خمسة أحاديث تخريج ابن بلبان

ابن بلبان، أبو الحسن

جزء فيه خمسة أحاديث عن الأئمة الخمسة

جزء فيه خمسة أحاديث عن الأئمة الخمسة خرجها الحافظ علاء الدين أبو القاسم علي بن بلبان المشرف الناصري من مسموعاته بينه وبينهم فيها خمسة رجال رواية العبد الفقير عبد المؤمن بن عبد الحق بإجازته العامة عنه

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ المتقن علاء الدين أبو القاسم علي بن الأمير الأجل سيف الدين بلبان بن عبد الله المشرف الناصري -رحمه الله-؛ بإجازته العامة في سنة اثنتين وثمانين وستمئة، قال: الحمد لله ذي العزة والبقاء، والعظمة والآلاء، الواسع العطاء، المتعالي المنزه عن الصاحبة والأبناء. أحمده على ما أسبع علينا من النعماء؛ حمداً يوجب المزيد لديه بلا انتهاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادةً أعدها للقاء يوم الجزاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ المبعوث بأوضح الإنشاء، من صميم العرب العرباء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه صلاةً دائمةً بلا انقضاء. وبعد، فإن أفضل العلوم الواردة عن العلماء أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا امتراء. وقد خرج العبد الفقير علي بن بلبان من أصول سماعاته هذه الأحاديث الخمسة عن الأئمة الخمسة النجباء: الإمام أحمد، والبخاري، وأبي داود، والترمذي؛ والنسائي؛ ناقلي الآثار عن خاتم الأنبياء، مما بيني وبين كل واحدٍ منهم خمسة رواة من حيث العدد على الولاء، وهذا العلو الذي رزقناه، لا يعلوه سندٌ في جميع الأقطار والأرجاء. وبدأت بذكر الإمام أبي عبد [الله] أحمد بن محمد بن حنبل ذي الرتبة

العلياء والمحجة البيضاء، الصابر في الله على المحنة والبلاء، ولم يزغ عن الحق حتى

نال عند الله أفضل منازل الشهداء، والراسخين العلماء.

فالله يجعل ذلك خالصاً لوجهه، ويثيبنا بفضله من أجزل الجزاء، فهو المسؤول والمرغوب إليه في الشدة والرخاء.

الحديث الأول

الحديث الأول أخبرنا الشيخ الإمام المؤرخ زين الدين، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف القطيعي -رحمه الله- قراءةً عليه وأنا أسمع بمدينة السلام بغداد، في الحادي عشر من ربيع الآخر سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمئة، قيل له: أخبرك أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني؛ قراءةً عليه وأنت تسمع في شهورٍ سنة إحدى وخمسين وخمسمئة، فأقر به، وقال: نعم، قال: أبنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي؛ قراءةً عليه، وأنا أسمع في شهور سنة سبعين وأربعمئة قال: أبنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن المخلص؛ قراءةً عليه، وأنا أسمع، قال: أبنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي سنة خمس عشرة وثلاثمئة، قثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، قثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة

قال: أخبرني أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالإيمان بالله عز وجل. قال: ((تدرون ما الإيمان بالله عز وجل)) ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم)) . هذا حديث صحيح عالٍ متفقٌ على صحته. * هكذا رواه الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في مسنده المضيء بأنوار المعالم، الشاهد بفضله كل إمامٍ عالمٍ، المشتمل بمعجزه على كل معنىً عجيبٍ، الذي استمد من فضله كل قاصٍ وقريبٍ. أخبرنا عبد الله بن عمر الحريمي؛ إجازةً عن الحافظ أبي الوقت عبد الأول بن عيسى: عن الحافظ أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أبنا أبو

يعقوب الحافظ قال: أبنا أبو بكر بن أبي الفضل المعدل: ثنا محمد بن (إبراهيم) الصرام: ثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي قال: سمعت صالح بن أحمد بن حنبل يذكر نسبة أبيه، قال: هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ثعلبة بن نزار بن معد بن عدنان. * ولد سنة أربع وستين ومئة، في ربيع الأول، وجيء به من مرو حملاً. وبالإسناد إلى الأنصاري قال: أبنا غالب بن علي قال: أبنا محمد بن الحسين، قثنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال: سمعت أبا القاسم بن صدقة

يقول: سمعت علي بن عبد الله الطلحي يقول: قال لي الربيع: قال لي الشافعي: يا ربيع خذ كتابي وامض به، وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فأتيني بالجواب. قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل عند صلاة الصبح. فصليت معه الفجر، فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب، وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا. فكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب، فتغرغرت عيناه بالدموع. فقلت: أيش فيه يا أبا عبد الله؟ فقال: ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، واقرأ عليه مني السلام، وقل له: إنك ستمتحن، وتدعى إلى خلق القرآن، فلا تجبهم يرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة. فخلع إحدى قميصيه الذي يلي جلده، فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب، وسلمته إلى الشافعي. فقال: يا ربيع، أيش الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. فقال لي الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بله وادفع إلي الماء حتى أتبرك به. * أخبرنا علي بن الأنجب بن ما شاء الله البغدادي: عن الإمام العلم الحافظ

جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي قال: حدث علي بن أبي جرادة قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت يوماً: اذهب إلى أحمد ابن حنبل، فاسأله أن يدعو الله لي فسرت إليه، فدققت عليه الباب، وهو في دهليزه. فقلت: أنا رجل من أهل ذاك الجانب، سألتني أمي، وهي زمنة مقعدة؛ أن أسألك أن تدعو الله لها. فسمعت كلامه؛ كلام رجل مغضب، فقال: نحن أحوج إلى أن تدعو الله لنا. فوليت منصرفاً، فخرجت عجوز من داره، فقالت: أنت الذي كلمت أبا عبد الله؟ قلت: نعم. قالت: قد تركته يدعو الله لها. قال: فجئت من فوري إلى البيت، فدققت الباب، فخرجت إلي برجليها حتى فتحت الباب، فقالت: قد وهب الله لي العافية. * ولد الإمام أحمد بن حنبل ببغداد، ونشأ بها، ثم رحل في طلب العلم إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام، والجزيرة. وكتب عن علماء كل بلدٍ. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود. وروى البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن رجل عنه. مات -رحمه الله- يوم الجمعة، لاثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومئتين. قلت: ورواه الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه في عدة مواضع، منها: في كتاب العلم: عن بندار، عن غندر، عن شعبة، وفي خبر الواحد، وفي الإيمان:

عن علي بن الجعد، عن شعبة، وعن إسحاق، عن النضر، عن شعبة، وفي الصلاة: عن قتيبة، عن عباد بن عباد، وفي الزكاة: عن الحجاج بن منهال، عن حماد، وفي مناقب قريش: عن مسدد، عن حماد، وفي الأدب: عن عمران بن ميسرة، عن عبد الوارث، عن أبي التياح، وفي المغازي: عن إسحاق، عن أبي عامر، عن قرة. ورواه مسلم بن الحجاج القشيري في كتابه في الإيمان، والأشربة: عن خلف عن حماد، وعن يحيى بن يحيى، عن عباد. وفي الإيمان وحده: عن أبي موسى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وبندار، عن غندر، عن شعبة، وعن نصر بن علي، عن أبيه، عن قرة، كلهم عن أبي جمرة بهذا.

ورواه أبو داود في الأشربة: عن سليمان بن حرب، ومحمد بن عبيد، عن حماد، وعن مسدد، عن عباد بن عباد، جميعاً عن أبي جمرة. وفي السنة: عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبي جمرة. ورواه الترمذي في السير: عن قتيبة، عن عباد بن عباد المهلبي، وعن قتيبة، عن حماد ابن زيد -مختصراً-. وفي الإيمان: عن قتيبة، عنهما بطوله، وقال: حسن صحيح. ورواه النسائي في الأشربة: عن أبي داود الحراني، عن سهل بن حماد، عن قرة بن خالد، عن أبي جمرة بنحوه. وفي الإيمان: عن قتيبة، عن عباد. وفي العلم: عن بندار، عن غندر، عن شعبة، جميعاً عن أبي جمرة، واسمه نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري. وقع لنا عالياً وموافقةً عاليةً لأبي داود. وباعتبار العدد كأن بيني وبين أبي داود أربعة رواة، وهي من أحسن الموافقات، رواية إمام حافظ، عن إمام حافظ، ولله الحمد والمنة. *

الحديث الثاني

الحديث الثاني أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن القطيعي قراءةً عليه، وأنا أسمع ببغداد في شهور سنة ثلاث وثلاثين وستمائة قال: أبنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي؛ قراءةً عليه، وأنا أسمع في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمئة قال: أبنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي قال: أبنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي قال: أبنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح الفربري قال: أبنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري قال: ثنا عبيد الله بن موسى؛ عن إسرائيل؛ عن أبي إسحاق؛

عن البراء قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسول الله. قالوا: لا نقر بها. فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد الله. قال: ((أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله)) ، ثم قال لعلي: ((امح رسول الله)) . قال: لا والله، لا أمحوك أبداً. فأخذ رسول الله الكتاب فكتب: ((هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله: لا يدخل مكة سلاح إلا في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع أحداً من أصحابه إن أراد أن يقيم بها)) . فلما دخلها ومضى الأجل، أتوا علياً رضي الله عنه، قالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعتهم ابنة حمزة: يا عم، يا عم. فتناولها عليٌّ فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك احمليها. فاختصم فيها عليٌّ، وزيدٌ، وجعفر. فقال علي عليه السلام: أنا أحق بها، وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي، وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها. فقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) . وقال لعلي: ((أنت مني، وأنا منك)) . وقال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخلقي)) . وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) .

هكذا رواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي بهذا الإسناد في كتابه ((الجامع الصحيح)) المتفق عليه بالتقديم والترجيح، تقدم على سائر أقرانه، وفاق جميع أهل زمانه، وكان بالصلاح معروفاً، وبالتقى والزهادة موصوفاً. اشتهر علمه في الآفاق وانتشر، وتناقلته الحفاظ وظهر، وصار عمدةً للإسلام، وحجةً للخاص والعام. * قرأت على أبي المنصور مظفر بن عبد الملك بن عتيق، يعرف بابن الفوي الثغري بها في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمئة قال: أبنا أحمد بن محمد الشافعي سنة خمس وسبعين وخمسمئة قال: أبنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين الطريثيثي قال: أبنا الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي قال: أبنا أحمد بن محمد بن حفص: ثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال: أبنا خلف بن محمد، قثنا محمد بن الفضل البلخي قال: سمعت أبي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره، فرأت والدته في المنام أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك -أو كثرة دعائك، الشك من البلخي- فأصبحنا، وقد رد الله بصره. *

أخبرنا الشيخ الصالح محمد بن نصر بن عبد الرحمن الشافعي: عن أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي، قال: أبنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الباقي بقراءتي عليه ببغداد قال: أبنا هناد بن إبراهيم قراءةً عليه: أبنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الحافظ البخاري المعروف بغنجار، قال: أبنا أبو الحسين محمد بن عمران بن موسى الجرجاني قال: أبنا الحسين بن جعفر الشاشي قال: سمعت إبراهيم بن معقل بسمرقند يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: خرجت كتابي "الجامع" في بضع عشرة سنة، وجعلته فيما بيني وبين الله حجة. * وبالإسناد إلى أبي الحسن علي قال: أبنا هناد: أبنا أبو عبد الله: أبنا أبو الحسين محمد بن علي بن يعقوب الكاتب قال: سمعت إبراهيم بن معقل يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما أدخلت في كتابي إلا ما صح، وتركت من الصحاح

لحال الطول. * وقال البخاري: ألهمت حفظ الحديث، وأنا في الكتاب ابن عشر سنين. فلما بلغت ست عشرة سنة، حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، فلما بلغت ثمان عشرة سنة، جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم. وأحفظ مئة ألف حديثٍ صحيحٍ، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح. وأخرجت كتابي من زهاء ستمئة ألف حديث وصنفته لست عشرة سنة، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله. وما وضعت في كتاب "الصحيح" حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. قال الفربري البخاري: رأيت محمد بن إسماعيل (في المنام) خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما وضع النبي صلى الله عليه وسلم وضع محمد بن إسماعيل قدمه. وقال الفربري: سمعت "الجامع الصحيح" من أبي عبد الله بفربر، وكان يقرأ عليه ثلاث سنين؛ سنة ثلاثٍ وخمسين، وأربعٍ وخمسينٍ، وخمسٍ وخمسين، سمع كتاب "الصحيح" لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي يروي عنه أحد غيري. قلت: وأخرجه مسلم في المغازي عن ابن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، وعن أبي موسى، وبندار، عن شعبة، وعن إسحاق، وأحمد بن جناب، عن عيسى بن يونس، عن زكريا، كلهم عن أبي إسحاق به.

وأخرج أبو عيسى الترمذي منه الفصل الأخير، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخلقي)) ؛ مختصراً فرواه في المناقب عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، واسمه عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي. فوقع لنا عالياً وموافقة عاليةً للترمذي. ورواه أيضاً إمامٌ حافظٌ عن إمام حافظٍ. وباعتبار العدد كأن بيني وبين البخاري أربعة رجال. مات البخاري -رحمه الله- ليلة يوم الفطر سنة ستٍّ وخمسين ومئتين. *

الحديث الثالث

الحديث الثالث أخبرنا الشيخ الصالح الأمين أبو علي الحسن بن إبراهيم المصري، بجامعها؛ قراءةً عليه وأنا أسمع في رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وستمئة قال: أبنا أبو طاهر أحمد بن محمد الشافعي قراءةً عليه وأنا أسمع في سابع رجب سنة سبع وستين وخمسمئة قال: أبنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن محمود قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغضائري قراءةً عليه ببغداد سنة ثلاث عشرة وأربعمئة، قثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة قال: ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قثنا أحمد بن

محمد بن حنبل، قثنا يحيى: عن عبد الملك: [ثنا ابن جريج] عن عطاء: عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس ست ركعاتٍ في أربع سجداتٍ، كبر ثم قرأ، فأطال القيام، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه، فقرأ دون القراءة الأولى ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه، فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما كان قام، ثم رفع رأسه، وانحدر للسجود، فسجد سجدتين ثم قام، فركع ثلاث ركعاتٍ قبل أن يسجد، وليس فيها ركعةٌ إلا التي قبلها أطول منها إلا أن يكون ركوعه نحواً من قيامه، ثم تأخر في صلاته، فتأخرت الصفوف معه ثم تقدم فقام في مقامه، وتقدمت الصفوف، فقضى بعض الصلاة، وقد طلعت. فقال: ((يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحدٍ من الناس، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي)) .

حديثٌ صحيحٌ عالٍ. رواه الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني، المشهور فضله، ولم يصنف كتابٌ مثله، المعول عليه في الأحكام بين علماء الإسلام، فأجاد في تصنيفه، وتفرد في تبويبه وتأليفه، وأتى بكل حديثٍ مشهورٍ، وسندٍ معمولٍ به مذكورٍ. * أخبرنا شيخنا عبد العزيز بن محمد بن الحسن الصالحي: عن أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي الحافظ قال: أبنا أبو النجم بدر بن عبد الله مولى عبد المحسن التاجر ببغداد قال: أبنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: حدثني أبو بكر محمد بن علي الدينوري بلفظه قال: [سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي. سمعت أبا بكر بن داسة يقول:] سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا

الكتاب؛ يعني: كتاب "السنن"، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمئة حديث. ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه. ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، أحدها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأعمال بالنيات)) . الثاني: قوله: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) . الثالث: قوله: ((لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه)) . الرابع: قوله: ((الحلال بين والحرام بينٌ)) الحديث. * وبالإسناد إلى الحافظ أبي القاسم، قال: أبنا أبو المعمر المبارك بن أحمد الخزرجي قال: أبنا أبو الفضل الحافظ قال: أبنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي؛ قدم علينا الري حاجاً، قال: أبنا علي بن محمد بن نصر الدينوري، قثنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد المالكي: أبنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد: حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق: [ثنا] الصولي قال: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي يقول: كتاب الله عز وجل أصل الإسلام،

وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام. * قال أبو داود: ما ذكرت في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه. قلت: وأخرجه الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج في صحيحه: عن أبي بكر، ومحمد بن عبد الله بن نمير، عن عبد الله بن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر، به. روى عنه الترمذي والنسائي. مات في شوال سنة خمسٍ وسبعين ومئتين. *

الحديث الرابع

الحديث الرابع أخبرنا الشيخ الصالح أبو المنجى عبد الله بن عمر بن زيد بن اللتي -رحمه الله- بقراءة أبي العباس أحمد بن الجوهري وإفادته -رحمه الله- (يوم في يوم) (¬1) الجمعة ثامن عشرين ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة، بثغر الكرك المحروس، قال له: أخبرك أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي؛ قراءةً عليه وأنت تسمع في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، فأقر به وقال: نعم، أبنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن مت الهروي الأنصاري؛ قراءةً عليه وأنا أسمع، قال: أبنا أبو محمد عبد الجبار الجراحي، قال: أبنا محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي قال: أبنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ، ¬

_ (¬1) كذا في الأصل.

قثنا عقبة بن مكرم، قثنا ابن أبي فديك، قال: أخبرني سلمة بن وردان الليثي: عن أنس بن مالك: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك الكذب، وهو باطلٌ؛ بني له في ربض الجنة. ومن ترك المراء، وهو محقٌّ؛ بني له في وسطها. ومن حسن خلقه، بني له في أعلاها)) . *

هكذا رواه الإمام الحافظ المتقن لجميع الآثار، المجيد في ترتيب الأحاديث

والأخبار، الذي اشتهر فضله في جميع الأقطار. جمع جامعه فأحسن، وحقق وبين،

وميز الصحيح من الحسن، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير. كان يضرب به الأمثال في تحقيق المتون وأسماء الرجال. قال أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحارث المروزي الفقيه يقول: (سمعت) أحمد بن عبد الله بن

داود المروزي يقول: سمعت أبا عيسى الحافظ يقول: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ، فمر بنا ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان. فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين كنت ظننت أنهما الجزءان اللذان له، فلما ظفرت به وسألته أجابني إلى ذلك، أخذت الجزأين فإذا هما بياضٌ، فتحيرت، فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه، ثم نظر إلي فرأى البياض في يدي، فقال: أما تستحي مني؟! فقلت: لا. وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله. فقال: اقرأ. فقرأت ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيئني. فقلت: حدثني بغيره. فقرأ علي أربعين حديثاً من غرائب حديثه. ثم قال: هات اقرأ. فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ، فما أخطأت في حرفٍ. فقال: ما رأيت مثلك. * مات أبو عيسى الترمذي في سنة إحدى وثمانين ومئتين. أخبرنا عبد الله بن اللتي؛ إجازةً: عن أبي الوقت: عن أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، أنه جرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه، قال: كتابه عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم، لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم. وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحد من الناس. *

قلت: ورواه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم؛ دحيم، وهارون بن سليمان، جميعاً عن ابن أبي فديك. *

الحديث الخامس

الحديث الخامس أخبرنا الشيخ الصالح الصدوق المسند نجم الدين أبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن علي بن حمزة بن فارس بن القبيطي الحراني؛ قراءةً عليه وأنا أسمع في شعبان من شهور سنة ثلاثٍ وثلاثين وستمئة بمنزله بدرب العيار داخل بغداد مدينة السلام أعادها الله إلى الإسلام قال: أبنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي في ربيع الأول سنة إحدى وستين وخمسمئة قال: أبنا أبو (محمد) عبد الرحمن بن حمد الدوني قال: أبنا أبو نصر أحمد بن الحسين الكسار قال: أبنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال: أبنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي، قثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قثنا عبد

الأعلى بن عبد الأعلى، قثنا عبيد الله بن عمر: عن أبي حازم: عن سهل ابن سعد قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف، فحضرت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر فأمره أن يجمع الناس ويؤمهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق الصفوف، حتى قام في الصف المقدم، وصفَّح الناس بأبي بكر ليؤذنوه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثروا علم أنه قد نابهم شيءٌ في صلاتهم، فالتفت، فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي كما أنت، فرفع أبو بكرٍ يده فحمد الله وأثنى عليه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع القهقرى، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما انصرف قال لأبي بكر: ((ما منعك إذا أومأت إليك أن تصلي)) ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للناس: ((ما بالكم صفحتم إنما التصفيح للنساء)) . ثم قال: ((إذا نابكم شيءٌ في صلاتكم فسبحوا)) . حديث صحيح. هكذا رواه الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي في "سننه" الذي جمعه وأجاد، وتناقلته الألسنة في جميع البلاد، وأراده على نحو فجاء على ما أراد. *

قال محمد بن طاهر: سألت أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجلٍ من الرواة فوثقه. فقلت له: إن أبا عبد الرحمن النسائي صعفه. فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن النسائي في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري، ومسلم. قلت: أخبرنا شيخنا محمد بن نصر القريشي [في] كتابه، عن أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي الحافظ، عن الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قال: أبنا أبو الفرج سهل بن بشر الإسفراييني؛ قراءةً عليه، قال: أبنا أبو الحسن علي بن بقاء الوراق؛ إجازةً، قال: أبنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ قال: سمعت أبا علي الحسن بن خضر السيوطي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وبين يدي كتبٌ كثيرةٌ، فيها كتاب "السنن" لأبي عبد الرحمن، فقال لي صلى الله عليه وسلم: ((إلى متى، وإلى كم؟ هذا يكفي)) . وأخذ بيده الجزء الأول من كتاب الطهارة من "السنن" لأبي عبد الرحمن. فوقع في روعي أنه يعني كتاب "السنن" لأبي عبد الرحمن -رحمه الله-. * مات النسائي في سنة ثلاث وثلاثمئة. قلت: ورواه البخاري في الصلاة: عن عبد الله، وفي الأحكام: عن أبي

النعمان، عن حماد بن زيد، وفي الصلح: عن محمد بن عبد الله، عن عبد العزيز الأويسي، وإسحاق بن محمد الفروي، كلاهما عن محمد بن جعفر بن أبي كثير، (وعن القعنبي، عن عبد العزيز بن أبي حازم، وفي الصلاة: عن قتيبة، عن ابن أبي حازم) ، وفي الصلح: عن ابن أبي مريم، عن أبي غسان، وفي الصلاة: عن يحيى، عن وكيع، عن سفيان، مختصراً. وأخرجه مسلم في الصلاة: عن يحيى، عن مالك، وعن قتيبة، عن يعقوب، وعن قتيبة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، وعن محمد بن عبد الله بن بزيع، عن عبد الأعلى، عن عبيد الله بن عمر، كلهم عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل، به. ورواه أبو داود فيه عن القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم، وعن عمرو بن عون، عن حماد بن زيد، عن أبي حازم، عن سهل، به. *

آخر الأحاديث الخمسة والحمد لله وصلواته على سيد المرسلين محمد المصطفى وعلى آله وسلامه. نقلتها من نسخةٍ نقلت من خط مؤلفها -رحمه الله- في جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وسبعمئة. وكتب: العبد الفقير عبد المؤمن بن عبد الحق حامداً الله تعالى ومصلياً على رسوله محمدٍ وعلى آله الطاهرين.

§1/1