثر، وأصبح كثير من المتساهلين وكثير من الذين يركنون إلى الدنيا يسمون منهجهم وسطياً، في مقابل أنهم يعتبرون مثلاً المجاهدين من المتشددين، مع أن الحقيقة أن المجاهد لا يعتبر متشدداً بل هو الوسطي الذي وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما دونه مقصر ولا شك. قال المصنف رحمه الله: [وقال الإمام أبو عمرو رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول]. الله أكبر، فالإنسان يحرص دائماً على النصوص الشرعية، وعلى ما تدل عليه من المعاني، وأما ما يزخرفه كثير من الناس ويزينه من الأقوال فينبغي عرضها على الكتاب والسنة، فإن كانت موافقة قبلت، وإن لم تكن موافقة فينبغي للإنسان ألا يشتغل بزخرفة هؤلاء عن الحق. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال محمد بن عبد الرحمن الأذرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها]. هو محمد بن عبد الرحمن الأذرمي بالذال، وقد ترجم له الخطيب البغدادي رحمه الله في (تاريخ بغداد)، وقال ذلك لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها، وهذا في مناظرة له مع ابن أبي دؤاد، وقد تمت بين يدي الواثق، والأذرمي هذا رجل من أهل السنة، وذلك عندما بدأت فتنة خلق القرآن واشتهرت، واستمرت في عصر المأمون ثم عصر المعتصم حتى جاء الواثق. وكان المعتزلة يمتحنون الناس، ويتخذون السلطة وسيلة من وسائل الضغط على أهل السنة في تغيير مناهج الناس وعقائدهم، فثبت أئمة السنة وخصوصاً الإمام أحمد رحمه الله، واشتهر وصار معروفاً لثباته على السنة، فجاء الرجل الأذرمي وناقش ابن أبي دؤاد مناقشة دقيقة جداً، وابن أبي دؤاد ليس من أهل العلم، فالذي يرجع إلى أحداث الفتنة ويقرأ مناقشة الإمام أحمد رحمه الله لهم يدرك أن ابن أبي دؤاد لم يكن من أهل العلم، ولا كان يشتغل بالعلم، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين! أعطوني آية من كتاب الله أقول بها، أو حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يردون عليه ويقولون: وأنت ما تعرف إلا القرآ

شرح مقدمة العقيدة الواسطية

شرح مقدمة العقيدة الواسطية قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة: أهل السنة والجماعة، وهو: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره. ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]]. بدأ الشيخ في البداية بتقرير أن هذه العقيدة التي سيكتبها هي عقيدة الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، ثم بين أنهم يؤمنون بالأركان الستة، ثم بين أن من الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته. والإيمان بالله يتضمن الإيمان بربوبيته، والإيمان بإلوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، فبدأ بنوع واحد من هذه الأنواع وهو الإيمان: بأسماء الله وصفاته. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182]. فسبح نفسه عن ما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات]. أثبت الله لنفسه بعض الصفات ونفى عن نفسه بعض الصفات، فجمع بين النفي والإثبات، وهذا هو الذي جعلنا نقول: إن الصفات تنقسم إلى ثبوتية، وسلبية أو منفية. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين]. ثم شرع الشيخ بعد ذلك بالحديث المفصل عن صفات الله سبحانه وتعالى، وفي اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الصفات بشكل تفصيلي: صفة الوجه واليد والنزول والمجيء والإتيان وغيرها، ولا بد أن نربطها بالقاعدة التي سبق أن أشرنا إليها فيما يتعلق بالصفات الذاتية والفعلية، والصفات السلبية بإذن الله تعالى. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير؛ إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

الراجح في الوقف في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله)

الراجح في الوقف في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) Q ما هو الراجح: هل يجب الوقوف عند لفظ الجلالة في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]، أو لا يجب؟ A هناك خلاف بين المفسرين: فبعضهم يرى أنه واجب، وبعضهم يرى أنه ليس بواجب، والمسألة فيها متسع ولله الحمد، والخلاف واسع في هذه المسألة، ويبدو والله تعالى أعلم أن الراجح: أن الوقف ليس بواجب وإنما هو جائز، ومن رأى من أهل العلم أن الوقف واجب فإن رأيهم محترم، ويكون التأويل حينئذ بمعنى حقيقة الشيء، وهذا هو الشيء الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل. وأما على رأي من يرى الوصل فإن التأويل يكون بمعنى التفسير، ولهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله، يعني: تفسيره، ولا يقصد كنه الشيء وحقيقة الشيء.

سبب إثبات الأشاعرة للصفات السبع فقط

سبب إثبات الأشاعرة للصفات السبع فقط Q ما السبب الذي جعل الأشاعرة يثبتون الصفات السبع فقط؟ وهل لهم أدلة على ذلك؟ A الأشاعرة أثبتوا الصفات السبع بناء على الأدلة العقلية، فإنهم استدلوا بالعقل على أن الإله لا بد أن يكون حياً، ولا بد أن يكون عالماً، ولا بد أن يكون سميعاً بصيراً، ولا بد أن يكون مريداً. ولا يمكن للحي إلا أن يكون متكلماً، فاستدلوا بالعقل على هذه الصفات السبع التي قالوا بها، ثم قالوا: إن ما عداها من الصفات التي لا تثبت إلا عن طريق النقل نؤولها؛ لأنها تقتضي التركيب أو الحدوث على نحو ما سبق. إذاً: فليس دليلهم دليلاً شرعياً، وإنما هو دليل عقلي، وقد يأتون بالنصوص من باب الاعتضاد وليس من باب الاعتماد، فيستدلون بها على إثبات هذه الصفات.

صفة الاستواء صفة اختيارية

صفة الاستواء صفة اختيارية Q هل صفة الاستواء صفة ملازمة لله سبحانه وتعالى، أم صفة اختيارية؟ A صفة الاستواء صفة اختيارية؛ لأنه لم يفعلها الله عز وجل إلا بعد أن خلق العرش ثم استوى عليه، فهي من الصفات الاختيارية الفعلية التي حصلت بعد خلق العرش، ولو كانت صفة ذاتية ملازمة لكانت موجودة منذ أن كان الله عز وجل قبل أن يخلق العرش، لكن هذه الصفة فعلها الله عز وجل بعد أن خلق العرش، ولهذا فهي من الصفات الاختيارية. لكن قد يقول الأخ: هل معنى هذا أنها من الصفات الاختيارية بمعنى: أنه إن شاء استوى وإن شاء لم يستو؟ فنقول: نعم، هو إن شاء استوى وإن شاء لم يستو سبحانه وتعالى، لكنه أخبر عن نفسه بأنه استوى، وأما ما بعد ذلك فإنه لم يرد تفصيل يجعل الإنسان يحدد هل هو مستمر أم لا، فالأصل قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، ففيه أنه مستوٍ كما يليق بجلاله. لكن ليست هناك نصوص إضافية تبين أكثر من هذا، ولهذا نقف عند هذا الحد؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

الصفات الفعلية ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار آخر

الصفات الفعلية ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار آخر Q هل الصفات الفعلية أصلها ذاتي كلها مثل صفة الكلام أم هناك تفريقاً بينها؟ A الذي يبدو -والله تعالى أعلم- أن الصفات الفعلية جميعاً هي ذاتية باعتبار، وفعلية باعتبار آخر، فذاتية باعتبار القدرة عليها، وفعلية باعتبار آحادها تفصيلاً، وهذا ليس خاصاً بصفة الكلام.

إيراد القاسمي في تفسيره أقوالا للمعتزلة

إيراد القاسمي في تفسيره أقوالاً للمعتزلة Q أشكل علي تفسير القاسمي؛ حيث إنه يذكر أقوالاً لأهل الاعتزال كثيراً، ويذكر كذلك كلاماً لأهل السنة: لـ ابن تيمية، وابن القيم، فما نصيحتكم؟ A تفسير القاسمي بالجملة معدود في تفاسير أهل السنة، لكن قد يقع في الخطأ، والإنسان لا يصح له أن يأخذ الخطأ حتى لو كان من عالم من علماء أهل السنة.

حكم الدروز وغلاة الشيعة والصوفية

حكم الدروز وغلاة الشيعة والصوفية Q هل الشيعة والمعتزلة والدروز والصوفية ونحوهن من الفرق الذي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته سوف تفترق إليها أم لا؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمِّ هذه الفرق، وإنما ذكر أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاثة وسبعين فرقة، ولم يحدد هذه الفرق بأسمائها، لكنه ذكر أن هذه الأمة ستفترق وفعلاً حصل الافتراق، وهذه الفرق المذكورة هي من الفرق التي خرجت عن السنة. لكن ينبغي أن يتنبه إلى أن الفرق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي الفرق التي تبتدع بدعاً، وليست الفرق الخارجة عن الإسلام؛ لأنه قال: (ستفترق هذه الأمة)، وهذه الأمة المقصود بها أمة الإجابة وهم المسلمون، فأما الدروز وغلاة الشيعة وغلاة الصوفية فإنهم ليسوا من هذه الفرق، بل هم من الفرق الكافرة الخارجة عن الإسلام.

حكم الضحك

حكم الضحك Q أشعر في نفسي حينما أحضر مجالس العلم بالسكينة والوقار، وحينما أكون في غير هذه المجالس الطيبة كالمدرسة يضعف ذلك، ويأتي الضحك الكثير، فهل هذا نفاق؟ A لا يلزم أن يكون هذا نفاقاً. لكن يبغي للإنسان أن يجتهد في أنه إذا خرج من الدرس أن يستمر على الإيمان الموجود عنده، وأما الضحك فالضحك في حد ذاته ليس مخالفاً للإيمان، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يضحكون وفي قلوبهم مثل الجبال من الإيمان، فالضحك ليس ملازماً لضعف الإيمان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة). فالخطأ ليس هو الضحك، وإنما الخطأ هو معصية الله عز وجل، فبعض الناس يظن أن الضحك علامة على الغفلة، وهذا غير صحيح؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يضحك، والصحابة كانوا يضحكون، وليس في الضحك مشكلة إلا إذا بالغ الإنسان فيه حتى خرج عن حده الطبيعي، فإنه قد يكون دليلاً ضعف الإيمان.

دراسة موضوعية [5]

دراسة موضوعية [5] الكلام في بعض الصفات كالكلام في جميعها، فمن أثبت لله تعالى بعضها ونفى بعضها لزمه إثباتها كلها؛ إذ لا فرق بينها، وصفات الله تعالى غير محصورة بعدد معين، وهي مذكورة في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى كسورة الإخلاص وآية الكرسي، وغيرها من آيات الذكر الحكيم.

التأصيل العلمي وأهميته

التأصيل العلمي وأهميته لا يخفى أهمية دراسة العلم وتحصيله، وقد كتب علماء السلف رضوان الله عليهم كثيراً من الكتب في بيان ذلك، وتضمنت كتب أصول الفقه في باب الاجتهاد والتقليد ما يبين أهمية العلم وضرورته للإنسان، وضرورته للأمة في كل وقت وفي كل مرحلة. ويوجد لدى كثير من الناس مع الأسف زهد مذموم، هذا الزهد هو الزهد عن العلم، وكثير من الناس لديه أفكار غريبة، وهي في الحقيقة من الأفكار الرديئة التي يلقيها الشيطان في النفوس، وهي أن العلم سهل ويمكن تحصيله، وأن الكتب اليوم تملأ المكتبات وأن الإنسان إذا أراد العلم فيمكن له أن يشتري هذه الكتب ويحقق ويبحث، وباستطاعته أن يحصل العلم من خلال هذه الكتب، والتهوين من شأن العلم بهذه الطريقة، والتهوين من شأن مدارسة العلم والترقي فيه، لا شك أنه خطأ، وأن هذا يدل على جهل صاحبه بمقام العلم، فإن العلم لا يحصل من خلال القراءة فقط، فإن القراءة وتكثير القراءة هي جزء من التثقيف، فيمكن للإنسان أن يكون مثقفاً لديه معلومات مفرقة من هنا وهناك، ولديه ثقافة خصوصاً إذا كان ذكياً ويحفظ، ويمكن أن يكون لدى الإنسان شيء من هذه المعلومات، لكن ليس شأن العلم هكذا، وإنما شأن العلم أن يحفظ الإنسان العلم بالتدريج، ويأخذ المسائل الصغيرة، ثم يأخذ المسائل التي هي أكبر منها، ثم التي بعدها وهكذا، وتكون دراسته دراسة مؤصلة. والتأصيل العلمي لا شك أنه لا يعتمد على كثرة القراءة المجردة، فإن كثرة القراءة كما سبق تنتج إنساناً مثقفاً لديه معلومات متنوعة، وأما التأصيل العلمي فإن الإنسان يبني نفسه كما تبنى البيوت الآن، فأولاً يبدأ بالقواعد، ثم بعد ذلك يبني نفسه حتى يكتمل بناؤه العلمي. ولهذا نجد الفروق واضحة بين العلماء والمثقفين، بين العلماء الذين درسوا العلم وخبروه، وعرفوا جوانبه، وعرفوا دلالاته، وعرفوا معانيه، وما يوجد في المسائل العلمية من الغموض ونحو ذلك، وبين المثقفين الذين لديهم معلومات مفرقة من هنا وهناك؛ ولهذا يا إخواني! أدعوكم وأدعو نفسي أولاً إلى أن نعتني عناية كبيرة بمسألة تأصيل العلم، وأن يكون التثقيف في الأوقات التي يكون للإنسان قدرة على أن يثقف نفسه، فالثقافة مهمة جداً، لكن العلم المقصود به هو أن الإنسان يدرس العقيدة والفقه والحديث والأصول، فيدرس هذه العلوم جميعاً بطريقة متأنية، فيأخذ المسائل الصغيرة حتى يعرف طريقة أهل العلم في الاستدلال، وكيفية التعامل مع الأدلة، وهذا هو ديدن السلف وطريقة السلف السابقين رضوان الله عليهم. فإن علماً كاملاً مثل أصول الفقه تم استنباطه من خلال النظر في فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف كانوا يفتون، وكيف كانوا يستدلون، وطريقة الاستدلال عندهم، ومناهج الأدلة ونحو ذلك، فتكون علم كامل هو (علم أصول الفقه)، وهو علم معياري يبين للإنسان كيف يمكن له أن يستدل ويكون استدلاله صحيحاً. وإن كان مع الأسف قد دخلته علوم المتكلمين بسبب اشتغال أهل الكلام بالأصول، فأدخلوا فيه كثيراً من القضايا النظرية التجريدية المحضة، وأدخلوا فيه شيئاً من البدع التي كانت عندهم، لكن يبقى أن لهذا العلم جلالته وأهميته في ضبط مناهج الأدلة والاستدلال. فينبغي للإنسان أن يهتم بالعلم، وأن يعظم هذا الجانب، وأن يهتم به اهتماماً كبيراً، وأن يصبر ويحرص، وأن يجتهد وأن يضبط وقته ليلاً ونهاراً؛ من أجل تحصيل هذه العلوم الشريفة، فإن الأمة بحاجة إلى علماء عاملين، وكان الإمام البخاري رحمه الله يقول فيما رواه عنه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) يقول: سمعت أكثر من ألف -وذكر من علماء الشام والعراق واليمن ومصر وغيرها- كلهم يقول: أن الإيمان قول وعمل، يعني: أنهم ألف عالم من العلماء كان في زمانه كلهم على عقيدة أهل السنة يرون أن الإيمان قول وعمل، فهؤلاء الذين لقيهم البخاري فقط، وقد يكون هناك أشخاص كثيرون لم يلقهم البخاري ولم يرهم وهم علماء. فنحن بحاجة إلى إعادة الحركة العلمية لأمتنا، ولهذا مع الأسف فإن العلماء اليوم يعدون على الأصابع، أقصد العلماء العاملين الذين يعرفون الأدلة الشرعية، وأما الذين يحسنون الكلام فهم كثير، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في بيانه لأوصاف آخر الزمان: أنه سيأتي على الناس زمان يكثر فيه الخطباء، ويقل فيه الفقهاء والعلماء. فالخطباء الذين يحسنون الكلام، والذين يحسنون الوعظ، والذين يحسنون الكتابة كثير، لكن أصحاب الفقه الذين يعرفون مقاصد الشريعة، والذين يعرفون مقاصد هذا الدين، والذين يدركون هذه الحقائق بشكلها الشرعي الصحيح، هم في الحقيقة قلة في الناس، ولهذا كما قلت: نحن بحاجة إلى هذا الأمر.

ظهور الفتن في هذا الزمان والمخرج من ذلك

ظهور الفتن في هذا الزمان والمخرج من ذلك ونحن اليوم مع الأسف نعيش في زمن انفتحت فيه الثقافات بعضها على بعض من خلال الاتصالات، ومن خلال المواصلات، ومن خلال الإنترنت، ومن خلال الغزو الفضائي، من خلال السيطرة العالمية على أمة الإسلام، فأصبح في الأمة كثير من المناهج والأفكار، هذا على مستوى الأمة عموماً، وحتى على مستوى الصالحين الذين يسمون إعلامياً (إسلاميين)، والإسلاميون اليوم لديهم كثير من المناهج والآراء والأفكار، وفي كل فترة من الفترات تسمع عن أفكار وآراء جديدة يتبناها أشخاص يحسبون على الدعوة الإسلامية، وهي في غاية الغرابة وفي منتهى الغرابة! وهم مع الأسف أيضاً يوجد لهم أتباع، والسبب في هذا يعود إلى عدم وجود تأصيل علمي حقيقي في أوساط شباب الدعوة الإسلامية، فأصبح الكثير يعتمد على العاطفة المجردة، وأصبح الكثير يعتمد على التقليد، فيقلد فلاناً من أهل العلم، أو فلاناً من المثقفين، أو فلاناً من الكتاب، أو فلاناً من الوعاظ، ولهذا إذا اختلفوا اختلف الدعاة، وإذا اتفقوا اتفق الدعاة، وهذا من الخطأ، ولهذا يتميز منهج أهل السنة عن غيره من المناهج أن أصحابه لا يعتمدون على التقليد، وإنما يعتمدون على فهم مقاصد هذا الدين فهماً صحيحاً، والالتزام بها، وكل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة وكل فتنة وكل مشكلة تحصل في حياة المسلمين فإن لها حكماً شرعياً، وفي بعض الأحيان يكون هذا الحكم من الوضوح بمكان، لكن كثيراً من الناس لعدم فقهه ولعدم فهمه ولعدم إدراكه لا يفرقون بين المسائل القطعة والمسائل الظنية، ولا يفرقون بين مسائل الإجماع ومسائل الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه الخلاف، وكيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع هذه الفتنة، وكيف يمكن له أن يتعامل مع أهل العلم ومع طلاب العلم ونحو ذلك، وكثير من القضايا اليوم مع الأسف غائبة؛ بسبب عدم التأصيل العلمي لدى الشباب. ففي كل فترة من الفترات تظهر لنا فكرة جديدة، فمثلاً من الأفكار التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة فكرة الرؤى والمنامات التي بدأ كثير من الناس يشطح فيها شطحات عجيبة جداً، إلى درجة أنه يكاد يكون بعض المعبرين كهنة في الحقيقة، فبعضهم يتعلق بالأوهام، ولهذا تجد كثيراً من الناس محطمين مع الأسف، والمفترض في المؤمن أنه لا يكون محطماً ولا يكون ضعيفاً حتى ولو غلب الكفار، وحتى ولو كانت لهم سيطرة، وحتى ولو كان لهم وجود كبير في العالم أقوى من وجود المسلمين، وحتى ولو كان لهم تأثير، فيبقى أن أهل الإسلام لديهم من العزة والقوة النفسية ما يتميزون به عن غيرهم من أصحاب الأديان والمناهج والفلسفات الأخرى. فالرؤى والأحلام اليوم صارت مشكلة، وصار كثير من الناس يفسر الأحاديث النبوية في قضايا الفتن والملاحم وما يتعلق بها تفسيراً مبنياً على الأحلام، فكما أن مسائل الرقى والقراءة على المرضى الذين فيهم سحر، أو الذين لديهم عين أو نحو ذلك صار فيه انحرافات كبيرة عند بعض القراء، وتوصلوا إلى درجة أن صاروا قريبين من المخرفين، ويقولون: نحن نتعاون مع الجن المسلمين ونحو ذلك من الأشياء الغريبة! مع أن فكرة التعاون مع الجن المسلمين قد تحدث عنها أهل العلم قديماً لكن بشكل عام، وأما الواقع الموجود فكثير من الناس تتلاعب بهم الشياطين، ويقولون: نحن نتعامل مع الجن المسلمين في علاج المرضى، فكما أن هذا وقع فيه انحراف كبير فأيضاً وقع في موضوع الرؤى والأحلام والمنامات كثير من الخرافات وكثير من الآراء العجيبة، فبدأ كثير من الناس يقول: إن حاكم العراق هو السفياني الذي ورد في الحديث، وينسى أن الحديث موضوع، فأهم شيء أنه ورد في الحديث وانتهى الموضوع، وأصبح كثير من المرتزقة الذين يريدون الأموال ويريدون العبث بعواطف الناس يؤلفون كتباً في معركة هرمجدون؛ لأنها معركة مشهورة، ثم يجمع من الأحاديث الباطلة والموضوعة والخرافات وغرائب الأخبار وينشرها على أنها هي الإسلام الصحيح الذي يجب على الإنسان أن يعتقده، وبعض الناس أصبح المصدر الأساسي له في فهم الواقع وفي إدراكه وفي التعامل مع مجريات الأحداث هي منتديات الإنترنت، فيدخل هذا المنتدى وهذا المنتدى ويقرأ لهذا ويقرأ لذاك وكثير منهم قد يكون من النصارى، أو قد يكون بعضهم من أصحاب الطوائف المنحرفة يتقمص شخصية داعية ربما يكون مجاهداً أو صالحاً أو نحو ذلك، ثم ينشر في الناس عقائد فاسدة. ولو أننا قارنا بين انتشار الفرق والعقائد الفكرية القديمة وكيفية تغلغل الأديان المنحرفة الأخرى -خصوصاً اليهود والنصارى ونحوهم- في محاولة إفساد الأمة الإسلامية لوجدنا نفس القضية تدور الآن لكن بطرق وبأشكال مختلفة، فهذه العقول الكثيرة من شباب الدعوة الإسلامية كيف تضبط من الانحراف، هذه العقول المنتشرة الآن على خارطة العالم الإسلامي كله كيف يمكن لنا أن نحفظها من الزلل، وأن نحفظها من البدع، سواء كانت هذه البدع قديمة أو جديدة؛ لأنه بعض الأحيان قد ينتسب شخص إلى عقيدة صحيحة مثل عقيدة أهل السنة والجماعة ولا يعرف من البدع إلا البدع التي تكلم عنها العلماء قديماً، لكن البدع الجد

من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الخيلاء

من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الخيلاء قال الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله في كتابه (حلية طالب العلم) في حديثه عنه آداب الطالب في نفسه: [الأمر الخامس: خفض الجناح، ونبذ الخيلاء والكبرياء: تحل بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق، وسكون الطائر من الوقار والرزانة وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعز العلم، ذليلاً للحق، وعليه: فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء؛ فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً، ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي. قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته فإن ذلك من الخيلاء. ا. هـ وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى. واحذر داء الجبابرة: الكبر، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصي الله به، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان. العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي فالزم رحمك الله اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء، أو غطرسة، أو حب ظهور، أو عجب ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية فالزم ذلك تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس. وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب الستة بكر بن عبد الله المزني رحمهم الله تعالى قال: سمعت إنساناً يحدث عن أبي أنه كان واقفاً بعرفة فرق، فقال: لولا أني فيهم لقلت: قد غفر لهم، خرجه الذهبي ثم قال: قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها]. ا. هـ خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء من الأخلاق العظيمة، فيلتزم الإنسان التواضع ويبتعد عن الكبر حتى لو رأى في نفسه شيئاً من العلم، أو شيئاً من الفهم، أو أي أمر من الأمور، ويحرص الإنسان دائماً على ألا ينظر إلى نفسه؛ فالالتفات إلى النفس من أعظم الطرق الموصلة إلى الكبرياء، والتفكير فيما عند الإنسان ومحاولة مقارنة ما عنده بما عند الآخرين هي البوابة التي تفسد على الإنسان أدبه وخلقه. وقصة موسى مع الخضر عليه السلام من أعظم الأحاديث الواردة في الأدب العلمي، فموسى عليه الصلاة والسلام نبي من أولي العزم من الرسل، وهو من أفاضل الأنبياء جميعاً، وهو بلا شك أفضل من الخضر في العموم، لكن عندما وقف عليه السلام أمام الناس ذكر لهم أنه لا يوجد أحد أعلم منه، فأراد الله عز وجل أن ينبهه إلى هذا الأدب العظيم وهو التواضع، فبين له الله أن عبده الخضر أعلم. فما كان من موسى عليه السلام إلا أن طلب اللحوق به والتعلم على يديه وحرص على ذلك. ولهذا ينبغي الحرص دائماً على التعلم والاستفادة، سواء كانت هذه الاستفادة من الأقران أو من الأصحاب أو من أهل العلم، سواء كان قرينك في السن أو أكبر منك أو أصغر؛ ولهذا توجد في كتب أهل العلم رواية الأكابر عن الأصاغر في الحديث، فتجد رجلاً عالماً كبيراً يروي عمن هو أصغر منه، فينبغي على الإنسان دائماً أن يربي نفسه على هذا الخلق.

من آداب طالب العلم التحلي بالقناعة والزهادة

من آداب طالب العلم التحلي بالقناعة والزهادة قال المصنف رحمه الله: [الأمر السادس: القناعة والزهادة: التحلي بالقناعة والزهادة، وحقيقة الزهد الزهد في الحرام، والابتعاد عن حماه بالكف عن المشتبهات، وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس]. هذه حقيقة الزهد، إذاً فالزهد ليس بلبس الثوب الخشن، وليس الزهد بالتقلل من الأكل، وليس الزهد في الظاهر فقط، وإنما أساس الزهد زهد القلب، فإن الإنسان إذا كان قلبه غير معلق بالدنيا فإن هذا من أعظم الزهد. وقد مرت على الأمة فترة من الفترات ظن الكثير أن الزهد يتعلق بالظاهر، فإذا لبس الإنسان ثوباً خشناً، أو كان الإنسان بعيداً عن الملابس الغالية أو الأشياء الغالية في بيته أو في أي مكان اعتبروا ذلك من الزهد، وهذا مظهر وليس بأساس في الزهد ولا في حقيقة الزهد، فحقيقة الزهد هو زهد القلب، فإذا زهد القلب في الحرام فإنه يترتب عليه عدم التعلق بالدنيا. وقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـ عبد الرحمن بن عوف من الأموال ما يفرق بالفئوس، لكنه كان في أيديهم وليس في قلوبهم، ولما توفي طلحة بن عبيد الله كما ذكر الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) كان لديه أكثر من ألفي ألف دينار من الذهب، يعني: مليونين، وكان له بستان كبير في الطائف، لكن مع هذا لم تشغلهم هذه الأموال عن الدعوة إلى الله، وعن الإصلاح، وعن تعلم العلم، وعن نشر الخير بين الناس، وعن الجهاد في سبيل الله، فقد كان هؤلاء -وهم تجار الصحابة- في أوائل الصفوف دائماً في الجهاد في سبيل الله. وكان عبد الله بن المبارك من تجار العلماء، وكان رحمه الله دائماً يجاهد في سبيل الله، حتى إنه كتب قصيدة مشهورة إلى الفضيل بن عياض يقول فيها: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب ثم يقول: من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب فهذا رجل تاجر ومع هذا يشارك في القتال، فاحتمال قتله واحتمال استشهاده كبير، ومع هذا كان بهذه المثابة. وهناك كثير من الصالحين في هذا العصر يملكون المليارات من الأموال، ومع هذا خرجوا بأنفسهم وأموالهم يجاهدون في سبيل الله، فهذا هو الزهد الحقيقي، وهو زهد القلب في هذه الدنيا، والشعور بأنها حطام زائل، وأنها ستذهب، ولهذا لا يتعلق بها القلب، وبناءً على هذا سيمتنع عن الحرام، وسيمتنع عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويؤثر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لو أوصى إنسان لأعقل الناس صرف إلى الزهاد]. أي: لأنهم عرفوا الدنيا على حقيقتها.

التفريق بين الزهد الحقيقي والزهد الزائف

التفريق بين الزهد الحقيقي والزهد الزائف قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: قد صنفت كتاباً في البيوع، يعني: الزاهد من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف ا. هـ وعليه فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول ولا يرد مواطن الذلة والهوان]. ولهذا ينبغي على الإنسان أن يجتهد في أن يكون معتدلاً -كما قال الشيخ- في لباسه، وفي أكله، وفي شربه، فيكون بين الثراء الفاحش الذي لا داعي ولا مبرر له، وبين من يهين نفسه ويحقرها بشكل غير صحيح. وأعظم من حاول إفساد هذا المصطلح السني الكبير -وهو الزهد- الصوفية؛ ولهذا فمن طوائف الصوفية طائفة يقال لها: الملامتية، فالملامتية أو الملامية يظهرون أمام الخلق أموراً تشينهم، فقد ينام أحدهم في الزبالة، وقد ينام مع كلب، وقد يظهر بعض الأحيان أموراً تزعج الناس بحجة أنه يريد أن يدفع عن نفسه شبهة الرياء، ولهذا كان أحد كبار الصوفية -كما ترجم له الشعراني في الطبقات- يسمى إبراهيم العريان، وسموه العريان؛ لأنه كان يأتي ويخطب الناس عرياناً، وقد وقف في يوم من الأيام على الناس وهو عريان فقال: السلطان ودمياط، وباب اللوق بين الصورين، ويذكر أشياء من هذا القبيل. ويروى أنه كان يرى في اليوم الواحد وهو يخطب في أكثر من مكان في نفس الوقت، فقد كانوا يستخدمون السحر في هذا، ويعتبرون هذه كلها من الكرامات، وقد بعضهم يكذب. ويحدث واحد من الإخوة أنه زار بلاد الجابون، وأنه كان هناك أحد كبار الصوفية لا يصلي مع الناس الجماعة، ويقول: إنه يصلي كل يوم من رمضان في الحرم، وإنه التقى بموسى عليه السلام في الطواف، وإنه في المسعى التقى بإبراهيم، وإن إمام الحرم أخطأ فما رد عليه أحد إلا هو، فجاءه جبريل من السماء وقال له: إن الله يشكرك على هذا العمل الذي قمت به، وهو أنك رددت على الإمام عندما أخطأ، ويقول: إن الذي ينقله من هناك إلى الحرم هو البراق ينزل به جبريل من السماء! فهناك خرافات كثيرة هذا نموذج منها، وقد حطمت كثيراً من مقومات المسلمين وجعلتهم فرصة مناسبة للاستعمار، والكلام عن الصوفية كثير جداً، فقد فهموا من الزهد الزهد الظاهري فقط، بل إنهم دخلت لهم فلسفات الأمم الأخرى مثل الزهد الهندي، فالهنود كانوا يعتمدون في الزهد على رياضات نفسية جاء بها بوذا، فكانوا يعذبون الجسد حتى يصفوا الروح ويصلوا إلى درجة النيرفانا كما يسمونها، وهي الحياة السعيدة المثالية. وأما الزهد عند أهل السنة فهو زهد القلب فيما حرم الله سبحانه وتعالى، ويترتب على هذا في الظاهر أن يزهد الإنسان في المحرمات. ومع الأسف أن الصوفية عندما دخلت في حياتهم الأموال، وبقي عندهم شيء من التفكير في الزهد أصبح كثير من الناس يأتي في رمضان فتجد السجدة في وجهه، وتجد معه مسبحة طويلة، وهو في الصف الأول، فتجده يسبح بألوان متعددة من البدع ويكثر من التسبيح وبناته في الدول الغربية يعاقرن الخمر، ويجلسن مع الغربيين، وأولاده كذلك، وأمواله في بنوك الربا يأكل عليها الربا أضعافاً مضاعفة، فانظروا هذا التخبط في فهم الدين، وسببه البعد عن السنة، وتغير المفاهيم الصحيحة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي المتوفى في السابع عشر من الشهر الثاني عشر عام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله: لقد جئت من بلاد شنقيط ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو القناعة، ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم بنيل المآرب الدنوية، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، آمين]. نكتفي بهذا القدر.

إلزام المبتدعة النفاة بإثبات صفات الله

إلزام المبتدعة النفاة بإثبات صفات الله بالنسبة للمحور الذي ما زلنا نتحدث فيه هو صفات الله عز وجل وأسمائه، وسبق أن قدمنا بقاعدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وبينا كيف أن أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات لله عز وجل، وينفون عنها مشابهة المخلوقات، وبينا أن المبتدعة لم يستطيعوا تفهم كيفية الإثبات مع نفي المشابه، وظنوا أن هناك تلازماً أكيداً بين إثبات الصفات ومشابهة المخلوقات، وظنوا أن كل من يثبت الصفات الواردة في النصوص الشرعية لابد أن يعتقد أنها مشابهة للمخلوقات. وبينا سابقاً أن هذا لا يلزم، وأن الفارق بين الخالق والمخلوق من الأمور الضرورية في نفس الإنسان، وأنه إذا وصف الله عز وجل بصفات فإن هذه الصفات حتى ولو كان العقل لا يدرك منها إلا الشيء الموجود في الظاهر بالنسبة لديه وهي صفات المخلوقين، فإن هذا لا يعني أن هذا واقع على صفات الله سبحانه وتعالى، ولهذا نجد أن هؤلاء المعطلة يثبتون بعض الصفات، وينفون عنها المشابهة، فنقول لهم: كيف تثبتون هذا البعض؟ فإذا قلتم: ننفي عنه المشابه، قلنا: وكذلك بقية الصفات نثبتها لله وننفي عنها مشابهة المخلوقات. فإن قالوا: لا، إذا أثبتم لزمت المشابهة، قلنا: وكذلك إذا أثبتم صفة العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك لزمت المشابهة. قالوا: نحن ننفي مشابهة صفات المخلوق. قلنا: وكذلك هنا، فليس هناك فرق بين هذا وذاك، فالجميع صفات لله عز وجل. حتى ولو أن المتكلم معنا جهمي ينكر الأسماء والصفات جميعاً، فإنا نقول: هل تعتقد أن الله عز وجل موجود؟ فإن قال: نعم أعتقد أن الله موجود، فإنه يلزمه أن يقول: وجود الله مختلف عن وجود المخلوق؛ لأن الله عز وجل له صفة تختلف عن صفة المخلوق، فإن قال ذلك، قلنا: إذا كان وجوده غير وجود المخلوق وأنه لا يشبهه، فكذلك ما يتعلق ببقية صفاته، فهي ليست كالمخلوق، وقد تحدثنا عن هذا بشيء من التفصيل والإطالة في المرة الماضية. وفي الدروس القادمة إن شاء الله نتحدث عن صفات الله عز وجل بشكل مفصل، فالكلام الأول كان كلاماً إجمالياً، والآن سيكون الكلام كلاماً تفصيلياً بإذن الله تعالى، وقبل أن نتحدث بشكل تفصيلي نبحث هنا مسألة وهي:

صفات الله غير محصورة بعدد معين

صفات الله غير محصورة بعدد معين هل يمكن لنا أن نحصر صفات الله سبحانه وتعالى؟ يعني: هل صفات الله عز وجل محصورة بعدد معين؟ و A ليست صفات الله عز وجل محصورة بعدد معين، فإن القاعدة: أن كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من الصفات، وهذا هو مقتضى كون أسماء الله عز وجل حسنى، فإن الله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، والحسنى هنا على وزن فعلى، يعني: التي بلغت الغاية في الحسن والكمال والجمال. ومن مقتضى كونها بلغت الغاية في الحسن والجمال أن تكون ذات معان ودلالات، فاسم الله عز وجل (الرحمن) يؤخذ منه صفة وهي الرحمة، وكذلك العزيز يؤخذ منه العزة ونحو ذلك. وأما الذين يقولون إن أسماء الله محضة لا تدل على صفات، فلا شك أن هؤلاء قد فرغوا هذه الأسماء من معانيها، فحينئذٍ لا يكون لوصفها بالحسن مجال، ويكون وصف الله عز وجل لأسمائه بالحسنى رد ظاهر على المعتزلة الذين يرون أن أسماء الله محضة لا تدل على معان. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أسماء الله عز وجل غير محصورة في عدد معين، فورد في حديث الدعاء من الحزن: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك إلى أن قال: أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهذا هو موطن الشاهد: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، وهذا يدل على أن هناك أسماء لله عز وجل استأثر بها فلم يخبر بها العباد، ولا بد أن تكون هذه الأسماء لها معان وصفات. وهل يمكن لنا أن نحصر أسماء الله عز وجل وصفاته الموجودة في النصوص الشرعية؟ نعم يمكن لنا أن نأخذ أسماء الله وصفاته الموجودة في القرآن والموجودة في السنة؛ لأن الآيات القرآنية معلومة ومحددة بالنسبة لدينا، وكذلك السنة النبوية في الجملة.

أقسام الصفات الواردة في الواسطية ولمعة الاعتقاد وحائية ابن أبي داود

أقسام الصفات الواردة في الواسطية ولمعة الاعتقاد وحائية ابن أبي داود والصفات الموجودة في الكتب الثلاثة التي ندرسها (حائية ابن أبي داود) و (لمعة الاعتقاد) و (الواسطية) يمكن أن نقسم الكلام عليها إلى قسمين: مسائل كبرى، يعني: مسائل مشهورة وكبيرة وواقع فيها خلاف مشهور، وتحدث عنها مثلاً ابن تيمية في (الواسطية) حديثاً طويلاً، وهذه يمكن أن نحصرها في ثلاثة صفات: صفة الكلام، والرؤية، والعلو والمعية، فهذه الثلاث تحدث عنها ابن تيمية بالذات في (الواسطية) بشكل مطول، ولهذا سنقف معها في درس خاص لوحدها. النوع الثاني من الصفات: هي الصفات التفصيلية التي يمكن أن نأخذها من النصوص التي استدل بها هؤلاء العلماء؛ لأن ابن تيمية عندما ذكر قاعدة أهل السنة في الصفات ذكر مجموعة من الآيات في الصفات، وذكر مجموعة من الأحاديث في الصفات، وهكذا فعل ابن قدامة رحمه الله قبله، فذكر مجموعة من الآيات وبعض الأحاديث في صفات الله عز وجل، وكل آية من هذه الآيات مشتملة على مجموعة من الصفات. ثم نجد ابن تيمية رحمه الله تحدث عن الثلاث التي سبق أن ذكرناها بشكل مطول، أعني: صفة الكلام، والرؤية، والعلو والمعية، فأطال الحديث عنها؛ لأنها مسائل مشتهرة ووقع فيها الخلاف، واشتهر هذا الخلاف كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى. والمسائل التفصيلية يمكن أن نقسمها إلى قسمين: صفات مشتركة بين هذه الكتب جميعاً، وصفات غير مشتركة، وأكثر من بين الصفات تفصيلاً هو ابن تيمية في رحمه الله (الواسطية)، فالأدلة التي ساقها أكثر من الأدلة التي في (لمعة الاعتقاد). وأما بالنسبة لـ ابن أبي داود فإنه اكتفى بالمسائل المشهورة مثل: الكلام والرؤية والعلو والمعية، وأما بقية الصفات فإنه لم يطل فيها؛ لأن نظمه مختصر ومحدود، فالصفات المشتركة بين (اللمعة) و (الواسطية) هي صفة الوجه واليد والنزول والمجيء والإتيان والرضا والمحبة والغضب والسخط والكره والعجب والضحك والاستواء والعلم ونفي المثيل والشبيه، فهذا ما يتعلق بالصفات المشتركة بين الكتابين. وأما الصفات غير المشتركة فقد انفردت (لمعة الاعتقاد) بصفة النفس، وأما (الواسطية) فقد انفردت بمجموعة كبيرة من الصفات لم يذكرها ابن قدامة رحمه الله في (لمعة الاعتقاد)؛ لأنه لم يكثر من الأدلة التي في الصفات، فمن ذلك مجموعة كبيرة من الأسماء تزيد عن العشرين، مثل: الأحد، والصمد، والحي، والقيوم، والعلي، والعظيم، والأول، والآخر، والظاهر، والباطن، والعليم، والحكيم، والخبير، والرزاق ذو القوة، والمتين، والسميع، والبصير، والغفور، والودود، والرحمن، والرحيم، والعفو، والقدير. وأما بقية الصفات التي ليست موجودة في (اللمعة) فهي مجموعة من الصفات منها: صفة السمع والبصر والمشيئة والإرادة والرحمة والمغفرة والقدرة ونفي الشريك والفرح والرجل والقدم والقرب، والمكر والكيد بأهله، ونفي الولادة، ونفي السنة والنوم، ونفي الإحاطة بعلمه. فهذه الصفات ليست كل الصفات الواردة في النصوص، فهناك صفات كثيرة واردة في النصوص لم يذكرها هنا؛ لأنه لم يرد الاستقصاء، فـ ابن قدامة رحمه الله في (اللمعة) لم يقصد الاستقصاء، وكذلك ابن تيمية رحمه الله في (الواسطية)، وإنما هي عبارة عن أمثلة يمثلون بها على القاعدة الأساسية في هذا الباب العظيم من أبواب الدين. والطريقة التي سنستخدمها في استعراض هذه الصفات هو أن نقرأ مجموعة من النصوص ثم نستخرج منها الصفات بصورة مختصرة، ونعلق عليها تعليقاً خفيفاً؛ لأنها طويلة جداً، فنبدأ بالواسطية.

الصفات الإلهية الموجودة في سورة الإخلاص

الصفات الإلهية الموجودة في سورة الإخلاص يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]]. هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأنها تتحدث عن التوحيد، والتوحيد هو ثلث القرآن؛ لأن القرآن عبارة عن أحكام، وقصص، وعقائد، والتوحيد هو ثلث موضوعات القرآن، ولهذا اعتبرت ثلث القرآن. ويمكن أن نستخرج الصفات ونبين معناها: قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، (الله) اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، والصفة المأخوذة منه هي صفة الألوهية، ومعنى (الألوهية) استحقاق العبادة، يعني: أنه هو المألوه وحده؛ ولهذا قال العلماء في الإله: إن الإله مأخوذ من الوله أو الأله، وهو التعبد، والتأله: هو التعبد، والألوهية هي العبودية؛ ولهذا يقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تأله فالتسبيح والترجيع وصفه وجعله من التأله، والتأله معناه التعبد، فالإله معناه: المعبود، والإله على وزن فعال، بمعنى مفعول؛ لأن فعال يأتي بمعنيين: فاعل ومفعول، يعني: آله ومألوه، وهو هنا بمعنى مألوه، أي: معبود، فهو سبحانه وتعالى المألوه المعبود محبة ورجاء وخوفاً وإنابة ورغبة وخشوعاً وخشية، فهو المستحق وحده سبحانه وتعالى للعبادة. إذاً: فالصفة التي نأخذها من (الله) هي صفة الألوهية. قوله: (أحد) الصفة التي نأخذها منه الأحدية، يعني: أن الله واحد. فهو واحد في ربوبيته: فلا خالق ولا رازق ولا فاعل إلا هو سبحانه وتعالى. وواحد في ألوهيته: فلا معبود ولا محبوب ولا مخوف منه خوف التأله إلا هو سبحانه وتعالى. وواحد في أسمائه وصفاته: فله الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تليق بأحد سواه سبحانه وتعالى. قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2]: لفظة (الله) سبق الحديث عنها. و (الصمد) اسم من أسماء الله، وقد فسره المفسرون بثلاثة معانٍ: المعنى الأول: أن (الصمد) معناه: السيد الكامل في سؤدده. والمعنى الثاني: أن (الصمد) بمعنى: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها. والمعنى الثالث: هو ما فسره به ابن عباس وعليه جمهور علماء السلف والخلف؛ أن (الصمد) الذي لا جوف له، وهو يدل على معنى الغنى، وكل المخلوقات لها أجواف؛ لأنها تفتقر إلى الأكل والشرب ونحو ذلك مما يسد رمق هذا الجوف، وأما الإله سبحانه وتعالى فهو مصمت لا جوف له سبحانه وتعالى، ومعناه: أنه هو الغني الذي لا يحتاج لأحد، وهو المالك لكل شيء، وهو المعطي لكل شيء سبحانه وتعالى. قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3]. (لم يلد) يعني: ليس له أولاد، (ولم يولد) يعني: ليس له آباء. وقوله: (لم يلد ولم يولد) هذه من الصفات السلبية. وقد سبق أن بينا أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات سلبية. والصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية. فالصفات الذاتية: هي الملازمة لله سبحانه وتعالى، وهي ليست متعلقة بمشيئته، وهي لا تنفك عنه بأي وجه من الوجوه، مثل صفة الألوهية، فهو المعبود على كل حال، ومثل صفات: العلم والوجه والقدم والعينين ونحو ذلك من الصفات التي تليق بالله سبحانه وتعالى. قوله: (لم يلد) فيه رد على النصارى الذين قالوا: إن عيسى ابن الله. وفيه رد على بعض اليهود الذين قالوا: إن عزيراً ابن الله. وفيه رد على الفلاسفة الذين قالوا: إن هذا الكون ناتج عن الله عز وجل بدون إرادة ولا مشيئة، وإنه يتضمن كل خصائص الإلهية، وإنه نتج كنتوج الضوء من الشمس، وإن هذا النتوج أو هذا الصدور أو الفيض موجب لا علاقة له بالإرادة بأي وجه من الوجوه. ففيه رد على هذه الطوائف، وقد تحدث ابن تيمية رحمه الله في هذه الموضوعات بشكل مطول في أجزاء التفسير الموجودة في الفتاوى في تفسير سورة الإخلاص، فأطال فيها وذكر مسائل بديعة وجميلة جداً، فأنصح الإخوة بمراجعتها. وفيه رد أيضاً على المشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون. قالوا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]، (الكفو، والكفؤ) هو الند والمثيل والشبيه، وقد نفى الله عز وجل عن نفسه أن يكون له كفؤ سواء فيما يتعلق بربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته، فلا مثيل له أبداً، وهذه أيضاً من الصفات السلبية.

إثبات ما وصف الله به نفسه في آية الكرسي

إثبات ما وصف الله به نفسه في آية الكرسي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه، حيث يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]]. قوله تعالى: [{اللَّهُ} [البقرة:255]] وهذا سبق أن تحدثنا عنه أنه يتضمن صفة الإله [{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:255]]، هي شهادة أن لا إله إلا الله، وهي تفسير لمعنى الإله، وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، فلا معبود ولا محبوب إلا هو سبحانه وتعالى. وقوله: [{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]]: (الحي) اسم من أسماء الله، وهو يتضمن صفة الحياة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفة الذاتية الثابتة له. و [(القيوم)] يتضمن صفة القيام على الخلق، فهو سبحانه وتعالى قيوم السموات والأراضين، وهو القائم على هذه المخلوقات، وهو المدبر لها سبحانه وتعالى. وقوله: [{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]]. هذه من الصفات السلبية، فهو لا ينام، (والسنة) معناها: النعاس، فهو {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] لكمال حياته وكمال قيوميته سبحانه وتعالى. وقوله: [{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:255]]، والصفة الموجودة هنا هي الغنى أو الملك، فهو مالك ما في السموات وما في الأرض؛ لأن اللام هنا في قوله (له) للملكية. وقوله: [{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]] والصفة المأخوذة هنا هي صفة الإذن، وهناك فرق بين الإذن والأذن، فالإذن معناه: الإباحة والسماح، يعني: أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإباحته له ذلك وإذنه له. وأما الأذن الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أَذَن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)، فإنه بمعنى الاستماع، يعني: ما استمع لشيء كاستماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. وبعض الناس فهم من هذا الحديث أنه يتضمن إثبات صفة الأُذن لله، وهناك فرق بين الأَذَن والأُذُن، فالأذن لم يرد في النصوص الشرعية وصف الله عز وجل بها، وإنما الوارد في هذا الحديث الأَذَن، ومعناه: الاستماع، وهي صفة فعلية. وقوله: [{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:255]]، هذه فيها إثبات صفة العلم، وصفة العلم ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من أبرز الصفات الذاتية، وهي من الصفات التي يمكن الاستدلال عليها عقلاً، فلو أردت أن تثبت صفة العلم لله عز وجل لشخص لا يؤمن بالقرآن فلا تأت وتقول له مثلاً: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:255]، فإنه يقول لك: أنا لا أثبت القرآن أصلاً. فتستدل عليه بالمخلوقات، فالمخلوقات الموجودة إن كان يثبت أن الله خالقها فلابد أن يثبت أنه عالم بها؛ لأن الخلق معناه التقدير، والتقدير لابد أن يسبقه علم، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. ولو أنك جئت لشخص وقلت له بعد أن طبع هذا الكتاب وصفت حروفه، وقلت: إن هذا يجهل ما في هذا الكتاب، أو إنه ليس عنده علم به، فهل يمكن أن يقتنع أحد بكلامك؟ لا يمكن؛ لأن هذا مخالف للعقل، فالعقل يدل على أنّ خالق الشيء ومدبر الشيء لابد أن يكون عالماً به؛ لأن الخلق فرع عن العلم. وقوله: [{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255]] وهذا أيضاً فيه إثبات صفة العلم الواسع المحيط بكل شيء، فالله عز وجل وسع علمه كل شيء، وإثبات صفة العلم فيه الرد على الفلاسفة الذين يقولون: إن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها، وقد كفرهم العلماء، وممن كفرهم أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة)، فإنه كفر الفلاسفة بسبب ثلاث مقالات: المقالة الأولى: قولهم بقدم العالم. والمقالة الثانية: قولهم بإنكار البعث الجسماني، وقالوا: إن البعث يكون للأرواح فقط ولا يكون للأجسام. والمقالة الثالثة: إنكارهم لعلم الله بالجزئيات، وقولهم: بأن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها. وقوله: [{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255] (الكرسي) هنا ليس من صفات الله، وإنما هو من مخلوقات الله، فإضافة الكرسي إلى الله في قوله: ((وسع كرسيه)) إضافة خلق، فإن الإضافة كما سبق أن شرحناها تنقسم إلى قسمين: إضافة أعيان،

إثبات الأول والآخر والظاهر والباطن من أسماء الله

إثبات الأول والآخر والظاهر والباطن من أسماء الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]]. وهذه الآية فيها خمس صفات وخمسة أسماء. قوله: (هو الأول) يتضمن صفة الأولية. (والآخر) يتضمن صفة الآخرية. (والظاهر) يتضمن صفة الظاهرية، وهي الفوقية والعلو. (والباطن) يتضمن صفة الباطنية. (وهو بكل شيء عليم) يتضمن صفة العلم. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، و (الباطن) هو بمعنى القرب والمعية والعلم بأحوال العباد على التفصيل، والقدرة عليها. فهو الأول ليس قبله شيء سبحانه وتعالى، والمخلوقات بعده، وهو الآخر فليس بعده شيء، والمخلوقات أنها حتى ولو كان بعضها خالداً في الجنة إلا أن هذا الخلود لا يتم إلا بتخليد الله عز وجل له، فلا شك أنه سبحانه وتعالى قبل كل شيء وبعد كل شيء. قال المصنف: [وقوله سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58]]. فيه إثبات صفة الحياة لله عز وجل، وقوله: (الذي لا يموت) هذا بيان لها، وقد سبق أن تحدثنا عن صفة الحياة في آية الكرسي.

إثبات صفات العلم والحكمة والخبرة لله تعالى من القرآن

إثبات صفات العلم والحكمة والخبرة لله تعالى من القرآن قال المصنف: [وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]]. هذه أسماء لله عز وجل، و (العليم) يتضمن صفة العليم، و (الحكيم) يتضمن صفة الحكمة لله عز وجل. قال المصنف: [{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18]]. هذه تتضمن صفة الحكمة والخبرة أيضاً. قال المصنف: [{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ:2]]. وهذه فيها إثبات صفة العلم لله عز وجل، وهي من الصفات الذاتية الثابتة له. قال المصنف: [{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلا هو} [الأنعام:59]]. وهذه فيها إثبات صفة العلم أيضاً. قال المصنف: [{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]]. وهذا يدل على سعة علم الله عز وجل، وأنه لا شيء يمكن أن يكون خارجاً عن علم الله عز وجل، فالله عز وجل عالم بكل شيء على التفصيل. قال المصنف: [{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:11]]. وهذه النصوص كلها فيها إثبات صفة العلم، وصفة العلم من أبرز الصفات، وصفة العلم لا ينكرها الأشاعرة، ولا ينكرها المعتزلة، لكن المعتزلة يؤولونها فيقولون: هو عليم، وعلمه هو ذاته، فهم يردون العلم إلى الذات، وبعضهم قد يقول: عليم بلا علم، يعني: ليست هناك صفة اسمها العلم مستقلة عن الذات، لكن يمكن أن تكون الذات عالمة، ولو أنكروا صفة العلم لكفروا، ولهذا كفر السلف أوائل القدرية الذين كانوا يقولون: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وقوعها، وقد انقرضت هذه الطائفة. قال المصنف: [{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12]] فيه إثبات صفة القدرة لله عز وجل. قال المصنف: [{وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]] وفيه إثبات صفة العلم، وقوله: (قد أحاط بكل شيء علماً) فيه رد صريح على الفلاسفة الذين قالوا: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات. قال المصنف: [{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]]. هذه من أسماء الله عز وجل، وهي تتضمن صفات، فالرزاق يتضمن صفة الرزق، و (ذو القوة) من أصرح الصفات، و (ذو القوة) أي: صاحب القوة، أي: صاحب هذه الصفة، و (المتين) اسم من أسماء الله يتضمن صفة المتانة، والمتانة صفة ذاتية لله عز وجل معناها القوة، فالمتين معناه القوي.

الأسئلة

الأسئلة

تفسير الإحاطة وهل يحاط يوم القيامة بوجه الله تعالى

تفسير الإحاطة وهل يحاط يوم القيامة بوجه الله تعالى Q ما هي الإحاطة، وهل يمكن الإحاطة بوجه الله يوم القيامة؟ A لا يمكن الإحاطة بالله عز وجل ولا بصفاته ولا بعلمه، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة:255]، والإحاطة معناها الإدراك التفصيلي، ولهذا يقول الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، فنفى الإدراك هنا، وليس هو نفياً للرؤية، فالإدراك معناه: الإحاطة والمعرفة التفصيلية بالمرئي، لكن الرؤية يمكن أن تقع بدون إحاطة، ولهذا أنت ترى السماء ولا تحيط بها؛ لأن السماء كبيرة جداً، إلى درجة أن الإنسان في أي مكان في الأرض يراها، فأنت عندما تنظر إلى السماء وأنت في جدة لست محيطاً بها، فالسماء التي تكون على الأرجنتين لا تدري عنها أنت شيئاً، والسماء التي تكون في العراق لا تدري عنها، والسماء التي تكون في أي بلد من البلدان لم ترها ولم تدرِ عنها، فإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله فكيف بصفات الله عز وجل التي هي أعظم من ذلك.

صفة الرزق ليست هي صفة الغنى

صفة الرزق ليست هي صفة الغنى Q ألا نستطيع أن نقول إن صفة الرزق هي نفسها صفة الغنى؟ A لا، الغنى شيء والرزق شيء آخر، فالغنى يتضمن معنى الملك؛ لأن الغني قد يرزق وقد لا يرزق، وقد يعطي وقد لا يعطي، بينما الرزق يتضمن صفة الكرم والعطاء، وهناك بعض أسماء الله عز وجل وبعض صفات الله عز وجل يكون بينها تداخل من حيث المعنى لشمولها، وإن كانت هي منفصلة، ويوصف الله عز وجل بهذه وبهذه.

جنس العرب أفضل من جنس العجم

جنس العرب أفضل من جنس العجم Q هل جنس العرب أفضل من جنس العجم؟ وهل هذا عقيدة أهل السنة والجماعة؟ وهل هذه الأفضلية يتعبد بها الإنسان ويؤجر عليها؟ A لا شك أن العرب أفضل من العجم من حيث الجنس لا من حيث الأفراد؛ فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل اختار كنانة من ولد إسماعيل)، وولد إسماعيل هم العرب، فاختار كنانة من ولد إسماعيل حتى وصل الاختيار إلى بني هاشم، ثم اختار النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه خيار من خيار). فهذا الاختيار الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل عن الأفضلية، لكن الأفضلية هنا هي أفضلية الجنس عموماً، وأفضلية الصفات، بينما الأفراد ليست كذلك، فالعرب عموماً أفضل لما فيهم من الأخلاق والآداب والطباع والصفات الجميلة، لكن هذا لا يعني أن كل عربي أفضل من كل عجمي، ولهذا وجد من العلماء ومن السلاطين ومن الصالحين من العجم من هو أفضل بمئات المرات من أشراف مشهورين من العرب. وهذه قضية ينبغي التنبه لها، فلو أحصينا العلماء العجم لوجدنا منهم أصحاب الكتب الستة تقريباً، ومن السلاطين العجم الذين كان لهم آثار كبيرة جداً: صلاح الدين الأيوبي فهو من الأكراد، والعثمانيون الأتراك كان لهم أثر كبير، خصوصاً الأوائل منهم الذين نشروا العلم، وإن كان بعضهم قد خالطه شيء من التصوف، لكنهم استطاعوا أن ينشروا الإسلام في أوروبا، وأن يؤثروا تأثيراً كبيراً جداً فيها، ونفع الله عز وجل بهم، ولهذا ينبغي الانتباه لهذه القضية، فلا شك أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، لكن الأفراد كلٌ بحسبه، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. وينبغي إدراك قضية أن أفضلية الجنس ليس مرجحاً للإنسان يوم القيامة بأنه يكون أفضل من غيره، لكن الهدف من الحديث عن فضيلة جنس العرب الرد على الشعوبيين، فقد ظهرت حركة قومية عند العرب يطالبون بالوحدة العربية مع اختلاف الأديان ومع اختلاف المذاهب ونحو ذلك، ويواجهون العجم حتى ولو كانوا مسلمين، وظهرت أيضاً في العجم حركة شعوبية تجتمع حول العجم، وتكره العرب وتبغضهم، فهذه كلها من عادات الجاهلية ومن أفكار الجاهلية التي يجب البعد عنها.

حكم عمالة بعض الحكومات الإسلامية مع الكفار

حكم عمالة بعض الحكومات الإسلامية مع الكفار Q ورد في حديث الذبابة: بأن رجلاً دخل الجنة في ذبابة، ورجلاً دخل النار في ذبابة، والمعنى الظاهر من الحديث: أنه من قرب شيئاً لغير الله ولو ذبابة دخل النار، فكيف بمن قرب إلى غير الله قربات كثيرة وليس قرباناً واحداً، ما هو حكم من قرب إلى الكفار فلذة أكباده من المجاهدين، وما زال العدو الكافر يريد المزيد؟ A ليس هناك ارتباط، فالتقريب في الحديث هو الذبح، والعمالة التي تحصل عند بعض الحكومات الإسلامية في التعاون مع الكفار ضد المسلمين هذه قضية أخرى، فتبحث في مسألة الموالاة والمعاداة. وأما حديث الذبابة فهو من حيث الصنعة الحديثية فيه ضعف وانقطاع، فإن طارق بن شهاب ليس من الصحابة وإنما هو من التابعين، والحديث على هذا يكون حديثاً ضعيفاً، وأما ما يتعلق بمعاونة الكفار على المسلمين فلا شك أن هذا مذموم، وهو من أعظم نواقض الإسلام والعياذ بالله.

حكم من أعان الكافر على قتل المسلم

حكم من أعان الكافر على قتل المسلم Q هل يرتد المسلم إذا أعان كافراً على قتل مسلم أو أسره؟ A لا شك أن من نواقض الإسلام إعانة الكفار على المسلمين، فإعانة الكفار على المسلمين من الردة، وقد تحدث عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مظاهرة الكفار على المسلمين، وهي مشهورة تعتبر من الكفر بالله. لكن ينبغي إدراك أنه ليس كل من يعين الكفار على المسلمين يكون كافراً، فقد يكون مضطراً، فبعض الأحيان لا يكون أمامه إلا هذا الخيار مثلاً، وقد يكون متأولاً، فهناك عدة أعذار يمكن أن تحصل؛ ولهذا ليس هناك تلازم بين كفر الفعل وبين كفر الفاعل، علماً أنه إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع فإنه يكفر، وكثير من الناس مع الأسف لوجود انحراف في حياة المسلمين ووقوع كفريات كثيرة: سواء من عدد من الحكومات أو عدد من الأفراد، وجد توسع في مجال التكفير، فأصبح كثير من الناس عنده أن كل من ارتكب الكفر فهو كافر، فهذا لا يلزم، فقد يرتكب بعض الناس الكفر ويساعد الكفار على المسلمين بنوع من أنواع المساعدة لتأول عنده، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وهذا فيه إعانة للكفار، لكنه عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم بيّن العذر الذي عنده، فقال: إن لأصحابك أقواماً في مكة يحمون أموالهم وبيوتهم ودورهم وليس لي أحد، فأردت أن يكون لي بها -يعني: بهذه الرسالة- يد عندهم، أي: بحيث إنهم يحمون ما يتعلق بأملاكه في مكة، فمع أن الفعل نفسه كفر إلا أن حاطباً لم يكن كذلك. فينبغي إدراك هذه القاعدة، وهي قاعدة من أهم القواعد! علماً أن مسائل التكفير فيما يتعلق بالأمور العامة لا يصح أن تكون فردية بالنسبة للأشخاص، خصوصاً الأشخاص الذين يرتبون عليها أعمالاً جهادية، أو أعمالاً -مثلاً- دعوية، أو فتاوى فقهية، فينبغي أن تكون هذه من الأمور التي يتشاور فيها أهل العلم، ويكون رأيهم فيها ظاهراً وواضحاً، حتى لو كان بعض أهل العلم قد لا يستطيع أن يصرح برأيه كاملاً لكن أهل العلم لا يمكن أن يجمعوا على قول باطل وفاسد كما قد يتصور البعض، فينبغي إدراك هذه القضية إدراكاً جيداً.

نصيحة في كيفية التعامل مع الفتن التي تمر بالأمة الإسلامية

نصيحة في كيفية التعامل مع الفتن التي تمر بالأمة الإسلامية Q لا يخفى ما يمر به العالم الإسلامي في هذا الزمان الذي تكالب فيه أعداء الإسلام، فما توجيهكم لنا في مقابل هذه الفتن؟ وما هي الطريقة الصحيحة في التعامل مع ما يعرف بشبكة المعلومات من الأخبار؟ A أما بالنسبة لما يتعرض له العالم الإسلامي فلا شك أن السنوات الأخيرة حصلت فيها فتن عظيمة في حياة المسلمين وكبيرة، فينبغي في التعامل مع هذه الفتن عدة أمور: الأمر الأول: الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله على فهم السلف، والعناية بطلب العلم وإدراك العلم إدراكاً صحيحاً. الأمر الثاني: الالتفاف حول أهل العلم، وأن يحرص الإنسان على استفتاء العلماء، وأن يبتعد عن الاجتهاد الفردي، فإن الاجتهاد الفردي يضر به ويضر بالآخرين، فينبغي أن يحرص على أنه إذا مر عليه إشكال في فتنة أن يأتي إلى أهل العلم ويستفتيهم. ومن أعظم الأخطاء في الحقيقة: وجود بعض الدعاة أو بعض الصالحين الذين يقعون في أعراض أهل العلم، فيتهمون بعضهم بالعمالة، ويتهمون بعضهم بالنفاق، وقد يلعنونهم، وقد يسبونهم ويشتمونهم، وهذا كله -والعياذ بالله- من الغلو ومن الإثم، فينبغي البعد عن هذا الأمر، وأن يحرص الإنسان على احترام أهل العلم وتقديرهم، والحرص على الاجتماع معهم. وهذا لا يعني أنه إذا أخطأ عالم من العلماء أن يتبعه الإنسان في خطئه، فإذا أخطأ عالم من العلماء فلست ملزماً باتباعه في خطئه، لكن هناك فرق بين أن يرد عليه ولا يتبع، وبين السب والشتم وقلة الأدب مع أهل العلم، لا شك أن هذا مذموم، وأنه ينبغي على الإنسان أن يحرص دائماً على احترام أهل العلم وتقديرهم حتى ولو وقع بعضهم في شيء من الخطأ وشيء من الزلل، فهذا خلق مهم ينبغي أن يكون عند الإنسان خصوصاً مع أهل العلم وأهل الفضل. الأمر الثالث: أن أحداث الفتن العامة هذه ينبغي أن تكون شورى بين الدعاة والمصلحين عموماً، وأن يبتعد الأشخاص عن الأعمال الفردية التي لا يكون لها فائدة في كثير من الأحيان. الأمر الرابع: أن يبتعد الإنسان عن الأفكار الشاذة والأفكار التي تكون فيها شيء من الغلو، فليس كل حماس ولا كل موقف شديد يكون صالحاً. وكثير من الناس مع الأسف يتصور أن بعض الدعاة -مثلاً- ليس لهم موقف، أو أن بعض العلماء ليس لهم موقف قوي من الحكومات، فيفهم من هذا أنهم ليسوا على المستوى المطلوب! وهذا خطأ، فليس قوة الموقف هو المعيار على صحة هذا الموقف أو عدم صحته، فينبغي إدراك هذه القضية إدراكاً جيداً، والمهم في هذا هو أن يحرص الإنسان على اتباع السنة وعلى الحذر من الوقوع في البدع، وعلى البعد عن المتشابهات، فإذا كان عندك أمران: أمر واضح بَيّن وأمر مشتبه فرد المشتبه إلى الواضح البين، وإياك والمتشابهات؛ فإن المتشابهات كثيراً ما تهلك الناس! وأما ما يتعلق بالمعلومات التي تعرض في الإنترنت أو غيرها، فالإنترنت هي عبارة عن حياة مفتوحة يوجد فيها الكذاب، ويوجد فيها الخبيث، ويوجد فيها السيئ، ويوجد فيها أصحاب العقول المستقيمة، ويوجد فيها أصحاب العقول المخرفة والمنحرفة والضالة، ويوجد العاقل والمجنون، وتشمل جميع فئات وأطياف الناس، فينبغي للإنسان أن يكون حذراً وألا يقبل كل شيء، فهناك مواقع مثلاً قد تكون مفيدة لبعض العلماء أو بعض الصالحين المعروفين، فتحترم نفسها وتحسن للناس بتقديم مادة علمية مفيدة، وهناك منتديات يكتبها أشخاص بأسماء وهمية مستعارة لا تعرف، فقد يكتب -كما قلت لكم- شخص نصراني متقمصاً شخصية داعية مجاهد من أحسن الناس، ثم يكتب عن أمور فيها انحراف وخطورة على عقيدة الإنسان، وفي بعض الأحيان قد لا تكون واضحة، ما دام أن الأسماء مجهولة ومستعارة غير معروفة فيصبح بريق الألفاظ وحسن العبارة وتنميق الكلام هو المؤثر في النفس، وأنت ينبغي عليك أن تبتعد عن مثل هذه المصادر، فهذه ليست مصادر موثوقة سواء في الأخبار، أو حتى في بناء المواقف وبناء الأفكار والعقائد، فينبغي الحذر من هذه القضية!

دراسة موضوعية [6]

دراسة موضوعية [6] صفة السمع والبصر والإرادة والمشيئة والمحبة والمودة والمغفرة والرحمة والرضا والغضب والسخط والكره والمجيء والإتيان، وصفة الوجه واليدين والعينين والفرح والنفس والنزول هذه كلها صفات لله ثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، فيجب إثباتها لله تعالى كما جاءت على المعنى اللائق بالله تعالى، على وجه لا تشبه به صفات المخلوقين، فإن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

نبذة عن الدروس الموضوعية

نبذة عن الدروس الموضوعية اعلم أن هذه الدروس تنقسم إلى قسمين: قراءة وتعليق في (حلية طالب العلم)، والدرس الرسمي والأساسي هو في الكتب الثلاثة المتعلقة بالعقيدة وهي: (حائية ابن أبي داود) وهي منظومة مختصرة في العقيدة تزيد عن ثلاثين بيتاً، و (لمعة الاعتقاد) لـ ابن قدامة المقدسي، و (العقيدة الواسطية) لـ ابن تيمية. هذه الثلاثة الكتب ندرسها كل يوم سبت، وطريقة الدراسة فيها هي حسب الدارسة الموضوعية، ومعنى الدراسة الموضوعية: أن نقسم هذه الكتب الثلاثة من حيث الموضوعات إلى موضوعات عامة مثل: الصفات، والقدر، والإيمان، والصحابة وغيرها، ثم نأخذ الباب كاملاً ونتحدث عنه بشكل واضح، ثم نقرأ ما يتعلق بهذا الباب في الكتب الثلاثة سوياً وفي مكان واحد، فإذا انتهينا من الباب الأول ننتقل إلى الباب الثاني، وهكذا حتى ننتهي من جميع الأبواب، وقد قسمنا الأبواب في بداية هذه الدروس. ومازلنا في الباب الأول وهو باب الصفات، وهو باب من الأبواب الطويلة كما تعلمون في مسائل العقيدة، وقد تحدثنا في البداية عن قاعدة أهل السنة والجماعة في الصفات، وكيف أنهم جمعوا بين إثبات الصفات ونفي التمثيل عن الله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل صفاته ثابتة له، وفي نفس الوقت هي ليست مماثلة لصفات المخلوقين. وبينا أن المأزق الذي وقع فيه نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والرافضة والخوارج وغيرهم هو أنهم لم يستطيعوا فهم كيفية الجمع بين إثبات الصفات ونفي التشبيه، وظنوا أن لازم إثبات الصفات وقوع التشبيه، وأنه لابد أن يكون هناك تشبيه مادام أن هناك إثباتاً، وقلنا: إن هذه القاعدة ليست قاعدة صحيحة، وإنما هي ظنون وأوهام وأهواء، ولهذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يسمون هذه الطوائف: أهل البدع والأهواء؛ لأنهم يتبعون أهواءهم ولا يتبعون هدي الكتاب والسنة بشكل متجرد وواضح في هذا الباب. وسبق أيضاً أن بينا الأصول العقلية التي من أجلها نفى أهل البدع صفات الله سبحانه وتعالى، وقلنا: إن هذه الأصول العقلية تعود إلى دليل حدوث الأجسام، وهو الدليل الذي استدلوا به على وجود الله سبحانه وتعالى. والأصل الثاني هو: دليل التركيب، ونفوا بدليل الحدوث الصفات الاختيارية الفعلية، وبالدليل الثاني نفوا الصفات الذاتية، وقالوا: إنها تستلزم التركيب. ومن الأصول العقلية عندهم: دليل الاختصاص. ومنها أيضاً: دعوى التشبيه والتمثيل بصفات المخلوقين. وقد بينا أن هذه الأصول العقلية قد زاحموا بها مفاهيم الكتاب والسنة، وبدءوا يؤولون النصوص ويحرفونها عن مسارها، وأحسنهم حالاً من فوض أمرها إلى الله، لكنه فرغها من معناها ومفهومها، الشرعي الذي جاءت به. وسبق أن تحدثنا عن هذه القضايا بشكل مفصل، وقلنا في الدرس الماضي: إن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة رحمهما الله تعالى تحدثا عن الصفات، وقسمنا الكلام في الصفات إلى قسمين: صفات يمكن أن نسميها صفات كبرى، أو الصفات المشهورة، وهذه تقريباً أبرز أنواع الصفات وهي ثلاث: صفة النزول، وصفة العلو والمعية، وصفة الكلام، فهذه الصفات من أبرز الصفات التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة وبين المعطلة نفاة الصفات، ولهذا سنفرد لقاء كاملاً -وهو اللقاء القادم- في الكلام عن هذه الصفات الثلاث بشكل خاص. وأما بقية الصفات فإن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة المقدسي رحمهما الله لم يريدا الحديث عنها تفصيلاً، وإنما ذكرا قاعدة، ثم قالا: ومن آيات الصفات: فذكرا مجموعة كبيرة من آيات الصفات. ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن أحاديث الصفات كذا، وهذا الفعل حصل من ابن قدامة المقدسي، وابن قدامة قبل ابن تيمية. فنبدأ أولاً: (بحلية طالب العلم) كما اعتدنا ثم نعود إلى هذه الكتب:

كيفية التأصيل العلمي لمن هو مشغول بعمل من الأعمال

كيفية التأصيل العلمي لمن هو مشغول بعمل من الأعمال وقبل أن يقرأ الأخ هناك بعض الإخوة كان يسأل عن مسألة التأصيل العلمي ويقول: إن التأصيل العلمي نحن مقتنعون به اقتناعاً تاماً، لكن كثيراً منا موظف مثلاً، أو مرتبط بأعمال، أو يكون لديه ظروف ولا يحصل لديه إلا وقت معين ومحدود للقراءة والاطلاع، فكيف يتم التأصيل في هذه الحال. و A أن مسألة التأصيل ليست راجعة لوظيفة الإنسان وليست راجعة لكون الإنسان متفرغاً أو غير متفرغ، وليست راجعة لكون الإنسان عنده أشغال أو ليست عنده أشغال، فلو أنك تعطي العلم كل يوم ساعة واحدة، فيمكن لك أن تؤصل نفسك تأصيلاً علمياً، فأظن أن ساعة واحدة كفيلة بأن تخرج منه طالب علم ممتاز، لكن بشرطين: الشرط الأول: الصبر. والشرط الثاني: الاستمرار. فلابد من الصبر والاستمرار؛ لأنه إذا لم يكن هناك صبر فسيضعف الإنسان، وإذا لم يكن هناك استمرار فسينقطع المرء، فبعد مجموعة من الشهور أو بعد سنة أو سنتين سينقطع، وينسى كل ما حفظه أو درسه خلال هذه الفترة، ويتصور أن الإنسان يمكنه أن يعطي ساعتين في اليوم للعلم، فإذا كان عنده قدرة أن يعطي ساعتين في اليوم لطلب العلم فإنها تصير في الأسبوع أربع عشرة ساعة، فتستطيع في هذا الزمن أن تؤدي أعمالاً كثيرة جداً، ويمكن أن تقسمها إلى ثلاثة أقسام: قسم تجعله للحفظ، وقسم تجعله للدراسة والفهم، ومعنى الدراسة: التدقيق في المسائل التي أنت تدرسها، وقسم تجعله للتثقيف والاطلاع. فالأربع عشرة ساعة هذه التي قسمناها على ثلاثة تصير أربع ساعات وكسور في الأسبوع للحفظ، فستجعلك تحفظ شيئاً كبيراً. وأهم شيء هو أن الإنسان لا يمل ولا يستعجل، فلنفترض أن الإنسان سيبدأ يدرس في الفقه مثلاً، فأخذ كتاباً مثل (بلوغ المرام)، وفيه أكثر من ألف وخمسمائة حديث، فلو أنك في كل يوم تحفظ وتفهم ثلاثة أحاديث أو حديثين فسيجتمع لك في الأسبوع أربعة عشر حديثاً، وفي الشهر اثنان وأربعون حديثاً، وفي عشرة أشهر أربعمائة وعشرون حديثاً، وهذا تقريباً ثلث الكتاب، فحفظ ثلث الكتاب في عشرة أشهر ليس أمراً هيناً، فأهم شيء هو أن تحفظ وتضبط وتراجع، بحيث إنه يستمر العلم معك. نفترض أنك بدأت في شهر محرم، فإذا انتهيت من شهر محرم وجئت إلى محفوظ شهر صفر فلا تنس شهر محرم، ولابد أن تراجعه، والمراجعة أسهل من الدرس الجديد؛ لأنك أصلاً ضابط وتحتاج إلى مراجعة فقط، والمراجعة يمكن أن تحصل لك وأنت في السيارة، وممكن أن تحصل لك وأنت في أي مكان من الأماكن، وممكن أن تحصل لك وأنت ذاهب إلى أداء أي غرض من الأغراض، والمراجعة هي التي ترسخ المحفوظ. إذاً: خلال ثلاث سنوات ستنتهي بإذن الله من (بلوغ المرام) حفظاً ودراسة، لكن المشكلة هي أن بعض الإخوان لا يصبر أو لا يستمر، فيتحمس الشهر الأول والشهر الثاني، وفي الشهر الثالث ينقطع، أو إذا استمر لا يراجع، فإذا بدأ في شهر محرم لا يجيء شهر رمضان إلا وقد نسي كل الأشهر السابقة، مثل الدروس العلمية الموجودة عندنا الآن، تجد أن الشباب يحضرون هذه الدروس وربما يقيد الواحد منهم كثيراً من المعلومات التي يسمعها، فإذا خرج من المسجد نسي الدرس حتى يأتي الأسبوع القادم، فيأخذ المذكرة ويأتي مرة أخرى إلى الدرس، فبهذه الطريقة لن يستطيع الإنسان أن يؤصل نفسه علمياً. فقد جاء أبو حنيفة إلى حماد بن أبي سليمان -وكان فقيهاً مشهوراً بالكوفة- فسأله عن طلب العلم، قال: احفظ كل يوم مسألة أو قال مسألتين أو ثلاث مسائل سيحصل لك بعد زمن علم كثير. وصدق! فلو حفظت كل يوم مسألة فسيحصل لك بعد سنة أكثر من ثلاثمائة مسألة، وهذا ليس أمراً هيناً، فإذا كان هذا خلال عشر سنوات فسيحصل لك ثلاثة آلاف وستمائة مسألة، فأهم شيء هو أن يكون ضبطك مستمراً لمحفوظك ولمسائلك العلمية، ويكون في نفس الوقت عندك صبر وجلد، وتعود نفسك على ألا تسأم ولا تمل، فالسأم والملل لا يمكن أن يكونا رفيقين لطالب العلم، فإذا كان هناك سأم وملل فسينقطع الإنسان. وبعض الناس تشغله الأمور، فمثلاً: يبدأ في درس فيسمع درساً آخر فينصرف إليه، ثم يسمع عن درس ثالث فيترك هذا الدرس إلى ذاك الدرس، فتجد أنه في العام الواحد لديه ما لا يقل عن أربعة إلى خمسة دروس لكنه لم يكملها ولم يتمها، وحتى لو كان عنده أشرطة فما ضبطها ولا أتمها وهكذا، فبهذه الطريقة التي ذكرتها سيحصل الإنسان خيراً كثيراً وعلماً كثيراً بإذن الله تعالى.

من آداب طالب العلم: التحلي برونق العلم

من آداب طالب العلم: التحلي برونق العلم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى في كتابه (حلية طالب العلم) في فصل (آداب الطالب في نفسه): [الأدب السابع: التحلي برونق العلم، وحسن السمت، والهدي الصالح؛ من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، ولزوم المحجة بعمارة الظاهر والباطن، والتخلي عن نواقضها. فعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. وعن رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى أنه قال لرجل: حدثنا ولا تحدثنا عن متماوت ولا طعان. رواهما الخطيب في (الجامع)، وقال: يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب، والعبث، والتبذل في المجالس بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح، والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره وطريفه، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه فما أوغر منه صدوراً، وجلب الشر فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة. انتهى. وقد قيل: من أكثر من شيء عرف به، فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك، وبعض من يجهل يظن أن التبسط في هذا أريحية. وعن الأحنف بن قيس قال: جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصافاً فرجه وبطنه. وفي كتاب المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء: ومن تزين بما ليس فيه شانه الله. وانظر شرحه لـ ابن القيم رحمه الله]. نعم، المقصود من هذا الأدب هو أن الإنسان مادام يطلب العلم فلابد أن يتحلى برونق العلم، فللعلم رونق خاص، ولأصحابه وصف خاص يتميزون به، فهم لا يتكلفون، لكنهم في نفس الوقت ليسوا مثل أصحاب الفسق أو أصحاب المجون الذين لا يضبطون كلامهم ولا يضبطون أخلاقياتهم فيما بينهم. فكثير من الناس قد يتمازحون، لكن التمازح أنواع: فهناك مزاح لطيف يدخل السرور على قلب الإنسان ويحترم فيه الأخ أخاه، وهناك نوع آخر من المزاح يسيء فيه إلى الآخرين، ويكون فيه تبذل وسخف، ويكون فيه قلة أدب، ويكون فيه إساءة إلى الشخص نفسه، ولهذا كم من مزاح انتهى -والعياذ بالله- إلى مشكلات بين الإخوان والأصدقاء، فقد يكون المزاح في بعض الأحيان بالتعيير: إما بالقبائل، أو المناطق، أو بالأشكال، أو الأنساب أو بأي أمر من الأمور. ولا شك أن لأهل العلم وطلاب العلم أخلاقيات خاصة من حيث الأدب، وحسن السمت مع الآخرين، والبعد عن جرح مشاعرهم، ولهذا فكثير من الناس قد يخرجون في سفر واحد مجموعة فيرجعون أفراداً، يعني: يخرجون خمسة أشخاص أو عشرة أشخاص ثم يرجعون وكل واحد لوحده، أو كل اثنين مع بعض، والسبب أنه لا يحترم بعضهم بعضاً، ولا يقدر بضعهم بعضاً، أو يتجاوزون فيما بينهم فيما يتعلق بالمزاح حتى يصل إلى القطيعة والفرقة والعياذ بالله. ولهذا على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على أن يتحلى برونق العلم، وأن يبتعد عن إحراج إخوانه، فبعض الأحيان قد يتكلم إنسان بكلام، ويكون في كلامه مدخل لإحراجه، فهنا يتميز المتحلي برونق العلم من الشخص الآخر السخيف الذي لا يهمه، فالمتحلي برونق العلم يبتعد عن إحراجه ويبتعد عن إزعاجه، وأما الإنسان الذي ليس فيه شيء من هذه الآداب فإنه سيحرجه، وربما تنقلب مثل هذه الإحراجات إلى سفه وتبذل في النطق ونحو ذلك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: بعض الأحيان قد يحصل بين الإخوة اختلاف مثلاً في وجهات النظر، فيغضب أحدهم لرأيه، وهنا يبرز رونق العلم وأدب العلم، فإن الإنسان حتى ولو غضب لرأيه فلابد أن يضبط نفسه، وأن يستجيب للدعاء المشهور: اللهم إني أسألك قول كلمة الحق في الرضا والغضب، وبعض الناس يكون وضعه مختلفاً إذا كان راضياً فتجد أنه من أحسن الناس أدباً، ومن أحسن الناس ابتسامة، فإذا غضب انقلب تماماً وأصبح شخصاً آخر، فيكون ممن إذا خاصم فجر، وإذا تكلم كذب، وإذا نطق أسف في النطق ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه ليس من أخلاق وآداب طالب العلم، وإنما ينبغي لطالب العلم في أسوأ الحالات التي تمر عليه أن يضبط نفسه، وأن يتحلى بالآداب وحسن الأخلاق في التعامل مع إخوانه جميعاً.

من آداب طالب العلم: التحلي بالمروءة

من آداب طالب العلم: التحلي بالمروءة قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأدب الثامن: تحل بالمروءة: التحلي بالمروءة، وما يحمل إليها من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة من غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية. وعليه تنكب خوارم المروءة في طبع أو قول أو عمل، من حرفة مهينة، أو خلة رديئة: كالعجب، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب]. المروءة: هي الخلق الذي يكون صاحبه متزناً فيه بين الكبر والأنفة المبالغ فيها، وبين أن يكون الإنسان ذليلاً محتقراً في مهنته، أو في تصرفه، أو في كلامه، أو في علاقاته أو نحو ذلك، فهنا لابد للإنسان أن يضبط تصرفاته، وأن يضبط أخلاقه بمقتضى الوسطية بعيداً عن الكبر باسم الأنفة، وبعيداً عن الإسفاف باسم التواضع، فكل هذه الصفات ليست من المروءة.

من آداب طالب العلم: التمتع بخصال الرجولة

من آداب طالب العلم: التمتع بخصال الرجولة قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأدب التاسع: التمتع بخصال الرجولة: تمتع بخصال الرجولة من الشجاعة، وشدة البأس في الحق، ومكارم الأخلاق، والبذل في سبيل المعروف حتى تنقطع دونك آمال الرجال. وعليه فاحذر نواقضها من ضعف الجأش، وقلة الصبر، وضعف المكارم؛ فإنها تهضم العلم، وتقطع اللسان عن قولة الحق، وتأخذ بناصيته إلى خصومة في حالة تلفح بسمومها في وجوه الصالحين من عباده]. المقصود بهذا الأدب هو أن الإنسان يحرص على أن يربي نفسه على أفضل كمالات الرجال: من الشجاعة، وقول الحق في مكانه مع الحكمة، وأيضاً البذل في المعروف، ونجدة المحتاج، ومساعدة من يحتاج إلى المساعدة، ونحو ذلك من الصفات اللائقة، وعكس هذه الخصال فيه تشبه بالأنثى، فيكون الإنسان ضعيفاً رقيقاً، فيكون الإنسان ضعيف الجأش لا يستطيع أن يقول كلمة الحق، ويكون متنعماً إلى درجة أنه لا يتخيل أن هذا النعيم يمكن أن يزول. ولهذا ينبغي للإنسان أن يروض نفسه على أسوأ المواقف، وأنتم تعلمون أن العالم مع الأسف يموج ويتغير، فكم من بلاد إسلامية وقعت عليها الحروب، وربما تقع على كثير من الناس في أماكن متعددة، فينبغي للإنسان أن يكون من الرجولة وأن يكون من رباطة الجأش والصدق والتعاون مع إخوانه المسلمين إلى أبعد درجة، وإلا فإنه سيطيش عقله ولا يدري ماذا سيصنع، ونسأل الله عز وجل أن يرفع ما بهذه الأمة من البلاء. ونكتفي بهذا القدر!

إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى

إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى وصلنا في الدرس الماضي إلى إثبات السمع والبصر لله تعالى، وبدأنا بقراءة النصوص الموجودة في (العقيدة الواسطية)؛ لأنها أشمل، وإلا فإن ابن تيمية ألف كتابه (الواسطية) بعد تأليف ابن قدامة (للمعة)؛ لأن ابن تيمية جاء بعد ابن قدامة، فـ ابن قدامة توفي في سنة ستمائة وعشرين، بينما توفي شيخ الإسلام في القرن الذي بعده في سنة سبعمائة وثمانية وعشرين، إذاً فمولد ابن تيمية كان بعد وفاة ابن قدامة بقرابة إحدى وأربعين سنة، فإن ابن تيمية ولد في سنة ستمائة وإحدى وستين وأربعين سنة. قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]]. والصفات الموجودة هنا ثلاث صفات: الصفة الأولى: هي نفي مماثلة الله عز وجل للمخلوقين، وهذه الصفة من الصفات السلبية، وهي تتضمن كمال الضد، فالله عز وجل ليس له شبيه، وهو الكامل من كل وجه. ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، فيها إثبات السميع والبصير، وهما اسمان لله عز وجل، وسبق أن ذكرنا قاعدة وهي: أن كل اسم من أسماء الله فإنه يتضمن صفة من صفاته، فالسميع يتضمن صفة السمع، والبصير يتضمن صفة البصر لله سبحانه وتعالى. وقوله: [{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]]، وهذه مثل السابقة.

إثبات صفتي الإرادة والمشيئة لله تعالى

إثبات صفتي الإرادة والمشيئة لله تعالى ومجموع الصفات التي ستأتي تتعلق بصفة الإرادة، وهي من الصفات الذاتية الثابتة لله سبحانه وتعالى. قوله: [{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39]] موطن الشاهد (ما شاء الله)، وفيها إثبات صفة المشيئة لله سبحانه وتعالى. وقوله: [{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253]]، فيها ذكر صفة المشيئة والإرادة، وهما بمعنى واحد. وقوله: [{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1]]، وهذه فيها إثبات صفة الإرادة لله سبحانه وتعالى. وقوله: [{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]]، والإرادة عند العلماء تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وهي متوافقة مع معنى الخلق، وإرادة شرعية، وهي متوافقة مع معنى الأمر، وسيأتي الحديث مفصلاً عن الكلام في الإرادة الكونية والإرادة الشرعية في باب القدر بإذن الله تعالى؛ لتعلق هذه المسألة بباب القدر أكثر.

إثبات محبة الله ومودته لأوليائه

إثبات محبة الله ومودته لأوليائه إثبات محبة الله ومودته لأوليائه: قال رحمه الله: [وقوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]]، فقوله: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) فيها إثبات صفة المحبة لله عز وجل وأن الله عز وجل يحِب ويحَب، فيحَب من العباد، ومحبته تكون لذاته وتكون لإحسانه، فهو سبحانه وتعالى لكمال ذاته وكمال أوصافه وكمال أسمائه وكمال جلاله وعظمته يحب، وكذلك لكمال إحسانه وإنعامه وتدبيره لخلقه فهو يحب أيضاً، وهو كذلك سبحانه وتعالى يُحب المحسنين، ويحب الصادقين، ويحب الصالحين، ويحب المؤمنين، ويحب أنبياءه سبحانه وتعالى، وهي من الصفات الفعلية التي يفعلها الله عز وجل متى شاء إذا شاء، في الوقت الذي يشاء سبحانه وتعالى. قال رحمه الله: [وقال: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]، وقال: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:7]، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]]. فهنا جاءت المحبة من جهتين: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ)) فالله عز وجل يحب، ((فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ))، وهو يحب سبحانه وتعالى. قال رحمه الله: [وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]]. وهذه واضحة في هذه المسألة، فيحبهم ويحبونه. قال رحمه الله: [وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4]].

إثبات صفة المغفرة والمودة

إثبات صفة المغفرة والمودة قال رحمه الله: [وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]]، فالغفور اسم لله عز وجل يتضمن صفة المغفرة، والمغفرة تدل على الرحمة وتدل على المحبة أيضاً، والودود يدل على صفة الود، والود من صفات الله سبحانه وتعالى، والود بمعنى المحبة. ولهذا سمى السلف نفاة الصفات: غلاظ الأكباد؛ لأنهم ينفون صفة المحبة، فيقولون: إن الله عز وجل لا يحب ولا يحب، ويقولون: إن المحبة هي الإرادة، فيردون المحبة والصفات الاختيارية إلى الإرادة، فمثلاً: المحبة والغضب والرضا يقولون: هي إرادة الإحسان أو إرادة الانتقام، لكن المحبة كصفة لا يثبتونها لله سبحانه وتعالى، ويقولون: إنه لا يحب ولا يحَب، ويقولون: إن المحبة لا تتعلق به، فالمحبة هي تعلق القلب، ولا يصح أن تتعلق بالإله الخالق، فإن المحبة بمعنى الخضوع والتعبد. وهذا فهم فاسد لأمرين: فهم فاسد للأسماء والصفات، وفهم فاسد للتأله والتعبد، فهم يفسرون الألوهية بمعنى الربوبية وينفون الصفات عن الله عز وجل، ولهذا كما يقول ابن القيم رحمه الله: إنهم أغلقوا منافذ التعلق بالله سبحانه وتعالى من جهة محبة العبد لربه، ومن جهة محبة الرب لعبده سبحانه وتعالى، مع أن هذه القضية صريحة في كتاب الله، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، فأولوها بسبب الأصول العقلية التي سبق أن أشرنا إليها في دروس سابقة.

إثبات اتصاف الله بالرحمة والمغفرة

إثبات اتصاف الله بالرحمة والمغفرة قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1]]، والله اسم من أسمائه، وهو من أخص أسمائه سبحانه وتعالى، وقد سبق أن قلنا: إنه يتضمن صفة الإلهية، وقلنا: إن الإله بمعنى المعبود، وإنه فعال بمعنى مفعول. والرحمن الرحيم من أسمائه سبحانه وتعالى، والرحمن يتضمن صفة الرحمة، وكذلك الرحيم يتضمن صفة الرحمة نفسها. والفرق بين الرحمن الرحيم فيه خلاف كبير بين العلماء، ولعل أدق وأصح قول في التفريق بين الرحمن الرحيم هو قول ابن القيم رحمه الله في (بدائع الفوائد)، فإنه حرر الفرق: بأن الرحمن صفة ذاتية في الله سبحانه وتعالى، والرحيم صفة فعلية تتعلق بالمخلوق، قال: ولهذا يقول الله عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، فوصفه بالرحمة المتعلقة بالمؤمنين، وهذه جهة فعلية، بينما لم يقل: رحمن بهم، وإنما يقال: رحيم بهم، وهذا تحرير جيد لـ ابن القيم رحمه الله. ويقول: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:7]، فيها إثبات صفة الرحمة، وإثبات صفة العلم. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]، ويقول: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]. ومعنى: ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) أنه كتبه بإرادته واختياره سبحانه، فهو قد أوجب على نفسه ذلك، وهذا إيجاب منه تعالى وليس إيجاباً من أحد من خلقه، فالمعتزلة يقولون بوجوب الأصلح على الله عز وجل، يعني: أنه يجب على الله أن يعمل الأصلح للخلق، والأصلح للخلق في فهمهم هو اللطف كما يسمونه، وهو أن يجعل العبد في إمكانه أن يعمل الصالحات ولا يكتب عليه شيئاً، ويجعله يصنع فعله بنفسه أو على حد تعبيرهم يخلق فعله بنفسه، وسيأتي الحديث عن هذا الأمر مفصلاً بإذن الله تعالى في القدر إن شاء الله.

شبه أهل البدع في نفي صفة الرحمة

شبه أهل البدع في نفي صفة الرحمة {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]، اسمان يتضمنان صفة المغفرة وصفة الرحمة، ويقول: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64]، وصفة الرحمة أولها الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية إلى إرادة الإحسان، يقولون: هو ليس برحيم، ولهذا بعض الأحيان قد تجدون مفسراً من المفسرين يأتي إلى بسم الله الرحمن الرحيم ويقول: الرحمن الرحيم من أسماء الله عز وجل، ومعناها إرادة الإحسان، فهذا تأويل. وهناك فرق بين التأويل وبين تفسير الصفة بلازمها، فالتأويل نفي وتفريغ للصفة من حقيقتها، وتفسير لها بردها إلى صفة أخرى، فردوا المحبة إلى الإرادة، وردوا الغضب إلى الإرادة، وردوا الرحمة إلى الإرادة، وردوا كل الصفات الاختيارية والفعلية إلى الإرادة، بينما التفسير بلازم الصفة هو أن يذكر مقتضى أو لازم من لوازم هذه الصفة دون أن ينفيها، مثل قول ابن عباس في الساق مثلاً: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42]: عن شدة وكرب، وصحيح أنه إذا كشف الساق حصلت الشدة والكرب، ولهذا إذا أمرهم الله عز وجل أن يسجدوا لا يستطيعون السجود، فهناك كرب حقيقي، لكن هل كلام ابن عباس يقتضي نفي الصفة؟ هذا الكلام من ابن عباس لا يقتضي نفي الصفة، وإنما هو تفسير للشيء بلازمه، وهذا ما يسمى في البلاغة بالكناية، ويقولون: إن الكناية لا تنفي الحقيقة بعكس المجاز، فالمجاز ينفي الحقيقة ويفسرها بمعنى آخر، فقولهم مثلاً: طويل العماد كثير الرماد، هو كناية عن الكرم، فإن الكريم يكون بيته ظاهراً وواضحاً، والرماد عنده كثير من كثرة الضيوف الذين يأتونه، لكن ممكن أن تقول: الكريم الآن ليس عنده عماد، بل عنده بيت مبني مسلح، وتقول: وكذلك ليس عنده رماد؛ لأنه يسويها على بوتاجاز، فهي نار ليس لها ارتباط بالرماد، فيقولون: إن الكناية لا يلزم منها بالضرورة نفي الحقيقة.

إثبات صفة الرضا والغضب والسخط والكره لله تعالى

إثبات صفة الرضا والغضب والسخط والكره لله تعالى ذكر رضا الله وغضبه وسخطه وكراهيته وأنه متصف بذلك: قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]، فيه إثبات صفة الرضا لله، وفيه إثبات صفة الرضا للمخلوق، ورضا الله يختلف عن رضا المخلوق. وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93]، سيأتي معنا الحديث والكلام في موضوع حكم القتل، وهل الإنسان إذا قتل مسلماً متعمداً يكون خالداً مخلداً في النار في باب الإيمان، وما يتعلق بالكلام حول الكبائر وتكفير أصحاب الكبائر، ومحل الشاهد هنا هو قوله: ((وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ))، والغضب صفة من صفات الله عز وجل، وقد فسرها أهل الكلام وأولوها بأنها إرادة الانتقام. ويقول سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:28]، ففيه إثبات السخط لله عز وجل، وهو بمعنى الكره. وقال: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] هذه الآية فيها إثبات صفتين: الصفة الأولى الغضب، وهي مأخوذة من قوله: ((آسَفُونَا))، فالأسف هو الغضب، ((انتَقَمْنَا مِنْهُمْ))، هذه صفة الانتقام، ولهذا تورط نفاة الصفات مع هذه الآية؛ لأنهم فسروا الغضب بالانتقام، وهنا جمع بين الصفة وبين ما فسروا بها، قال: ((فَلَمَّا آسَفُونَا)) يعني: أغضبونا ((انتَقَمْنَا مِنْهُمْ))، فأصبح الانتقام مترتباً على الغضب، فهو فعل مترتب على فعل وليسا شيئاً واحداً، يعني: ليست صفة الغضب وصفة الانتقام بمعنى واحد؛ لأنهما لو كانتا بمعنى واحد لاكتفى بواحدة منهما، فلما جمع بينهما دل ذلك على أن هذه صفة وهذه صفة أخرى. وأهل البدع دائماً يتورطون، فقد جاء المعتزلة إلى أبي عمرو بن العلاء وهو من القراء المشهورين، فطلبوا منه أن يقرأ قول الله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] وينصب لفظ الجلالة: (وكلم اللهَ موسى تكليماً)؛ حتى يكون الكلام من موسى، فقال: أرأيتم لو فعلت ذلك فما تفعلون بقول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]؟! فلن يستطيعوا أن يهربوا من هذه الآية. يقول: لو أنني أنقذتكم من هذه الآية لتورطتم في الآية الأخرى، وكلاهما من القرآن وهي ملزمة لكم. ونفي الصفات بنوه على أصول عقلية وليس هناك أي ارتباط بالنصوص الشرعية، لكن عندما يناقشون ويجادلون أهل السنة يضطرون إلى الاستدلال بالنصوص الشرعية، فيستدلون بآية الشورى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، فيقال لهم أكملوا، فيقولون: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)). وكان عمرو بن عبيد من أزهد الناس فيما يتعلق بمتاع الدنيا، لكن الزهد الحقيقي هو زهد القلب، فقال: وددت أنني حككتها من المصحف، يعني قوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ويتمنى أن يكتب مكانها: وهو العزيز الحكيم؛ لأن العزة والحكمة صفات ليست مرتبطة بما يزعمون من التشبيه؛ لأنها من الصفات التي يسمونها الصفات النفسية، فعزة الله لا ينكرها أحد، وكونه حكيماً لا أحد يقول إنه ليس كذلك، لكن السمع والبصر هم يزعمون أن هذه تقتضي أن تكون جوارح لله عز وجل كما يعبرون، فقال: وددت أنني حككتها من المصحف، وهذا يدل على وجود الهوى عند هؤلاء! ويقول الله عز وجل: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]، وهذه فيه إثبات صفة الكره، ويقول: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]، والمقت هو الكره أيضاً.

إثبات مجيء الله لفصل القضاء بين العباد

إثبات مجيء الله لفصل القضاء بين العباد والمجيء والإتيان بمعنى واحد، يقول الله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:210]. ويقول: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام:158] وهذا محل الشاهد، {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]. ويقول: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:21 - 22]، ففيه إثبات صفة المجيء. ويقول: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25] وهذه الآية وحدها لا تستقل بإثبات صفة المجيء والإتيان والنزول بالنسبة لله عز وجل، فالتنزيل هنا مضاف إلى الملائكة، لكن لابد أن نربط بين هذه الآية وبين الآية الأولى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:210]، فالظلل من الغمام في آية البقرة هي الغمام الموجودة في آية الفرقان. ولهذا فالأدلة تنقسم إلى قسمين: دليل بسيط كما يسمونه أو دليل مفرد، ودليل مركب، والدليل البسيط أو الدليل المفرد هو أن يكون الدليل مستقلاً بالدلالة في ذاته، يعني: أن تأخذ الدلالة من الدليل لوحده دون أن يكون هناك ارتباط بأدلة أخرى، والدليل المركب: هو أن يكون الدليل لا يستقل بالاستدلال لوحده، لكن إذا ضممته بضميمة أخرى معه اتضح المقصود من ذلك. قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:25] فهنا ثلاثة أشياء: تشقق السماء، والغمام، وتنزل الملائكة، وهي نفسها الموجودة في آية البقرة: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة:210] وهذا يدل على أن الملائكة نزلت، {وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:210] أي: انتهى الأمر، وانتهاء الأمر يكون بتشقق السماء كما هو معروف.

إثبات صفة الوجه لله تعالى

إثبات صفة الوجه لله تعالى يقول الله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]. فصفة الوجه ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهو وجه يليق بجلاله، وأما أهل البدع فلم يثبتوا صفة الوجه لله تعالى، وقالوا: المقصود بالوجه هنا ذاته، فمعنى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] يعني: ويبقى ربك. والحقيقة أنه لو كان هذا المعنى هو المراد لما كان للإضافة فائدة هنا، وهو قوله: وجه، فإضافة الوجه إلى الله عز وجل تدل على أن الوجه صفة وليست تكراراً. قوله: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] وصف للوجه، وليس وصفاً للرب كما في الآية نفسها؛ لأنه لو كان وصفاً لكلمة (ربك)، لكان: ذي الجلال؛ لأن إعراب (الرب) هنا مضاف إليه، فيكون (ذي الجلال) وصفاً له، ويكون مجروراً وعلامة الجر هي الياء لأنه من الأسماء الخمسة، لكنها وصف للوجه، (ويبقى وجه): فاعل مرفوع بالضمة، و (ذو) وصف له فيكون مرفوعاً، والأسماء الخمسة علامة رفعها الواو. ويقول الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88].

إثبات صفة اليدين لله تعالى

إثبات صفة اليدين لله تعالى يقول الله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، فيها إثبات صفة اليدين لله عز وجل وأنها مثناة. ويقول: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]. فوردت صفة اليد مضافة إلى الله عز وجل بصيغة المفرد، ووردت أيضاً بصيغة الجمع، لكن المفرد يحتمل معنى الجنس، وهو الكثرة، والجمع يحتمل معنى التكثير والتعظيم، لكن التثنية نص في العدد، فقوله: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) نص في أن لله عز وجل يدين. وهناك نصوص كثيرة تبين بعض الأوصاف لبعض الصفات، مثل صفة الأخذ والعطاء، فهذه من صفات اليد، ومثل الكف والأصابع مضافة إلى صفة اليد، ومثل الخفض أيضاً والقبض والبسط، فيبسط يده بالليل، وكذلك الطي ونحو ذلك، فهذه كلها من صفات اليد الثابتة لله عز وجل التي لا تشبه أيدي المخلوقين بأي وجه من الوجوه.

إثبات صفة العينين لله تعالى

إثبات صفة العينين لله تعالى إثبات العينين لله عز وجل، وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]، وقوله: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:13 - 14]، وقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]. صفة اليد لله عز وجل جاء فيها نص بالتثنية، لكن صفة العين وردت بصيغة الإفراد: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي))، وبصيغة الجمع: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا))، وقال: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]، لكن التثنية للعينين ما هو دليلها؟ قال العلماء: الدليل هو الحديث الثابت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور)، والعور في لغة العرب التي يتداولونها ويفهمون بها خطاب الشرع هو: الذي يكون له عينان إحداهما مفقوءة، فهذا الذي يفهمه العرب من لغتهم، فإذا كان الله عز وجل ليس بأعور إذاً فله عينان لا تشبه أعين المخلوقين؛ للقاعدة المشهورة التي عند أهل السنة التي تفرق بين الخالق والمخلوق. إثبات السمع والبصر: وهذه سبق أن أخذناها فمن أسماء الله السميع البصير، وقد ذكر مجموعة من الآيات فيما يتعلق بإثبات صفة السمع والبصر.

إثبات صفة المكر والكيد لله بمن يستحقها

إثبات صفة المكر والكيد لله بمن يستحقها ثم انتقل إلى إثبات المكر والكيد لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وبالنسبة للصفات تنقسم إلى قسمين: صفات يمكن أن تنسب إلى الله عز وجل بدون قيد، وصفات تنسب إلى الله عز وجل بقيد، منها المكر والكيد، فالمكر والكيد يمكن أن يوصف الله عز وجل بهما بشرطين: الشرط الأول: أن يكون العبد قد مكر وكاد قبل ذلك، فيكون هذا من جنس الجزاء والعقوبة. والأمر الثاني: أن يكون بأهله، أي: أن يكون بمن مكر، ولهذا تلاحظون أن الآيات الواردة في هذا الموضوع: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] وهكذا، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]، وسيأتي الإشارة لها في باب القدر فيما يتعلق بإضلال الله للعباد أو هدايته لهم بإذن الله تعالى. قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]، والمحال بمعنى: المكر والكيد. وقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50]، فتلاحظون أن فعل العبد قبل ذلك. وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16]، فهنا تلاحظون صفة المكر والكيد هي عبارة عن عقوبة على فعل سابق، ويكون المكر والكيد مذموماً عندما يكون ابتداء، لكن عندما يكون جزاء على فعل العبد فإنه لا يكون من النقص بأي وجه من الوجوه.

إثبات صفة العفو والمغفرة

إثبات صفة العفو والمغفرة ثم ذكر مجموعة من الصفات تتعلق بالعفو والمغفرة، يقول الله عز وجل: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149]. وقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]. وقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، وقوله عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]. ثم ذكر الاسم لله عز وجل، وأن الاسم والصفة مصطلحات شرعية، فالله عز وجل له أسماء وله صفات، يقول الله عز وجل: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن:78] وهذا يدل على أن الأسماء من المصطلحات الشرعية؛ لأنها وردت في النصوص الشرعية. {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78]، وتلاحظون أن (ذي الجلال والإكرام) هنا تختلف عن السابق، فهنا وصف لقوله: (ربك)؛ لأنها جاءت مخفوضة بالياء.

نفي المماثلة والمشابهة عن الله تعالى

نفي المماثلة والمشابهة عن الله تعالى وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، فهذه من الصفات السلبية التي تتضمن كمال الضد، يعني: هل تعلم له مثيلاً أسماؤه كأسمائه؟ ليس له سمي؛ لكمال أسمائه وكمال صفاته سبحانه وتعالى. وقال: {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4]. وقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]. وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:165]. هذه الآيات كلها تتعلق بالصفات السلبية التي سبق أن أشرنا إلى قاعدة فيها وهي: أنها تتضمن كمال ضدها، فقوله: ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا)) يعني: لا تجعلوا لله نظراء وأمثالاً؛ وذلك لكماله سبحانه وتعالى من كل وجه، فهو لا مثيل له ولا ند له ولا شبه له سبحانه وتعالى. وقوله: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ))، هذا جاء في سياق الذم، فجاء في سياق وصف الكفار، ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165]، فبين أن هؤلاء من أهل الذم.

نفي الشريك عن الله تعالى

نفي الشريك عن الله تعالى ثم ذكر صفة نفي الشريك عن الله عز وجل في آيات طويلة، وهي تتضمن أن الله عز وجل ليس له شريك، كما أنها تدل على كمال ضدها، وهو أنه الواحد الأحد سبحانه وتعالى في عبوديته، فهو المعبود وحده، وفي الربوبية فهو الرب وحده، وفي الأسماء والصفات فهو صاحب الأسماء الحسنى والصفات العليا وحده. ثم ذكر مجموعة من الآيات فيما يتعلق بالاستواء على العرش، وهذه سيأتي الحديث عنها في باب العلو، وأردف أيضاً بمجموعة من الآيات في العلو، وهذه سنتكلم عنها في اللقاء القادم إن شاء الله. ثم ذكر مجموعة من الصفات المتعلقة بالمعية، وموضوع المعية مرتبط بموضوع العلو، وسنناقشه في اللقاء القادم إن شاء الله. ثم ذكر مجموعة من الآيات تتعلق بصفة الكلام لله عز وجل وسنتحدث عنها في اللقاء القادم إن شاء الله.

شبه المتكلمين في رد حديث الآحاد وشروطهم في قبول المتواتر

شبه المتكلمين في رد حديث الآحاد وشروطهم في قبول المتواتر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه]. السنة مصدر من مصادر التشريع، وهي مستقلة بذاتها، فالسنة مصدر من مصادر الأحكام الشرعية: سواء في العقيدة أو في الأحكام، وهذا فيه رد على أهل الكلام المبتدعة الذين يقسمون السنة إلى متواتر وآحاد، فيقولون: الآحاد لا تقبل في باب العقائد؛ لأنها من الظنيات، والظنيات لا تقبل في العقيدة؛ لأن العقيدة قطعية، وهذا تعليل عقلي غير صحيح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالتوحيد -وهو أساس العقيدة- أرسل إلى ملوك العالم أفراداً، فأرسل إلى هرقل: عبد الله بن حذافة السهمي وأرسل إلى المقوقس: عمرو بن أمية الضمري، فهو أفراد، وأرسل إلى القبائل رسلاً أفراداً، وأرسل معاذاً إلى اليمن من أجل أن يعلم الناس العقيدة والأحكام، وهو فرد واحد، ولهذا ففكرة أن العقيدة لا تؤخذ إلا من المتواتر هذه فكرية بدعية ضالة، والحقيقة يا إخوان أن المنهج الكلامي أخطر وأعمق بكثير مما نتصور، فقولهم لا يقف عند حد أن الأحاديث الآحاد لا تقبل في العقيدة فقط، بل هم في الحقيقة موقفهم من النصوص الشرعية موقف سلبي للغاية، فهم يقسمون النصوص إلى قسمين: نصوص متواترة، وهي التي ينقلها جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، ونصوص آحاد، وهي التي ينقلها فرد أو فردان أو ثلاثة أو أربعة، فيقولون: الآحاد هذه لا تقبل في العقيدة، إذاً فقد أخرجوا تقريباً أكثر من ثمانية أعشار السنة، وقالوا: هذه لا تقبل في العقيدة؛ لأنها ظنية، ثم جاءوا إلى المتواتر، وهو النصوص القرآنية وبعض الأحاديث النبوية التي وردت متواترة، فهذه الأدلة المتواترة قد صارت من الأمور التي يحتج بها من حيث الثبوت، فجاءوا وقالوا: أما الدلالة فإنها ظنية لا تقبل إلا بتجاوز عشر عقبات وهي: ألا يكون هناك مجاز، وألا يكون هناك احتمال في النص، وأن يكون الموضوع نصاً وليس بظاهر، وقالوا: إنه لو وجد المعارض العقلي وحده لكان كافياً في ردها، إذاً: ماذا يبقى من النصوص؟ فالآحاد لا تقبل لأنها ظنية من حيث الثبوت، والمتواتر أيضاً لا يقبل عندهم حتى يتجاوز عشر عقبات، فلا يمكن أن يخرجوا لنا نصاً واحداً يتجاوز هذه العقبات التي ذكروها جميعاً، ويكفي المعارض العقلي وحده في ردها، وهذه من أخطر القضايا، ولهذا لما تكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه (الصواعق المرسلة في غزو الجهمية والمعطلة) ذكر أربعة أصول وسماها -بحسب تعبيره- طواغيت، قال: أربعة طواغيت نصبها أهل التأويل لدك معاقل الوحي، أي: من أجل ألا يكون هناك استدلال بالنصوص الشرعية، وأنا عندما أقول من أجل كذا فهم ليسوا جميعاً من المنافقين، فبعضهم وصل لهذه البدعة بسبب عدم دراسة العلم على أصوله الصحيحة، وبعض الأحيان لوجود أهواء، وبعض الأحيان قد يكون عند بعضهم تعبد وحسن قصد، لكن حسن قصده هذا لا ينفعه إذا كانت المقالة والفكرة التي جاء بها فكرة فاسدة معارضة للنصوص الشرعية، وبعضهم كان يقاتل النصارى ويرد عليهم ويواجه الباطنية. والغزالي نفسه رحمه الله من الذين كانوا يقولون بمثل هذه المقالات، وقد ألف (تهافت الفلاسفة) وألف (فضائح الباطنيين)، وكان له موقف شديد جداً من هؤلاء، لكن هذه البدع عندما تنتشر ويتساهل فيها الخلق تغير أديان الناس، وتغير مقالات الناس، وتغير أفكار الناس، فهذا أبو حامد كما قلت إمام مشهور يقول عنه تلميذه أبو بكر ابن العربي يقول: دخل شيخنا الغزالي في بطن الفلاسفة ولم يخرج منه، يعني: دخل في جوف الفلاسفة فهماً ودراسة فلم يخرج، يعني: خرج وهو متأثر، مع أنه كفر الفلاسفة، بسبب ثلاث مقالات كما سبق وأن أشرنا في الدرس الماضي. والشاهد: أن الأربعة الطواغيت التي نصبها أهل التأويل لدك معاقل الوحي هي: أولاً: طاغوت أن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين. والطاغوت الثاني: أن النقل لا يقبل إذا عارضه العقل. والطاغوت الثالث: المجاز. والطاغوت الرابع: هو أحاديث الآحاد لا تقبل في العقيدة.

إثبات صفة الفرح لله تعالى

إثبات صفة الفرح لله تعالى وقد ساق ابن تيمية رحمه الله مجموعة كبيرة من الأحاديث يمكن أن نشير إليها، فقال: [وما وصف الرسول به ربه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك، فمن ذلك]. فبدأ بصفة النزول، وسيأتي الحديث عن صفة النزول بإذن الله تعالى، ثم قال: وقوله: (لله أشد فرحاً بتوبة عبد المؤمن التائب من أحدكم براحلته) متفق عليه]، فهذا في إثبات صفة الفرح لله عز وجل وأن الله يفرح، وقد وردت في بعض النصوص بصيغة البشبشة، وهي واردة في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي بمعنى الفرح، وقوله: (يضحك الله إلى رجلين) فيه إثبات صفة الضحك، (يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة)، وجاء في الصحيح تفسير لهذه الصورة: كيف يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنة؟ فقال: (يسلم القاتل، ثم يقتل في سبيل الله فيلتقيان في الجنة). وقوله: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)، وهذا حديث لقيط بن صبرة يحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية ويضعفه غيره من أهل العلم، وهو قابل للاجتهاد، وما ورد من الصفات في هذا الحديث فهو وارد في غيره من الأحاديث الصحيحة، والآيات الصريحة تدل عليه. فقوله: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) هذه في إثبات صفة العجب لله عز وجل، وقال: (ينظر إليهم أزلين قنطين فيظل يضحك)، والضحك صفة لله عز وجل تليق بجلاله. ومن النصوص قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها رجله -وفي رواية: عليها قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط)، ففيه إثبات صفة الرجل والقدم لله سبحانه وتعالى، ثم ذكر نصاً في صفة الكلام وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله. ثم نقل مجموعة من النصوص في إثبات علو الله عز وجل على خلقه، ثم ناقش موضوع إثبات معية الله سبحانه وتعالى لخلقه، وهذه سيأتي الكلام عليها، ثم ختم ذلك بمسألة الرؤية وسنناقشها في اللقاء القادم بإذن الله تعالى. والآن يمكن أن نرجع إلى (لمعة الاعتقاد) ونقرأ ما فيه من النصوص الشرعية غير الصفات السابقات، وهي في الغالب نفس النصوص التي وردت تقريباً في (العقيدة الواسطية) إلا صفة واحدة انفرد بها ابن قدامة رحمه الله وهي صفة النفس، وسيأتي التعليق عليها في مكانها، وبقية الصفات: الكلام والنزول والعلو والمعية ورؤية الله عز وجل لخلقه سيأتي الحديث عنها في مكانها تفصيلاً بإذن الله تعالى، وأما ما يتعلق (بحائية ابن أبي داود) فهو اكتفى بالصفات المشهورة التي سيأتي التعليق عليها في اللقاء القادم بإذن الله، وسنقرأ الأبيات الواردة في هذا الموضوع ونعلق عليه في مكانه المناسب.

إثبات صفة النفس لله تعالى

إثبات صفة النفس لله تعالى قال المؤلف رحمه الله في كتابه (لمعة الاعتقاد): [فمما جاء من آيات الصفات قول الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27]، وقوله سبحانه وتعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116]]. وهذه الآية فيها إثبات صفة النفس لله عز وجل، وهي من الصفات التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله ولم يذكرها ابن تيمية في (العقيدة الواسطية)، وهذه الصفة وقع فيها خلاف بين العلماء، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجمهور أهل العلم يرون أن معنى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) أن النفس هنا بمعنى الذات، يعني: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك، وأن نفس الله هو الله، ويرى بعض أهل العلم منهم البغوي وابن خزيمة رحمهما الله في (كتاب التوحيد) يرون أن النفس صفة مستقلة زائدة عن الذات مثل بقية الصفات الواردة في صفات الله عز وجل. والمسألة في الحقيقة من مسائل الاجتهاد ولا يترتب عليها كثير خلاف، وإن كان الرأي الصواب فيما أراه هو ما ذهب إليه ابن خزيمة رحمه الله؛ لأنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فمن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، فهذا يدل على المقابلة، وقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116]، المقابلة هنا تدل على أن النفس المقصود بها هنا ضد الظاهر، وأن النفس هنا صفة من صفات الله عز وجل تليق بجلاله وليست كصفات المخلوقين، هذا ما يبدو لي والله أعلم.

إثبات صفة النزول والمجيء لله تعالى

إثبات صفة النزول والمجيء لله تعالى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22]، وقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:210]، وقوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]، وقوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، وقوله تعالى في الكفار: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح:6]، وقوله تعالى: {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} [محمد:28]، وقوله تعالى: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة:46]. ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)، وقوله: (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)، وقوله: (يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر، ثم يدخلان الجنة). فهذا وما أشبهه مما صح سنده، وعدلت رواته نؤمن به، ولا نرده ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهر، ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فكل ما يتخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه]. إلى هنا ذكر الآيات والأحاديث التي سبق وأن علقنا عليها في (الواسطية)، وبقية الآيات والأحاديث تتعلق بصفة العلو الكلام والرؤية، وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله في اللقاء القادم، نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

مكر الله بالماكرين من عدل الله تعالى

مكر الله بالماكرين من عدل الله تعالى Q يقول الله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران:54]، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15 - 16]، فهل تستطيع أن تقول إن من عدل الله أن يمكر بهم مكر عقوبة؟ A نعم، هذا من عدل الله عز وجل ومن كمال قدرته سبحانه وتعالى، وسيأتي الكلام على موضوع العدل في باب القدر.

سبب تسمية كتاب (التسعينية) لابن تيمية ومحتواه

سبب تسمية كتاب (التسعينية) لابن تيمية ومحتواه Q ما سبب تسمية كتاب (التسعينية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وما محتواه؟ A كتاب (التسعينية) لـ شيخ الإسلام سمي بالتسعينية لأنه رد على أهل الكلام في موضوع صفة الكلام لله عز وجل من تسعين وجهاً، فسمي التسعينية، فبعض كتب ابن تيمية يكون سبب تسميتها من هذه الناحية مثل (السبعينية)، فهذا رد فيه على ابن سبعين وهو من أئمة وفلاسفة الصوفية، وبعضهم يسمي هذا الكتاب (بغية المرتاد)، وهذا مثل (التسعينية) هذا؛ لأنه رد على أهل الكلام وأظنه في الرد على الباقلاني بشكل خاص، والباقلاني من علماء الأشاعرة، وله كتاب اسمه (الإنصاف)، أو رسالة تسمى الحرة، فكتاب (الإنصاف) هذا أطال النفس فيه في موضوع الكلام، فرد عليه ابن تيمية في (التسعينية)، و (التسعينية) هذا مطبوع ضمن (مجموع الفتاوى الكبرى) المطبوعة في خمس مجلدات، وما أظنه موجوداً في (مجموع فتاوى ابن تيمية) التي جمعها ابن قاسم، وإنما هو موجود في الفتاوى التي تسمى (الفتاوى المصرية) أو (الفتاوى الكبرى)، وهي خمسة مجلدات، وقد حققها محمد حسنين مخلوف، والمجلد الخامس هو كتاب (التسعينية)، وقد طبع مفرداً محققاً، ومحتواه سبق وأن أشرنا إليه.

حكم المساهمة في شركة الاتصالات

حكم المساهمة في شركة الاتصالات Q ما حكم المساهمة في شركة الاتصالات مع بيان السبب إذا كان حراماً؟ A الحقيقة أن أغلب معاملات شركة الاتصالات معاملات مباحة، كخدمة الهاتف، وخدمة الجوال، فهذه من المعاملات المباحة، لكن هناك معاملات محرمة هي التي جعلت كثيراً من الناس يستشكل المسألة وتكون عنده مثار إشكال، وهي التي جعلت كثيراً من الناس يتخوف منها، والحقيقة أنني لا أستطيع أن أقول إن الاكتتاب فيها لا يجوز أو إنه محرم، لكن في نفس الوقت الذي أراه أن الإنسان يبتعد عن الأمر الذي يشك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، فهذا ما أختاره لنفسي، والأمر في هذه القضايا العامة لأهل الإفتاء المشهورين، مثل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيره من أهل الإفتاء.

حكم الإطعام في كفارة اليمين من مال الوالد

حكم الإطعام في كفارة اليمين من مال الوالد Q هل يجزئ في كفارة اليمين بالإطعام الأخذ من مال الوالد، علماً بأني طالب، وهل أطعم أم أصوم؟ A حسب ما تملك، إذا كان الذي عندك من المال لا يمكن أن تطعم به، كما لو كان عندك مائة ريال من ملكك، وهذه المائة ليست من الضروريات التي عندك، مثل: ملبسك أو مشربك أو نحو ذلك، فإذا كنت تملك مائة ريال إضافية فتطعم أنت من نفسك، وإذا والدك تكفل بالإطعام عنك فهذا من الهبة التي تجوز أن يقبلها الإنسان من والده أو من غير والده، وأما إذا كان الإنسان لم يهبه والده شيئاً، أو ليس عنده مائة ريال يملكها فاضلة عن حاجته الضرورية، فحينئذ يصوم؛ لأنه لا يملك المبلغ الذي يمكن الإطعام به، لكن هل يطلب من أبيه أن يكفر يمينه؟ لا يحتاج أن يطلب منه، فإذا كان يملك فإنه يطعم، وإذا كان لا يملك فإنه يصوم، هذا هو الوارد في النص.

كيفية معرفة عبارات المفسرين من الأشاعرة

كيفية معرفة عبارات المفسرين من الأشاعرة Q كيف يمكننا أن نعرف عبارات المفسرين من الأشاعرة في كتب التفسير؟ A يمكن أن تعرفها من خلال معرفتك بإثبات الصفات، وعموماً هناك رسالة اسمها (المفسرون بين النفي الإثبات لآيات الصفات) للمغراوي في مجلدين، لكن لا يعني هذا أنه إذا وجد هناك بعض كتب التفسير فيها بعض التأويل أن الإنسان لا يستفيد مما فيها من العلم، فهناك علم كثير وخير كثير فيها، وما فيها من مخالفة للحق يرده الإنسان، وما فيها من الخير يأخذه، فمثلاً: تفسير الجلالين، لو قال إنسان: أنا أريد أن أقرأ هذا التفسير، وجاءه شخص آخر وقال: هذا كتاب أشعري ويروي الإسرائيليات فلا تقرأه، فهذا خطأ؛ لأن هذا الكتاب مليء بالعلم، فما فيه من الخطأ مثل تأويل بعض الصفات مثلاً، أو الكلام في الإسرائيليات، فهذا لا يقبله الإنسان ويرد الكلام غير الصحيح، لكن ما فيه من الخير يمكن للإنسان أن يستفيد منه. ولو أننا رددنا كل الكتب التي فيها أخطاء حتى ولو في مسائل العقيدة لرددنا ثلاثة أرباع أو نصف كتب أهل العلم، فإن بعضهم قد يتجاوز ويخطئ، وقد يكون شيوخه من الأشاعرة مثلاً فيتأثر بهم ويقع في خطأ، أو مثلاً قد يكون قلد مفسراً آخر فوقع في الخطأ، والمهم هو ألا يقلد الإنسان المخطئ في خطئه، فنجتنب الكتب عندما يكون الكتاب متمحضاً للبدعة، وعندما يكون الكتاب كله للبدعة، مثل كتب الأشاعرة في العقيدة، أو مثل كتب الصوفية في السلوك، أو مثل كتب المعتزلة في العقيدة، فهذه نردها كلها، لكن عندما يكون الكتاب كتاب حديث، أو كتاب تفسير، أو كتاب أصول فقه، فالمتكلمون كتبوا في أصول الفقه، لكن العمود الفقري للكتاب هو أصول، ثم لوجود علم الكلام عندهم أدخلوه في كتب الأصول، فحشوا كتب الأصول بكثير من البدع، لكن هل نلغي هذه الكتب جميعاً؟ لا؛ لأن عمودها الفقري والأساسي هو أصول أو تفسير أو حديث أو فقه أو نحو ذلك، فنأخذ ما نستفيد منها، وأما ما فيها من الزغل والخطل فإننا نرده ولا نقبله.

الضابط الزمني بين العمرتين

الضابط الزمني بين العمرتين Q ما هو الضابط بالزمن بين كل عمرة وأخرى؟ A ليس هناك ضابط زمني محدد، وروي عن أنس بن مالك: أنه كان إذا حمم رأسه أخذ عمرة، والمقصود بتحميم الرأس: أنه بدأ رأسه يسود من خروج الشعر، وليس المراد أن يكون أسود ويطول جداً، لكن يكون هناك ما يحلقه، فمثلاً لو أن إنساناً اعتمر الآن وقبل صلاة الفجر أخذ عمرة فهذا واضح أنه تصرف غير صحيح، وأنه لم يكن من فعل الصحابة رضوان الله عليهم، لكن لو إنساناً اعتمر الآن وبعد أسبوع أخذ عمرة، أو بعد أسبوعين أخذ عمرة فليس في هذا مشكلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تابعوا بين الحج والعمرة)، ويقول: (والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما).

استخدام (صلى الله عليه وسلم) و (رضي الله عنه)

استخدام (صلى الله عليه وسلم) و (رضي الله عنه) Q كيف نستخدم (صلى الله عليه وسلم) و (رضي الله عنه)؟ A العرف الذي اشتهر عند أهل العلم، أن (رضي الله عنه) تستخدم غالباً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن (صلى الله عليه وسلم) تستخدم للأنبياء وبالذات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو أن إنساناً ذكر رجلاً فقال: صلى الله عليه، ولم يقصد تشبيهه بالأنبياء، فهذه ليس فيها إشكال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، فليس فيها إشكال إلا إذا قصد التشبيه.

انقسام العقيدة إلى علمية وعملية

انقسام العقيدة إلى علمية وعملية Q هل العقيدة تنقسم إلى قسمين: علمي وعملي؟ A نعم، العقيدة لها جوانب علمية نظرية مثل: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وهناك جانب عملي مثل: توحيد الألوهية، كالعبودية لله عز وجل، وترك الشرك، وترك الكفر، وترك الطواف حول القبور، وترك تعظيم غير الله عز وجل، والتحاكم إلى شرع الله، ومثل الأعمال القلبية كالمحبة والخشية والخوف والرجاء ونحو ذلك.

دراسة موضوعية [7]

دراسة موضوعية [7] صفة الكلام لله تعالى من الصفات الثابتة لله بالكتاب والسنة، وقد أثبتها أهل السنة والجماعة كما أثبتها الله لنفسه، وأثبتها له رسوله كما يليق به سبحانه، فهو سبحانه يتكلم بحرف وصوت متى شاء وكيفما شاء، والقرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، من اعتقد غير ذلك فقد ضل سواء السبيل.

من آداب طالب العلم: هجر الترفه

من آداب طالب العلم: هجر الترفه قال المؤلف رحمه الله: [الأدب العاشر: هجر الترفه. لا تسترسل في التنعم والرفاهية؛ فإن (البذاذة من الإيمان) وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه: (وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا). وعليه فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات؟! فكن حذراً في لباسك؛ لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء والتكوين والذوق ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن]. والمقصود بهذا الأدب هو أنه ينبغي على طالب العلم أن يهجر ويترك ما لا فائدة فيه من التنعم والرفاهية التي تورث الكسل، وتورث الضعف في طباع الإنسان، فإنه كما قال الشيخ: يرخي الأعصاب ويؤنث الطباع.

الحذر من لباس العجم ولباس النساء

الحذر من لباس العجم ولباس النساء وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور الذي كتبه إلى أبي موسى الأشعري وهو في القضاء، وذكر فيه كثيراً من الآداب والنصائح له ولمن كان تحت ولايته: (وإياكم والتنعم وزي العجم) وزي العجم هو اللباس الذي يكون للأعاجم، ولهذا لا ينبغي للمسلم أن يلبس مثل لباس الأنثى أو شبيهاً به، ومع الأسف أصبحت ملابس النساء وملابس الرجال تكاد تكون واحدة، فأصبحت البناطيل متشابهة والفنايل والبدلات متشابهة؛ حتى أن الإنسان يحار في بعض الأحيان في الفروق بين ملابس الرجال وملابس النساء فقد يضعون بنطالاً من البناطيل يعلنون عنه ويقولون: هذا نسائي، ويعلنون عن آخر ويقولون: هذا رجالي، وليس بينهما فرق. وهذه الأزياء التي بدأت تغزونا من الكفار لا شك أن لها تأثيراً كبيراً جداً على أبنائنا، وهذا التأثير يكون في الآداب والأخلاق والطباع، فإن من لبس لباساً يشبه لباس المرأة فلا شك أنه سيضعفه ويرخي أعصابه ويجعله ضعيفاً هزيلاً، ليس عنده من الرجولة ولا من القوة ما يمكن أن يتميز به عن غيره، ولهذا ظهر عند الغربيين نماذج عجيبة، فظهر عندهم الشاذون جنسياً، والعياذ بالله، وهي التي يسمونها: (المثلية)، يعني: أن الرجل يعشق مثله من الرجال، ولهذا قد يبيحون عقد الزوجية من رجل على رجل، أو من امرأة على امرأة، ونحو ذلك من غرائب الأحوال.

بعض مظاهر الانهزامية التي أصابت بعض الشباب

بعض مظاهر الانهزامية التي أصابت بعض الشباب والحقيقة أنه مع الانفتاح العالمي الذي نعيشه اليوم من خلال الاتصالات، وتيسر انتقال العادات عن طريق السفر والالتقاء بالآخرين والإعلام، الذي له تأثير بالغ في حياة الناس، فقد يضعف كثير من الناس ويقلد الغربيين، دون أي حاجة لهذا اللباس أو لهذا التصرف، وبعض الأشخاص من الذين أخفقوا في دراسة اللغة الإنجليزية تجد أنهم مع هذا يستمعون إلى ديسكو باللغة الإنجليزية ولا يفهمون منه شيئاً، بل إن بعض الشباب مع الأسف أصبحت همته دنيئة إلى درجة كبيرة جداً، يتابع آخر موضة من موضات قصات الشعر، وآخر موضة من موضات الملابس، وآخر رقصة للاعب أو لمغن أو لمغنية. وقد ظهر في بلاد المسلمين عبدة الشيطان، ومن كان يتصور أن يظهر في بلاد المسلمين والموحدين وأهل الإيمان الذين أعزهم الله عز وجل بهذا الدين من يعبد الشيطان الذي هو أقبح قبيح وأشهر مذموم؟ وإذا كان المذمومون في الدنيا كثرين فإن الشيطان أشهرهم، ومع هذا ظهر في كثير من بلاد المسلمين عبدة الشياطين، ويقومون بطقوس غريبة جداً، ومنها شرب دماء الكلاب والعبث الذي لا يتخيله أحد، والمبرر لهذه الأشياء هو عدم الاهتمام بالذات وعدم الشعور بالتميز، في حين أننا أمة المسلمين متميزة في كلامها وفي لباسها وفي أخلاقها وفي طباعها وفي كل أحوالها.

الحث على الاهتمام بالتربية الصالحة

الحث على الاهتمام بالتربية الصالحة وهذه المدنية وإن كان لها فوائد من جهات متعددة، ولكن لها آثار سلبية جداً على كثير من الناس، وبعض الصالحين قد لا ينتبه لهذه القضية في تربيته لأطفاله مثلاً، فقد تلبس بنته لباساً قصيراً أو شفافاً أو شبه عار ولا يهتم بمثل هذه القضايا، مع أن لها تأثيراً كبيراً جداً في أخلاق هذه البنت، ولها تأثير كبير في أسرته، ومع زوجته ومع نفسه أيضاً، ويمكن أن يراجع في هذا كلام الشيخ بكر أبو زيد في حراسة الفضيلة، فله كلام دقيق في غاية الأهمية يتعلق بتربية البنات والبعد عن الملابس غير اللائقة بهن، وعدم التساهل مع البنات في المحرمات، وفيما يتعلق بالموسيقى والرقص والملابس وبأشياء كثيرة. وكثير من الناس يتساهل ويقول: هؤلاء أطفال وليسوا مكلفين وكونهم ليسوا مكلفين، لا يعني أنه لا يربيهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع)، وهم غير مكلفين، (واضربوهم عليها لعشر)، وهم إلى الآن لم يكلفوا مع أن هناك ضرباً، ولهذا ينبغي الاهتمام بالتربية غاية الاهتمام، وهي في الحقيقة تبدأ من الإنسان نفسه، ثم يكون أثرها على أولاده وعلى زوجته وعلى مجتمعه، فيبدأ أولاً بالخلية الصغيرة في المجتمع وهي الأسرة ثم ينتقل بعد ذلك إلى بقية المجتمع.

الظاهر عنوان الباطن

الظاهر عنوان الباطن قال المؤلف رحمه الله: [ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك]. فعندما ترى شباباً في الشارع يلبسون (الشورت) الذي بدأ ينتشر، وهي عبارة عن سراويل قصيرة يلبسونها ويمشون بها في الشوارع، ليس لأنهم لا يملكون ملابس حسنة، ولكنهم يبحثون عنها ويلبسونها ويظنون أنهم بهذا قد أحسنوا صنعاً، ولا يشعرون أنها خطأ وهذه المظاهر التي نراها في بعض الشباب تدل على فراغ وخواء في الداخل، كما قال الشيخ، وهذا الكلام ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، وهو: أن اللباس في الظاهر عنوان لحقيقة في الباطن، فتارة يدل على أن الإنسان فيه رعونة، وتارة يدل على أن الإنسان متمشيخ، وتارة يدل على أن هذا الإنسان ضعيف النفس، وتارة يدل على أن فيه خواء، وتارة يدل على أنه إنسان متزن وطباعه جيدة، وليس فيها ما يعاب.

اللباس دليل على مدى عقل الإنسان

اللباس دليل على مدى عقل الإنسان قال المؤلف رحمه الله: [والناس يصنفونك من ملبسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من: الرصانة والتعقل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزاً للامز]. وكثير من الشباب والدعاة يسألون عن حكم خروج الإنسان بملابس الرياضة لشراء أغراضه، أو إتيانه للصلاة مثلاً بثوب النوم أو بشيء من هذا القبيل، وفي بعض الأحيان قد لا يكون الشيء في حد ذاته محرماً، ولكنه يكون خارماً للمروءة، مثل: أن تجد إنساناً من الصالحين لحيته تملأ وجهه وهو بملابس الرياضة يمشي أمام الخلق، مع أن لبس ملابس الرياضة خاصة بالوقت الذي تلعب فيه الرياضة فإذا انتهى منها الإنسان، فلا مبرر له، ولو أن إنساناً أخذ ملابس السباحة ومشى بها في الشوارع فسوف يعاب، ولكن كثيراً من الدعاة لا يريد أن يجذب الناس إلى الأحسن، وإنما ينحدر معهم ويقول: أريد أن أختلط بالناس، صحيح أن الاختلاط بالناس مطلوب، ولكن أيضاً تربيتهم على الأمر النافع والطيب مطلوب أيضاً.

أهمية الاهتمام بالمظهر الشرعي

أهمية الاهتمام بالمظهر الشرعي قال المؤلف رحمه الله: [وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق. وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب. أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق. والناس -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى- كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفه بالسمت الصالح والهدي الحسن. وتطلب دلائل ذلك في كتب السنة والرقاق، لا سيما في (الجامع) للخطيب. ولا تستنكر هذه الإشارة، فما زال أهل العلم ينبهون على هذا في كتب الرقاق والآداب واللباس، والله أعلم].

من آداب طالب العلم: الإعراض عن مجالس اللغو

من آداب طالب العلم: الإعراض عن مجالس اللغو قال المؤلف رحمه الله: [الحادي عشر: الإعراض عن مجالس اللغو. لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر، ويهتكون أستار الأدب، متغابياً عن ذلك، فإن فعلت ذلك، فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة]. ولا ينبغي للإنسان على سبيل المثال أن يذهب إلى المقاهي التي فيها المنكر ظاهراً، إلا إذا كان الغرض من ذلك الدعوة والإصلاح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغشى أندية الكفار وهم أشد خطراً من أصحاب الفسق فيدعوهم إلى الله عز وجل، فلو أن إنساناً مثلاً ذهب إلى مقهى من المقاهي وبدأ يدعو الناس ويصلحهم بطريقة مهذبة فلا يلام في ذلك، وإنما يلام لو أنه اتخذه مجلساً ومكاناً للفسحة ونحو ذلك. ومثلها الأماكن المختلطة، فقد يتساهل بعض الصالحين مع الأسف فيذهب إلى المطاعم العائلية التي لا يكون فيها ستر، ولا أماكن حسنة تميز الناس بعضهم عن بعض، وإنما يكون فيها اختلاط، أو يكون فيها ستارة رقيقة جداً قد تنكشف المرأة من خلالها، فالذهاب إلى مثل هذه الأماكن لا يليق بطالب العلم، وأماكن الفسوق والمجون لا يصح الذهاب إليها والجلوس فيها على سبيل الاستئناس والمتعة.

أهمية إصلاح المجتمع وإنكار المنكرات

أهمية إصلاح المجتمع وإنكار المنكرات وينبغي أن نحرص على إصلاح المجتمع وعلى إنكار المنكر؛ لأنه متى ما فسد المجتمع فإننا سنواجه هذه المشكلات، ثم إذا أراد الإنسان أن يذهب يتنزه مع أهله فلن يجد أماكن مناسبة؛ بسبب فشو المنكر وظهوره، وإذا أراد أن يخرج مع أطفاله إلى مكان يلعبون فيه فقد يواجه منكرات، ولهذا ينبغي علينا أن نحيي روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لو أن كل واحد منا أدى دوره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأصلحنا المجتمع بإذن الله ولا يتكلم الإنسان بما لا يعلم، ولا يكون بعيداً عن الآداب، بل ينبغي عليه أن ينكر المنكر بأدب ومع الأسف فإن كثيراً من الدعاة والصالحين والذين يحضرون الدروس والمحاضرات سلبيين، يرون المنكر بين أيديهم فلا يتكلمون، مع أنه ليس من الصعب الكلام باللسان، كأن يقول: يا أخي الكريم هذا الأمر الذي أنت عليه من المنكرات، ويذكره بالله عز وجل، وبالجنة وبالنار، وحتى لو أساء في الكلام فلن تكون إساءته أشد من الإساءة التي أسيء بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: مجنون وساحر، وقيل له ألوان متعددة من الكلام السيئ. وهكذا إذا قرأ إنسان مقالاً في صحيفة مخالفاً للمعلوم من الدين بالضرورة، أو فيه مدح لزنديق من الزنادقة، أو لطاغوت من الطواغيت فيمكن للإنسان أن يرفع السماعة إما على الجريدة نفسها أو على الكاتب نفسه، ويذكره بالله سبحانه وتعالى وينصحه، وعندما تكثر هذه النصائح والتذكير في المجتمع سيتراجع المنكر ويضعف. ومع الأسف فإن كثيراً من أصحاب المنكرات يقومون بأعمالهم، وليس عندهم تصريح فيما يقومون به، أو يقومون به جرأة وعدم اهتمام بالناس، وإذا وجدوا من يتكلم بالأدب وبالحسنى فإنهم سيتراجعون بإذن الله تعالى، وسيخف المنكر، ولكن عندما نسكت فإن المنكر ينتشر أكثر، بل ربما أثر على كثير من الصالحين فيتراجعون عن طريق الهداية، وحينئذ ستكون خسارتنا كبيرة، ونحن نملك ولله الحمد روحاً عظيمة، فينبغي أن نشارك بمثل هذه الروح، ونملك ولله الحمد هداية ونوراً على الشيء الذي نقوله، وإذا كنا ضعافاً فالضعف إنما هو بسببنا وبسبب تقصيرنا وعندما يقوم الإنسان بإنكار المنكر- كأن يسمع مثلاً شاباً يسمع ديسكو أو أغانٍ بصوت مرتفع فلينصحه وليذكره، ولا يرفع صوته عليه وليعط نموذجاً حسناً للمحتسب الصادق المؤدب، وليجمع بين هذه الثلات الصفات: الاحتساب والصدق في نفس الوقت والأدب، بحيث يشعر من ينكر عليه المنكر أنه محب له، وليس هدفه الانتقاص منه، وإيقافه عند حده، فهذه الروح ينبغي أن توجد فينا! وعندما يقوم الإنسان بعمل منكر ويشعر أن إنساناً يأتي إليه وهو صادق، ويتمنى له الخير، ويذكر له المشاعر التي يشعر بها، كأن يقول له: يا أخي! أتمنى لك الخير، والابتعاد عن هذه المعصية؛ لأن فيها ضرراً على دنياك وعلى آخرتك، وأتمنى لك كذا، وأسأل الله لك كذا، وتكلم معه بالكلام الحسن، ولو أن كل أحد من هذه الأعداد المتكاثرة من الشباب والدعاة والصالحين الذين يحضرون المحاضرات تكلم مجرد كلام فستتغير كثير من المنكرات الموجودة. ولهذا فالسبب في كثير من الأحيان هو منا نحن، فقد اعتدنا على السلبية، فإذا رأى أحد منا منكراً من المنكرات قال: على كبار العلماء أن ينصحوا، وكبار العلماء قد رأوا هذه المنكرات الجزئية والتفصيلية، وليس بصحيح أن نلقي اللائمة والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العلماء الكبار، فما دام أنه بإمكاننا أن ننكر المنكر فعلينا إنكاره، فهذا هو المطلوب منا، وهو واجب علينا شرعاً، والله عز وجل عندما ذم بني إسرائيل قال: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]، فذم ما كانوا يفعلونه من ترك التناهي، قال ابن عطية رحمه الله: لو كانوا يتعاطون الكئوس كل واحد منهم يعطي الآخر، لكان واجباً على كل واحد أن ينهى الآخر عن هذا المنكر. فكيف بنا ونحن عندنا ولله الحمد قدرة، والمجتمع ما زال على خير، ولكن تكاسلنا هو الذي يسبب انتشار المنكر، ولو كان فينا جرأة وشجاعة أدبية منضبطة لأوقفناه. وأنا أطالب الإخوة ألا ينكروا المنكر بطريقة غير صحيحة، فبعض الأشخاص عندما ينكرون المنكر على شخص يسبونه ويتكلمون عليه، وهم بهذه الطريقة يعطون انطباعاً غير صحيح؛ لأنهم ليست لديهم سلطة يستطيعون أن يجبروا الخلق عليها في زمن يستطيع الإنسان أن يأتي فيه بالمنكر إلى داخل بيته مع الأسف، فلنعط صورة حسنة، وانطباعاً حسناً عن الصالحين وعن المحتسبين، من خلال الكلمة الطيبة، وإبداء المشاعر الطيبة، فينبغي أن يكون لنا دور في إضعاف وتقليل مجالس وأماكن اللهو والفساد. فمثلاً: رأينا شاباً يعاكس فلنتكلم معه ولننصحه ونذكره بالله، وإذا افترضنا في أسوأ الحالات أنه تكلم علينا كلاماً سيئاً فإن لنا الأجر عند الله عز وجل، ولكن بشرط أن نتكلم ويكون كلامنا ممتازاً، وأما إذا تكلمنا بكلام سيئ، فطبيعي أن يكون الرد سيئاً، وإذا جئنا إلى شخص وتكلمنا عليه كلاماً سيئاً فلن يرد علي

إثبات صفة الكلام لله تعالى

إثبات صفة الكلام لله تعالى الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالأدلة الشرعية، والمقصود بالكلام أن الله يتكلم بحروف وأصوات وعندما نقول: نحن نثبت صفة الكلام، فمعنى هذا: أن كلام الله عز وجل كلام مكون من حروف وصوت من الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على إثبات صفة الصوت لله سبحانه وتعالى والدليل على أن صفة الكلام مشتملة على الحروف الحديث المشهور: (إن الحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف، ولام حرف، وميم حرف) فدل هذا على أن كلام الله عز وجل مكون من هذه الحروف. والمقصود بالحرف الذي يثاب عليه الإنسان في القرآن الكلمة كاملة، وكثير من الناس يتصورون أن المقصود بالحرف: هو كل حرف من حروف الكلمة، فمثلاً كلمة (محمد) يتصورون أنهم يأخذون عليها أربعين حسنة، والصحيح في هذه القضية ما حققه شيخ الإسلام رحمه الله: أن الكلمة كاملة مثل (محمد) تعتبر حرفاً واحداً، ويكون له فيها عشر حسنات، ولهذا نلاحظ أن قوله: (لا أقول (ألم) حرف) أن (ألم) مكونة من ثلاثة أسماء، وليست كلمة واحدة، وإنما هي ثلاثة كلمات، مع أنها في الشكل مثل كلمة (أَلَمْ)، و (أَلَمْ) كلمة واحدة، بينما (ألم) ثلاث كلمات ولهذا قال: (ألف حرف) و (ألف) هذه كلمة مكونة من ثلاثة حروف، الألف واللام والفاء، (ولام حرف) وكلمة (لام) هذه اسم، (وميم حرف)، وكلمة (ميم) مكونة من ثلاثة حروف من حروف المباني، وهي تعتبر اسماً، هذا ما حققه شيخ الإسلام رحمه الله من أن المقصود بالحرف الذي ينال عليه الإنسان الأجر هو الكلمة بكاملها، وليست هي حروف المباني كما يتصور البعض.

الأدلة على أن كلام الله بصوت

الأدلة على أن كلام الله بصوت وأما كون الله عز وجل يتكلم بصوت فهذا ثابت من عدة جهات: أولاً: أنه ورد في حديث الشفاعة الطويل أنه قال: (ينادي الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمه من قرب) فقوله: (بصوت) يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت. ثم النداء في قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} [مريم:52]، والنداء المنسوب إلى الله عز وجل والقول في لغة العرب يكون بالصوت، ولا يسمى نداء بدون صوت. وصفة الكلام صفة ثابتة لله عز وجل، وقد كان أهل السنة في زمن الصحابة والتابعين يثبتون هذه الصفة، وليس عندهم أي إشكال فيها، ثم حصل الخلاف الكبير عندما اقترب المعتزلة من الخلفاء العباسيين، وبالذات المأمون، عندما استطاعوا إقناعه بأن القرآن ليس من كلام الله، وأن الله لا يتكلم كلاماً، وأن الكلام ليس صفة من صفاته، وإنما كلامه خلقه، وقالوا: تكلم الله عز وجل يعني: خلق، فالقرآن كلام الله بمعنى: أنه خلق القرآن كغيره من مخلوقات الله، ويرون أن القرآن مثل الإنسان، فكما أن الإنسان مخلوق فالقرآن مخلوق، ولا يجيزون أن ينسب الكلام لله عز وجل على أنه صفة له، بمعنى: أنه يتكلم بصوت وحرف، وإنما يقولون: هو صفة من باب أنه خُلق والخلق من الصفات.

محنة خلق القرآن

محنة خلق القرآن وقد امتحنوا أئمة السنة على أن القرآن مخلوق، وكلنا يعلم المحنة الكبيرة التي حصلت لعلماء أهل السنة في زمن المأمون عندما امتحنهم، فحصلت ربكة كبيرة في أوساط العلماء، وأكثر العلماء لما رأوا أن السلطان صاحب القوة والشكيمة يريد أن يلزم الخلق صاروا يتأولون ويخرجون بطرق يتقون بها مواجهة الحاكم الذي امتحنهم في هذه القضية من قضايا العقيدة، إلا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومحمد بن نوح ثبتا على أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأنه صفة من صفاته، وأنه جزء من كلام الله سبحانه وتعالى، ثم طلبهما المأمون فتوفي محمد بن نوح في الطريق، ودعا الإمام أحمد ربه سبحانه وتعالى أن لا يريه المأمون، فمات قبل أن يلقاه الإمام أحمد، ثم استمرت الفتنة في زمن المعتصم بعده، ثم استمرت في زمن الواثق، وحصلت فتنة كبيرة في زمن الواثق؛ لأن بعض علماء أهل السنة بايعه مجموعة من الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقتلهم، وهو أحمد بن نصر الخزاعي قتله الواثق بيده، ولم تنته الفتنة إلا في زمن المتوكل، واستمرت هذه الفتنة لمدة عشر سنوات وهذه الفتنة فيها دروس عظيمة وعبر كبيرة، ففيها دروس تتعلق بالمسائل العقدية تفصيلاً، ومنها دروس تتعلق بالمسائل الدعوية والاجتماعية، وقد ظهرت فتن كبيرة في زمن الإمام أحمد، ولكن الإمام أحمد بعلمه وببصيرته وبمعرفته بالسنة استطاع أن يفتي في كل واحدة من هذه الفتن وأولها فتنة المعتزلة الذين قالوا: إن القرآن مخلوق، فرد عليهم واستدل عليهم بالنصوص.

ظهور بدعة القول بالكلام النفسي

ظهور بدعة القول بالكلام النفسي ثم جاءت طائفة أخرى من أهل الحديث فتأثروا بالنقاش الكلامي مع المعتزلة، وتبنوا دليل حدوث الأجسام، فتوصلوا إلى بدعة جديدة، وهي: أن القرآن كلام الله، ولكنه كلام نفسي وليس بحرف ولا صوت كما نجد في كتب الكلابية من يقول: إن القرآن كلام الله، ويستدل بالنصوص الشرعية على أن القرآن كلام الله، ويتكلم في هذه القضية بشكل واضح قد لا ينتبه له أي أحد، ولكن عند تفسير هذا الكلام يقول: إن الكلام هنا ليس بحرف وصوت، وإنه قديم وكلام واحد، وإنه لا يتكلم متى شاء كيف شاء، وإن صفة الكلام صفة ذاتية، وليست صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فبدع الإمام أحمد هذه المقالة وحذر منها وحذر من ابن كلاب وهجره في أحداث كثيرة جداً، يمكن تتبعها من خلال كتب السير والأخبار.

ظهور طائفة الواقفية

ظهور طائفة الواقفية ثم ظهرت طائفة ثالثة سموا بالواقفة قالوا: نحن لا نقول إن القرآن كلام الله بحرف وصوت، ولا نقول أيضاً: إنه مخلوق، وإنما نقف في هذه المسألة، فقال الإمام أحمد: هذه بدعة أيضاً؛ لأن الوقوف والسكوت عن مسألة بين الحق والباطل انحراف عن الحق نفسه؛ لأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم صرحا أن القرآن كلام الله، وأنه بحرف وصوت، فعندما يقول أحد: أنا أقف ولا أدري هل هو بحرف وصوت أم لا، فكأنه لا يعترف ولا يؤمن بهذه النصوص الشرعية، فقال الإمام أحمد: إن الواقفة جهمية مبتدعة!

ظهور طائفة اللفظية

ظهور طائفة اللفظية ثم خرجت طائفة رابعة، وهم اللفظية، وحقيقة قولهم أنهم قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق، فأصبحت الكلمة محتملة، فكانوا يُسألون: ماذا تعنون بقولكم لفظنا بالقرآن مخلوق، هل تعنون به أن ألسنتكم التي تتحرك بالكلمات مخلوقة وما ينتج عنها من أصواتكم مخلوق؟! إذا كان هذا المقصود فهو صحيح، وأما إذا كنتم تعنون أن القرآن نفسه كلام الله، ولكن عندما يقرؤه القارئ وهو كلام الله الأول يكون مخلوقاً دون الالتفات لمسألة كون الإنسان إذا تكلم فإن كلامه يعتبر مخلوقاً؛ فهذا بدعة، ولهذا قال الإمام أحمد: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال: لفظي بالقرآن ليس بمخلوق فهو مبتدع؛ لأنه عندما واجههم الإمام أحمد وعلماء السنة بدأ الجهمية يحتالون بعد أن انهزموا في هذا المجال، فبدءوا يحتالون على الناس ويأخذون عناوين عامة، ويدخلون من خلالها لعقائدهم التي يريدون، فكان يأتي الشخص منهم ويقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فإذا صححته وقلت: نعم كلامك صحيح، قال: أنا تلفظت بهذا القرآن الذي هو في الأصل من كلام الله، إذاً: القرآن مخلوق، فهو يريد أن يصل إلى القول بخلق القرآن بهذه الطريقة وقد يقول هذا القول إنسان صادق بعيد عن هذا القول ويكون قصده صحيحاً، ولهذا الكلمات والألفاظ المجملة ينبغي على أهل السنة الابتعاد عنها؛ لأنها محتملة للحق وللباطل، فينبغي علينا إذا سمعنا مثل هذه الكلمات أن نستفصل. ثم جاءت طائفة أخرى وقال بعضهم: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وهم من الغلاة الذين بالغوا في الإنكار على من قال بخلق القرآن، وادعوا أن ألفاظهم نفسها وحركة ألسنتهم ليست مخلوقة، وهذا قول باطل، فإن حركة اللسان نفسه وكلام الإنسان نفسه مخلوق، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنها كلمات عامة استغلها طوائف من أهل البدع وأخذوها ستاراً لمآربهم، فحذر من هذه الكلمات الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

أسباب ثبات الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن

أسباب ثبات الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن قال ابن أبي داود رحمه الله: [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ولا تقل القرآن خلق قرأته فإن كلام الله باللفظ يوضح]. هذه الأبيات الثلاثة تتعلق بموضوع القرآن، وهل القرآن من كلام الله عز وجل أو ليس من كلام الله، وهل هو مخلوق أو غير مخلوق. وبعض الناس يقول: وماذا يترتب على هذه القضية؟ ولماذا أتعب الإمام أحمد نفسه وثبت في هذه القضية، وسجن وجلد وعذب حتى كاد يقتل؟ ونقول: هذه القضية ليست بالقضية الهينة، والإمام أحمد رحمه الله وقف في هذه الفتنة لعدة مصالح. أولاً: أنه لو وافق على أن القرآن مخلوق ففي هذا تحريف للنصوص الشرعية الواردة بأن القرآن كلام الله عز وجل. ثانياً: أنه سينفتح على الأمة باب كبير من أبواب البدع، وهو تأويل صفات الله سبحانه وتعالى، واتخاذ العقل مصدراً لتلقي العقائد وحينئذ ستنحرف الأمة انحرافاً كبيراً، ولهذا قال كثير من أهل العلم: إن الله عز وجل حفظ هذه الأمة بـ أبي بكر يوم الردة وبـ أحمد بن حنبل يوم الفتنة ولهذا سيبقى اسم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مرتبطاً بالسنة وبالعقيدة إلى قيام الساعة. وهناك أشخاص من الصالحين جعلهم الله عز وجل من الذين يثبتون هذه الأمة، وأصبحت شهرة الإمام أحمد تطبق الآفاق، ليس في زمانه والزمان الذي بعده فحسب، بل إلى زماننا هذا، وستستمر حاجة الناس إلى مسند الإمام أحمد وبقية كتبه إلى ما بعد ذلك، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان صادقاً ووقف لله سبحانه وتعالى في قضية حساسة تتعلق بأصول العقيدة أن الله عز وجل يثبته ويوفقه كما حصل للإمام أحمد رحمه الله. وقول المؤلف: [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا]. والأتقياء: هم الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة. وقوله: [ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً]. يعني: لا تقل أنا متوقف هل هذا القرآن كلام الله أو ليس بكلام الله؟ وهل هو مخلوق أو ليس بمخلوق؟ لأن التوقف معناه عدم الإيمان، وعدم الإقرار بالنصوص الدالة على أنه كلام الله سبحانه وتعالى وأنه غير مخلوق. وكلام الله باللفظ يوضح؛ لأن كلام الله عز وجل كما تعلمون صوت وحرف، واللفظ حروف مشتملة على أصوات، وتعريف اللفظ في لغة العرب: شيء ملفوظ، واللفظ بمعنى: الرمي، والكلام الملفوظ معناه: الكلام الذي يكون بحروف مشتملاً على أصوات.

شرح صفة الكلام من لمعة الاعتقاد

شرح صفة الكلام من لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد: [فصل: كلام الله. ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم]. وقوله: [متكلم بكلام قديم] كلمة قديم معناها: أنه غير متجدد، يعني: كلامه تكلم به في أول الأمر، ثم لم يتكلم بعد ذلك؛ لأن عكس القديم المحدث، والحقيقة أن هذه شبهة مأخوذة من الكلابية؛ لأن الكلابية والأشعرية أقروا بأن كلام الله عز وجل غير مخلوق وصرحوا به، وقالوا: الكلام صفة من صفات الله، ولكن يختلفون في شرح هذه الكلمة عن أهل السنة، فيقولون: كلام الله عز وجل هو صفة من صفات الله عز وجل الذاتية غير متعلق بالمشيئة، قديم، واحد، وهو كلام معنوي ويترتب على هذا أن الله عز وجل لا يتكلم بحرف وصوت، وأن الله عز وجل لا يتكلم إذا شاء متى شاء. وهذا باطل؛ لأن الله تكلم ويتكلم الآن سبحانه وتعالى، كما قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. فكل مخلوقات الله عز وجل تحصل بكلمة من الله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم في كل وقت بما يشاء سبحانه وتعالى. والقول بأن كلامه قديم يعارض عقيدة أهل السنة في أن الله عز وجل يتكلم متى شاء في الوقت الذي يشاء، ومن ذلك الكلام يوم القيامة؛ ولا نقول إن ابن قدامة كان على مذهب الكلابية أو على مذهب الأشعرية لكن هناك مواطن من اللمعة فيها إشكالات، ولكن هذه الإشكالات لا تؤثر على الشيخ من حيث أصل عقيدته في باب الأسماء والصفات وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل كإثبات السلف. وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في مجموع الرسائل والمسائل: أنه لا يوجد أحد من السلف يقول إن كلام الله قديم. وصدق شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأن كلام الله متعلق بمشيئته، وهو سبحانه وتعالى يتكلم يوم القيامة، فلا يصح أن يقال هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه]. وهذا يدل على أن رأي ابن قدامة رحمه الله ومذهبه صحيح في موضوع الكلام، وهذه الأوصاف التي ذكرها في صفة الكلام تناقض كلمة قديم؛ لأنه قال: (سمعه موسى عليه السلام) وموسى جاء بعد إبراهيم وجاء بعد آدم وجاء بعد خلق الله عز وجل للسماوات والأرض، ومن كان هذا حاله فلا يقال: إنه قديم، وقال: (وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة). ولا يصح في هذه الأوصاف التي ذكرها أن يقال عنه قديم، لأن القديم معناه: الذي لا أول له وليس بمتكرر ولا متعلق بالمشيئة، فنخلص من هذا إلى أن مذهب ابن قدامة رحمه الله في موضوع الكلام مذهب سني سلفي صحيح، وأنه أخطأ في استخدام عبارة قديم.

الأدلة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

الأدلة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى قال المؤلف رحمه الله: [قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]]. والفاعل هنا هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مرفوع بالضم، فالمتكلم هو الله و (تَكْلِيمًا) توكيد لهذا الكلام. قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف:144]، وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]]. وهذه كلها من الصفات المضافة إلى الله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:51]. وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:11]]. والنداء في لغة العرب هو الذي يكون مشتملاً على الصوت، فإنهم لا يسمون نداءً ما كان في النفس، فلو أنك في نفسك طلبت مجيء فلان فلا يسمى هذا نداء في لغة العرب، وإنما النداء المشتمل على الصوت، وهو صوت يليق بجلاله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله]. وهذه من الإلزامات التي ألزم أهل السنة بها المعتزلة، فإنه قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:14]، فلو كان القرآن مخلوقاً أو كان القائل له جبريل كما يقول الأشعرية، فإن معنى هذا أنه ينسب لنفسه الخلق، ولا يصح لمخلوق أن ينسب لنفسه أنه هو الله، ويقول: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أنا). قال المؤلف رحمه الله: [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء)، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً بهماً فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)، رواه الأئمة واستشهد به البخاري]. وهذا يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت. قال المؤلف رحمه الله: [وفي بعض الآثار: إن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته ففزع منها فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت، فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك! فأين أنت؟! فقال: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى. قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى]. وهذا النص مأخوذ من الإسرائيليات، والقاعدة في الإسرائيليات أنها إذا كانت موافقة لشريعتنا فإننا نحدث بها، وعندنا في شريعتنا ما يغنينا في العقيدة، وأما إذا كان فيها ما يخالف الشريعة فيجب أن ترد، وأما إذا كان فيها أخبار تفصيلية، وليس فيها موافقة ولا مخالفة فنتوقف ولا ننسب لها الصدق ولا الكذب، لأننا لا نعلم مدى صدق هذا الكلام المنسوب. وعلى كل حال ففي النصوص الشرعية غنية عن الاستدلال بالإسرائيليات، ولكن كثيراً من أهل العلم كانت طريقتهم أنهم يحشدون كل ما عندهم من أدلة وهذه هي طريقة شيخ الإسلام رحمه الله، فقد كان إذا أتى إلى مسألة استدل عليها بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة وبأقوال التابعين وبالأحاديث الضعيفة بعض الأحيان، وبالأحاديث الموضوعة، وبالرؤى والمنامات وبالأخبار التي ينقلها الناس، ونحو ذلك، فتصبح هذه الأدلة قسمين: قسم تستقل بالاستدلال ويمكن أن يعتمد عليها، وقسم أراد به الشيخ أن يعضد هذه المسألة. وبعض الذين يقرءون في كتب ابن تيمية قد يستغربون، ونحن هنا قد نستغرب أن ابن قدامة نقل هذا النص عن أهل الكتاب، مع أن النصوص صريحة في القرآن والسنة، ونقول ما الداعي لهذا، والأولى هو الاكتفاء بالنصوص الشرعية؟ نقول: فهذا على طريقة العلماء قديماً، فقد كانوا يحشدون كل ما في إمكانهم من أدلة على هذه القضية، وكان الناس في زمانهم يعلمون هذا القصد، ولكن مع تراجع العلم وضعفه أصبح بعض طلاب العلم قد يستغرب هذا المسلك من بعض أهل العلم، ويظن أنهم يستدلون بالأحاديث الضعيفة، وبالأحاديث الموضوعة، أو يستدلون بالرؤى والأحلام، أو يستدلون بأخبار أهل الكتاب، وهم في الحقيقة لا يستدلون بذلك، وإنما يأتون بها للاعتضاد وليست للاعتماد وقد صرح ابن تيمية رحمه الله بهذا القصد في كتابه (الاستغاثة)، فإنه نقل نصوصاً كثيرة جداً، ونقل فيها رؤى وأحلاماً ومنامات وغرائب، وبعض الأحيان قد ينقل قصة من القصص ويقول في آخرها: وهذه القصة منكرة، فيتعجب بعض الناس لماذا يعمل هذا العمل؟! ثم إذا عرف مسلك أهل العلم زال عنه العجب، وعرف أن هذه النصوص وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة لم يؤت بها

القرآن كلام الله

القرآن كلام الله قال المؤلف رحمه الله: [فصل: القرآن كلام الله. ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين]. وهذا فيه أن القرآن جزء من كلام الله، وليس هو كل كلام الله، فكلام الله أوسع من القرآن وأكثر كما هو معلوم، والأدلة كثيرة على كلام الله وسعته. قال المؤلف رحمه الله: [ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود]. وقوله: (منه بدأ) يعني: من الله سبحانه وتعالى بدأ هذا القرآن، فالله عز وجل هو المتكلم الأول به، وقوله: (وإليه يعود) ذكر بعض الشراح أن المقصود بقوله: (وإليه يعود) يعني: أن القرآن في آخر الزمان يؤخذ من صدور الناس، فيقوم الناس في يوم من الأيام ليس عندهم شيء منه لا في الصدور ولا في السطور أيضاً، وبعضهم قال: يعني: أن مصير الناس جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى. قال المؤلف رحمه الله: [وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر]. وقوله: (له أول وآخر) وقوله: (حروف وكلمات وسور محكمات وآيات بينات) هذا فيه الرد على الكلابية والأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله كلام نفسي، وأنه واحد غير متعدد فما قيل لهم: هناك فروق في الأساليب بين الاستفهام والأمر والنهي والخبر ونحو ذلك من الأساليب، قالوا: هذا الكلام الواحد كله أمر ونهي واستفهام وخبر ونحو ذلك، فناقضوا العقل بالإضافة إلى مناقضتهم الشرع. قال المؤلف رحمه الله: [له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]]. وهناك مسائل يذكرها بعض المتنطعين، فبعضهم يقولون: ماذا تقول في مداد القرآن، وهل مداد القرآن من صفات الله أو أنه مخلوق؟! وبعضهم يقولون: ماذا تقول في المصحف نفسه الذي بين أيدينا؟ وماذا تقولون في صوت القارئ هل هو من القرآن أو ليس من القرآن؟ وهذه قضية في غاية الوضوح؛ لأن المداد لا شك أنه مخلوق، سواء كتب به قرآن أو كتب به كلام آخر من الكلام، وأما الأوراق نفسها فهي مخلوقة، لكن ليست هذه هي القرآن الذي تكلم الله به، وإن كان الناس يقولون: هذا هو القرآن، يقصدون المصحف كما تقول الآن: قال امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل إلى آخره. فهل الذي قال الآن أنت أو امرؤ القيس؟ ولو جئت وقلت: قلت أنا: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل لقال لك الناس: أنت كذاب، لأنك تنسب الشيء لنفسك ولم تقله أنت، فالقائل المقصود به الأول الذي قاله أولاً وهكذا القرآن هو كلام الله الأول، فإذا كتب في مصحف واصطلح الناس على تسميته قرآناً فلا يعني هذا أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه كلام الله، فهذا تنطع وعبث أراد به بعض الجاهلين التشويش على عقيدة أهل السنة في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأرادوا أن يشككوا الناس في كونه مخلوقاً، ولكن هذه الشبهة بسيطة لا تنطلي على أحد.

تكذيب الله لمن أنكر أن القرآن من كلامه عز وجل

تكذيب الله لمن أنكر أن القرآن من كلامه عز وجل قال المؤلف رحمه الله: [وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:31]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]]. وفي هذا مشابهة مع قول الأشاعرة، فالأشاعرة قالوا: إن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو كلام واحد معنوي، وليس بحروف ولا صوت، فقلنا لهم: والكلام هذا المفصل بين أيدينا؟ قالوا: الكلام هذا إما من كلام جبريل، أخذ المعنى من الله عز وجل ثم تكلم به بهذه العبارات الموجودة، فهو تعبير من جبريل، وإما من محمد صلى الله عليه وسلم. ونحن نعلم أن محمداً وجبريل مخلوقان، ففي هذا القول مشابهة لقول المشركين: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] لأن هذا القرآن بحروفه وأصواته ومعانيه هو كلام الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان معجزة لم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله، فضلاً عن عشر سور، فضلاً عن أن يأتي بمثله كاملاً. قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25]، فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]]. وهذا يدل على خطورة هذه العقيدة؛ لأنه قال: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26]. قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر. وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة:23] ولا يجوز أن يتحدى بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ولا يعقل. وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15] فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم]. أي: ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لاستطاع أن يبدله من تلقاء نفسه، ولكن لأنه ليس من كلامه فليس له أن يبدله من تلقاء نفسه. قال المؤلف رحمه الله: [وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77 - 79] بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى: {كهيعص} [مريم:1] {حم * عسق} [الشورى:1 - 2] وافتتح تسعة وعشرين سورة بالحروف المقطعة]. ومن معاني هذه الحروف المقطعة كما ذكر أهل العلم -وهو أقوى قول فيها- أن المقصود بها أن الله عز وجل ذكر هذه الحروف ليبين للكفار الذين تحداهم بهذا القرآن، أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، وأنكم قادرون على تركيب كلمات من هذه الحروف، ومع ذلك لم تستطيعوا أن تأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة منه، مما يدل على أن هذا القرآن هو من كلام الله عز وجل وليس من قول البشر، ولا من قول محمد صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث صحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه). وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه. وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه. ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف].

الأدلة من القرآن على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

الأدلة من القرآن على ثبوت صفة الكلام لله تعالى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [إثبات الكلام لله تعالى. وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]]. والحديث في لغة العرب هو: الكلام الذي يكون بحروف وأصوات. قال المؤلف رحمه الله: وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]. وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة:116]. {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115]. وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]. {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]]. ونلاحظ أن هذه الصفة جاءت بعدة صيغ، فجاءت بصيغة الكلام مباشرة كما في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] وقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]. وجاءت بصيغة القول: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} [المائدة:116] وغير ذلك من الآيات. وجاءت بصفة الحديث، كما قي قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]. وجاءت بصيغة المناداة، وكل هذه الصيغ تدل على معنى واحد، وهو صفة الكلام لله عز وجل وأنه بحروف وأصوات. قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء:10]]. وإذا سأل سائل: ما هو الدليل على أن الله يتكلم بصوت؛ قلنا: هذه الصيغ في لغة العرب لا تكون إلا بالصوت، فالقول لا يكون إلا بالصوت، والمناداة بشكل أخص لا تكون إلا بالصوت، فهذا معناها ومدلولها في لغة العرب، هذا فضلاً عن ورود أحاديث صريحة في الإتيان بنفس الصفة، مثل حديث: (يتكلم الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب). قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22]. وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]. وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6]. وقوله: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]. وقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح:15]. وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27]. وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76]]. فالقرآن معناه المقروء، والمعاني ليست مقروءة بدون ألفاظ، فبناء على هذا القرآن ليس هو المعنى الموجود في الله سبحانه وتعالى فإنه لا يسمى قرآناً؛ لأنه لا يسمى قرآناً إلا ما كان مقروءاً، ولا يكون مقروءاً إلا إذا كان هناك حروف وأصوات مسموعة يسمعها الإنسان. وبالنسبة للعناوين ليست من ابن تيمية، وإنما هي من تصرف المحققين حتى يرتبوا الآيات وابن تيمية بدأ بقوله: (فمن آيات الصفات قوله وقوله وقوله) حتى ذكر عشرات الآيات في عشرات الصفات أيضاً، فالتوزيع والعناوين جاءت من المحققين، وفي بعض الأحيان تكون من دور النشر بهدف ترتيبها للطلاب. قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92]]. و (كِتَابٌ) بمعنى: مكتوب فالقرآن كما أنه مقروء هو مكتوب، ولا يكون مكتوباً إلا إذا كان بحرف، والمعنى لا يكتب بدون حرف يمكن فهم دلالة المعنى من خلاله. قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]. وقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُم

الأدلة من السنة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

الأدلة من السنة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك!)]. وهذا يدل على أن فيه قولاً مسموعاً يسمعه آدم ولهذا يجيب فيقول: (لبيك وسعديك!) وهذا القول يكون يوم القيامة، وهو يدل على أن الله عز وجل يتكلم متى شاء كيف شاء. قال المؤلف رحمه الله: (فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه]. قال: (فينادي بصوت)، ومجرد كلمة النداء تدل على الصوت، وجيء بكلمة الصوت هنا توكيداً لهذا المعنى، وقوله: (بصوت) دليل صريح في هذه المسألة، وهو ثابت في الصحيحين. ويقول أهل الكلام وأهل البدع: إن هذا الحديث من أحاديث الآحاد الظنية التي لا تقبل في العقيدة، فردوا ثلاثة أرباع السنة أو أكثر من ثلاثة أرباعها، ولم يقبلوها في العقيدة؛ لأنها ظن لم تبلغ حد التواتر. ونقول لهم: النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ملوك الروم والفرس والمقوقس ووالي اليمن أفراداً يدعونهم إلى أعظم قضية وهي التوحيد وإلى تغيير أديانهم، ويقولون لهم: أديانكم باطلة، والدين الجديد هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالة منه! ولم يقل لهم حاكم ذاك البلد: يجب حتى أومن بهذه العقيدة أن يرسل إليَّ محمد حد التواتر حتى يكون يقينياً، وأن تكون الألفاظ التي كتبها لا تحتمل المجاز ولا التخصيص ولا المعارض العقلي، فهذه لم يقلها الملوك ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن عقيدة أهل الكلام في باب أخبار الآحاد من أفسد العقائد؛ لأنها ألغت جزءاً كبيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، فلم يعمل بها عندهم؛ بسبب هذا التعليل الفاسد الذي جاءوا به. قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)]. وهذا صريح في أن الكلام يكون بحروف وأصوات، ولهذا قال: (ليس بينه وبينه ترجمان) والترجمان إنما يكون بين اثنين يسمع من أحدهما ثم يترجمه للآخر، ثم يسمع الآخر ويترجمه لهذا، فلا بد فيه من الكلام، وأن يكون بصوت وحرف، ولهذا كان هذا الحديث من أصرح الأحاديث في أن الله يتكلم بصوت وبحروف سبحانه وتعالى. وأما محاولة تخيل صوت الله وأنه كأصوات الخلق فهي محاولة فاسدة في كل الصفات، وليست في صفة الكلام فقط، حتى في صفة الوجود، فكون الله موجود لا يحق لنا أن نتخيل أن وجوداً الله كوجود خلقه، فكيف ببقية الصفات؟ تعالى الله عن الأوهام علواً كبيراً.

الأسئلة

الأسئلة

معنى قول الأشاعرة: إن كلام الله غير متعلق بالمشيئة

معنى قول الأشاعرة: إن كلام الله غير متعلق بالمشيئة Q ماذا يقصد الأشاعرة بقولهم: إن كلام الله غير متعلق بالمشيئة؟ A يقصدون بذلك أن الله عز وجل كلامه قديم وواحد، وأنه لا يتكلم في كل وقت كما يشاء، والذي دعاهم لهذا هو أنهم تصوروا أنه إذا كان يتكلم في كل وقت بالشيء الذي يشاؤه سبحانه وتعالى فإن هذا يستلزم الحدوث؛ لأنه إذا تكلم الآن وتكلم يوم القيامة فإن هذا يدل على أن هذه الصفة حدثت بعد أن لم تكن موجودة، وعندهم الحدوث دليل على أن المحدث مخلوق، وهذا ركبوه بناء على دليل عقلي اخترعوه هم، وليس عليه نصوص شرعية تدل عليه. ونحن نقول: سواء سميتموه حدوثاً أو لم تسموه حدوثاً فنحن لا يهمنا، وإنما أهم شيء هو أن هذه الصفة أثبتها الله لنفسه، وهي لا تدل على النقص بأي وجه من الوجوه وإذا سميتموه أنتم حدوثاً قلنا: هل الحدوث عندكم نقص؟ فإن قلتم: نعم، قلنا: النقص باطل، ولكنه يتكلم سبحانه وتعالى إذا شاء، وأما إذا تخيلتم أن شيئاً من صفات الله يستلزم النقص وقد أثبته الله لنفسه فهذا تخيل فاسد، وهو إنما حصل بسبب الأوهام عندكم، وليس فيما أثبت الله عز وجل لنفسه من الصفات شيء يتضمن النقص بأي وجه من الوجوه.

الكتب السابقة من كلام الله

الكتب السابقة من كلام الله Q هل التوراة والإنجيل والكتب السابقة من كلام الله عز وجل؟ A نعم، التوراة والإنجيل والكتب السابقة هي من كلام الله سبحانه وتعالى، وذلك عندما نزلت هذه الكتب على الأنبياء، فالتوراة عندما نزلت على موسى والإنجيل عندما نزل على عيسى كانا من كلام الله، ولكن بعد ذلك حرفهما أهل الكتاب، فالكلمات المحرفة التي حرفوها ليست من كلام الله قطعاً، وإنما هي من كلام الأحبار والرهبان.

لم يقل أحد من أهل السنة أن الأحاديث الظنية لا يؤخذ بها في العقائد

لم يقل أحد من أهل السنة أن الأحاديث الظنية لا يؤخذ بها في العقائد Q هل هناك من علماء أهل السنة الذين تكلموا في أصول الفقه من قال إن أحاديث الآحاد أحاديث ظنية، ولا يؤخذ بها في باب العقائد؟ A لا يوجد عالم سني يقول: إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، وإن كان قد يوجد من علماء أهل السنة من يسمي أحاديث الآحاد ظنية، ولكنه يقول: نحن مطالبون بغلبة الظن، ولهذا أمرنا بقبولها في الأحكام والعقائد، فقد يسمونها ظنية من باب التسمية، وأما أن يرتبوا عليها أنها لا تقبل في العقائد، فهذا لا يقول به إلا مبتدع، ولا يقوله عالم من أهل السنة.

حكم قول: (والذي نفس محمد بيده)

حكم قول: (والذي نفس محمد بيده) Q ما حكم قول: (والذي نفس محمد بيده)؟ A هذا حلف، والله عز وجل هو الذي نفس محمد بيده.

مدى صحة حديث قتل الفواسق الخمس

مدى صحة حديث قتل الفواسق الخمس Q حديث: قتل الخمس الفواسق وحديث قتل الوزغ، هل هي صحيحة؟ وهل تفيد الجواز أم الاستحباب؟ A قتل الخمس الفواسق وقتل الوزغ ثابت في صحيح البخاري، بل ورد في تعليله في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم حقداً على الأنبياء والعياذ بالله! وهذه الأحاديث لا يقبلها كثير من أصحاب الأهواء الذين يسمون عقلانيين، وهم في الحقيقة من أهل الأهواء وليسوا عقلانيين؛ لأن العقل لا يمنع قبول مثل هذا إذا أخبر به الصادق صلى الله عليه وسلم، وهم لا يقبلونه كما أنهم لا يقبلون حديث: (لا خير في قوم ولوا أمرهم امرأة) والحديث في صحيح البخاري. وما زال يصرح بعض المنتسبين إلى العلم أنه لو تولت امرأة حكومة بلد من البلدان أو كانت وزيرة أو مفتية أو نحو ذلك من الولايات العامة أن هذا جائز ولا شيء فيه، والحديث صحيح وصريح وفي البخاري، وليس في مكان آخر، ولكنهم يتلاعبون في النصوص من الباب الفاسد الكبير الذي هو باب التأويل، ولا شك أن قولهم غير مقبول.

حكم تسمية: بقالة النافع أو بقالة الله

حكم تسمية: بقالة النافع أو بقالة الله Q ما حكم تسمية: (بقالة النافع) أو (بقالة الله)؟ A لا يصح التسمية بمثل هذا.

حكم لباس الإفرنج إذا اشتهر

حكم لباس الإفرنج إذا اشتهر Q إذا اشتهر لباس الإفرنج بين المسلمين كالبنطال والكرفتة مثلاً، فهل ذلك يجيز لباسها؟ A الضابط في اللباس المنهي عنه هو الذي يكون فيه تشبه بالكفار، والذي يكون فيه تشبه بالكفار هو ما كان من خصائصهم، فالبناطيل الآن ليست من خصائص الكفار، فقد صار كثير من المسلمين بل أكثر المسلمين يلبس مثل هذه البناطيل، فهي ليست من خصائصهم وإذا احتاجها الإنسان خصوصاً إذا كان يسافر للخارج مثلاً، وكانت واسعة وليست شفافة فلا أرى بها بأساً، وإن كان ينبغي على الإنسان أن يبتعد عنها، وأن يتعود على الملابس التي كانت مشهورة عند العرب وما زالت مستمرة، وأما الكرفته ففي فتوى لبعض أهل العلم يرون أنه لا يجوز لبسها. وأما لباس البناطيل بالنسبة للمرأة فيجوز عند زوجها، وأما عند بقية محارمها فلا يجوز لها أن تلبس البناطيل؛ لأن فيها تحجيماً لجسدها، وكذلك لا يجوز لها أن تلبسها عند النساء؛ لأن فيها تحجيماً لجسدها، فتكون مثل الملابس الضيقة والشفافة، وتكون منهياً عنها من هذا الباب.

الجلوس مع الشباب للدعوة

الجلوس مع الشباب للدعوة Q هل إذا جلست مع شباب الحارة أدعوهم إلى الله كل يوم في جلساتهم، هل هذا من الخطأ أم أنا على صواب؟ A بحسب وضعك، فإذا كنت مبتدئاً في التدين فلا تجلس مع شباب، لكن عليك أن تهتم بنفسك أنت أولاً، فتعلم قراءة القرآن، واحفظ ما تيسر لك منه، واحفظ من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، واحضر الدروس العلمية، وكون لك رفقة صالحة من أهل الخير والصلاح، ثم إذا ثبتت نفسك في الالتزام وأردت أن تدع إلى الله عز وجل فادعو إلى الله وسواء شباب الحارة وغيرهم من زملائك في المدرسة، فإذا كان الإنسان من طلاب العلم أو من الأخيار وكان لا يخشى على دينه ولا على نفسه فيمكن أن يجلس مع هؤلاء الشباب، ولكن لا يجلس معهم وعندهم منكر أمامه، ولا بد أن يجعل له من الهيبة ما يمتنعون به عن المنكر أمامه، حتى يستطيع أن يدعوهم بسهولة، ولا يكون وقته كله مع هؤلاء؛ لأنه سيضيع وقته، وربما جروه إلى المنكر ونحن نعرف بعض الشباب دخل مع هؤلاء الشباب بغرض الدعوة، وبدلاً من أن يدعوهم هو دعوه هم إلى منكراتهم وأخطائهم، فينبغي للإنسان أن ينتبه لمثل هذه الأشياء، وأن يكون له رفقة صالحة يتعاون معهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ A حكمه واجب، وكثير من الناس يقول: نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بقلوبنا، نقول لهم: هذا غير صحيح؛ لأن الانتقال من اليد إلى اللسان إلى القلب هو عند عدم الاستطاعة، فإذا كان بإمكانك أنك تنصح ولكنك تستحي فهذا حياء مذموم، ويجب أن ترفع هذا الحياء عن نفسك، وأن تجرئ نفسك قليلاً قليلاً، حتى تتمكن من إنكار المنكر، وأن تهيئ نفسك بحيث إنك لو سمعت كلمة غير جيدة تصبر وتحتسب، والصبر والاحتساب مطلوب.

دراسة موضوعية [8]

دراسة موضوعية [8] من الصفات الثابتة لله تعالى صفة النزول، وهي صفة اختيارية متعلقة بمشيئة الله وقدرته، ومن صفات الله تعالى: صفة العلو، وهي صفة ذاتية ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة، ولا تعارض بينها وبين صفة المعية أبداً، والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة كما يرون البدر في السماء لا يضامون في رؤيته.

من آداب طالب العلم في نفسه

من آداب طالب العلم في نفسه

من آداب طالب العلم الإعراض عن الهيشات

من آداب طالب العلم الإعراض عن الهيشات قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم، في الفصل الأول، في آداب الطالب في نفسه: [الأدب الثاني عشر: الإعراض عن الهيشات: التصون من اللغط والهيشات؛ فإن الغلط تحت اللغط، وهذا ينافي أدب الطلب. ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب الوسيط في أدباء شنقيط، وعنه في معجم المعاجم: أنه وقع نزاع بين قبيلتين، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا عالماً؛ فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى، فقال الشيخ باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه، فقال القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. فقال: بل لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس -يعني: أنه يدخل في عموم الكتاب، فتناول صاحب الترجمة القاموس، وأول ما وقع نظره عليه: (والهيشة الفتنة وأم حبين، وليس في الهيشات قود)، أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج. انتهى ملخصاً]. خلاصة هذا الأدب: أن طالب العلم ينبغي عليه أن يصون نفسه عن اللغط، وأن يصون نفسه عما لا ثمرة فيه ولا فائدة، فإنه لا يليق بطالب العلم أن يكون من أهل السفه الذين يدخلون في المضاربات والمشاكسات واللغط والسب والشتم، وأن يكون خراجاً ولاجاً في مخافر الشرط بسبب هيشة مع جار له، أو مشكلة مع رجل عند إشارة لا ينبغي أن يكون طالب العلم بهذا المستوى، وإنما ينبغي عليه أن يصون نفسه عن ذلك كله، وأن يرفق بالناس، وأن يكون عاقلاً حكيماً يحسن التعامل مع الناس، فإن الذي لا يجامل الآخرين، ويتعامل معهم على قدر عقولهم سيدخل في مشكلات كثيرة، ومن حكمة الجاهليين ما ورد في كلام زهير بن أبي سلمى في قوله: ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم فينبغي على الإنسان أن يكون حكيماً، ولا يكون كلما وجد سفيهاً من السفهاء صارت بينه وبينه مشكلة، وكلما وجد أحمق من أهل الجهالة صارت بينه وبينه فتنة، وكلما وجد رجلاً بسيطاً في عقله وتصرفه لا يحسن الفهم، ولا يدرك مقاصد الأمور لا يتعامل معه بالطريقة العاقلة في التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص. والهيشات جمع هيشة، والهيشة الفتنة التي يختلط فيها الناس بعضهم في بعض يتضاربون أو يتقاتلون، وقد يسقط بينهم جريح أو قتيل. وفي القصة التي أوردها عدة فوائد: الفائدة الأولى: أن القتيل في الهيشة الذي لا يعرف من قاتله لا يصح فيه قود؛ لأنه لا يعرف شخص محدد هو قاتل هذا الشخص، عندما يكون هناك خمسة من جهة وخمسة من جهة يتراشقون إما بالحجارة أو بالسهام أو بالرصاص فيقتل قتيل ولا يعرف من قتله، فربما يكون قتله فلان أو فلان أو فلان، أو ربما قتله أحد أصحابه وحينئذ لا يكون فيه قصاص، وإنما يكون فيه الدية. الفائدة الثانية: الموقف الذي في قصة هذا العالم باب بن أحمد؛ فإنه أفتى بأنه لا قصاص في مثل هذه الحالة، فقال له القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. وهذا زعم مطلق بدون بصيرة من هذا القاضي. فقال: بل هو موجود في كل كتاب. أي: سواء كان من كتب الفقه أو اللغة أو غيرها. فأراد هذا القاضي إحراج هذا العالم، قال: هذا القاموس. وهو من كتب اللغة للفيروزآبادي شرحه الزبيدي في تاج العروس. فقال له: هذا كتاب القاموس. يعني: هات هذا الحكم الفقهي الذي قلته من هذا الكتاب اللغوي. فماذا عمل؟ اتجه إلى أقرب معنى لغوي يمكن أن يصل إلى فائدة فيه، فوجد كلمة هيشة، فقرأ: أن الهيشة هي الفتنة، وأم حبين. يعني: تطلق على الفتنة وتطلق على دويبة صغيرة تسمى أم حبين، قال: وليس في الهيشات قود. وهذه من الفوائد التي في غير مظانها؛ فإن كتاب القاموس في الأصل كتاب لغوي، لكن هنا مسألة فقهية أشار إليها، ولهذا ينبغي على طالب العلم عند قراءته في الكتب أن يسجل لطائف المسائل التي لا توجد في مظانها؛ لتكون من نوادر العلم بالنسبة له.

من آداب طالب العلم التحلي بالرفق

من آداب طالب العلم التحلي بالرفق قال: [الثالث عشر: التحلي بالرفق: التزم الرفق في القول؛ مجتنباً الكلمة الجافية، فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة. وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة]. الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. وينبغي على الدعاة إلى الله عز وجل، والمصلحين، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والمؤثرين في الناس ينبغي عليهم أن يتعاملوا مع الناس برفق، حتى لو كان مخالفاً، وكثير من الناس تعود على الغلظة في الكلام حتى في الرد على المخالف، حتى لو كان هذا الكتاب في الرد على مبتدع أو زنديق من الزنادقة! صحيح أن الإغلاظ يدل على الحرقة الموجودة في القلب، ويدل على قوة تدين هذا الإنسان وشعوره بخطورة هذا القول الذي يقول به ذلك الشخص، لكن ينبغي أن يكون الأصل العام هو عفة اللسان، وحسن المنطق، حتى لو كان الشخص المردود عليه مبتدعاً أو من الضالين. ومن الأشياء التي يستغلها بعض أهل البدع وبعض الليبراليين والعلمانيين على بعض شباب الدعوة الإسلامية: أنهم عندما يتكلمون في موضوع من الموضوعات يغلظون في القول، بل قد يتهجمون على أشخاص ويسبونهم ويشتمونهم، وقد يعيرونهم بأمور خارجة عن حقيقة الموضوع نفسه، إذا كنت تريد أن ترد على شخص في قضية من القضايا فلا تتهجم عليه وتسبه وتشتمه وتتكلم عليه، بل ينبغي عليك أن تناقش هذه المسألة وتبين فيها الحق، بهذه الطريقة نستطيع إقناع الآخرين. ولعل من أروع الأمثلة المضروبة في هذا الجانب: الأستاذ الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله، فقد رد على محمد زاهد الكوثري في كتابه: تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب. فألف الشيخ عبد الرحمن المعلمي كتاباً سماه: التنكيل فيما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، ومع هذا كان إذا نقل نصاً من كلامه يقول: قال الأستاذ. ثم ينقل كلامه، ويقول: وهذا الكلام فيه تحريف من عدة وجوه، الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، ثم يبين هذه المسائل بياناً علمياً مفيداً. بعض الناس تعود أنه إذا أراد أن يرد على شخص أن يقول: هذا لا يقوله إلا أحمق جاهل مغرر به. مثل هذا الكلام لا يقوله إلا السفهاء عندنا، بل حتى السفهاء هم أرفع من أن يتكلموا بمثل هذا الكلام. وقد يكون هذا الكلام في بعض الأحيان صحيحاً، لكن حين يسمع منك هذا، ويرى طريقتك في التعامل مع الآخرين؛ حينئذ سينفر الآخرين منك ومما عندك من الخير والفائدة. فينبغي أن يتعود الإنسان أن يكون نقاشه نقاشاً علمياً دقيقاً، يركز فيه على المسائل العلمية وعلى الفوائد أكثر من التركيز على النقد الموجه للأشخاص، وخصوصاً الذي يكون فيه سب وشتم. بعض الناس يقول: وهذا القول لا يقوله إلا كافر مثلاً. وفعلاً قد يكون هذا الكلام صحيحاً، فبدلاً من أن يبين بطلان هذا الكلام بشكل دقيق يكتفي بهذه الكلمة، وهذه الكلمة وحدها غير مفيدة وغير مقنعة، ولهذا ينبغي أن نتعود في الردود على الآخرين وفي مناقشة المسائل والأفكار على الأسلوب العلمي، والأسلوب العلمي يقتضي مناقشة المسألة. نعم. قد يحتاج الإنسان في بعض الأحيان أن يعنف على كاتب من الكتاب، أو على شخص من الأشخاص، لكن ينبغي أن يكون هذا في حدود الضرورة، وألا يتوسع فيه الإنسان، ويصبح طابعاً له، وشيئاً مميزاً له، فالإنسان عندما يكتب بأسلوب علمي دقيق ينفع الناس أكثر مما يكون متهجماً، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يتحلى بالرفق في التعامل مع الآخرين من جيران أو إخوان أو زملاء أو أساتذة أو غيرهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

من آداب طالب العلم التأمل

من آداب طالب العلم التأمل قال: [الرابع عشر: التأمل: التحلي بالتأمل، فإن من تأمل أدرك. وقيل: تأمل تدرك. وعليه: فتأمل عند التكلم بماذا تتكلم؟ وما هي عائدته؟ وتحرز في العبارة والأداء دون تعنت أو تحذلق، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين، وهكذا]. لا شك أن التأمل من أبرز صفات طالب العلم التي ينبغي عليه أن يربي نفسه عليها، فإن القارئ الذي يقرأ كتاباً ولا يتأمله لن يستفيد منه شيئاً، ومن يحضر درساً ثم لا يتأمل ما فيه من المسائل والفوائد ويسرح ذهنه بعيداً لن يستفيد شيئاً، ولهذا فكثير من الشباب الذين يحبون القراءة ينظرون إلى الكم في القراءة أكثر من نظرتهم إلى الكيف، وإلى مدى الفائدة التي استفادها. فمثلاً: يأتي شخص ويقول: أنا قرأت سير أعلام النبلاء كاملاً، أو الفتاوى كاملة، لكن قد يكون تأمله فيها قليلاً جداً، والفائدة التي استفادها من هذه القراءة قليلة جداً؛ لأنه يهتم بالقراءة أكثر مما يهتم بالتأمل والتدقيق والاستفادة. ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يتعود على الدقة، وأن يكون دقيقاً في قراءة الكلمات وفهمها دقيقاً أثناء التعبير عن مسألة من المسائل دقيقاً في تصوير المسائل، ولهذا تجد بعض الناس تعودوا على التهويل والمبالغة، فمثلاً: إذا جاء إلى محاضرة فسألته: كم حضر المحاضرة من الناس؟ تختلف تقديرات الناس، بعضهم يقول: حضر ثلاثة آلاف، وبعضهم يقول: حضر عشرون ألفاً، انظر الفرق بين ثلاثة آلاف وعشرين ألفاً مع أن المحاضرة واحدة، فبعضهم يذكر عدداً قليلاً، وبعضهم يذكر عدداً رهيباً كبيراً جداً ويتكلم بهذه الطريقة، وأحسن الناس من تكون نظرته دقيقة موضوعية بعيدة عن التهويل، وبعيدة أيضاً عن تحقير الأمر والتقليل من شأنه، فينبغي أن يتعود الإنسان في حياته العلمية على أن يكون متأملاً دقيقاً موضوعياً في نظرته. وحتى البادية قديماً كانوا إذا أرسلوا شخصاً من أجل أن يبحث لهم عن أماكن فيها أمطار ثم جاءهم يميزون بين من عندهم دقة وبين الذين يبالغون، فبعض من يرسلونه يقولون له: انظر المكان الفلاني هل فيه عشب -حتى ينتقلون إليه بأغنامهم- فإذا كان من الذين يهولون يقول: أنا رأيت العشب يصل إلى نصف الرجل، يعني: أن العشب مرتفع بشكل غير طبيعي، فيأتون إلى المكان فيجدون أنه ليس كذلك، فيفهمون أن هذا الشخص لا يصلح أن يخبر عن أمر من الأمور، بينما يستعمل غيره عبارة دقيقة في حجم الشيء الذي رآه وفي صورته وكيفيته، ومدى استفادة الآخرين منه. ولهذا ينبغي على الإنسان أن يعود نفسه على أن يكون دقيقاً موضوعياً في عبارته وكلامه وفهمه وقراءته لكلام الآخرين. ولو رجعتم إلى مثل الشيخ محمد بن عثيمين في الكتب التي كان يؤلفها بيده، لوجدتم أن كلامه لا يمكن أن تحذف منه حرفاً واحداً، لأنه ليس فيه حشو ولا زيادة، وليس فيه شيء لا داعي له، حتى الأحرف والكلمات الصغيرة لها داعٍ، حتى عندما ينتهي من مسألة من المسائل يكون الانتهاء له مدلول، والبداية لها مدلول آخر، كان الشيخ رحمه الله من أدق الناس في العبارة، ومن أجود الناس في البعد عن الحشو وما لا فائدة منه، فينبغي أن نعود أنفسنا على هذا الأمر.

من آداب طالب العلم الثبات والتثبت

من آداب طالب العلم الثبات والتثبت قال: [الخامس عشر: الثبات والتثبت: تحلَّ بالثبات والتثبت لا سيما في الملمات والمهمات، ومنه: الصبر والثبات في التلقي، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن من ثبت نبت]. الفرق بين الثبات والتثبت: أن التثبت في الأخبار، وما ينقله الإنسان، أو ما يقرؤه، أو ما يحصل من الأشياء التي يخبر عنها أو يخبر بها. وأما الثبات فمعناه: الاستمرار على الشيء. فينبغي على طالب العلم أن يكون ثابتاً إذا استمر على شيء، (فمن ثبت نبت)، أي: الذي يستمر على درس معين حتى ينهيه يستفيد، الذي يأخذ كتاباً ويقرؤه حتى ينهيه يستفيد، الذي يأخذ متناً فقهياً أو عقدياً أو في أي باب من أبواب العلم ويدرس هذا المتن حتى ينهيه يستفيد، لكن الذي يتنقل مرة في هذا الكتاب ولا يكمله، ومرة في هذا الكتاب ولا ينهيه، ومرة في متن من المتون فيحضر منه درساً أو درسين، ثم يتركه؛ هذا لن يستفيد، ولن ينبت لأنه لم يثبت. وأما التثبت في الأخبار فهو التثبت في نقل الكلام، أو التثبت عندما يسمع خبراً، أو عندما يؤديه، سواء في التحمل أو الأداء، ينبغي أن يكون الإنسان متثبتاً في ذلك. ولا شك أن ذلك الشخص الذي تكون مطيته من الحديث (زعموا) أنه مذموم، (وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومع الأسف: أن كثيراً من الناس اعتادوا على طرق سيئة جداً، فقد أتاني مرة واحد من الشباب فسألني عن عالم من العلماء هل مات أم لا؟ كان بإمكانه أن يسأل بهذه الطريقة، لكنه قال: فلان مات؟ فقلت له: صحيح هذا الكلام؟ قال: نعم! هو يريد أن يعرف هل مات أم لا، فسمع إشاعة أنه مات فجاء وطرحها على أنها خبر، فلما رآني متعجباً بدأ يسأل! ولهذا كثير من الناس تعود على هذه الطريقة؛ قد يلقي كلاماً حتى ينظر هل الناس عندهم شيء يضاد هذا الكلام أم لا؟ فإذا رأى أن ليس عندهم شيء يضاده ظن أنه صحيح، فهذا خطأ في الفهم، وخطأ في التعامل مع الأخبار والتعاطي معها. نكتفي بهذا، ونكون قد انتهينا من الفصل الأول من حلية طالب العلم.

إثبات صفة النزول لله تعالى

إثبات صفة النزول لله تعالى صفة النزول من الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، والتي يسميها بعض السلف: الصفات الاختيارية. وهذه الصفات متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها. والنزول لم يرد فيه آية صريحة، وإنما ورد ما يدل عليه، وهي صفة الإتيان والمجيء؛ فإن الإتيان والمجيء لفصل القضاء في معنى النزول أو قريباً منه، وأما النزول بشكل صريح؛ فإنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور رواه أكثر من عشرة من الصحابة، وبلغ حد التواتر، كما صرح بذلك بعض أهل العلم، وهو الحديث المشهور: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل) إلى آخر الحديث. وأهل البدع يحرفون معنى هذا الحديث، ولهم عدة مناهج في هذا: إما أن يردوا الحديث ويقولوا: هذا من أخبار الآحاد غير مقبول، وإما أن يقولوا: إنه مؤول، فيقولون: هناك تقدير مضاف، وهو: ينزل أمر ربنا، أو ينزل ملك من الملائكة! مع أن النص واضح في أن الذي ينزل هو الله سبحانه وتعالى، ولا يصح أن يقال: ملك؛ فإنه لو كان النازل ملكاً من الملائكة أو أمراً من الله عز وجل فإنه لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى. ونفاة هذه الصفة هم عامة أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية والكلابية والماتريدية وغيرهم؛ فإنهم يحرفون هذه الصفة ويؤولون معناها، ويقولون: إنه لا ينزل بل الذي ينزل أمره. وقد ألف في هذه الصفة مجموعة من أهل العلم منهم الدارقطني رحمه الله، فله كتاب مطبوع باسم صفة النزول. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب كبير بعنوان: شرح صفة النزول، وهو مطبوع ضمن الفتاوى، وبمفرده، وقد استعرض فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأحاديث الكثيرة، والأدلة الدالة على أن هذه الصفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأشهرها الحديث الذي سبق ذكره، وبيَّن شيخ الإسلام رحمه الله الأصل الفاسد الذي بنى عليه أهل البدع نفي هذه الصفة، وهو قولهم إن إثبات الصفات الاختيارية يستلزم حلول الحوادث في ذاته تعالى، وهو قديم ليس بحادث، وبناءً على هذا ينفون هذه الصفة، وقد أطال رحمه الله الكلام على ذلك. وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه القضية أنها من الأصول العقلية التي نفى من أجلها أهل البدع صفات الله سبحانه وتعالى. قال أبو بكر بن أبي داود رحمه الله تعالى: [وقل ينزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا]. يقول: (وقل ينزل الجبار في كل ليلة). وقد ورد نزول الله عز وجل في عشية عرفة أيضاً، وهذا النزول الذي يكون في كل ليلة هو نزول يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.

مسائل متعلقة بصفة النزول لله تعالى

مسائل متعلقة بصفة النزول لله تعالى وهناك مسائل متعددة بحثها كثير من الناس فيما يتعلق بصفة النزول. فبعض الناس قالوا: كيف ينزل مع اختلاف الليل والنهار بالنسبة للأرض؟ وقد أجاب على هذه الشبهة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث النزول، وقال: إن الحديث عن صفة هذا النزول فرع عن الحديث عن ذاته، فنحن لا نعرف حقيقة ذاته سبحانه وتعالى، وبناءً على هذا لا نعرف حقيقة صفاته، فهو سبحانه وتعالى ينزل قطعاً في كل ليلة مع اختلاف الليالي بالنسبة للكرة الأرضية، ففي كل مكان فيه ليل فإنه ينزل في الثلث الآخر من الليل، حتى لو كان المكان الذي في جهة الأرض الأخرى صباحاً ليس فيه ليل، فإذا جاءه الليل فإن الله عز وجل ينزل. وإنما تحدث هذه الشبهة عند الإنسان عندما يتخيل أن الإله مثل الإنسان، كأنه جالس على كرسي، ثم ينزل ويصعد مرة أخرى، وهذا تصور باطل وفاسد لا ينبغي للإنسان أن يتصوره عن الله سبحانه وتعالى، وإنما الصحيح أن الله سبحانه وتعالى ينزل كما أخبر بذلك عن نفسه. والنزول في لغة العرب هو النزول من أعلى إلى أسفل، لكن صفة الرب فرع عن ذاته، وهو سبحانه وتعالى خالق مختلف عن المخلوق من كل وجه، ولهذا ينبغي الابتعاد عن الخيالات فيما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى؛ فإنها فاسدة. ومن المسائل التي يتحدث عنها: مسألة خلو العرش من الله سبحانه وتعالى. ورد في الحديث: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) فينبغي إدراك هذه المسألة بشكل جيد، وأن الحديث في الصفات هو فرع عن الحديث في الذات. يقول: (بلا كيف جل الواحد المتمدح إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح). وهذا يدل على أن صفات الله عز وجل لها جانبان: الجانب الأول: تحقيق هذه الصفات كما وردت في القرآن والسنة، وإثباتها كما أثبتها الله، وكما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والجانب الثاني: الاستفادة الإيمانية والتربوية من هذه الصفات، فصفة النزول نحن في كثير من الأحيان نمر عليها بشكل نظري، وننسى أن هذا يدل على رحمته سبحانه وتعالى بعباده، وأنه يقول: هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ وهذا يدل على عظيم رحمته وسعة رحمته سبحانه وتعالى، وأن الإنسان ينبغي أن يتعرض لفضل الله عز وجل وكرمه، وأن يستفيد من هذه الأوقات الفاضلة، ويتوب إلى الله عز وجل ويعود إليه. فصفات الله عز وجل لها جانبان: الجانب الأول: جانب تصحيح، وهذا الذي عليه أكثر الدراسات الموجودة الآن في العقيدة. الجانب الثاني: جانب تزكية، وهي تزكية النفس بصفات الله تعالى، وتزكية النفس بأسمائه سبحانه وتعالى. يقول: (يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول: ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم). لأن حديث النزول بلغ حد التواتر كما قال أهل العلم. (ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا). يقصد بذلك أهل البدع والضلالة الذين حرفوا هذه الصفة عن وجهها الصحيح. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)]. هذا الحديث هو الحديث الذي سبق وأن أشرنا إليه، والشيخ الموفق ابن قدامة في قضية النزول لم يتحدث إلا من خلال هذا الحديث فقط. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) متفق عليه]. هذا ما ذكره شيخ الإسلام أيضاً في هذه الصفة؛ فإنه ساق الحديث المشهور في الصحيحين الوارد في صفة النزول.

صفة العلو لله تعالى

صفة العلو لله تعالى صفة العلو ثابتة لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وهي من أوضح صفات الله عز وجل، وقد دل عليها العقل، فإن الإله لا بد أن يكون عالياً، ودلت عليها نصوص الشرع، وذكر بعض أهل العلم أن هناك أكثر من ألف دليل يدل على صفة العلو. وقد ألف ابن القيم رحمه الله رسالة مستقلة بعنوان: اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية، وقد خصص أكثر هذا الكتاب في هذه الصفة، وساق مجموعة كبيرة من الآيات والأحاديث، وبدأ يذكر أقوال الصحابة والتابعين، ثم ذكر أقوال أئمة المذاهب من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، وساق أقوال اللغويين والفقهاء والأصوليين والمؤرخين، وساق أقوالاً متعددة من أصحاب التخصصات المختلفة؛ ليبين أن هذه الصفة من أبرز صفات الله عز وجل التي اتفقت عليها الأمة إلا من شذ من أهل البدع والضلال. وهناك أنواع كثيرة من الأدلة تدل على هذه الصفة، فكل آية ورد فيها (يصعد إليه) فهي تدل عليه، مثل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]؛ فإن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى، وكذلك النزول، فكل هذه النصوص تدل عليه. ومن النصوص الصريحة في الموضوع قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، و (في) هنا ليست ظرفية، وإنما هي بمعنى (على)، يعني: أأمنتم من على السماء، وحروف الجر تتناوب، ولهذا قال الله عز وجل في قصة فرعون: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] فهل المعنى: أنه يحفر النخلة ويدخلهم فيها؟ لا. المقصود يصلبهم عليها. وهناك أيضاً أحاديث كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: حديث الجارية المشهور عندما قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء) وهذا يدل على جواز السؤال عن الله بأين.

نفاة العلو من أهل البدع

نفاة العلو من أهل البدع صفة العلو من أبرز الصفات، ومع ذلك نفاها المعتزلة بحجة أن هذا يقتضي التحيز، ونفاها أيضاً متأخرو الأشاعرة بحجة أن هذا يقتضي التركيب والجسمية، وهكذا نفاها أيضاً المتأخرون من الماتريدية، وإن كان المتقدمون من الأشعرية يثبتونها، فـ الأشعري والباقلاني وتلاميذ الأشعري كانوا يثبتون العلو، وإنما حصل نفي العلو من زمن أبي المعالي الجويني فما بعد. وهذه الصفة هي من أبرز صفات الله سبحانه وتعالى، وحصل عند المتأخرين تردد شديد في التعامل مع هذه الصفة، وأصبح كثير من هؤلاء - مع الأسف - ينفون علو الله عز وجل، فاحتاروا عندما يقال لهم: إذا لم يكن في السماء فأين يكون؟ فانقسموا إلى قسمين. الذين بقوا على المصطلحات الكلامية والمناقشات العقلية كانوا يقولون: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا عن يمين العالم ولا عن شمال العالم، ولا محايث له ولا مباين له ولا داخل فيه، فأثبتوا له الأمور المتناقضة، أثبتوا لله عز وجل وصف الممتنع - والعياذ بالله - بسبب الهروب من إثبات هذه الصفة، بسبب الشبهات التي قامت عندهم في صفات الله سبحانه وتعالى. وأما المشتغلون بالتصوف والتزهد؛ فإن التصوف والتعبد لا بد فيه من وجود المعبود حقيقة، يعني: لا يمكن لهم أن يتعبدوا لمن صفته لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا محايث له ولا مباين له، فأصبحوا يقولون: إن الإله موجود في هذا العالم، وإن الله عز وجل موجود في كل مكان. فقول الأولين: لا داخل العالم ولا خارج العالم، وقول الآخرين -الصوفية بالذات- موجود في كل مكان هو قول متفق في الحقيقة مختلف في طريقة التعامل في هذه الصفة، فهم متفقون على نفي صفة العلو، لكنهم اختلفوا في الجواب على السؤال، إذا لم يكن في العلو فأين هو؟ ولهذا حرم بعضهم السؤال بأين، لأنها تدل على الظرفية، وتدل على المكانية، ولا يصح أن نثبت لله عز وجل ظرفاً أو مكاناً. وهذه العبارات: الظرفية والمكانية والجسم والعرض ونحو ذلك من العبارات؛ هي مصطلحات لا يصح لنا أن نقبلها مطلقاً فنقبل شيئاً من الباطل، ولا يصح أن نردها مطلقاً فنرد شيئاً من الحق، وإنما نستفصل فنقول: ماذا تعنون بالظرفية؟ إن كنتم تعنون بالظرفية: أن الله عز وجل في ظرف يحيط به، فهذا معنى فاسد لا نقول به. وإن كنتم تعنون بالظرفية: أنه في جهة العلو سبحانه وتعالى، فنحن نقطع أنه في جهة العلو عن علم ويقين. وصفة العلو يدل عليها العقل، وتدل عليها الفطرة، وتدل عليها النصوص الشرعية الكثيرة في الكتاب والسنة، بل إن هذه الصفة يثبتها أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ولا ينفيها إلا مثل هؤلاء، أو من شابههم من أصحاب الديانات الأخرى، فهؤلاء جاءوا ببدعة خطيرة ومؤثرة على عقيدة المسلمين. يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه درء تعارض العقل والنقل: أنه جاءه يوم من الأيام أحد نفاة العلو، يقول: فلما جاءني يطلب حاجة مني ماطلته، فلما ماطلته ضاق صدره، فنظر إلى السماء، وقال: يا الله، يقول: فقلت له: أنت محقر، لماذا تنظر إلى السماء؟ فكأنه ارتبك، وقال: أخطأت. قال: لم تخطئ. هذا ما تدل عليه فطرتك، وهذا ما يدل عليه العقل السليم، وهذا ما تدل عليه النصوص الشرعية. فرجع ذلك الرجل، وشعر أنه يناقض فطرته. ولهذا كثير من الأشعرية المتأخرين إذا جاء إلى صبي من الصبيان الصغار فسأله: أين الله؟ أشار الطفل إلى السماء، أو قال: في السماء، فيحاول أن يعلم الطفل أنه ليس في السماء؛ فهم يحاولون عبثاً أن يغيروا فطرة الناس. ولهذا أبو المعالي الجويني -وكان من أبرز الأشعرية الذين نفوا هذه الصفة- لما جاءه الهمذاني، وقال له: دعك من التأويلات والمناقشات العقلية، أجبني عن الضرورة التي يجدها الإنسان في نفسه عندما يدعو، لماذا يتجه قلبه إلى السماء؟ فأصبح الجويني يضرب على رأسه مع أنه من كبار المتكلمين ويقول: حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاني! وفعلاً حيره لأنه استدل بالفطرة، وهي دليل موجود في قلب كل إنسان. ولما قيل لهم: إذا كنتم تعتقدون أن الله عز وجل ليس في السماء، فلماذا ندعو بهذه الطريقة؟ قالوا: لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة المصلي. وهذا هروب في الحقيقة؛ لأن القضية لا تقف عند رفع الإنسان يديه، وإنما هناك حاجة نفسية وضرورة في الاتجاه نحو العلو. إذاً: هذه الصفة يدل عليها العقل والفطرة والحس والنصوص الشرعية الكثيرة التي بلغت أكثر من ألف دليل، ويمكن مراجعة اجتماع الجيوش الإسلامية لـ ابن القيم، ففيه تفصيل طويل حول هذه الصفة. ليس هناك شيء من الأبيات في حائية ابن أبي داود يتعلق بهذه الصفة بشكل مباشر، وإن كان يمكن أن نستنبط ذلك من صفة النزول؛ لأن أحاديث النزول وآيات الإتيان والمجيء كلها تدل على العلو؛ لأن النزول لغة يكون من أعلى إلى أسفل، فهي تدل على صفة العلو من جهة أخرى، لكن

صفة العلو في لمعة الاعتقاد

صفة العلو في لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]]. لأن الاستواء يدل على العلو أيضاً، كيف الاستواء يدل على العلو؟ العرش بإجماع أهل الديانات أنه فوق السماء، وأن السماء في العلو، فإذا أثبتنا أن الله مستو على عرشه فقد أثبتنا أنه عالٍ على خلقه، ولهذا فهم ينفون الاستواء أيضاً كما أنهم ينفون العلو، ويعتبرون الاستواء معناه الاستيلاء، ويتركون النصوص الصريحة في الاستواء التي من معانيها العلو، ويستدلون ببيت للأخطل، يقول فيه: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق ويقولون: استوى هنا بمعنى: استولى، هذا البيت قاله رجل نصراني، وهو من المتأخرين الذين لا يحتج بهم، ولا يعرف أنه ثابت عنه، ولهذا عندما ناقشهم ابن القيم في الصواعق المرسلة قال: أنتم تردون الأخبار الواردة في البخاري ومسلم وتسمون هذه أخبار آحاد لا تقبل في العقيدة، ثم تؤولون النصوص الشرعية مثل آيات الاستواء بقول للأخطل لم يثبت بطريق الآحاد، وبعض الناس يشكك فيه، ويقول: إنه كذب، والأخطل نصراني وليس بمسلم، وعقيدة النصراني في الصفات قريبة من عقيدة المعطلة؛ لأنهم يرون أن عيسى ابن الله، وأن فيه جزءاً لاهوتياً وجزءاً ناسوتياً، ومع هذا يستدلون به. وهذا يدل على وجود الهوى، وهذا يدل على سبب موقف أهل السنة من هؤلاء المبتدعة، ولماذا يبينون بدعتهم؟ لأنهم يحرفون كلام الله عز وجل، ثم يأتون بقول الأخطل، كما فعلوا في كلام الله عز وجل، قالوا: إنه الكلام النفسي، فقيل لهم: إن الكلام في لغة العرب لا يمكن أن يكون نفسياً، ولهذا أهل النحو يعرفون الكلام بأنه: اللفظ المفيد، واللفظ هو الصوت المشتمل على حروف، وليس هناك شيء اسمه كلام نفسي، قالوا: يقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً فيستدلون بقول الأخطل غير الثابت وهو نصراني، وبيت واحد وهو غير مشهور في اللغة، ويتركون النصوص الصريحة الواضحة البينة. قال المؤلف رحمه الله: [ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. وقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه). وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة]. وهذا يدل على أن إثبات الصفات لله عز وجل يؤخذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تقريره، فقد أقر هذه الجارية على أن الله في السماء، وقال: (أعتقها فإنها مؤمنة). وصفة العلو مأخوذة من جميع أنواع الصيغ الواردة في الاستدلال، فوردت في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كلام الله عز وجل، ووردت في تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم مثل حديث الجارية، ووردت أيضاً من فعله؛ فإنه في يوم عرفة عندما قال: (اللهم اشهد) كان يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض، وهذا استدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات صفة العلو لله تعالى. قال رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ حصين: (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: من لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا علمك دعوتين. فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)]. حصين عندما كان مشركاً كان يثبت أن الله في السماء، فمن كان أهل الشرك أعرف منه بربه فكيف يعرف مثل هذا الشخص ربه؟ والعياذ بالله. قال: [وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء]. هذه أبرز ميزة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي: إثبات أن الله في السماء. قال: [وروى أبو داود في سننه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا) وذكر الخبر إلى قوله: (وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك). فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله. سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول]. وفي لفظ: (الاستواء معلوم). فإن الاستواء في لغة العرب بمعنى: الصعود والجلوس، والقصد إلى الشيء. قال: [فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف

صفة المعية لا تنافي صفة العلو

صفة المعية لا تنافي صفة العلو تحدث ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية كثيراً عن هذه الصفة لأهميتها، فنبدأ أولاً بنقل الآيات الواردة في هذا الموضوع. وقبل ذلك نقول: من ضمن الأمور المشكلة على نفاة العلو الآيات الواردة في إثبات المعية والقرب، مثل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] فهذه الآيات المقصود بالمعية فيها معية العلم والقدرة والتصريف والتدبير، وليس في هذا تأويل، وإنما هذا هو مقتضى كلام الله عز وجل، فكل آية من الآيات الواردة في المعية فيها ما يدل على أن المعية ليست معية بذات الله عز وجل وصفاته، بل هو سبحانه وتعالى في السماء عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، وهو معهم يعلم دقائق أحوالهم، وهو قادر على كل شيء فيهم، وهو سبحانه وتعالى مسيطر عليهم، وهم تحت حكمه، وهم تبع له سبحانه وتعالى. ثم إن المعية تنقسم إلى قمسين: معية عامة: مثل معية الله عز وجل لجميع المخلوقات، فهذه المعية تقتضي العلم والتصريف والتدبير والخلق والتأثير، وما يتبع ذلك من معاني الربوبية. ومعية خاصة: وهي معيته للمؤمنين، مثل قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] فهذه الآية ليست مثل المعية العامة {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] أو غيرها من الآيات التي وردت في المعية العامة، وإنما هذه معية خاصة تتضمن زيادة على معاني الربوبية السابقة بأنه معهم بنصره وتأييده سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل كما قال لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] لم يقل معكما بذاتي، وإنما قال: {مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] يعني: يسمع ما يقول فرعون، ويعلم ما يتكلمون به، وهو قادر سبحانه وتعالى على التأثير، وهو قادر على الخلق وكلهم تحت ربوبيته وقهره سبحانه وتعالى؛ يتصرف فيهم كيف يشاء سبحانه وتعالى.

كلام شيخ الإسلام عن صفة العلو في الواسطية

كلام شيخ الإسلام عن صفة العلو في الواسطية قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] في سبع مواضع: في سورة الأعراف، قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]]. هذه تدل على صفة فعلية وهي الاستواء، وهي تدل على صفة ذاتية وهي العلو لله سبحانه وتعالى. قال: [وقال في سورة يونس عليه السلام: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:3]. وقال في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:2]. وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان:59]. وقال في سورة ألم السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:4]. وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4]]. هذه سبعة مواضع فيها إثبات صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله، ومعناها: أن الله سبحانه وتعالى صعد على العرش، وأنه فوق العرش سبحانه وتعالى، وورد في بعض النصوص إثبات صفة الجلوس، فيكون بنفس معنى الاستواء، ويكون سبحانه وتعالى مختلفاً عن خلقه، ولا يشبه خلقه بشيء من ذلك. قال: [وقوله: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]]. أورد قوله: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}؛ لأن الرفع يكون من أسفل إلى أعلى، فلو كان في كل مكان كما يقولون لما قال: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]. ولو كان لا داخل العالم ولا خارج العالم وليس في مكان كما يقول هؤلاء؛ لما كان هناك معنى لقوله: ((وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)) لكن لما كان (رافعك إلي) نصاً صريحاً في الارتفاع من الأسفل إلى الأعلى دل ذلك على أن الله عز وجل في العلو. قال: [وقوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158] وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. وقوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36 - 37]]. هذا فرعون علم أن إله موسى في السماء، كيف عرف؟ من وجهين: الوجه الأول: ما في فطرته من كون الإله في السماء. الوجه الثاني: ما فهمه من دعوة موسى أن الإله في السماء. وهذا يدل على أن دعوة الأنبياء في باب التوحيد واحدة. قال: [وقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:16 - 17]].

الآيات الواردة في المعية لا تنافي علو الله على خلقه

الآيات الواردة في المعية لا تنافي علو الله على خلقه الآن سيذكر الآيات الواردة في إثبات المعية، وليس هناك تناقض بين إثبات العلو والمعية، وسيأتي له كلام مفصل في هذا الموضوع. قال: [وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]]. وهذه المعية معية عامة، فهو مع جميع عباده سبحانه وتعالى خلقاً وتصريفاً وتدبيراً ورؤية وسماعاً، وما يتعلق بأوصاف الربوبية جميعاً. قال: [وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]]. هذه الآية عرضها الإمام أحمد رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية، وبين أنها بدأت بالعلم وختمت بالعلم، مما يدل على أن المعية الواردة فيها معية العلم، لكن ليست معية العلم فقط بل معية العلم والقدرة والتدبير والتصريف وكل معاني الربوبية. قال: [وقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]]. هذه معية خاصة، يعني: معنا بربوبيته التي هي حاصلة لكل الخلق، ومعية خاصة بنا، يعني: ناصرنا ومؤيدنا. قال: [وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]]. وقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. وقوله: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]]. هذه كلها من المعية الخاصة، ومثل المعية: القرب؛ فإن القرب أشكل على نفاة العلو، وظنوا أن إثبات القرب ينافي العلو، والحقيقة أنه لا ينافيه بأي وجه من الوجوه. هذا ما يتعلق بالآيات الواردة في العلو.

الأحاديث الدالة على صفة العلو في الواسطية

الأحاديث الدالة على صفة العلو في الواسطية أما الأحاديث فقد قال رحمه الله: [وقوله في رقية المريض: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) حديث حسن رواه أبو داود وغيره]. واضح في هذا الدعاء التصريح بعلو الله عز وجل في قوله: (أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء). قال: [وقوله: (ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء) حديث صحيح. وقوله: (والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه) حديث حسن رواه أبو داود وغيره. وقوله للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مسلم]. هذه عبارة عن أمثلة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على العلو، وهناك كتاب بعنوان: علو الله على خلقه، تأليف الشيخ أسامة القصاص رحمه الله، وهو شاب من طلاب العلم كان في لبنان، لما ألف هذا الكتاب قتله الأحباش قبحهم الله، والأحباش هؤلاء طائفة يتبعون عبد الله الحبشي الهرري في لبنان، وهم من دعاة الفتن، يتبنون منهج الجهمية، وينفون علو الله عز وجل على خلقه، ويستخدمون أسلوب القتل والإيذاء للمسلمين، وممن قتل على أيديهم أسامة هذا رحمه الله، ونرجو أن يكون شهيداً. وهناك رسالة علمية للأستاذ موسى الدويش بعنوان: علو الله على خلقه، وهي مطبوعة في مجلد صغير، هذا بالإضافة إلى كتاب ابن القيم السابق الذكر.

معية الله لخلقه في الأحاديث وبيان أنها لا تنافي العلو

معية الله لخلقه في الأحاديث وبيان أنها لا تنافي العلو قال: [وقوله: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله حيثما كنت) حديث حسن]. بدأ الآن بالأحاديث الواردة في المعية ليبين أن العلو ثابت لله، والمعية ثابتة له، وليس هناك تناقض بينهما على نحو ما تقدم. قال: [وقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه]. ثم تحدث شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه القضية بشكل مفصل، وعن وجوب الإيمان باستواء الله على عرشه. ثم قال: [وقد دخل في ما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]. وليس معنى قوله: ((وَهُوَ مَعَكُمْ)) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه اللغة، وهذا خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان]. هذا استدلال عقلي على أن المعية لا تقتضي الخلطة. قال: [وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته]. إذاً: معية الربوبية مفهومها واحد، يدخل في ذلك معية العلم والتدبير والخلق والتأثير والإيجاد والمنع، فهو سبحانه وتعالى معهم متحكم فيهم، وهو ربهم سبحانه وتعالى. قال: [وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ((فِي السَّمَاءِ))؛ أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره. وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته). وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه]. هذا ما يتعلق بمسألة العلو والاستواء والمعية والقرب، وأنه لا تناقض بين هذه جميعاً، ونحن نثبتها لله سبحانه وتعالى.

إثبات رؤية المؤمنين لربهم

إثبات رؤية المؤمنين لربهم نحن نثبت أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى يوم القيامة كما يرون البدر في السماء. وأهل الإيمان إذا دخلوا الجنة فإنهم يتنعمون بنعيم الجنة كله، وأعلى نعيم في الجنة هو رؤية الله عز وجل، وهذه الرؤية ليس فيها شيء من الإحاطة، بل ربنا سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به المخلوق، وهو سبحانه وتعالى يدرك الأبصار، والأبصار لا تدركه سبحانه وتعالى. ومعنى الإدراك: الإحاطة من كل وجه. ولهذا فالسماء تنظر إليها وتراها بعينك، ومع هذا لا تدرك السماء، فأطراف السماء بعيدة عنك، وهي أكبر من أن تحيط بها من كل وجه، وكونك لا تحيط بها لا يعني أنك لا تراها، فأنت تراها، والله عز وجل يوم القيامة يراه المؤمنون وهم لا يحيطون به علماً ورؤية، وهو سبحانه وتعالى أعظم من أن يحاط به. هناك أدلة كثيرة جداً في القرآن والسنة تدل على أن الله عز وجل يرى يوم القيامة، وهناك تفصيلات دقيقة فيما يتعلق بهذا الأمر. لكن نفاة الرؤية من المعتزلة قالوا: إن الله عز وجل لا يرى يوم القيامة. وأيضاً الشيعة لا يثبتون رؤية الله عز وجل يوم القيامة، وكذلك الخوارج الإباضية لا يثبتون رؤية الله عز وجل يوم القيامة، ويرون أن الله عز وجل لا يرى يوم القيامة، ويؤولون معنى هذه الرؤية إلى أن المقصود بالنظر الانتظار.

صفة الرؤية في الحائية

صفة الرؤية في الحائية قال ابن أبي داود رحمه الله: [وقل يتجلى الله للخلق جهرة كما البدر لا يخفى وربك أوضح]. هذه من مفردات عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل يرى يوم القيامة، ويدل على هذا نصوص كثيرة سيأتي بيانها من القرآن والسنة، وهذا الأمر مما أجمع عليه أهل العلم، ولهذا استدل الشافعي رحمه الله على رؤية الله عز وجل يوم القيامة بمفهوم المخالفة في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فقال: عندما حجبوا في باب العقاب فإنهم يرونه في باب الثواب، وهذا من فقهه رحمه الله ومن دقة استدلاله.

صفة الرؤية في لمعة الاعتقاد

صفة الرؤية في لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة رحمه الله: [والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه]. وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأنها صفة ذاتية؛ لأنه يكلمهم ويكلمونه، ويسمع كلامهم سبحانه وتعالى، لكنه ليس كصفة المخلوقين سبحانه وتعالى. قال رحمه الله: [قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]]. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} هذه من النضرة وهي الجمال والبهاء. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] النظر هنا نظر العين، والدليل على أن النظر هنا نظر العين وليس المقصود به نظر الفكر: أنه معدى بإلى، والتعدية بإلى لا تستخدم إلا في نظر عين الإنسان، فإن النظر كلمة تستخدم عدة استخدامات، تستخدم في الفكر، فيقال: النظر العقلي، وتستخدم في النظر بالعين، وتستخدم بمعنى الانتظار مثل: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] يعني: انتظرونا، لكنها إذا عديت بإلى فإنها تدل على رؤية العين تحقيقاً. ومما يدل على ذلك: أن هنا ارتباطاً بالعين؛ لأنه قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلى رَبِهَا نَاظِرَة} [القيامة:22] فالوجوه الناضرة ترى ربها بعينها التي في وجهها. قال: [وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]]. وقد سبق أن هذا الاستدلال هو استدلال الإمام الشافعي رحمه الله. قال: [فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا لم يكن بينهما فرق]. وهذا يدل على الاستدلال بمفهوم المخالفة في باب العقيدة، يعني: كما أنه يستدل بالقول في باب العقيدة، وبالفعل وبالتقرير، كذلك يستدل بمفهوم الموافقة والمخالفة وبالمنطوق وهو الأصل في الباب. قال: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه]. هذا نص صريح في الرؤية، ورؤية القمر لا تحتمل إلا الرؤية التي تكون بالعين. (لا تضامون في رؤيته) يعني: لا تضايقون في رؤيته. قال: [وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي، بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير، فإنه ليس المقصود تشبيه الله بالقمر، وإنما تشبيه رؤية الله عز وجل برؤية القمر]. فهذا يدل أولاً: أن هذه الرؤية تكون بالعين. ثانياً: يدل على أنه يمكن للخلق جميعاً أن يروه سبحانه وتعالى لأنه مرتفع عنهم، كما أنهم يرون القمر وهم في أماكن مختلفة؛ لأنه مرتفع عنهم، فإذا جاز هذا في المخلوق فجوازه في الخالق أولى.

صفة الرؤية في الواسطية

صفة الرؤية في الواسطية قال شخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]]. سبق هذا الاستدلال في لمعة الاعتقاد، وقررنا الطريقة العلمية في الاستدلال بها. قال: [وقوله: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:23]]. هذه الآية استدل بها أهل العلم على أنهم ينظرون إلى الله عز وجل. وهناك آية في سورة الإنسان، وهي قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20] وفي قراءة سبعية صحيحة: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً ومَلِكَاً كبيراً) فقالوا: إن المقصود بالملك الكبير هو الله سبحانه وتعالى على هذه القراءة. قال: [وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]]. وقد دل حديث النبي صلى الله عليه وسلم على أن الزيادة المقصود بها رؤية الله؛ لأنه قال: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى)) يعني: الجنة. ((وَزِيَادَةٌ)) الزيادة على الجنة في الأحاديث هي رؤية الله سبحانه وتعالى. قال: [وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]]. وهذا يوافق معنى الآية السابقة في سورة يونس. قال: [وهذا الباب في كتاب الله كثير، من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق]. هذا ما يتعلق بالآيات الواردة في صفة الرؤية، ثم نقل الأحاديث الواردة في صفة الرؤية. قال: [وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) متفق عليه].

رؤية المؤمنين لربهم في عرصات القيامة

رؤية المؤمنين لربهم في عرصات القيامة ثم علق شيخ الإسلام ابن تيمية على موضوع الرؤية بعد ذلك، قال: [وقد دخل أيضاً فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى]. أما الرؤية الواردة في النصوص الكثيرة في القرآن وفي السنة فهي الرؤية التي تكون بعد دخول الجنة. وأما رؤية العرصات فقد ورد في حديث طويل في صحيح البخاري ومسلم، اختلف أهل العلم في معناه، وهل الله عز وجل يرى يوم القيامة في العرصات؟ وهناك مسائل كثيرة لطيفة في موضوع الرؤية، منها: هل النساء يرين الله عز وجل يوم القيامة؟ A نعم. لدخولهن في عموم الآيات الواردة في إثبات الرؤية للناس. وهناك رسالة لـ شيخ الإسلام لطيفة اسمها: رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الله عز وجل، أظنها موجودة في المجلد السادس من الفتاوى، تحدث فيها عن رؤية النساء لله عز وجل، وعن رؤية الكفار والمنافقين لله سبحانه وتعالى في العرصات. فبين شيخ الإسلام أنه في الجنة لا يراه إلا المؤمنون، وأما في العرصات فقد اختلف العلماء في من يراه، فقال بعضهم: إن الله عز وجل يوم القيامة في العرصات يراه المنافقون، ويراه أيضاً الكفار، ويراه أيضاً المؤمنون، وقد ورد في بعض النصوص أن الله عز وجل يأتي في صورة غير الصورة التي هو عليها، وهذا يدل على كمال الله عز وجل وقدرته سبحانه وتعالى على كل شيء. ثم بعد ذلك يراه المؤمنون في صورته التي يعرفون، ثم يرونه في الجنة سبحانه وتعالى، وهذه الرؤية الأخيرة هي رؤية النعيم الواردة في هذه المسألة. وأما الخلاف الدائر بين أهل العلم فيما يتعلق برؤية المنافقين والكافرين لله عز وجل في العرصات، فهي من المسائل التي لا يضلل فيها المخالف، وإنما هي من المسائل التي تعتبر من فروع العقيدة.

الأسئلة

الأسئلة

رؤية وجه الله تعالى

رؤية وجه الله تعالى Q هل الرؤية تكون لله عز وجل كله أم أنها تكون لوجهه؟ A لا يمكن أن يرى الله عز وجل كله؛ لأن هذا غير مدرك بالنسبة للإنسان، وهذا هو الذي أخبر الله عز وجل بقوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وإنما ورد أن الرؤية تكون للوجه ومع هذا لا يدركونه أيضاً، ولا يصح للإنسان أن يتخيل في صفات الله وتعالى ما يمليه عليه ذهنه القاصر.

المنهج السائد قبل دعوة محمد بن عبد الوهاب

المنهج السائد قبل دعوة محمد بن عبد الوهاب Q هل المعتقد السائد في الجزيرة العربية قبل الدعوة السلفية على يد الشيخ المجدد هو المعتقد الصوفي؟ A نعم. المعتقد السائد قبل مجيء الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان هو المنهج الصوفي، وكان أهل نجد في تلك الفترة من الحنابلة، وكان الحنابلة من أقرب الناس إلى السنة، باعتبار أن الإمام أحمد رحمه الله وقف وقفة قوية من المعتزلة ومن أصحاب المنهج الكلامي؛ إلا أنهم في الأخير اختلطوا بعلم الكلام، حتى أن بعضهم اقترب من المعتزلة والأشعرية، وصاروا على طريقة المتصوفة. وأما أهل الحجاز والجنوب فقد كانوا من قديم على طريقة أهل التصوف. ولا يعني هذا أن جميع الناس كانوا كذلك، لكن المقصود به السائد العام، يعني: المشايخ الرسميين والقضاة المشهورين والمؤثرين، ومع هذا يوجد علماء من أهل السنة كثيرون في نجد والحجاز واليمن والشام ومناطق مختلفة لكن لم يكن لهم قوة، ولم تكن لهم شوكة، ولم يكن لهم انتشار، حتى جاء الشيخ الإمام المجدد وظهرت دعوته ولله الحمد، وما ترونه من انتشار التوحيد وانتشار السنة في أرجاء كثيرة هي من بركة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

تعريف علم الكلام

تعريف علم الكلام Q ما هو علم الكلام؟ A سبق أن تحدثنا عن علم الكلام، وهو أنه علم أرادوا به الحجاج والدفاع عن العقيدة، ودفع الشبه، لكنهم اتخذوا في سبيل ذلك منهجاً منحرفاً فتولد من ذلك أقوال وعقائد منحرفة مخالفة للسنة بسبب الاعتماد على مصادر للتلقي غير سليمة، واختراع أدلة عقلية في مناقشة الملحدين، لكن هذه الأدلة العقلية ليست أدلة قرآنية سليمة، وإنما هي أدلة ركبوها من عند أنفسهم تضمنت كثيراً من العقائد الباطلة؛ فأثر ذلك على بقية معتقدات هذا العلم في جوانب مختلفة.

الفلسفة ليست من الدين في شيء

الفلسفة ليست من الدين في شيء Q هل صحيح أن علم الفلسفة يتفق مع الكتاب والسنة خاصة أنه يدرس في الجامعات؟ A الفلسفة كعلم نشأ في اليونان، ومنشأ الفلسفة أشخاص وثنيون ما عرفوا نور الرسالة أصلاً، وتكلموا فيما يسمونه بالمتفيزيقا والمتفيزيقا، هو علم ما وراء الطبيعة. فتكلموا بالجهل وانحرفوا انحرافاً كبيراً عن السنة، وما يسمى بالفلسفة الإسلامية هو علم الكلام في صورته المتأخرة التي تأثرت بالفلسفة الإغريقية.

علاقة أهل السنة بالفرق الأخرى

علاقة أهل السنة بالفرق الأخرى Q ما حكم من يقول إن العلاقة بين فرق المسلمين علاقة حوار، وإننا لا يمكن أن نحاربهم؟ A بالنسبة للمسلمين لا شك أنهم اختلفوا كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة -ثم بينها فقال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). فالعلاقة بين المسلمين في الأصل هي حقوق على كل مسلم لأخيه المسلم، منها: رد السلام، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، ورد الظلم، ونحو ذلك من الحقوق، لكن لا يعني هذا أن الإنسان إذا خالف المنهج الشرعي الصحيح وهو السنة أنه يجامل أو يقال: إنه لا يرد عليه. بل يجب أن يرد عليه، وذلك حفظاً لأديان الخلق؛ فإنه إذا لم يرد عليه ينتشر الباطل ويظهر وحينئذ يكون الحق مغموراً ويكون هذا من لبس الحق بالباطل، ولبس الحق بالباطل لا شك أنه يضيع قيمة الحق وصفاءه، فلا بد من الرد على هذه الطوائف الضالة وبيان معتقداتها الفاسدة، لكن لا يعني هذا أنهم يقاتلون. مسألة المقاتلة مسألة أخرى راجعة إلى ظروف الإمامة الإسلامية، وترتيب الأولويات فيما يتعلق بالمسلمين في القتال، بعض الأحيان قد يقاتلون أهل البدع حتى لو كانوا مسلمين، فـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل الخوارج وخد الأخاديد للشيعة الإسماعيلية وقال: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوا الخوارج، وفرحوا بقتالهم، وعلموا أنهم الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (يأتي سفهاء الأحلام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد). لكن القتال يرجع إلى الظروف، فيختلف حال المسلمين من زمن إلى زمن، ومن وضع إلى وضع، ويختلف الأعداء قوة وضعفاً، بعض الأحيان تكون الأولوية لقتال الكفار باعتبار أنهم أقوياء ومسيطرون، وأن أهل البدع شذاذ لا قيمة لهم، لكن بعض الأحيان يكون لأهل البدع شوكة وقوة، ويقاتلون المسلمين كما كان حال الخوارج؛ فإنهم يقتلون. وهناك فرق بين الجهاد، فعندما يكون جهاد طلب، فإن حكمه الاستحباب، أي: أن يطلب العدو في عقر داره ويطالب بالإسلام، لكن عندما يكون جهاد دفع فيكون أكثر وجوباً من غيره. فينبغي إدراك مثل هذه الأحكام، وأنها تختلف من حال إلى حال ومن زمن إلى زمن، وليس فيها حكم واحد يمكن أن يطبق على كل الأحوال وكل الأزمنة وكل الأوضاع.

دراسة موضوعية [9]

دراسة موضوعية [9] من أصول أهل السنة الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه، وأن الله يعلم كل شيء قبل حدوثه، وأنه الذي خلق أفعال العباد وقدرها، وأعطى العبد الاختيار في الطاعة والمعصية، فلا يجوز للعبد أن يحج بالقدر على المعصية أبداً.

كيفية طلب العلم وتلقيه عن العلماء

كيفية طلب العلم وتلقيه عن العلماء الفصل الثاني يتحدث عن منهجية طلب العلم، وذلك أن طلب العلم لابد له من منهجية، ولابد له من طريقة مرتبة، بحيث إن الإنسان يصل إلى النتيجة التي يريد، فليس كل من طلب العلم وفق للطريقة المناسبة للطلب. وما يتعلق بهذا الفصل هو عبارة عن خبرات العلماء السابقين الذين طلبوا العلم واشتغلوا به، وعايشوا الطلاب، وعرفوا الطريقة الصحيحة لطلب العلم، والمنهجية المستقيمة فيه. وأيضاً هذه الخبرة هي خبرة من تدرب وتمرس واشتغل وعانى وتعب في هذا الباب، وكانت طريقتهم متشابهة ومتقاربة إلى حد كبير، وكل من تحدث عن طلب العلم مثل الخطيب البغدادي رحمه الله في الجامع، وغيره من أهل العلم، كلهم تحدثوا عن المنهجية التي ينبغي على طالب العلم أن يسير عليها، والطريقة المثلى العملية التي ينبغي أن يسلكها في طريقه في الطلب، ولهذا سنجد قواعد وأصولاً قد يعبر عنها بكلمة، أو بمقطع بسيط، لكنها تتضمن الكثير من الفوائد والعبر والعظات. مثلاً: قوله: [من لم يتقن الأصول حرم الوصول] هذه كلمة نقلها ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم، ولها دلالة عظيمة جداً، وهي: أن طالب العلم ينبغي عليه أن يبدأ بأصول العلوم، وفي كل علم من العلوم أصول ينبغي أن يعتني ويهتم بها، فإذا درس هذه الأصول وفهمها فإن ما يأتي بعد ذلك سيكون تابعاً لهذه الأصول. أما من اشتغل بالتفريعات والجزئيات مع بدايته لطلب العلم، فإنه سيحرم من الوصول إلى النتيجة التي يريد، والتي يتمناها في طريقه في طلب العلم؛ ولهذا اعتنى بعض المتأخرين بتأليف كتب بعنوان: برنامج عملي لطلاب العلم، أو: برنامج عملي للمتفقهين، ومن أفضل هذه الكتب كتاب الأستاذ الدكتور: عبد العزيز قارئ، فقد ركز فيه على البرنامج العملي الذي ينبغي أن يسير عليه طالب العلم من جهة العلوم الأساسية التي يركز عليها الطالب في بداية طلبه للعلم.

كيفية الطلب ومراتبه

كيفية الطلب ومراتبه قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى في كتابه حلية طالب العلم: [الفصل الثاني: كيفية الطلب والتلقي: السادس عشر: كيفية الطلب ومراتبه: من لم يتقن الأصول حرم الوصول، ومن رام العلم جملة ذهب عنه جملة، وقيل أيضاً: ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم]. هذه ثلاثة قواعد من أروع القواعد في طريقة طلب العلم، وينبغي على طالب العلم أن يحفظ هذه القواعد، وأن يرددها دائماً. ومعنى: (رام العلم) يعني: طلب العلم، (جملة) يعني: من طلب العلم دفعة واحدة، فإنه سيفقده دفعة واحدة، يعني: لو أن إنساناً أراد أن يبني لنفسه برنامجاً علمياً خلال هذه السنة، فحشد في هذا البرنامج أكثر من عشرة علوم، وحشد في كل علم من هذه العلوم عشرة كتب من الكتب الدقيقة التي تحتوي على المسائل النادرة، ثم بدأ يشتغل فيها دفعة واحدة وفي وقت واحد، فإنه سيخرج في نهاية الأمر وليس معه شيء، وقد يكون معه معلومات عامة، مثل أسماء الكتب والمؤلفين، وبعض رءوس المسائل. أما أنه يتقن فقطعاً لن يتقن، وهذا هو معنى قوله: (من رام العلم جملة ذهب عنه جملة) وأما قوله: (ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم). فهو لو أن إنساناً أراد أن يبحث مسألة فقهية من المسائل الدقيقة والغامضة، والتي كثر فيها النزاع والاختلاف، ثم ساق له المتكلم عشرون مذهباً بما فيها المذاهب النادرة والغريبة والشاذة والمندثرة. ثم بدأ يذكر لكل مذهب الأدلة التي ربما تصل إلى عشرة ويذكر مع كل دليل وجه الاستدلال، والقاعدة الأصولية التي بني عليه هذا الاستدلال، وما يتعلق بها من خلاف. هل تتصورون أن هذا الطالب سيفقه شيئاً؟ قطعاً لن يفقه شيئاً؛ لأنه علم كبير اجتمع في ذهنه ودخل في أذن وخرج من الأخرى؛ لأن القلب بطبيعته لا يمكن أن يحوي هذه الأمور دفعة واحدة. فينبغي على طالب العلم أن يأخذ المسائل مسألة مسألة، ويعرف صورة المسألة سواء كانت فقهية أو عقدية، ثم بعد أن يعرف صورة المسألة يعرف الأدلة عليها، ثم بعد أن يعرف الأدلة عليها، يعرف وجه الاستدلال المتعلق بها، وهكذا. بهذه الطريقة يستطيع أن يتفقه، ولا يشترط أن يتعلم هذه الأشياء في لقاء واحد، ربما في اللقاء الأول يحتاج أن يتعلم صورة المسألة، ثم في اللقاء الثاني يتعلم أدلة المسألة، وإذا كانت كثيرة يمكن أن توزع على لقاءين، وإذا أخذ هذه المسائل انتقل بعد ذلك إلى الأدلة، ثم وجه الاستدلال بشكل بطيء لكنه أكيد المفعول، فقد يستغرق فترة طويلة لدراسة كتاب لكنه سيكون قد استفاد فائدة بليغة بإذن الله. ولهذا ينبغي على طالب العلم في بداية طلبه للعلم ألا يشغل نفسه بمجموعة كبيرة من الكتب، وألا يشغل نفسه بالتفصيلات الدقيقة في كل علم من العلوم، ولهذا نحن نركز على المسائل العامة الأساسية، وما يتعلق بها من مسائل يكون طالب العلم بحاجة إليها، فإذا تصورها تصوراً جيداً فإنه في نهاية الأمر سيكون قد استفاد. ولهذا أهل العلم يؤلفون الكتب مترتبة بعضها على بعض، حتى لا يبدأ طالب العلم بالفقه العالي، أو بالكتب العالية في العقيدة، مثلاً ابن قدامة المقدسي رحمه الله كان فقيهاً ومعلماً في نفس الوقت، لذا ألف في الفقه أربعة كتب، وجعلها على شكل سنوات دراسية، فأول متن ألفه هو عمدة الفقه، حصره في رواية واحدة من روايات الإمام أحمد فيما يتعلق بالمسائل الفقهية. والكتاب الذي فوقه المقنع، جاء فيه بروايتين. ثم كتاب الكافي، وجاء فيه بأكثر من رواية، ويرجح فيه بين هذه الروايات. ثم الكتاب العالي هو المغني، وهو يجمع مع مذهب الإمام أحمد مجموعة أخرى من المذاهب، ويناقش الأدلة والمسائل، ويرجح ما يراه، وقد يذكر فروعاً دقيقة وغامضة، وأمثلة متعددة، ويبين أنها مبنية على أصل واحد، بهذه الطريقة يستطيع طالب العلم أن يستفيد. لو أراد أن يبدأ بالمغني دفعة واحدة لن يستفيد، ولو أراد أنه في شهر واحد ينتهي من عمدة الفقه، وفي الشهر الثاني ينتهي من المقنع، وفي الشهر الثالث من الكافي، وفي الشهر الرابع من المغني، لن يستفيد، لماذا العجلة؟ أهم شيء هو أن يتقن الإنسان، ويستمر في عملية طلب العلم، ويستمر أيضاً في المراجعة بشكل دائم، بهذه الطريقة يستفيد طالب العلم. أما أن يدرس المسائل الكثيرة والمتعددة دفعة واحدة، فإنه لن يستفيد كثيراً.

أمور لا بد لطالب العلم من مراعاتها في كل فن يطلبه

أمور لا بد لطالب العلم من مراعاتها في كل فن يطلبه قال: [وعليه فلابد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي وحده، وآخذاً الطلب بالتدرج، قال الله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} [الإسراء:106]]. من حكم نزول القرآن مفرقًا: التفهم، وإدراك معانيه بشكل جيد. قال: [وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:32]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة:121]. فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه: الأول: حفظ مختصر فيه. الثاني: ضبطه على شيخ متقن]. (حفظ مختصر فيه) افترض أنك تريد أن تدرس كتاباً من كتب العقيدة، فبدأت بالواسطية، فينبغي أن تحفظ الواسطية، هل تحفظها قبل أن تبدأ في الدرس؟ هذا لا شك أنه أمر مستحسن، حتى إذا قرأت النص في الدرس كنت تعرفه معرفة جيدة، فإذا قرئ مرة أخرى، فإن الفائدة التي ستستفيدها ستكون أكبر؛ لأن الإنسان عندما يقرأ كتاباً لمرة واحدة يستفيد منه فوائد، وتفوت عليه أشياء، فإذا قرأه للمرة الثانية سيستدرك فوائد أخرى لم يكن استفادها من قبل، وتفوت عليه أشياء، وهكذا في كل مرة سيستفيد أكثر. إذاً خذ مختصراً من المختصرات في أي علم من العلوم التي سوف تدرسها سواء في العقيدة أو الفقه أو النحو أو أي باب من الأبواب، ثم احفظ المختصر فيه. ثم بعد أن تحفظ المختصر تضبطه على شيخ متقن؛ لأن قراءتك له قد تكون غير سليمة وغير صحيحة، لكن عندما تضبط كتابك فإنك حينئذ ستكون قد أصلحت ما فيه من الخطأ. ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يكون له كتاب في أي علم من العلوم يستمر معه، نحن مع الأسف إذا سمعنا أن هناك درساً مثلاً في كتاب لمعة الاعتقاد أخذنا نسخة، ثم إذا سمعنا عن درس آخر في اللمعة بعد سنة أو سنتين نأخذ نسخة جديدة، لماذا لا تكون لك نسخة محددة تضبطها بشكل دائم من ناحية الإعراب والنطق، على شخص متخصص متقن يعرف المواد من الكلمات. قال: [الثالث: عدم الاشتغال بالمطولات، وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله]. نعم، لابد أن تضبط الأصل قبل أن تقرأ في الفروع؛ لأنك إذا اشتغلت بالقراءة في الفروع ستخرج لديك معلومات متناثرة غير محققة وغير دقيقة، وستصبح مثقفاً لكن لن تصبح طالب علم، فضلاً عن أن تصبح عالماً؛ لأن طالب العلم هو المتخصص المتقن للشيء الذي يتكلم فيه، أما المثقف فهو الذي لديه معلومات يمكن أن يتكلم في أي شيء من الأشياء لكن بكلام عام غير دقيق، ولهذا قد يخبط بعض المسائل في بعض. قال: [الرابع: لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر]. والضجر لا يليق بطالب العلم؛ لأن طالب العلم الضجر هو الذي يتنقل من الكتب والدروس والقراءة، وهذا لن يصل إلى مبتغاه. قال: [الخامس: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية]. كل باب من الأبواب فيه ضوابط وقواعد وأصول، وتجد أن هذه القواعد والضوابط مكررة، فإذا ضبطتها وحفظتها وأتقنتها، ستنفعك في كل الكتب التي تواجهك في نفس الموضوع. مثلاً: باب الصفات فيه قواعد محددة، وضوابط معينة، إذا أتقنتها فأي كتاب من كتب الصفات يمر عليك لابد أن ترجع هذه الفروع إليها، مثل: كلامنا عن أقسام الصفات، الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، والضابط لكل صفة من هذه الصفات، والقاعدة في الجمع بين الإثبات ونفي التشبيه، ومعنى هذه القاعدة، والضابط في موضوع التشبيه، والكلام على القدر المشترك، وضبط القدر المشترك، ومعناه، وبعض الأحيان تكون صفة واحدة مجموع فيها ضوابط وقواعد، مثل: صفة كلام الله عز وجل، فيها قواعد خاصة، مثل حقيقة كلام الله سبحانه وتعالى، وهل هو اللفظ أو المعنى؟ ومعنى: إثبات كلام الله عز وجل، وأنه بحرف وصوت، وأدلة هذا. هذه أشياء تتكرر معك في كل باب من الأبواب التي تواجهها في كتب العقيدة، ستجدها في الطحاوية والسفارينية والأسماء والصفات للبيهقي، وأنت بحاجة إليها مستمرة ودائمة، فاقتناص الضوابط والقواعد من حذق طالب العلم وذكائه وفهمه، فينبغي الاهتمام بهذه القضية. قال: [السادس: جمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة. وكان من رأي ابن العربي المالكي ألا يخلط الطالب في التعليم بين علمين، وأن يقدم تعليم العربية والشعر والحساب، ثم ينتقل منه إلى القرآن، لكن تعقبه ابن خلدون: بأن العوائد لا تساعد على هذا، وأن المقدم هو دراسة القرآن الكريم وحفظه؛ لأن الولد ما دام في الحجر ينقاد للحكم، فإذا تجاوز البلوغ صعب جبره. أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط].

وجوب الإيمان بالقدر

وجوب الإيمان بالقدر باب القدر في الحقيقة هو جزء من أبواب الصفات؛ فعندما تأملنا لمراتب القدر الأساسية التي من آمن بها فقد آمن بالقدر بصورته الصحيحة، نجد أنها كلها راجعة إلى صفات الله سبحانه وتعالى، فالقدر هو فعل الله عز وجل في الخلق. لكن أهل العلم أفردوه بالتأليف وبالكلام، وجعلوه باباً مستقلاً؛ لكثرة الخلط الذي وقع في هذا الباب العظيم من أبواب الدين. والقدر ورد وجوب الإيمان به في القرآن الكريم، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإيمان به، وأشهر حديث في ذلك هو حديث جبريل الطويل، عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، وأشراط الساعة، فكان مما أجابه به عن الإيمان أن قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره). بل إن سبب حديث جبريل هو ظهور طائفة في البصرة تنكر القدر، فأصل الحديث: هو أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري جاءا من البصرة حاجين، فلما كانا في يوم عرفة التقيا بـ عبد الله بن عمر قال: فاكتنفته أنا وصاحبي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إنه ظهر قبلنا قوم يتقفرون العلم -يعني: يدعون العلم ويشتغلون به- يقولون: إنه لا قدر، وإن الأمر أنف، يعني: الأمر محدث، وأن العبد يفعل فعله بدون قدر من الله، وبدون علم من الله وهذا يدل على أن بدعة القدرية ظهرت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم. فتبرأ منهم هذا الصحابي، وقال: أخبروهم: أنني براء منهم، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً لم يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم ساق لهم حديث جبريل عن والده عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد).

الإيمان بالقدر وما يدخل فيه

الإيمان بالقدر وما يدخل فيه الإيمان بالقدر ركن أساسي من أركان الإيمان، ومعنى الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بأربعة قضايا وأصول: الأصل الأول: أن يؤمن بعلم الله الشامل المحيط بكل شيء، بما في ذلك أفعال العباد وتصرفاتهم. الأصل الثاني: أن يؤمن بمشيئة الله عز وجل العامة الشاملة لكل شيء، وأنه لا يمكن أن يخرج شيء من الأشياء عن مشيئة الله سبحانه وتعالى. الأصل الثالث: أن يؤمن بكتابة الله عز وجل لمقادير العباد، وأن الله عز وجل قد كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن الله عز وجل علم منازل وأعمال وتصرفات العباد، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ عنده. الأصل الرابع: هي أن يؤمن أن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى. هذه الأصول الأربعة لابد من الإيمان بها، فإذا آمن بها فإنه يكون سنياً على الجادة، وإن لم يؤمن بها فإنه يكون مبتدعاً ضالاً بحسب إنكاره أو تأويله لأحد هذه الأصول. والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من البحث في القدر بغير المنهاج الشرعي، ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فوجدهم يتكلمون في القدر، وبعضهم ينزع بآية، وبعضهم ينزع بآية أخرى، غضب عليه الصلاة والسلام، واحمر وجهه كأنما فقئ فيه حب الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم، أن تضربوا كلام الله بعضه ببعض؟)، فنهاهم صلى الله عليه وسلم. ونهيه صلى الله عليه وسلم ليس عن الكلام في القدر كعلم، وكباب من أبواب الدين لا ينبغي الحديث عنه، وإنما نهاهم عن الطريقة التي اتبعوها في ذلك، وهي أن يضربوا كلام الله عز وجل بعضه ببعض، ويتصوروا أن بعضه مخالف لبعض، وهو ليس كذلك. الصورة المجملة للإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قبل أن يخلق العباد، وقبل أن يخلق السماوات والأرض كان يعلم أنه سيخلق الناس، ويعلم ماذا سيعملون، ويعلم على أي شيء سيموتون، وعلى أي شيء سيبعثون، وفي أي منزل سيكونون في الجنة أو النار. وفي الوقت نفسه خلق في الإنسان قدرة وإرادة، فهو يريد ما يشاء، وبقدرته يستطيع أن يفعل ما يشاء، فالإنسان من حيث القدرة والإرادة مختار ولا جبر عليه، ولهذا يقسم العلماء موضوع الجبر إلى قسمين. والحقيقة أن أهل العلم ينهون عن كلمة الجبر؛ لأن كلمة الجبر يفهم منها: أن الله عز وجل جبر العباد على شيء لا يريدونه، لكنهم يسمونه الجبل -باللام- كما ورد في حديث أشج عبد القيس عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة قال: يا رسول الله! أشيء جبلني الله عليه أم شيء مني؟ قال: بل جبلك الله عليه -خلقك الله كذلك- قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب).

أقسام العباد في أفعالهم

أقسام العباد في أفعالهم أفعال العباد تنقسم إلى قسمين: قسم ليس لهم فيه اختيار، وقسم لهم فيه اختيار. القسم الذي ليس لهم فيه اختيار، مثل: ألوانهم، وآبائهم، وأمهاتهم، وما يتعلق بالزمان الذي ولدوا فيه، فأنت غير مخير في لونك وأبيك وأمك وفي الزمان الذي ولدت فيه. فهذه القضايا ليس فيها اختيار، لكن في نفس الوقت لم يرتب عليها ثواب ولا عقاب في ذاتهم، فلا يعاقبك لأنك أبيض، أو أشقر، أو أسود، أو قصير أو طويل، أو لأنك في البلد الفلاني، أو لأنك ولدت في القرن العشرين؛ لأن هذا ليس من اختيارك أبداً. وهناك قسم آخر للعبد فيه اختيار وإرادة وقدرة، وهو ما يسمى: الأعمال الاختيارية، وهي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، فالإنسان قادر على الطاعة، وقادر أيضاً على العصيان، وهذا شيء يشعر به الإنسان في نفسه، وأخبر الله عز وجل عنه.

الجمع بين اختيار العبد وما كتب عليه

الجمع بين اختيار العبد وما كتب عليه كيف يمكن لنا أن نجمع بين أن الإنسان قادر على أن يفعل ما يريد ويختار ما يشاء، وبين أن الله عز وجل عالم بأعماله وقد كتبها عليه؟ يعني: أنا وأنت الآن مكتوب على كل واحد منا هل هو شقي أم سعيد قبل أن تخلق السماوات والأرض، ومكتوب أن فلان بن فلان سيعمل كذا وكذا، ويموت على كذا، ويكون من أهل الجنة أو من أهل النار. فكيف نجمع بين الاختيار وبين ما كتبه الله عز وجل؟ نقول: ليس هناك أي تعارض في هذا الأمر، فما كتبه الله عز وجل ناتج عن علمه؛ فعلمه ليس كعلمي وعلمك، فأنت لا تعلم ماذا سأعمل غداً، لكن الله يعلم ذلك، فهل الله عز وجل عندما علم أحوال العباد وماذا سيختارون فكتب ذلك هل يعني هذا أنه جبر أحداً؟ لا. لم يجبر أحداً سبحانه وتعالى، لكنه علم ماذا سيختار. نحن بإمكاننا أن نصلي الفجر ثم نرجع إلى بيوتنا مرة أخرى، ولن تجد ملائكة تقف بوجهك على الأبواب، تقول لك: لا تدخل لأن الله كتب عليك أنك من أهل النار. لكن هذا الاختيار الذي أنت ستفعله بالصلاة أو بترك الصلاة علمه الله قبل ذلك فكتبه؛ وعندما كتب ذلك هل ألزمك أو جبرك على ذلك وأنت لا تريد؟ لا. فالإنسان الذي يذهب إلى الزنا قادر على أن يبتعد عنه، وقادر على أن يذهب إليه، فبعض الناس يقول: إذا زنيت أليس الله قد كتبها علي قبل ذلك؟ نقول: إذا زنيت وانتهى الموضوع صح قولك، ويكون كتبها الله عليك قبل ذلك، قال: إذاً جبرني؟ كيف جبرك؟! بل أنت الذي اخترت هذا الأمر، لكن علمه القديم سبحانه وتعالى والواسع يشمل ما ستفعله، وما ستموت عليه، بل يشمل ما هو أوسع من ذلك؛ لأن علمه شامل لاختيارات الناس، وهو الذي كتبه في اللوح المحفوظ، فما كتبه في اللوح المحفوظ ليس معناه أن العبد يريد خلاف هذا الشيء، وكتب عليه هذا الأمر جبراً له، فنحن نعرف من واقعنا وسلوكنا وحياتنا أنه ليس هناك أحد يمنعك عن الطاعة إذا أعجبتك؛ فالأنبياء مثلاً إذا أعجبتنا تصرفاتهم نستطيع أن نقتدي بهم. إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه تكن مثلما يعجبك. فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك إذا جئت إلى الأعمال الصالحة هل ستجد حجاباً يمنعونك منها؟ لن تجد، وكذلك إذا أردت الفساد والانحراف والعياذ بالله. ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (ناظروا القدرية بالعلم، فإن أجابوا خصموا، وإن أنكروا كفروا). القدرية لم يفهموا موضوع علم الله عز وجل الشامل، فأنكروا الكتابة، وقالوا: ليس هناك قدر، والأمر أنف، وليس هناك شيء مكتوب، وهذا غير صحيح؛ لأنهم أولاً لا يؤمنون بالنصوص، وهذا في حد ذاته قدح عظيم جداً؛ لأن النصوص الشرعية دلت على الكتابة، وعلى غير هذه الأمور. وثانياً: أنهم لم يدركوا كيفية الجمع بين اختيار الإنسان الذي هو واقع ويشعر به الإنسان، وبين الأخبار الشرعية بأن الله كتب هذه الأشياء. لذا قال الشافعي رحمه الله: (ناظروا القدرية بالعلم) يعني: هؤلاء الذين أنكروا القدر ناقشوهم بصفة العلم، قولوا لهم: هل تؤمنون بعلم الله عز وجل الشامل؟ فإن قالوا: نعم نؤمن بعلم الله الشامل (خصموا)؛ لأن الكتابة فرع عن علمه الشامل، أي: كيف تنكر كتابته وتثبت علمه فتجمع بين المتناقضات؟ قال: (وإن أنكروا كفروا) يعني: إذا أنكروا صفة العلم وقعوا في الكفر، وقد أجمع العلماء على أن من أنكر أن الله عز وجل عالم فهو كافر؛ لأنه أنكر صفة من صفات الله عز وجل الأساسية التي يؤمن بها كل الناس، واتهم الله بالجهل، والعياذ بالله! ولهذا كان السلف يكفرون أوائل القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، ولا يعلم أفعال العباد إلا بعد أن تقع، لكن هذه الطائفة انقرضت، والمتأخرون منهم أثبتوا صفة العلم ونفوا الكتابة؛ لأنهم ظنوا أن الكتابة فيها إلزام للخلق بما لا يريدون، وهذا فهم فاسد، فإن الكتابة فرع عن العلم، وليس فيها إلزام للإنسان إلا بما يختاره، فإذا اختاره فهو نتيجة ما كتبه الله عز وجل عليه.

الإيمان بمشيئة الله عز وجل وإرادته الكونية العامة

الإيمان بمشيئة الله عز وجل وإرادته الكونية العامة إن الله عز وجل لا يكون في خلقه إلا ما يريد، ولا يمكن أن يفعل العبد فعلاً -حتى لو كان من اختياره- إلا بعد إرادة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، فلا يمكن للعبد أن يختار أمراً إلا بعد مشيئة الله عز وجل لذلك، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى. وإرادة الله تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية، والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية معناها الإرادة العامة الشاملة لجميع أحوال الناس، فلا يمكن أن يكون في حياة الناس شيء إلا بمشيئة الله، سواء رضي الله عنه أو لم يرضه، فالكفر والشرك حاصلان بمشيئة الله، والطاعة والإيمان حاصلان بمشيئة الله، وظلم الظالمين وعدل العادلين حاصلان بمشيئة الله. لكن قد يقول قائل: لماذا يشاء الله هذه الأمور السيئة مثل الظلم، والكفر، والعدوان، ووجود الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء؟ و A من أجل الاختبار والابتلاء، فالله عز وجل قدر أن النوع الإنساني يكون في هذه الأرض مختبراً، يبتليه عز وجل بأشياء متعددة، ويأمره بأوامر، ويرسل إليه الرسل، فإن أطاع فإنه يدخل الجنة ثواباً، وإن عصى فإنه يدخل النار عقاباً. والثواب والعقاب والجنة والنار لا تحصل إلا نتيجة اختبار، فالله عز وجل اختبر العباد، وجعل لهم أموراً معينة تنقذهم من الهلكة: الأمر الأول الفطرة الطيبة التي تدعو الإنسان إلى التأله والحاجة لله عز وجل. والأمر الثاني: إرسال الرسل. والأمر الثالث: قوله (إن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق). الأمر الرابع: أنه في حياة الإنسان وفي نفسه ما يدله على الخير، كما قال الله عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. والأمر الخامس: أن الله عز وجل خلق له عقلاً يستطيع أن يتفهم به الأمر الصالح من الأمر السيئ، وأن يتفهم ما ينفعه مما لا ينفعه، مع جعل النفس ترغب وتنشرح وتطمئن وتنساق إلى الأمر الذي فيه منفعة للإنسان، وتنزعج وتشعر بالهم والتعاسة من الشيء الذي لا يوافق دين الله سبحانه وتعالى. هذه أمور معينة للعبد، هناك أيضاً أمور خطيرة بالنسبة للعبد، مثل الشهوات التي تدفع الإنسان للمعصية، مثل شهوة الجنس، وطلب الفاحشة وشهوة حب المال والجاه، والرياء وغيرها من الشهوات. وخلق أيضاً الكفر والفسوق والعصيان، وخلق الشيطان الذي يزين له المعصية، كما حصل لـ أبي العلاء المعري، فقد كان رجلاً أعمى وكان يحب الزنا كما يذكر من ترجم عنه -فيقال: إنه جيء له بزوجته، فبعد أن فرغ منها قالت له: أنا فلانة، فقال لها: ما أقبحك حلالاً وما أحلاك حراماً! يعني: ما أحلى الحرام، وما أقبح الحلال! فالشيطان يزين المعصية للإنسان. وهناك عدة قضايا جعلها الله اختباراً للإنسان، فالإنسان في هذه الحياة بين هذه الأمور جميعاً في حالة اختبار ولم يظلمه الله عز وجل بل أرسل إليه الرسل، ونصب العلامات الدالة عليهم وهناك من الأدلة العقلية المقنعة ما يمكن للإنسان أن يستفيد منها، فإذا انحرف الإنسان فإنه يتحمل مسئولية نفسه؛ لأنه هو الذي اختار هذا الدرب وهذا الطريق بمحض مشيئته واختياره، دون جبر من الله سبحانه وتعالى. لكن لا يمكن للعبد أن يفعل الكفر إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل الحرام إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل أي أمر من الأمور إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ هذا النوع الأول من المشيئة.

الإيمان بالإرادة الشرعية

الإيمان بالإرادة الشرعية معنى الإرادة الشرعية: أن الله عز وجل أراد من العباد أن يطيعوه، ويعبدوه، ويفردوه بالتوحيد، ويطيعوا المرسلين، ويلتزموا بأوامره، ويجاهدوا الكافرين، ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويصلحوا أنفسهم وأهليهم وأبناءهم، ويجتهدوا في ذلك. والإرادة الشرعية قد تحصل وقد لا تحصل؛ ولهذا قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7] هذا معنى الإرادة الشرعية مع أنه لا يمكن أن يقع الكفر إلا بإرادة الله عز وجل الكونية العامة.

الإيمان بالكتابة للمقادير

الإيمان بالكتابة للمقادير كتب الله عز وجل مقادير العباد جميعاً أولاً في اللوح المحفوظ، ثم في كل سنة. هذا التقدير يسمونه التقدير الكوني أو العام. والنوع الثاني: التقدير العمري، يعني: لا يولد الإنسان إلا وله تقدير معين، ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن المولود إذا بلغ ثلاثة أشهر، ونفخ فيه الروح، جاءه ملك فقال: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب عمره، ورزقه، وشقي أو سعيد، هذا هو التقدير العمري. ثم في كل سنة من السنوات يكون هناك تقدير حولي أو سنوي، وهذا يكون في ليلة القدر {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]، ففي هذه الليلة يحصل تقدير للعباد. وأيضاً: الملائكة الذين وكلهم الله عز وجل بتنفيذ أوامره فيما يتعلق بالعباد لديهم كتب مكتوب فيها ما سيحصل للإنسان، وينفذون ذلك بشكل تفصيلي على الناس. وما يحصل من التبديل والتغيير -كما ورد في بعض النصوص- إنما يكون في صحف الملائكة، وأما التقدير العام فلا يتغير؛ لأنه علم الله عز وجل الشامل لكل شيء.

الإيمان بأن الله خالق أفعال العباد

الإيمان بأن الله خالق أفعال العباد أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، سواء الأفعال الحسنة أو السيئة، فلا يفعل العبد الفعل إلا بخلق الله عز وجل لذلك الفعل. والفعل في حقيقته يتكون من إرادة وقدرة، فإذا تخلف واحد من هذين يتخلف الفعل، مثلاً: أنا أريد أن أخذ منديلاً واحداً من هذه المناديل، فهذا فعل لابد فيه من إرادة، ولابد فيه من قدرة، لو تخلفت الإرادة هل سآخذ؟ لا؛ لأني ما أردت، لكن لو أردت وأنا لا أقدر لأي سبب من الأسباب، هل يكون الفعل؟ لا يكون الفعل إلا باجتماع الأمرين: إرادة وقدرة، وهذه خلقها الله عز وجل في الإنسان، وما ينتج عنها مخلوق لله عز وجل؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. فالله عز وجل خالق كل عبد وصنعته، فهو سبحانه وتعالى خالق العبد، وما ينتج عن العبد من أفعال أو أقوال أو تصرفات، وما نتج عن مخلوق فهو مخلوق. لكن هناك Q هل إرادة الإنسان وقدرته على الفعل إرادة وقدرة مستقلة، يعني: بدون إرادة وقدرة من الله سبحانه وتعالى؟ A لا، لابد أن يكون هناك إذن من الله عز وجل. إذاً إثباتنا لقدرة العبد واختياره ومشيئته لا يدل على أن العبد مختار استقلالاً عن الله عز وجل، إذاً نفهم قاعدة الأسباب؛ أن الأسباب موجودة، وهي ليست مستقلة عن الله عز وجل. المطر ينزل من السماء فتنبت الأرض، فسبب النبات هو المطر، وهل هذا المطر خلق النبات؟ لا، لكن كان سبباً فيه، وذلك أن الله عز وجل جعل في الكون عللاً وغايات وأسباباً، وهذه الأسباب جعل الله عز وجل فيها خاصية معينة ينتج عنها المسبب، فالمطر جعل فيه خاصية إنبات الزرع، هذه الخاصية المعينة خلقها الله عز وجل، فالذي خلقها قادر على تعطيلها، وقادر على أن ينزل المطر فلا تنبت الأرض، وقادر على أن ينزل المطر فتنبت الأرض. فهكذا أفعال الناس، وهكذا أيضاً كل سبب من الأسباب؛ فإنه من جهة يعتبر سبباً حقيقياً مؤثراً، لكن تأثيره ليس تأثيراً استقلالياً، بل هو تابع لإرادة الله عز وجل وقدرته، وإذا شاء الله عز وجل فإنه يعطل هذه الأسباب. فمثلاً النار التي أعدها النمرود لإبراهيم عليه السلام، أليس من طبيعتها وخاصيتها الإحراق؟ بلى لكن الذي خلق فيها هذه الطبيعة وهذه الخاصية سلب منها ذلك لما ألقي فيها إبراهيم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]، فكانت هذه النار برداً وسلاماً على إبراهيم، فلم يشعر بالحرارة، ولا بالحرق، بل كانت برداً وسلاماً، مع أن الطائر كان إذا جاء من فوقها يحترق من شدة لهيبها. وأيضاً السكين أليس من طبيعتها القطع؟ وهذه خاصية من خصائصها، فكذلك عندما أراد إبراهيم أن يذبح ولده، سلب الله عز وجل هذه الخاصية، فلم يحصل الذبح بها. لكن الأصل أن الأسباب مؤثرة، ثم قد يسلبها الله عز وجل إذا شاء، وهذا يدل على أن تأثير الأسباب في المسببات ليست تأثيراً استقلالياً، بل هي تابعة لإرادة الله عز وجل. هذا التأصيل هو عبارة عن شرح لعقيدة أهل السنة والجماعة، أو للجزء الأساسي لموضوع القدر الذي في عقيدة أهل السنة والجماعة، وهناك مسائل متفرقة قد لا تعنينا الآن، لكن الذي يعنينا هو ما ذكرنا، ولو رجعنا إلى كتاب القدر في صحيح البخاري سنجد أن كل نص من النصوص يعود إلى أصل من هذه الأصول المذكورة.

الاحتجاج بالقدر

الاحتجاج بالقدر قصة احتجاج آدم وموسى، وقوله له: (خيبتنا وأخرجتنا من الجنة) يقول: نحن كنا في الأصل في الجنة، لو أنك بقيت في الجنة لبقيت ذريتك، فكأنه ينتقد آدم بسبب المعصية التي حصلت منه. فرد عليه آدم وذكر له أن الله عز وجل أعطاه التوراة، وخطها له بيمينه، قال: (ألم تقرأ فيها أن الله كتب علي ذلك قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) يعني: أن آدم غلب موسى؛ لأن آدم بين لموسى أن هذا أمر مقدر ومكتوب عليه قبل أن يخلق، ففيه إثبات القدر والكتابة، وبين أن له عذره في ذلك، وهو يحتج بالقدر هنا على المصائب، وهذه قاعدة عند أهل السنة، أن الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب لا على المعائب. والضابط في هذا هو توقيت الاحتجاج، فإذا كان الاحتجاج على المعصية قبل فعلها فهذا احتجاج بالقدر على المعائب لا يجوز. أما إذا وقعت منه ثم ندم وتاب فإنها تعتبر بالنسبة له مصيبة؛ لأنها صارت تاريخاً. مثلاً: إنسان هذه الليلة حصل منه أنه سب، والسب معصية، وقبل أن يسب بين لنا أنه يريد أن يسب، فقلنا له: اتق الله عز وجل، فقال: هذا مكتوب علي، نقول له: كيف عرفت أنه مكتوب عليك. هذا الاحتجاج احتجاج فاسد، وليس احتجاجاً بالقدر؛ لأنك لم تفعل بعد ولأنه ادعى أنه مكتوب عليه، وهذا ادعاء لشيء لا يعرفه! لكن لو فرضنا أن إنساناً لم يحتج بالقدر، فحصل أن سب، ثم بعد أن سب ندم، وبعد أن ندم احتج بالقدر، قال: هذا أمر قدره الله علي، فأنا أتوب إلى الله عز وجل منه. فهذا احتجاج صحيح؛ لأنه يحتج على الماضي لا على المستقبل، ويحتج على أمر كان منه، ولا يحتج على أمر سيكون منه، واحتج على أمر ندم عليه، ولم يحتج على شيء سيفعله. من أشد الشبه تهافتاً شبه الذين يحتجون بالقدر على الذنوب؛ لأنهم من أشد الناس تناقضاً، فهو لا يحتج بالقدر في الأمور الطبيعية، فإذا سرق ماله يطالب به، وإذا ضربه أحد يضاربه، وإذا أخذ حقه يشتكي. ولهذا يروى أن عمر بن الخطاب جاءه سارق وقال: سرقت بقدر الله، قال: نقطع يدك بقدر الله، فكلها بقدر الله. ويروى -كما ذكر ابن تيمية في العبودية- أن عبد القادر الجيلاني قال: انفتحت لي روزنة -يعني: باباً أو فتحة -أشاهد منها في القدر، فنحن نقاوم قدر الله بقدر الله، يعني: كما أن الله عز وجل قدر هذه المعاصي والذنوب، فنحن نقاومها بقدر الله عز وجل، وهو أن ندفعها عن أنفسنا، وهذا من الفقه، ومن العلم بالشرع. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العجز والكيس بقدر الله)، يعني: بعض الناس عاجز، تقول: ابحث عن عمل، يقول لك: لم أجد، هل بحثت؟ قال: لا. ولو بحثت فلن أجد، كيف عرفت؟ قال: أتوقع ذلك، فهذا العجز بقدر الله. وآخر فطن ذكي يبحث عن مصالحه، ويستطيع أن يصل إلى مصالحه، فهذا انتفع، والجميع بقدر الله سبحانه وتعالى، حتى العجز والكيس بقدر الله سبحانه وتعالى. ولهذا ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً كبيراً سماه: شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل. وهناك رسالة لـ شيخ الإسلام رحمه الله عن الاحتجاج بالقدر يحسن الرجوع لها، وهناك كتب قديمة كتبها السلف الأولون فيما يتعلق بالقدر، فقد كتب عبد الله بن وهب كتاب القدر، وكتب الفريابي كتاب القدر، وأيضاً في كتب العقيدة المسندة، مثل شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ففيها أبواب مستقلة في القدر، وكذلك الشريعة للآجري، والإبانة لـ ابن بطة وغيرها من الكتب القديمة هذا ما يتعلق بهذه المسألة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أهل الفترة

حكم أهل الفترة Q كيف نرد على من يقول بأن المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد عيسى قد جبروا على الشرك؛ لأنهم وجدوا آباءهم مشركين، ولم يكن لديهم رسول أو كتاب حتى تقام عليهم الحجة من الله سبحانه وتعالى؟ A ليس هناك أحد مجبور، وهؤلاء الذين كانوا في هذه الفترة ليسوا مجبورين على أفعالهم، وهم أنواع: نوع منهم اتبع الأنبياء، ولم يقبل عقائد المشركين. ونوع قبل التغييرات التي أحدثها بعض المشركين. فهم كانوا يعرفون أن هذا البيت لله، وأن الذي بناه إبراهيم، وأن الحنيفية ملة إبراهيم، ومع هذا يشركون في عبادة الله عز وجل، وهكذا كان النصارى واليهود يحرفون كتابهم، وكان منهم طوائف مسلمون لكنهم قلة، حتى أن بعضهم حصرهم في طائفة واحدة، وهم أتباع آريوس الذي كان من دعاة التوحيد لكنه حورب من الدولة الرومانية في تلك الفترة. والتحقيق في شأن أهل الفترة: أنهم يوم القيامة يختبرون، كما ثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث يضعفه بعض العلماء لكنه بمجموع الطرق يكون حسنًا، وهو: أن الله عز وجل يخرج لهم يوم القيامة عنقًا من نار، ثم يأمرهم بالدخول فيها، فمن دخل فيها طاعة لله عز وجل فإنه يدخل الجنة، ومن عصاه وأبى الدخول فيها فإنه يكون من أهل النار، وهذا هو التكليف الذي أراده الله عز وجل لهم، وهذا من حكمته سبحانه وتعالى.

معرفة الملائكة للخالص من الأعمال من غيرها

معرفة الملائكة للخالص من الأعمال من غيرها Q هل الملائكة يعلمون عند كتابهم للطاعة أنها خالصة لله أم غير ذلك؟ A نعم، عندما يكتب الملك عملك الظاهر، أو نطق لسانك أو إرادتك القلبية يعلم به، وقد جعل الله عز وجل للملائكة الذين يكتبون الأعمال القدرة على معرفة هذا الأمر وكتابته.

العمل في المقدر

العمل في المقدر Q هل يستطيع الإنسان أن يغير قدره؟ A هل تقصد أنه يصعد إلى السماء ويمسح الذي في اللوح المحفوظ، ويكتب شيئاً جديداً؟ فهذا لا يمكن، وكيف يغير قدره؟ وما أدراك عن قدرك؟ القدر بالنسبة لك سر لا تعرفه، ولهذا قال العلماء: القدر سر الله في خلقه، وأنت لا تدري، ولست مطالباً في الشرع أن تعرف هل أنت مكتوب مسلماً أم لا؟ ولا يعاقبك الله يوم القيامة إذا لم تعرف، فهذا أمر ليس في حدود قدرتك. لكن هناك شيء تستطيعه أنت، وهو أن تلتزم بطاعة الله، وتخاف أن يكون مكتوباً عليك أنك من أهل النار، فتعمل الطاعة وتجتهد، وأنت قادر على أن تعمل الطاعة. فأنت لا تشغل نفسك بما لا ينفعك، بل تشغل نفسك بما ينفعك، ولهذا الصحابة رضوان الله عليهم عندما سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم في القدر، قالوا له: (يا رسول الله! أنعمل في شيء مضى وانقضى أم فيما يستقبل؟ قال: بل في شيء مضى وانقضى -يعني: مكتوب عليك- قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فأمرهم بالعمل، فأنت إذا عملت الطاعة ستيسر لك الطاعة، وأما إذا عملت المعصية؛ فإنها ستجرك إلى معصية أخرى، وستقع في المنكر، فينبغي إدراك هذه القضية.

حكم الاعتماد على الرؤى لإنشاء أحكام شرعية

حكم الاعتماد على الرؤى لإنشاء أحكام شرعية Q سمعت من أحد الشباب: أن امرأة رأت في المنام أنها ولدت، وولدها كان يرضع من القمر، وسألت مفسر الأحلام فاستحلفها على ذلك فأجابها بقوله: إن المهدي ولد؟ A كثير من الناس مع الأسف يبني أشياء في الشريعة على رؤى وأحلام. أولاً: قد يكون هذا من حديث الشيطان مع هذه المرأة، فكيف يدعي أن المهدي ولد؟ هل مجرد أن هذه المرأة رأت طفلاً يرضع من القمر يثبت ذلك، ربما يفسرها مفسر آخر بأن هذا الطفل سيخرج عالماً في القرآن؛ لأن القمر هو عبارة عن نور، والله عز وجل وصف القرآن بأنه نور، فكونه يرضع منه فهو يقبل هذا النور ويصير عالماً، ما المانع أن يكون هذا هو التفسير؟ لماذا يحدد تفسيراً معيناً، هل جاءه ملك من السماء وأخبره أن التفسير هو كذا؟ هذه اجتهادات، والاجتهادات لا يصلح للإنسان أن يتخذها منهجاً. وبعض الخرافيين أصبحوا الآن يرددون، يقول أحدهم: أنا عندي مائة رؤيا على أن المهدي سيولد، بل بعضهم يحدد ويقول: سقوط هذه الدولة سيكون في الوقت الفلاني، وسقوط هذه الأمة سيكون في الوقت الفلاني، والمهدي سيخرج بعد أربعة أشهر. وفي عام ألف وأربعمائة ظهر مجموعة من الشباب اشتغلوا بهذه القضية، فأخرجوا لنا رجلاً اسمه عبد الله القحطاني، وادعوا أنه المهدي وبنوا على رؤى، وجاءوا به إلى الحرم مسلحين وادعوا له المهدية، وأمروا بإغلاق الأبواب، وأصبحت مأساة في تاريخنا مع الأسف، وأصبحت مصيبة من المصائب، لماذا صارت مأساة؟ لأنهم قاتلوا في المسجد الحرام، في الشهر الحرام ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وحجب الناس عن الصلاة أكثر من خمسة عشر يوماً، وقاتلوا المسلمين وحصلت فتنة مبناها وأساسها فاسد، ولهذا خالفهم كبار علماء المسلمين في ذلك الوقت. فأقول: الذين يشتغلون بهذا الأمر بدءوا في طريق منحرف عن السنة، فإن هذه الرؤى هي عبارة عن أشياء مبشرة، والناس يختلفون في تأويلها، قد يجتهد فلان فيؤولها بمعنى، ويجتهد فلان فيؤولها بمعنى آخر، ويجتهد فلان ويؤولها بمعنى ثالث. أما أن يتخذها الإنسان منهجاً في حياته فهذا انحراف، بعض الناس الآن أصبح كل ليلة يرى رؤيا، مع أنه قبل سنتين ما كان يرى، لكن انقلب فكره وصار مهتماً بالرؤى فصار يراها، وتتلاعب به الشياطين. وبالذات قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما كان يرى رؤى، ولا كان يفكر فيها، ولا يخطر في باله أنه سوف يرى رؤى، لكن بعدما اهتم بهذا الجانب أصبح كلما نام يرى رؤيا، ثم يجمع الرؤى ويقول: أنا عندي عشر رؤى تدل على أن الوزير الفلاني سيموت عندي ثمانون رؤيا تدل على أن أمريكا ستسقط، ومعلوم أن كل دولة ظالمة تستمر فترة من الزمن بهذا الظلم والتعسف ثم تسقط، لكن بعض الأحيان يحددون: ستسقط بعد أربعة أشهر، وهؤلاء سينكشف أمرهم بعد أربعة أشهر، وإذا بهم طواغيت في كل مكان يذبحون خلق الله عز وجل، فيقال: أين رؤاك، قال: لا. هناك رؤى ثانية تدل على أن هذا بعد سنة، وهكذا. وهذا المنهج الرديء منهج مخالف للكتاب والسنة قطعاً؛ لأن الرؤى ليس لها قيمة في الشرع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن الرؤى ويجيب؛ لكن هل بنى حياته الدعوية أو السياسية أو الاجتماعية على الرؤى؟ لا. بل خاض غزوة بدر وغيرها من الغزوات بدون رؤى، وبنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دولة عملاقة ضخمة استطاعوا أن يسيطروا بها على العالم بأكمله بدون أي رؤى، وهل كان الصحابة رضوان الله عليهم يومياً -مثل بعض الناس- يرون رؤى بهذا الأسلوب؟ ما كانوا بهذه الطريقة. الشاهد: أن هذا الأسلوب هو الموضة الجديدة عند بعض الشباب مع الأسف، الرؤى ومعالجة المرضى عن طريق الجن المسلمين، وفي كل سنة تظهر لنا موضة، والمشكلة عندما يتبناها أشخاص كانوا يوماً من الأيام من الدعاة إلى الله عز وجل. لكن ينبغي على الإنسان أن يحمد الله سبحانه وتعالى على الالتزام بالسنة، والإنسان مهما يكن قد ينحرف عنها، سواء كان هذا الانحراف قليلاً أو كبيراً، لكن ينبغي أن يدرك الإنسان أن المنهاج الشرعي هو التعامل مع الكتاب والسنة. وقد أمرنا الله عز وجل أن نقاوم المنافقين والكافرين، وأن نجتهد في عمل الصالحات، وأن ندعو إلى الله، وأن نصلح المجتمع. ولم يأمرنا الله عز وجل في أي نص من النصوص بأن نجمع الرؤى؛ لنتكلم عن الغيب، كهذه الطريقة التي يسعون لها، واتخذوها منهجاً. هناك فرق بين من يتكلم في الرؤى مرة ومرتين وثلاثاً أو يتكلم بها في شيء عابر، وبين من يتخذها منهجاً، حتى صارت ديدناً له، يتكلم بها في كل وقت، لو يطلع معك في سيارة ويغفو قليلاً يرى رؤيا، لا يمكن أن ينام بدون رؤيا، ولا يمكن أن تكون هذه الرؤية شيئاً عادياً، فلا بد من مهدي يطلع، ودولة تسقط، وحاكم سيموت، والمسلمون سيبتلون ببلية، الرؤى كلها موضوعها محدود، إما سياسية أو تتعلق بأخبار الساعة كلها حسب اهتمامات الشخص، أو أن فلاناً من الدعاة إلى الله عز وجل سيصير حاكماً لدولة عظيمة أكبر من أمريكا، لماذا؟ لأنه يحدث نفسه بها، ويفكر في هذا الموضوع

حكم نظر المرأة للرجال

حكم نظر المرأة للرجال Q ما حكم مشاهدة المرأة للعلماء والدعاة الذين يظهرون في التلفاز؟ A ليس هناك شيء في مشاهدة المرأة، ويباح للمرأة أن تشاهد الرجال أو العلماء والصالحين الذين يظهرون سواء في التلفاز أو في أي مكان من الأماكن، بشرط: ألا تكون نظرتها إليهم بغرض حسنهم أو جمالهم، أو للفتنة بهم، وينبغي إذا نظرت إلى أحد ورأت فيه ما يدعو إلى الفتنة أن تصرف نظرها؛ لأن الله عز وجل أمر المرأة بغض البصر كما أمر الرجل بذلك. أما في الأصل العام، فلو رأت عالماً يفتي بدون أي شيء من هذه المحذورات، فليس هناك محظور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ النساء ومعه بلال، وكن ينظرن إليه وهن محجبات، فليس في ذلك شيء بإذن الله تعالى.

مراتب القدر مرتبة حسب الحدوث

مراتب القدر مرتبة حسب الحدوث Q نرجو ترتيب الأصول الأربعة للقدر حسب حدوثها وكونها صارت قدراً، بمعنى: هل تسبق الإرادة الكتابة والعلم، أم العلم قبل تلك؟ A أولاً: العلم، وثانياً: الكتابة، وثالثاً: الإرادة، ورابعاً: خلق أفعال العباد.

معنى قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)

معنى قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) Q يقول الله عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، كيف نفهم هذه الآية؟ A قال العلماء: إن المحو والإثبات يكون في صحف الملائكة، وليس في اللوح المحفوظ.

حكم تعليم الطفل اللغة الإنجليزية

حكم تعليم الطفل اللغة الإنجليزية Q أب يريد أن يعلم ابنه الذي في الصف الرابع اللغة الإنجليزية، إلى جانب حفظ القرآن، فما رأيك؟ A بدلاً من أن يعلمه اللغة الإنجليزية يعلمه ما ينفعه، يعني: اللغة الإنجليزية في هذه الفترة لا تعني هذا الطفل، بل إنها تشغل حيزاً من فكره بدون أي ثمرة ولا فائدة، والمفترض في الإنسان إذا كان عنده طفل أن يعلمه الأشياء الأساسية التي يحتاجها، مثل: القراءة، صحة القراءة، القرآن، اللغة العربية وأكثر الشباب لا يحسنها، فكيف نتعلم لغة أخرى ونحن لم نتعلم لغة ديننا ولغتنا الأساسية. فإذا كبر الولد ورأى أنه يدخل شركة من الشركات فيمكن أن يتعلم اللغة الإنجليزية، لماذا نريد أن نعلم أبناءنا منذ الصغر هذه اللغة، وخصوصاً أن اللغات مرتبطة بالثقافة. فربما يعجب بثقافة أمة من الأمم الكافرة، لكن الصحيح هو أن نشأة الولد الأولى تكون على الإيمان والتقوى، فيعلمه القرآن، ولغة العرب أولاً، ثم إذا كبر الولد فهو بحسب طبيعته وتوجهه، افترض أن هذا الولد يريد أن يتخصص في علوم القرآن، فلماذا تشغله أنت بتعلم الإنجليزي؟ قد لا يحتاجها في حياته العملية، افترض أنه بعدما كبر يريد أن يدخل مجالاً من المجالات التي يحتاج فيها اللغة، فيتعلم عند الحاجة، أي أن اللغة يتعلمها الإنسان عند الحاجة، وليست كجزء أساسي من كياننا، ولهذا فمن المقترحات الغريبة التي يطرحها بعض الناس تعليم الأطفال اللغة الإنجليزية، ويريدون تعميمها على كل المدارس، حتى في الشعاب والقرى، وهؤلاء لا يحتاجون هذا الأمر، ولا يريدونه ولا يعرفونه، تجد الطفل الصغير يتعلمه بدلاً من لغة العرب. هذا اقتراح ساذج في الحقيقة، ويدل على أن المقترح معجب بهذه الأمة أصلاً، ليس الفكرة هو أن هناك حاجة داعية لها؛ فنقول: اترك الأبناء يتعلمون لغة العرب، ويتعلمون القرآن، ويتعلمون الكتابة بشكل جيد، ثم بعد أن يتخرجوا ويريدوا العمل في مجال له علاقة بهذه اللغة تعلموها، اجعل مراكز تدريب يدخل فيها ثلاثة آلاف طالب إلى أربعة آلاف طالب وعلمهم الإنجليزي عندما يوجد احتياج حقيقي عندك. أما أن تعلم الناس ما لا يحتاجونه فهذا من سوء الفهم، ولا تعلق هذا على الفلاح؛ لأن الذي يفلح في شيء هو الإنسان المقتنع به. أنا مثلاً أريد أن أدخل مجالاً يحتاج إلى لغة إنجليزية، كما لو أني أريد أن أكتب عن طائفة من الطوائف الغربية، فأحتاج إلى أن أتعلم، إذاً أخصص سنتين من دراستي أو ثلاثاً، أو أربعاً، وأتعلم بشكل جيد حتى أستطيع ترجمة هذه الكتب وأن أتفهمها بشكل جيد. لكن الذي لا يحتاج هذا الأمر لماذا تعلمه؟ هل صرنا مستعمرين لهم حتى نتعلم لغتهم، ولا يتوظف الواحد إلا بها؟!! هناك قطاعات قد تحتاج هذه اللغة، فيتعلم من يريد الدخول فيها، لكن هناك قطاعات واسعة لا تحتاج مثل هذه اللغة إلا من باب الثقافة، فهذا راجع إلى كل إنسان ورغبته، أما أن تفرض على الناس من التعليم الأولي فهذا خطأ وله جوانب سلبية متعددة!

دراسة موضوعية [10]

دراسة موضوعية [10] انقسم المبتدعة في باب القدر إلى أقسام، فمنهم من نفى القدر ونسب الفعل إلى العبد وادعى أن العبد يخلق فعله، وأن الله لا يعلم الفعل قبل وقوعه، ومنهم من أنكر اختيار العبد وجعله كالريشة في مهب الريح، ولكن أهل السنة توسطوا واتبعوا النصوص، فقالوا: إن الله خالق العباد وأفعالهم، والعبد مخير في فعله غير مجبور، فمن أطاع فله الجنة ومن عصى فله النار.

تابع الكلام في باب القدر

تابع الكلام في باب القدر انتهينا في باب القدر إلى أهم المسائل العقدية المتعلقة به، وبينا الخلاف الذي وقع في الأمة في موضوع القدر، والدرجات المتفاوتة للمخالفين لمنهج السلف في باب القدر، وأساس هذا الخلاف وأنواعه من حيث الأحكام الشرعية، فمنه ما يكون كفراً ناقلاً عن الملة، ومنه ما يكون بدعة. أما حائية ابن أبي داود فليس فيها كلام حول القدر بشكل مباشر إلا قوله: [وبالقدر المقدور أيقن فإنه دعامة عقد الدين والدين أفيح]. وقد سبق أن بينا أن القدر وارد في القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]. ومنازل القدر، أو درجات القدر، أو أساسيات القدر، أو أركان القدر هي: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وهذه منصوص عليها أيضاً في آيات كثيرة جداً في القرآن. علم الله عز وجل الشامل لكل شيء، وكتابته لأحوال العباد، ومشيئة الله عز وجل العامة، وخلق الله عز وجل لأفعال العباد، ولكن هذه الآية {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] نص في اسم القدر، وإلا فإن معناه ومضمونه مبثوث في القرآن وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم. لاشك أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ولهذا كان موقف ابن عمر رضي الله عنهما عندما جاءه العراقيان وكان في مسجد نمرة في يوم عرفة في الحج، فأخبراه أنه ظهر في البصرة قوم يتقفرون العلم، ويقولون: لا قدر، والأمر أنف، أن تبرأ منهم رضي الله عنه، وقال: أخبروهم أنني بريء منهم وأنهم برآء مني، ولو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ما قبله الله عز وجل منه حتى يؤمن بالقدر. ثم نقل عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحديث المشهور الطويل في قصة جبريل لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عن أركان الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة.

حكم منكر القدر

حكم منكر القدر منكر القدر هو بحسب نوع الإنكار، أما إنكار التكذيب فهو كفر بالله رب العالمين، سواء كان الإنكار لمرتبة العلم أو الكتابة أو المشيئة أو الخلق، من أنكرها إنكار تكذيب فهو كافر، بل إن من أنكر أي شيء من أحكام الإسلام إنكار تكذيب فهو كافر. أما إنكار التأويل فمن أنكر العلم فهو كافر بإجماع السلف، ولهذا كفروا الذين أنكروا العلم، وكانت طائفة من القدرية في بداية الأمر ينكرون العلم، لكن هذه الطائفة انقرضت وزالت ولم يبق إلا الذين يثبتون العلم وينكرون الكتابة وخلق أفعال الله سبحانه وتعالى للعباد. فإنكار التأويل بدعة مخرجة عن أصول السنة، لكنها لا تصل إلى الكفر الأكبر المخرج عن الملة بسبب التأويل؛ لأن من موانع التكفير التأول. ولهذا عندما تحدث العلماء عن تكفير المبتدعة، أو تكفير الفرق بينوا أن من كان من هذه الفرق أنكر إنكار تكذيب فإنه يكفر، أما إذا كان إنكاره بسبب التأويل، فإن التأويل على أنواع: منه ما يكون قريباً من اللغة العربية، يعني: هناك شبهة حقيقة. ومنه ما يكون بلا شبهة حقيقة، وإنما هو اعتباط كما فعلت الباطنية عندما تأولوا الصلوات الخمس وقالوا: إن المقصود بالصلوات الخمس علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ويضيفون أيضاً محسن ونحو ذلك، أو يتأولون الصيام بأنه كتمان أسرارهم، ويتأولون الزكاة بأنها إعطاء الضريبة لشيخ الطائفة، فكل ذلك من الكفر المخرج عن الإسلام؛ لأنه ليس هناك أي ارتباط شرعي أو لغوي بين المعنى الذي صاروا إليه، وبين نص القرآن، أو نص سنة النبي صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان هناك إشكال حقيقي؛ فإن صاحبه يكون مخالفاً لإجماع السلف الذين فهموا هذه النصوص بفهم واحد، وأجمعوا على طريقة معينة في الفهم فيها، فمخالفته لإجماع السلف في هذا الفهم، ومخالفته للنصوص القريبة في الفهم إلى معنى بعيد آخر لشبه، فهذه بدعة تخرج عن السنة، لكن صاحبها لا يكفر بالله رب العالمين.

القدر في لمعة الاعتقاد

القدر في لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [فصل: ومن صفات الله سبحانه وتعالى أنه الفعال لما يريد]. القدر يلحقه كثير من العلماء بالصفات الاختيارية الفعلية؛ لأن كثيراً من السلف يقول عن القدر: إنه فعل الرب سبحانه وتعالى، ولأن أكثر الخلاف الذي حصل بين الطوائف هو في صفة الخلق وصفة الكتابة بشكل خاص. فالكتابة أنكرها المعتزلة، وقالوا: إن الله عز وجل لم يكتب أي شيء عن العباد؛ لأن هذا يخالف أمره ونهيه، وأنه لم يخلق أفعال العباد، بل العباد يخلقون أفعال أنفسهم. وكانوا في بداية الأمر يقولون: يخلقون أفعال أنفسهم، ثم تركوا هذا الوصف؛ لأن الناس أنكروا عليهم. أما الجبرية فإنهم أثبتوا هذه الصفة، والمقصود بالجبرية نوعان: جبرية محضة: وهم الذين يقولون إن العبد مجبور على فعل نفسه من الله عز وجل، وإن هذه الأفعال هي أفعال الله وليست أفعال العبد، وإنه مثل الريشة في مهب الريح، وغير قادر على أن يعمل أي عمل بمحض مشيئته وإرادته، ويسلبون العبد هذه الإرادة، ويقولون: إن هذه كلها من الله عز وجل، وهي من أفعال الله، والعبد معذور بسبب ذلك، وهؤلاء هم غلاة الجهمية. وقد كفر السلف رضوان الله عليهم الجهمية لمجموعة من العقائد عندهم منها: نفي الأسماء الصفات بالكلية وقول جهم: إن إلهي هو هذا الهواء، بلا اسم ولا صفة. ومنها أيضاً قوله: إن الإيمان هو المعرفة، ويكفي أن يعرف الإنسان الله سبحانه وتعالى ليكون مؤمناً. ومنها هذه العقيدة: نفي أن يكون العبد له فعل اختياري، ويقولون: إن العبد مجبور على فعل نفسه. هذه درجة من درجات الجبرية.

كسب العبد

كسب العبد الدرجة الثانية: درجة الأشاعرة الذين قالوا: العبد ليس مجبوراً جبراً تاماً، وإنما الله عز وجل هو الفاعل الحقيقي، والعبد له اسم الفعل، فأنت عندما تقول: قام زيد، فإنك نسبت القيام إلى زيد، والعبد ليس له إرادة أو اختيار في القيام، فالقيام في الحقيقة هو من خلق الله عز وجل، وليس العبد مختاراً فيه، لكن العبد ينسب إليه هذا الاسم وهذا الوصف وهو القيام، فيكون العبد كاسباً لهذا العمل، ولهذا يسمونها: نظرية الكسب، فهو كاسب لهذا العمل، لكن العمل في الحقيقة ليس هو عمل العبد. وشبهها البغدادي في أصول الدين بتشبيه يوضح الصورة ويقربها إلى درجة كبيرة جداً. وأهل السنة يقولون: العبد كله مخلوق لله سبحانه وتعالى، بكل قدراته وإمكانياته وإراداته وعزمه وفعله، وقد خلق الله عز وجل العبد مختاراً، فالاختيار والإرادة الموجودة في العبد هي من خلق الله سبحانه وتعالى، والقدرة التي في العبد هي من خلق الله عز وجل، والفعل الذي ينتج عن العبد باجتماع القدرة والإرادة يكون من خلق الله سبحانه وتعالى. فالأفعال التي يفعلها العبد من القيام والجلوس من خلق الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن للعبد أن ينفرد بشيء دون خلق الله سبحانه وتعالى، وإلا لكان خالقاً، وهذا في غاية الباطل، فإن الله وحده هو الخالق، والعبد هو المخلوق. إذاً: الله عز وجل خلق العبد وخلق له إرادة فهل له قدرة واختيار أن يفعل أو لا يفعل؟ نعم له قدرة واختيار، ويمكن له أن يفعل الفعل، وألا يفعله. وهل هي قدرة مستقلة عن قدرة الله؟ ليست مستقلة عن قدرة الله، قال الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29]، فليست هناك مشيئة للعبد مستقلة، بل هي ضمن مشيئة الله سبحانه وتعالى، وفعل العبد يكون على وجه السببية، يعني: أنه سبب، فالعبد يفعل هذا الفعل وهو مختار في فعله، وفعله خلق لله سبحانه وتعالى. هذه الصورة وهي أن مشيئة العبد ضمن مشيئة الله، وقدرة العبد داخل قدرة الله، وأنه لا يقدر بدون ما يقدره الله عز وجل، وأنه لا يشاء بدون ما يشاء الله عز وجل له هذه الصورة لم يتصورها أهل البدع، بل تصوروا إما أن العبد مخلوق لله فلا يكون له أي إرادة ولا أي قدرة، ولهذا قالوا بأنه مجبور. أو أن الله عز وجل ليس له أي علاقة بفعل العبد، فالعبد مختار كما يشاء، والعبد يخلق فعل نفسه، كما قالت المعتزلة، ولم يستطيعوا الجمع بينهما. الأشعرية حاولوا الجمع، ولكنها كانت محاولة فاشلة؛ لأنها لا تستند إلى النصوص الشرعية. فنحن عندنا نصوص كثيرة تدل على أن الله عز وجل خالق لأفعال العباد، مثل قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. فما يعمله العبد مخلوق لله سبحانه وتعالى أيضاً، لأن العبد مخلوق لله عز وجل، ومشيئة العبد ضمن مشيئة الله، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير:29] وهكذا. هذه النصوص فهمها السلف على نحو ما تقدم في الجمع بين فعل العبد وفعل الله سبحانه وتعالى. أما الأشعرية فإنهم جاءوا وقالوا: إن الله عز وجل خالق لأفعال العباد، والعبد ليس له إلا اسم الفعل فقط، وأما حقيقة الفعل فهو لله، والتشبيه الذي شبه به البغدادي في أصول الدين يقول: مثل علاقة قدرة الله بقدرة العبد مثل إنسان عنده صخرة كبيرة ومعه صبي، وهذا الإنسان حمل هذه الصخرة، والصبي سانده في الحمل، فلو أن هذا الإنسان لم يحمل هذه الصخرة عن الصبي ما استطاع الصبي لوحده أن يحملها، ومع هذا هو مشارك في الفعل؛ لأنه وضع يده عليها. فيقولون: إن فعل العبد مثل الصخرة، والفاعل الحقيقي هو الله عز وجل، والعبد بمثابة المساند لهذا الفعل، فله اسم الفعل. ومن المسائل المشهورة: أن الإنسان يحاسب على فعله وينسب إليه الفعل، ولو كان ليس هو الفاعل كيف ينسب إليه؟ ولهذا يضاف الكسب إلى العبد (بما كسبتم) هذه كثيرة في القرآن ((بما كسبت يداك)) وإضافة الفعل إلى العبد، مثلاً عندما تضاف إلى العباد أعمالهم هذه كلها أدلة على أن هذه الأفعال للعباد، وأنهم قادرون على فعلها أو تركها، ولكنها ضمن قدرة الله عز وجل العامة الشاملة. ولهذا تبحث هذه المسائل ضمن الصفات أيضاً؛ لأن مراتب القدر كلها من الصفات. قال رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى: أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم ما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه]. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو لم تذنبوا لأتى الله عز وجل بأقوام يذنبون ويستغفرون فيغفر الله عز وجل لهم). قال رحمه الله: [خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى

الاحتجاج بالقدر وبيان احتجاج آدم وموسى

الاحتجاج بالقدر وبيان احتجاج آدم وموسى هذه المسألة سبق أن بيناها، وهي مسألة الاحتجاج بالقدر، وقلنا: إن الاحتجاج بالقدر إذا كان على المصائب الفائتة فإنه يجوز، ويدل عليه حديث احتجاج آدم وموسى، وهو حديث طويل تشعب الناس في فهمه، وأخطأ كثير في فهمه مع أنهم من أهل السنة. ولهذا يربط شيخ الإسلام رحمه الله بين التشعب في فهم حديث احتجاج آدم وموسى بالتشعب الوارد في فهم حديث الفطرة، وأن كثيراً من الناس عندما أرادوا تفسير الفطرة فسروها بمعنى مخالف للمعنى الشرعي؛ للهروب من بعض أقوال المبتدعة؛ لأن القدرية احتجوا بحديث الفطرة، مع أنه في الحقيقة لا حجة لهم فيه، فقالوا: إن العبد يولد على الفطرة، فمعنى هذا أنه ليس هناك قدر سابق. فأراد البعض أن ينفي هذا الفهم، ففسر حديث الفطرة تفسيراً يخالف حقيقة معناه، فقالوا: إن الفطرة المقصود بها القدر، وقوله: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني: يولد على ما كتبه الله عز وجل عليه سابقاً، مع أن المقصود بالفطرة ليس هو القدر، وإنما الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عز وجل عليها الإنسان، من معرفته بربه سبحانه وتعالى، وإرادته لتوحيده، ولهذا أضيفت الفطرة، فقال: فطرة الإسلام. لكن لما احتج القدرية بهذا الحديث أراد بعض العلماء أن يدفع هذا الفهم من احتجاج القدرية بهذا الحديث، ففسر الفطرة بمعنى مخالف للمعنى الشرعي، فقال: إن الفطرة هي القدر، وعندما تجمع أقوال العلماء في مفهوم الفطرة تجد أن من العلماء من يفسر الفطرة بأنها القدر. وهناك نصوص منقولة عن الإمام أحمد رحمه الله، وعن عدد من العلماء يفسرون الفطرة بالقدر. والحقيقة: أنه يمكن أن ندفع شبهة القدرية عن حديث الفطرة، ونفسر الفطرة تفسيراً صحيحاً، فنقول: إن القدرية الذين استدلوا بحديث الفطرة على نفي كتابة الله عز وجل، ومشيئة الله عز وجل، وخلق الله لأفعال العباد؛ نقول: إن هذا الحديث فيه ما يدل على الرد على القدرية؛ لأنه قال: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) مع أن القدرية لا يقولون بذلك، فيمكن الرد عليهم بدون أن نفسر الفطرة بمعنى مخالف للمعنى الصحيح لها. وكذلك الحال وقع في حديث احتجاج آدم وموسى، وهو في صحيح البخاري ومسلم: (أن موسى عليه السلام لقي آدم وقال: يا آدم! أنت أبونا) وفي بعض الألفاظ قال: (خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بمعصيتك) فموسى يلوم آدم على أنه أخرجه من الجنة، ولا يلومه على فعل المعصية بعد أن تاب منها، فحاشا موسى النبي صاحب الفقه أن يلومه على شيء قد تاب الله عز وجل عليه منه، وإنما يلومه على المصيبة التي حصلت، وهي الإخراج من الجنة. فرد عليه آدم وقال: (أنت موسى كلمك الله عز وجل، وخط لك التوراة بيده، ألم تقرأ فيها أن الله عز وجل قد كتب علي ذلك قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى). فالاحتجاج الذي حصل من آدم كان على المصيبة التي حصلت، وهي الخروج من الجنة، فاحتج آدم على هذه المصيبة بأن هذا أمر مكتوب عليه، متى احتج؟ بعد أن حصلت المصيبة ووقعت. فالاحتجاج بالقدر على المصائب التي وقعت جائز، كشخص معه سيارة فصدم بها وتكسرت أعضاؤه، فجاء بعض الناس يلومونه، فيحق له أن يحتج بالقدر ويقول: هذا أمر كتبه الله عز وجل علي، لكن قبل أن يرتطم بشيء من الأشياء، قال: الله كتبها علي، ثم ارتطم، فهذا احتجاج غير صحيح. فالاحتجاج بالقدر على المصائب جائز، لكن على المعائب والذنوب لا يجوز، لعدة أمور: الأمر الأول: أنه ليس هناك دليل يدل فعلاً على أنه مكتوب عليه؛ لأنه إلى الآن لم يفعله، وهو قادر على تركه. الأمر الثاني: أنه نسب إلى علم الله وكتابه السابق شيئاً ليس عنده علم به، والله عز وجل يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]. الأمر الثالث: أن من يحتج بالقدر على الذنوب قبل أن يفعلها ليس محتجاً بالقدر، وإنما هو محتج بإرادة نفسه. الأمر الرابع: أنه لو قيل له إنه يراد قتله، أو ضربه، أو إتلاف أي عضو فيه لهرب، ولو كان يحتج بالقدر لرضي بذلك. ولهذا قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيء إليه بسارق، فقال: سرقت بقدر الله، قال: ونحن نقطع يدك بقدر الله! ويروى عن عبد القادر الجيلاني أنه قال: فتحت لي في القدر روزنة: نحن نواجه قدر الله عز وجل بقدر الله. يعني: قدر الله عز وجل وجود الأسباب، سواء الأسباب المحرمة مثل الكفر والذنوب والمعاصي وغيرها، أو الأسباب الطبيعية المؤذية للإنسان يجب أن يواجهها الإنسان بقدر الله. فالكفر يواجهه بالهداية والإيمان والتقوى ولا يقبله، والأسباب الطبيعية مثل البرد يواجهها بالدفء، والأمراض بالدواء، وهذا هو الفقه السليم لموضوع الإيمان بالقدر. بل إن أحد الكتاب الغربيي

الاستطاعة

الاستطاعة قال المؤلف رحمه الله: [قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]]. الاستطاعة معناها القدرة، فالله عز وجل لا يكلف الإنسان شيئاً لا يستطيعه، ولهذا لا يمكن أن يكلفه الله عز وجل بأمر ليس داخلاً ضمن قدرته، وضمن استطاعته هذا هو المقصود بالاستطاعة. والاستطاعة نوعان: النوع الأول وهو شرط في التكليف: وهي الاستطاعة العامة التي يكون الإنسان فيها قادراً على الفعل، أو معذوراً ليس قادراً عليه. النوع الثاني: وهي الاستطاعة التي يكون الإنسان قادراً على الفعل المعين فيه. فالاستطاعة لها جانب عام، ولها جانب خاص. الجانب العام: باعتبارها شرطاً من شروط التكليف. والجانب الخاص: باعتبارها متعلقة بالمكلف نفسه.

التسيير والتخيير في باب القدر

التسيير والتخيير في باب القدر قال رحمه الله: [وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17] فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره]. السؤال المشهور في باب القدر: هل الإنسان مسير أم مخير؟ إذا قلت: مسير، فهموا أنه مجبور، وإذا قلت: مخير، فهموا أن الله لم يقدر مقادير العباد ولم يكتبها عنده. ولهذا الصواب التفصيل: نقول: العبد مخير في أشياء ومسير في أشياء، مسير فيما لا قدرة له فيه مثل ما يتعلق بطوله وقصره وكونه ذكراً وليس أنثى، أو أنثى وليس ذكراً، ولونه والبلد الذي ولد فيه، وكونه ابن فلان وفلانة، وليس ابن فلان وفلانة، وهكذا، وهذا لا يترتب عليه الثواب والعقاب من الله عز وجل، فلا يعذب العباد لأن هذا طويل وهذا قصير، أو هذا لونه كذا أو هذا لونه كذا، أو هذا ابن فلان فسيعذبه لأنه ابن فلان، ولهذا ضعفت عائشة رضي الله عنها حديث: (ابن الزنا شر الثلاثة) وقالت: إن الله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] فكيف يكون ابن الزنا مذموماً مع أنه لا علاقة له بهذا الأمر، فهو ليس مختاراً في أن يكون ابن زنا أو ليس ابن زنا. ولهذا يكون النقد في علم الحديث للإسناد ويكون أيضاً للمتن، ويمكن أن يراجع رسالة نقد متون السنة للدكتور غرم الله الدميني فقد تحدث عن القواعد المتعلقة بنقد متون السنة بشكل مرتب، والمسألة مبحوثة قديماً عند العلماء. هذا ما يتعلق بكون الإنسان غير مخير في أشياء، لكنه فيما يترتب عليه الثواب والعقاب وما يمدح ويذم فيه مخير، لكن لا يعني أيضاًً كونه مخيراً أنه مستقل بالتخيير، بل الله عز وجل كتب عليه كل شيء، والله عز وجل علم ما سيفعله قبل أن يفعله؛ لأن علم الله عز وجل واسع وشامل لكل شيء.

القدر في الواسطية

القدر في الواسطية قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وتؤمن الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره. والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين]. نجد أن بعض العلماء يجعل الترتيب أو التقسيم العلمي في درجات القدر على درجتين، ويجعل كل درجة على مرتبتين، وبعضهم يأتي بها جميعاً ويجعلها أربعاً دفعة واحدة، وأنها مراتب، وهذا تقسيم فني اصطلاحي. قال: [الدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى عليم بالخلق، وهم عاملون بعلمه القديم]. هذه الدرجة هي علم الله عز وجل الشامل لكل شيء، ومنه أفعال العباد الذي قد رتب عليها سبحانه وتعالى الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. فالعلم هنا علم خاص وليس هو الصفة بعمومها، ومن ضمن صفة العلم: العلم بأفعال العباد؛ لأن المشكلة في موضوع القدر، هو ما يتعلق بأفعال العباد. قد تجد مثلاً إنساناً يثبت العلم كله إلا العلم بأفعال العباد، وهذا كفر، وقد انقرضت الطائفة التي كانت ترى هذا الرأي. لكن لا يوجد مسلم ولا توجد طائفة من طوائف المسلمين تقول: إن الله عز وجل ليس بعالم مطلقاً بل هو جاهل، لكن يوجد من يقول: إنه غير عالم بأفعال العباد، لأن عنده إشكالاً في مسألة أفعال العباد، كيف يرتب الثواب والعقاب عليها وقد كتبها مسبقاً؟! فالعلم الذي هو مرتبة من مراتب القضاء والقدر علم خاص، أو نوع من أنواع العلم، وهو العلم المتعلق بأفعال العباد. ويلاحظ أن الصفات الموجودة مثل العلم والكتابة والمشيئة والخلق صفات عامة في مرتبة القدر، والمراد منها هو ما يتعلق بزاوية أفعال العباد، يعني: أساس باب القدر علم الله بأفعال العباد، وكتابة الله لأفعال العباد، ومشيئة الله المتعلقة بأفعال العباد، وخلق الله لأفعال العباد، لكن هذه المراتب الأربع لها جوانب أخرى غير متعلقة بأفعال العباد. العلم: هناك علم بأشياء ليست متعلقة بأفعال العباد، مثل العلم بأحوال المخلوقات الأخرى، والكواكب، وما خلقه الله عز وجل من مخلوقات ليست من العباد الذين هم مناط التكليف. الكتابة: كتب الله عز وجل التوراة بيده، وكتب أشياء أخرى ليست في أفعال العباد. وأيضاً المشيئة، وهكذا الخلق، فالله عز وجل له مخلوقات مثل أفعال العباد، وله مخلوقات أخرى. ينبغي ملاحظة هذه القضية، وهي أن القدر يدور حول أفعال العباد، فالمرتكز الأساسي في باب القدر هو أفعال العباد.

علم الله بأفعال العباد

علم الله بأفعال العباد قال رحمه الله: [الدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى عليم بالخلق، وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاًً وأبداً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، فأول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب؟ قال: ما أكتب، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه]. بالنسبة لقوله: (فأول ما خلق الله القلم) هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح. وقوله (فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن لصيبه) أيضاً جزء من حديث عبادة بن الصامت وهو حديث صحيح. قال رحمه الله: [جفت الأقلام، وطويت الصحف، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]. وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]. وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً]. لو رجعتم إلى بعض كتب العقيدة الأخرى تجدون أنهم يأتون بصفة الكتابة ويقسمونها. يقولون: الكتابة العامة: وهي كتابة كل شيء من أحوال العباد وغيرها في اللوح المحفوظ. ثم الكتابة العمرية الواردة في حديث ابن مسعود عندما يأتي الملك وينفخ في الجنين الروح ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. ثم الكتابة الحولية: وهي التقدير السنوي الذي يكون في ليلة القدر، {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]. وأيضاً هناك التقدير اليومي {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]. فهذه أنواع الكتابة عبر عنها الشيخ بقوله: (في مواضع جملة وتفصيلاً). يعني: أحياناً تكون جملة، وأحياناً تكون تفصيلية. وهذه المقادير بعضها يتعلق بما في كتب الملائكة، وبعضها يتعلق بما هو في اللوح المحفوظ، ولهذا في مسألة المحو والإثبات {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، من أوجه الفهم في المحو والإثبات: أنه يكون في كتب الملائكة؛ لأن الملائكة تكتب أحوال العبد؛ لأنها هي التي تنفذ ما أمرها الله عز وجل به في حياة الإنسان. قال رحمه الله: [وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه، بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ونحو ذلك، فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً، ومنكروه اليوم قليل]. نص الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح على أن غلاة القدرية انقرضوا، لكن يبدو من كلام شيخ الإسلام في قوله: (ومنكروه اليوم قليل) أنه يوجد بعضهم لكنهم قليل، ولعله إن وجد يوجد عند غلاة الفلاسفة، سواء فلاسفة الصوفية أو فلاسفة الجهمية.

مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة

مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة قال رحمه الله: [وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه]. وهذا فيه رد على المعتزلة الذين يرون أن العبد يخلق فعل نفسه، وأنه ليس بمشيئة الله سبحانه وتعالى. قال رحمه الله: [لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وقدرتهم وإرادتهم، كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28 - 29]. وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة]. الحديث الوارد وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (القدرية مجوس هذه الأمة)، اختلف العلماء في صحته، والشيخ الألباني رحمه الله في تخريجه على السنة لـ ابن أبي عاصم يرى أنه حسن بمجموع الطرق، وتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للقدرية بأنهم مجوس هذه الأمة، هو من جهة أن المجوس يرون أن الخالق هو النور والظلمة، وأن النور هو إله الخير، وأن الظلمة إله الشر، وينسبون إلى الظلمة التي هي إله الشر أفعالاً مستقلة تخلقها. فالإشراك في الربوبية عند المجوس ظاهر في كون الإله عندهم الخالق، وإن كانوا يعظمون النور ويجعلون الظلمة ليست محبوبة، وأنها ليست بمنزلة النور، إلا أنهم ينسبون لها أفعالاً مستقلة. وهكذا المعتزلة، فإنهم يرون أن الله هو الخالق مطلقاً، لكن ينسبون إلى العبد مخلوقات أيضاً، فجعلوه خالقاً مع الله سبحانه وتعالى. ولهذا يسميهم السلف: نفاة الصفات مشبهة الأفعال، فهم يشبهون العبد بالله عز وجل في الفعل، ويجعلونه خالقاً مع الله عز وجل، لأنهم ينفون الكتابة والتقدير، وينفون خلق الله عز وجل المتعلق بأحوال العباد. قال رحمه الله: [ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها]. يقصد بهؤلاء الجبرية والأشعرية، فإنهم يغلون في إثبات أن الله عز وجل كتب مقادير العباد، وفي إثبات أن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال العباد، إلى درجة أنهم ينفون قدرة العبد على فعله. ولهذا قسم ابن تيمية رحمه الله في التدمرية نفاة القدر إلى ثلاثة أقسام، وجعل لكل قسم من هذه الأقسام اسماً لوجود المشابهة: فقال: قدرية مجوسية، وقدرية مشركية، وقدرية إبليسية. فالقدرية المجوسية: هم المعتزلة، شابهوا المجوس في نسبة الخلق لغير الله سبحانه وتعالى، كما أن المجوس نسبوا للظلمة مخلوقات. والقدرية المشركية هم الجبرية؛ لأن المشركين احتجوا بالقدر على الشرك وقالوا: (لو شاء الله ما عبدناهم). والقدرية الإبليسية: هم الذين يعترضون بالقدر على دين الله عز وجل وشرعه، وهم الزنادقة في الحقيقة، وسماهم ابن تيمية رحمه الله بذلك؛ لأن إبليس اعترض على الله عز وجل بالقدر أيضاً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التأويل في العقائد

حكم التأويل في العقائد Q هل إنكار التأويل مخرج من الملة؟ A التأويل يمنع من التكفير، لكن بشروط وضوابط، وليس على إطلاقه. فالتأول إذا كان هناك شبهة حقيقية في الارتباط بين النص الشرعي والمفهوم الشرعي، وبين المعنى الذي أول هذا النص إليه، إذا كان هناك شبهة فهو يمنع من التكفير، لكنه يكون مبتدعاً ضالاً. أما إذا لم يكن هناك أي علاقة، وإنما هي مسألة اعتباطية حتى يفر من سيوف أهل الحق، ويزعم أنه متأول، كما تفعل القرامطة والباطنية وغلاة الصوفية عندما يستدلون على سقوط التكاليف بالوصول إلى مرحلة اليقين بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، مع أن اليقين المقصود به الموت فهذا التأول ليس مقبولاً وليس عذراً لصاحبه. إذاً: لابد من ضوابط لهذا الموضوع.

معنى حديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)

معنى حديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) Q كيف يفسر حديث (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)؟. A لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب قالوا: (يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له). الصحابة في البداية فهموا أن هذه الكتابة تقتضي أن الإنسان لا يعمل، وينتظر القدر المكتوب عليه، فنبههم النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الكتابة غيب، وأن الإنسان لا يدري به، وأنه ينبغي عليه أن يعمل؛ فكل ميسر لما خلق له. والقدر لا ينافي العمل، بل إنه يقتضيه، لأن القدر بالنسبة للإنسان غيب غير مكشوف، فينبغي عليه أن يحسن الظن بالله عز وجل، وأن يجتهد في العمل الصالح، ولا يمكن للإنسان إذا أراد العمل الصالح أن يرد؛ لأن الله عز وجل بين أن الإنسان إذا سلك طريق الهدى فإن نهايته للهدى، والعكس بالعكس. بالنسبة للحديث المشهور: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) هذا الحديث في البخاري من حديث ابن مسعود الطويل، وقد بين العلماء أن المراد به أمران: الأمر الأول: أن هذا الإنسان منافق، ولهذا جاء في بعض الروايات: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى الناس، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها). فيكون المقصود بهذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة هو في الظاهر للناس، لكن في الحقيقة هو منافق، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ويدخلها حينئذ، فلا يكون في الحديث إشكال. الأمر الثاني: أن هذا الحديث جاء للتحذير من سوء الخاتمة، وليس المقصود به أن الإنسان إذا عمل بعمل أهل الجنة فإنه في الأخير لا يدخل الجنة، أو يسبق عليه الكتاب، وإنما المقصود أن الإنسان ينبغي عليه أن يحذر من سوء الخاتمة، فإن الإنسان قد يعمل بعمل أهل الجنة ثم يتساهل قبل موته بقليل، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. فينبغي للإنسان أن يحذر من العمل الذي يوصل إلى النار؛ لأنه قد يموت وهو لا يدري، فالمقصود به التحذير من سوء الخاتمة، وبهذا يتبين معنى الحديث. والإنسان إذا عمل بعمل أهل الجنة فإن الله عز وجل يوفقه {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7]. إذاً الإنسان إذا عمل الأعمال الصالحة ييسر لها، وإذا عمل المنكر فإن الله عز وجل قال: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10].

حكم الدعاء على اليهود والنصارى

حكم الدعاء على اليهود والنصارى Q أفتى أحد علمائنا بعدم جواز الدعاء على اليهود والنصارى، فأرجو شرح ذلك؟ A الحقيقة أن هذه المسألة كثير من الناس يقع عنده إشكال فيها، إما أن يأتي شخص ويسيئ الظن بهذا العالم، ويتكلم عنه، ويتصور أنه محب لليهود والنصارى، وهذا ظن سوء لا يصح للإنسان أن يظنه بعالم من علماء المسلمين، لكن بعض العلماء يرى أن الدعاء على اليهود أو النصارى بشكل عام ليس وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الظالمين المعتدين فيهم. لكن الصحيح هو جواز الدعاء على العموم، ويدعو على الظالمين منهم بشكل خاص؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فهذا الحديث يلاحظ فيه العموم، واللعن في معنى الدعاء، لأنه دعاء بالطرد والإبعاد عن رحمة الله. كما يلاحظ أن سبب اللعن هو الكفر وليس الاعتداء على المسلمين. فالحقيقة أن هذه المسألة مسألة فقهية ينبغي أن تبحث في إطارها الفقهي، وإذا اختار أحد العلماء رأياً في هذه المسألة فإنه لا يثرب عليه ولا ينكر، ولكن بعض الناس قد يظن أن هذا العالم يحترم أو يقدر اليهود أو النصارى، وهذا ما لا يجوز أن يظن بعالم من العلماء. لكن بعض العلماء يقول: لا تدعوا بشكل إجمالي، لكن ادعوا على الظالمين، وهذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: ينبغي أن ندرس المسألة في هذه الحدود أنها مسألة فقهية، وإن كان الإنسان قد يكون مخطئاً فيها أو مصيباً لكن لا ينبغي أن نتجاوز بالمسألة هذه الحدود، وأنها مسألة فقهية اجتهد فيها بعض أهل العلم، وهي من المسائل المختلف فيها لوجود أدلة متعددة في المسألة.

دراسة موضوعية [11]

دراسة موضوعية [11] الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وعليه سلف الأمة، وبما أن الإيمان ينقص بالمعصية فليس كل من ارتكب معصية يكون كافراً، بل من المعاصي ما هو كفر، ومنها ما ليس كفراً، فمن ارتكب مكفراً كفر، ومن لا فلا.

مراعاة بعض الأمور في كل فن يطلبه طالب العلم

مراعاة بعض الأمور في كل فنٍّ يطلبه طالب العلم في الدروس الماضية توقفنا عند الأمور التي لا بد من مراعاتها في كل فن يطلبه طالب العلم، وهي حفظ مختصر فيه وضبطه على شيخ متقن، وعدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله، ولا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر، وينبغي اقتناص الفوائد والضوابط العلمية، وجمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرك للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه، حتى تفيض إلى المطولات بسابقة موثقة. وقد سبق أن علقنا على هذه الأمور، وأن هناك فرقاً بين طلب العلم الشرعي الذي يحتاج الإنسان فيه إلى التأصيل العلمي، وبين الثقافة العامة وأن يكون الإنسان فكرة عن علم من العلوم، أو نوع من أنواع الفنون المتعددة. فالفرق بين العلم الشرعي المؤصل، وبين الثقافة العامة: هو أن العلم الشرعي المؤصل يعتمد على الإتقان والضبط؛ ولهذا اجتهد أهل العلم في تأليف المختصرات المنضبطة التي تحتوي على أهم المسائل والقضايا المتعلقة بهذا العلم، بحيث إن الإنسان إذا ضبط هذا المختصر، فقد ضبط الأصول والقواعد التي ينبغي للإنسان أن يدركها في هذا الفن، ثم ينتقل إلى كتاب أعلى منه بقليل، ثم أعلى من الثاني بقليل، وهكذا حتى يتقن؛ لأن البناء -كما تعلمون- لا يتم إلا إذا وجدت هناك قواعد يبني الإنسان عليها، فإن البناء سيكون قوياً بقدر ما تكون القواعد التي بني عليها قوية أيضاً. فأنتم تلاحظون أن من الأمور التي لا بد من مراعاتها كما ذكره الشيخ: عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله، وكل علم من العلوم الشرعية فيه مصنفات مطولة، وفيه مصنفات متوسطة، وهناك مصنفات عبارة عن كتب مختصرة، لكنها مركزة في هذا العلم، فلا ينبغي للإنسان أن يشتغل في القراءة في المصنفات العامة قبل أن يتقن مختصراً في هذا العلم؛ لأنه إذا أتقن مختصراً من المختصرات في هذا العلم، فإنه عندما يقرأ في المطولات سيُردُّ كثيراً من التفاصيل إلى الأصول التي قرأها في مختصره؛ ولهذا فإن الثقافة العامة تعتمد على تجميع المعلومات، يحفظ الإنسان ما يحفظه منها وينسى ما ينساه منها. فالإنسان تجد عنده مجموعة معلومات، لكن معلومات مفرقة، والروابط بين هذه المعلومات ومعرفة جذور هذه المعلومات ليست بجيدة، وليست على مستوىً تؤهل هذا الإنسان للفقه في الدين الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، يعني: يفهمه هذه الأحكام، والتفهم يقتضي أن يتريث الإنسان، وأن يتأنى، وأن يقرأ العلم قراءةً متأنيةً هادئةً، ويحفظه ويضبطه، وهكذا كانت طريقة العلماء من زمن الصحابة رضوان الله عليهم إلى اليوم، فإنك عندما تقارن بين عالم من العلماء يفتي في باب العقيدة وفي باب الفقه، وفي كل الأبواب تجد أنه لم يتوصل إلى هذا المستوى إلا بعد هذا التدرج الذي ذكرناه، وتجد أشخاصاً مثقفين لديهم معلومات متنوعة، لكن هذه المعلومات المتنوعة لا تؤهله للإفتاء، وإذا أفتى أو تكلم في علم من العلوم خلط، وأصبح ينقض بعض الأصول التي دلت عليها عشرات الأدلة الشرعية والعقلية ونحو ذلك؛ ولهذا كان الحافظ ابن حجر رحمه الله عندما يذكر بعض المصنفين الذين يخبطون خبط عشواء يقول رحمه الله تعليقاً على ذلك: من تكلم في غير فنه يأتي بالعجائب! فالإنسان الذي يتكلم في علم من العلوم وهو لا يتقن هذا العلم، فإنه سيأتي بالغرائب والعجائب فيه.

كيفية الطلب والتلقي

كيفية الطلب والتلقي قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى في كيفية الطلب والتلقي: [وكان من أهل العلم من يدرس الفقه الحنبلي في زاد المستقنع للمبتدئين، والمقنع لمن بعدهم للخلاف المذهبي، ثم المغني للخلاف العالي، ولا يسمح للطبقة الأولى أن تجلس في درس الثانية وهكذا، دفعاً للتشويش]. هذا من باب تنظيم المعلومات، فالمدارس النظامية تكونت في المجتمع الإسلامي في المساجد في بداية الأمر، فقد كانوا في المساجد يدرسون العلم، فمن خلال تدريس العلم بدءوا يصنفون الطلاب، ويجعلون للمبتدئين كتباً، ويجعلون للمتقدمين كتباً، وللذين أعلى منهم كتباً، ويجعلون للمتقدمين مجموعةً من الكتب، حتى تكونت المدارس النظامية، والمدارس النظامية التي يوزع فيها الطلاب أول من بدأ هذه المدارس النظامية هو وزير من وزراء الدولة العباسية يقال له: نظام الملك، وبدأ مدرسة في العراق، وكان ممن يدرس فيها أبو حامد الغزالي، صاحب المصنفات المشهورة، وكان نظام الملك صنع هذه المدارس، ثم نجحت هذه الفكرة فعممت في البلاد الإسلامية، وأصبحت المدارس النظامية كثيرة جداً، مثل دار الحديث الأشرفية في دمشق، وابن القيم الجوزية منسوب لمدير إحدى هذه المدارس، فالجوزية كانت مدرسة في دمشق، أبوه قيم عليها، وقيم معناه: مدير لها، وابن القيم ابنه؛ ولهذا نسب إليها لشهرتها ولشهرة هذا المدير. فهذا التقسيم أمره طبيعي حتى تحصل الإنسان العلم بشكل متقن ومؤسس، يعني: يبدأ الطالب في كتاب، فإذا انتهى منه وأتقنه انتقل إلى كتاب أعلى منه، فيستفيد في تأكيد معلوماته السابقة، ويزيد عليها، ثم ينتقل إلى الأعلى، وهكذا حتى ينتهي من هذا العلم إلى المطولات الطويلة التي يشتغل بعد ذلك بجردها وتصحيح ما فيها. قال: [واعلم أن ذكر المختصرات فالمطولات التي يؤسس عليها الطلب والتلقي لدى المشايخ، تختلف غالباً من قطر إلى قطر، باختلاف المذاهب، وما نشأ عليه علماء ذلك القطر من إتقان هذا المختصر والتمرس فيه دون غيره]. كثير من طلاب العلم، أول ما يبتدئ طلبه للعلم يبدأ يسأل: ما هي الكتب التي يبدأ بها؟ وليس المهم هو الكتب في حد ذاتها بقدر أن يدرك الإنسان أنه يبدأ بالمختصرة، ثم ينتقل إلى الأعلى ثم إلى الأعلى ثم إلى الأعلى، هذه هي الفكرة الأساسية. أما أن الكتاب الفلاني أكثر فائدة فإن هذا راجع إلى ما اعتاد عليه الناس في أقطارهم، فمثلاً عندنا القطر الحجازي، كانت تدرس هناك كتب تختلف عن الكتب التي كانت تدرس في القطر النجدي، وتختلف عن الكتب التي تدرس في القطر اليماني، وتختلف عن الكتب التي تدرس في القطر المصري والقطر المغربي والشامي ونحو ذلك، لكن أهم شيء في المسألة هو أن يتدرج الإنسان وأن يبدأ بمختصر، ثم ينتقل إلى أعلى منه، وأن تكون هذه الفقرة مضبوطة، وأن يكون الشيخ الذي يدرس هذا المختصر متقناً له، يفهم ما هي مسائل هذا المختصر ويدركها إدراكاً جيداً. هذه هي أهم قضية في هذا الموضوع؛ ولهذا نجد أن الشيخ هنا وضع مجموعة من الكتب، ويسميها بعض المشايخ برنامجاً عملياً، فالشيخ عبد العزيز قارئ له كتاب اسمه برنامج عملي للمتفقهين. فإني أنصح طلاب العلم بالرجوع إلى كتب العلماء المشهورين، مثل الشيخ بكر أبو زيد، وعبد العزيز قارئ وغيرهم، وإن كان بعض طلبة العلم قد يجتهد ويضع برنامجاً، لكن الالتزام بما يذكره أهل العلم الكبار أولى وأنفع لطالب العلم، فيضعون برامج لطالب العلم، بينما نجد في كتاب الشوكاني: نهاية الأرب في أدب الطلب مجموعةً من الكتب ليست موجودة عندنا الآن، وليس لها شيوخ يدرسونها، ولم يدرسوا هذه الكتب، وهكذا في القطر المصري، وهكذا في غيرها من الأقطار. قال: [والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح والفهوم وقوة الاستعداد وضعفه، وبرودة الذهن وتوقده، وقد كان الطلب في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب، والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد، للمبتدئين ثم المتوسطين، ثم المتمكنين، ففي التوحيد ثلاثة الأصول وأدلتها، والقواعد الأربع، ثم كشف الشبهات، ثم كتاب التوحيد أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، هذا في توحيد العبادة. وفي توحيد الأسماء والصفات: العقيدة الواسطيه، ثم الحموية، والتدمرية؛ ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فالطحاوية مع شرحها. وفي النحو: الأجرومية، ثم ملحة الإعراب للحريري، ثم قطر الندى لـ ابن هشام، وألفية ابن مالك مع شرحها لـ ابن عقيل. وفي الحديث: الأربعين للنووي، ثم عمدة الأحكام للمقدسي، ثم بلوغ المرام لـ ابن حجر، والمنتقى للمجد بن تيمية رحمهم الله تعالى، فالدخول في قراءة الأمهات الست وغير

الكلام في باب الإيمان

الكلام في باب الإيمان باب الإيمان من الأبواب المهمة في الاعتقاد، وهو من أبرز الأبواب التي اعتنى بها السلف بياناً وتوضيحاً وشرحاً وتصنيفاً، وهو كذلك من أوضح مسائل الدين التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم. ومسائل الإيمان لو رجعنا إلى القرآن والسنة لوجدنا أن أغلب آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تتحدث عن الإيمان، فالإيمان هو أساس الدين، وهو أصل الدين، وهو الأصل الذي ينبغي على الإنسان أن يعرفه أول ما ينبغي؛ ولهذا كانت له أهمية بالغة في العقيدة. ومع هذا فإن باب الإيمان وقع فيه خلط كبير في واقع المسلمين، وكان باب الإيمان هو أول مسألة وقع فيها التفرق والاختلاف في حياة المسلمين، وذلك عندما خرجت الخوارج وكفرت مرتكب الكبيرة، ثم بعد ذلك خرجت المرجئة كرد فعل للخوارج، وجعلت الإيمان محصوراً في التصديق القلبي، ولا يزال الخلاف والتخبط موجوداً إلى اليوم في مسألة الإيمان، فالدعاة إلى الله عز وجل والمصلحون الذين يسمونهم (الإسلاميين) وقعوا في الخلاف الذي وقعت فيه الأمة قبل ذلك؛ ولهذا وجد فيهم الخوارج، ووجد فيهم المرجئة، ووجد فيهم من اتبع منهج السلف، ووجد فيهم طوائف قريبة من الخوارج، وطوائف قريبة من المرجئة، وإن كان رسمها العام على منهج السلف وشعارها العام هو اتباع منهج السلف الصالح. ومن هنا فلا بد من معرفة مسائل الإيمان وحقيقته، حتى لا يضل الإنسان في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، وكثرت فيه الأقوال، وتشعبت واختلفت، وأصبح كل إنسان مسروراً برأيه، ومفتخراً به، وقد لا يكون هو الصواب.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان أجمع السلف الصالح رضوان الله عليهم على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أن الإيمان قول وعمل، ومعنى (قول): قول القلب وقول اللسان، ومعنى (عمل) عمل القلب وعمل الجوارح. نأخذ أولاً القول: فالقول ينقسم إلى ركنين: أولاً: قول القلب، ومعنى قول القلب: تصديق القلب بما أخبر الله سبحانه وتعالى به، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، من أمور العقائد والأحكام. وقول اللسان: هو نطق الشهادتين، وذكر الله، ودعاء الله عز وجل، والدعوة إلى الله، ونحو ذلك من مسائل الإيمان. الركن الثاني في الإيمان: العمل، والعمل ينقسم إلى قسمين: عمل القلب وعمل الجوارح، فأما عمل القلب فهو الخوف، والمحبة، والرضا، والتوكل، والإنابة، ونحو ذلك. وأما عمل الجوارح: فمثل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك، فهذا ما يتعلق بحقيقة الإيمان، وهذا الإيمان مطابق للدين كله، فنحن إذا أردنا أن نقسم الإيمان بناءً على جوارح الإنسان نجد أن الإيمان ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم منه متعلق بلسان الإنسان، وهذه هي التي يكون فيها العبادات المشهورة مثل: نطق الشهادتين، وذكر الله عز وجل، والدعاء، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والقسم الثاني: عمل الجوارح، وهي التي تتعلق بأعضاء الإنسان، مثل الصلاة التي يفعلها بجوارحه، والصيام، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، وإعانة المحتاج، وبر الوالدين، ونحو ذلك مما يحتاج الإنسان فيه إلى جوارحه وأعضائه حتى يحقق هذه العبادة. القسم الثالث من جوارح الإنسان المتعلقة بالإيمان: القلب، والقلب فيه من الإيمان أمران: الأمر الأول: قول القلب، وهو تصديقه، والأمر الثاني: عمل القلب وهو قدر زائد على التصديق، يدخل فيه التوكل والمحبة والخشية ونحو ذلك، فمحبة الله قدر زائد على مجرد تصديق الخبر، وهذا التفصيل العلمي بهذه الطريقة هو عمل القلب، وهناك قاعدة فيما يتعلق بالمصطلحات والتقسيمات العلمية، فالمصطلحات والتقسيمات العلمية هي بحسب مدلولها، وبحسب معناها ومفهومها، فإن كان معناها ومفهومها معنى شرعياً ومفهوماً شرعياً، فإنه حينئذٍ يكون هذا التقسيم وهذا المصطلح صحيحاً بإضافة شرطين إليها: الشرط الأول: أن يكون مدلول المصطلح اللغوي منطبقاً على ما استخدم فيه. والأمر الثاني: أن يكون جامعاً ومانعاً، أو مطرداً ومنعكساً على تعبير الأصوليين. بهذه الطريقة يكون المصطلح صحيحاً؛ ولهذا عندما ننكر مصطلحات علم الكلام أو مصطلحات الصوفية، أو بعض مصطلحات الفلاسفة وغيرهم، هذه المصطلحات نحن ننكرها لا لأنها مصطلحات جديدة أو أسماء جديدة، وإنما ننكرها لأنها تتضمن مفاهيم ومعاني نص الشرع على بطلانها. فينبغي إدراك هذه القضية؛ لأن كثيراً من الناس مع الأسف يظلم أهل السنة السلفيين، ويقول: إن هؤلاء نصيُّون، لا يستخدمون العقل، ولا يستخدمون المصطلحات الجديدة ولا يتفهمون، وإذا أخرجت الواحد منهم عن القضايا النصية لا يستطيع أن يعطي جواباً. وهذا من الظلم، فإن أهل السنة من أعلم الناس، ومن أصدقهم ديناً، ومن أفهمهم وأقواهم استدلالاً عقلياً وعلمياً؛ ولهذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، من معانيها أن الظهور يكون بالحجة والبيان، فهم أشد الناس حجة، وأدق الناس حجة ومحجة، لكن الناس يظلمون أهل السنة ظلماً كبيراً. وقد يوجد في أهل السنة من هو مقصر؛ لكن منهج السلف ومنهج السنة الموجود في الكتاب، والموجود في السنة، والذي عليه عامة أهل السنة منهج منضبط يستدل بالعقل، ويستدل بالنص. وللعقل مكانة عظيمة فيه؛ لأن العقل ممدوح، وأهل السنة لا يعيبون المصطلحات؛ لأنها جديدة، ولا يخافون من الإبداع، لكن الإبداع إذا كان مخالفاً لأصول النص فهو مرفوض وغير مقبول؛ لأن مخالفة النصوص الشرعية هي مخالفة لله، ومخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن علمنا صدق الرسول وصدق ما جاء به، بناءً على مقتضيات العقل، وبناءً على اللوازم التي علمها الإنسان من صحة نبوته، ودلائل هذه النبوة، وبناءً على هذا فكل ما أخبر به فهو عين الصواب وعين العقل وعين الحكمة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يخبر إلا بالحق والصواب وما فيه صلاح الإنسانية؛ لأنه يأتي بهذا الخبر من عند الله عز وجل الذي خلق الناس، إذاً هذا تعليق على قضية المصطلحات.

موضوع الإيمان

موضوع الإيمان أما موضوع الإيمان فحقيقته على نحو ما سبق، أي أن الإيمان تصديق القلب، وهذا لا يخالف فيه أحد إلا الجهمية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد المعرفة، ومسألة دخول عمل القلب وعمل الجوارح ونطق اللسان هو الذي وقع فيه النزاع المشهور بين أهل السنة من جهة، والمرجئة من جهة أخرى. وقد ذكر البخاري رحمه الله ذلك، قال: لقيت أكثر من ألف من العلماء، من أهل مصر والعراق، والشام، والحجاز، واليمن، والمغرب، كلهم يقول: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وأهل السنة عندما اتفقوا على هذا الأمر، اتفقوا على أقصر عبارة في الإيصال للمدلول، وهو قولهم: قولٌ وعمل، فمن حصر الإيمان في القول فقد أخرج نصف الدين، ومن حصر الإيمان في العمل فقد أخرج النصف الآخر وهو القول، فالإيمان مركب من القول والعمل، وهذا التركيب تركيب ممزوج بعضه مع بعض؛ ولهذا عندما نفصل ونقول: قول اللسان وعمل الجوارح، واعتقاد القلب، فهذا لا يعني أن كل جزء من هذه الأجزاء منفصل عن الآخر، بل الإنسان هو جزءٌ واحد، لكن التقسيم العلمي اضطرنا للتبيين بهذه الطريقة؛ لأن الإنسان إذا صلى مثلاً، هل الصلاة عبادة بالجوارح فقط؟ لا، يدخل فيها عبادة اللسان؛ فلا يصح أن يصلي الإنسان بدون أن يقرأ الفاتحة، وقراءة الفاتحة تكون باللسان. هل يمكن للإنسان أن يصلي دون أن يكون في قلبه خوف من الله وإرادة وتوجه إلى الله؟ لو لم يكن في قلبه توجه إلى الله ونية تتعلق بأن تكون هذه الصلاة لله عز وجل لما كانت مقبولة؛ ولهذا فالإنسان مجموع متكامل، لكن عندما نأتي في تقرير المسائل العلمية نبين هذه التفصيلات، ثم نبين أن بينها ارتباطاً، فالإيمان قول وعمل، وكل قسم من هذين القسمين مرتبط بالآخر؛ ولهذا جاء في بعض نصوص السلف: لا قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بقول. وزاد بعض السلف في التعريف: الإيمان قول وعمل ونية؛ لأن النية عمل القلب فأرادوا إبرازه؛ لأنهم خشوا أن ينصرف الذهن عند تعريف الإيمان إلى أنه قول وعمل، فينصرف الذهن إلى أن القول قول اللسان والعمل عمل الجوارح، فيفهم أن القلب لا يتعلق به شيء من مسائل الإيمان فزادوا النية. ولهذا فمن عبارات السلف في الإيمان: الإيمان قول وعمل، الإيمان قول وعمل ونية. الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة، الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، هذه العبارات مختلفة في الظاهر لكنها متفقة في الحقيقة، فهي كما يقولون: مثل تعبيرات الصادقين عن حقيقة واحدة. أنت عندما تسأل مجموعة من الصادقين عن طريق مكة مثلاً، يعبرون بتعبيرات مؤداها واحد، لكن طرقها مختلفة، فالجميع وصل إلى نتيجة واحدة، لكن التعبير اختلف، فينبغي إدراك هذا المعنى، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه العظيم الإيمان. والإيمان يزيد وينقص، وقد دلت نصوص كثيرة جداً على أن الإيمان يزيد وينقص، وستأتي قراءتها بإذن الله.

الأدلة على أن الإيمان قول وعمل

الأدلة على أن الإيمان قول وعمل مما يدل على أن العمل داخل في حقيقة الإيمان: أن الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه بوب باباً، قال: باب من قال إن الإيمان هو العمل، ثم ساق فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور). فالسؤال الآن عن العمل، فقال: (إيمان بالله ورسوله)، فلو كان الإيمان ليس فيه عمل لكانت هذه الإجابة غير صحيحة، وحاشا أن يكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح، والله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]، فالإنسان لا يمكن أن يدخل الجنة إلا وهو مؤمن. وهكذا كثير من النصوص تدل على أن العمل من الإيمان، منها مثلاً أن الآية المشهورة في الصلاة، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143]، نزلت في الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس ثم ماتوا، ثم نسخت بعد ذلك الصلاة إلى بيت المقدس بالصلاة إلى البيت الحرام، فتساءل الصحابة عن حال هؤلاء؟ فقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143]، يعني: ما كان الله ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس؛ ولهذا سمى الصلاة إيماناً. هناك نصوص متعددة سيأتي الإشارة إليها، من أبرزها حديث شعب الإيمان، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله)، إذاً: القول من الإيمان، (وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق)، وهذا عمل من أعمال الجوارح، (والحياء شعبة من الإيمان)، والحياء عمل قلبي.

الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه

الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه الإيمان يزيد وينقص، والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه كثيرة، منها قوله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]. والدليل على أن الإيمان ينقص أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وهذا يدل على أن الإيمان فيه مستوى ضعيف، وفيه مستوى عال. وأيضاً حديث الشفاعة المشهور بحديث الجهنميين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)، وهذا يدل على أن الإنسان يمكن أن يكون في قلبه مثقال حبة من خردل، ويمكن أن يكون أعلى، فالإيمان يزيد وينقص.

مسألة تكفير أصحاب المعاصي

مسألة تكفير أصحاب المعاصي ومن مسائل الإيمان المهمة هو أن السلف لا يكفرون أصحاب المعاصي، والمعاصي عند السلف تنقسم إلى قسمين: معاصي هي كفر وشرك بالله، وهذه تخرج عن الملة. ومعاصٍ ليست كفراً ولا شركاً بالله، مثل الزنا، وشرب الخمر، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات، وغيرها من الكبائر، فهذه لا تخرج عن الملة إلا إذا استحلها الإنسان، أي: إذا اعتقد أنها حلال. والإنسان إذا اعتقد في معصية من المعاصي المنصوص عليها في الكتاب والسنة أنها حلال يكون كافراً؛ لأن الاستحلال نقض لأساس الإيمان الذي في القلب، فالعاصي عند أهل السنة، إذا ارتكب معصيةً ننظر في هذه المعصية، فإن كانت شركاً ننظر، هل هي شرك أكبر أم أصغر؟ فإن كان أكبر فإنه يخرج من الملة، وإن كان أصغر فإنه لا يخرج من الملة. فإن قيل: كيف يمكن أن نميز بين الشرك الذي يخرج من الملة، والشرك الذي لا يخرج من الملة؟ A بالأدلة الشرعية. وأما بقية الذنوب والمعاصي فإنها لا تخرج من الملة، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فقسم المعاصي إلى قسمين: شرك لا يغفره الله، وما دون ذلك يغفره الله عز وجل لمن يشاء، فمن أبرز الذنوب والمعاصي قتل المؤمن متعمداً، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، ومع ذلك فإن هناك نصوصاً شرعية أخرى تبين أن قاتل النفس ليس بكافر، منها قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، فقوله: ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ)) فيه دليل على أن القاتل العمد ليس بكافر ولا خارج عن الإسلام، ويؤخذ ذلك من أمرين: الأمر الأول: هو جواز أخذ الدية والعفو عنه، فجواز أخذ الدية يدل على أن هذا القاتل ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لما جاز أخذ الدية، بل يجب أن يقتل؛ لأنه كافر. والأمر الثاني: قوله: ((مِنْ أَخِيهِ))، فجعل القاتل أخاً للمقتول، ولو أن المفاصلة في الدين لما سماه أخاً؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فبين أن النفس بالنفس غير التارك لدينه المفارق للجماعة. فأصحاب المعاصي عند أهل السنة لا يكفرون إلا إذا استحلوا هذه المعاصي، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر المشهور، قال: (قال: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر). هذا يدل على أن هذا الإنسان ليس بكافر بل هو مسلم، وهو الذي يسميه أهل السنة الفاسق الملي، يعني: الفاسق الذي خرج عن مستوى الإيمان العالي بفسقه، لكنه ما زال مسلماً من أهل الملة، يسمونه الفاسق الملي. أما المكفرات ونواقض الإيمان فقد تحدث عنها أهل العلم، وهي التي تكون من المعاصي، لكن صاحبها يكون كافراً، مثل عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والطعن في نبوته، وسب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الدين، ومثل السحر إذا كان فيه عبادة لغير الله، ومثل تكفير كل الصحابة بدون استثناء، أو استثناء عدد محدود مثلما يفعل الشيعة، ومثل تحكيم القوانين الوضعية.

مسألة الحكم بغير ما أنزل الله

مسألة الحكم بغير ما أنزل الله الحكم بغير ما أنزل الله وقع فيه لبس كبير في حياة المسلمين؛ لأن الناس يخلطون بين المسائل؛ لكن عند التمييز فإن المسائل تتضح، فالحكم بغير ما أنزل الله اسم عام، يقع على أنواع متعددة، منها ما هو كفر بالله عز وجل قطعاً، ومنها ما ليس كفراً، وإنما هو من الذنوب والمعاصي، فمن الحكم بغير ما أنزل الله وهو من الذنوب والمعاصي أن القاضي الذي يحكم بالشريعة يحكم في هذه المسألة بالرشوة مثلاً، أو بمجاملة حاكم من الحكام، أو صديق من الأصدقاء، أو قريب من الأقارب، فهذا حكم بغير ما أنزل الله، لكنه لا يكون مخرجاً من الملة، بل هذا من أصحاب الكبائر، والكفر الذي وقع فيه هو كفر أصغر، ليس بأكبر. أما ما هو كفر فكالذي يستبدل شريعة بدل الشريعة، كما هو واقع في كثير من بلاد المسلمين، حيث تأتي حكومة من الحكومات فتنحي الدين كله، وتنحي أحكام الله عز وجل الشرعية فيما يتعلق بالدماء وفيما يتعلق بالأعراض، وفيما يتعلق بالعقار والأملاك، ويجعلون الدين محصوراً في الأحوال الشخصية فقط، مثل الزواج والنكاح، والإرث، وتقسيم الميراث، هذه الأحوال الشخصية، يجعلها القضاة حسب المذهب الذي فيه البلد، لكن في القتل يختلف الحكم، ففي حد الردة، مثلاً: يأتي شخص ويكفر بالله علانية ولا يطبقون عليه حد الردة، إما أن يجعلوا عليه غرامة ألف ريال، أو يسجنوه أسبوعاً أو أسبوعين ويطلقون سراحه، هذا في حالة أنه حوكم، لكن في بعض البلاد قد لا يحاكم. فمن بدل الدين ونحى الشريعة عن الحكم، وجاء بقانون استورده أو اخترعه في شئون الناس، موضع للزنا أحكاماً من رأسه، وكذلك شرب الخمر والقتل والردة لا شك أنه من المرتدين؛ لأن هذا إعراض تام عن دين الله عز وجل، وإذا كان هذا النوع ليس بكفر فإنه ليس في دين الله كفر أصلاً.

الديمقراطية وأقسامها وحكم كل قسم

الديمقراطية وأقسامها وحكم كل قسم الديمقراطية التي يتحدث عنها الناس تنقسم إلى قسمين: ديمقراطية يكون التشريع فيها بغير ما أنزل الله، ويخترع الناس أحكاماً فيما يتعلق بالدماء والأعراض، توافق أهواءهم، فهذا كفر وخروج عن دائرة الإسلام. والقسم الثاني: آلية الديمقراطية وهي الانتخابات، مثلاً مجموعة من الناس ينتخبون لهم شخصاً يكون مسئولاً عنهم، فإذا كان انتخبه مجموعة من الناس ليكون مسئولاً عنهم، ويحكم بما أنزل الله فإن هذه الانتخابات وسيلة من الوسائل، تناقش من جهة أخرى غير جهة التشريع. نقول: إن الأصل في أخذ الرأي أن يكون لأهل الحل والعقد، وأهل التمييز، وأن لا نسوي بين إنسان عادي صاحب ثقافة بسيطة مع عالم من العلماء، أو مع رجل مفكر أصحاب العقول الواعية، ولهذا فطريقة الانتخاب في الشرع تختلف عن الطريقة العصرية التي هي طريقة الديمقراطية. فالانتخاب في الشرع يتم عن طريق أهل الحل والعقد، هناك مجموعة في كل أمة من الأمم -وفي الأمة الإسلامية بالذات- يسمون أهل الحل العقد، كعلماء مؤثرين، أو رؤساء الأجناد الذين يؤثرون في الناس، أو مشايخ القبائل من أهل الصلاح، هؤلاء يجتمعون فيرشحون الشخص الذي يحكمهم أو يدير شئونهم، هكذا يكون الانتخاب، هذا إذا كان انتخاباً مجرداً. أما الديمقراطية الغربية فحقيقتها أن الناس يجتمعون ويرشحون أشخاصاً ينوبون عنهم، يسمونهم النواب، وهؤلاء النواب يشكلون لجنة للتشريعات، يعني: تشرع للناس قوانين، وهل المقصود بها تشريعات إدارية، يعني: عبارة عن أنظمة إدارية كتحديد الدوام من الساعة السابعة إلى الساعة الثانية عشرة مثلاً؟ لا، ليست كذلك، فإن هذه أنظمة عادية ليس فيها إشكال، ولا يتجاوزها إلى درجة أنهم يشرعون للناس فيما بيّن الله عز وجل فيه من الأحكام، مثل القتل يشرعون فيه تشريعاً، والزنا يشرعون فيه تشريعاً، والعقار يشرعون فيها تشريعاً، والملكية يشرعون فيه تشريعاً، والبيع والشراء يشرعون فيه تشريعاً، وهذه التشريعات ليست تشريعات ربانية يأخذونها من النصوص، وإنما هي تشريعات مأخوذة من أهوائهم وأمزجتهم؛ ولهذا عندما يجتمعون يطرحون مسألة من المسائل، وأي مسألة من المسائل يحق لأي نائب من النواب أن يعترض عليها ولو كان الأمر فيها شرعياً. ففي بعض البلدان الإسلامية مع الأسف طُرِح نظام اسمه نظام العقوبات الشرعية، طرحه مجموعة من الإسلاميين الذين كانوا يشاركون في البرلمان، أو في مجلس الأمة -كما يسمونه- هذه التشريعات الإسلامية تقضي أن تقطع يد السارق إذا تحققت الشروط، وإذا زنا الزاني يجلد، وإذا قتل القاتل يقتل، بالضوابط الشرعية؛ فما هو موقف هؤلاء؟ قالوا: نحن نرفض هذا جملة وتفصيلاً، لأننا لو فعلنا ما تريدون لجعلنا نصف البلد مقطوعي الأيدي، والنصف الثاني مجلودي الظهور، وهذا فيه اعتراف بأن البلد كله ما بين زناة وسارقين، وهذه مصيبة من ناحية أدبية، وأعظم منها أنها مصيبة من ناحية شرعية، كيف ترد كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذا فإن هذه المصيبة التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان هي في الحقيقة كفر مخرج عن الملة، وهذا الأمر الخطير بهذا الأسلوب جعل كثيراً من الناس يتردد؛ لأن كثيراً من الناس ظن أنك إذا قلت: إن الحكم بغير ما أنزل الله ناقل عن الملة أنه يلزمك أن تكفر كل الحكومات، وظن أنه إذا لزمك أن تكفر كل الحكومات فإنه يلزمك أن تقاتلها في هذا الوقت. وهذا غير صحيح بهذا الأسلوب؛ ولهذا فإن كثيراً من الناس بدأ يتراجع عن تكفير الحكم بغير ما أنزل الله بهذه الطريقة، وأصبح بعض الناس يقسم الكفر إلى كفر عملي لا ينقل عن الملة، وإلى كفر اعتقادي ينقل عن الملة بناءً على هذا، وحصلت فتنة كبيرة جداً في مفهوم الإيمان بسبب الهروب من الواقع، وبسبب الخوف من الواقع الموجود في حياة الناس، وشدة الأزمة الموجودة، وجعل كثيراً من الناس يهرب ويغير بعض القناعات الشرعية التي دلت عليها النصوص بسبب الواقع الموجود. والحقيقة أنه لا ينبغي للإنسان أن يكون بهذه الصورة، فالحقائق الشرعية ثابتة لنا في هذا الزمان وللأمة بعد ألف سنة، فالحقائق يجب أن تبقى هي الحقائق بغض النظر عن الواقع هل هو سيئ أو حسن؟ فهذه قضية أخرى، لكن الحقائق الشرعية التي دلت عليها النصوص يجب أن تكون كذلك. ومن الحقائق الشرعية أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد وينقص، وأن الكفر منه ما هو عملي، ومنه ما هو اعتقادي، وأنه ينقسم إلى قسمين: كفر أصغر وكفر أصغر، وأن الحكم بغير ما أنزل الله هو بحسب نوع الحكم، فمنه ما ينقل عن الملة ومنه ما لا ينقل عن الملة، فهذه الحقائق الشرعية يجب أن تكون ثابتة ومستمرة معنا.

الواقع وكيفية التعامل معه

الواقع وكيفية التعامل معه أما الواقع وكيفية التعامل معه، فهذه قضية أخرى يمكن أن تناقش بشكل آخر، غير الشكل المخيف الذي يتصوره بعض الناس، حتى إنه تكلم بعض الناس بالمطالبة بتطبيق الإرجاء في حياة الأمة، حتى يتقلص التكفير كما يقولون، فبعض الناس يقول: الآن صار التفكير موجة، ونحن نريد تقليص هذه الموجة! ونحن نقول: إن التكفير في حد ذاته حكم شرعي، فإذا كان بحق فهو ملزم شاء الإنسان أم أبى، وإذا كان بغير حق فيجب أن يرد، سواء كثر أم لم يكثر، لكن السؤال هو أن نقول: هل الواقع فيه كفريات كثيرة ولهذا كثر التكفير، أم أنه ليس هناك كفريات، لكن هؤلاء غلاة؟ فإذا جاء الإنسان مثلاً من أهل الحق يقول: هذا كفر، ثم يكفر ثانياً يقول: هذا كفر، ثم يكفر ثالثاً يقول: هذا كفر، ثم يكفر رابعاً يقول: هذا كفر، فبعض الناس لا ينتقد الكفار الذين كفروا ولكن ينتقد صاحب الحق؛ لأنه قال: هذا كفر وهذا كفر. إذاً: المسألة لها حالتان: إما أن يكون الكفار فعلاً بدءوا يكثرون، وهؤلاء المكفرون لا علم لهم إلا بهذه المسائل، فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تكون النظرة الحقيقة هي للكفار الموجودين، وإصلاح المجتمع من حيث بيان الأحكام الشرعية وتخويف الناس، وإن كان ليس هناك كفريات، أو كان هناك كفريات محدودة جداً، وهؤلاء المكفرون غلاة، فلا بد أن يرد على الغلاة، ويقال: اتقوا الله عز وجل، لا تكفروا المسلمين بغير وجه حق، أو بغير الوجه الشرعي!

التفصيل في مسألة التكفير

التفصيل في مسألة التكفير من الذي يفصل في القضية؟ هل السبب هو كثرة التكفير، وهو أن كثيراً من الناس بدءوا يكفرون؟ سواءً على شكل دول أو على شكل أشخاص أو على شكل مفكرين؟ أم السبب هم هؤلاء الذين نتهمهم بالغلو، فكيف يمكن التمييز بين هذا وبين هذا؟ فلابد أن ننظر إلى هؤلاء الذين يكفرون، ونقول لهم: لماذا أنتم تكفرون؟ قالوا: نحن نكفر لكذا وكذا وكذا وكذا وكذا، فننظر إلى هذه الحيثيات التي يذكرونها من زاوية شرعية، يقولون مثلاً: إن الحكم بغير ما أنزل الله بهذه الطريقة الموجودة الآن، وهي أخذ القانون الفرنسي أو أخذ القانون الأمريكي البريطاني وتطبيقه على الناس، أو أخذ قانون الهوى وتطبيقه على الناس، هذا كفر لا شك فيه. فلابد من سؤال الشخص الذي يقول: هذا كفر، نقول: هو كفر فعلاً، لكن ما ذنب هذا المسكين؟ هل هو الذي بدل شرع الله؟ لا، فالمفترض أن تنتقد الذي بدل شرع الله، وتنتقد الذي كفر في الحقيقة، ولا تنتقد هذا الذي بين الأحكام؛ ولهذا أحياناً تنتشر الكفريات في المجتمع انتشاراً كبيراً جداً، فإذا ظهر عالم أو طالب علم وبدأ يبين هذه الأحكام لكثرتها في الواقع يجد بعض الناس أن طالب العلم أو الشيخ أو العالم عنده غلو، مع أن الواقع أنه ليس عنده غلو، لكنه يبين الأحكام الشرعية، لكن الواقع مأساوي! عندما ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله اتهمه الناس بالغلو؛ لأن الناس يقفون حول القبور ويذبحون لغير الله، وينذرون لغير الله، فبين أنها كفر، لكنهم كانوا أصحاب زعامات وأصحاب سلطان، وعندهم علماء ومشايخ، وعندهم أموال وجيوش، وعندهم أشياء كبيرة ليست بسيطة، لهذا السبب روجوا دعاية على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه يكفر المسلمين. والحقيقة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكفر المسلمين، وإنما كَفَّر من وقعوا في الكفر حقيقة، والذي يرجع للرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب يشعر بعمق المأساة التي يعاني منها الشيخ، فمن الرسائل التي يكتبها، يقول: وقد اتهمنا فلان بن فلان بأننا نكفر، وهذا باطل، نحن لا نكفر المسلمين، لكن كثيراً من الناس وقع اليوم في الكفر، فهو يطوف حول القبور، ويستغيث بغير الله، ويطلب من الأولياء أن يدخلوه الجنة، أو أن يخرجوه من النار، وهذا كفر بإجماع المسلمين، ولا شك فيه. فهذا رجل فاضل من علماء المسلمين ظهر في مجتمع انتشر فيه الكفر، فما هو ذنب هذا العالم؟ والنقاش الحقيقي الصحيح هو أن لا يقال لهذا العالم: لماذا أنت تكفر؟ وإنما يقال له: هل أنت تكفر بمكفرات حقيقية، أم بمكفرات غير حقيقية؟ فإذا كان يكفر بمكفرات حقيقية فهو معذور، والمجتمع السيئ يجب أن يصلح، لكن إذا كان يكفر بسبب معصية من المعاصي، كأن يقول للزاني: أنت كافر، فهذا من الخوارج، ويجب أن يواجه، ويجب أن يرد عليه، وهذا هو الواقع المأساوي الذي نعيشه اليوم. إذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وجد في زمن انتشرت فيه الكفريات مع العوام، كالطواف حول القبور والذبح لغير الله عز جل، فقد كان هناك قرى في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو إمارات لها حكام يدعمون هذا الشرك، وتكلموا على الشيخ واتهموه في دينه، وأنه على عقيدة الخوارج، فهذا هو الواقع الذي يعايشه كثير من الناس اليوم. أقول: نعم، كثير كفروا باسم الإبداع، وكفروا باسم التنمية كما يسمونها، وكفروا باسم الحرية، وكثير من الحكومات نحت شريعة الله عز وجل فوقعت في الكفر، وهذا الضغط الثقافي والإعلامي والفكري على أهل السنة الذين يبينون حقائق الدين جعلهم يخرجون أمام الناس كمجموعة من الغلاة يكفرون، ويوجد مع الأسف بعض من ينتسب إلى منهج الدعوة الإسلامية سماعون لهم والعياذ بالله، ويوجد فيهم من يتهم أهل العقيدة الصحيحة بأنهم يكفرون، ثم لا يبينون هل هم يكفرون بحق أو باطل؟ وإذا كان باطلاً فما هو هذا الباطل؟ وما هو الحق؟ فالنقاش العلمي الصحيح يكون في المسائل، وليس في موضوع أن هذا يكفر أو لا يكفر، ومع هذا نقول: ينبغي أن يدرك الإنسان أن هناك فرقاً بين كفر الفعل أو النوع والكفر المعين، فأحياناً قد يكون هناك فعل أو قول أو إرادة كفرية في حد ذاتها، لكن المعين المتلبس بها ليس بكافر، لكن ينبغي أن يعرف الإنسان أن هناك شروطاً وموانع في الجاهل والمضلل والمتأول ونحو ذلك، لا يكفر إلا على ضوابط دقيقة وتفصيلية يمكن أن تراجع في مظانها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تكفير الفرق والأشخاص الذين يقعون في نواقض الإيمان

حكم تكفير الفرق والأشخاص الذين يقعون في نواقض الإيمان Q هل يجوز أن نكفر الفرق والأشخاص الذين يقعون في نواقض الإيمان؟ A الفرق الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)، هذه الفرق ليست من الفرق الكافرة، بل هي من الفرق التي تكون مسلمة، لكن عندها بدعة، مثل الأشاعرة ومثل الصوفية غير الغلاة الذين يقعون في البدع، هؤلاء ليسوا كفاراً. وهناك فرق منتسبة إلى الإسلام مثل الباطنية، هؤلاء كفار، فالإنسان ينظر إلى العقيدة هل هي كفرية أو ليست بكفرية؟ ثم بناء على هذا يميز. ولهذا ينبغي أن لا يتكلم الإنسان في مسائل التكفير إلا بعلم، ولا يجوز للإنسان بأي وجه من الوجوه أن يتكلم في المسائل بالجهل، ونحن لم نؤت إلا من قبل الجاهلين، فتجد أن بعض الشباب ليس من أهل العلم ويتكلم في مسائل كبيرة ويفاصل عليها، وقد يفاصل العلماء وطلاب العلم على مسألة من المسائل، قد لا تكون لديه أدلة هذه المسائل. فهناك فرق بين العناية بالمسائل الشرعية والتزامها، وبين تطبيق هذه المسائل الشرعية على الواقع، فأحياناً بعض المشكلات الواقعية لا يصح فيها انفراد شاب أو شابين أو عشرة أو مائة أو مائتين برأي. فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تعرض له بعض المسائل التي هي أقل من مسائل التكفير، وأقل من المسائل التي تحتاج أن تناقش ويجمع لها أهل بدر، ومع هذا تجد في الواقع اليوم أشخاصاً يتكلمون أو يتصرفون تصرفات هي في حاجة إلى أن يجتمع لها كبار العلماء، وبحاجة إلى أن يجمع لها كبار الدعاة والمختصين، فينبغي أن يدرك الإنسان هذه القضية، وأن التكفير حكم شرعي، لا يجوز للإنسان أن يتكلم فيه إلا بعلم، وأن تكفير المعينين يحتاج إلى وجود شروط وانتفاء موانع، والتساهل في هذا خطير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما). ومع هذا كثير من الناس يتساهل، فيكفر حكومات أو يكفر أشخاصاً أو يكفر علماء بدون علم، وذكرت لكم قاعدة سابقة أن الإنسان الذي يقع في خطأ يعذر فيه الناس، أحسن من الذي يقع في خطأ يعاقب فيه الناس، يعني: الخطأ في المعذرة خير من الخطأ في العقوبة، والأصل أن من انتسب إلى الإسلام وادعاه فهو مسلم، وأنه لا نخرجه من الإسلام إلا ببينة واضحة. فينبغي إدراك هذه المسائل، فنحن أمة متوسطة، بعيدة عن الغلو، وبعيدة أيضاً عن تمييع حقائق الدين، وكما أن تمييع حقائق الدين مذموم، فكذلك الغلو مذموم، ينبغي أن نحذر من الغلو أيضاً والمبالغة، وأن نصدر عن أهل العلم، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الواقعية والقضايا الدعوية والقضايا المتعلقة بمسائل المواجهة والجهاد ونحو ذلك، كل هذه المسائل يجب أن يصدر الشباب وطلاب العلم عن أهل العلم فيها، وأن يستشيروا أهل العلم، وأن لا ينفردوا فيها برأي، فهي من المسائل الحساسة والخطيرة التي قد يقع الإنسان في مزلق بسببها وهو لا يشعر.

ذكر أمثلة للتأويل الذي لا يكفر صاحبه به

ذكر أمثلة للتأويل الذي لا يكفر صاحبه به Q هذا سائل يريد ذكر أمثلة للتأويل الذي لا يكفر صاحبه به في العقيدة؟ A مثلاً الذين يؤولون من الأشعرية بعض الصفات، مثل الصفات الفعلية فيقولون في صفة النزول: ينزل أمره، أو ينزل ملكٌ من الملائكة، ويؤولون اليدين بأنها القدرة ونحو ذلك، هؤلاء لا يكفرون، لكن التأويل الذي لا يقبل مثل تأويل الباطنية الذين يؤولون الصلوات الخمس: بأنها علي وفاطمة والحسن والحسين ومحسن.

تجنب الإنسان الخوض في مسألة التكفير وتركها لأهل العلم

تجنب الإنسان الخوض في مسألة التكفير وتركها لأهل العلم Q نرجو توضيح شروط وضوابط تكفير شخص ما، لانتشار هذا الأمر بين أوساط الشباب الملتزم. A أحب أن أنبه إلى قضية مهمة، وهي أنه ينبغي على طالب العلم أن ينشغل بمسائل الدين في الفقه وفي العقيدة وفي اللغة وفي الأحكام الشرعية، وأن يطلب العلم، وأن يقرأ الأدلة، ويحفظ القرآن، وإذا جاء إلى مسائل الإيمان والكفر يقرأ الضوابط والقواعد الشرعية. ومع الأسف أن كثيراً من الناس يناقشون بهذه الطريقة، هذا فلان بن فلان مثلاً، هل هو كافر أو ليس بكافر؟ يجلس مجموعة من الشباب ليس فيهم عالم ولا طالب علم، ويتكلمون في هذه المسألة، والتطبيق على الواقع يقع فيه مشكلات كثيرة؛ لأنه أحياناً يكون الإنسان ليس من أهل العلم ولا هو من أهل الخبرة، ولا هو شخص يعرف هذا الحاكم أو هذه الحكومة أو هذا المثقف أو هذا الشخص معرفة دقيقة، وإنما سمع سماعاً، فيتكلم في هذه المسألة. أنا أقول: ينبغي على طالب العلم أن يبتعد عن هذا النوع من الكلام، ويترك تطبيق الواقع لأهل العلم، ويلتزم بشورى أهل العلم ورأي أهل العلم، وينشغل بدراسة المسائل وفهمها، وإذا كان هناك كفر ظاهر نعتقد بكفره، لكن أنا أتكلم عن المعينين، وأحياناً قد يكون المعين كافراً، لكن فيما يتعلق في كيفية التعامل معه، وكيف يمكن إصلاح المجتمع، وكيف يمكن تغيير المنكر، هذه يعود فيها الإنسان إلى أهل العلم، فهم أهل الشورى في هذا الباب. ولا يصح للإنسان أن يتخبط وهو طالب علم صغير أو شاب أو لديه معلومات بسيطة، فإن مشوار العلم والدعوة طويل بين يديه، لا ينبغي له أن يتخبط ويتكلم في قضايا صعبة قد يحار فيها كبار المشايخ؛ لأن الكلام على المعينين تحتاج إلى معرفة بواقع المعين، والمعرفة بواقع المعين يحتاج إلى دراسة وخبرة وارتباط واحتكاك بهذا المعين، فكونك تكفر مثلاً الحاكم الفلاني أو الوزير الفلاني أو المثقف الفلاني؛ لأنك سمعت من أشخاص أو مجموعة من الشباب تكلموا بهذا الكلام، هذا في حد ذاته لا يكفي؛ ولهذا نحن نعتقد مثلاً أن إعانة الكفار على المسلمين كفر لا شك فيه، ونعتقد أن تنحية الشريعة عن الأحكام وتطبيق الأحكام الوضعية كفر لا شك فيه، وأن هناك مع الأسف حكومات تنتسب إلى الإسلام لا تحكم شرع الله، وأنها وقعت في الكفر بلا شك، لكن كيف يمكن للإنسان أن يصلح مثل هذه المنكرات؟ ينبغي أن يرجع الإنسان إلى أهل العلم. وهناك قاعدة عامة في هذا الموضوع، وهو: أن الأصل هو دعوة المجتمع، وإصلاح المجتمع، وتغيير المنكر بما يستطيعه الإنسان، وإصلاح الشباب، وإصلاح النساء، وإصلاح الآباء، والدعوة إلى الله من خلال المساجد، ومن خلال الكتابة في الصحافة، ومن خلال العمل المفيد والنافع للناس. نحن نريد أن نجمع الإيجابيات من أطرافها، نريد أن نجمع إيجابية الثبات على المنهج السلفي الصحيح، وهو الضوابط الشرعية المتعلقة بالإيمان والكفر، وأن نحفظها، وأن نضبطها، وأن نتقنها، وبحاجة أيضاً إلى إصلاح المجتمع، والارتباط بأهل العلم فيما يتعلق بكيفية إنكار المنكرات.

دراسة موضوعية [12]

دراسة موضوعية [12] الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأهل السنة لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، ولا يسلبون الفاسق اسم الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، والفاسق يدخل في اسم الإيمان العام ولا يدخل في اسم الإيمان المطلق، بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.

كيفية تلقي العلم عن المشايخ وأهمية ذلك

كيفية تلقي العلم عن المشايخ وأهمية ذلك في الدرس الماضي تحدثنا عن مسائل الإيمان والكفر، وتحدثنا عن حقيقة الإيمان ومفهومه، وعن زيادة الإيمان ونقصانه، وأيضاً تحدثنا عن تأثير المعاصي، وأنها تنقص الإيمان، ولا تزيله بالكلية إلا الأمور الشركية والكفرية، فإن الكفر الأكبر يزيل الإيمان، كما أن الشرك الأكبر يزيل الإيمان، أما المعاصي والذنوب فإنها لا تزيل الإيمان بالكلية، وإنما تنقصه. والأمور الكفرية والشركية لها ضوابطها ولها أصولها عند أهل العلم، ومن أبرز الأمور الكفرية: تكذيب الرسول، أو تكذيب رب العالمين، أو السب أو اللعن، أو الشتم أو الاستهزاء، أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، أو عدم الإيمان بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، أو تحكيم غير شريعة الله سبحانه وتعالى، وذلك بالإتيان بشريعة أخرى بدلاً عنها، ونحو ذلك مما يسميه أهل العلم نواقض الإيمان. واليوم إن شاء الله سنستعرض ما يتعلق بموضوع الإيمان في الكتب المقررة الثلاثة: وهي (حائية ابن أبي داود) و (لمعة الاعتقاد) و (الواسطية) وسنعلق إن شاء الله على الأحاديث والآيات التي سترد علينا إن شاء الله. وقبل ذلك نقرأ قليلاً في كتاب (حلية طالب العلم)، وقد توصلنا في الدرس الماضي إلى الكلام على تلقي طالب العلم، وأنه ينبغي عليه يبدأ الطالب بأصول العلم قبل فروعه، وأن يشتغل بضبط قواعد العلوم الشرعية، سواء في العقيدة أو في الفقه أو في أي علم من العلوم التي تكون مساندة للعلوم الشرعية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى ما هو أعلى، ثم إلى ما هو أعلى، حتى يستطيع أن يقرأ المطولات وأن يستفيد منها، دون أن يشوش على نفسه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأدب السابع عشر: تلقي العلم عن الأشياخ. الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق وهو المعلم. أما الثاني عن الكتاب، فهو جماد، فأنى له اتصال النسب؟]. يعني: التلقي عن المشايخ لطلب العلم له أهمية؛ لأن الشيخ المتقن يكون قد سبق هذا الطالب في دراسة هذا العلم وعرف قواعده، وعرف أصوله، وعرف ما يتعلق به من ضبط لنصوصه، ونحو ذلك. فالإنسان يستفيد من الشيخ فيما يتعلق بضبط المنقولات، مثل: الآيات، أو الأحاديث، أو المنظومة، أو المتن الذي يقرأ على هذا الشيخ إذا كان متناً منثوراً، ونحو ذلك، بحيث إن هذا الشيخ يعلم الطالب النصوص الصحيحة بصورتها الصحيحة، هذا بالإضافة إلى الفهم الصحيح لهذه النصوص ومقاصد أهل العلم في كلامهم، فإن الإنسان إذا اعتمد على القراءة المجردة، فإن القراءة المجردة لا تكفيه في معرفة المقاصد الدقيقة لكلام أهل العلم، فأهل التخصص وأهل الدراية وأهل المعرفة لاشك أنهم أعرف بمقصود صاحب الكتاب، أو بمقصود العلم من غيره، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يحرص على التلقي عن أهل العلم، فهم يختصرون له مشواراً طويلاً، هذا بالإضافة إلى أن أهل العلم قد سبقوا في معرفة أطراف هذا العلم؛ لأن الإنسان إذا اعتمد على نفسه قد يأخذ من العلم الشرعي بطرف واحد، ثم يظن أن هذا الطرف هو الأساس، ويظن أنه قد جاء بالعلم كله بينما هو في الحقيقة لم يكتشف إلا جزءاً يسيراً من هذا العلم، ولهذا ينبغي أن يتلقى الإنسان عن المشايخ. قال: [وقد قيل: من دخل في العلم وحده خرج وحده، أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق. وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب المتوفى سنة (453) هـ، وقد رد عليه علماء عصره ومن بعدهم. قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له: ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنف كتاباً في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط، انتهى. وقد بسط الصفدي في (الوافي) الرد عليه، وعند الزبيدي في شرح الإحياء عن عدد من العلماء معللين له بعدة علل؛ منها ما قاله ابن بطلان في الرد عليه: السادسة: يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم، وهى معدومة عند المعلم، وهى التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، والغلط بزوغان البصر، وقلة الخبرة بالإعراب، أو فساد الموجود منه، وإصلاح الكتاب، وكتابة ما لا يقرأ، وقراءة ما لا يكتب، ومذهب صاحب الكتاب، وسقم النسخ، ورداءة النقل، وإدماج القارئ مواضع المقاطع، وخلط مبادئ التعليم، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة، كالنورس، فهذه كلها معوقة عن العلم، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم، وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه. قال الصفدي: ولهذا قال العلماء: لا تأخذ العلم من صُحفي ولا مصحفي. يعنى: لا تقرأ الق

حقيقة الإيمان ومعناه ولوازمه في الحائية

حقيقة الإيمان ومعناه ولوازمه في الحائية

التحذير من التكفير وبيان أنواعه

التحذير من التكفير وبيان أنواعه نبدأ أولاً (بحائية ابن أبي داود) قال: [ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي وذو العرش يصفح] وقوله: (ولا تكفرن أهل الصلاة) يعني: أنه لا يجوز للإنسان أن يكفر أهل القبلة الذين يصلون، فإن المصلي ومن يظهر الإسلام لا يجوز للإنسان أن يكفره إلا ببينة وبيقين، فالتكفير حكم شرعي لا يجوز للإنسان أن يستعجل فيه، ولا يجوز للإنسان أن يطلقه في غير محله، وهناك قضايا ينبغي أن ندركها فيما يتعلق بالتكفير: أولاً: أن التكفير -كما قلت- حكم شرعي، ولا يجوز للإنسان أن يتكلم فيه إلا بعلم؛ لأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما) يعني: إما أن تقع على هذا الإنسان الذي قيل له: يا كافر، وإما أن ترجع إلى صاحبها فتقع عليه والعياذ بالله. ولهذا ينبغي للإنسان أن يحتاط لدينه، وأن يبتعد عن تكفير الناس بغير بينة، وألا يكون شغله الشاغل هو الكلام في التكفير. الأمر الثاني: أن يحرص الإنسان على تعلم الأحكام الشرعية، وأن يشتغل بطلب العلم بدل أن يشتغل بتكفير الناس، فإن تكفير الناس ليس فيه مصلحة ولا فائدة، إلا إذا وقع الكفر في حياة الناس، فإنه يجب التحذير من هذا الكفر، ويجب إصلاح المجتمع، أما الحكم على الأفراد، فهذا يختلف من فرد إلى فرد ومن حالة إلى حالة، ولسنا مطالبين بالحكم على الأشخاص، وفي يوم القيامة لن يحاسبك الله على أنك لم تحكم على فلان بأنه كافر، إلا إذا كان قد وقع في الكفر حقيقة وحكمت أنت بإسلامه؛ لأنه ليس مطلوباً من الإنسان أن يستعرض الناس شخصاً شخصاً ثم يطلق ويقول: هذا مسلم وهذا كافر وهذا منافق وهذا ضال، وهذا كذا، ليس هذا مطلوباً من الإنسان، وليس هو من الأحكام التكليفية أصلاً بالنسبة للأفراد، ولهذا ينبغي أن يكون الإنسان حريصاً على دينه، ويبتعد عن هذه القضايا. الأمر الثالث: من القواعد المتعلقة بالتكفير أن الإنسان لا يجوز له أن يكفر من ثبت إسلامه بيقين، ما دام أن هناك محملاً يمكن أن يحمل عليه كلامه، فمثلاً: موضوع مثل موضوع التعاون مع الكفار على المسلمين كفر بدون شك، لكن هل يعني هذا أن كل من وقع منه ذلك يكون كافراً خارجاً عن الإسلام؟ لا، ليس بالضرورة؛ لأن في بعض الأحيان يكون الفرد الواحد مع ألوف مؤلفة من الجنود والعساكر ونحو ذلك، وقد يقع في هذا المنكر؛ لكنه لم يتبين ولم يفهم هذا الحكم، فلا ينزل عليه حكم التكفير مباشرة، وقد يقع التعاون مع الكفار على المسلمين من مائة ألف شخص، فيكفر مجموعة منهم، ومجموعة لا يكفرون، ولهذا لا يعني إذا وقع الإنسان في أمر من الأمور التي تعتبر كفراً أنه يكون كافراً مباشرة، ولهذا قسم أهل العلم أهل التكفير إلى نوعين: كفر النوع، وكفر العين. كفر النوع: أن يقال: هذا القول كفر، هذا العمل كفر، هذا الاعتقاد كفر، لكن المعين عندما يفعل شيئاً من الأمور الكفرية؛ فإنه لابد فيه من وجود الشروط وانتفاء الموانع، وأحوال الناس تختلف، فأحياناً قد يشترك عشرة في عمل واحد حكمه في الشرع أنه كفر، ولا يكفر منهم إلا واحد أو اثنان؛ لأنه قد يكون عند فلان مانع من الموانع لا يقع منه الكفر، إما أن يكون جاهلاً، أو غير متصور الأمر، أو ضلل، أو كذبوا عليه، أو أفتاه شخص بالباطل، أو نحو ذلك، وهذا لا يعني أنه معذور، فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله، لكن التكفير أمره أكبر وأصعب. ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون حريصاً على دينه، وأن يبتعد عن التكفير الذي يكون بالجملة، عندما يكفر الإنسان بلداً بأكمله، أو يكفر مجموعة بأكملها، أو يكفر جيشاً بأكمله، هذا غير صحيح، وهذا من الغلو، ولا يعني هذا أن فعلهم وتصرفهم صحيح، فإنهم وقعوا كما قلت في كبيرة من كبائر الذنوب، لكن قد لا يكفر شخص وتكون عليه آثام عظيمة، وفلان من الناس الذي عرف حقيقة الأمر قد يكفر، مع أنه اشترك هو وشخص آخر في عمل واحد. إذاً: ما دام هناك مجال أن يتأول الإنسان لشخص من الأشخاص، فإنه ينبغي للإنسان ألا يكفر؛ لأن هناك قاعدة ذهبية عظيمة وهي: أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، عندما تخطئ أنت فتقول: إن فلاناً مسلم؛ لأن الأصل أنه نطق الشهادتين وصلى وصام وحج، فخطؤك هنا أخف من خطئك عندما تكفره، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على البعد عن تكفير المعينين، وأن ينظر إلى كلام أهل العلم، وأن يستفيد من أهل العلم، فقوله: (ولا تكفرن أهل الصلاة) يعني: أهل القبلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا)، فإذا كان الإنسان من أهل القبلة فالأصل فيه أنه من المسلمين، وإذا كان يقول: لا إله إلا الله، ويعمل بأعمال الإسلام بشكل عام، فالأصل فيه أنه من المسلمين، وإذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام فإنه ينظر في حاله، فإن كان له معذرة، فإنه يعذر ويحذر أشد التحذير من هذا العمل.

تعريف أهل السنة للإيمان

تعريف أهل السنة للإيمان [ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح وينقص طوراً بالمعاصي وتارة بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح]. هذه الأبيات تتعلق بموضوع الإيمان، وهي مشتملة على موضوعات متعددة سبق أن أشرنا إليها، منها تعريف الإيمان، ولهذا قال: (وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح). يعني: أنه عرف الإيمان بأنه قول ونية وفعل، وقلنا: هذا أحد التعريفات التي عرف بها السلف الإيمان، فإن هناك تعريفات متعددة للسلف في باب الإيمان. قال بعضهم: إن الإيمان قول وعمل. وقال بعضهم: الإيمان: قول وعمل ونية، وقصدوا بالنية عمل القلب. وقال بعضهم: هو قول وعمل ونية واتباع للسنة. وقال بعضهم: هو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان وكل هذه التعريفات صحيحة، فهي تعبر عن حقيقة واحدة، فمن قال: إن الإيمان قول وعمل، قصد قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح. ومن قال: إن الإيمان قول وعمل ونية، خشي أن يفهم بعض الناس من قوله: عمل، عمل الجوارح، ويغفل عن عمل القلب فأفردها، وقال: قول وعمل ونية. والذي قال: الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة وزاد: اتباع السنة، أراد أن ينبه إلى أن القول بدون اتباع السنة لا يكون مقبولاً، والعمل كذلك، والنية كذلك إذا كانت غير موافقة للسنة لا تكون مقبولة. ومن عرف الإيمان بأنه قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، نظر إلى تعريف الإيمان باعتبار جوارح الإنسان، فمنه ما يتعلق بلسانه، ومنه ما يتعلق بقلبه، ومنه ما يتعلق بجوارحه، فهذه التعريفات كلها صحيحة، والمعنى واحد وهو: أن الإيمان لابد فيه من قول اللسان، ومن تصديق القلب، ومن عمل القلب مثل: الخشية، والتوكل، والمحبة والرجاء ونحو ذلك، وعمل الجوارح أيضاً. ونبه إلى زيادة الإيمان ونقصانه فقال: (وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح) يعني: الإيمان ينقص بالمعاصي وينمو بالطاعة، فهو يزيد وينقص على نحو ما سبق وبيناه، لكن المعاصي لا تزيل الإيمان بالكلية، وهذا من الفوارق بين عقيدة أهل السنة والخوارج، فالخوارج يرون أن كبائر الذنوب إذا اقترفها الإنسان يكون كافراً، فهم يكفرون من فعل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ويرون أنه يكفر بمجرد النقص في العمل؛ بينما أهل السنة يرون أن عمل الجوارح وعمل القلوب واسع، منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو أصل في الإيمان، يزول الإيمان بزواله، فليس كله نوعاً واحداً، ولهذا قال عن أصحاب المعاصي: (ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي وذو العرش يصفح) يعني: أصحاب المعاصي عندنا مؤمنون بإيمانهم، فساق بمعاصيهم، ولهذا يسميهم بعض أهل العلم: الفاسق الملي، يعني: أن الشخص في ملة الإسلام، لكنه فسق بمعصيته، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالذنوب والمعاصي، إلا نواقض الإيمان، فنواقض الإيمان ليست مثل الزنا، وليست مثل شرب الخمر، وليست مثل السرقة، نواقض الإيمان تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام، مثل: الشرك بالله، ومثل: الاستهزاء بالدين، ومثل: سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغضهم أو بغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو التحاكم إلى شريعة أخرى غير شريعة الإسلام، أو نحو ذلك، فكل ذلك من الشرك الذي ينقل عن دائرة الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله. فهناك فرق بين نواقض الإيمان وبين الذنوب والمعاصي، فنواقض الإيمان حتى لو ارتكبها شخص من أهل القبلة فإنه بفعله هذا ينقض إيمانه؛ لأن نواقض الإيمان تزيل الإيمان بالكلية، إلا إذا كان له عذر، كأن يكون جاهلاً أو متأولاً، أو غافلاًً أو ناسياً، أو أياً من الأعذار التي تمنع التكليف عن الإنسان، فإنه يكون معذوراً بهذه، ويكون قد ارتكب بفعله هذا كبيرة من كبائر الذنوب، ويحذر من هذا الفعل الخطير الذي هو ناقض من نواقض الإيمان.

فساد عقيدة المرجئة والخوارج في الإيمان والكفر

فساد عقيدة المرجئة والخوارج في الإيمان والكفر لقد بين المؤلف رأيين فاسدين في الإيمان والكفر: الرأي الأول: رأي الخوارج، والرأي الثاني: رأي المرجئة. فأما الخوارج فهم متشددون في باب الإيمان وهم من الغلاة، فإنهم غلوا في باب الإيمان وكفروا أصحاب الكبائر، وقالوا: إن أصحاب الكبائر كفار، إذا زنى الزاني عندهم يكون كافراً، وإذا سرق السارق يكفرونه، وإذا قتل القاتل يكفرونه، ونحو ذلك من الكبائر، وهذا غلو وإسراف، فأصحاب الكبائر ليسوا كفاراً وإن كان إيمانهم ناقصاً، ولهذا شرع الله العقوبات والحدود، فلو كانت هذه الأعمال تخرج عن دائرة الإسلام لما كان للحدود معنى، لماذا يجلد الزاني إذا كان شاباً عزباً ويرجم إذا كان محصناً؟ لأن هذه الحدود تطهر أصحابها، وهذا يدل على أنها وقعت على أشخاص عقوبة مع بقائهم على الإسلام. وكذلك القتل، ولهذا قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] فلو كان القاتل يخرج عن الإسلام لما جاز العفو عنه، مع أنه يجوز العفو عنه وأخذ الدية حتى لو كان قاتلاً، هذا في حالة القاتل قتل العمد، أما في حالة القاتل قتل الخطأ فإن فيه الدية كما هو معلوم، فرأي الخوارج خطير؛ لأنهم يكفرون المسلمين، ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: كلاب أهل النار، ولهذا فالتشدد والغلو ليس فيه خير، والواجب الالتزام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم دون غلو مثل غلو الخوارج، ودون تفريط مثل تفريط المرجئة كما سيأتي. فالخوارج غلوا فكفروا المسلمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلم عن الخوارج في أحاديث وردت عنه، وذلك عندما اعترض عليه الرجل الذي جاءه يوم حنين وقال: (اعدل يا محمد! قال: ويلك فمن يعدل إن لم أعدل، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا -يعني: من ظهره- أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وهذا يدل على خطورة عقيدة الخوارج، ولهذا ينبغي للإنسان أن ينضبط في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بعيداً عن الغلو الذي أوصل الخوارج إلى أن أصبحوا كلاب أهل النار. والخوارج قاتلهم علي بن أبي طالب والصحابة رضوان الله عليهم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس، وأنهم إذا خرجوا فإن أولى الطائفتين بالحق تقاتلهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفرح الصحابة بقتالهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من يقاتلهم فإنهم من خير الناس في زمانهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) وهذا يدل على خطورتهم، مع أنهم عباد يصلون وفي وجوههم مثل ركب المعزى من السجود، وهم من أهل التهجد والصيام، ومع ذلك خالفوا أصل دين المسلمين وكفروا المسلمين. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من أوصافهم: أنهم يقتلون أهل الإسلام ويعذرون أهل الأوثان، يعني: هم أهل حمق، لأنهم يعذرون أهل الأوثان، فهم يعذرون أهل الذمة ونحو ذلك، لكن إذا وجدوا أحد المسلمين قتلوه، فقد قاتلوا الصحابة، وقالوا: قتال الصحابة أولى من قتال الروم، وهذا من جهلهم وضلالهم وانحرافهم. وأيضاً: هناك طائفة أخرى ضد هذه الطائفة تماماً وهم المرجئة، والمرجئة عكس هؤلاء، فالخوارج كفروا المسلمين بالكبائر، هؤلاء المرجئة يرون أن من دخل في نواقض الإيمان فإنه لا يكفر، يعني: لو أن شخصاً جعل يسب الله ويسب الرسول لا يكفرونه، فنقول: لماذا لا تكفرونه؟ قال: لعله مصدق بقلبه، نقول: كيف يكون مصدقاً بقلبه وهو يسب الله ويسب الرسول؟! فهؤلاء المرجئة قالوا: لا تكونوا متشددين تكفرون الناس. فهؤلاء المرجئة عكس الخوارج تماماً، يقع الواحد من الناس في الشركيات كأن يطوف حول القبر، ويذبح لغير الله، وينذر لغير الله، ويسب الله عز وجل، أو يسب الرسول، أو يكفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، أو يتحاكم إلى ملة غير ملة الإسلام، ومع هذا يعذرونه ولا يكفرونه، فهؤلاء عكسهم، وكلتا الطائفتين من أهل البدع والضلالة، ولهذا قال: (ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح)

حقيقة الإيمان وأدلة زيادته ونقصانه في لمعة الاعتقاد

حقيقة الإيمان وأدلة زيادته ونقصانه في لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى: [فصل: والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]]. يعني: ما هو الدين؟ أولاً: أن يعبدوا الله مخلصين له الدين. ثانياً: أن يقيموا الصلاة. ثالثاً: أن يؤتوا الزكاة، وهذه كلها من الأعمال، وهذا يدل على أن الإيمان كما أنه مشتمل على التصديق فهو أيضاً مشتمل على العمل. قال: [فجعل عبادة الله تعالى، وإخلاص القلب، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، كله من الدين]. يعني: لو رجعنا مثلاً إلى كتاب الإيمان في صحيح البخاري سنجد أنه يذكر أصنافاً متعددة من الإيمان، منها: الفرار من الفتن إلى الإيمان، ثم يسوق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال العبد غنيمات يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن) هنا موطن الشاهد: (يفر بدينه من الفتن). وهذا يدل على أن الفرار من الفتن من الدين ومن الإيمان، سواء فتن الشهوات، أو فتن الشبهات، فتن الشهوات مثل صور النساء، الأفلام السيئة، وفتن الشبهات مثل العقائد الفاسدة الضالة. قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فجعل القول والعمل من الإيمان]. قوله: (أعلاها لا إله إلا الله) هذا قول، وقوله: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) هذا عمل. قال: [وقال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:124]، وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:4]]. هذا دليل صريح على أن الإيمان يزيد. قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من إيمان) فجعله متفاضلاً]. قوله: (فجعله متفاضلاً) يعني: يزيد كما قال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:124]. والإيمان ينقص أيضاً حتى يصبح مقدار خردلة من إيمان، أو حبة من إيمان، فهذا يدل على أنه يزيد وينقص أيضاً، فزيادته تكون بالطاعة، ونقصانه يكون بالمعاصي، وهذا يدل على أن المعاصي تنقص الإيمان، لكن لا يذهب الإيمان إلا نواقضه.

الفرق بين قول القلب وعمل القلب

الفرق بين قول القلب وعمل القلب ننتقل إلى العقيدة الواسطية في باب الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح]. قوله: (أن الإيمان قول وعمل) سبق أن بينا أن هذا تعريف من تعريفات الإيمان، وهناك تعريفات أخرى. وقوله: (قول القلب واللسان) هذا تفصيل للتعريف وشرح له، وسبق أن قلنا: إن قول القلب هو تصديق القلب بما جاء في القرآن، وتصديق القلب بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتصديق القلب بوجود الله وربوبيته وألوهيته واستحقاقه للعبادة، وتصديق القلب بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم الماضية والمستقبلية أيضاً، هذا كله قول القلب. وقوله: (واللسان) قول اللسان مثل شهادة أن لا إله إلا الله، والذكر، والدعوة إلى الله، والإصلاح ونحو ذلك. وقوله: (وعمل القلب) ما هو الفرق بين تصديق القلب وعمله؟ التصديق هو مجرد أن يعتقد أن هذا الكلام صدق وأنه كلام الله، ويعتقد أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم صدق، لكن عمل القلب قدر زائد على الصدق، وهذا القدر الزائد هو محبة الله، الخوف منه، التوكل عليه، ولهذا نلاحظ أن المحبة والخوف والتوكل والخشية فيها حركة نحو الله عز وجل. والحقيقة أن التفصيل بين قول القلب وعمل القلب لم يكن موجوداً بهذه الدقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فقد كانوا يعتقدون أن ما في القلب هو الإيمان، مثل: محبة الله والإخلاص له، ويشمل ذلك التصديق والإخلاص والإنابة والخشوع ونحو ذلك، لكن مع تقدم العلم عبروا عن هذه المعاني بتفصيلات علمية، فمثله مثل علم النحو، فالعرب قديماً كانوا يتكلمون باللغة العربية الفصحى بالسليقة بدون تكلف، ولا يعرفون الفاعل ولا المفعول به، ولا المفعول لأجله، ولا المصدر، ولا الحال، ولا الصرف، لكن كانوا يرفعون الفاعل وينصبون المفعول به والحال، فلما دخلت العجمة في الناس أصبح الناس يقعون في أخطاء لغوية، فقام أهل العلم بوضع علم النحو، ثم بدءوا بالتفصيلات العلمية الدقيقة، هذه التفصيلات العلمية كانت العرب تمارسها دون معرفة لهذه المصطلحات. وأيضاً ما يتعلق بموضوع الإيمان، كان الصحابة رضوان الله عليهم يمارسون الإيمان ويعرفون أن في القلب إيماناً، وأن في الإيمان خشية وخوفاً وتوكلاً، لكن التفصيل بين قول القلب وعمل القلب بهذه الدقة جاء بعد ذلك، لأجل التعليم والتفصيل وإفهام الناس، ولأجل وجود الضلال عند المرجئة، حيث فرقوا بين قول القلب وعمله، فأخرجوا العمل من الإيمان، وجعلوا الإيمان هو تصديق القلب فقط. قال: [وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج]. يعني: لا يكفرون بمطلق المعاصي، لكن يكفرون بنواقض الإيمان، أي: يمكن أن نقسم المعاصي إلى قسمين: الأول مطلق المعاصي مثل الكبائر، ومثل مخالفة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه لا يكفر الإنسان بها. القسم الثاني: نواقض الإيمان، ومبطلات الإيمان، مثل: الشرك، والكفر ونحو ذلك من الأمثلة التي سبق أن ذكرناها، فنواقض الإيمان ومبطلات الإيمان تزيل الإيمان، ويصبح الإنسان كافراً، وأما بقية المعاصي فإنها لا تزيل الإيمان. قال: [بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178]]. يعني: اعتبر القاتل أخاً للمقتول، ولو كان كافراً لانتفت عنه الأخوة الإيمانية. قال: [وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]]. قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] يعني: مع أنهم اقتتلوا وصفهم بالإيمان، فوجود الاقتتال لم ينف أصل الإيمان عندهم. قال: [وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:9 - 10]. ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار، كما تقول المعتزلة]. يعني: المعتزلة اتفقوا مع الخوارج في أن الفاسق أو صاحب الكبيرة مخلد يوم القيامة في النار لا يخرج منها، ولا يدخل الجنة، يعني: الخوارج اختلفوا مع أهل السنة في الفاسق الملي في قضايا متعددة من ضمنها: أنهم يكفرونه في الدنيا، ويقيمون عليه أحكام الكفر مثل: أنه لا يرث كذلك ما يتعلق بالأحوال الشخصية: فزوجته لا تبقى حلالاً له، وأيضاً: يرتبون عليه أنه في الآخرة يكون مخلداً، والمعتزلة اتفقوا معهم في أنه في

دراسة موضوعية [13]

دراسة موضوعية [13] من عقيدة أهل السنة الإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به في القرآن أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة من أمور الغيب، كالإسراء والمعراج وعذاب القبر ونعيمه، وأشراط الساعة وغير ذلك.

آداب طالب العلم مع شيخه

آداب طالب العلم مع شيخه قال المؤلف رحمه الله: [ولا تناده باسمه مجرداً، أو مع لقبه كقول: يا شيخ فلان، بل قل: يا شيخي. أو يا شيخنا، فلا تسمه، فإنه أرفع في الأدب، ولا تخاطبه بتاء الخطاب، أو تناديه من بعد من غير اضطرار، وانظر ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:63] الآية. وكما لا يليق أن تقول لوالدك ذي الأبوة الطينية: يا فلان أو يا والدي فلان، فلا يجمل بك مع شيخك! والتزم توقير المجلس، وإظهار السرور من الدرس والإفادة به، وإذا بدا لك خطأ من الشيخ أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينيك؛ فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً. واحذر أن تعامله بما يضجره، ومنه ما يسميه المولدون (حرب الأعصاب)، بمعنى: امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل. وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر فاستأذنه بذلك، فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك، إلى آخر جملة من الآداب يعرفها بالطبع كل موفق مبارك، وفاء لحق شيخك في أبوته الدينية، أو ما تسميه بعض القوانين باسم الرضاع الأدبي، وتسمية بعض العلماء له الأبوة الدينية أليق، وتركه أنسب، واعلم أنه بقدر رعاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون من علامات الإخفاق]. لا شك أن لأهل العلم مكانة ينبغي أن يعطوا إياها، وذلك أن الله عز وجل رفعهم عنده درجات، يقول الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. وإذا كانت الملائكة من عباد الله المكرمين الذين يطيعونه في كل ما أمر، ويتركون كل ما نهى عنه سبحانه وتعالى، ومع ذلك جاء في الحديث المشهور قوله: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)، فإذا كان هذا في حالة طالب العلم، فكيف بحال العالم الذي تقدم به العلم، وأصبح من أهله وحملته، ولهذا يجدر بنا العناية باحترام العلماء، وتقديرهم وإجلالهم، فإن تقدير العلماء من تقدير العلم، وإجلال العلماء من إجلال ما يحملونه من العلم، ولهذا لا يليق أبداً ما نلاحظه هذه الأيام من القدح بأهل العلم، والتنقص منهم وذمهم وعيبهم، فيتهم هذا بالجبن، ويتهم هذا بترك الإنكار، ويتهم ذاك بما يصطلح عليه البعض من الإخوة المتحمسين بأنه انبطاحي، يعني: أنه ليس من الأشخاص الذي يطالبون بالجهاد في كل فترة، وبأي أسلوب. ولا شك أن هذا من أقبح الكلام، فلا يليق بطالب العلم أن يكون طعاناً شتاماً لأهل العلم، وإذا رأى الإنسان في أحد من العلماء نقصاً أو زللاً أو خطأ، فليعلم أن كل إنسان فيه خطأ ونقص وزلل، وأن الإنسان إذا كان فيه خير كثير، وفيه زلل، فإن خيره الكثير ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، وأن ينظر إليه، وأن يدعو الله عز وجل أن يغفر له خطأه وزلله. كما ينبغي للإنسان أن يكون متوازناً بين احترام أهل العلم وتقديرهم، وبين عدم قبول ما لا دليل عليه، فإن العالم مهما كان عالماً قد يقع في الخطأ. ونحن مطالبون شرعاً بالتزام الأدلة الشرعية في القرآن والسنة، لكن لا يعني هذا ذم العالم المخالف وانتقامه، فإن الذم شيء واتباع الدليل شيء آخر، ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يدرك حرمة أهل العلم ومكانتهم، وأن يبتعد عن تنقصهم وازدرائهم، والخطر الكبير على الشخص أن يكون خصيمه يوم القيامة عالماً من العلماء، أو مجاهداً من المجاهدين، أو صادقاً من الصادقين، أو آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ولهذا فالأجدر بالإنسان أن يكون ورعاً في تصرفاته، وألا يذم أحداً، ولا يتنقص أحداً. وإذا كان هناك خطأ في أحد فإنه يبينه مع الالتزام بالأدب والخلق الرفيع، فالخلق وحسن الأدب من أعظم ما يزين الإنسان، ولهذا تحدث أهل العلم بأنه لا يمكن للإنسان أن ينتفع من الشيخ إلا إذا كان صاحب أدب وحسن خلق، أما إذا كان جريئاً طعاناً في أهل العلم، فإن مثل هذا لا يمكن أن يكون مستفيداً فضلاً عن كونه مفيداً للناس، ولهذا فهذه الفقرة تدلك على أهمية أهل العلم، فهذا ابن عباس رضي الله عنه الصحابي الجليل والعالم المشهور والمفسر الذي ليس هناك أعلم منه في هذا الباب كان يأخذ بالركاب لـ زيد بن ثابت، وكان زيد بن ثابت من العلماء أيضاً، فيتعجب زيد بن ثابت من هذا التصرف ويقول: [أتأخذ بالركاب وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: بهذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا]، فإذا كان هذا ابن عباس العالم الجليل فكيف بغيره ممن هو دونه بمراحل متعددة. ولهذا ينبغي على الإنسان أن يقدر أهل العلم، وإذا وجدت أمة من الأمم أو وجدت طلاباً، أو دعاة، أو إخوة من الصالحين لا يحترمون أهل العلم، ولا يقدرونهم، فاعلم أن هؤلاء على غير الجادة وعلى غير السنة النبوية، التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا لا يعني أنه

التحذير من الغلو في المشايخ كأهل البدع والمنحرفين

التحذير من الغلو في المشايخ كأهل البدع والمنحرفين قال المؤلف رحمه الله: [تنبيه مهم: أعيذك بالله من صنيع الأعاجم والطرقية، والمبتدعة الخلفية، من الخضوع الخارج عن آداب الشرع، من لحس الأيدي، وتقبيل الأكتاف، والقبض على اليمين باليمين والشمال عند السلام، كحال تودد الكبار للأطفال، والانحناء عند السلام، واستعمال الألفاظ الرخوة المتخاذلة: سيدي مولاي ونحوها من ألفاظ الخدم والعبيد، وانظر ما يقوله العلامة السلفي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري، المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وثمانين من الهجرة رحمه الله تعالى في (البصائر) فإنه فائق السياق]. لا شك أن طرق الصوفية فيما يتعلق بتعظيم الشيوخ، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ونحو ذلك مذموم، والحقيقة أننا -شباب الدعوة الإسلامية خصوصاً- لا يوجد فينا ولله الحمد مثل هؤلاء الطرقية الذين يصلون إلى هذا التعظيم غير المطلوب، وإلى هذه الطريقة المبتذلة، والأساليب المذمومة، لكن في نفس الوقت نحن بحاجة إلى البعد عن جفاء أهل العلم، وعن نقدهم وذمهم، فتجد في بعض الأحيان شاباً لم يحصل شيئاً من العلم الشرعي ينتقد أهل العلم أو يذمهم أو يتكلم عليهم بكلام لا يليق، ونحن بحاجة إلى موازنة دقيقة بين عدة أمور: الأمر الأول: ألا نغلو في أهل العلم حتى نصبح مثل الصوفية. والأمر الثاني: ألا نجفو أهل العلم حتى نصبح مثل الخوارج الذين كفروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتجرءوا عليهم، وذموهم واحتقروهم، وخرجوا عليهم فقاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في النهروان. الأمر الثالث: أن يكون الإنسان أديباً محترماً صاحب خلق حسن مع أهل العلم، فيتهم رأيه قبل رأي العلماء. الأمر الرابع: ألا يتتبع الإنسان رخص العلماء، بحيث يأخذ في كل مسألة من المسائل رخصة من عالم من العلماء، وقد قيل: من تتبع رخص العلماء تزندق. الأمر الخامس: ألا نتبع أهل العلم إذا خالفوا الدليل الصريح، مع اعتقاد أنه لا يمكن أن يجتمع العلماء جميعاً على مخالفة الدليل الصريح. ولهذا نحن بحاجة أيضاً إلى فقه يميز لنا بين العلماء الربانيين الصادقين الذين نتكلم عنهم الآن أنهم أهل الاحترام وأهل المحبة وأهل التقدير حتى لو أخطئوا، وبين علماء السوء والشر والعياذ بالله، والفاصل بينهم واضح، فإن العلماء الربانيين لهم سمات ظاهرة فهم الذين يصلحون ما يفسده الناس، ويجتهدون في الإصلاح. وأما علماء السوء والعياذ بالله، فهم الذين يخالفون النصوص الصريحة الواضحة في كتاب الله سبحانه وتعالى لمصالح شخصية، أو الذين انشغلوا عن العلم بالأمور الدنيوية، والتفتوا إليها وابتعدوا كل البعد عن العلم، وعن أهل العلم. فمثلاً من يفتي بإباحة الربا -والعياذ بالله- لا يمكن أن يكون عالماً معتبراً شرعاً، وكذلك من يفتي بأن اليهود والنصارى جميعاً إخوان لنا، وأننا سنلتقي معهم في الجنة، وأن النصرانية طريق إلى الله، والإسلام طريق إلى الله، واليهودية طريق إلى الله، هذا لا يمكن أن يكون عالماً بالمواصفات الشرعية التي سبق أن قلناها. ولهذا فالفهم والفقه في هذا الأمر دقيق للغاية، فينبغي للإنسان أن يتربى على الفقه، وأن يبتعد عن الغلو، وأن يبتعد أيضاً عن التفريط فكلاها مذموم. ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم

باب الغيبيات

باب الغيبيات الباب الذي معنا من أبواب العقيدة في هذا اللقاء هو باب الغيبيات، والمقصود بالغيبيات: الأمور التي هي من علم الغيب ولا يمكن للإنسان أن يستدل بعقله عليها، وقد يسميها بعض العلماء السمعيات، ويقصدون بذلك المسائل التي لا يمكن للإنسان أن يستنبطها بعقله بل مصدرها الوحيد هو السمع، والمقصود بالسمع الأدلة السمعية والأخبار التي في القرآن أو في السنة النبوية. وقاعدة أهل السنة والجماعة في الغيبيات: أن كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى به في القرآن، وكل ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية الصحيحة من أمور الغيب فإنه يجب قبوله والإيمان به، وأخذه دون تأويل، فلا يؤول ولا يحرف، ولا يغير عن ظاهره اللغوي الذي يفهمه الإنسان في الفهم الأول، أو في القراءة الأولى. وهذا الباب العظيم حصل فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم. أما المعتزلة فإنهم يرون أن الدليل على العقائد يجب أن يكون دليلاً عقلياً، وأن المسائل التي ليس عليها دليل عقلي مباشر يجب أن ترد إلى مقتضى الدليل العقلي، ولهذا أولوا أشياء كثيرة جداً فيما يتعلق بالإسراء والمعراج، وفيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وفيما يتعلق باليوم الآخر مثل الميزان والصراط ونحو ذلك. فهذا التأويل مصدره الأساسي هو أن الدليل المعتبر عندهم هو الدليل العقلي، وإذا وردت نصوص ليس عليها دليل عقلي مباشر فإنهم يؤولونها حتى يردوها إلى الدليل العقلي، ولهذا سنجد في تفصيلات الكلام على مسائل الغيبيات أن هذه الغيبيات لم ينكرها المعتزلة إنكاراً بالمرة؛ لأن إنكار مثل هذه الأخبار الواردة في القرآن والسنة يعتبر كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، لكنهم حرفوا. فينبغي للإنسان أن يتفهم هذه المسائل بشكل جيد. ومن أوسع من تحدث عن قضايا الغيبيات في الكتب الثلاثة التي ندرسها هو ابن قدامة المقدسي رحمه الله في لمعة الاعتقاد، ولهذا سنعلق على كلام ابن قدامة المقدسي رحمه الله، ثم نعود إلى حائية ابن أبي داود، وإلى الواسطية، وننظر إذا كان هناك زيادات أو ليس هناك زيادة.

شرح باب الغيبيات من لمعة الاعتقاد

شرح باب الغيبيات من لمعة الاعتقاد قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [فصل: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه]. الغيبيات لا يصح فيها قول المعتزلة أنه لا يوجد عليها دليل عقلي، بل الغيبيات الواردة في الشرع لها مستند عقلي قوي، وهو أن هذه الغيبيات هي عبارة عن أخبار، والخبر يحتمل الصدق والكذب، والمخبر بهذه الأخبار دلت الأدلة العقلية والشرعية على صدقه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخبر بكل ما في القرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمخبر بالأحاديث الواردة في السنة هو الرسول صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته عندنا بالأدلة اليقينية القطعية التي لا تقبل الشك، ولهذا عندما نرد على المعتزلة الذين أولوا مثل هذه الأخبار بحجة عدم وجود المستند العقلي عليها، نقول لهم: هذه الأخبار هل أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم يخبر بها؟ فإن قالوا: لم يخبر بها، فهذا تكذيب صريح للقرآن والسنة، وهم لا يقولون بهذا، ولا يكذبون بالقرآن والسنة، ولهذا لابد أن يقولوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها. فإذا قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، انتقلنا للسؤال الثاني: هل النبي صلى الله عليه وسلم نبي عندكم صادق، أم لا؟ وهم لا يقولون: ليس بنبي؛ لأنهم لو قالوا: ليس بنياً لكفروا، وهم ليسوا كفاراً، بل هم من المنتسبين إلى الإسلام وإلى هذه الأمة الإسلامية، يعرفون أن الله حق، ويعرفون أن القرآن صحيح، ويعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبي، وهم ليسوا يهوداً ولا نصارى، والمشكلة لم تقع عندهم في التنزيل، وإنما وقعت في التأويل، والفرق بين التنزيل والتأويل أن التنزيل معناه: إثبات القرآن وإثبات السنة النبوية، والتأويل معناه: فهم القرآن وفهم السنة النبوية، وهم يقرون بهذا القرآن الذي بين أيدينا ويعترفون به؛ لأن الذي لا يعترف بالقرآن ولا يعترف بالسنة كافر. لكن هذه الفرق ليست من الفرق الكافرة الخارجة عن الإسلام، بل هي من فرق المسلمين، نسألهم: هذا القرآن الذي بين أيدينا هل هو من الله أو ليس من الله؟ سيقولون: من الله. إذاً هم يعترفون بالقرآن، ويعترفون بالسنة، لكن يؤولونها، فنحن نقول لهم: إذا كان كل من القرآن والسنة حقاً وصحيحاً، فإن الواجب هو الإيمان به؛ لأن منازعة الإنسان في الإيمان بهذه الأشياء يدل على عدم التصديق به، وما دمتم تؤمنون بهذه الأشياء فأنتم ملزمون بالإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. طبعاً هم عندهم مشكلة كبيرة فيما يتعلق بأخبار الآحاد، فهم يقسمون السنة النبوية إلى قسمين: متواتر، وآحاد، والآحاد لا يقبلونها في العقائد، وهذه بدعة مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل عدداً من أصحابه أفراداً إلى هرقل وإلى كسرى، وإلى النجاشي وإلى المقوقس، وأرسل رجلاً إلى بني حنيفة، يدعون إلى أصل الدين والتوحيد، والتوحيد من العقائد، بل هو رأس العقائد، فلم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم معهم عدد التواتر، وإنما أرسل معهم أفراداً، ولم يطلب الملوك عدد التواتر، وإنما اكتفوا بخبر الفرد. هذا أمر مقر في الشريعة، لكنهم ينازعون بناء على وجود أصول بدعية عندهم، فهم قد أصلوا ثم بدءوا يحرفون، ويؤولون النصوص الشرعية حتى توافق أصولهم البدعية.

الإيمان بالإسراء والمعراج

الإيمان بالإسراء والمعراج قال المؤلف رحمه الله: [مثل حديث الإسراء والمعراج، وكان يقظة لا مناماً، فإن قريشاً أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات، ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فرد عليه عينه]. الإسراء والمعراج ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، أما الإسراء في القرآن فهناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة الإسراء، وقد تسمى سورة بني إسرائيل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1] إلى آخر الآيات. وأما المعراج فهو وارد في القرآن في بداية سورة النجم: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18]. وأما النصوص النبوية فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكره كفار قريش، وقد أول الإسراء والمعراج بعض المنتسبين إلى الإسلام، فبعضهم قال: إن هذا الإسراء كان مناماً وليس يقظة؛ لاستحالة الانتقال في العادة من مكة إلى بيت المقدس ثم الذهاب إلى السبع السموات، ثم الإتيان في ليلة واحدة، وهذا قول فاسد وباطل، فإن القرشيين كانوا يعرفون أن النوم يمكن أن ينتقل فيه الذهن من مكان إلى مكان آخر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم وأخبرهم أنه حقيقي. وبعض المؤولين قالوا: إن الإسراء والمعراج كان بالروح فقط دون الجسد، لأن الروح سريعة الانتقال وأما الجسد فهو بطيء، وهذا باطل؛ لأن الله عز وجل يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1]، و (عبده) كلمة عامة تطلق على مجموع الروح والجسد، فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به يقظة بروحه وجسده، وأن هذه معجزة من المعجزات، وآية من الآيات، ومن كذب بهذا فلا شك أنه مناقض لأصول القرآن والسنة. طبعاً هناك تفصيلات دقيقة تتعلق بموضوع الإسراء والمعراج لا يعنينا التطويل فيها، لكن نناقش الجانب الذي ذكره المؤلف هنا في موضوع الإسراء والمعراج، وهو جانب الغيبيات، والإسراء والمعراج اعتبر من مسائل العقائد لوجود الآراء الضالة المخالفة لأصول عقيدة المسلمين في هذا الباب. وأما قصة الملك مع موسى فهي قصة ثابتة في الصحيحين، وينكرها الذين يتبعون الأهواء ممن ينتسبون إلى العقل ويسمون أنفسهم عقلانيين، وهم في الحقيقة من أهل الجهل وليسوا من أهل العقل، (فإن ملك الموت جاء إلى موسى بهيئة شخص، ودخل عليه فلطمه موسى عليه السلام وفقأ عينه، فرجع إلى الله عز وجل، وقال: أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، فرد الله عز وجل عليه عينه، وقال: اذهب إليه، وأخبره أن يضع يده على جسد ثور، فله بكل شعرة من هذه الشعرات سنة يعيشها، ثم قال موسى: وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: فالآن). فهذا الحديث ثابت في الصحيح، ويمكن للإنسان أن يؤمن به بكل بساطة، وبدون أي غضاضة، ولا أي مشكلة، لكن الذين يدخلون عقولهم في النصوص، وهي عقول قاصرة، جعلوا هذه النصوص مناقضة للعقل مع أنها ليست مناقضة للعقل في الأصل، فإن هذا أمر عادي جداً؛ لأن الملائكة تتشكل في أشكال متعددة. وهكذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء)، قالوا: لا، هذا حديث لا يصح، كيف يغمس الذباب في الإناء بعد أن مات، نقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)، قالوا: لم نر هذا الداء والدواء، قلنا: إذا لم تروه فهذا لا يعني عدم وجوده، هذا خبر الصادق، وهنا يكون الإيمان الحقيقي بالنسبة للإنسان. وهكذا في حديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، قالوا: إن هذا حديث لا يصح، مع أن الحديث في صحيح البخاري، وقالوا: إن هذا يدل على احتقار المرأة، ونحن نقول: الحديث لا يدل على احتقار المرأة، لكن خلق الله عز وجل لهم منازل، والله عز وجل فضل بعض الخلق على بعض، فجعل الرجال قوامين على النساء لما تتصف به النساء من الصفات الأنثوية من ضعف وعدم قدرة على إدارة الولايات العامة. لكن النزعة الغربية الموجودة الآن وطلب مساواة المرأة بالرجل من كل وجه أثرت على كثير من الدارسين والباحثين الذين يكتبون في الدراسات الإسلامية، فأصبحوا يكتبون بنفس المنطق، وبنفس الطريقة التي يفكر بها الغربيون، وهذا من أكبر الأخطاء، بل يجب أن يكون لدينا من الاستقلال الفكري والنفسي عن الموجات الإعلامية الغربية الآن ما يجعلنا نفهم ديننا بصورته الصحيحة، دون أي ضغوط.

الإيمان بأشراط الساعة

الإيمان بأشراط الساعة قال المؤلف رحمه الله: [ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل، وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به في كل صلاة]. أشراط الساعة ثابتة في النصوص الشرعية؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18]، وأشراطها المقدمات التي تدل على الساعة. وكون الساعة تأتي بغتة لا يخالف وجود مقدمات لها، فيكون هناك مقدمات لها، ثم بعد فترة من الفترات تأتي بغتة؛ ولهذا ليس هناك أحد من الخلق يدرك ويعرف وقت الساعة بشكل دقيق، وهذا هو معنى كونها تأتي بغتة، ولهذا: (لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن أخبرك عن أشراطها)، فأخبره عن بعض أشراطها. وقد قسم العلماء أشراط الساعة إلى قسمين: صغرى، وكبرى. وأساس التقسيم عند أهل العلم أن الكبرى وصفت بالكبرى لسببين: السبب الأول: ورودها في حديث واحد. والسبب الثاني: أن الكبرى يكون بها تغيير في الواقع غير طبيعي. فعلامات الساعة الصغرى مثل انتشار الفساد، والزنا، وكثرة المال، وأن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، وهذه كلها أمور معتادة يمكن أن تحصل بدون أي استغراب بالنسبة للإنسان، لكن الذي يقرأ أخبار الدجال يجد أخباره غريبة، وهكذا الدابة التي تكلم الناس، وهكذا طلوع الشمس من مغربها، ولهذا سميت كبرى، وسمي ما عداها صغرى.

خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم

خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم كما أن علامات الساعة الكبرى وردت في حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لا تقوم الساعة حتى يأتي قبلها عشر)، ثم عدها عليه الصلاة والسلام. العلامة الأولى: خروج الدجال، وهو رجل كذاب مكتوب على جبينه: كافر، يقرؤه من قرأه، وحتى غير القارئ يستطيع أن يقرأه، وهو أعور العين، بمعنى أن له عينين، لكن واحدة منهما طافئة، ولهذا فمن الخرافات التي جاءت في الصحافة والتي أصبحت مزبلة لمثل هذه الأفكار الرديئة، أنهم أتوا بصورة مدبلجة لوجه رجل ليس له إلا عين واحدة، وقالوا: هذا الدجال. وقالوا: إن أمه لما ولدته استغربت من الشكل فأخفته. وأوصاف الدجال الواردة في الشرع تخبر أن له عينين، وأن واحدة منهما عوراء، لكن واحدة طافئة لا يرى بها، وأنه مكتوب على جبينه كافر، وأنه يخرج من ثلة بين العراق والشام، ويتبعه ألوف من يهود أصبهان، وأنه يطوف الأرض كلها مثل الريح، وفي الحديث: (أن اليوم الأول من أيامه مثل سنة، واليوم الثاني مثل شهر، واليوم الثالث مثل جمعة، -يعني: مثل أسبوع- وبقية أيامه مثل بقية أيامكم)، وهذا معناه أن الشمس تطلع وتجلس سنة كاملة حتى تغيب، وفي شمال الكرة الأرضية اليوم تظل الشمس على الناس ستة أشهر، فيجلس الدجال سنة بهذا الأسلوب. (ومعه جنة ونار)، يعني: الذي يغضب عليه يدخله النار، وناره جنة في الحقيقة، وجنته نار في الحقيقة. (وأنه يطوف الأرض جميعاً، وأنه يأتي إلى مكة والمدينة وأنه لا يستطيع دخولها، وترجف مكة والمدينة فيخرج منها المنافقون). فهذه أوصاف ظاهرة يمكن أن تراجع في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم في كتاب الفتن والملاحم، فينبغي للإنسان أن يتفهم مثل هذه الأمور، وألا يصدق الخرافات. وجاء أيضاً أن عيسى بن مريم عليه السلام ينزل فيقتله، ونزول عيسى وارد في القرآن، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159] يعني: قبل موت عيسى؛ لأن عيسى لم يمت، {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]، ولهذا عده بعض العلماء كالحافظ ابن حجر في الإصابة من الصحابة. ورد في وصف الدجال في حديث النواس بن سمعان صفات عجيبة جداً، وهو أنه ينزل ورأسه يقطر وأنه جعد، وأنه يضع يديه على ملكين، فإذا رآه عدو الله في باب لد في بلاد الشام يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيرميه برمح معه، فيرتد إليه الرمح وفيه الدم، فيقتله عيسى عليه السلام، ويكون المهدي موجوداً في بلاد المسلمين، ويكون حاكماً من الحكام الصالحين، يصلحه الله في ليلة، فيتقدم بالناس ويصلي بهم، ويعيش عيسى في الأرض أربعين سنة، والأرض تتفتق بخيراتها وبركاتها، وأيضاً يحج ويعتمر، ويكون خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام وهو حي.

خروج يأجوج ومأجوج

خروج يأجوج ومأجوج العلامة الثانية: خروج يأجوج ومأجوج: يأجوج ومأجوج قبيلتان ورد خبرهما في القرآن في سورة الكهف وسورة الأنبياء {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:94]، والسد بناه ذو القرنين الملك الصالح، فيأجوج ومأجوج قبيلتان من القبائل يخرجان بعد خروج الدجال في زمان عيسى عليه السلام ويملئون الأرض، ويشربون مياه الأرض، حتى أن بحيرة طبرية يمر عليها أولهم فإذا مر آخرهم قال: يقال إن هنا كان ماء، وينتشرون في الأرض ويفسدون فيها فساداً ذريعاً، ويأمر الله عز وجل عيسى عليه السلام أن يجمع أتباعه في الطور، وهو جبل في صحراء سيناء الآن، وبعد انتشار هؤلاء المفسدين يرسل الله عز وجل إليهم حشرة تسمى النغف فتدخل في أنوفهم وتقتلهم ويصبحون صرعى جميعاً. ثم ينظف الله عز وجل الأرض منهم وتخرج بركات الأرض مرة أخرى.

خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وخروج الريح الطيبة

خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وخروج الريح الطيبة العلامة الثالثة: خروج الدابة: وقد وردت في القرآن أيضاً، وورد من وصفها أنها تكلم الناس، وهذه الدابة من أشراط الساعة، وهي تختم على وجوه الناس فتبين المسلم من الكافر، وهي من الأشراط التي تكون قريبة من طلوع الشمس من مغربها. العلامة الرابعة: طلوع الشمس من مغربها: وهي ثابتة، ولا تكون إلا في آخر الزمان، وهي علامة على قرب القيامة. العلامة الخامسة: الريح الطيبة: فتأتي الريح الطيبة بعد ذلك فتأخذ أرواح المؤمنين ولا يبقى إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه قوله: (وعذاب القبر ونعيمه حق): أما بالنسبة لنعيم القبر فيقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، وبالنسبة لعذاب القبر فقد جاء في قصة آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. وأما بالنسبة للسنة فقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما بذلك، وأقوى حديث ورد فيه خبر عذاب القبر ونعيمه هو حديث البراء بن عازب، وهو حديث حسن أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود وغيرهم. قوله: (قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وأمر به في كل صلاة): وهذا ثابت أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وعذاب جهنم)، فهذه الأربع أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ منها الإنسان في كل صلاة بعد التشهد الأخير قبل السلام، حتى أن بعض التابعين كان يفتي بوجوبها مثل طاوس رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها.

الأسئلة

الأسئلة

واجب العلماء تجاه الأحداث التي يعايشها المسلمون

واجب العلماء تجاه الأحداث التي يعايشها المسلمون Q إذا لم نر وقفة من العلماء تناسب الحدث والوقت، فكيف يكون حالنا معهم حيث إنهم تركوا المجال لغيرهم؟ A أهل العلم لا شك أنهم مطالبون بالمواقف الجادة في الأحداث الحساسة التي تعني الأمة الإسلامية في جملتها، ولا يمكن أبداً في أي حال من الأحوال أن يسكت أهل العلم قاطبة في الدنيا دون بيان أو توضيح، ونحن عندما نتحدث عن العلماء لا نعني العلماء في قطر واحد أو في بلد واحد أو علماء معينين محددين بأسمائهم، بل نتحدث عن أهل العلم من أهل السنة في كل الأرض، ولهذا لابد أن يكون هناك قائم لله عز وجل بحق يبينه ويوضحه ويبين كيفية التعامل معه. ومثل هذه الأحداث الموجودة الآن في بلاد المسلمين ليس صحيحاً أن أهل العلم لم يكن لهم موقف محدد وواضح في هذا الموضوع، بل لهم موقف محدد وواضح، فهم أنكروا العدوان، وبينوا خطر القوات الأمريكية وما تريد أن تعمله في العراق وما تعمله الآن هو عدوان ظاهر وباطل، وأنه خطير على ديار الإسلام والمسلمين، وأنه يجب على المسلمين أن يتعاونوا في مواجهة مثل هذه الأحداث. كما أنهم بينوا أن التعاون مع هذه القوات لضرب ديار الإسلام وبلاد المسلمين كفر مخرج عن دائرة الإسلام بغض النظر عن المعينين، وهذا الأمر واضح بحمد الله تعالى. كما أنهم بينوا أنه ينبغي على الشباب وعلى الأمة عموماً رجالاً ونساء صغاراً وكباراً أن يلتفوا حول أهل الإيمان وأهل التقوى وأهل العلم وأن يكون رأيهم شورى بينهم، فإن الأمور العملية لا يمكن أن تتم بشكل فردي، مثلاً موضوع الجهاد في سبيل الله ليس موضوعاً فردياً بل هو موضوع جماعي ينبغي أن يجتمع فيه أهل العلم، وأن يدرسوا الخطط التي يمكن أن يواجهوا بها العدو، وما هي أفضل وسيلة لدفع الصائل عن بلاد الإسلام، وكيف يمكن أن يواجهوا مثل هذا العدوان. إذاً الجهاد ليس عملية فردية بل هو عملية شوروية كما قال الله عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]، يجتمع فيها العلماء وأهل الحل والعقد، وينظرون في مصالح المسلمين، وبناء على هذا يكون هناك قرار موحد من أهل العلم؛ لأن الخلاف سبب من أسباب التفرق، والتفرق سبب من أسباب الهزيمة، فالله عز وجل أخبر أن التفرق من أعظم أسباب الهزيمة وذهاب الريح وفقدان المسلمين للنصر، يقول الله عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، فقوله: (واصبروا) يعني: اصبروا على الاجتماع والتعاون فيما بينكم بعيداً عن التفرق. ولهذا نحن مطالبون بالالتفاف حول أهل العلم، ولا يظن الإنسان أن المصلحة هو في مواجهة العدو في لحظة معينة، بل قد يكون هناك خطأ وقع فيه بعض أهل العلم أو بعض ولاة الأمر أو بعض الناس، لكن هذا الخطأ لا ينبغي أن يكون سبباً من أسباب الطعن في أهل العلم أو ذمهم واحتقارهم أو التفرق والخلاف، فإن الاجتماع يحتاج إلى صبر، ولابد أن يكون هناك مبرر حتى يحصل الصبر، كما أن وجود وجهات نظر مختلفة في أمر من الأمور يحتاج منا أن نصبر على المحافظة على وحدة الدعاة إلى الله والصالحين والناس عموماً، والمجتمع عموماً يجب أن نحافظ على وحدته وأن نتكاتف بشكل كبير، ولهذا لا يمكن لأي دولة مهما كانت عظمى أن تحطم إرادة أمة من الأمم إذا كانت متكاتفة ومتعاونة، وهنا بعض الأمثلة الدالة على ذلك: المثال الأول: كان شافيز رئيس دولة فنزولا مسئولاً عن أوبك التي هي الدول المنتجة للنفط وكان يسير بشكل مخالف لإرادة أمريكا، فأرادت أمريكا أن تعاقبه وأن تؤدبه، فدبرت له عملية انقلابية، وفعلاً انقلب عليه مجموعة من الأشخاص الذين كان بينهم وبين أمريكا تعاون، فلما انقلبوا عليه أخذوه وأخذوا مجموعة معه وسجنوه في جزيرة، لكن الشعب الفنزولي لم يكن مقتنعاً بهذا الإجراء والانقلاب، فقاموا على الحكومة الجديدة حتى ألزموهم بأن يردوا شافيز مرة أخرى، ثم حاولوا بعد ذلك إسقاطه عن طريق مجموعة من المعارضين له، فعملوا إضراباً كبيراً جداً في الشركات النفطية وأرادوا إسقاطه فلم يستطيعوا؛ لأن هناك إرادة شعبية ترفض مثل هذه الضغوط من أمريكا. المثال الثاني: لو نظرنا إلى الأحداث الموجودة الآن في العراق فإنه إذا كان عشرة أيام ما استطاعوا أن يتحركوا من محاور معينة يدورون حولها، بل صرحوا اليوم أنهم أوقفوا التقدم البري حتى يأتيهم المدد مع أنهم دول كبرى بالنسبة للأسلحة، ودولة واحدة كأمريكا كافية بأن تدمر مجموعة دول من ناحية العتاد العسكري، فكيف وهي أمريكا وبريطانيا وأستراليا وهولندا ومعهم مجموعة من الدول مثل بولندا وغيرها من دول التحالف، فمع تحركهم من مجموعة نقاط وقف لهم العراقيون موقفاً قوياً جداً؛ لأن الوضع الآن في العراق تحول من كون المسألة بين الجيش العراقي والتحالف إلى مسألة جيش التحالف مع الشعب بأكمله، ولهذا كانوا ينتظرون أن الشعب يقوم بعملية انقلابية، ويستقبلونهم بالورود والرياحين ومع هذا ما تم أي شيء. وهذا

دراسة موضوعية [14]

دراسة موضوعية [14] من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وسؤال منكر ونكير، والإيمان بالبعث ومواقف القيامة، وبشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الجنة والنار حق وهما مخلوقتان.

من آداب طالب العلم اقتداؤه بشيخه وحسن استماعه له والنقل عنه

من آداب طالب العلم اقتداؤه بشيخه وحسن استماعه له والنقل عنه قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتاب حلية طالب العلم: [رأس مالك أيها الطالب من شيخك القدوة بصالح أخلاقه وكريم شمائله، أما التلقي والتلقين فهو ربح زائد، لكن لا يأخذك الاندفاع في محبة شيخك فتقع في الشناعة من حيث لا تدري، وكل من ينظر إليه يدري فلا تقلده بصوت ونغمة، ولا مشية وحركة وهيئة، فإنه إنما صار شيخاً جليلاً بتلك، فلا تسقط أنت بالتبعية له في هذه]. المقصود أن الاستفادة من الشيوخ إنما هو في الاستفادة من علومهم وآدابهم وأخلاقهم التي حث عليها الشرع، وأما ما يتعلق بالتقليد في الهيئة والشكل فإن هذا غير مقصود وغير مطلوب. قال المؤلف رحمه الله: [نشاط الشيخ في درسه: يكون على قدر مدارك الطالب في استماعه وجمع نفسه وتفاعل أحاسيسه مع شيخه في درسه، ولهذا فاحذر أن تكون وسيلة قطع لعلمه بالكسل والفتور والاتكاء وانصراف الذهن وفتوره. قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: حق الفائدة ألا تساق إلا إلى مبتغيها، ولا تعرض إلا على الراغب فيها، فإذا رأى المحدث بعض الفتور من المستمع فليسكت فإن بعض الأدباء قال: نشاط القائل على قدر فهم المستمع فليسكت، ثم ساق بسنده عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله: حدث القوم ما رمقوك بأبصارهم فإذا رأيت منهم فترة فانزع، انتهى]. المقصود أن الطالب لا ينتظر أن تعرض المعلومات من الشيوخ عرضاً، وإنما عليه أن يستفيد من هؤلاء الشيوخ من خلال الأسئلة وإبداء اهتمامه، فإن كثيراً من أهل العلم قد لا يحسن عرض المسائل ومناقشتها بمجرد العرض، لكن يؤخذ منه العلم عن طريق السؤال وعن طريق التأمل في عباراته، ولهذا يكون نشاط الشيخ على قدر اهتمام الطالب وعنايته وفهمه. قال المؤلف رحمه الله: [الكتابة عن الشيخ حال الدرس والمذاكرة، وهي تختلف من شيخ آخر فافهم، ولهذا أدب وشرط، أما الأدب: فينبغي لك أن تعلم شيخك أنك ستكتب أو كتبت ما سمعته مذاكرة، وأما الشرط: فتشير إلى أنك كتبته من سماعه من درسه]. وهناك شرط آخر بأن يكون ما تكتبه هو نفس ما يذكره الشيخ؛ لأنه أحياناً قد يفهم بعض الطلاب فهماً ناقصاً أو محرفاً فينقله على غير بصيرة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن ينقل عن أحد فتوى أو رأياً أو مسألة من المسائل إلا وهو متيقن منها، أما إذا كان غير متيقن فإنه لا ينبغي أن ينقلها، فقد يظلم شيخه بما ينقله عنه وهو لا يعلم.

التلقي عن المبتدع من أهل العلم

التلقي عن المبتدع من أهل العلم قال المؤلف رحمه الله: [التلقي عن المبتدع]. هذا باب واسع تحدث عنه الشيخ طويلاً، وخلاصته أن الإنسان ينبغي عليه أن يتلقى عن أهل الثقة، وهم أهل الحفظ والإتقان من أهل السنة، ولهذا يقول ابن سيرين -كما رواه الإمام مسلم في مقدمته-: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وقال أيضاً: كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فيأخذون عن أهل السنة ويتركون أهل البدعة. ولهذا نقل عدد من السلف كلاماً عظيماً في عدم التلقي من أهل البدع، وأن من سعادة الأعجمي والمبتدئ في طلب العلم أن يهيئه الله لعالم من أهل السنة يعلمه السنة. وقد نقل عن أكثر من عالم من علماء أهل السنة أنه قال: هداني الله لفلان من أهل السنة. فهذا يدل على أهمية التلقي عن الشيوخ من أهل السنة والجماعة وترك أهل البدع، ولا يغتر الإنسان بالشعارات الإعلامية التي بدأ يرددها كثير من الناس حول الرأي والرأي الآخر، أو عدم الإقصاء، أو حرية التعبير أو حرية الفكر أو نحو ذلك، فكل هذا الأمور ليس لها قيمة فيما يتعلق بالتلقي عن غير أهل السنة، فكما قال أكثر من واحد من أهل السنة: السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها غرق، فلا يصح أن يقول الإنسان: أنا أريد أن أطلع على الرأي الآخر خصوصاً إذا كان في بداية طلبه للعلم. بل ينبغي عليه أن يدرس وأن يأخذ من مورد عذب بعيد عن الكدر؛ لأن النظر في كتب أهل البدع في بدايات طلب العلم تجعل المورد الذي يشرب منه الإنسان كدراً؛ لأن أهل البدع وكتبهم تنشر القول الباطل والفاسد وتزينه للناس، نعم يصح للإنسان إذا كان متخصصاً وغير مبتدئ بطلب العلم أن يطلع على كتب أهل البدع للرد عليها، فإن هذا لا بأس به لهذا المقصد النبيل، فإن حفظ الدين من مقاصد الشريعة، ومن حفظ الدين بيان العقائد الباطلة ليحذرها الناس، وحفظ الدين كمقصد من مقاصد الشريعة يكون بأمرين: الأمر الأول: معرفة الدين على صورته الصحيحة ونشرها وتعليم الناس إياها ودعوتهم إليها. الأمر الثاني: الرد على المخالفين، فإن المخالفين يزينون للناس ويلبسون عليهم دينهم ويزخرفون الهم الباطل بالأسلوب الحسن والأسلوب الجميل، فيقع الناس في الضلالة من حيث لا يشعرون، فوجب بيان الحق وتمييز الحق من الباطل {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:37]، فالله عز وجل يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32]. هذا فيما يتعلق بالآراء المجمع عليها من أصول الدين والعقيدة، أما المسائل المختلف فيها بين أهل السنة كالمسائل الفقهية التي يختلف أهل السنة في فهم الدليل لعدم الإجماع عليه أو لعدم وضوح هذا الدليل أو للخلاف في صحة هذا الدليل يكون العالم فيها ما بين مجتهد مصيب له أجران ومجتهد مخطئ له أجر، ولا شك أن الحق واحد غير متعدد، لأن الله عز وجل يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32].

وجوب الحذر من الجاهل المبتدع

وجوب الحذر من الجاهل المبتدع قال المؤلف رحمه الله: [احذر أبا الجهل المبتدع الذي مسه زيغ العقيدة، وغشيته سحب الخرافة، يحكم الهوى ويسميه العقل، ويعدل عن النص، وهل العقل إلا في النص! ويستمسك بالضعيف ويبعد عن الصحيح، ويقال لهم أيضاً: أهل الشبهات وأهل الأهواء، ولذا كان ابن المبارك رحمه الله يسمي المبتدعة الأصاغر. وقال الذهبي رحمه الله تعالى: إذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث، وهات العقل، فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر أو قد حل فيه، فإذا جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه، انتهى]. أهل السنة هم الذين يتبعون ما تدل عليه النصوص الشرعية من القرآن والسنة، أما مزاحمة النصوص بأي نوع من أنواع المزاحمات فهو من البدعة. فمن زاحم النصوص بالعقل وبدأ يعطل النصوص ويغير معانيها ويحرف مدلولها بحجة العقل فهذا مبتدع. ومن أراد أن يحرف النصوص الشرعية ويغير مدلولاتها بحجة التجربة والذوق والوجد الذي عند الصوفية فهذا مبتدع. ومن أراد أن يحرف الأحكام الشرعية والأدلة الشرعية بحجة السياسة فهذا مبتدع. ومن أراد أن يحرف النصوص الشرعية بحجة المصلحة فهذا مبتدع. ومن أراد أن يحرف الأدلة الشرعية باسم مقتضيات الواقع والحاجة إلى فهم الواقع ونحو ذلك فهذا لا شك أنه ليس من أهل السنة. بل أهل السنة هم الذين يأخذون ما في الكتاب والسنة كما أراده الله عز وجل وكما خاطب نبيه بلغة العرب، وكل هذه الأمور التي جاءوا بها هي في الحقيقة مطابقة للكتاب والسنة، لكن هم خرجوا هذه الأمور التي هي ممدوحة في ذاتها بحيث إنهم جعلوها معارضة للنصوص، فالعقل ممدوح ولا يمكن أن يعارض النص الشرعي لكن هم جاءوا بمعقولات وشبهات أملاها الشيطان عليهم. كذلك الذوق لا يمكن أن يعارض القرآن والسنة، وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه ذاق بهن حلاوة الإيمان)، ثم ذكر الثلاث وهي من أصول الدين، فالذوق لا يمكن أن يخالف النصوص. والمصلحة هي في العمل بالنصوص والسياسة الصحيحة هي في العمل بالنصوص، والواقع الصحيح هو التعامل مع هذه النصوص تعاملاً مشروعاً، فكل من حرف النصوص وغير معناها ومدلولها بحجة من هذه الحجج التي صورتها ممتازة فنقول: أنت ظلمت الاثنين، ظلمت النصوص الشرعية عندما غيرت معناها، وظلمت العقل والمصلحة والذوق والواقع ونحو ذلك عندما غيرت المفهوم الحقيقي الموافق للنصوص الشرعية، وجئت بمعقولات باطلة وذوق فاسد ومصلحة ليس فيها مصلحة في حقيقة الأمر ومحاولة للتلاعب بالنصوص الشرعية حتى توافق الواقع حسب عقلك، وإلا فالنصوص الشرعية يمكن أن توافق الواقع بناء على ما تدل عليه. مثلاً: لو جاءنا شخص وقال: لا يمكن في القرن العشرين أن نقطع اليد، لأنه لا يصلح أن يعيش الإنسان بدون يد؟ نقول: يصلح إذا سرق أن نقطع يده، الأحكام الشرعية نصوص قطعية لا تقبل التبديل، بحجة الواقع والحضارة، فالدين باق مع الإنسان في مجتمعه الزراعي أو الصناعي أو في أي نوع من أنواع المجتمعات، فلا يمكن أن نغير النصوص الشرعية بناء على أمور لديك أو انهزام أمام الحضارة الغربية والشعور بالدنيا، إذا كنت تشعر بالدنيا فارجع، فأهل الإسلام لا يشعرون بها. قال: كيف نقطع اليد ومنظمة العفو الدولية تطالب بمنع قطع اليد؟ نقول: منظمة العفو الدولية أصلاً بنت فلسفتها فيما يتعلق بالإنسانية على الحضارة الغربية التي هي ليست مبنية على وحي من السماء، وإنما هي مبنية على استحسانات من البشر، والآراء البشرية إذا كانت مخالفة للقطعيات الإلهية نرميها ولا نقبلها. ولهذا أهل السنة هم الذين يأخذون القرآن والسنة ويشعرون بعلو عظيم عندما يأخذونها ويفهمونها فهماً صحيحاً ويطبقونها في الواقع. قد يقول بعض الناس: إن الواقع مختلف الآن، نقول: لا يشكل هذا الواقع، فالدول الغربية التي انتصرت على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية هم صنعوا هيئة الأمم وجعلوا لها مجلس أمن وجعلوا أنفسهم هم الذين يتحكمون في مصير الخلق، ونحن لا يشترط أن نعترف بهذا، نحن لنا فكر آخر لنا دين آخر لنا منهج آخر، لسنا ملزمين بهذا الأمر، نعم نحن في زمن استضعاف، وفي زمن الأمة فيه ضعيفة، لكنها صارت ضعيفة بسبب نفسها، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] لكن لو أننا ارتفعنا عن الشهوات المحرمة وعن الشبهات الضالة والتزمنا بما التزم به الرسل الكرام وبما التزم به الصحابة بجد واجتهاد ويقين صادق فإنه لا يمكن أبداً أن يغلبنا هؤلاء الناس مهما ملكوا من الأسلحة. ومن النماذج التي عطلت النصوص بسببها السياسة والعقل، ولهذا خرج لنا طائفة من المتكلمين والعصرانيين يتكلمون باسم العقل والمصلحة. كذلك تقليد الأئمة يجعل الإمام والشيخ سبباً من الأسباب التي يعطل من أجلها

الإيمان بفتنة القبر وسؤال منكر ونكير

الإيمان بفتنة القبر وسؤال منكر ونكير سبق أن تحدثنا عن موضوع الغيبيات وقلنا: إن موضوع الغيبيات موضوع واسع وكبير، وإن الزاوية التي نناقش منها موضوع الغيبيات هي باعتبار أن هذه الغيبيات ثبتت في القرآن وصحيح السنة، وأنه يجب على المسلم أن يؤمن بها، ولكل نوع من هذه الأنواع الغيبية تفصيلات طويلة لسنا معنيين بها، لكن الهدف هو معرفة أن هذا أمر غيبي أخبر به الله عز وجل بالقرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنة، وأنه يجب علينا أن نؤمن بها كما جاءت، وأن أهل الكلام وبالذات المعتزلة قد حرفوا النصوص المتعلقة بالغيبيات بأنها تخالف العقل بالنسبة لديهم. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق]. فتنة القبر المقصود بها: السؤال الذي يكون في قبرك، وهذا السؤال ثابت في النصوص الشرعية، يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أن المسلم إذا دخل قبره فإنه يسأل عن ثلاثة أمور: عن ربه، وعن نبيه، وعن دينه، وهذه الثلاثة هي التي أخذها الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وبنى عليها الأصول الثلاثة أو الثلاثة الأصول، واختص هذه الأصول الثلاثة فقط لأنها هي التي يسأل عنها الإنسان في قبره. أما السائل فهما ملكان يأتيان للإنسان فيقعدانه ويسألانه عن هذه الأشياء، وجاء في رواية: أن أحدهما يسمى منكراً والآخر يسمى نكيراً. ومن الأمور الغيبية فيما يتعلق بالقبر عذاب القبر ونعيمه، ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى بعذاب أهل القبور في قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، فبين أنهم يعذبون مرتين، فقوله: (عشياً) يعني: بعد العصر، وقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر:46] يدل على أن هذه النار التي يعرضون عليها غدواً وعشياً قبل قيام الساعة ويكون ذلك القبر.

الإيمان بالبعث والنفخ في الصور والحشر والحساب

الإيمان بالبعث والنفخ في الصور والحشر والحساب قال المؤلف رحمه الله: [والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور]. البعث هو: الإخراج من القبور، يقول الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7]، فالناس يبعثون يوم القيامة من قبورهم. وقد أخبر الله عز وجل بهذا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة في ما يتعلق بالنفخ في الصور، والصور كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن قرن، وأن الملك الذي ينفخ فيه هو إسرافيل، وأنه حنا جبهته ينظر متى يؤمر بهذا النفخ فينفخ، فتقوم القيامة حينئذ والبعث يكون بعد القيامة. قال المؤلف رحمه الله: [{فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:51]، ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً]. الحشر معناه: الجمع، ويكون ذلك بعد البعث، فيحشرون على أرض بيضاء نقية مستوية كما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأرض تزول منها كل الأعلام، والمقصود بالأعلام الجبال والبيوت وكل أمر ناتئ، وتبدل الأرض غير الأرض كما أخبر الله عز وجل، ويمدها الله عز وجل كما يمد الأديم وتتوسع، ولهذا يحشر العباد إلى بلاد الشام، ولكن ليست بنفس الحجم الموجود الآن؛ لأن العباد يحشرون من زمن آدم إلى آخر من تقوم عليهم الساعة، لكن الأرض تغير وتصبح أرضاً أخرى. ومعنى (حفاة) غير منتعلين، ومعنى (عراة) العاري الذي لا ثياب له، ومعنى (غرلاً) ليسوا مختونين، كما قال الله عز وجل: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104] يعني: كما خرج الناس من بطون أمهاتهم ليسوا بمختونين فإنهم يخرجون من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم. وجاء في بعض الأحاديث الواردة في صفة البعث أن الله عز وجل يمطر الأرض بمطر مثل مني الرجال، وأن الإنسان يفني كل جسده إلا عجب الذنب ومنه ينبت الإنسان، ثم تنشق عنهم الأرض ويخرجون من قبورهم مثل خروج النبات، فيكونون جميعاً عراة، ويكون أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام، ويعلل العلماء ذلك بأنه عندما رمي في النار رموه وهو عار عليه السلام، فكافأه الله عز وجل بأن كانت النار برداً وسلاماً عليه، وكافأه أيضاً بأنه أول من يحشر يوم القيامة إذا بعث الناس عراة. وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! ينظر بعضهم إلى بعض! قال: يا عائشة الأمر أعظم من ذلك وأكبر من ذلك). ومعنى (بهماً) ليس معهم شيء من أملاكهم، يعني: يخرج الإنسان مثل مولده، كما قال الله عز وجل: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104]، وهذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن. قال المؤلف رحمه الله: [فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى]. معنى الحساب: أن الله عز وجل يطلع ويخبر عباده بما كانوا يعملون في الدنيا، يقول الله عز وجل: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26]، وهذه الأمور السابقة مجمع عليها بين أهل العلم، لكن الذي يحاسب هم أهل الإسلام فقط، وأما الكفار فإنهم يسحبون إلى النار بسبب الكفر، لكن لا يحاسبون، لأن الحساب يكون لمن كان له حسنات وسيئات، أما الكفار فإنهم لا يوجد لهم حسنة، فإن الكفر يزيل كل الحسنات، كما أخبر الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:18]، وكما جاء في حديث عبد الله بن جدعان رضي الله عنه، عندما سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله! إنه كان يطعم الفقير ويكسو الناس، أليس له شيء؟ فقال: لا يا عائشة، إنه لم يقل يوماً من الدهر. رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، وعندما سئل عن حاتم الطائي وكان رجلاً كريماً يطعم الناس، قال: (ذاك رجل كان يريد شيئاً فناله) يعني: يريد المدح والثناء فحصل له ذلك. وأول من يحاسب هم أهل الإسلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، وأول من يفتح له الباب هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (آتي باب الجنة، فيقول الملك: من الطارق؟ فأقول: محمد، فيقول: لك أمرت أن أفتح، لا أفتح لغيرك)، ثم تدخل بعد ذلك أمته، منهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم بعد ذلك تدخل بقية الأمم

الإيمان بالميزان والصراط

الإيمان بالميزان والصراط قال المؤلف رحمه الله: [وتنصب الموازين]. الموازين جمع ميزان، والميزان: هو ميزان حقيقي له كفتان، توضع فيه الأعمال، قال الله عز وجل: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:8]. واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة؟ فقال بعض العلماء: إنه ميزان واحد، وإن الجمع إنما هو باعتبار ما يكون في هذا الميزان، وقال بعضهم: إنها موازين متعددة وإنه لكل أمة من الأمم ميزان خاص. فالحسنات توضع في مكان، والسيئات توضع في مكان ويحصل بينها موازنة، وبعض المعتزلة قال: كيف توزن الأعمال وهي أعراض؟ ومعنى أعراض: (صفات)، فنحن نقول: إن هذه الأعمال إما إن الله عز وجل يجعلها أعياناً بحيث توزن، وإما أن يكون الذي يوزن هو ثوابها. قال المؤلف رحمه الله: [وتنشر الدواوين]. الدواوين هي صحائف الأعمال التي تنشر للعباد، فمن الناس من يأخذ صحيفته بيمينه، ومن الناس من يأخذ صحيفته بشماله من وراء ظهره. قال المؤلف رحمه الله: [وتتطاير صحائف الأعمال إلى الأيمان والشمائل {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:7 - 12]. والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]. ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً]. الحوض هو حوض خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في العرصات أثناء الحشر وهناك مجموعة من المواقف تحصل حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، اصطلح على تسميتها أهل العلم بعرصات القيامة، وهذه العرصات يحصل فيها الحوض، فإن الحوض جزء من النهر الذي وهبه الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو نهر الكوثر، ومن نهر الكوثر ميزاب يصب في هذا الحوض، وهذا الحوض ورد في وصفه أن طوله شهر وعرضه شهر وزواياه متساوية، وعدد آنيته مثل نجوم السماء ولونه أبيض من اللبن وطعمه أحلى من العسل. وأيضاً لكل نبي حوض ريحه أفضل من رائحة المسك، ولكل نبي من الأنبياء حوض خاص بأمته يتباهون أيهم أكثر مورداً، وأكثر الأحواض وروداً هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله: [والصراط حق، يجوزه الأبرار، ويزل عنه الفجار]. الصراط هو طريق يوضع على متن جهنم، وكل الأمم سترده كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:71]، وهذا الصراط ورد في وصفه أنه أدق من الشعر وأحد من السيف، وأنه توجد عليه كلابيب مثل شوك السعدان، وأن الناس يؤخذون من عليها وأنه لا يتكلم حينئذ إلا الأنبياء، وأن كل الأنبياء يكون كلامهم: اللهم سلم سلم، والناس يجوزونه بصفات مختلفة، منهم من يجوزه كالبرق، ومنهم من يجوزه مثل الريح، ومنهم من يجوزه مثل أجود الخيل، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يقع في نار جهنم والعياذ بالله، والصراط منصوب على متن جهنم، كما في النصوص وورد في وصفه أنه دحض مزلة

الإيمان بالشفاعة والجنة والنار

الإيمان بالشفاعة والجنة والنار قال المؤلف رحمه الله: [ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم]. الشفاعة ثابتة، وهي أنواع: منها الشفاعة التي هي في فصل القضاء، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع عند ربه من أجل أن يحاسب العباد، وهذه الشفاعة يقر بها كل المسلمين حتى المعتزلة والخوارج، لكن المعتزلة والخوارج ينفون الشفاعة لعصاة الموحدين، وهي ثابتة في النصوص الشرعية كما في حديث أبي هريرة الطويل في قصة الشفاعة وأنه يشفع لكل من قال: لا إله إلا الله، وأنه قال: (لكل نبي دعوة مستجابة، وجعلت دعوتي شفاعة لأمتي)، وقال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي). إذاً الشفاعة أنواع: منها الشفاعة في فصل القضاء، ومنها الشفاعة لأهل الكبائر، ومنها الشفاعة لـ أبي طالب وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليست شفاعة في دخوله الجنة، وإنما هي شفاعة في التخفيف عليه من النار حتى يكون في ضحضاح يغلي منها دماغه، وورد في بعض النصوص أن له نعلين من نار يغلي منهما رأسه أعاذنا الله وإياكم من ذلك. وهناك بعض أنواع الشفاعة لم يرد نص صريح في كونها من أنواع الشفاعة التي تكون يوم القيامة وإنما ورد فيها عموم الدعاء، مثل: الشفاعة لبعض المؤمنين أن يرفعه الله عز وجل في الجنة، ومثل: الشفاعة في التخفيف على بعض أهل النار ونحوها. أما إنكار المعتزلة والخوارج لشفاعة عصاة الموحدين فذلك؛ لأنهم يعتبرون أن العصاة كفار وأنهم يخلدون في النار وأنهم مثل عموم الكفار الذين لا تحصل فيهم الشفاعة، بينما أهل السنة يرون أن عصاة الموحدين مازال معهم أصل الإيمان، وأنه يشفع لهم فيما يتعلق ببقية الذنوب وأن لأهل الإيمان شفاعة وللشهداء شفاعة ولكل نبي شفاعة وللملائكة شفاعة. قال المؤلف رحمه الله: [ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر]. هذا هو موطن الخلاف الذي سبق أن أشرنا إليه. قال المؤلف رحمه الله: [فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحمماً، فيدخلون الجنة بشفاعته]. الشفاعة لها شرطان: الشرط الأول: إذن الشافع في المشفوع له. والشرط الثاني: الرضا عن المشفوع له بأن يكون من أهل التوحيد. هذان شرطان لازمان للشفاعة، فإنه لا يمكن أن تكون الشفاعة إلا بإذن الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، وأما رضاه للمشفوع فقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعته؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه). قال المؤلف رحمه الله: [ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات، قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28]، ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين، والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه]. الجنة والنار ثابتتان في النصوص الشرعية، والقرآن مليء بذكر الجنة وأوصافها، وبذكر النار وأوصافها، وأهل السنة يؤمنون أن الجنة موجودة الآن؛ لأن الله عز وجل قال: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وأن النار موجودة الآن لأن الله قال: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]، وهذه إشارة للماضي وفيها إشارة للحال وأنها موجودة الآن، وأول المعتزلة الجنة التي هي موجودة الآن بأنها جنة في الدنيا، وهذا تأويل فاسد، فإن الجنة التي يدخلها أهل الإيمان موجودة الآن، والنار التي يدخلها أهل العصيان أيضاً موجودة الآن كما تدل النصوص الشرعية على ذلك

منهج التصحيح ومنهج التعميق في دراسة الغيبيات

منهج التصحيح ومنهج التعميق في دراسة الغيبيات ونحن في دراسة هذه الغيبيات لنا منهجان: المنهج الأول: منهج التصحيح، بمعنى أن ندرس العقائد الغيبية ونصحح ما تعلق بها من الانحرافات عند الفرق الضالة، ونبين ما تدل عليه النصوص الشرعية فيما يتعلق بهذه الأمور الغيبية، وهذا المنهج ندرس فيه الغيبيات وندرس فيه الأسماء والصفات وندرس فيه توحيد الألوهية، وهذا هو السائد في كتب أهل العلم فيما يتعلق بالعقيدة. المنهج الثاني: هو منهج التعميق، بمعنى تعميق الإيمان بهذه الأمور، فكل واحدة من هذه الأمور لها جوانب إيمانية عظيمة جداً، وهي ثمرة الإيمان بهذه الأشياء. فنحن عندما ندرس البعث والحشر والموازين والصراط والجنة والنار ندرسها من باب التصحيح؛ لأن هناك عقائد منحرفة تعلقت بها، فنحن نصحح هذه العقائد ونبينها من واقع النصوص الشرعية بشكل مختصر؛ لكن لها جانب آخر، وهو أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يدرسون هذه العقائد، ويتأثرون بما تدل عليه من المفاهيم والمعاني. كذلك نحن ندرس أحوال الجنة لكي نشتاق إليها، ويؤثر هذا في نفوسنا عبادة عظيمة وهي عبادة الرجاء والتعلق بالله والتمني لدخول الجنة، ويحثنا هذا ويدعونا إلى العمل الصالح، وعندما ندرس النار فإن هذا ينمي في قلوبنا عبادة شرعية وهي الخوف من الله عز وجل والدعوة للهروب من الذنوب والمعاصي، وعندما ندرس الأسماء والصفات فندرس -مثلاً- أن الله الغني فهذا يدعو إلى الطلب من الله عز وجل، وعندما ندرس أن الله عز وجل هو الرقيب فإن هذا يدعو إلى الخوف من الله عز وجل في شئوننا، عندما نكون منفردين. وعندما ندرس أن الله عز وجل هو الجبار والمنتقم سبحانه وتعالى، فإن هذا يورث في نفوسنا العزة بالله سبحانه وتعالى، وأنه سينتقم لعباده المؤمنين من أهل الكفر والظلم والطغيان، وعندما ندرس أن الله هو الرحمن الرحيم فإن هذا يطمعنا في رحمة الله. فهذه المعاني هي جزء من العقيدة، لكن مع تصنيف العلوم وتقسيمها صارت هذه المسائل تدرس في باب التفسير، أو في الزهد والرقائق، أو في باب الآداب الشرعية، أو في السلوك، مع أنها داخلة في صلب العقيدة، ويتحدث عنها أهل العلم أحياناً باسم أعمال القلوب. لكن نحن اعتدنا من خلال دراسة العقيدة في كتاب التوحيد مثلاً والواسطية ولمعة الاعتقاد والطحاوية ونحو ذلك، أن ندرس بالمنهج الأول وهو منهج التصحيح، مع أن المنهج الثاني جزء من العقيدة أيضاً حيث ندرس فيه تعميق العقيدة، فلهذا نقول: فلان عقيدته قوية، بمعنى أنه فهم العقيدة بذهنه والتزم بها في سلوكه وخلقه ودينه وخوفه من الله سبحانه وتعالى. فأحياناً تكون العناية بالتصحيح على حساب التعميق، وهنا يكون الخطأ. ولهذا استغل الصوفية فجوة في فهم بعض أهل السنة للعقيدة، حيث يفهم كثير من الناس أننا ندرس مسائل الأسماء والصفات فنثبتها كما أثبتها الله عز وجل وكما أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم، ونرد على الأشاعرة ونرد على المبتدعة الضالين فيها بهذه الطريقة العقلية المحضة، نحن نقول: هذا جزء أساسي من دراسة العقيدة، فلابد أن نصحح العقيدة للناس حتى يعتقد الناس العقيدة الصحيحة كما بينها الله عز وجل وكما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا باب عظيم، والذين يدافعون عن العقيدة في هذا الباب نسميهم حماة للدين وحماة العقيدة؛ لكن أيضاً فإن من العقيدة الإيمان بأعمال القلوب من الخوف والرجاء والإنابة والتوكل والبكاء من خشية الله والتعبد وذكر الله عز وجل والتأثر بالقرآن وتدبر القرآن، هذه كلها من العقيدة، ولهذا أقول: لا ننشغل بدراسة المتون في العقيدة مثل: متن كتاب التوحيد متن كشف الشبهات متن الأصول الثلاثة متن العقيدة الواسطية متن التدمرية متن العبودية متن العقيدة الطحاوية مع شرحها؛ لا ننشغل بهذا بحيث نجعل طالب العلم إذا درس هذه المتون فإنه أكبر إنسان في العقيدة، فإن الإنسان قد يدرس هذه المتون وعمله الصالح ضعيف، وخوفه من الله ضعيف فيكون العامي أقوى منه عقيدة. إذاً لابد أن ندرس العقيدة بهذين المنهجين، وهذه القضية تتضح في القضايا الغيبية أكثر منها في غيرها، وإلا فإن كل باب من أبواب العقيدة له جانب سلوكي وإيماني قوي جداً حتى باب القدر، ولهذا أحد الغربيين يقول: المسلمون الأوائل كانوا يؤمنون بالقدر وكذلك المتأخرون يؤمنون بالقدر، لكن الأوائل كان القدر يدفعهم للقتال في المعارك؛ لأنهم يعلمون أن الآجال مكتوبة بقدر الله عز وجل، فهذا يدعوه إلى الشجاعة وأنه لن يتأخر يومه إذا دخل في المعركة، بينما المتأخرون فهموا القدر بأنه سلبية وأن الأمور مقدرة فتركوا العمل! فانظروا إلى أثر الانحراف في العقيدة والسلوك، وأن العقيدة الصحيحة تؤثر أيضاً في السلوك، فينبغي إدراك هذه القضية بشكل جيد. قال المؤلف رحمه الله: [وأهل الجنة فيها مخلدون {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:74 - 75]، ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار ثم

شرح باب الغيبيات من حائية ابن أبي داود

شرح باب الغيبيات من حائية ابن أبي داود قال ابن أبي داود رحمه الله تعالى: [لا تنكرن جهلا نكيرا ومنكرا ولا الحوض والميزان إنك تنصح وقل يخرج الله العظيم بفضله من النار أجساداً من الفحم تطرح على النهر في الفردوس تحيا بمائه كحب حميل السيل إذ جاء يطفح] هذا ورد في حديث الشفاعة الطويل، وهؤلاء هم الجهنميون، وهم آخر من يخرج من النار، وهم من العصاة، وقد ورد في أوصافهم أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وورد في أوصافهم أن في قلوبهم إيماناً، وورد أيضاً أنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود. قوله: [وإن رسول الله للخلق شافع وقل في عذاب القبر حق موضح] هنا نلاحظ في كلام ابن أبي داود أنه أشار إلى مسألة سؤال المنكر والنكير، وأشار إلى أسماء الملائكة وأشار إلى الحوض والميزان وأشار إلى خروج الموحدين بالشفاعة، وأشار إلى الشفاعة في قوله: وإن رسول الله للخلق شافع، وأشار إلى عذاب القبر؛ لكن ما قرأناه في لمعة الاعتقاد أوسع من ذلك.

شرح باب الغيبيات من العقيدة الواسطية

شرح باب الغيبيات من العقيدة الواسطية قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ومن الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت]. نلاحظ أن الغيبيات التي تحدث عنها ابن تيمية هي الغيبيات المتعلقة باليوم الآخر، بينما أشار ابن قدامة رحمه الله إلى أشراط الساعة التي تكون قبل يوم القيامة، وهذا يعتبر أوسع من كلام ابن تيمية. قوله: [فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه]. فتنة القبر وعذاب القبر ونعيمه تكون قبل يوم القيامة، لكنها ألحقت بموضوع اليوم الآخر باعتبار أن ما بعد الموت من اليوم الآخر، وإلا فهي تعتبر من البرزخ، والبرزخ هو الحياة التي تكون بين حياتين يعني: بين الدنيا والآخرة. قوله: [فأما الفتنة فإن الناس يمتحنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك، وما دينك، وما نبيك]. ليس المقصود هنا أن المرأة لا تمتحن، وإنما المقصود عموم الناس، وإلا فإن المرأة تمتحن أيضاً كما يمتحن الرجل. قال رحمه الله: [فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق]. هذا ورد في حديث البراء بن عازب وهو حديث طويل في وصف الاحتضار وعذاب القبر ونعيمه. قال رحمه الله: [ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]. وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، كما قال سبحانه وتعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13 - 14]، ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة. وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها]. سبق أن أشرنا إلى أن الكفار ليس لهم ميزان، لأنهم لا حسنات لهم، فإن الكفر يقتل كل حسنة. قال: [وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً]. أما من يصرف عن الحوض فهم الكفار وأهل البدع، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقدم علي قوم فأعرفهم فيذادون عني فأقول: أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ومعنى أحدثوا: ابتدعوا، ولهذا يذكر أهل العلم هذا الحديث في باب ذم البدع وخطورة البدعة على صاحبها. وقوله: (أصيحابي أصيحابي) ليس المقصود بأنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مبتدع أبداً، وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم، حيث يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يميز بين أمته وغيرها من الأمم، فيميز أمته الذين ولدوا بعده بالغرة والتحجيل، ومع أنهم غر محجلون إلا أنهم يذادون عن الحوض فلا يشربون منه. قال رحمه الله: [والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم]. وقد سبق أن أشرنا إلى أنها تشبه شوك السعدان الملتوي. قال رحمه الله: [فمن مر على الصراط دخل الجنة، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة]. هذا يعتبر زيادة عما في كتاب لمعة الاعتقاد، وهي إثبات القنطرة التي بين الجنة والنار، وهي ثابتة في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله: [وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أ

دراسة موضوعية [15]

دراسة موضوعية [15] الإيمان بالأنبياء والرسل ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان العبد إلا به، وهم كثر ذكر بعضهم في القرآن وكثير منهم لم يذكروا، وآخرهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتمهم وأفضلهم، وله خصائص ومميزات تميزه عن غيره من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

أخذ العلم عن علماء أهل السنة والحذر من المبتدعة

أخذ العلم عن علماء أهل السنة والحذر من المبتدعة ينبغي لطالب العلم أن لا يدرس إلا على صاحب سنة، وأن يبتعد عن التلقي عن أهل البدع، وأن يجتهد في أن تكون دراسته -خصوصاً في مسألة العقائد وما له من ارتباط بها- على يد صاحب عقيدة صحيحة، فإن المبتدعة يجب على المسلمين هجرهم والتحذير مما هم فيه من البدع المضلة؛ لأن البدع أخطر من المعاصي. فصاحب المعصية يدفعه الهوى والشهوة لفعل المعصية، وهو يعلم أن هذه معصية، ولهذا إذا وعظ وذكر بالله عز وجل فإنه يعود، فهو لا يتخذ معصيته ديناً، بينما صاحب البدعة يظن أن البدعة التي هو عليها -سواء في باب العقائد أو الأعمال- من الدين، فتكمن الخطورة عندما ينسب الإنسان شيئاً إلى دين الله عز وجل، ويشرع فيه ما ليس منه، ولهذا جاء في الحديث الذي روي مرفوعاً وروي عن بعض السلف من أقوالهم: (أن الله عز وجل لا يقبل توبة صاحب بدعة)، وهذا الحديث له معنيان: المعنى الأول: أن صاحب البدعة لا يقبل الله منه هذه التوبة، فيكون هذا الحديث من أحاديث الوعيد العامة. والمعنى الثاني: ما أشار إليه الشاطبي رحمه الله في الاعتصام، وهو أن صاحب البدعة لا يمكن أن يتوب من بدعته؛ لأنه يعتقد أنها دين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التلقي عن المبتدع: وقال أيضاً رحمه الله تعالى: وقرأت بخط الشيخ الموفق قال: سمعنا درسه -أي: ابن أبي عصرون - مع أخي أبي عمر وانقطعنا، فسمعت أخي يقول: دخلت عليه بعدُ، فقال: لم انقطعتم عني؟ قلت: إن ناساً يقولون إنك أشعري، فقال: والله ما أنا أشعري، هذا معنى الحكاية. انتهى. وعن مالك رحمه الله تعالى قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به. فيا أيها الطالب إذا كنت في السعة والاختيار فلا تأخذ عن مبتدع: رافضي أو خارجي أو مرجئ أو قدري أو قبوري وهكذا، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال صحيح العقد في الدين متين الاتصال بالله، صحيح النظر، تقفو الأثر -إلا بهجر المبتدعة وبدعهم، وكتب السير والاعتصام بالسنة حافلة بإجهاز أهل السنة على البدعة، ومنابذة المبتدعة والابتعاد عنهم، كما يبتعد السليم عن الأجرب المريض، ولهم قصص وواقعات يطول شرحها، لكن يطيب لي الإشارة إلى رءوس المقيدات فيها، فقد كان السلف رحمهم الله تعالى يحتسبون الاستخفاف بهم وتحقيرهم، ورفض المبتدع وبدعته، ويحذَّرون من مخالطتهم ومشاورتهم ومؤاكلتهم، فلا تتوارى نار سني ومبتدع. وكان من السلف من لا يصلي على جنازة مبتدع فينصرف، وقد شوهد من العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وتسعة وثمانين من الهجرة رحمه الله تعالى انصرافه عن الصلاة على مبتدع، وكان من السلف من ينهى عن الصلاة خلفهم، وينهى عن حكاية بدعهم؛ لأن القلوب ضعيفة والشبه خطافة. وكان سهل بن عبد الله التستري لا يرى إباحة الأكل من الميتة للمبتدع عند الاضطرار؛ لأنه باغٍ؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة:173] الآية، فهو باغٍ ببدعته، وكانوا يطردونهم من مجالسهم، كما في قصة الإمام مالك رحمه الله تعالى مع من سأله عن كيفية الاستواء، وفيه بعد جوابه المشهور: أظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج]. كل هذه الأخبار وما سيأتي نقله هو في بيان أهمية الدراسة على صاحب السنة والحذر من الرواية والدراسة وتعظيم أصحاب البدع، فإن أصحاب البدع إذا عُظِّموا وصارت لهم مكانة ومنزلة في الأمة، فإن الناس سيأخذون عن هؤلاء، وإذا أخذوا عنهم فإنهم قد يتعرضون والعياذ بالله للعقائد المنحرفة الضالة التي عندهم. ولا شك أن البدع ليست على مستوىً واحد، فهناك بدع مكفرة وبدع غير مكفرة، وهناك بدع مغلظة وبدع أخف منها، وهناك بدع في الاعتقاد، وهناك بدع في الأعمال، وهناك بدع مركبة من مجموعة آراء وأفعال بدعية، وهناك بدع ليست مركبة وإنما هي بدعة واحدة، فهي ليست على مستوى واحد، وقد جعل الله لكل شيء قدراً. فإذا كان الإنسان يتعامل مع مبتدع بدعته كفرية، فإنه سيختلف عن معاملته مع مبتدع بدعته ليست كفرية، وهكذا بالنسبة للمغلظة، وهكذا بالنسبة للبدع في الاعتقاد والعمل، وهكذا بالنسبة للبدع المركبة وغيرها؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون محتاطاً في دينه وفي تعامله، فلكل هذه المسائل ضوابط ينبغي على الإنسان أن يدركها وأن يحرص عليها، والسبب في هجر المبتدع والتحذير منه هو ألا تنتشر بدعته، فإن البدع كالسرطان، إذا تُرِكَت في الأمة فإنها تنتشر أكثر وأكثر حتى تفتك بها. وقد مرت على المسلمين فترة غابت فيها السنة عن الناس، إلى درجة أن صاحب السنة أصبح غريباً بسنته، وأصبحت البدعة جزءاً من كيان المجتمع، وأصبح الناس يمارسونها على أنها جزء من الدين، فلم يكونوا يعرفون من العقائد إلا عقائد الأشعرية، وكذلك مر على المسلمين فترة

ذكر ما جاء في النبوات

ذكر ما جاء في النبوات الكلام في النبوات يتعلق بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم ونبوة بقية الأنبياء، وإثبات هذه النبوة، ويتعلق أيضاً بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم وما يترتب على ذلك من القضايا العلمية المشهورة. وباب النبوات هو جزء من الإيمان، ولهذا جاء في قول الله عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285]، فقوله: (رسله) المقصود بها النبوات، وفي حديث جبريل الطويل لما سأله جبريل عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره). فالكلام حول الرسل والرسالات وحول النبوات هو باب من أبواب العقيدة، وهذا الباب باب عظيم جداً يتعلق بالمرسلين قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهم كثر، من أبرزهم آدم عليه السلام فقد كان نبياً مكلماً، ونوح وهو أول رسول يرسله الله عز وجل إلى أهل الأرض، ومنهم إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل، يقول الله عز وجل: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35]، وأولو العزم من الرسل لم يأت تحديدهم بالنص في القرآن، لكن أهل العلم أخذوا الآيات التي جمع فيها خمسة من أشهر الأنبياء، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن هؤلاء هم أولو العزم من الرسل.

نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

نبوة محمد صلى الله عليه وسلم سيكون حديثنا عن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يعنينا؛ لأن ابن قدامة رحمه الله لم يتحدث عن نبوة الأنبياء السابقين، وإنما تحدث عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة في باب مشهور عند أهل العلم، وهو باب دلائل النبوة، وأدلة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم أدلة كثيرة جداً، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح، يقول: إن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم قام عليها أكثر من ألف دليل.

من أبرز دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

من أبرز دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأحاديث المشهورة في دلائل النبوة حديث ابن عباس في قصة هرقل، وهذا الحديث في كتاب بدء الوحي في صحيح البخاري: عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم برسالة إلى هرقل، واستدعى هرقل أبا سفيان ومن كان معه من العرب، وجاء بالترجمان وقال: من أقربهم منه نسباً؟ يعني: من محمد صلى الله عليه وسلم، فأشاروا إلى أبي سفيان فقدمه وجعل البقية خلفه، وأمرهم أن يكذبوه إذا كذب، يقول أبو سفيان: ولولا الحياء لكذبت، لكنه لم يستطع الكذب خشية أن يحفظوا عنه كذباً، وكان العرب يعتبرون الكذب عيباً في الرجل، فسأله عن حقيقة هذا النبي، وسأله عن شخصية النبي هل له أحد من أقاربه كان ملكاً، هل هو شخص يريد الغنى والمال، ما هو موضوع دعوته، إلى أي شيء يدعو، وسأله عن أتباعه منهم، وسأله هل يرجع أحد من أتباعه عن دينه. ثم استنتج من هذه الأسئلة الكثيرة أن هذا الرجل نبي، وقال: إن صدقتم فيما قلتم فسيملك موطن قدمي هاتين، ولو أني طمعت في أن أخلص إليه لغسلت عن قدميه وشربت مرقتها. فهو يعرف أنه نبي، حتى إنه عندما خرج أبو سفيان جمع هرقل وزراءه في دسكرة واحدة، وأطل عليهم من الشرفة، وقال: هل لكم في الفلاح هل لكم في النجاح؛ إنه رسول الله! فحاص الروم كما تحوص الحمر، واتجهوا إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما يئس من الإسلام قال: ردوهم علي، ثم قال: إنما كنت أختبر التزامكم بدينكم، فقال أبو سفيان: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- إنه يخافه عظماء الروم، فنلاحظ أن دلائل النبوة واسعة جداً. ومن أبرز دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يدعو إلى شيء شخصي، لم يدعو إلى مجد لذاته، ولم يدع إلى مال، ولم يدع لكسب دنيوي، وإنما كان يدعو إلى الله عز وجل، ويأمرهم بإفراد الله العبادة، وفضائل الأعمال والأخلاق. ومن أبرز دلائل نبوته المعجزات الثابتة، مثل الإسراء والمعراج وانشقاق القمر، وكانت تكلمه الأشجار والحصى، ومنها أمور أنه عندما انقطعت بهم المياه أدخل يده فأصبح الماء ينبع من بين أصابعه، حتى إنهم توضئوا وشربوا من الماء جميعاً، وكان عددهم ألفاً وخمسمائة. ومن دلائل نبوته إخباره عن المغيبات، فقد أخبر عن أمور غيبية ستقع، ومن ذلك أنه أخبر أن دين الإسلام سيظهر، وسيكون لهُ ملكٌ عظيم، وسيكون له مكان كبير في الأرض، وحصل فعلاً، فسيطر المسلمون على أكثر من نصف الكرة الأرضية، واستطاعوا أن يؤثروا تأثيراً كبيراً في سائر الأمم، وكان لهم مجد عظيم. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كسرى سيهزم، وأن الله سيمزق ملكه، وفعلاً مزق الله ملكه في زمن عمر بن الخطاب، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العلاقة بـ كسرى قال: (كسرى نطحة -أو قال: الفرس نطحة أو نطحتان، ولكن الروم ذوات قرون كلما هلك قرن خلفه قرن آخر)، وفعلاً وقع هذا، فالأكاسرة ودين الفرس تمزق تماماً، ولم يعد له وجود، بينما الرومان لم يسقط الصحابة ملكهم بالكلية، وإنما أخذوا كثيراً من المستعمرات التي كانوا يستعمرونها، مثل بلاد الشام ومنطقة الروم التي هي آسيا الوسطى كما يسمونها الآن، وجنوب البحر المتوسط جميعاً، ودخلوا إلى أن وصلوا إلى الأندلس، وكلما هزم جيل من الرومان جاء جيل آخر، وأنتم تلاحظون أن المعركة الآن بيننا وبين الروم، والروم هم النصارى، الذين لهم سطوة ولهم صولة في العالم في هذا الزمان. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينتشر في الأمة الزنا، وسينتشر في الأمة شرب الخمر، وسينتشر في الأمة أكل الحرام، وأخبر أيضاً عن حقائق في القرآن، والقرآن نفسه أكبر معجزة تثبت نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا القرآن أولاً لم يستطع أحد أن يحاكيه في بلاغته، فالعرب مع قدراتهم ومع بلاغتهم الواسعة، ومع إمكانياتهم الرهيبة في المنطق إلا أنهم ما استطاعوا أن يحاكوا هذا القرآن، ولهذا تحداهم الله عز وجل أن يأتوا بمثله، وتحداهم بأن يأتوا بعشر سور، وتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله، فهم لم يستطيعوا الإتيان بشيء من ذلك، بل لم يتجرءوا ويحاولوا ولو محاولة واحدة؛ لأن العرب قديماً كانوا أصحاب فطنة لم يكونوا عابثين، يعني: لا يأتي الواحد منهم فيحاول أن يعبث ويحاكي فيضحك الناس عليه، وأبرز من حاول أن يحاكي القرآن هو مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، فبين الله عز وجل كذب دعواه في سلوكه، فقد جيء له برجل مرمود عينه، وسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في عين علي بن أبي طالب وشفاه الله عز وجل، فبصق مسيلمة في عين هذا المسكين فأعماه الله، وأيضاً سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في بئر ماؤها غائر، فنبع ماؤها من جديد، فجاء مسيلمة إلى بئر كان فيها ماء قليل، فبصق في

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [فصل: ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته]. قوله: (محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين) هذا لا إشكال ولا شك فيه، فهو مما أجمع عليه المسلمون، وقد وصفه الله عز وجل بهذا الوصف في القرآن الكريم، فقال: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، فهو خاتم النبيين بدون إشكال، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نبي بعدي)، ومن الغرائب أن رجلاً ادعى النبوة وغير اسمه إلى (لا) وحرَّف الحديث، وقال: إن الحديث ليس نفياً وإنما هو إثبات، فهو يقول: لا، نبيٌ بعدي، يعني: سيأتي رجل اسمه لا فيثبته أنه نبي بعده، وهذا يدل على الخرافات! وظهر رجل من المدعين للنبوة اسمه بيان بن سمعان، وكان من الباطنية، واستدل بقول الله عز وجل: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:138]، فهم من قوله: بيان، أنه ليس معناها الفصاحة، وإنما اعتبر نفسه هو المقصود في الآية، وقوله: للناس، يعني: رسولاً لهم. وقول المؤلف: (سيد المرسلين)، ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من ينشق عنه القبر ولا فخر). هذا لا شك فيه، فإن من أصول الإسلام أن يؤمن الإنسان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. وأجمع المسلمون على أن من كفر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم فهو ليس بمسلم، ولهذا من صحح دين النصارى أو دين اليهود الذين لا يؤمنون بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام. ومع الأسف يوجد بعض الكتبة من الصحفيين الجهال من يصحح أديان اليهود والنصارى، ويقول: هل تتصورون أنه لا يدخل الجنة إلا المسلمون حتى لو كان بعضهم حمقى وأغبياء؟ وأن أذكياء الكفار مثل فولتير وغيره من المشهورين والعباقرة يدخلون النار؟! وهذا من سوء فهمه وضعف تدبيره، فإن الله عز وجل أخبر أنه لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة حتى يكون مؤمناً، ولا يمكن أن يكون مؤمناً حتى يؤمن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الفيصل بين المسلمين والكفار، فالفيصل بين المسلمين والكفار أمران: الأمر الأول: توحيد الله عز وجل، فالمشرك لا يدخل في الجنة وليس بمؤمن. والأمر الثاني: إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فالكافر بها لا يمكن أن يكون مؤمناً ولا مسلماً ولا يدخل الجنة. وقوله: (ويشهد بنبوته)، هذه تابعة للتي قبلها. قال: [ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته]. وهذا سبق أن أشرنا إليه في باب الشفاعة، ففي حديث أبي هريرة الطويل في باب الشفاعة أنهم يأتون إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ويطلبون منهم الشفاعة لفصل القضاء، ثم كل واحد منهم يعتذر، ثم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (أنا لها، ثم يذهب ويسجد عند الله عز وجل، ثم يقول الله له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع). قال: [ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته]. وهذا ثابت أيضاً في الحديث الصحيح: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا)، فلا يمكن أن يدخل الجنة أحد إلا إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم واستفتح، فيفتح له الملك ويقول: لك أمرت أن أفتح، وأول أمة تدخل الجنة هي أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ثابت كما سبق أن أشرنا إليه. قال: [صاحب لواء الحمد]. هذا جاء في الحديث: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، قال: وأنا صاحب لواء الحمد، والأنبياء والصالحون تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر). قال: [والمقام المحمود]. وهذا الذي أخبر الله عز وجل عنه، يعني: أن له المقام المحمود يوم القيامة، والمقصود بالمقام المحمود الشفاعة عندما يشفع للناس في فصل القضاء، قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]. قال: [والحوض المورود]. الحوض المورود سبق أن أشرنا إليه، والحقيقة أن الحوض ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فلكل نبي من الأنبياء حوض، وكل يتباهى بكثرة الواردين عليه، لكن أكثر الواردين هم على حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من بقية أحواض الأنبياء الأخرى، وأعظم وأكثر وروداً يوم القيامة. قال: [وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم]. جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يبعثه إماماً للنبيين، وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، يعني: نفس النص وارد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [وأمته خير الأمم]. كما قال الل

الأسئلة

الأسئلة

حال العصاة من أهل التوحيد في قبورهم

حال العصاة من أهل التوحيد في قبورهم Q هل العصاة من أهل التوحيد يجيبون بالقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، أم يقولون: هاه هاه لا أدري؟ A الحديث الذي ورد في هذا الباب هو حديث البراء بن عازب، وحديث البراء بن عازب جاء في قسمة الناس في القبور إلى قسمين: المسلم والكافر، وبناء على هذا فإن الفاسق والعاصي يكون تابعاً للمسلم، وإذا أجاب بقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يعني أنه لا يناله شيء من عذاب القبر بسبب عصيانه، فإنه قد يناله ذلك؛ لأنه ورد في بعض الروايات: (فأما الكافر أو الفاسق فإنه يقول)، وهذا يدل على أن الحالات ليست حالة واحدة، فقد يقدر الله عز وجل على فاسق من الفساق أن يعذب في قبره فيجيب بقوله: هاه هاه لا أدري، ولهذا جاء في بعض الألفاظ يقول: (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت)، وهذا يدل على أنه منافق أو عاصٍ ضَعُفَ إيمانه إلى درجة أنه صار يحاكي الناس فيما يقولونه من مسائل التوحيد والإيمان.

وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأعلى المقامات وهي العبودية

وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأعلى المقامات وهي العبودية Q يقول بعضهم: إن الله سبحانه وتعالى قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] ولم يقل: بنبيه، وهذا يدل على أن أي عبد صالح يمكن أن يسرى به، فكيف نرد على ذلك؟ A لا شك أن هذا فاسد، فإن الآية جاءت في النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لم تأت في عباد الله عز وجل جميعاً، بل جاءت في النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالعبودية هنا دل على أن أفضل مقامات النبي صلى الله عليه وسلم مقام العبودية، فإنه خُيِّرَ بين أن يكون ملكاً رسولاً وأن يكون عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، ووصفه هنا بالعبودية لا يعني أنه غير موصوف بالرسالة، وإنما وصفه الله عز وجل بأحد الوصفين لبيان أن العبودية من أوصافه، وهي لا شك من المنازل العالية عند الله سبحانه وتعالى. وأما فهم هذا الإنسان من قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:1] أن الوصف بالعبودية يدل على أنه يمكن أن يسرى بأي عبد آخر، فهذا فهم فاسد للقرآن، فالآية بإجماع المسلمين جاءت في الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تأت في غيره، هذا أولاً. وثانياً: قوله: ((بِعَبْدِهِ))، ليس المقصود: تعميم الوصف، بحيث إن كل عبد يمكن أن يسرى به، وإنما المقصود وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المنزلة؛ لمكانتها عند الله سبحانه وتعالى، ولم يقل أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أنه يمكن أن يسرى بـ أبي بكر مثلاً أو عمر أو عثمان أو علي، مع أنهم من خيار الصحابة، ولم يقل أحد من الصحابة إن هذا الأمر جارٍ بالنسبة لهم، بل إن الإسراء من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا فهم فاسد، والحقيقة أن كثيراً من الناس يفسرون القرآن على غير وجهه، والواجب أن يفسر القرآن بما أجمع عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم.

قول القلب مجمع عليه كل المسلمين

قول القلب مجمع عليه كل المسلمين Q هل نفى بعض أهل العلم قول القلب من الإيمان، فقد قرأت أن إشارة شيخ الإسلام إلى قول القلب في الواسطية هو زيادة من الناسخ، كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله، فما صحة ذلك؟ A قول القلب المقصود به: تصديق القلب، وتصديق القلب مجمع عليه عند كل المسلمين، فحتى الفرق الضالة مثل المرجئة والخوارج وغيرهم لا ينفون قول القلب وأنه جزء من الإيمان، فتبقى تسمية التصديق القلبي بالقول، والتفريق بين القول والعمل بالنسبة للقلب، وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا التفريق تفريق علمي، وإلا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجعلون ما في القلب كله أمراً واحداً، وهو عمل القلب، ويدخل فيه التصديق القلبي، لكن لما وجد من الفرق الضالة من أثبت نوعاً من إيمان القلب وهو التصديق، ونفى نوعاً آخر وهو العمل؛ بيَّن أهل العلم الفرق بين القول والعمل واشتمال الإيمان على القول والعمل أيضاً. وأما تنبيه الشيخ ابن إبراهيم على أن هذه الكلمة -وهي قول القلب- زيادة من الناسخ، فهذه مسألة علمية تتعلق بالنسخ لا علاقة لها بمسألة الإيمان كمسألة، فإن الشيخ ابن إبراهيم وغيره من المشايخ يعرفون أن القلب يشتمل على تصديق وعمل، وقد يسمي بعض أهل العلم التصديق قولاً، ويسمي العمل بأنه عمل القلب، وقد يجعلها البعض جميعاً عمل القلب فقط، لكن تصديق القلب وعمل القلب أمر ثابت لا إشكال فيه.

معنى الفاسق الملي

معنى الفاسق الملي Q ما هو الفاسق الملي؟ A هو العاصي الذي لم يخرج من الإسلام بعصيانه، فهو فاسق أي: خارج عن الطاعة، وملي أي: من أهل الملة (ملة الإسلام).

حكم تكفير الصحابة

حكم تكفير الصحابة Q ذكرتم الذي يكفر بعض الصحابة لا يكفر، نرجو توضيح هذه المسألة، أليس الخير يخص والشر يعم؟ A لا أعرف ما معنى كلام الأخ: أليس الخير يخص والشر يعم؟ لكن مسألة تكفير الصحابة فيها تفصيل عند العلماء: فإذا كان التكفير لعموم الصحابة فلا شك أن هذا كفر، لأن الله عز وجل زكى عموم الصحابة، وتكفير عموم الصحابة فيه إبطال لهذه التزكية الربانية وتكذيب لها، وهذا لا شك أنه كفر، المسألة الثانية: أن يكفر من أثبت الله عز وجل إسلامه أو أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم إسلامه في الحديث الصحيح الذي لا إشكال فيه ولا غموض، فيكون هذا تكذيباً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أو لخبر الله عز وجل بإسلام هذا الصحابي فيكون كلامه كفراً أيضاً مخرجاً عن الملة. الأمر الثالث: أن يكفر بعض الصحابة الذين وقعوا في بعض الأخطاء مثل حاطب بن أبي بلتعة الذي وقع منه خطأ وعذره النبي صلى الله عليه وسلم لوجود شبهة لديه، فهذا يكون من أهل البدع ولا يكون كافراً خارجاً عن الإسلام؛ لأن الذي يمنع عنه التكفير هو وجود شبهة عنده، والصحابة كلهم مسلمون بدون شك، لكن المقصود هو من كفرهم هل يكفر أو لا يكفر؟ فهي على الأنواع الثلاثة التي سبق أن أشرنا إليها.

الفرق بين الاسم المطلق ومطلق الاسم

الفرق بين الاسم المطلق ومطلق الاسم Q ما الفرق بين الاسم المطلق ومطلق الاسم؟ A الفرق بين الاسم المطلق ومطلق الاسم: أن الاسم المطلق يدل على العموم، مثلاً: الإيمان المطلق أو مطلق الإيمان، الإيمان المطلق يعني: التام، فالاسم المطلق معناه الاسم التام، إذا قلنا: فلان عنده الإيمان المطلق، فالمعنى: عنده الإيمان الكامل، وإذا قلنا: إن فلاناً عنده مطلق الإيمان، يعني: عنده جزء منه، وليس عنده كل الإيمان، لكن عنده ما يسمى بالإيمان.

عدم جواز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت

عدم جواز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت Q هل يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت؟ A لا يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم الآن وهو ميت، وإنما تطلب الشفاعة منه يوم القيامة؛ لأنه بعد موته صلى الله عليه وسلم صار في حياة أخرى غير الحياة الدنيا، ولا يصح مخاطبته في مثل هذا الوضع، ومن طلب منه فإنه مثل من يطلب من الغائب، أو من يطلب من غير القادر شيئاً من الأشياء، وحينئذٍ يعتبر نوعاً من الشرك، فالطلب من النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، مثل الصحابة عندما يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا إذا طلب منه ما يقدر عليه فهو مباح، وإذا طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، فلو جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه مغفرة الذنب أو الشفاء أو نحو ذلك فهذا لا شك أنه كفر. النوع الثاني: أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت في قبره، وهذا لا يجوز لأنه من الشرك؛ ولأنه لا يقدر أن يدعو له، ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم، عندما كانوا يستسقون يطلبون من الله عز وجل السقيا، وكانوا يطلبون من الصحابة أن يدعوا لهم، ولا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلب من العباس، أي: استسقى بـ العباس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم مقبور قريب منهم، ولم يطلبوا منه، وهكذا معاوية رضي الله عنه طلب من يزيد بن الأسود أن يدعو لهم، ولم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم. النوع الثالث: يوم القيامة، فيوم القيامة يباح أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، كما ورد في حديث الشفاعة الطويل.

الحساب قبل الصراط

الحساب قبل الصراط Q هل الحساب قبل الصراط أم بعده؟ A الحساب يكون قبل الصراط.

حكم تسمية النصوص الشرعية آراء سماوية

حكم تسمية النصوص الشرعية آراءً سماوية Q هل يجوز تسمية النصوص الشرعية بأنها آراء سماوية؟ A هذا التعبير خطأ إذا كان يقصد أنها آراء؛ لأن الآراء يمكن أن تقبل ويمكن أن ترفض، لكن النصوص الشرعية لابد أن تقبل، والآراء قد تدل على أنها ظنية غير يقينية، والنصوص الشرعية يقينية، فإذا كان الشخص مسلماً صادقاً لكنه أخطأ في التعبير، نقول: هذا خطأ في تعبير هذا الإنسان، ولا نحمله على عقائد ضالة، فلا نقول: هذا الإنسان كافر بسبب أنه قال: آراء سماوية. لكن إذا عبر بهذا التعبير شخص صاحب عقيدة ضالة، ويشك في وجود الله عز وجل، أو يشك في صدق خبر الله عز وجل، فلا شك أن هذا يدل على ما عنده من العقيدة الفاسدة.

حكم من لا يصلي أبدا

حكم من لا يصلي أبداً Q إنسان لا يصلي أبداً فهل يجوز أن أقول له: كافر؟ A إذا كان لا يصلي أبداً فلا شك أنه كافر، لكن الأولى أن تدعوه إلى الله عز وجل، بدلاً من أن تكفره وأن تتكلم عليه، ادعه إلى الله وذكره وعظه وانصحه ووجهه، فهذا هو المطلوب من الإنسان.

حديث: (كلها في النار إلا واحدة) لا يقصد به الخلود في النار

حديث: (كلها في النار إلا واحدة) لا يقصد به الخلود في النار Q تفترق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، هل المقصود الخلود في النار؟ A لا، هذه الفرق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي فرق ضالة من المسلمين، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق هذه الأمة)، يعني: الأمة الإسلامية. وقوله: (كلها في النار)، هذا من الوعيد، مثل الإخبار بأن الزاني في النار، وشارب الخمر في النار، مع أنه مسلم ليس بكافر، فحديث الفرق في المسلمين وليس في الكفار.

معنى الإرجاء

معنى الإرجاء Q ما هو الإرجاء؟ A الإرجاء معناه: نفي دخول العمل في حقيقة الإيمان، ويعتقدون أن الإيمان هو تصديق القلب، فيخرجون عمل القلب وعمل الجوارح.

كيفية الاستدلال بآيات القرآن لمن لا يؤمن بها أصلا

كيفية الاستدلال بآيات القرآن لمن لا يؤمن بها أصلاً Q كيف نستدل بآيات القرآن على من لا يؤمن أصلاً؟ A أنت إذا جئت لشخص لا يؤمن بالقرآن أصلاً وتريد أن تخاطبه بالعقل، فلا تقل له: قال الله تعالى، لكن ارجع للقرآن وافهم ما فيه من الأدلة العقلية والبراهين الساطعة، ثم تكلم بها، فلا تقول له مثلاً: قال الله تعالى كذا؛ لأنه سيرد عليك مباشرة، فمثلاً إذا كان الشخص منكراً للبعث وقلت له: قال الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78]، قال لك: أنا لا أومن بهذا القرآن. لكن أنت بإمكانك أن تأخذ المعنى الموجود في الآية، وتقول له: من الذي أنشأك أول مرة؟ من الذي خلق هذه العظام أول مرة؟ فالذي خلق هذه العظام أول مرة قادر على إعادتها مرة أخرى، فأنت تأخذ المعنى وتتكلم بهذا المعنى، ولا يشترط أن تستدل بنص الآية، وإنما تأخذ معناها وفحواها وتتكلم به، هذا هو المطلوب بالنسبة للأدلة العقلية في مناقشة الكفار.

حكم إطلاق الكفر ويقصد به الكفر بالطاغوت

حكم إطلاق الكفر ويقصد به الكفر بالطاغوت Q ما حكم من يؤول التكفير بأنه كفر بالطاغوت، فيقول: أنت كافر، ولكن يؤول ذلك بأنه كفر بالطاغوت؟ A هذا عبث، وهذا المزاح ليس في محله، وهو خطأ ينبغي البعد عنه، فإن الإنسان يسأل عما يقول حتى في باب المزاح.

دراسة موضوعية [16]

دراسة موضوعية [16] من عقيدة أهل السنة توقير الصحابة رضي الله عنهم واعتقاد فضلهم ورعاية حقهم، وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم، والترضي عنهم، وعدم انتقاص أحد منهم، ويجانبون طريقة الشيعة الضلال الذين يكرهون الصحابة ويطعنون فيهم.

اختيار الصديق الصالح والحذر من قرين السوء

اختيار الصديق الصالح والحذر من قرين السوء قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه حلية طالب العلم: [الفصل الرابع: أدب الزمالة. الأدب الثالث والعشرون: احذر قرين السوء. كما أن العرق دساس، فإن أدب السوء دساس، إذ الطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك، فإنه العطب، والدفع أسهل من الرفع]. يعني: دفع أي صفة، أو أي طبع من الطباع الرديئة قبل أن تحصل في الإنسان في البداية، أسهل وأخف من رفعها بعد أن تصبح جزءاً أساسياً في حياته، فمثلاً: أدب من الآداب السيئة، سواء في صديق تلازمه، أو في بيئة تعيش فيها، أو نحو ذلك، فدفعها عنك قبل أن تحصل في نفسك أسهل من رفعها بعد أن تتمكن في نفسك؛ لأن الدفع أسهل بكثير من الرفع. قال رحمه الله: [وعليه، فتخير للزمالة والصداقة من يعينك على مطلبك، ويقربك إلى ربك، ويوافقك على شريف غرضك ومقصدك، وخذ تقسيم الصديق في أدق المعايير]. لا شك أن للصداقة دوراً كبيراً في الصفات، والأخلاق، والآداب، ونحو ذلك؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون دقيقاً في اختيار الأصدقاء والأصفياء والأوفياء، وهذا الاختيار يعود إلى حسن فراسة الإنسان في الأشخاص، وإلى حسن اختياره للأصدقاء؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار من الأصدقاء من تتحقق فيه الصفات المفيدة التي ينتفع الإنسان بها، وليحذر من الأشخاص الذين لديهم صفات سيئة ورديئة. مثال ذلك: قد يبتلى الإنسان في بعض الأحيان بصديق يُكثر النقد والذم والسب لأهل العلم، فتجد أنه بدل أن يذكر الله عز وجل، وبدل أن يشتغل بالعبادة، وبدل أن يشتغل بما ينفعه، يشتم ويسب وينقد من هو أكبر منه علماً وفضلاً، ولهذا إذا صاحبت مثل هذا الشخص فإنك بعد زمن ستشعر أنك مثله؛ لأن الصديق يدفع صديقه من حيث لا يشعر إلى محاكاته، وإلى التشبه به. واختيار الصديق موضوع كبير، ويندر أن تجد الصديق الصادق، إذ لا تكون معايير الإنسان في اختياره للأصدقاء مثالية، فإن المجتمع كما تلاحظون مليء بالأخطاء، ومليء بالزلات؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار من يجد فيه أفضل المقاييس بالنسبة للواقع الذي يعيش فيه، وإلا فإن الصديق الوفي -كما يقولون- أندر من الكبريت الأحمر، الكبريت الأحمر معدن نفيس نادر لا يكاد يوجد، فالصديق الوفي الذي تتوفر فيه الأوصاف التامة الكاملة نادر جداً. بل أنت إذا نظرت إلى نفسك ستجد أن عندك تقصيراً وعندك خطأ؛ ولهذا المطلوب من الأصدقاء أن يعين بعضهم بعضاً على الخير، لكن هناك حد أدنى من الآداب ينبغي أن تكون في أي صديق: أولاً: أن يكون إنساناً صالحاً يدفعك إلى الذكر. الأمر الثاني: أن يكون مشتغلاً مثلاً بطلب العلم، ومشتغلاً بما ينفعه. الأمر الثالث: أن يكون بعيداً عن الطعن في الناس، وخصوصاً أهل العلم، فلا يطعن في أهل العلم ولا يذكر المثالب والعيوب، ونحو ذلك، وينبغي أن يكون الصديق أيضاً حسن الأخلاق في التعامل معهم، وهكذا يعين الأصدقاء بعضهم بعضاً على الخير. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخذ تقسيم الصديق في أدق المعايير: 1 - صديق منفعة. 2 - صديق لذة. 3 - صديق فضيلة. فالأولان منقطعان بانقطاع موجبهما، المنفعة في الأول واللذة في الثاني. وأما الثالث فالتعويل عليه، وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد في رسوخ الفضائل لِدى كل منهما. وصديق الفضيلة، هذا عملةٌ صعبة يعز الحصول عليها. ومن نفيس كلام هشام بن عبد الملك المتوفى سنة (125هـ) قوله: ما بقيَ من لذات الدنيا شيءٌ إلا أخ أرفع مئونة التحفظ بيني وبينه انتهى. ومن لطيف ما يقيد قول بعضهم: العزلة من غير عين العلم زلة، ومن غير زاي الزهد علة]. المقصود هو ما أشرت إليه سابقاً من أهمية اختيار الصديق صاحب الخلق الحسن والصفات الطيبة، بحيث إنه يمكن للإنسان أن يعين صديقه على الارتفاع عن سفاسف الأمور، وعلى الارتفاع عن الأخلاق الرديئة، وعلى الارتفاع عن زلات اللسان والطعن والذم في أهل العلم، وعلى التأدب قدر المستطاع بأدب النبوة، وهكذا. وما أشار إليه نقله من كتاب العزلة للخطابي، والعزلة معناها: الانعزال عن الناس من غير علمٍ، يعني: إذا انعزلت عن الناس بدون علم، فالعزلة من غير عين العلم زلة، يعني: أنت تأخذ العزلة، فإذا حذفت العين منها تجد أنها زلة، ووجد أن العلم هو الوصف الذي يضبط هذه العزلة إذا حصلت بالنسبة للإنسان، ومن غير زاي الزهد علة، فلا بد إذاً للعزلة من أمرين وهما: العلم، والزهد.

الابتعاد عن مفسدات الصداقة والزمالة

الابتعاد عن مفسدات الصداقة والزمالة من الآداب فيما تتعلق بالزمالة أن يجتهد الإنسان إذا زامل أخاً له، في الابتعاد عن مفسدات الصداقة والزمالة، مثل الحسد؛ فإن الحسد -والعياذ بالله- يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فهو مفسد للعلاقة ويسبب الغموم والهموم، وهو الذي يفرق الناس إلى أحزاب وشيع، فتجد الشخص إذا حسد أحداً يقترف من الأعمال الرديئة الشيء الكثير. أولاً: الطعن في الناس، فتجد أنه يحب أن يطعن في هذا الشخص، ويحب أن يقلل من قدره. الأمر الثاني: أنه يحب أن يضايقه وأن يؤذيه بأي أسلوب من أساليب الإيذاء. الأمر الثالث: تجد أنه يحترق من الداخل عندما تحصل لمن يحسده نعمة، أو تحصل له كرامة، أو يحصل له خير، أو يحصل له فضل معين؛ ولهذا: كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك عن حسد ويقول الآخر: وإذا الفتى بلغ السماء بمجده جاءتك أعداد النجوم عداه ولهذا ينبغي للإنسان أن يبتعد عن الحُّساد، كما أنه ينبغي أن يزيل هذه الصفة الرديئة من نفسه، وأن لا يكون حاسداً لإخوانه، بل ينبغي أن نجتهد في أن نتمنى لإخواننا الخير أكثر وأكثر، فإن الحسد من أعظم الأمور التي تفرق الكلمة وتفرق المسلمين وتجعلهم شيعاً وأحزاباً وجماعات كل منها لا تثق بالأخرى، ولا تريد لها الخير، ولا تريد لها النجاح، ولا تريد لها الفلاح؛ بل قد يسعى بعض الأفراد إلى إفساد دعوة أو إفساد خير أو شيء من الأمور المشروعة بسبب هذا المرض، خصوصاً فيما يتعلق بالأقران حتى إن بعض أهل العلم قال: إن كلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى؛ لأنه في الغالب يكون دافعه إما العلو والاستكبار، أو دافعه الحسد فيما بين هؤلاء الأقران، والحسد والعلو كلاهما من الصفات الرديئة المذمومة التي ينبغي البعد عنها.

من آداب الطالب في حياته العلمية: كبر الهمة في طلب العلم

من آداب الطالب في حياته العلمية: كبر الهمة في طلب العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الفصل الخامس: آداب الطالب في حياته العلمية. كبر الهمة في العلم: من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة]. الهمة: هي صفة وغريزة تكون عند الإنسان، قد ينميها فتكون صفة مرتفعة وعالية وكبيرة في نفسه، وقد يضعفها فتكون حقيرة ودنيئة؛ ولهذا ليست أوصاف الناس سواءً، تجدون الشجاع والجبان، وتجدون البخيل والكريم، وتجدون صاحب الإحسان والشخص الذي يسيء إلى الخلق، وتجدون أوصافاً متعددة، ومن ذلك أنك قد تجد إنساناً كبير الهمة عالي الإرادة، وتجد في المقابل شخصاً دنيء الهمة ضعيفاً يتتبع سفاسف الأمور ومحقرات الأشياء. وأنت في الحقيقة بإمكانك أن ترفع همتك، بحيث إنك تتجاوز الأمور الصغيرة والبسيطة، وأضرب لكم مثالاً: بعض الناس إذا كان لديه مشروع أو كان لديه عمل، أو كان لديه فكرة، أو كان لديه إرادة في طلب العلم، أو كان لديه دعوة، ينظر إلى نفسه بنظرة ضعيفة وهزيلة وحقيرة إلى درجة كبيرة جداً، ويقول: من أنا حتى أغيَّر هذا المجتمع؟ ويقول: من أنا حتى أستطيع أن أؤثر في طبقة من الطبقات العليا في المجتمع؟ ويقول: هل تتصورون أنني فعلاً سيكون لي دور كبير، بحيث إني أكون مؤسساً لأعمال دعوية كبيرة؟ أقول: ينبغي أن نربي أنفسنا على علو الهمة، فبإمكانك أن تصنع كل ما تجعله أمام عينيك إذا اعتمدت على الله عز وجل، واتخذت الأسباب، واجتهدت. وهناك فرق بين علو الهمة والمثالية: فالمثالية معناها: أن الإنسان يتخيل أنه يمكن أن يطبق أشياء لا يمكن تطبيقها في الواقع، كأن يقول: أنا إن شاء الله خلال هذه السنة سأجمع الدول الإسلامية كلها وأجعلها قوية، ولها جيش واحد قوي، يواجه أمريكا ويواجه الدول الأوروبية كلها ويكتسحها، ويخرج الأمريكان من ديارهم في سنة واحدة! فهذه مثالية غير ممكنة في الواقع؛ لأننا نعرف طباع الناس، ونعرف أحوال المجتمعات؛ وهي فالمثالية هي الأفكار غير الواقعية، يعني: التي لا يمكن تطبيقها في الواقع بهذه الصورة، وقد يمكن تطبيق الفكرة لكن تحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، فربما تحتاج أربعين سنة، خمسين سنة، مائة سنة، مائتين سنة؛ لأن بناء المجتمعات يحتاج عمراً طويلاً. لكن هناك علو همة، افترض أن شخصاً يضع سير أعلام النبلاء أمامه، أو يضع فتح الباري أمامه ويقول: هل تتصور أني من الممكن أن أقرأ هذا؟ نقول: ممكن أن تقرأه، وأن تقرأه أكثر من مرة، فليس هناك مانع، لأن هذا أمر ممكن في الواقع، لكنه عالٍ؛ فكثير من الناس لا يربي نفسه على العلو.

من أسباب ضعف علو الهمة

من أسباب ضعف علو الهمة ومما يجعل الهمة تضعف عند كثير من الناس: تعظيم الآخرين إلى درجة، فبعض الناس قد يعظّم شيخه، أو يعظّم عالماً من العلماء، أو قائداً من القواد، أو شخصاً من الأشخاص، فيرى أنه لا يمكن أن يصل إلى مرتبته، مع أنه بإمكانه أن يصل إلى مرتبته وأكثر إذا كان عنده همّة عالية، وكان عنده تنظيم لوقته، وكان عنده قدرة على ترتيب أحواله. مما يسبب انخفاض الهمة وضعفها: أن بعض المربين سواء الآباء أو الأساتذة أو المشايخ يستخدم أسلوباً معيناً يغرس في نفس من يرافقه أنه سيبقى بهذا المستوى إلى الموت! وأن أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه الإنسان هو هذا المستوى، أو هو مستوى فلان أو مستوى فلان! وهذا غير صحيح، وهذا الكلام غير واقعي أيضاً. وبعضهم لديه توجيه معين، كأن يكون أستاذاً في مدرسة أو في معهد، أو مشرفاً على مؤسسة، أو لديه أي عمل من الأعمال الإشرافية على الأشخاص، فيجب أن لا يجعل ذاته هو المحور، فبعض الناس لا يهمه إلا ذاته ومدح الناس له، فهو يحاول أن يجعل مستواهم منخفضاً، حتى ينظروا إليه أنه أفضل إنسان! وهذا ظلم للأمة، فيجب أن نفجر طاقات الناس قدر ما نستطيع، وبعض الأحيان قد تضعف همتي فلا أستطيع أن أصل إلى مرتبة كبيرة، لكن تلميذاً من تلاميذي همّته تصل إلى أعلى بكثير من همتي، فهمتي أنا ضعفت وهمته علت؛ ولهذا كان العلماء القدامى يربون تلاميذهم، فالذين كانوا يدرسون ابن تيمية رحمه الله مجهولون غير معروفين، فهم معروفون بأسماء محدودة ولم يقدموا من الأعمال ما قدمه ابن تيمية، تخيلوا لو أن ابن تيمية وهو يدرس على هؤلاء يجد التحطيم منهم، ويجد الرد والنقد اللاذع منهم، ويجد الاستحقار والاستهانة والإشعار بالدونية؛ فهل تتصورون أن النفسية هذه ستتحمل الصعاب التي واجهها ابن تيمية رحمه الله وصار على مستوى عالٍ جداً؟ لن تتحمل، ولهذا فمن أخطائنا نحن على مستوى المربين، وعلى مستوى المدرسين، وعلى مستوى أي موجه أو أي مشرف هو أن الإنسان ينظر إلى ذاته، ويريد من الآخرين أن يكونوا تحته، ويجب أن يكونوا هكذا! وهذا ظلم وعدوان، فيجب علينا أن نزيل مثل هذه المظاهر، لكن ليس بالشغب، أو ترك أعمال جماعيةٍ أو أعمال خيّرة أو فاضلة يجتمع فيها الدعاة والصالحون، أو المدارس بعضها مع بعض، أو تضطر أن تكون جريئاً على أستاذك فتتكلم عليه بكلام سيئ؛ لكن بالمناصحة، وأن يكون لدينا من الشجاعة الأدبية ما نستطيع أن نواجه به مثل هذه الأخطاء القائمة. إذاً: ينبغي على المشرفين على أي عمل من الأعمال أن يفجّروا طاقات المجموعات، كأن يفجّر من نفوس هؤلاء أن يكونوا قادة، وقد ذكر أن دكتوراً في جامعة من الجامعات كان يُدَرِّسُ مرحلة البكالوريوس، وكان هذا الدكتور يدرس مادة المنطق، وغالب طلاب البكالوريوس لا يعرفون هذا العلم، ويعتبر علماً مجهولاً بالنسبة لهم؛ فيتساءلون: كيف يدرسون هذا العلم؟ وكان هذا الأستاذ في أول محاضرة من محاضراته يدرس المجموعة الجديدة الصغيرة التي لا تعرف علم المنطق الجديد، وكان بإمكانه أن يصور لهم العلم بأسلوب سهل جداً، ويبين لهم أن الموضوع سهل، وبإمكانهم أن يتعلموه، ويشجعهم على هذا الأمر! لكن انظروا ماذا فعل؟ فالدكتور معروف في شخصيته أنه يحب من الطلاب أن يرفعوه ويعطوه مكانة كبيرة ويمدحوه ويثنوا عليه، وله بضاعة من العلم فيها خير، وله مذكرة تدرس في الدراسات العليا، فقال له طالب من الطلاب: يا أستاذ! لماذا لا تأتي بالمذكرة التي تدرس في الدراسات العليا، وتجعلنا نطّلع عليها لننظر ما فيها؟ فقال له: كيف تقولون ذلك وأنتم ما زلتم في مرحلة بكالوريوس! فأنت لو تقرأ هذه المذكرة التي تدرس في الدراسات العليا فإن عقلك سيكل ولن تفهم شيئاً! فالطالب حين يجد الاستهزاء من أستاذه بهذه الطريقة سيقتنع بذلك، خصوصاً إذا كان يرى أن هذا الأستاذ محترم وأنه المتخصص في هذا الباب، وله مكانة كبيرة! وسيتحطم داخلياً، وأنه لا يمكن أن يفهم هذا العلم أبداً إلا هو؛ علماً أن المسألة أبسط من هذا بكثير، فقد اكتشف هؤلاء الطلاب أن فهم هذا الأستاذ لهذا العلم محدود، وأنه بإمكان هؤلاء الشباب الصغار أن يفهموا هذا العلم ويتجاوزوه وينقدوه. ومن اللطائف: أن أحد الطلاب كان من الأذكياء، وأثناء تدريس المادة كان يعترض على الدكتور مع أنه صغير، فكان الدكتور يقول له: أنت تذكرني بنفسي لما كنت صغيراً، وهذه نظرة غريبة، فهذه العقلية يفكر بها أعداد غير قليلة ممن يتولى التدريس في المدارس، أو يتولى أي عمل من الأعمال، فتجد أنه يحطم همة الآخرين. فهذه زاوية من الزوايا الموجودة في إضعاف الهمة، مع أن الواجب على الإنسان أن لا يعتمد على الغير دائماً في تقوية الهمة، يعني: لا تعتمد دائماً على أستاذك في تقوية همتك! بل قوِّ همتك ذاتياً، فيكون عندك عمل ذاتي في تقوية الهمة وتشجيع النفس بغض النظر عن الآخرين، سواء أثنى عليك أو لم يُثنِ عليك، أو سواء شجعك أو لم يشجعك، فلا يهمك هذا.

عقيدة أهل السنة في الصحابة

عقيدة أهل السنة في الصحابة والصحابة: جمع صحابي، والصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به ومات على ذلك. فنلاحظ أن أركان هذا التعريف ثلاثة: أولاً: أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، واللقيا لا يشترط فيها أن يراه بعينه، فالأعمى إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون من الصحابة. والأمر الثاني: أن يلقاه وهو مؤمن به، فإذا لقيه وهو كافر لم يعتبر من الصحابة. والأمر الثالث: أن يموت وهو مؤمن، فإذا لقيه ثم كفر ومات على الكفر فإنه لا يعتبر من الصحابة. فهذه ثلاثة ضوابط في الصحابة، فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة فإنه يعتبر من الصحابة. والدليل على أن من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة يعتبر من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف النسوة اللاتي التقين بيوسف عليه السلام لمرة واحدة بأنهن صواحبه، وذلك عندما قال لـ عائشة رضي الله عنها: (إنكن صواحب يوسف) فالصحبة يمكن أن تطلق حتى وإن كانت اللقيا لمرة واحدة؛ فينبغي التنبه لهذا الأمر. قال ابن أبي داود رحمه الله تعالى: [وقل إن خير الناس بعد محمد وزيراه قدماً ثم عثمان أرجح ورابعهم خير البرية بعدهم علي حليف الخير بالخير منجح وإنهم الرهط لا ريب فيهم على نجب الفردوس بالنور تسرح سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر والزبير الممدَّحُ وسبطي رسول الله وابني خديجة وفاطمة ذات النقاء تبحبحوا وعائش أم المؤمنين وخالنا معاوية أكرم به ثم امنح وأنصاره والهاجرون ديارهم بنصرهم عن ظلمة النار زحزحوا ومن بعدهم والتابعون بحسن ما حذوا حذوهم قولاً وفعلاً فأفلحوا وقل خير قول في الصحابة كلهم ولاتك طعاناً تعيب وتجرح فقد نطق الوحي المبين بفضلهم وفي الفتح آي للصحابة تمدح] هذا المقطع هو في باب الصحابة، ونلاحظ أنه اشتمل على مجموعة من المسائل سيأتي الحديث عنها إن شاء الله. أولاً: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول وثقات وممدوحون بحكم القرآن، كما قال: فقد نطق الوحي المبين بفضلهم وفي الفتح آي للصحابة تمدح والمقصود بهذه الآية التي قال إنها في سورة الفتح قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] تلاحظون أن المدح هنا عام يشمل الصحابة جميعاً، قال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:29] فهي ليست خاصة بفئة، فيدخل فيها المتقدمون من الصحابة الذين أسلموا في بداية دعوته، ومسلمة الفتح، ويشمل أيضاً الطلقاء، الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فإن هؤلاء عندما أسلموا في بداية الأمر كانوا أضعاف الإيمان، ثم حسن إسلامهم، حتى صاروا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعضهم حدثاء عهد بكفر، وهذا لا يعيب أحداً؛ لأن الإنسان حين يسلم يكون حديث عهد بكفر، ثم يحسن إسلامه بعد ذلك، ثم يتدرج في مراتب الأعمال الصالحة، وفي مدارج الإيمان حتى يبلغ مراتب عالية؛ ولهذا فإن آية الفتح تشمل مدح جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون تفصيل، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] وصفهم بخمسة أوصاف، {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح:29]، ثم ذكر مثلهم في الإنجيل: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] والمقصود بالكفار في هذه الآية: الذين يدفنون الذرة عند الحراثة، فالكفر هو التغطية، كما قال أهل العلم، ثم ختم الآية بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] فهذه الآية في مدح عموم الصحابة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ولو راجعتم صحيح البخاري لوجدتم فيه كتاب المناقب، وتجدون فيه فضائل الصحابة، وكذلك صحيح مسلم، والسنن الأربع، وأفرد بعض أهل العلم كتباً خاصة في فضائل الصحابة ومناقبهم، مثل: ابن مندة، والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله له كتاب خاص في فضائل الصحابة طُبِعَ في مجلدين.

تفاضل الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم

تفاضل الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم وهذا يدل على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من أهل الفضل والخير، لكن بعضهم أفضل من بعض، وأهل الفضل قد يتفاضلون في المعنى فضلوا من أجله، فالصحابة الذين أسلموا قبل الفتح أفضل من الذين أسلموا بعد الفتح، كما هو وارد أيضاً في سورة الفتح؛ والمقصود بالفتح صلح الحديبية، فكل من أسلم قبل صلح الحديبية فهو أفضل ممن أسلم بعد صلح الحديبية، ثم الذين أسلموا قبل الفتح يتفاضلون فيما بينهم؛ فأفضلهم على الإطلاق هم المهاجرون، والمهاجرون أفضل من الأنصار؛ لأنهم أقدم إسلاماً، وناصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجروا معه صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاثة أشياء جعلتهم أفضل من الأنصار؛ بينما الأنصار لم تحصل منهم الهجرة، فالهجرة عمل إضافي فاضل بالنسبة لهؤلاء المهاجرين ففضلوا به. وقد ورد تقديمهم في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8] فقُدِّموا على الأنصار، ثم جاءت الآية الثانية في الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] إذاً: الأولى في المهاجرين، الثانية في الأنصار، ثم في الثالثة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]. ولهذا سيأتي معنا عند التعليق على هذه الآية أن من صفة أهل الإيمان أنهم يثنون على المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحبونهم ويقدرونهم، ولا يسبونهم ولا يتكلمون فيهم بأي نوع من أنوع الكلام. ثم أفضل المهاجرين العشرة الذين جُمِعُوا في حديث واحد وبشروا بالجنة، وأفضل هؤلاء العشرة هم الخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بهذا الترتيب. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام]. الدليل على أن الصحابة خير من أتباع الأنبياء جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون)، وهذا يشمل القرون من عهد آدم عليه السلام إلى اليوم، (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهذا يدل على أنهم خير القرون، ولهذا فضِّل أبو بكر على مؤمن آل فرعون مع فضله ومكانته. قال: [وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)]. هذا الحديث أصله في صحيح البخاري. فأفضل الخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وليس في رواية البخاري (وهو حي) ولا ذكر علي رضي الله عنه. ثم رواه غير البخاري، وممن رواه الترمذي وفيه زيادة: (وهو حي) وهذه الزيادة صحيحة. وأما ذكر علي في هذا الحديث فإنه غير موجود في روايات الحديث، ويبدو أنه خطأ من النُّساخ، وإنما كانوا يقولون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الناس أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. بل ورد في بعض الأحيان: ثم نسكت، لكن أجمع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد عثمان هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وستأتي الإشارة لهذا الكلام في العقيدة الواسطية إن شاء الله. قال: [وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث]. هذا الحديث حديث صحيح، وقد روي عنه أنه قال هذا القول وهو على أعواد المسجد الذي كان بالكوفة، وفي هذا رد صريح على الشيعة الذين يفضلون علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أبي بكر وعمر؛ فكيف بالذين يطعنون في خلافة أبي بكر وعمر؛ وكيف بالذين يسبون

موقف أهل السنة من الفتن التي وقعت بين الصحابة

موقف أهل السنة من الفتن التي وقعت بين الصحابة وهنا نحب أن نشير إلى مسألة مهمة: وهي أن ما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم، وما وقعوا فيه من الفتنة المشهورة، يجب على الإنسان فيه عدة أمور: الأمر الأول: عدم الخوض فيها، وترك ما شجر بين الصحابة. وهذا هو الذي اتفق عليه علماء أهل السنة والجماعة، لأن قراءة ما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم قد تدعو الإنسان إلى أن يقع في عرض أحد الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا كانت غيبة الناس محرمة، فغيبة هؤلاء أشد. الأمر الثاني: اعتقاد أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم فضلاء حتى الذين وقعوا في الفتنة، وإن كان بعضهم أفضل من بعض، فعندما حصلت الفتنة فأفضل الناس في تلك الفترة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً هم من فضلاء الصحابة، لكن علي بن أبي طالب أفضل منهم؛ لأن معاوية وعمرو بن العاص أسلما بعد صلح الحديبية؛ بينما علي بن أبي طالب من السابقين الأولين في الإسلام. وأصح موقف من المواقف فيما يتعلق بالفتنة هو موقف الذين أمسكوا عن الفتنة؛ فالناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: أهل العراق مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان معهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعمار بن ياسر، وعدد من الصحابة. وأهل الشام، وكان على رأسهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعمرو بن العاص رضي الله عنه وعدد من الصحابة. وطائفة أخرى أمسكت عن الفتنة، وكان من هؤلاء الممسكين سعد بن أبي وقاص، ولهذا تمنى علي بن أبي طالب أن يكون وقف موقف سعد بن أبي وقاص؛ لأن سعد بن أبي وقاص استدل بأحاديث كثيرة أخبر فيها صلى الله عليه وسلم عن وقوع الفتن بين المسلمين، وأن الواجب هو الإمساك عن هذه الفتن؛ يعني: عندما تقع فتنة بين المسلمين، بحيث يقتل المسلم أخاه فإنه يجب على الإنسان أن يعتزل هذه الفتن، وأن لا يدخل مع أي طرف من الأطراف، مع أنه عند التحقيق فإن أصوب الطائفتين طائفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأنه أولاً هو الخليفة، وثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر عمار بن ياسر قال: (تقتله الفئة الباغية) يعني: الفئة التي تعتدي، والأمر الثالث: أن علي بن أبي طالب ومن كان معه هم أفضل في الجملة من أهل الشام، لكن ينبغي أن ندرك أن ما حصل من الفتنة لا يخلو من حالتين: أن يكون اجتهاداً، أو أن يكون زلة ومعصية. فإذا كان اجتهاداً! فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المصيب من المجتهدين له أجران، والمخطئ له أجر، فكيف يعنَّف ويسبّ ويشتم من كان له أجر! هذا ظلم وعدوان. الأمر الثاني: أن نقول: إن بعضهم ارتكب معصيةً واعتدى وبغى وظلم، وهذه المعصية التي فعلها هذا الصحابي الجليل تذوب وتضيع في فضائل حسناته، كما قال الذهبي رحمه الله عمَّا وقع بين الصحابة من الفتنة: إن الماء إذا بلغ قلتين لا يحمل الخبث. عندما تأتي لبحر من الفضل، ثم تلقي فيه كأساً من القاذورات، هل يتكدّر هذا البحر الكبير بسبب هذا الكاس؟ بل يضيع الكأس مع هذا البحر، ولهذا فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مع أن مجموعته أخطأت، فهم ما بين مجتهد له أجر، وما بين مخطئٍ تضيع زلته في حسناته، إلا أن معاوية رضي الله عنه يكفيه من الفضل فضل الصحبة ومكانتها، وكونه كان كاتباً لوحي النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما حكم عشرين سنة لم يحصل في عهده إلا جرائم محدودة أقيم فيها الحد الشرعي، يعني: كان معاوية رضي الله عنه مثالاً ظاهراً للعدل وللخوف من الله عز وجل، ولو تقرءون سيرة معاوية رضي الله عنه، عندما يأتيه بعض الصحابة يعظه، يبكي حتى يسقط من على كرسيه الذي هو عليه خوفاً من الله سبحانه وتعالى. ولهذا ينبغي أن ندرك هذا الموقف من أحداث الفتنة، وأن لا يشغل الإنسان نفسه فيما شجر بين الصحابة؛ لأن كثيراً من هذه المرويات رواها الشيعة الروافض، وهم من أكذب الناس، مثل: أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد ألف كتاباً سماه صفِّين والجمل، ملأه وحشاه بكثير من الكذب، ولهذا يجب على الإنسان أن يكون محترزاً فيما يتعلق بهذه المسائل. قال: [ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة)]. يعني: سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد. قال: (و

الأسئلة

الأسئلة

الإرادة صفة ذاتية

الإرادة صفة ذاتية Q هل الإرادة صفة ذاتية أم فعلية؟ A كون الله سبحانه وتعالى مريداً، هذه صفة ذاتية، والفعل ينتج من الإرادة مع القدرة؛ فاختلاط الإرادة مع القدرة ينتج الفعل، فالفعل نتيجة للإرادة، لكن الإرادة في حد ذاتها صفة ذاتية.

الفرق بين الرب والإله

الفرق بين الرب والإله Q ما الفرق بين الرب والإله؟ A الرب معناه: المدبر الخالق المالك، والإله معناه: المعبود. فهي جميعاً تدل على أوصاف الله سبحانه وتعالى، لكن الرب تدل على وصف الملك والخلق، والإله: تدل على وصف التعبد؛ ولهذا فإن الإله بإجماع أهل النحو واللغة بمعنى المعبود، يقولون: إله على وزن فِعَال. وفِعال تأتي لمعنيين: الأول: فَاعِل، وهذه صفة العبد، والثاني: مفعول، يعني: معبود؛ ولهذا يقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المُدّه سبحن واسترجعن من تأله فجعل التسبيح والترجيع من التأله.

إرادة العباد على أفعالهم

إرادة العباد على أفعالهم Q هل للعباد إرادة على أفعالهم؟ A نعم، لهم إرادة على أفعالهم، ولا يمكن أن يعتبر الفعل للعبد إلا إذا تكوَّنَ من إرادة العبد وقدرته، فالعبد له أعمال وسيحاسب عليها يوم القيامة، هذه الأعمال والأفعال نسبها الله تعالى إليه في القرآن، قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون:63]، فهم يعملون ولهم كسب يكسبونه، وأعمالهم هم مسئولون عنها.

العبد مسير في أشياء ومخير في أشياء

العبد مسيَّر في أشياء ومخيَّر في أشياء Q هل العباد مسيَّرون أم مخيرون؟ A هذه مسألة سبقت في باب القدر، وقلنا: إن الإنسان مسير في أشياء ومخير في أشياء، فهو مسير مثلاً في خلقه، أي كونه ولد في هذا الزمان، ولم يولد مثلاً في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وكون لونه أبيض أو أسمر أو أسود، أو كونه قصيراً أو طويلاً، أو كون أبيه فلاناً أو فلاناً، هذه الأشياء هو غير مخير فيها؛ لكن الأشياء التي يخير فيها العبد هي الأفعال الاختيارية التي يفعلها بمحض إرادته، بمعنى: أنه قادر على فعلها، وقادر على تركها، وهنا يكون الثواب والعقاب، أما الأفعال غير الاختيارية فلا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، ولهذا فإن ابن الزنا لا يعاقب، ولهذا فإن عائشة رضي الله عنها عندما سمعت حديث أن ولد الزنا شر الثلاثة أنكرته، وقالت: يقول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] لأنه لا ذنب لهذا الابن.

أهم شيء في النذر أن يحصل مقتضاه

أهم شيء في النذر أن يحصل مقتضاه Q نذرت يوماً من الأيام على تحقيق أمنية إذا تحققت أن أذبح ذبيحتين، فتحققت الأمنية ولله الحمد، ولكن راودني الشك في النذر، هل أنا نذرت أن أفعلها في وقت واحد أم لا، أو في مكان واحد أم لا؟ وكذلك في جنس النذر، هل هو اثنان من الماعز أم من الضأن؟ A إذا شك الإنسان في أي أمر من الأمور فإنه يتحرى أي الأشياء التي نواها، فإن لم يجد واستغلق عليه الأمر فإنه يذبح ذبيحتين أياً كان وصفها، في أي مكان، وبأي حال، أهم شيء هو أن يحصل مقتضى النذر، والمفترض أن لا يحصل النذر أصلاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: (إنما يستخرج به من البخيل).

وجوب النصيحة للمسلمين وتذكيرهم خاصة إذا كانوا ذوي قربى

وجوب النصيحة للمسلمين وتذكيرهم خاصة إذا كانوا ذوي قربى Q والدي لا يصلي بعض الصلوات في المسجد، ولكنه يصلي في البيت، وأريد أن تنصحني، ماذا أقول له؟ A انصحه، وذكِّره أن صلاة الجماعة واجبة، وأن ترك الجماعة فيه إثم، وذكره بقول الله عز وجل: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر برجل أن يصلي بالناس، ثم أذهب أنا ورجال معي إلى قوم لا يشهدون الصلاة جماعة فأحرِّق عليهم بيوتهم)، وهذا يدل على خطورة ترك صلاة الجماعة؛ فينبغي أن تذكره بذلك، وأن تحرص على نصيحته.

حكم قولك للرجل: أنت صوفي أو أنت شيعي

حكم قولك للرجل: أنت صوفي أو أنت شيعي Q ما حكم القول لرجل: أنت صوفي، أو أنت شيعي، وتراه يصلي مثل صلاتهم، ويفعل مثل أفعالهم؟ A مجرد الاتفاق في الفعل لا يقتضي أن تصفه بهذا الوصف، لكن إذا تأكدت أنه شيعي في أصولهم وعقائدهم فلا بأس أن تذكر هذا الأمر، وأن تذكر أنه على هذا الحال.

دراسة موضوعية [17]

دراسة موضوعية [17] من أصول عقائد أهل السنة: محبة آل البيت وتوقيرهم مع عدم الغلو فيهم، وتولي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه، والإمساك عما شجر بين الصحابة، واعتقاد أنهم إما مجتهدون مصيبون، أو مجتهدون مخطئون وخطؤهم مغفور لهم بإذن الله تعالى.

الفرق بين علو الهمة والكبر

الفرق بين علو الهمة والكبر قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى: [الفصل الخامس آداب الطالب في حياته العلمية. الأدب الرابع والعشرون: كبر الهمة في العلم. من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيراً غير مجذوذ، لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دم الشهامة، والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور، والتحلي بها يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث منك شجرة الذل والهوان: التملق والمداهنة. فكبير الهمة ثابت الجأش لا ترهبه المواقف، وفاقدها جبان رعديد تغلق فمه الفهاهة. ولا تغلط فتخلط بين كبر الهمة والكبر، فإن بينهما من الفرق كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، كبر الهمة حلية ورثة الأنبياء، والكبر داء المرضى بعلة الجبابرة البؤساء. فيا طالب العلم! ارسم لنفسك كبر الهمة ولا تنفلت منه، وقد أومأ الشرع إليها في فقهيات تلابس حياتك لتكون دائماً على يقظة من اغتنامها، ومنها إباحة التيمم للمكلف عند فقد الماء، وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء للوضوء، لما في ذلك من المنة التي تنال من الهمة منالاً، وعلى هذا فقس والله أعلم]. هذا الموضوع سبق أن أشرنا إليه وقلنا: إن طالب العلم ينبغي أن تكون له همة كبيرة وعالية، والهمة غريزة نفسية منها ما يعود إلى وراثة الإنسان وأصل خلقته وطبيعته، ومنها ما يعود إلى التجربة والتدرب، وقراءة أخبار الأولين لا سيما الصحابة والتابعين والأولياء الصالحين، فإن التدرب على كبر الهمة منه ما هو جبلي طبعي، ومنه ما هو مكتسب يمكن للإنسان أن يكتسبه وأن يتدرب عليه. وشأن كبر الهمة كشأن بقية الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يدرب نفسه، وأن تكون نفسه عالية في طلبه للعلم، وفي أخلاقه وآدابه، وفي دعوته إلى الله عز وجل، وفي إصلاحه، فإن الإنسان قد يوفقه الله سبحانه وتعالى إذا جد واجتهد، فيكون له من التأثير في الإصلاح وتوجيه الأمة الشيء الكثير. وكثير من الناس يستحقر نفسه، والتواضع مطلوب، ولكن ينبغي على الإنسان أن لا يدفعه هذا التواضع إلى أن يكون ضعيف الهمة، ييأس من الوصول إلى درجات عالية في العلم والعمل والدعوة والإصلاح، فينبغي للمسلم ولطالب العلم خصوصاً أن يجتهد في تنمية همته، ومع علو همته ينبغي أن يكون متأدباً بالتواضع والرفق، ولهذا أشار الشيخ إشارة مهمة جداً إلى التفريق بين كبر الهمة والكبر، فإن الكبر واحتقار الخلق وازدراءهم والنظرة الدونية إلى الآخرين، والشعور بالفوقية على الناس ليس من كبر الهمة، بل هو من الكبر، وهي خصلة ضعيفة تدل على الشعور بالنقص، فينبغي للإنسان أن يميز بين هاتين الخصلتين، فكبر الهمة وصف نفسي وغريزي يكون في الإنسان يدفعه إلى العمل، والترقي في مراتب عالية جداً في العلم والعبادة والأدب والخلق والدعوة والإصلاح ونحو ذلك، والكبر هو شعور فارغ لا قيمة له يدفع الإنسان إلى احتقار الآخرين، والنظر إليهم على أنهم أقل منه مستوى، وأنه فريد زمانه ووحيد دهره، وأن الناس أضاعوه وأي فتى أضاعوا، وهذا لا شك أنه دليل على الشعور بالنقص. فالتوفيق بين كبر الهمة وبين الأدب واضح، فكبر الهمة شعور نفسي يدفع الإنسان للعمل، أما أن يكون الإنسان متكبراً وهو كسلان في العمل، فهذا لا شك أنه هو الذي حذر منه الشرع، فالشرع لم يرغب في أن يكون الإنسان كبير الهمة بمعنى أنه ينظر إلى الآخرين على أنهم أقل منه، أو أنه نوعية مختلفة عن الآخرين، فالنظر إلى الذات منهي عنه، ولا يصح للإنسان أن يكون عنده شهود لذاته، بحيث إنه ينظر إلى ذاته ويعظم نفسه ويكبر نفسه، وهذا مذموم ومحتقر وليس مطلوباً، بل هو أمر سيئ للغاية يؤثر على أخلاق الإنسان وآدابه ودينه، لكن كبر الهمة هي التي تدفع إلى العمل. وإذا أردت أن تعرف هل أنت كبير الهمة أو لست كبير الهمة فانظر إلى عملك، ولا تنظر إلى نفسك ومدى شعورها بالفوقية على الخلق، فهذا من الكبر المذموم، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه، فينبغي الحرص على هذه القضية، والتأمل فيها. كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم أعمال عظيمة تدل على أنهم كبار فعلاً، ومع هذا كانوا يتحلون بالتواضع وبالأدب، وكانوا يحسنون التعامل مع الخلق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أكبر الناس همة- تأخذه الجارية وتنطلق به حيث شاءت ليقضي لها غرضها، ولهذا ينبغي أن نعتني بالجمع بين الأخلاق، وأن لا نأخذ بطرف ونسميه بغير اسمه، ثم يكون هذا والعياذ بالله موقعاً للإنسان في الخطأ والخطل والزلل.

النهمة في طلب العلم

النهمة في طلب العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الخامس والعشرون: النهمة في الطلب. إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قيمة كل امرئ ما يحسنه)، وقد قيل: ليس كلمة أخص على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر! وصوابه: كم ترك الأول للآخر! فعليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم فتذكر كم ترك الأول للآخر، وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من تاريخ بغداد للخطيب، ذكر من قصيدة له: لا يكون السري مثل الدني لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي قيمة المرء كل ما أحسن المرء قضاء من الإمام علي]. معنى النهمة في الطلب أن يكون عند الإنسان عشق للعلم وتعلق به، وأن لا يشبع من العلم، ولا يشعر أنه قد حصل على المطلوب من العلم، كأن فبعض الناس يرسم لنفسه مقداراً معيناً من العلم، فإذا وصل إليه ظن أنه قد انتهى من العلم، يتخرج من كلية شرعية ويظن أنه انتهى، أو يأخذ شهادة الدكتوراه ويظن أنه قد انتهى، وهذا الظن يدل على أنه لم يفهم العلم، وأنه ليس لديه رغبة حقيقة فيه. قيل في بعض الآثار: منهومان لا يشعبان: طالب العلم، وطالب الدنيا، طالب الدنيا لو أعطيته ملايين لتمنى بلايين، وإذا أعطيته مليارات يتمنى ما هو أكثر، فكلما أعطيته نوعاً اشتهى نوعاً آخر، وكذلك طالب العلم؛ لكن طالب العلم يشتهي الأمر المباح والواجب، وأما صاحب الدنيا فقد يقع في الحرام والعياذ بالله. فينبغي للإنسان أن تكون لديه نهمة في طلب العلم، فإذا وجد كتاباً أو درساً يفرح بذلك، وتجد أنه يلتهم هذا الكتاب من الجلدة إلى الجلدة، وتجد أنه حريص على العلم، وأنه حريص على المذاكرة، وأنه حريص على الحفظ، وأنه حريص على الفهم، ويبدو حرصه في طلبه للعلم، وليس الحرص في كثرة التنقل بين الدروس، أو يكون لديك في اليوم الواحد ثلاثة دروس أو أربعة دروس بل إن الحرص الحقيقي هو: كثرة دراستك للعلم وإتقانك له، هنا يكون حرصك صحيحاً.

الرحلة لطلب العلم

الرحلة لطلب العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [السادس والعشرون: الرحلة للطلب. من لم يكن رحلة لن يكون رحلة. فمن لم يرحل في طلب العلم للبحث عن الشيوخ، والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه؛ لأن هؤلاء العلماء الذين مضى وقت في تعلمهم وتعليمهم والتلقي عنهم، لديهم من التحريرات والضبط والنكات العلمية والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون الأسفار، واحذر القعود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين الذين يفضلون علم الخرق على علم الورق]. قوله: (من لم يكن رحلة لن يكن رحلة) يعني: من لم يكن كثير الترحال في طلب العلم فلن يرحل إليه فيما بعد، يعني: لن يكون عالماً يرحل إليه، ولهذا يستحب لطالب العلم أن يجتهد في التنقل بين البلاد للحرص على العلم، والاستفادة من عامة الشيوخ الذين يلتقي بهم، ولهذا يقول البخاري: إنه حدث عن ألف من أهل العراق والشام والحجار واليمن ومصر والمغرب وخراسان، كلهم يقول: إن الإيمان قول وعمل، يعني: كلهم من أهل السنة والجماعة. وأما قوله: (واحذر القعود عن هذا على مسلك البطالين الذين يفضلون علم الخرق على علم الورق)، فالمقصود بعلم الخرق عند الصوفية: أن في الولاية درجات، وعندهم علامات على تحصيل الولاية، فكما أن أهل الحديث يتلقون العلم بالإجازات، كأن يأتي الإنسان ويدرس صحيح البخاري ويضبطه على شيخ فيجيزه في هذا، فتكون الإجازة علامة على دراسة هذا الإنسان وقراءته وضبطه لصحيح البخاري، فكذلك الإجازة عند الصوفية تكون عن طريق الخرقة. وهم يزعمون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ الخرقة من النبي صلى الله عليه وسلم إجازة له في باب الولاية والسلوك إلى الله تعالى، وأن علي بن أبي طالب أصبح يدرب من بعده، ويعطيهم هذه الخرقة فيتناقلها الأولياء والأصفياء وأصحاب السلوك إلى الله سبحانه وتعالى جيلاً بعد جيل، فأصبحت الخرقة عندهم رمزاً للإجازة والتخرج، مثل الإجازة أو الشهادة التي تدل على أن هذا الإنسان قد استمر في هذا الطريق إلى نهايته، هذا هو علم الخرق عندهم.

ذكر خرافات مدعي علم الغيب ومفسري الأحلام

ذكر خرافات مدعي علم الغيب ومفسري الأحلام قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق]. وكان عبد الرزاق بن همام الصنعاني في اليمن، وكان عالماً مشهوراً، له كتاب كبير اسمه المصنف، رحل إليه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في قصة مشهورة ذكرها الذهبي في السير، وأنهم لقيا عبد الرزاق في مكة وقد جاءا من العراق، فقال يحيى لـ أحمد: لماذا لا نقرأ عليه هنا، يعني: في مكة؟ قال: أنا نويت السفر إلى اليمن، فذهب إليه في صنعاء في اليمن وقرأ عليه هناك وأجازهما، فقيل لهذا الصوفي: لماذا لا ترحل إلى عبد الرزاق؟ قال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق؟ يعني: من يسمع من الله! ولهذا يقولون: أنتم أحاديثكم ميت عن ميت، وأما نحن فحديثنا عن الحي الذي لا يموت، يعنون: الله عز وجل، ولهذا يكثرون من قولهم: حدثني قلبي عن ربي، فهو يشعر بخطرات ويشعر بإلهامات تأتيه ويظن أنها من الله عز وجل، وهي من الشيطان في كثير من الأحيان، أو من الوهم الذي يحصل للإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد للشر)، فالاعتماد على الوهم وعلى ما يقع من الخطرات في القلب اعتماد باطل؛ لأن هذه الخطرات ليست يقينية، والمصادر التي تتخذ في التشريع لا بد أن تكون يقينية. ولهذا فالذين يفسرون الأحداث المستقبلية بالرؤى والأحلام، ويقولون مثلاً: إن صدام حسين هو السفياني، علماً أن السفياني لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إنه إلى الآن لم يمت، وإنه ما زالت هناك مقاومة، وبعد أن انكشف مشروعهم الفاسد، وأن كلامهم غير صحيح، قالوا: إنه سيخرج مرة أخرى وسينتصر على أمريكا، وسيأخذ الجزيرة العربية، وسيدخل على إسرائيل، ويتكلمون كلاماً ليس عليه مستند شرعي ولا دليل عقلي، وإنما هي خرافات يتكلمون بها، فإذا نصحهم أحد قالوا: ألا تؤمن بالرؤيا؟ نقول: نعم، نؤمن بالرؤيا، لكن أيضاً نؤمن بأن هناك أحلاماً من إلقاء الشيطان، أو من حديث للنفس. ولهذا نلاحظ أنهم في القنوات الفضائية يأتون بأشخاص يفسرون الأحلام، تتصل عليه امرأة من سورية فيفسر لها، وتتصل عليه امرأة من المغرب ويفسر لها، وتتصل عليه امرأة من قطر ويفسر لها، وتتصل عليه امرأة من اليمن ويفسر لها، ولا يعتذر عن حلم واحد، ولا يقول: إن هذا أضغاث أحلام، مع أنه لا يعرف هؤلاء، وأحياناً يتكلم عن أشياء خاصة، أنا سمعت شخصاً اتصلت عليه امرأة وقالت له: إنني امرأة رأيت أنني أدفن زوجي وقد لحفته بشيء أبيض، فقال: أنت امرأة بارة بزوجك وحريصة عليه، وستحصل لك مشكلة معه، ولكن تجاوزيها برفق ولن يحصل مكروه لك إن شاء الله، فكيف عرف هذا الإنسان أن هذه المرأة بارة بزوجها؟ وإذا كانت هذه المرأة أصلاً لا زوج لها، أو كانت مطلقة ورأت زوجها الذي طلقها قديماً، وربما تكون هذه المرأة غير بارة! وهكذا يدعون علم الغيب بهذه الطريقة الفجة المقيتة السيئة، فهؤلاء كهنة العصر الحديث، يدعون علم الغيب ويشتغلون به، وبرامج ادعاء علم الغيب وتفسير الأحلام، والكلام في المستقبل، هي برامج موجودة في الدول الغربية وفي القنوات الفضائية الغربية، فجاء هؤلاء وأخذوا باب الرؤيا، ووجدوا لها أصلاً في الشريعة، فوسعوه حتى أدخلوا فيه ما ليس منه. إذاً: باب الرؤى شيء، وادعاء علم الغيب بهذه الطريقة الفجة السيئة شيء آخر، والكلام حول المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله شيء ثالث. وأحياناً تجدون شخصاً عنده هم معين، وتجد عنده تفكيراً في الأوضاع السياسية، والأوضاع التي تدور في الأمة الإسلامية، وأي حلم يأتيه يفسره مباشرة على هذا التفسير، شخص قال: أنا رأيت حصانين: حصاناً أبيض وحصاناً أسود، وأن الحصان الأبيض في البداية هرب ثم عاد مرة أخرى، فهرب الحصان الأسود، قال: نعم، الحصان الأسود أمريكا سود الله وجوههم، والحصان الأبيض كذا، وأنه في البداية تنتصر أمريكا، ثم ينتصر المسلمون، والحديث عن نفس هذا الموضوع، فتجد أن تفسيراته كلها سياسية، يعني: لا يمكن أن يفسر يوماً من الأيام تفسيراً اقتصادياً، أو تفسيراً اجتماعياً، بل يجمع كل ما يعرض عليه من الرؤى فيقول: عندي خمسة وعشرون ألف رؤيا من الثقات الصالحات اللاتي يقمن الليل، لو أن خمسة وعشرين ألف امرأة يقمن الليل ما صار المسلمون على هذا الوضع. وهكذا يتكلمون ويهذون بما لا يعرفون، ويتكلمون في الدين من غير وجهه، وكثير منهم يكتب في الإنترنت، ولهذا ينبغي على الإنسان أن لا يأخذ مثل هذه الأفكار، ويجعل ذهنه زبالة لمثل هذه الأفكار. هؤلاء أشخاص عاطلون عن العمل، أنا أتصور أنهم لا عمل دنيوي لديهم، ولا دعوة إلى ا

ذكر ما جاء في فضل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه

ذكر ما جاء في فضل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ويحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي). وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي). وقال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم). ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)]. هذا الموضوع متعلق بباب الصحابة؛ لأن جزءاً من أهل البيت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والمقصود بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: زوجاته، وأقاربه من بني هاشم كـ علي بن أبي طالب والحسن والحسين والعباس والفضل بن العباس، هؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نص الله عز وجل في سورة الأحزاب على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، فذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، وهذا حديث العباس يشير إلى أن بني هاشم هم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم منزلة إذا كانوا من المؤمنين أكثر من منزلة بقية المؤمنين؛ لأنهم يجمعون أمرين: الأمر الأول: الإيمان. والأمر الثاني: القرابة. وهذا هو المنهج الحق فيما يتعلق بآل البيت، فنحن نحب آل البيت، فنعطيهم حقهم من المحبة والولاية والنصرة، والمقصود أهل الإيمان منهم، أما أهل الكفر فإنا لا نحبهم، بل نبغضهم، لوجود الأدلة الصريحة في بغضهم، ولوجود مثال واضح وهو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يقول: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]. فآل البيت نحبهم ونناصرهم، ونعرف حقهم وقدرهم، ولكن لا نغلو فيهم، فإن الشيعة قبحهم الله جعلوا من لوازم محبة آل البيت الطعن في الصحابة، فلا يكون المرء محباً لآل البيت إلا إذا كره وذم بقية الصحابة، فعند الشيعة إذا قلت: أنا أحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأحب الحسن والحسين، وأحب أبا بكر وعمر وعثمان وجميع الصحابة قالوا: لم تتحقق منك المحبة، فمن الفهم الفاسد أن يجعلوا المحب لآل البيت بالضرورة مبغضاً لبقية الصحابة، والمحب لبقية الصحابة بالضرورة مبغضاً لآل البيت، وهذا فهم فاسد ومنحرف عن المنهج السليم والقويم. ولهذا نحن نحب آل البيت، ولهم مكانة عظيمة في نفوسنا، لكن لا نغلو فيهم كما غلت الشيعة الروافض قبحهم الله.

أوجه الغلو عند الشيعة الروافض

أوجه الغلو عند الشيعة الروافض وغلو الشيعة الروافض جاء على أوجه: الوجه الأول: أنهم جعلوا محبة آل البيت مقترنة اقتراناً ضرورياً بسب الصحابة وتكفيرهم وذمهم ونحو ذلك. الأمر الثاني: أنهم جعلوا آل البيت في منزلة أعلى من المنزلة البشرية المعتادة، فإنهم جعلوا من أئمتهم -وهم بعض آل البيت- آلهة يعبدونها من دون الله، فإنهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكمل الشريعة للناس، مخالفة منهم لقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. بل قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من الشريعة ما يحتاجه الناس في زمانه، ثم أودع البقية عند علي بن أبي طالب، فقام علي بن أبي طالب بإعطاء ما يحتاجه الناس، ثم أودع البقية عند الحسن، وهكذا حتى آخر إمام من أئمتهم، وهو الذي في السرداب الآن حسب زعمهم. فيرون أن أئمتهم معصومون، وأن كلامهم تشريع، وأن ما يتكلمون به هو جزء أساسي من الشريعة كالقرآن وكالسنة النبوية الصحيحة، فجعلوهم شركاء مع الله سبحانه وتعالى في أمره، ولهذا يعظمون قبور آل البيت إلى درجة الطواف حولها، والتعبد لها، والذبح لها، ويكتبون على القبور: يا علي! ويا حسن! ويا حسين! وعندما يأتون إلى الاحتفالات البدعية والشركية التي يأتون بها، مثل الاحتفال الذي يحصل في عاشوراء، والاحتفال الذي يحصل بعده بمناسبة موت الحسين، يتكلمون بكلام في أوصاف علي بن أبي طالب وفي أوصاف أولاده لا تجوز أن تقال إلا لله سبحانه وتعالى، فيجعلون لهم الرزق، ويجعلون لهم إحياء الموتى، ويجعلون لهم العلم بذرات الكون، ويجعلون لهم تدبير كل الكون، وكأن الله عز وجل جعل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبناءه أمر الكون وتركه، بل هم يصرحون بذلك، بأن الله عز وجل أعطاهم هذه الخصائص التي هي جزء أساسي من خصائصه سبحانه وتعالى، ولهذا لا شك في أن عقائد الشيعة الرافضة في هذا الزمان عقائد كفرية. فلا يوجد عاقل ممن يعرف عقائد هؤلاء القوم يقول إنهم مسلمون! لأن هذه العقائد الموجودة عقائد كفرية. وقد يقول بعض الناس: إن بعض عامتهم لا يعرف هذه العقائد، فنقول: لكن القول بأن الشيعة كطائفة موجودة الآن تعتبر من طوائف المسلمين قول فاسد لا يقوله إنسان يعرف العلم.

دعوة التقريب بين السنة والشيعة دعوة فاشلة

دعوة التقريب بين السنة والشيعة دعوة فاشلة والذي يقول: نريد التقارب مع الشيعة، فهو إنسان ضعيف العقل لا يدرك ما هو التشيع ولا يدري ما الشيعة؟ فإذا أراد الإنسان أن يتكلم فليعرف أولاً ما هو التشيع، وما هي كتبه، وما هي عقائدهم الأساسية في أئمتهم، وما هو حالهم عند القبور؟ حينئذ يستطيع أن يعرف دين الشيعة على حقيقته، أما أن يتكلم عن التشيع وهو صحفي لا يحسن أكثر من الكتابة في جريدة، أو تنميق الألفاظ وتحسينها وتزويقها، فهذا لا يصح له أن يتكلم في العلم وهو جاهل به، فالواجب على الإنسان قبل أن يتكلم في أي باب من الأبواب أن يدرك هذه العقائد إدراكاً جيداً. وقال بعض المنتسبين إلى المشيخة مع الأسف -وهو الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي - إن الذين يأخذون كتب الشيعة ويستخرجون الشواذ منها مخطئون، وقال: إن الكلام حول تكفير الشيعة خطأ، فإن ما ينقل عن الشيعة هي شذوذات لبعض أئمتهم. أقول: هذه مصادرة للعلم، وهذا يدل على أن الدكتور القرضاوي لم يقرأ كتب الشيعة، أو أنه قرأها قراءةً سطحيةً سريعةً، فإنك عندما تقرأ كتابهم وتجد العمود الفقري له الأساسيات فيه كفر؛ فكيف يقال: إنك تأخذ منها ما هو شاذ، كيف يقال ذلك والكتاب مبني على الكفر في الأساس، مثل: فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب. وفعلاً هم يرون أن القرآن ناقص وليس بكامل؛ وعلماء السنة الكبار أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية لم يظلموا الشيعة، مع أن شيخ الإسلام رحمه الله كتب كتابه العظيم منهاج السنة النبوية، وصرح بكثير من عقائدهم الغريبة والشاذة والكفرية، في وقت كان الشيعة يسترون فيه مذاهبهم. ومع أن الكليني صاحب الكافي توفي قبل ابن تيمية رحمه الله بأكثر من ثلاثمائة سنة، ولم يطلع ابن تيمية على كتاب الكليني، والذي يقرأ كتاب منهاج السنة النبوية لا يجد أي إشارة لـ ابن تيمية عن هذا الكتاب؛ مما يدل على أنه لم يطلع عليه لأنه كان مستوراً لا يظهرونه، وإنما ظهرت عقيدة الشيعة وكتبهم بعد الدولة الصفوية عندما ظهرت المطابع. ولهذا فإن الشيعة في هذا الوقت بالذات بدأ يتنامى وضعهم، وبدءوا يتكلمون بأن الشيعة لم يعطوا حقوقهم، وحقوقهم التي يريدونها هي سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المنابر ووتكفيرهم، وأن يقوموا بهذه الخرافات من ضرب الصدور والوجوه أمام الناس، وهذا عبث وليس بدين، ولهذا لا يوجد دين في الدنيا يسب أصحاب النبي الذي ينتسب إليه إلا دين الشيعة، فالنصارى وهم نصارى يعظمون الحواريين الذين كانوا مع عيسى، أما هؤلاء فيكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أو خمسة. والذي يتتبع الواقع التاريخي يدرك أن أصل عقائد الشيعة جاء من اليهود عن طريق عبد الله بن سبأ، والذي يقرأ ويطلع على عقائد ابن سبأ التي جاء بها في البداية يجد أنها نفس العقائد التي تبنتها الشيعة، وهي العقائد نفسها الموجودة في كتب الشيعة الآن، ولهذا فإن الشيعة اليوم يشكلون خطراً على أهل السنة بشكل خاص.

عقيدة أهل السنة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته

عقيدة أهل السنة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته قول المؤلف: (ويحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال في غدير خم)، هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد حجة الوداع وهو في طريقه للمدينة في غدير يقال له: غدير خم، وخم هذا رجل، وهذا الغدير قريب من الجحفة ورابغ، فقال لهم: (أذكركم الله في أهل بيتي). وما قاله للعباس عمه، في إسناده نظر، وأما حديث: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريش، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بين هاشم) فهو صحيح، وهو يدل على فضل هؤلاء الهاشميين. وأهل السنة يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنه، وقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يبشر خديجة بأن لها في الجنة بيتاً من قصب لا نصب فيه ولا وصب، وهي أم أكثر أولاده، وقد ولد له منها ولدان: القاسم وعبد الله، وولد له منها أربع بنات الكبرى منهن زينب، ثم تليها أم كلثوم، ثم رقية، ثم فاطمة، وهي أصغرهن. وأول من آمن به وعاضده على أمره خديجة، فكانت أول من آمن من النساء، وكان لها منه المنزلة العالية، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها كثيراً. والصديقة بنت الصديق هي عائشة رضي الله عنها، وهي الصديقة حقاً، إذ صدقها الله عز وجل عندما حصلت لها الفتنة العظيمة، وهي الإفك الذي جاء به أهل النفاق، وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). وهناك خلاف بين أهل العلم في أيهما أفضل: خديجة أم عائشة؟ وأيهما أفضل: فاطمة أم عائشة؟ ولـ ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد تحقيق لطيف فيها، وهو أن عائشة أفضل باعتبار وخديجة أفضل باعتبار، وأن عائشة أفضل باعتبار وفاطمة أفضل باعتبار. قال المؤلف رحمه الله: [ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون]. سمي الروافض بالروافض لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين، فقد كانوا ينتسبون إلى علي بن أبي طالب ويقولون: نحن شيعته، فلما سألوا زيد بن علي بن الحسين: ما تقول في الشيخين؟ فترضى عنهما وأثنى عليهما ثناءً عظيماً، رفضوه، فقال: رفضتموني! فسموا روافض من تلك الفترة. والعجيب أني سمعت محاضرة لأحد الشيعة المعاصرين وهو غاضب من تسمية أهل السنة لهم بالروافض، ويقول: يسبوننا ويسمونا روافض، وينسى أنه وأهل مذهبه يسبون من هو أفضل - أبا بكر وعمر - وكأن سب أبي بكر وعمر مباح! قال المؤلف رحمه الله: [ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل]. النواصب مثل الحجاج بن يوسف، ومثل الخوارج الذين يسبون آل البيت، ويذمون علي بن أبي طالب وأولاده، هؤلاء لا شك أنهم مذمومون وأن طريقتهم فاسدة.

موقف أهل السنة تجاه الفتن التي وقعت في عهد الصحابة وما روي في ذلك

موقف أهل السنة تجاه الفتن التي وقعت في عهد الصحابة وما روي في ذلك قال رحمه الله: [ويمسكون عما شجر بين الصحابة]. سبق أن علقنا على هذه القضية، والآن يرتب ابن تيمية الأدلة والأخبار التي وردت فيما شجر بين الصحابة، فيبين أن بعضها كذب وأن بعضها ثابت في الأصل لكن زيد فيه ونقص منه، وأن بعضها صحيح لكنهم معذورون فيه لاجتهادهم، أو ما وقع منهم من خطأ فإنه يذهب في بحار حسناتهم. قال رحمه الله: [ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما كذب، ومنها ما هو قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة]. يعني: يجوز أن يقع الصحابي في الذنوب في الجملة لكنه قد يتوب، وقد يغفر الله عز وجل له لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليسوا معصومين إلا إذا أجمعوا، لأنهم لا يجتمعون على ضلالة. قال رحمه الله: [ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر]. ولهذا فإن العلماء ألفوا كتباً كثيرة في مناقب الصحابة وفضائلهم، ولما ألف البخاري الصحيح كتب كتاباً خاصاً بالمناقب، فيذكرون مناقب الصحبة ويثنون عليهم كثيراً. قال رحمه الله: [حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم]. وأيضاً الحسنة التي يعملونها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل من الحسنة التي يعملها من بعده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي! فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وهذا يدل على أن صدقة الصحابة أفضل بلا شك من صدقة غيرهم؛ لأنها حصلت في وقت عوز وشدة، وكانت في رفع راية الإسلام وفي نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا ليس متحققاً في من بعدهم. قال رحمه الله: [وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني)، وهذا يدل على أن خير الناس بعد الأنبياء مطلقاً هم الصحابة، فانظروا هذه المنزلة العالية، وانظروا إلى هؤلاء المجرمين الذين يشتمون الصحابة ويذمونهم عليهم من الله ما يستحقون. قال رحمه الله: [ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور]. انظروا الكلام الذي عليه مشكاة النبوة فعلاً، وعليه نور واضح، فمن يذم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو يقدح فيهم أو يكفرهم فمعنى هذا أنه يقدح في النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فالشيعة المجرمون يقولون: إن الصحابة ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أربعة، وهم الذين نقلوا شريعته، وهم الذين جاهدوا وفتحوا العراق وبلاد الشام حتى وصلت الفتوحات إلى كل مكان شرقاً وغرباً، بل إن الشيعة هم المرتدون في الحقيقة عليهم من الله ما يستحقون، وقبحهم الله! قال رحمه الله: [ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله عليهم به من الفضائل، علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله]. اللهم صلِّ على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، ونسأل الله عز وجل أن يغفر لأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله عز وجل أن يجمعنا وإياكم بهم في مستقر رحمته إنه على كل شيء قدير

الأسئلة

الأسئلة

معنى كفر الفعل وكفر المعين

معنى كفر الفعل وكفر المعين Q أشكل علي الفرق بين كفر الفعل وكفر المعين، أرجو التوضيح؟ A كفر الفعل معناه: أن سب الله كفر، وسب الله فعل، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم فعل، وتكفير الصحابة فعل، والتشريع بغير ما أنزل الله فعل، والطواف حول القبور فعل، والذبح لها والنذر لها والاستغاثة بغير الله أفعال قد تحصل هذه السنة، وقد تحصل في الجيل الذي لم يولد بعد، وقد تحصل بعد مائة سنة، وقد تحصل بعد ألف سنة، فحكم الأفعال ثابت منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة، وكفر الأفعال وكفر الأنواع منها ما هو أمر متفق عليه، ومنها ما هو أمر مختلف فيه مثل كفر تارك الصلاة. والذين يرتكبون مثل هذه الأعمال الكفرية يختلفون، وقد يموتون ويأتي جيل آخر ويرتكب جزءاً منها، وقد يأتي جيل آخر بعده وهكذا، فالحكم الشرعي المتعلق بالأفعال ثابت، وحكم الشرع فيها ثابت، وأدلته ثابتة، وهي متعلقة بباب التوحيد والإيمان الذي هو باب ثابت إلى يوم القيامة، لكن الذين يتلبسون بهذه الأقوال وهذه الأفعال يختلفون، فبعضهم تنطبق عليه شروط التكفير وتنتفي عنه الموانع فيكفر، وبعضهم قد يقوم به مانع من الموانع أو يفقد شرطاً من الشروط فلا يكفر، مع أن الاثنين فعلا فعلاً واحداً!

تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة

تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة Q أشكل علي تعريف أهل السنة للإيمان، وما حصل من التشابه بينه وبين تعريف المعتزلة، حيث يقولون: إن الإيمان النطق والاعتقاد والعمل، وكأن الفرق بينهما أن السلف جعلوا العمل للكمال، والمعتزلة جعلوا العمل شرطاً، فما هو الفرق؟ A السلف يعرفون الإيمان بأنه قول وعمل، والمعتزلة والخوارج كذلك يعرفون الإيمان بأنه قول وعمل، والمعتزلة يرون أن من ترك جزءاً من العمل فإنه يكفر؛ لأنهم يعتقدون أن العمل وحدة واحدة لا تزيد ولا تنقص، فإذا فقد منه جزء فقد فقد العمل بأكمله فيكفر صاحبه، فمن فقد بر الوالدين مثلاً فإنه يكفر عندهم، وهكذا بقية الأعمال من حيث الترك أو من حيث فعل الكبائر. أما أهل السنة فإنهم يعرفون الإيمان بنفس التعريف، يقولون: الإيمان قول وعمل، لكن العمل عندهم يزيد وينقص، والقول يزيد وينقص فما دام أنه يزيد وينقص، فمنه ما يذهب الإيمان بزواله، ومنه ما يذهب كمال الإيمان بزواله، مثاله: شهادة (أن لا إله إلا الله) قول من تركه ذهب عنه الإيمان بالمرة، ومحبة الله عمل، من ترك محبة الله بالمرة فهو كافر، وهكذا من ترك الخوف من الله بالمرة، لكن من ترك جزءاً من العمل كطاعة الوالدين أو ترك العفة فوقع في الزنا، أو ترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب الخمر فشاربها لم يكفر عند أهل السنة، هذا هو الفارق بينها. وأما الكلام العام الذي أشرت إليه وهو قولك: السلف جعلوا العمل للكمال، والمعتزلة جعلوه شرطاً، فهذا تفريق عام غير دقيق، وذلك أن السلف جعلوا بعض العمل كمالاً، لكن جعلوا بعضه جزءاً أساسياً وركناً أساسياً، مثل: محبة الله والخوف منه، والتوكل عليه، ومثل شهادة التوحيد، وكذلك جنس العمل -أي: عموم العمل- ليس من الكمال بل هو أساسي يزول الإيمان بزواله. وقولك: إن المعتزلة جعلوا العمل شرطاً، فإن كلمة (كمال) و (شرط) مصطلحات لا بد من تحديدها حسب مفهوم المتكلم بها، وقد وضحت الفرق بين تعريف السلف وتعريف المعتزلة والخوارج للإيمان، فهم اتفقوا أن الإيمان قول وعمل، لكن اختلفوا فيما يترتب عليه، فالمعتزلة يرون أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، فمن ترك جزءاً منه وقع في الكفر، وأما السلف فيرون أن الإيمان يزيد وينقص، وأن منه ما يزول الإيمان بزواله، ومنه ما لا يزول الإيمان بزواله.

حكم ما يرويه ابن عباس وابن عمر في الغيبيات

حكم ما يرويه ابن عباس وابن عمر في الغيبيات Q أشكل علي رد بعض العلماء للأحاديث التي يرويها العبادلة: عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في أمور الغيب؟ A العلماء لم يردوا كلام العبادلة عموماً في المغيبات، وإنما قالوا: إن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس قرءوا في كتب أهل الكتاب، فأحياناً قد ينقلون عن كتب أهل الكتاب دون الإشارة إلى ذلك، ولهذا نحن نقول: إذا تكلم هؤلاء في المغيبات فإما أن يسندوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يسندوه، فإن أسندوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، ولا يصح لأحد أن يرده، وإن لم يسندوه وهو موجود في كتب أهل الكتاب فإنا نعرف أن هذا الكلام مأخوذ من كتب أهل الكتاب، فإذا لم يكن في كتب أهل الكتاب فإنه في حكم الرفع.

معنى تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان

معنى تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان Q هل تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان؟ A الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان؛ لأن الزمان والمكان مؤثران، يعني: الزمان والمكان أحياناً يؤثران في تغير صورة المسألة، فتتغير الفتوى بناءً عليها، ولا يعني هذا أن المفتي يتخير من الفتاوى ما يشاء، ثم يفتي بناءً على أن هذا الزمن يقتضي هذه الفتوى، وأن هذا المكان يقتضي هذه الفتوى، فالمفتي ليس مشرعاً يشرع للناس، بل هو ينقل عن الشرع، والذي يشرع هو الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم، وأما المفتي فإنه ينقل ما فهمه من كلام الله عز وجل ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الواقعة، لكن أحياناً تكون صورة الواقع حادثة بشكل ما والزمان يغيرها والمكان يغيرها. مثاله: التقابض أو نقل المبيع بعد شراء السلعة. فالنقل قديماً كان بحمل السلعة، من هذا المكان إلى مكان آخر، لكن الآن ربما يكون النقل بشكل آخر، قد يكون انتقالاً معنوياً مثل انتقال الملكية من شخص إلى شخص آخر، فأحياناً الزمان نفسه يغير صورة الحادثة والواقعة، فعلى هذا تتغير الفتوى المتعلقة بها.

حكم قول الرجل إذا نصح: الإيمان في القلب

حكم قول الرجل إذا نصح: الإيمان في القلب Q بعض الناس إذا قيل له: افعل كذا، أو اترك كذا، قال: الإيمان في القلب، فهل هذا له علاقة بما يتعلق بالإيمان؟ A بعضهم إذا قيل له: صل، قال: الإيمان في القلب، فهذا الفهم فاسد للإيمان، فإن الإيمان يقتضي الصلاة، وإذا قيل له: اترك المنكر، قال: الإيمان في القلب هذا فهم فاسد للإيمان.

معنى القومية العربية عند البعثيين

معنى القومية العربية عند البعثيين Q ما هي العقيدة البعثية التي يعتقدها البعثيون؟ A المقصود بها القومية العربية، وأن الرابط الأساسي عندهم بين الأشخاص هو العروبة، وأن العربي يعظم ويقرب وإن كان كافراً، وغيره يبعد ويقصى وإن كان مسلماً، فأصل الولاء عندهم على العروبة، وليس على الإسلام، ولهذا يعتبرون أن الجاهلية جزء مشرق من تاريخ العروبة، كما أن الإسلام جزء مشرق من تاريخ العروبة، ويساوون بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي أجهل وأبي بكر وأبي لهب؛ لأن الدين ليس من الأمور المفرقة، فالجامع هو اللغة وليس الدين.

دراسة موضوعية [18]

دراسة موضوعية [18] الاعتصام بالكتاب والسنة باب عظيم من أبواب العقيدة، وهو من أهم ما يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة المنحرفة التي اتخذت مصادر في العقيدة غير الكتاب والسنة، ومن عقائد أهل السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين في غير معصية، وهجر أهل البدع، والإيمان بالكرامات على ما جاء في الكتاب والسنة.

ذكر ما جاء في الاعتصام بالكتاب والسنة

ذكر ما جاء في الاعتصام بالكتاب والسنة هذا هو الدرس الأخير من دروس العقيدة المتعلق بالكتب الثلاثة ذات الموضوع المتقارب، وهي: حائية ابن أبي داود، ولمعة الاعتقاد للحافظ ابن قدامة المقدسي، والواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وسبق أن قلنا: إن أبواب هذه الكتب الثلاثة متقاربة إلى درجة كبيرة، ومن خلال دراستنا السابقة لهذه الكتب تبين لنا أن هذه الكتب مشتركة في أبواب متعددة، مثل: باب الصفات وباب القدر وباب الإيمان وباب الغيبيات وباب الصحابة، ونحوها من الأبواب، وقارنا بين هذه الكتب الثلاثة، وهذه الدراسة التي هي دراسة في الموضوعات أكثر مما هي دراسة في المتون، ومع مراجعة المتون تبين أن كثيراً من الكتب مشتركة في كثير من المسائل، وأن الأبواب العلمية متقاربة في كثير من الكتب، وحينئذ ينبغي على طالب العلم أن يميز بين المسائل المكررة والمسائل المتميزة من كتاب إلى كتاب آخر. بقي معنا في حائية ابن أبي داود مجموعة من الأبيات تتعلق بالاعتصام بالكتاب والسنة، والاعتصام بالكتاب والسنة باب عظيم من أبواب العقيدة، وهو من أعظم الأبواب التي يتميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة المنحرفة، فإن الفرق الضالة اتخذت مصادر في العقيدة غير الكتاب والسنة، بل إنها تجاوزت هذا الأمر إلى الطعن في دلالة الكتاب والسنة على المسائل العقدية، ولهذا كثيراً ما يكرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وخصوصاً في كتابه درء تعارض العقل والنقل- أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالحق التام في المسائل والدلائل، أي: في المسائل العقدية، وفي الأدلة عليها، فإن هذا الدين دين كامل شامل لحياة الإنسان المتعددة الجوانب. وقد أفرد البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً مستقلاً عن الاعتصام بالكتاب والسنة، وملأه بالأحاديث والآثار عن هذه القضية المهمة، والتي ينبغي على طالب العلم أن يتعلمها وأن يدركها، وقد وردت كثير من النصوص الشرعية تأمر بطاعة الله عز وجل وتقرن معها طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:92]. قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إن الآيات الواردة في الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قد تصل إلى التسعين آية، وذلك بأوجه متعددة وبأشكال مختلفة، منها: قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وهذا يشمل المسائل العقدية والمسائل العملية والمناهج وبناء الحياة، ولهذا لما جاءت المرأة إلى ابن مسعود وسألته عن النمص وقالت: لم أجد ذلك في كتاب الله، قال: بل هو في كتاب الله، ثم قرأ عليها هذه الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ثم روى الحديث المشهور في لعن النامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن. ومن ذلك قول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. ومنه أيضاً قول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه عندما وجد قوماً يكررون كلام الشيخين - أبي بكر وعمر - في النهي عن المتعة، قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر! فكيف بمن يرد قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقول عالم، بل كيف من يرد قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول كاتب، أو لقول شخص بسيط فضلاً عن زنديق أو مجرم أو كافر أو نحو ذلك؟ ولهذا فإن رد كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيه خطر على عقيدة الإنسان؛ لأنه يوصل إلى الشرك والعياذ بالله. وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على الاعتصام بالكتاب والسنة، كما في حديث العرباض بن سارية المشهور عندما قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون -إلى قوله-: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية التي انتقاها الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله، وهي من جوامع الكلم التي عليها مدار كثير من المسائل في الدين. ومن الأحاديث المهمة أيضاً وهي من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم في باب الاعتصا

إنكار العلماء على المخالفين في جواز مسح الخف وثبوت حد الرجم وكفر تارك الصلاة

إنكار العلماء على المخالفين في جواز مسح الخف وثبوت حد الرجم وكفر تارك الصلاة لقد تكلم أهل العلم عن هذه القضايا واهتموا بها، وحذروا من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إنهم أنكروا على كثير ممن خالف في مسائل فقهية دليلها واضح، فمثلاً: نجد الإنكار الشديد على من خالف في المسح على الخفين، بل اعتبرها عدد من أهل العلم من مفردات العقيدة، وكذلك الرجم وغيرها، إلا الشيعة قبحهم الله، والرجم لا يوجد مخالف له إلا الخوارج؛ لأن من مناهجهم رد السنة، وكانوا يكفرون عدداً كبيراً من الصحابة، فكانوا يردون هذه القضية لعدم ورودها في القرآن كما يقولون. وكثير من مسائل العلم التي يكون الدليل فيها واضحاً فإن أهل العلم يتكلمون على المخالف حتى لو كان من أهل السنة يتكلمون، ويغلظون له في القول، فمثلاً: عدم تكفير تارك الصلاة، فقد بعدم كفر تارك الصلاة جماعة من كبار أهل العلم وممن لهم منزلة في الإسلام، ومع ذلك أنكر عليهم عامة أهل السنة، بل إن محمد بن نصر المروزي رحمه الله ألف كتاباً في العقيدة سماه: تعظيم قدر الصلاة، ويظن البعض أنه كتاب فقهي، مع أنه كتاب في العقيدة، وقد تكلم فيه عن مسائل الإيمان وأطال فيها، ونقل نقولاً كثيرة عن السلف في تكفير تارك الصلاة، بل نقل عن جماعة من أهل العلم حكاية الإجماع على أن تارك الصلاة كافر. وأيضاً غلظ على من تكلم في بعض المسائل الفقهية مع وضوح الدليل فيها، فنجد أن عامة أهل العلم المتبعين للأثر يغلظون على المقلدة الذين يقلدون المذاهب في مسألة عدم القبض في الصلاة، فحديث القبض في الصلاة وارد في صحيحي البخاري ومسلم، وهو حديث مشهور، وليس هناك ما يبرر عدم العمل به، ومع هذا نجد المتأخرين من المالكية وبعض المذاهب الأخرى يفتون بعدم القبض في الصلاة وبالإسدال، فنجد أن المتبعين للآثار يغلظون عليهم في القول؛ لأن الحديث واضح، وليس هناك مبرر لعدم الأخذ به إلا التقليد المحض، والتقليد المحض في مثل هذه الحالة شنيع؛ لأنه قلد إماماً وعالماً وترك إمام المرسلين وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا ينبغي كما قلت العناية بهذه القضية عناية تامة.

الإنكار في مسألة كشف المرأة وجهها

الإنكار في مسألة كشف المرأة وجهها ومن المسائل التي يوردها أهل العلم في هذا الباب مسألة الإنكار في مسائل الخلاف، فإنه لأهمية الاعتصام بالكتاب والسنة ينكر العلماء في مسائل الخلاف بعضهم على بعض؛ لأن الخلاف من حيث عدم وضوح الدليل على المدلول يكون على درجات، فقد يكون في الدليل غموض شديد، وقد يكون الغموض متوسطاً، وقد يكون الغموض يسيراً، وقد يكون الغموض قليلاً جداً، فإذا كان الغموض قليلاً وضعيفاً وكان الحديث ظاهراً في الباب، فإنه لا يجوز للإنسان أن يخالفه، ويجب أن ينكر على من خالفه، وأن يبين له الحق في مثل هذه المسائل. ومن ذلك مسألة كشف المرأة لوجهها، فإنه قد أفتى فيها أهل العلم، خصوصاً أهل الحديث، مثل الشيخ العالم الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، هذا عالم كبير في الحديث وهو من خلص أهل السنة، ومن صفوة أهل السنة في هذا العصر رحمه الله تعالى، ومع ذلك أفتى في بجواز أن تكشف المرأة وجهها، أي: والمستحب أن تغطي وجهها، وإذا ترتب على كشفها لوجهها فتنة فإنه يجب عليها تغطيته، فانظروا كيف أن فتوى الشيخ محددة إلى درجة كبيرة، ومع هذا كثير من الناس أصبح اليوم يرى أن الحجاب الشرعي أن تكشف المرأة وجهها، يعني: كأن سترها لوجهها لم يعد حجاباً شرعياً، ويصور للناس من خلال بعض القنوات الإعلامية، ومن خلال الممارسات في الحياة الإسلامية، ومن خلال بعض كتابات الذين يسمونهم بالمفكرين ونحوهم أن الحجاب الشرعي هو أن تكشف المرأة وجهها، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم الذين يعرفون العلم، فإنه لم يقل أحد من أهل العلم إن الحجاب الشرعي هو أن تكشف الوجه. لكن أصبح الناس اليوم يلتزمون كشف الوجه وكأنه هو السنة، فإذا جاء أحد لينصح امرأة كاشفة أو ينصح وليها قال: يا أخي هذا هو الحجاب الشرعي! وهذا فهم فاسد وغريب يجب دفعه؛ لأنه لم يقل أحد من أهل العلم باستحباب كشف الوجه، وإنما قالوا بالإباحة، والاستحباب حكم شرعي تكلم فيه أهل العلم، فالمستحب هو تغطية الوجه، وليس المستحب هو الكشف، لكن الممارسة العملية صورت للناس أن المستحب هو أن تكشف المرأة وجهها، وأن هذا هو الحجاب المشروع، إلى درجة أن كثيراً من الناس نسي أن تغطية الوجه من السنن عند من يفتي بجوازها، فضلاً عن كونه واجباً شرعياً عند من يفتي بوجوب الحجاب، وهذا هو القول الصحيح الواضح، والذي ما عداه غير صحيح. ولهذا يجب أن نحذر من مثل هذه المسائل التي قد تسوغ للواقع بشكل غير صحيح، وينبغي أن نتأمل فيها وأن نهتم بها، وأن يكون منطلقنا الأساسي هو الاعتصام بالكتاب والسنة.

شرح كلام ابن أبي داود في حائيته في الاعتصام بالكتاب والسنة

شرح كلام ابن أبي داود في حائيته في الاعتصام بالكتاب والسنة قال ابن أبي داود رحمه الله: [تمسك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعياً لعلك تفلح ودن بكتاب الله والسنن التي أتت عن رسول الله تنجو وتربح]. هذان البيتان في هذه المسألة التي سبق أن أشرنا إليها. ثم في آخر الأبيات أشار إلى المخالف للكتاب والسنة، قال: (ودع عنك آراء الرجال) يعني: أياً كانوا، فلا يجوز للإنسان أن يأخذ بآراء الرجال -حتى لو كانوا من العلماء- في مقابل رده لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن رد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من أشنع الشنائع والعياذ بالله. قال: [ودع عنك آراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أولى وأشرح ولا تك من قوم تلهوا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح]. لا يجوز لمسلم أن يطعن في أهل الحديث؛ فإن أهل الحديث هم خلاصة المسلمين، والمقصود بأهل الحديث المتبعون للحديث، وليس المقصود بأهل الحديث المتخصصين في علم مصطلح الحديث، بل المتبع للحديث سواء كان لغوياً، أو فقيهاً، أو مهندساً، وأخص الناس هم المشتغلون بخدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم. فعندما يقال: أهل الحديث، فإنه ينصرف إلى طائفتين: الطائفة الأولى: هم أولى الناس به، وهم المشتغلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع صحة في العقيدة؛ لأنه وجد في التاريخ الإسلامي أشخاص اشتغلوا بالحديث ومع هذا لم يكونوا على السنة، مثل البيهقي الذي كان على عقيدة الأشعرية، ومن المتأخرين محمد زاهد الكوثري وهو جهمي على عقيدة متأخري الجهمية والعياذ بالله، ولديه آراء شاذة وخطيرة جداً، ويمكن مراجعة كتاب التنكيل لما جاء في تأليف الكوثري من الأباطيل للشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى. إذاً أولى الناس بوصف أهل الحديث هم المشتغلون بدراسة الحديث، والعناية به على صحة في العقيدة. الطائفة الثانية: عموم المتبعين للحديث حتى لو كانت تخصصاتهم مختلفة. قوله: (ولا تك من قوم تلهوا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح) فبعض الناس صار ديدنهم في المجالس العامة وفي القنوات الفضائية وفي الصحف القدح في أهل السنة، يقدحون فيهم تارة بأنهم متشددون، وتارة بأنهم ضيقوا الأفق، وتارة بأنهم نصيون، وتارة بأنهم من الخوارج، وبأنهم لا يفقهون مقتضيات العصر الحديث، وأن من مقتضيات العصر الحديث أن تختلف الفتوى وأن تختلف الآراء، وأن يكون لنا خطاب آخر مخالف للخطاب المنضبط بالسنة. وهذه كلمات تبقى عامة، قد يراد بها حق وقد يراد بها باطل. ثم قال رحمه الله: [إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه فأنت على خير تبيت وتصبح].

معنى السنة في كلام علماء العقيدة

معنى السنة في كلام علماء العقيدة ونلاحظ أن ابن قدامة رحمه الله يقول: (ومن السنة كذا)، والسنة مصطلح يراد به عدة معان: فيراد به المعنى العام، وهو طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، وهذا المعنى العام يشمل الواجب والمستحب، ويشمل ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، فمعنى هذا: أن الراغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب. هذا المعنى العام للسنة، وهذا أصبح يستخدم عند علماء أهل السنة في باب العقيدة، فنجد أن بعض العلماء ألفوا كتباً سموها السنة، ويقصدون بها العقيدة، كالسنة للخلال، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهناك السنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد، والسنة للمروزي، وأصول السنة لـ ابن أبي زمنين، واللطيف في السنة لـ ابن شاهين، هذه كلها كتب في العقيدة كتبها العلماء السابقون، وسموها بالسنة؛ أي: العقيدة الصحيحة؛ لأن اتباع الكتاب والسنة واجب، والفرق الضالة خالفت الكتاب والسنة، فتميز أهل السنة بها وأصبحت علماً وشعاراً بالنسبة لهم. والمعنى الثاني للسنة هو معناها في اصطلاح الفقهاء، وهو ما لا يعاقب تاركه ويثاب فاعله، وهذا مصطلح حصل عند المتأخرين كمقابل للواجب، لكن عامة العلماء في كتب العقيدة إذا قالوا: ومن السنة كذا، والسنة كذا فإنهم يقصدون بها المعنى العام، يعني: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي في كثير من الأحيان تكون واجبة، ومخالفتها بدعة وإثم.

عقيدة أهل السنة في الإمامة وطاعة أولياء الأمور

عقيدة أهل السنة في الإمامة وطاعة أولياء الأمور قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين]. والمقصود بأئمة المسلمين هنا حكام المسلمين، فلا بد أن يسمع لهم وأن يطاعوا إذا أقاموا الدين. قال رحمه الله: [السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله]. هذا الباب هو باب الإمامة، والإمامة باب كبير من أبواب العقيدة، يشتمل على مجموعة من المسائل، منها كيفية انعقاد الإمامة، ومنها حكم الإمامة، ومنها تعدد الأئمة، ومنها مسألة الشورى، وهذه قد يسميها بعض العلماء الأحكام السلطانية، يعني: الأحكام التي تتعلق بالسياسة, أو تسمى: السياسة الشرعية، ولها جوانب عقدية وجوانب فقهية. فمن الجوانب العقدية المهمة هي قضية السمع والطاعة لأئمة المسلمين، فإنه يجب على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا لحكامهم الذين يقيمون الدين حتى لو كانوا فجاراً، فلو كان الحاكم فاجراً ظالماً فإنه يجب السمع له والطاعة في طاعة الله، ولا ينتقض السمع والطاعة بالنسبة للحاكم إلا إذا كفر بالله، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الحكام الذين يأتون في آخر الزمان، قال: (تعرفون منهم وتنكرون. فقالوا: ألا نناجزهم؟ -يعني: ألا نقاتلهم بالسيف- قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما أقاموا الصلاة) وفي بعض الروايات: (ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان). فإذا كان هناك كفر بواح عندنا فيه من الله برهان فإنه لا يجوز السمع والطاعة في مثل هذه الحالة، أما إذا كان فاجراً عاصياً ظالماً، يأكل أموال الناس بالباطل، ويسجن المسلمين بدون وجه حق ويؤذيهم، ويعمل أعمالاً فاسدة كأن يزني ويشرب الخمر، فإن هذه لا تعتبر مكفرات ما لم يستحلها، وقد سبق أن تحدثنا عن أثر المعاصي في الإيمان، وقلنا: إنه لا يكفر الإنسان بالمعاصي دون الشرك ما لم يستحلها، أما إذا كانت شركاً أو كفراً فإنها نقض للإيمان، وقد سبق أن أشرنا إلى نواقض الإيمان بشكل عام، لكن السمع والطاعة لا يكونا إلا في طاعة الله. قوله: (ما لم يأمروا بمعصية الله؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله) أي: لأنه جاء في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهذه من قواعد العلم الكبار، فإنه لا طاعة لمخلوق حتى لو كان أباً أو أماً، صغيراً أو كبيراً، في معصية الله عز وجل، فلو أمر بأمر فيه معصية ظاهرة مثل: أكل الربا، أو أكل أموال الناس بالباطل، فإنه لا يقال: إن هذا ولي أمر المسلمين تجب طاعته؛ لأن هذه معصية، والمعصية لا يطاع فيها. نحن نختلف في هذه المسألة مع الخوارج ومع المعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة عندهم أصل من أصول الدين يسمونه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مقتضياته قتال أئمة الجور والخروج عليهم، يعني: أئمة الظلم، وقد كان هذا مذهباً في بداية الأمر لبعض أهل السنة، لكن أهل السنة كما حكى ابن تيمية رحمه الله لما رأوا ما ترتب على الخروج على أئمة الجور باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفساد العام وكثرة إراقة الدماء، وعدم الوصول إلى نتائج مثمرة، أجمعوا على عدم جواز الخروج على أئمة الجور حتى لو ظلموا، لكن لا يطاعون في معصية الله، ويطاعون في طاعة الله سبحانه وتعالى. ولهذا ينبغي أن ندرك المشكلة التي يعاني منها الكثير في هذا الزمان، وهي أن البعض يبالغ في طاعة ولي الأمر إلى درجة أنه يكاد يقول للناس: أطيعوه في الحرام، يعني: قد يسأل بعض الناس عن مسألة محرمة فرضها ولي الأمر، فيقال: تجب طاعته! وهذا من الظلم، إذ كيف تطيع ولي الأمر وتعصي الله عز وجل؟ هذا لا يقوله أحد من أهل العلم وممن عرف العلم. ونجد طائفة أخرى متوسعة في مسألة العصيان إلى درجة كبيرة جداً. والحق أن يكون الإنسان متوسطاً في هذه المسألة، ومشكلات الواقع المتعلقة بالسياسة الشرعية والأحكام السلطانية يمكن أن تضبط، وهناك أشياء راجعة إلى التقدير، يعني: تقدير هل هذا الأمر حصل فيه كفر؟ وهل هذا المعين انطبق عليه الكفر؟ ونحو ذلك هذا الأمر الذي يرجع إلى التقدير ينبغي أن يكون أمر الناس فيه شورى، وخصوصاً مع أهل العلم الذين يستنبطون العلم من مسائله ومن أصوله الشرعية. قال رحمه الله: [ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه، حتى صار خليفةً وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه، وشق عصا المسلمين]. وهذا أمر يدل عليه النص والإجماع: أما النص: ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن تأمر عليكم) يعني: لستم أنتم الذين أمرتموه، وإنما تأمر غصباً، قال: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) لأن العبد الحبشي ليس من المرشحين للإمامة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأئمة من قريش) فليس مرشحاً للإمامة، لكن قال: (وإن تأمر عليكم حبشي، فاسمعوا له وأطيعوا) ويجمع هذا مع الأحاديث الأخرى: (ما أقاموا الصلاة) ومع ح

هجر المبتدعين

هجر المبتدعين قال رحمه الله: [ومن السنة: هجران أهل البدع]. وهناك أبواب في كتب العقيدة الكبيرة تبين ضرورة هجران أهل البدع، وخصوصاً في هذا الزمان، فمن أشهر البدع التي يجب هجران أهلها التشيع، ودعوى التقريب بين الشيعة والسنة دعوى فارغة لا قيمة لها؛ لأن الشيعة نشئوا آخر القرن الأول، وإلى اليوم وهم موجودون وكتبهم موجودة، وأئمتهم موجودون، وحسينياتهم التي نشأت متأخرة موجودة. ودعاوى التقريب حصلت في أكثر من دولة، وتكونت لهم دول وسقطت، ومع هذا لم يحصل هناك تقريب، فدعاوى التقريب في كثير من الأحيان دعاوى سياسية أكثر مما تكون دعاوى عقدية الهدف منها الوصول إلى نتائج، لأن الخلاف مع الشيعة يتعلق بالجذور والأصول، فهم يكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم إلا ثلاثة، أو أربعة، فكيف نتفق معهم؟ وكيف نتحاور معهم؟ وكيف نعتبرهم مسلمين؟ إذا كان أبو بكر كافراً، وعمر كافراً، وعثمان كافراً، وأبو هريرة كافراً، وابن عمر كافراً، وعائشة أيضاً وغيرهم فكيف يمكن الحوار؟ ولا تتصورا أن دعوات التقريب نشأت الآن، فإنها قد نشأت منذ وقت، وتبنتها جهات كثيرة بعضها مشبوهة، وحاولت هذه الجهات أن تجمع بين علماء الشيعة وعلماء أهل السنة، لكن لم يصلوا إلى نتيجة، فانتهت الدعاوى القديمة وبدأت الدعاوى الجديدة بالذات بعد سقوط العراق، وبدأت الحركة الشيعية تنمو, وصاروا يقومون مع الشيعة مقابلات تلفزيونية، وتنقل صورهم عبر الفضائيات، وكثير من المسلمين لا يدركون أن عقائد الشيعة عقائد كفرية، وهؤلاء من السطحيين. والمشكلة عندما يتكلم شخص سطحي غير متخصص. بعضهم يقول: أنتم تأتون إلى كتب الشيعة فتأخذون الشاذ منها وتجمعونه في كتاب واحد، وتقولون هذه عقائد الشيعة، فأنتم ظلمة! فنقول: الظالم هو الجاهل؛ لأن هؤلاء الأشخاص لم يطلعوا على كتب الشيعة أصلاً، لأن كل كتاب من الكتب الشيعية له عمود فقري، أو له أبواب أصلية وأساسية، لو حذفت تلك الأبواب لسقط الكتاب، فلو حذفنا باب الأسماء والصفات والإيمان والقدر والصحابة من هذه الكتب فإنه سيكون الكتاب ليس له قيمته العلمية السابقة، فلو جئنا إلى كتاب (بحار الأنوار) وحذفنا تكفير الصحابة، وعصمة الأئمة، وحذفنا الكلام في القرآن، فإنه لن يبقى من كتاب بحار الأنوار شيء، ولا يكون له أي قيمة علمية، لكن كثيراً من الناس لا يدرك ولا يفهم ويظن أنه من أفهم الناس، وهنا تكون المشكلة، وهذا هو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: (وينطق فيهم الرويبضة وهو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)، حتى لو كان رجلاً صاحب هيئة وصاحب مكانة وصاحب منزلة، لكنه في هذا الباب تافه ليس من أهل العلم فيه، فالواجب أن يتكلم الإنسان بعلم أو يسكت، وإذا لم يكن من أهل العلم فلا يتكلم. وكثير من الناس -حتى من المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية- يحاول أن يهون الخلاف مع الشيعة ويصور أنه خلاف سطحي، وأن المسألة عادية، وهذا فهم فاسد. قال رحمه الله: [ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم -كل هذا من هجرهم- وكل محدثة في الدين بدعة، وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع كالرافضة]. سموا رافضة لأنهم كانوا مع زيد بن علي بن الحسين فسألوه عن الشيخين، فتولى أبا بكر وعمر فرفضوه، وقال: رفضتموني، فسموا رافضة. قال: [والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية ونظائرهم]. أي: هذه طوائف من الفرق الضالة، وقد تحدثنا عنها في دورة الفرق والمذاهب المعاصرة. [فهذه هي فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها، وأما النسبة إلى إمام في الفروع، كالطوائف الأربع فليس بمذموم؛ فإن الاختلاف في مسائل الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون]. والخلاف شر وليس فيه محمدة أصلاً، لكن لأن الأدلة فيها خفاء صار العذر؛ ولهذا ألف ابن تيمية كتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام. قال رحمه الله: [مثابون في اجتهادهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر). قال: [واختلافهم رحمة واسعة]. لا شك أن حديث: (اختلاف أمتي رحمة) حديث باطل وموضوع، وأن الخلاف شر كله، ولكن قد يكون رحمة باعتبار أن الأدلة التي يكون فيها خفاء يعذر من خالف فيها الحق؛ لأن الحق حتى في مسائل الاجتهاد واحد غير متعدد. قال رحمه الله: [واتفاقهم حجة قاطعة -يعني: إجماعهم- نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة ويحيينا على الإسلام والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة، ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين. وهذا آخر المعتقد، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً].

ذكر ما جاء في الكرامات

ذكر ما جاء في الكرامات بقي معنا موضوع الكرامات من كتاب الواسطية. والكرامات: جمع كرامة، والكرامة هي الأمر الذي يكون فيه خرق للعادة، ويكون لولي من أولياء الله عز وجل يؤيده الله سبحانه وتعالى به. والكرامات ثابتة بالكتاب والسنة. ومن أصحاب الكرامات الخضر كما أخبر الله عز وجل عنه في القرآن، وكذلك ذو القرنين، ومن أصحاب الكرامات من الصحابة: أبو العلاء بن الحضرمي، الذي جاء إلى البحر عندما كان في غزوة البحرين، فدعا الله عز وجل، وخاض البحر على الخيل حتى وصل الشاطئ الآخر، دون أن يغرق هو وأصحابه، وهذه من الكرامات. ومن الكرامات ما تكون كرامات علمية، ومنها ما تكون كشوفات، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب الجمعة فانكشف له حال سارية، وكان قائد جيش في العراق، وكان قد أحاط به الكفار وعنده جبل، فإذا لجأ إلى الجبل أفلح، فتفاجأ الناس بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصيح ويقول: يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل، فلما سألوه بعد ذلك أخبرهم أنه حصل عنده شعور أن سارية قد حوصر، وأن الجبل هو وسيلة إنقاذ بالنسبة لهم. فهذه المشاعر والإلهامات تحصل لأولياء الله سبحانه وتعالى. وقد روي أن سارية سمع صوتاً يقول له: الجبل، الجبل، فلاذ بالجبل. وهذه الكرامات ثابتة في القرآن والسنة وفي أجيال الأمة بعد ذلك، لكن كدر الصوفية هذا الاسم الشريف: الكرامة والولاية، فجاءوا بالسحر والشعوذة والخرافات والخزعبلات وسموها كرامات، وجاءوا إلى الزنادقة والضلال والمنحرفين وأصحاب البدع وسموهم أولياء، فمثلاً: الشعراني له كتاب اسمه: الطبقات الكبرى، ملأه بالخرافات الغريبة باسم الكرامات، وكذلك يوسف بن إسماعيل النبهاني، له كتاب في مجلدين اسمه: جامع كرامات الأولياء، ملأه أيضاً بكثير من الخرافات والغرائب، وذكروا من الأولياء رجلاً اسمه إبراهيم العريان، يقولون: وكان من كراماته أنه يخطب أمام الناس عريان، ويخطب في الوقت الواحد بأكثر من مكان، وربما حمل سيفاً ونزل إلى الناس، فهرب الناس وهو يطاردهم، هذه من كراماته! وهناك طائفة من الصوفية تسمى الملامتية، وهم يفعلون الأعمال التي يلومهم عليها الناس ويقولون: إنها تدفع عنهم الخوف من الرياء، فربما نام بعضهم مع الكلاب، وربما نام بعضهم في الأماكن الوسخة والقذرة، وربما بقي أكثر من سنة لا يغتسل، وربما صار، ولهذا قد يرى بعض هؤلاء الخرافيون إنساناً وسخ الثياب، ويقولون: ما يدريك لعله قطب من الأقطاب التي يكون عليها مدار هذا الكون؟ فهؤلاء من الجهال الذين هم من أبعد الناس عن العلم والعقل، وهم منحرفون في هذا الباب، وقد فصل شيخ الإسلام رحمه الله الكلام فيهم في كتابه العظيم: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات]. هذا يدل على أن الكرامة نوعان: نوع في العلوم، ونوع في التأثير، يعني: نوع يتعلق بالعلوم، ونوع يتعلق بالأمور الحسية. قال: [والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها: مثل حال أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثمائة سنة وتسع. وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة].

ذكر ما جاء في السلوك

ذكر ما جاء في السلوك وباب السلوك أيضاً من الأبواب المتعلقة بالعقيدة من جهة شمول العقيدة؛ لأن كثيراً من الناس يتصور أن العقيدة خاصة بالأبواب النظرية المشهورة، مثل باب الصفات وباب القدر وباب الإيمان وباب الصحابة وغيرها، والحقيقة أن العقيدة شاملة لكل مناهج الحياة، فلأهل السنة والجماعة منهج مستقل في الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيادة الأمة وتوجيهها، وإصلاح المجتمعات وسياستها، وأيضاً السلوك إلى الله سبحانه وتعالى. يقول: [ثم هم -يعني أهل السنة والجماعة- يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]؛ وهذه من أخص أوصافهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:110]. قال: [على ما توجبه الشريعة]: لأن هناك طائفة أخذت هذا الاسم الشرعي العظيم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ووظفته توظيفاً فاسداً، وهم الخوارج والمعتزلة كما سبق أن أشرنا إليه. قال رحمه الله: [ويرون إقامة الحد والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات]: وهذا مما يميزهم، فكثير من الناس اليوم يتركون الصلاة خلف أئمة المسلمين، يعني: لا يصلون مع المسلمين في المساجد، ويتوقفون في إيمانه، وقد يتركون الصلاة خلف أئمة الحرم مثلاً، لأنهم يتوقفون في إسلام هؤلاء، ويقولون: لا بد أن يكفر بالطاغوت، وإذا أردت أن تعرف ما هو الكفر بالطاغوت حسب فهمه؟ يحددها حتى يصل إلى درجة أن يكفر حاكماً باسمه، فإذا كفر هذا الحاكم باسمه فإنه يكون كافراً بالطاغوت، وإذا لم يكفره باسمه فإنه لا يصير مسلماً أصلاً. فيكفرون الناس بهذه الطريقة، ويتركون الحج والجهاد والجمع والأعياد، ولهذا كثير من الناس نمت عندهم أخلاق الخوارج، فتجد أنه يرى أن كثيراً من حكومات العالم اليوم وأنظمته على خلاف الإسلام، ولكن عندما يتعامل مع هذه الأوضاع الصعبة والمخالفة لحقيقة الإسلام، بالذات في المجتمعات التي ينتشر فيها التغريب بشكل غريب، مثل المغرب الإسلامي، وشمال أفريقيا وبعض دول الخليج وغيرها، والهند وباكستان وبقية بلاد المسلمين وشرق آسيا، هذه البلاد الإسلامية عمها التغريب بشكل كبير جداً، إلى درجة أن المسلم أصبح ينظر إلى نفسه وينظر إلى مجتمعه على أنه غريب فيه، وفعلاً أصبح المسلم يشعر بالغربة، لكن كثيراً من الناس عنده غلو في هذه القضية، فتجد أنه يبالغ إلى درجة أنه ينعزل عن المجتمع فيترك الصلاة مع المسلمين، ويترك إقامة الجماعة والجمعات معهم، ويترك إقامة الأعياد معهم، بحجة أن هذه الحكومات أصبحت حكومات كافرة، والصحيح أنه حتى وإن كانت هذه الحكومات كافرة فهذا لا يعني أن يترك الجمع والجماعات والأعياد. يعني: الآن يحكم العراق أمريكا، وأمريكا حكومة كافرة، فهل يترك الناس صلاة الجمعة لأن أمريكا استولت على البلاد؟ هل يتركون صلاة العيد؟ هل يتركون شعائر الإسلام؟ لا يتركونها، فلو كفرت حكومة من الحكومات، أو استولت عليها دولة من دول الكفر مثل حالة العراق، فإن هذه القضايا مثل إقامة الحج وإقامة الجهاد والجمع والأعياد لا تخضع لحكومة محددة ومعينة، وإن كان الأولى أن يقوم بشعائر الإسلام أئمة المسلمين وحكامهم، حتى تنتظم أمور المسلمين، حتى وإن كان هذا الحاكم فاجراً ظالماً كما سبق أن أشرنا. قال رحمه الله: [أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة] الأمة يدخل فيها الرجال والنساء، وينصحون لهم، ويدخل فيها الحكام فينصحون للحكام، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويدخل فيها العلماء، ويدخل فيها عامة المسلمين. قال رحمه الله: [ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وشبك بين أصابعه)]. وهذا مفهوم عظيم، وهو مفهوم الأمة الواحدة والجماعة الواحدة، فالمسلمون لا تفرقهم أسماء الدول أو الحدود التي حصلت عند المتأخرين، فهذه الحدود تتغير من زمن إلى زمن، ولهذا نسمع في هذه الأيام أن الدولة الظالمة الجائرة أمريكا تريد تغيير الخريطة، فهذا يدل على أن الخرائط يمكن أن تتبدل وأن تتغير مع الزمن واستيلاء دولة على دولة، والأسماء تتغير، فقد كان زمان الدولة العباسية، ثم دولة المماليك، ثم صارت الدولة العثمانية، والآن صارت أوزاعاً، فهذه الأسماء لا تفرق بين المسلمين، فإن المسلمين إخوة ويد واحدة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). قال: [ويأمرون بالصبر عند البلاء]: وهذا من أعظم الأخلاق. قال: [والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء]: ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (عجباً لأمر المؤمن؛ إن أمره كله

ذكر خرافة جريدة عكاض والتحذير منها

ذكر خرافة جريدة عكاض والتحذير منها هذا أحد الإخوة جاء بقصاصة من جريدة عكاظ يوم الخميس، يقول: عشرون في المائة من حوادث الدهس بسبب العباءة السوداء. وكأنه -ما شاء الله- عندنا مراكز لرصد هذه الحالات، وكأننا دقيقون إلى هذه الدرجة، يعني: ليس واحداً وعشرين ولا تسعة عشر، ولا تسعة عشر ونصف، بل هي عشرون. هذا العبث وهذه التصرفات المتخاذلة من مثل هؤلاء الصحفيين باسم حرية الصحافة، هو من السفه في القول، والواجب أن ينكر هذا المنكر. ولهذا فمن المفترض في أي منكر يجده الإنسان في الصحافة أن يتصل بالجريدة نفسها، أو يذهب لمقابلة المسئولين هناك في الجريدة، ويقول لهم: اتقوا الله عز وجل، ما هذا العبث؟! عشرون في المائة من حوادث الدهس بسبب العباءة السوداء! وانظروا إلى الكذب والعبث، يقول: وكان رئيس اللجنة الوطنية لسلامة المرور الدكتور: علي الغامدي، حذر السيدات من عبور الطرق قبيل وبعد الزوال إلا من خلال المعابر المخصصة للمشاة، معللاً ذلك بأن العباءة السوداء أثناء العتمة. يعني: أثناء الزوال، وأظن أنه يكتب وهو عنده مرض نفسي أو مشكلة من المشكلات، يقول: معللاً ذلك بأن العباءة السوداء أثناء العتمة أو عدم وجود إضاءة كافية يعني: قبيل الزوال وأثناء الزوال لا توجد إضاءة كافية! ربما تعرض المرأة لخطر الدهس. وأضاف: (إن الدراسات والبحوث). ولو بحثت عن الدراسات والبحوث هذه ستجد أنه لا يوجد هناك دراسات ولا بحوث، كله دجل وكذب. يقول: وأضاف: إن الدراسات والبحوث تشير إلى أن نسبة حوادث الدهس تصل إلى عشرين في المائة من جملة الحوادث المرورية, ويقع أكثرها خلال فترات المساء أثناء الزوال! ومعظم ضحاياها النساء.

الأسئلة

الأسئلة

تفضيل الله محمدا صلى الله عليه وسلم على غيره من الرسل

تفضيل الله محمداً صلى الله عليه وسلم على غيره من الرسل Q لماذا فضل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم على بقية الرسل عليهم السلام؟ A نحن مطلوب منا الإيمان بما يخبر الله سبحانه وتعالى به، وبما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الإخبار التفضيل، ومن ذلك كون النبي صلى الله عليه وسلم يملك من الخصائص ما لا يملكها غيره من الرسل.

معنى الحديث: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)

معنى الحديث: (من أتاني يمشي أتيته هرولة) Q الحديث: (من أتاني يمشي أتيته هرولة) قال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ويستحيل ظاهره. السؤال: هل يعد ذلك تأويلاً؟ A حديث الهرولة اختلف العلماء في طريقة تفسيره، فبعضهم قال: إن حديث الهرولة المقصود به في الأجور، يعني: من أقبل إلي في عمل صالح مثل الماشي، فإن الله عز وجل يأتي له بأعمال مضاعفة. وبعض العلماء قال: الحديث على ظاهره وأن هذه صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأن هذا الحديث من أحاديث الصفات، وكيفية هذه الهرولة غير متصورة، وبناءً على هذا يكون كلام النووي رحمه الله فيه خطأ؛ لأن ظاهره ليس هو التشبيه أصلاً، وإنما ظاهره أن هذه الهرولة صفة من صفات الله منسوبة إليه تليق بجلاله.

فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على عمر بن عبد العزيز رحمه الله

فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على عمر بن عبد العزيز رحمه الله Q هل عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية؟ وما رأيك في قول: إن عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس؟ A ليس عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية، بل معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز؛ لأنه من الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ممدوح في الآيات الشرعية الواردة في هذا الباب، وعمر بن عبد العزيز لا شك أنه من خلفاء المسلمين العدلاء الفضلاء.

عدم جواز تسمية الله سبحانه بالدهر

عدم جواز تسمية الله سبحانه بالدهر Q هل يجوز أن نسمي الله: الدهر؟ A لا يجوز أن نسمي الله الدهر؛ لأن الدهر ليس اسماً محموداً، وإنما هو اسم للزمان، والزمان قد يكون محموداً وقد يكون مذموماً، والحديث الوارد: (أنا الدهر أقلب الليل والنهار) جاء مفسراً، فإنه قال: (أقلب الليل والنهار)، ومن شروط أسماء الله عز وجل أن تكون حسنى، وليس كل منسوب إلى الله عز وجل يكون اسماً.

الأنبياء والشهداء لا يفتنون في قبورهم

الأنبياء والشهداء لا يفتنون في قبورهم Q يقول ابن تيمية: إن الناس يفتنون في قبورهم، فهل يشمل ذلك الأنبياء والصديقين والشهداء والمرابطين في سبيل الله والصغار والمجانين؟ A أما الأنبياء والشهداء فإنه لا يشملهم ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف فتنة) يعني: أن الشهيد لا يفتن في قبره ولا يسأل.

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية

الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية Q ما الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية؟ A الفرق بينه أن الصفات الذاتية لا تنفك عن الله عز وجل وليست متعلقة بالمشيئة، بينما الصفات الفعلية يفعلها الله متى شاء، وهي متعلقة بمشيئة الله عز وجل، مثال الصفات الذاتية: العلم، مثال الصفات الفعلية: النزول.

القرآنيون

القرآنيون Q من هم القرآنيون؟ A القرآنيون طائفة نشأت في الهند يقولون: لا نحتج إلا بالقرآن فقط، ولا يحتجون بالسنة، وألغوا الأحاديث جميعاً، مع أن القرآن يأمر باتباع السنة، لكنهم لم يفقهوا ذلك، وهناك رسالة بعنوان: القرآنيون، يمكن مراجعتها.

رجوع أبي الحسن الأشعري إلى مذهب أهل السنة والجماعة

رجوع أبي الحسن الأشعري إلى مذهب أهل السنة والجماعة Q هل رجع أبو الحسن الأشعري رجوعاً تاماً إلى مذهب أهل السنة والجماعة؟ A أبو الحسن الأشعري كان في أول أمره على الاعتزال، ثم بعد ذلك رجع إلى مذهب ابن كلاب، وكان يظن أن مذهب ابن كلاب هو مذهب أهل الحديث، وألف في هذه المرحلة كتاب: اللمع في الرد على أهل الزيف والبدع، ثم بعد ذلك رجع عن مذهب ابن كلاب وشعر أن مذهب ابن كلاب مثل مذاهب المتكلمين الأخرى، فرجع عن المذاهب الكلامية عموماً، وألف في هذه المرحلة: مقالات الإسلاميين، ورسالته إلى أهل الثغر، وفي مقالات الإسلاميين يصرح ويقول: مذهب الكلابية ثم يحكيه، ثم يقول: مذهب أهل الحديث، ثم يقول: وبقولهم أقول، وهذا صريح في أنه لا يوافق الكلابية، وإن كان قد بقي عنده بعض المسائل من آثار علم الكلام، لكن في الجملة هو رجع إلى السنة.

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين وشروطها

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين وشروطها Q هل تحل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على تارك الصلاة أو من ارتكب نواقض الإيمان؟ A من ارتكب نواقض الإيمان صار كافراً مرتداً خارجاً عن الإسلام، لا يدخل تحت الشفاعة، لكن الشفاعة تكون لعصاة الموحدين، فإن شروط الشفاعة: أولاً: الإذن من الله سبحانه وتعالى. الشرط الثاني: الرضا من الله سبحانه وتعالى عن المشفوع له، وذلك بأن يكون من أهل التوحيد، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة قال: (من أسعد الناس بحسن شفاعتك يا رسول الله؟! قال: من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه).

معرفة الحكم الشرعي بالجمع بين النصوص

معرفة الحكم الشرعي بالجمع بين النصوص Q هل يخرج القاتل من النار، أو من حرم عليه الجنة كالديوث أو قاطع الرحم؟ A الديوث وقاطع الرحم والقاتل عصاة، والأحاديث الواردة على الصيغة التالية: دخل النار، لا يدخل الجنة، حرم الله عليه الجنة، ونحو ذلك، هذه تسمى عند العلماء: ألفاظ الوعيد، وألفاظ الوعيد تجمع مع غيرها من النصوص ويعرف الحكم الشرعي في هذا العمل، وبناءً عليها تنزل منزلتها الشرعية، ولا تفهم على ظاهرها بأنه لا يدخل الجنة مطلقاً.

مسألة التكفير العام وتكفير المعين

مسألة التكفير العام وتكفير المعين Q ما صحة القول التالي: لا يجوز القول بتكفير إنسان بعينه، بل يرجع أمره إلى الله مع الاعتقاد بعموم أنه إذا وقع في كذا فقد كفر، لكن لا يقال: فلان وقع في كذا فهو كافر؟ A قوله: لا يجوز القول بتكفير إنسان بعينه هذا خطأ، بل يجوز تكفير الإنسان بعينه، لكن بشروط، يعني لا يكفر الإنسان الناس مطلقاً، أو يتساهل بالشروط، فينبغي التحذير من التساهل بالشروط، أما أن يقال: لا يكفر مطلقاً فما معنى: باب حكم المرتد إذاً؟ فهناك باب في الفقه اسمه: حكم المرتد، وأحكام المرتد، وهناك حديث: (من بدل دينه فاقتلوه).

حكم من وقع في شيء من المكفرات

حكم من وقع في شيء من المكفرات Q هل من وقع في شيء من المكفرات لا يدخل الجنة، حتى مع قوله: لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)؟ A من وقع في شيء من المكفرات له حالتان: أن يكون باقياً على إسلامه، ويكون هناك عذر من الأعذار يمنع التكفير عنه، وهذا يكون من المسلمين، وأما بالنسبة للعقوبة فهو تحت مشيئة الله عز وجل، وإما أن يكون وقوعه في المكفرات لا يقبل عذره فيها، فيكون كافراً، وحينئذ يعامل معاملة الكفار جميعاً، حتى لو كان يقول: لا إله إلا الله؛ لأنه نقض لا إله إلا الله بهذا القول أو العمل الكفري.

حكم تفسير الرؤى

حكم تفسير الرؤى Q الرؤى التي نراها لا نفسرها أم ماذا؟ A نحن لا نقول: لا تفسر، بل تفسر لكن على سبيل الظن، ولا يجعلها الإنسان منهجاً في حياته، ولا يجمع رؤى الناس ويفسرها بطريقة معينة ويبني المستقبل عليها، ويغير حياته وبرامجه العملية بناءً على هذه الرؤى، هذا هو الذي ننكره.

أخذ المعان أثرا من آثار ملابس العائن لا يعد استرقاء

أخذ المعان أثراً من آثار ملابس العائن لا يعد استرقاءً Q أنا شخص مصاب بالعين من أحد الناس، وأريد أن آخذ أثراً من آثاره، فهل هذا من الاسترقاء الذي ذكر في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب؟ A إذا كان الإنسان مصاباً بالعين ويعرف من عانه، وهو متأكد من هذا، وطلب منه أخذ بعض الملابس فإنه لا يدخل في الاسترقاء، لأنه لم يطلب منه رقية، وإنما طلب بعض ملابسه وهو الذي رقى نفسه بنفسه. نكتفي بهذا القدر وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

§1/1