دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث
عبد الله أبا بطين
مقدمة
مقدمة تقريظ بقلم فضيلة الشيخ العلامة: عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتوحد بالكمال المستحق للإفراد بأنواع التعبد والابتهال وأشهد أن لا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بدأ - امتثالا لأمر ربه- بالدعوة إلى إخلاص الدين وتحقيق عبادة رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته الذين قاتلوا بعده من أشرك بالله أو كذب رسوله أو توقف عن العمل بشيء من شريعته وعلى أتباعهم بحق إلى الدين. أما بعد فإن أئمة الدعوة النجدية قد ابتلوا في زمانهم بأعداء ألداء من جنود الشيطان يشككون الناس في التوحيد الصحيح , ويوهمون عوام الناس جواز ما يفعل بينهم من أنواع الشرك بالله من دعاء للأموات وتعلق على المخلوقين وصرف خالص حق الله تعالى لغيره ويسمون ذلك تبركا وتوسلا وتقربا، وقد جهدوا في جمع الشبهات التي يلبسون بها على العامة ولكن الله بفضله وكرمه قد قيض لتلك الشبه من تصدى لردها ودحضها بالحجج الواضحة والبراهين الساطعة كما فعل الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب في نبذته الصغيرة كشف الشبهات وتلميذه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في رسالته الفواكه العذاب وسائر تلاميذه ومن بعدهم في ردودهم المختصرة والمطولة التي أبطلوا بها تمويه دعاة الضلال وبينوا بها وجوب إخلاص التوحيد وأنواع العبادة لرب العالمين فرحمهم الله وجزاهم عن المسلمين أحسن الجزاء.
وحيث أن لكل قوم وارث فإن أهل زماننا قد ابتلوا أيضا بمن روج لديهم تلك الشبهة ونشر مؤلفات قديمة وحديثة لدعاة الضلال يحسن فيها الغلو في الأنبياء والصالحين بما لا يستحق إلا الله وحده من علم الغيب وكمال التصرف في الكون ونحو ذلك مما هو شرك في الربوبية ومدعاة إلى الشرك في الإلهية. وحيث أن مؤلفات أئمة الدعوة رحمهم الله طبعت قديما ضمن مجموعات كبيرة وبقيت في باطن الكتب فإنها قد خفيت على الكثير من الناس فأخذوا يسألون عن الجواب السديد لدحض تلك الشبهات التي يستدل بها من يبيح الشرك وتعظيم الأموات والغلو في الصالحين فيتلقون الجواب شفهيا ولكنه لا يكفي لسوء الفهم وسرعة النسيان وعدم تصور الجواب الكافي ويصعب عليهم البحث والتنقيب عن الجواب الموسع في بطون الكتب سيما تلك المجاميع التي لم يطلع عليها إلا الأفراد من الخواص. وقد يسر الله إلى بعض شباب المسلمين المتحمسين للحق أن رعوا هذا الجانب التفاتا وعزموا على إحياء تراث الآباء والأجداد من أئمة الدعوة إلى التوحيد, وكان من بين أولئك الشباب الطالب النبيه المدعو عبد السلام بن برجس بن عبد الكريم الذي عزم موفقا إن شاء الله على تحقيق رسائل أئمة الدعوة التي تتعلق بهذا الموضوع , وعلى تحقيقها وتثبيت النصوص وتخريج الأحاديث والآثار وذكر درجتها، وذلك جهد كبير وعمل مبرور يثاب عليه إن شاء الله تعالى، وقد ابتدأ بإخراج هذه الرسالة القيمة المفيدة في هذا الموضوع من رسائل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية في زمنه فصححها وحققها وخدمها الخدمة التامة وعزم على متابعة الرسائل أمثالها أعانه الله وسدد خطاه والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 11/12/1405هـ
تقريظ بقلم الشيخ الفاضل حمد بن عبد الرحمن المزروع بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الناس توحيدا لرب العالمين, أرسله الله على فترة من الرسل فدعا الخلق إلى التوحيد صادعا به بين العالمين، ولم يثنه عن ذلك ما لقيه في وجه الدعوة من أذى المشركين، بل استمر على ذلك ولم يخف في الله لومة لائمين, صلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه الذين سلكوا نهجه، ودعوا بدعوته، وعلى من سلك سبيلهم ودعا إلى هذا التوحيد إلى يوم الدين. أما بعد: فلقد قرأت رسالة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله التي سماها (دحض شبهات على التوحيد) فوجدتها جديرة باسمها، وغاية في موضوعها, وحجة على خصمها، والعاند لها. ولقد أجاد وأفاد، ورفع راية التوحيد وأشاد، ودحض الشرك وأباد، فأجزل الله لمؤلفها خير الجزاء, وأسكنه فسيح جناته، وجعلها الله له ذخرا يوم العرض والجزاء. ولم يزل ولا يزال إن شاء الله لهذا الدين من يناضل عنه ويدفع شبهات المغرضين له, ولقد كان من بين من يناضل عن هذا الدين الشاب الطيب عبد السلام بن برجس العبد الكريم – فلقد قرأت له تخريج أحاديث هذه الرسالة، رسالة الشيخ أبا بطين وتحقيقها والتعليق عليها مع مقدمة لها ولسلسلة
رسائل علماء نجد الأعلام لوجدته قد قام بهذا العمل بدقة وأمانة, فقد أجاد في ذلك وبذل جهدا يشكر عليه. وفقه الله وزاده علما وعملا صالحا وفقها في الدين وإخلاصا لرب العالمين. ولا شك أن هذه الرسالة حينما خرجت أحاديثها وحققت وعلق عليها زادها ذلك حسنا وجمالا، فجاءت ترفل بثوب جميل, فهي في نظري جديرة بالطبع والنشر والاستفادة منها؛ لأن دراسة كتب التوحيد والعقائد السلفية والتروي منها واعتقادها والعمل بها من أوجب الواجبات وأهم المهمات؛ لأن ذلك هو الأساس والأصل للعلم والعمل والقبول, فمتى تأسست الأصول صلحت إن شاء الله الفروع. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة وما يلحق بها من رسائل كلا ممن ألفها أو كتبها أو أعان على شيء منها أو قرأها أو سمعها أو حققها وعلق عليها وخرج أحاديثها، كما أسأله سبحانه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم مقربة إليه في جنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله أولا وآخرا, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال ذلك الفقير المحتاج إلى عفو ربه المنان حمد بن عبد الرحمن المزروع غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
تقريظ بقلم الشيخ الفاضل عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الموحدين وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك طريقهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد! فقد اطلعت على الرسالة المسماة (دحض شبهات على التوحيد) للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله, وسمعتها بقراءتها علي من محققها الأخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم، وقد قام - وفقه الله وزاده علما وفقها وعملا- بتحقيقها وتخريج أحاديثها والتعليق عليها. وقد رجع في هذا التحقيق والتعليق والتخريج إلى مراجع كثيرة ذكرها في آخر الرسالة. وقد أجاد في هذه الرسالة وأفاد كل من مؤلفها ومحققها أثابهما الله تعالى فهي جديرة بالطبع والنشر والقراءة, ولاشك أن دراسة كتب التوحيد والعقائد وتحقيقها والعمل بها من أهم المهمات وأوجب الواجبات؛ لأنها أساس العلم والعمل والقبول. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة، وما يتبعها من رسائل من كتبها أو قرأها أو سمعها أو حققها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، ومن أسباب الفوز
لديه بجنات النعيم, وهو حسبنا ونعم الوكيل, والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. 17/10/1405هـ قاله الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
مقدمة سلسلة رسائل علماء نجد الأعلام إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} , {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . أما بعد: فلقد امتن الله على عباده ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والعالم يتخبط في ظلمات الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء، فأنقذهم بشريعته الغراء، من داء الشرك والضلال، إلى نور الهدى والإيمان، ففتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وأتم به على عباده النعمة، وأكمل الدين كما قال أحكم الحاكمين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} الآية.
وقد نهج الرسول صلى الله عليه وسلم نهج الرسل قبله في الدعوة إلى توحيد الله جل جلاله, وغرس ذلك في نفوس عباده. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} . وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} . قال ابن كثير رحمه الله: لم يزل الله تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح, وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب ... الخ (1) . وليس المراد بالتوحيد الذي دعت إليه رسل الله سبحانه توحيد الربوبية- كما ظنه من قل نصيبه من العلم وخوى عقله من الفهم- لأن الخلق مفطورون ومجبولون على الإقرار بخالقهم ورازقهم. فهؤلاء كفار قريش الذين امتنعوا من الدخول في دين الله جل جلاله، وأنفقوا جميع ما يملكون من المال والأولاد، والأنفس في سبيل صد الناس عن هذا الدين يقول الله تبارك وتعالى عنهم: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} . وقال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ
مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} ففي هذه الآيات وغيرها الدليل الصريح على أن كفار قريش مقرون بتوحيد الربوبية، ولكن هذا الإقرار بهذا النوع من التوحيد لم يدخلهم في الإسلام، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} . وروى ابن جرير13/77 عن مجاهد أنه قال: إيمانهم قولهم الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا, فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره. ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من كفار قريش الإقرار بأن الله موجود وهو الخالق الرازق المدبر.... لاستجابوا له وأذعنوا لقوله. ولكن الخطب أعظم من ذلك، فعندما قال لهم صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله- أي لا معبود بحق إلا الله- كان جوابهم كما حكى الله عنهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد منهم الإقرار بهذا النوع من التوحيد لما استحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ لأنهم مقرون بذلك مستيقنة به قلوبهم. وهذا فرعون الذي يتظاهر بإنكار الخالق جل جلاله- يتيقن وجود الله في قرارة قلبه كما قال له موسى عليه السلام: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} الآية. وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} الآية. وهذا الأصل واضح ولله الحمد والمنة وضوح الشمس في نحر الظهيرة، قد قرره الله سبحانه في كتابه, وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سلوكه وخطابه، فلا يخفى بعد ذلك إلا على من أراد الله لهم الشقاوة والخسران. والمقصود أن الرسل إنما بعثوا لأجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور بعبادة الله وحده لا شريك له وترك جميع ما يعبد من دونه, وهذا هو توحيد الإلهية.
روى الإمام أحمد وغيره بسند حسن عن عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده ... " الحديث. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذا الأصل العظيم, والركن القويم، ويغرسه في نفوس أصحابه ويربيهم عليه، ويحمي حماه، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، والمحل الأسنى، فقام أصحابه من بعده بأعباء الدعوة إلى هذا الأصل العظيم حق القيام، وتحملوا في سبيله جميع المصاعب والأسقام، وألقوا إلى تابعيهم ما تلقوه عن مشكاة الأنام- صلى الله عليه وسلم- ثم سار التابعون لهم بإحسان على هذا المنهج القويم، والصراط المستقيم، وهكذا أتباع التابعين، إلى أن أذن الله جل جلاله بإخراج أقوام اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، فحرفوا كلام الله سبحانه عن مواضعه، وتركوا العمل بمحكمه، واتبعوا متشابهه، فضلوا وأضلوا عن الله وعن طريقه، واتبعوا الشيطان وما يمليه من تحريفه وتضليله، حتى أوشك عرش الإسلام بالحبوط، وقارب الانهيار والهبوط- لولا أن الله تعالى وفق رجالا للدفاع عن سبيله والذب عن حياضه وطريقه- لكان ذلك مشاهدا بالعيان، ومدونا في إخبار الزمان. ولكن الله جل وعلا تكفل لهذه الأمة بحفظ دينها وكتابها وذلك ببقاء طائفة منهم على الحق ظاهرين منصورين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك (1) ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (2) . ونحن نستبشر بهذين الأثرين أيما استبشار, لما فيهما من تسلية الغرباء في كافة القرى والأمصار، وما زال الناس يرون تصديق هذين الخبرين بالأبصار، فكلما طمست معالم هذا الدين بظهور الفجار، وهدمت مساجده بقتل رجاله الأبرار، ونكست أعلامه في جميع الأقطار، انتدب الله من عباده فارسا مغوارا،
وهب نفسه وماله وعرضه في سبيل العزيز الغفار، فيحيي به الله الأرض بعد موتها، ويوقظ به القلوب بعد رقدتها، ويجول عن الأعين غشاوتها. وإن من هؤلاء الفرسان الأعلام شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بلا حساب ولا عقاب، خرج في زمان نعته الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن عليه الرحمة والرضوان فقال: كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن, وشب الصغير، وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة، غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين, وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ومن البحر الأجاج شاربون، وبه راضون, وإليه مدى الأزمان داعون، قد أعشتهم العوائد والمألوفات، وحبستهم الشهوات والإرادات، عن الارتفاع إلى طلب الهدى من النصوص المحكمات، والآيات البينات، يحتجون بما رووه من الآثار الموضوعات، والحكايات المختلفة والمنامات، كما يفعله أهل الجاهلية وغبر الفترات، وكثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والسادات، ويتبركون بالآثار والقبور في جميع الآفات. {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} . (فلما تفاقم هذا الخطب وعظم، وتلاطم موج الكفر والشرك في هذه الأمة وجسم، واندرست الرسالة المحمدية، وانحمت منها المعالم في جميع البرية، وطمست الآثار السلفية، وأقيمت البدع الرفضية، والأمور الشركية. تجرد الشيخ للدعوة إلى الله ورد هذا الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح والإحسان، وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار والعيون والمغار، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال، وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار، فجادل في الله وقرر حججه وبيناته، وبذل نفسه لله وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عما جاءت به الرسل المعرضين عنه التاركين له، وصنف في الرد على من عاند وجادل, وما حل حتى ظهر الإسلام في الأرض، وانتشر في البلاد والعباد, وعلت كلمة الله، وظهر دينه، وانقمع أهل الشرك والفساد، واستبان لذوي الألباب والعلوم من دين الإسلام ما هو مقرر معلوم) انتهى كلامه (1) . فأثمرت دعوة الشيخ في بلاد نجد وما جاورها من البلدان إثمارا ملموسا، وانتشرت في تلك القطاع انتشارا محسوسا، وانتفع بها كافة الناس من حاضر وباد، إلا من استهوته الشياطين فسلك طريق العناد، وأقبل عليها العلماء العالمون بالله وبما أعده للعباد، فمدحوا تلك الدعوة نظما ونثرا على رؤوس الأشهاد، وما زالت هذه البلاد تنعم في ظل هذه الدعوة المباركة إلى ما بعد النصف الأخير من القرن السابق وبعد هذا التاريخ – تقريبا- انقضت علينا المذاهب الهدامة المذمومة، والأفكار الشيطانية المسمومة، وذلك بتخطيط
رهيب، وتدبير مريب، من قبل أعداء هذا الدين الصليب، فوصلوا إلى ما أرادوا وأملوا، واستطاعوا الخلوص إلى قلوب الشباب فأفسدوا، ونتج عن ذلك انتشار الأوباء الخطيرة، والأمراض الفاتكة المريبة، وأصبح أهل هذا الزمان كما قال ابن عقيل الحنبلي عن أهل زمانه: من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق، وذم الزمن وأهله، وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام، وتشعب الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضى الأعمار في الفارغ الذي لا يجدي، والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على ما فرط من عمره، ولا آسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان, وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ من الدنيا، وينوحون على الدنيا انتهى. فلما وصل الحد بأهل زماننا إلى ما ذكره وأعظم، واشتدت بينهم غربة هذا الدين الأقوم، أحببت أن أشارك إخواني الدعاة في سعيهم إلى الإصلاح. فنظرت في هذا المجتمع، فإذا أضعف جانب فيه جانب التوحيد، ولو استقاموا عليه حق الاستقامة، لكانت لهم من الله الرفعة والمكانة. فعند ذلك تطفلت مع قصر الباع, وقلة البضاعة، على ما كتبه علماؤنا الكرام، وهداة الأنام- علماء نجد الأعلام من رسائل وكتب مفيدة، تعنى بجانب التوحيد والعقيدة، فوثقت نصوصها، وخرجت أحاديثها بقدر الاستطاعة، وكان الباعث لي على هذا العمل أمور منها: الأول: إعراض كثير من الناس عن تعلم التوحيد، واشتغالهم عنه بما لا يجدي ويفيد، مع أنه أشرف العلوم على الإطلاق، إذ به معرفة ربنا الخلاق. الثاني: انتشار أهل الشرك والضلال، ونشاطهم في بث السموم والأغلال، مستغلين فتور أهل التوحيد والإيمان، عن الدعوة إلى صراط الرحمن. الثالث: إن ما كتبه وسطره علماء نجد الأعلام، لم يجد من الباحثين مزيد
اهتمام، وإنما اتجهت أنظار الباحثين إلى إخراج كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب- ولاشك أن فيها شفاء العليل وإرواء الغليل- ولكن لو أخرج معها كتب ورسائل تلاميذه وتلامذتهم لكان ذلك نورا على نور, لذا فإني لا أخرج في هذه السلسلة من كتب الشيخ شيئا، وإنما أعتني بكتب ورسائل علماء نجد التي طبعت منذ عشرات السنين، وأصبحت اليوم كنزا دفينا، فأنتقي منها ما تمس إليه حاجة العصر، وينتفع به أبناء كل مصر. وقد وقع الاختيار على أول رسالة نستفتح بها هذه السلسلة المباركة رسالة للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين اسمها (دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث) (1) وهي على صغر حجمها قد احتوت على فوائد عظيمة، ودرر ثمينة، يشاهدها القارئ اللبيب حين قراءته لها. وفي آخر هذه المقدمة أودُّ أن أشكر فضيلة الشيخ سعد بن عبد الله الحميّد على ما قدمه له من ملاحظات نفيسة استفدت منها خلال هذه الرسالة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. الرياض في 15/9/1405هـ حرره الفقير إلى ربه القدير عبد السلام بن برجس بن ناصر العبد الكريم غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين
عملي في هذه الرسالة: أولا: الأحاديث التي بنى المؤلف رسالته عليها توسعت في تخريجها نوعا ما. ثانيا: إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني لا أتوسع في تخريجه وجمع طرقه، وإن فعلت فلا التزم الكلام عليها من حيث صحتها وضعفها وذلك لأمرين: أحدهما: أن أصلها في الصحيحين أو أحدهما وهذا كاف في صحة الحديث وثبوته. الأمر الآخر: خشية الإطالة والإسهاب التي تورث الملل لقارئ الكتاب. ثالثا: إذا استفدت من أي عالم كان أي فائدة ولو صغرت فإني أبينها بذكر موضعها في كتبه وذلك قياما بالأمانة العلمية. هذا ما يتعلق بالحديث وتخريجه- أما بالنسبة للأصل الذي اعتمدت عليه في توثيق نص هذه الرسالة. فقد اعتمدت على أصلين: أحدهما: نسخة خطية كتبت سنة 1345هجرية بقلم عبد الله بن إبراهيم الربيعي- وهي نسخة حسنة الخط تقع في ضمن مجموع رسائل رقم (3422/1) في مكتبة جامعة الملك سعود المركزية. الأصل الثاني: النسخة المطبوعة سنة 1349 هجرية في مطبعة المنار بمصر ضمن (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) . وقد بينت مواضع الاختلاف بين النسختين في الحاشية- وما رأيته صوابا أثبته في الأصل.
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف (1) رحمه الله تعالى 1 - نسبه ومولده ونشأته: هو العالم الجليل المدقق الشيخ الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سلطان بن خميس الملقب كآبائه أبا بطين بضم الباء وفتح الطاء وهم من آل المغيرة من عائذ بطن من (عبدة) القحطانية ولد هذا العالم في روضة سدير في 20 من ذي القعدة سنة أربع وتسعين ومائة وألف من الهجرة في بيت علم وشرف ودين فرباه أبوه أحسن تربية فقرأ القرآن وحفظه عن ظهر قلب وهو يافع. 2 - طلبه للعلم ومشايخه: وشرع في طلب العلم في سن مبكرة، فقرأ على أبيه- وكان عالما جليلا من تلامذة الشيخ أحمد البسام- ولازم أباه ليله ونهاره وقرأ على محمد بن الحاج عبد الله بن طرد الحنبلي الدوسري لازمهما في الأصول والفروع والحديث، ثم سافر إلى شقراء فاستوطنها سكنا له ولازم علماءها، ومن أبرزهم العلامة الشيخ عبد العزيز بن حصين التميمي لازمه سنين في الأصول والفروع والحديث والتفسير وهو أكثر مشايخه نفعا له. كما قرأ على الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد العفالقي الأحسائي ثم المدني كما قرأ على العلامة الشيخ حمد بن معمر مؤلف الفواكه العذاب ولازمهما في الأصول والفروع والحديث. وفي العربية قرأ على أحمد العفالقي المتقدم وعلى حسين الجفري وأجازه بسند متصل بالحديث. وقرأ
في الدرعية على علمائها ومن أبرزهم عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجد في الطلب وثابر عليه، وكان مكبا على المطالعة حتى نبغ في فنون عديدة فصار مضربا للأمثال، ومن أوعية العلم والحفظ والفهم. 3 – تلامذته: وقف المترجم له نفسه لنفع الخلق إفتاء وتدريسا فنفع الله به الأمة وتخرج عليه علماء وأئمة من أبرزهم محمد بن عبد الله بن حميد مؤلف السحب الوابلة وعثمان بن بشر مؤلف عنوان المجد وغيره وأحمد بن إبراهيم بن عيسى صاحب شرح نونية ابن القيم وتهديم المباني في الرد على النبهاني وغيرهما من المؤلفات النفيسة، وأبوه الشيخ إبراهيم بن حمد بن عيسى وصالح بن عيسى, وكان يستنيبه أحيانا على إمامة وخطابة الجمعة ومحمد بن عمر بن سليم وسليمان بن مقبل من قضاة بريدة , وعلي بن محمد الراشد قاضي عنيزة، وخلق كثير لا يحصيهم إلا الله. ومن عرف أن هؤلاء تلاميذه عرف منزلة الشيخ وقدره وقيمته. 4 – أعماله: عينه الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيا على الطائف وملحقاته عام 1220هـ وظل قاضيا فيها سنتين. قال ابن بشر 1/235: ولاه الإمام تركي قضاء الوشم ثم قاضيا في سدير مع الوشم وملحقاتها, فكان يقيم بعض الزمن بسدير وبعضه بالوشم ا. هـ. وقال القاضي في الروضة1/332: في عام 1248هـ عينه الإمام تركي قاضيا في عنيزة وفي عام 1250هـ بعد وفاة تركي عاد إلى الوشم وجلس للطلبة في شقراء. وانتهى الإفتاء والتدريس إليه فيها. وقال ابن بشر2/69: وفي سنة إحدى وخمسين ومائتين بعد الألف طلب رؤساء القصيم من الإمام فيصل أن يبعث إليهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين قاضيا في بلدانهم, ومدرسا لطلبة العلم في أوطانهم. وفي عام 1270غضب الشيخ على أهل عنيزة لقيامهم على أميرهم جلوى بن تركي فخرج
متوجها إلى بريدة قاله ابن عيسى. قال: وفي هذه السنة رجع من عنيزة وبريدة إلى شقراء ا. هـ. 5 – صفاته: كان آية في العدالة والنزاهة مسددا في أقضيته, وكان يبت في القضية واشتهر بفراسته التي لا تخطيء، وكان حازما في شؤونه إماما في كل العلوم كما قال ابن بشر: دمث الأخلاق مهيبا قليل الكلام لا يحب الشهرة وقورا له حزب من الليل لا يتركه كثير التلاوة حسن الخط مستقيما في دينه وخلقه سخيا يضرب به المثل بالكرم يصدع بكلمة الحق لا يخاف في الله لومة لائم. وكان ربعة من الرجال طلق الوجه أسمر اللون متوسط الشعر حسن الصوت. 6 – مؤلفاته: ألف مؤلفات كثيرة مفيدة منها مختصر بدائع الفوائد ومختصر إغاثة اللهفان. وله حاشية على الزاد وشرح المنتهى وكتابان رد بهما على الملحد داود بن جرجيس هما الانتصار وتأسيس التقديس في الرد على ابن جرجيس. وله فتاوى ورسائل لو جمعت لجاءت أسفارا وله رسالة في تجويد القرآن. 7 – وفاته: توالت عليه الأمراض وأرهقته الشيخوخة، فوافته المنية مأسوفا على فقده في 7 من شهر جمادى الأولى من عام 1282هـ وحزن الناس لفقده وصُليَ عليه في جوامع نجد ورثي بمراثي عديدة. فرحمه الله ورضي عنه.
صيغة الشبهة التي يوردها بعض أهل الأهواء
صيغة الشبهة التي يوردها بعض أهل الأهواء الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن مفتي الديار النجدية المعروف بأبا بطين عليه الرحمة والرضوان. أما بعد: فقد طلب مني بعض الإخوان أن أكتب له جوابا عما يورده بعض الناس من قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" (1) .
(ويستدل به على استحالة وقوع شيء من الشرك في جزيرة العرب) (1) والحديث المروي "يا عباد الله احبسو"
وعما يورده بعضهم من قوله لأسامة: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله" (1) , وقوله:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (2) ويستدل بذلك
الجواب عن حديث (إن الشيطان يئس ... )
الجواب عن حديث (إن الشيطان يئس ... ) ... على أن من قال لا إله إلا الله لا يجوز قتاله ولا قتله. فالجواب: أما قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يئس أن يعبده
المصلون في جزيرة العرب" فيقال: أولا: من المعلوم بالضرورة أن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى التوحيد – وهو توحيد الألوهية- وينهى عن الشرك وهو عبادة غير الله. وأما الشرك بالربوبية فمن المعلوم بنصوص الكتاب أن المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم يقرون بتوحيد الربوبية وأن شركهم هو في توحيد العبادة, وهو توحيد الألوهية الذي هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله , فعبدوا من عبدوه من دون الله ليشفعوا لهم عنده في نصرهم ورزقهم وغير ذلك كما قال تعالى أخبارا عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر3] ، {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} [يونس:18] فبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن هذا الشرك ويدعوهم إلى توحيد العبادة وهذه دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، وهذا الأصل هو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] . فإذا تبين أن هذا هو أصل الأصول, علمنا يقينا أن الله سبحانه لا يترك هذا الأمر ملتبسا بل لابد أن يكون بينا واضحا لا لبس فيه ولا اشتباه؛ لأنه أصل الدين، ومعرفته فرض على كل مسلم مكلف ولا يجوز فيه التقليد. وحقيقة ذلك أن الشرك هو عبادة غير الله تعالى. والعبادة هي الطاعة بفعل ما أمر الله به ورسوله من واجب ومندوب، فمن أخلص ذلك لله فهو الموحد، ومن جعل شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك. قال تعالى:
{وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء:36] أي في العبادة. وقال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} الآية [الكهف:110] . فإذا علم الإنسان حقيقة الشرك عرف يقينا أن الشرك وقع في الجزيرة كثيرا عند مشاهد وقبور يمنا وحجازا, من دعاء الأموات والغائبين، والاستغاثة بهم وسؤال الحاجات، وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، وكذلك الذبح للجن والاستغاثة بهم. وهذا أمر معلوم بالتواتر عند من شاهد ذلك، فإذا تحقق الإنسان ذلك علم أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" ليس فيه معارضة لهذا الأصل العظيم الذي هو أصل الأصول، وليس فيه دلالة على استحالة وجود الشرك في أرض جزيرة (1) العرب. فمن استدل بهذا الحديث على استحالة وجود الشرك في أرض العرب يقال له بين لنا الشرك الذي حرمه الله وأخبر أنه لا يغفره، فإن فسره بالشرك في توحيد الربوبية، فنصوص القرآن تبطل قوله؛ لأنه سبحانه أخبر عن المشركين أنهم يقرون بتوحيد الربوبية كما في قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] والآيات في ذلك كثيرة. وإن فسر الشرك ببعض أنواع العبادة دون بعض, فهو مكابر ويخاف على مثله أن يكون من الذين في قلوبهم زيغ، يتركون المحكم ويتبعون المتشابه, مع أنه ليس في الحديث حجة لهم ولا شبهة, وإنما معنى الحديث: أنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر.
قال ابن رجب على الحديث: المراد أنه يئس أن تجتمع الأمة كلها على الشرك الأكبر. وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} [المائدة: 3] قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني يئسوا أن تراجعوا دينهم (1) – وكذا قال عطاء والسدي ومقاتل- قال: وعلى هذا يرد الحديث الصحيح: " إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" (2) .ا. هـ. فأشار إلى أن (3) معنى الحديث يوافق لمعنى الآية، وإن معنى الحديث أنه يئس أن يرجع المسلمون عن دينهم إلى الكفر. قال غير واحد من المفسرين: إن المشركين كانوا يطمعون في عودة المسلمين إلى دينهم. فلما قوي الإسلام وانتشر يئسوا من رجوعهم عن الإسلام إلى الكفر، وهذا معنى إياس الشيطان لما رأى من ظهور الإسلام وانتشاره وتمكنه من القلوب ورسوخه فيها، وعلى هذا فلا يدل الحديث: أن الشيطان يئس من وجود شرك في جزيرة العرب أبد الآبدين. ويدل لما ذكرنا ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رنّ إبليس رنّة اجتمع إليه جنوده فقال: ايئسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم فافشوا فيهم النوح (4) .
وأيضا ففي الحديث نسبة اليأس (1) إلى الشيطان مبنيا للفاعل لم يقل (أيس) بالبناء للمفعول، ولو قدر أنه يئس (2) من عبادته في أرض العرب إياسا مستمرا فإنما ذلك ظن منه وتخمين، لا عن علم لأنه لا يعلم الغيب، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن:26] فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب، وقد قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان:34] أي من خير وشر, وهذا من مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا
الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله" (1) . وكانت الشياطين والجن (2) في زمن سليمان بن داود عليهما السلام يدعون علم الغيب فلما مات سليمان لم يعلموا بموته إلا بعد سنة (3) وهم في تلك السنة دائبون في
التسخير والأعمال الشاقة، فلما علموا بموته تبين لهم أنهم لا يعلمون الغيب، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (1) فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14] . ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبر: "أنه يجاء برجال من أمته يوم القيامة فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار فيقول: أصحابي أصحابي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" (2) . فكيف يقال إن الشيطان يعلم ما تستمر عليه الأمة
من خير وشر وكفر وإسلام، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله، ومن يطلعه عليه من رسله. فتبين بما ذكرنا أنه لا دلالة في الحديث على استحالة وقوع الشرك في جزيرة العرب. ويوضح ذلك أن أكثر العرب ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان، وكثير صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره، ومن أطاع الشيطان في نوع من أنواع الكفر فقد عبده، لا تختص عبادة الشيطان بنوع (1) من الشرك لقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية [يس:60] أي لا تطيعوه، فعبادته طاعته. يوضح ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31] إنه (1) طاعتهم في التحريم والتحليل (2) فسمى ذلك الله شركا
وعبادتهم منهم للأحبار والرهبان. وأيضا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى" (1) ، وقال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" (2) ، وهو صنم كان لهم في الجاهلية بعث النبي
صلى الله عليه وسلم لهدمه (1) جرير بن عبد الله (2) . فتبين أن عبادة الشيطان وجدت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب، وتوجد إلى (3) آخر الزمان بهذه النصوص الثابتة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قال: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن" (4) . وقال: "لتأخذن (5) هذه الأمة مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع" قالوا يا رسول الله: فارس والروم؟ قال: "ومن الناس إلا أولئك" (6) . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تفعل كما فعلت
الأمم قبلها: اليهود والنصارى وفارس والروم, وأن هذه الأمة لا تقصر عما فعلته الأمم قبلها، وقال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" (1) . نسأل الله أن يجعلنا منهم بفضله ورحمته وكرمه (2) .
فصل في الجواب عن الحديث (ياعباد الله احبسوا) وبيان ضعفه
فصل في الجواب عن الحديث (ياعباد الله احبسوا) وبيان ضعفه "فصل" (1) وأما الجواب عن الحديث المروي فيمن انفلتت دابته في السفر (2) أن يقول: "يا عباد الله احبسوا" (3) فأجيب بأنه غير صحيح؛ لأنه من رواية معروف بن حسان وهو منكر الحديث قاله بن عدي. ومن المعلوم - إن كان صحيحا- أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر من انفلتت دابته أن يطلب ردها وينادي من لا يسمعه وله قدرة على ذلك، كما ينادي الإنسان أصحابه الذين معه في سفره ليردوا دابته. وهذا (4) يدل -إن صح- على أن لله جنودا يسمعون ويقدرون {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] وروى زيادة لفظة في الحديث: "فإن (5) لله حاضرا" (6) ، فهذا صريح في أنه إنما ينادي حاضرا يسمع، فكيف يستدل بذلك على جواز الاستغاثة بأهل القبور والغائبين.
فمن استدل بهذا الحديث على دعاء الأموات لزمه أن يقول: إن دعاء الأموات ونحوهم، إما مستحب أو مباح؛ لأن لفظ الحديث "فليناد" وهذا أمر أقل أحواله الاستحباب أو الإباحة. ومن ادعى أن الاستغاثة بالأموات والغائبين مستحب أو مباح فقد مرق من الإسلام. فإذا تحققت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر من انفلتت دابته أن ينادي من لا يسمعه ولا قدرة له على ذلك، وكما دل عليه قوله: " فإن لله (1) حاضرا" تبين لك ضلال من استدل به على دعاء الغائبين والأموات الذين لا يسمعون ولا ينفعون، وهل هذا إلا مضادة لقوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106] {وَ (2) الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِ ير إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:13-14] وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:5] ، وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء} [الرعد:14] . فهذه الآيات وأضعافها نص في تضليل من دعا من لا يسمع دعاءه ولا قدرة له على نفعه ولا ضره, ولو قدر سماعه فإنه عاجز. فكيف تترك نصوص القرآن الواضحة وترد بقوله: "يا عباد الله احبسوا" مع أنه ليس في ذلك معارضة لما دل عليه القرآن ولا شبهة معارضة ولله الحمد.
فصل في قتال من قال (لا إله إلا الله) إذا أتى بما يناقضها
فصل في قتال من قال (لا إله إلا الله) إذا أتى بما يناقضها "فصل" (1) وأما من ادعى أن من قال لا إله إلا الله فإنه لا يجوز قتله ولا قتال الطائفة الممتنعة إذا قالوا هذه الكلمة وإن فعلوا أي ذنب، فهذا قول مخالف للكتاب والسنة والإجماع، ولو طرد هذا القائل أصله لكان كافرا بلا شك. أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَاقْتُلُواْ (2) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} إلى قوله: {فَإِن تَابُواْ} أي عن الشرك (3) {وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] فجعل قتالهم ممدودا إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، بعد الإتيان بالتوحيد. وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي شرك (4) {وَيَ كُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال:39] . وأما السنة فكثيرة جدا (منها) ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (5) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم استُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب، فقال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" فقالأبو بكر: " لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، فوالله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه" فقال عمر:"فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" (1) . فقد جعل الصديق رضي الله عنه المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب. قال النووي في شرح مسلم (باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من أتى بلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله, وقتال مانع الزكاة وغيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشرائع (2) الإسلام) ثم ساق الحديث- ثم قال: قال الخطابي في شرح هذا الحديث كلاما حسنا لا بد من ذكره لما فيه من الفوائد: قال: رحمه الله: مما يجب تقديمه أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة وعادوا لكفرهم، وهم الذين عنى أبو هريرة بقوله:" وكفر من كفر من العرب". والصنف الثاني (3) : فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام. وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين من
يكاد يسمح بالزكاة لا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك، كبني يربوع، فإنهم جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم (1) ، وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف، ووقعت الشبهة عند عمر رضي الله عنه، فراجع أبا بكر وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله"، وكان هذا من عمر تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطهن فقال له أبو بكر: "الزكاة حق المال" يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء شرائطها. والحلق المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم. ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها. وكان في ذلك من قوله دليل على قتال الممتنع من الصلاة وإن (2) كان إجماعا من الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه. فلما استقر عندهم رأي أبي بكر رضي الله عنه وبان لعمر صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: " فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق" يريد انشراح صدره بالحجة التي أدلى، والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة, انتهى. وقال النووي أيضا: قال الخطابي –ويبين لك أن حديث أبي هريرة مختصر – أن عبد الله بن عمر وأنسا روياه بزيادة لم يذكرها أبو هريرة. ففي حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (3) .
وفي رواية أنس: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماءهم إلا بحقها، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" (1) .انتهى. قلت (2) : وقد ثبت في الطريق الثالث المذكور في الكتاب من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي الله عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حفظه ابن عمر وأنس وأبو هريرة رضي الله عنهم (3) . وكأن (4) هؤلاء الثلاثة سمعوا هذه الزيادة في روايتهم في مجلس آخر، فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث، فإن الزيادة حجة عليه، ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها, ولما كان احتج بالقياس والعموم والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله. وقال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" قال الخطابي:" معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف. قال: ومعنى"حسابهم على الله" أي فيما يسرونه ويخفونه، ففيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء، وذلك مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل. ويحكي ذلك عن أحمد بن حنبل (5) . هذا كلام الخطابي.
وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه ووضحه (1) فقال: اختصاص عصمة المال والنفس لمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان وأن المراد مشركوا العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم أول من دعي إلى الإسلام وقوتل. فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده فلذلك جاء في الحديث الآخر: "أني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" وهذا كلام القاضي. قلت: ولابد من الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية الأخرى عن أبي هريرة: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, ويؤمنوا بي وبما جئت به". انتهى كلام النووي. ولازم قول من قال: إنه لا يجوز قتال من قال لا إله إلا الله تخطئة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم مانعي الزكاة، وإجماعهم على قتال من لا يصلي، إذا كانوا طائفة ممتنعين (2) .
بل يلزم من ذلك تخطئة جميع الصحابة في قتالهم بني حنيفة (1) ، وتخطئة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال الخوارج (2) . بل لازم ذلك رد النصوص, بل رد نصوص القرآن كما قدمنا، ورد نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تحصى. ويلزم صاحب هذه المقالة الفاسدة أنه لا يجوز قتال اليهود؛ لأنهم يقولون لا إله إلا الله. فتبين بما قررناه أن صاحب هذا القول مخالف للكتاب والسنة والإجماع. ونذكر بعض ما أطلعنا عليه من كلام فقهاء المذاهب: قال الشيخ علي الأجهوري المالكي: من ترك فرضا أخره لبقاء ركعة بسجدتيها من غير الضرورة (3) ، قتل بالسيف حدا على المشهور. وقال ابن حبيب وجماعة ظاهر (4) المذهب كفره (5) واختاره ابن عبد السلام. وقال: في فضل الأذان معنيان: (أحدهما) إظهار الشعائر والتعريف بأن الدار دار إسلام، وهو فرض كفاية يقاتل أهل القرية حتى يفعلوه إن عجز عن قهرهم على أقامته إلا بقتال. (الثاني) الدعاء إلى الصلاة والإعلام بوقتها. وقال الأبي في شرح مسلم: والمشهور أن الأذان فرض كفاية على أهل
المصر؛ لأنه شعار الإسلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع أذانا أغار وإلا أمسك (1) . وقول المصنف: يقاتلون عليه- ليس القتال عليه من خصائص القول بالوجوب؛ لأنه نص عن عياض في قول المصنف- والوتر غير واجب- لأنهم اختلفوا في التمالؤ (2) على ترك السنن، هل يقاتلون عليها. والصحيح قتالهم وإكراههم؛ لأن في التمالؤ (2) على تركها إماتتها ا. هـ. وقال في فضل صلاة الجماعة: مستحبة للرجل في نفسه، فرض كفاية في الجملة يعني على أهل (3) المصر (4) ، قال ولو تركوها قوتلوا كما تقدم ا. هـ. وقال الشيخ أحمد بن حمدان الأدرعي الشافعي – في كتاب قوة المحتاج في شرح المنهاج: من ترك الصلاة جاحدا وجوبها كفر بالإجماع، وذلك جار في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإن تركها كسلا قتل حدا على الصحيح والمشهور. أما قتله فلأن الله قال: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} ثم قال: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:
5] فدل على أن القتل لا يرفع إلا بالإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ولما في الصحيحين: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" إلى أن قال في الروضة: تارك الصلاة يقتل على الصحيح، وجزم به الشيخ أبو حامد. وفي البيان: لو صلى عريانا مع القدرة على السترة أو صلى الفريضة قاعدا بلا عذر- قتل- إلى أن قال: والصحيح قتله بصلاة واحدة بشرط إخراجها عن وقت الضرورة. وقال ابن حجر الهيتمي في التحفة (في باب حكم تارك الصلاة) : إن ترك الصلاة جاحدا وجوبها كفر بالإجماع, أو تركها كسلا مع اعتقاد وجوبها قتل للآية: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] وحديث: "أمرت أن أقاتل الناس ... " الحديث فإنهما شرطا في الكف عن القتل والمقاتلة: الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. لكن الزكاة يمكن الإمام أخذها ولو بالمقاتلة ممن امتنعوا وقاتلوا، فكانت فيها على حقيقتها بخلافها في الصلاة؛ إنه لا يمكن فعلها بالمقاتلة، فكانت فيها بمعنى القتل ا. هـ. وأما كلام الحنابلة فصرحوا بأن أهل البلد إذا تركوا الأذان والإقامة قوتلوا. أي قاتلهم الإمام أو نائبه حتى يفعلوها. وكذا قالوا في صلاة الجماعة يقاتل تاركها وكذا قالوا في صلاة العيد يقاتل أهل بلد تركوها، وكذا قالوا في قتال مانعي الزكاة, وإن الواحد إذا امتنع من أداء الزكاة ولم يمكن أخذها منه قهرا قتل بعد الاستتابة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا
شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة, وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة. وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة (1) مع قوله: " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم" (2) فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع
عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة ممتنعة امتنعت من بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها. فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة إذا أصروا على بعض ترك السنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة عند من لا يقول بوجوبهما ونحو ذلك من الشعائر فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا. فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها. ا. هـ. وأيضا فالمقصود من لا إله إلا الله البراءة من الشرك وعبادة غير الله تعالى ومشركوا العرب يعرفون المراد منها؛ لأنهم أهل اللسان، فإذا قال أحدهم: لا إله إلا الله فقد تبرأ من الشرك وعبادة غير الله تعالى، فلو قال لا إله إلا الله وهو مصر على عبادة غير الله لم تعصمه هذه الكلمة لقوله سبحانه وتعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} أي شرك {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [الأنفال:39] وقوله: {فَاقْتُلُواْ (1) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له" (2) , وهذا معنى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ
تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ} أي الطاعة {لِلّهِ} [البقرة:193] وهذا معنى لا إله إلا الله (1) . نسأل الله أن يجعلها آخر كلامنا ويتوفانا مسلمين برحمته فهو أرحم الراحمين. وصلى الله على سيدنا (2) ونبينا محمد وعلى (3) آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. تمت هذه النسخة الشريفة المحتوية على الألفاظ المنيفة اللطيفة أسكن الله تعالى مؤلفها الغرف العالية الرفيعة آمين. وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا (4) . وجد بآخر النسخة الخطية ما نصه: (تم نسخ هذه الأوراق في 24 رمضان سنة 1345 بقلم كاتبها لنفسه عبد الله بن إبراهيم الربيعي) . تم بحمد الله وتوفيقه ما أردت تعليقه على هذه الرسالة النفيسة. وكان الفراغ من ذلك قبيل صلاة العصر من اليوم الثاني عشر من شهر شوال المبارك من شهور سنة خمس وأربعمائة بعد الألف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتدوم , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه. قال ذلك كاتبه الفقير إلى ربه عبد السلام بن برجس العبد الكريم.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... أهم المراجع اسم الكتاب المؤلف الطبعة وتاريخها 1 – تفسير الطبري: لمحمد بن جرير الطبري، ط. الحلبي،مصر-1388. 2 - تفسير ابن كثير: لأبي الفداء ابن كثير، ط. الاستقامة، مصر1376. 3 – تفسير البغوي: للحسين بن مسعود الفراء، ط. المنار، مصر 1346. 4 – الدر المنثور: للسيوطي. ط. دار الفكر , لبنان – 1403. 5 – فتح الباري: شرح صحيح البخار: للحافظ ابن حجر, ط. السلفية , مصر- 1380. 6 – صحيح مسلم: لمسلم بن الحجاج، ط. الحلبي، مصر – 1374. 7 – شرح النووي على صحيح مسلم: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ط. المصرية. مصر–1349. 8 – مسند الإمام أحمد: لأحمد بن محمد بن حنبل، ط. المكتب الإسلامي، بيروت- 1398. 9 – سنن أبي داود: لسليمان بن الأشعث تحقيق الدعاس والسيد, ط. دار الحديث , حمص – 1388. 10 – سنن الترمذي: لمحمد بن عيسى- تحقيق أحمد شاكر، ط. الحلبي، مصر- 1397. 11 – سنن النسائي: لأحمد بن شعيب، ط. المصرية، مصر- 1348. 12- سنن ابن ماجة: لمحمد بن يزيد تحقيق محمد فؤاد , ط. الحلبي , مصر. 13 – سنن البيهقي: لأحمد بن الحسين، ط. المعارف العثمانية، حيدر آباد- 1355. 14 – سنن الدارقطني: لعلي بن عمر تحقيق الهاشمي ط. دار المحاسن، مصر – 1386. 15 – سنن الدارمي: لعبد الله بن عبد الرحمن- تحقيق الهاشمي. دار المحاسن، مصر- 1386. 16 – المستدرك للحاكم: لمحمد بن عبد الله، ط. مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب. 17- مسند أبي عوانة: ليعقوب بن إسحاق، ط. المعارف العثمانية – 1362.
18 – ذكر أخبار أصفهان: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله، ط. بريل-1934م. 19 – ترتيب مسند الطيالسي: للساعاتي، ط. المكتبة الإسلامية، بيروت- 1400. 20 – المعجم الكبير: للطبراني- تحقيق السلفي، ط. بغداد –1398. 21 – مسند الشاميين: للطبراني، مخطوط. 22- مجمع الزوائد: للهيثمي، ط. دار الكتاب العربي- 1402. 23 – شرح السنة: للبغوي- تحقيق الأرناؤوط، ط. المكتب الإسلامي-1398. 24 – السنة: لابن أبي عاصم- تحقيق الألباني، ط. المكتب الإسلامي-1400. 25 - كشف الأستار: للهيثمي- تحقيق الأعظمي، ط. الرسالة – 1399. 26 – تحفة الأشراف: للمزي- تحقيق شرف الدين, ط. وزارة المعارف الهندية- 1397. 27 – جامع الأصول: لابن الأثير-تحقيق الأرناؤوط، ط. 1390. 28 – فهارس جامع الأصول: للربيبي , ط. المأمون-1400. 29 – المعجم المفهرس لألفاظ الحديث: ترجمة محمد فؤاد، ط. بريل-1965. 30 – مرشد المحتار إلى ما في مسند أحمد من الأحاديث والآثار: لحمدي السلفي، ط. الإرشاد-1981م. 31- تهذيب الكمال: للمزي،. ط. دار المأمون – 1402هـ. 32 – تهذيب التهذيب: للحافظ ابن حجر، ط. المعارف الهندية –1352. 33 – تقريب التهذيب: للحافظ ابن حجر, ط. دار الكتاب العربي، مصر- 1380. 34 – الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم، ط. المعارف العثمانية- 1372. 35 – التاريخ الكبير: للبخاري، ط. المكتبة الإسلامية. 36 – تاريخ بغداد: لأحمد بن علي بن ثابت، ط. دار الكتاب العربي. 37 – تذكرة الحفاظ: للذهبي، ط. المعارف العثمانية- 1375. 38 – ميزان الاعتدال: للذهبي،ط. الحلبي- 1382هـ. 39 – المغني: للذهبي، ط. دار المعارف , حلب- 1391هـ. 40 – ديوان الضعفاء: للذهبي،ط. النهضة – 1387. 41 – المجروحين: لابن حبان، ط. الوعي، حلب- 1396. 42 – جامع التحصيل: للعلائي، ط. بغداد – 1398هـ. 43 – الثقات: لابن حبان، ط. المعارف العثمانية – 1400هـ. 44 – حلية الأولياء: لأبي نعيم، ط. السعادة – 1392هـ.
45 – الكامل في الضعفاء: لابن عدي ,ط. دار الفكر. 46 – الثقات: لابن شاهين، ط. الدار السلفية. 47- الثقات: للعجلي, ط. دار الكتب العربية. 48 – الضعفاء الكبير: للعقيلي، ط. دار الكتب العلمية. 49 – الفتوحات الربانية: لابن علان، ط. إحياء التراث العربي. 50 – سلسلة الأحاديث الضعيفة جزء (2) : للألباني، ط. المكتب الإسلامي. 51 – البداية والنهاية: لابن كثير، ط. الفجالة، مصر. 52 – الإيمان: لشيخ الإسلام، ط. المكتب الإسلامي، بيروت. 53 – الصلاة: لابن القيم, ط. المعارف لاهور، باكستان. 54 - اقتضاء الصراط المستقيم: لابن تيمية، ط. شركة العبيكان بالرياض. 55 – مجموعة الرسائل والمسائل النجدية: لعلماء نجد، ط. المنار، مصر- 1349هـ. 56 – الضياء الشارق: لابن سحمان. الرياض 1375هـ. 57 – المغني: لابن قدامة- القاهرة- 1389. 58 – فتح المغيث: للسخاوي- المكتبة السلفية- 1388. وغيرها والله أعلم.