خلاصة سير سيد البشر

الطبري، محب الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله على نواله وَله الشُّكْر على وَاسع أفضاله وَأفضل صلواته على النَّبِي مُحَمَّد وَآله وَبعد فَهَذَا مُخْتَصر فِيهِ ذكر نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وميلاده ونبذ من غَزَوَاته وأحواله وحجه وعمره وأسمائه وَصِفَاته وَبَعض مَكَارِم أخلاقه ومعجزاته وَذكر أَزوَاجه وبنيه وَبنَاته وأعمامه وعماته وَذكر خدمه وخيله ونعمه وسلاحه وأثاثه وثيابه ووفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمعته عقله عجلَان وعقيله أصل وإفتان من إثنى عشر مؤلفا مَا بَين كَبِير انتخبته وصغير اختصرته وسميته بخلاصة سير سيد الْبشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويشتمل على أَرْبَعَة وَعشْرين فصلا

الفصل الأول في نسبه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الأول فِي نسبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن

هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك

ابْن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن ثَابت بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن آزر بن ناحورا بن ياروخ بن راغوا بن فالخ بن عيير بن شامخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس أول بني آدم أعْطى النُّبُوَّة وَخط بالقلم بن يزدْ بن مهليل بن قيس بن يانوش بن شِيث

بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَالنّسب إِلَى عدنان مُتَّفق على صِحَّته وَمَا بعده مُخْتَلف فِيهِ إِلَّا أَنهم اتَّفقُوا على أَن النّسَب يرجع إِلَى إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله تَعَالَى وقريش هم أَوْلَاد النَّضر وَقيل فهر بن مَالك وَقيل النَّضر بن كنَانَة وَقيل غير ذَلِك وَالْأول أصح وَأشهر وَأم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب وَقد روى أَنَّهَا آمَنت بعد مَوتهَا أخبرنَا بذلك الشَّيْخ الإِمَام الصَّالح أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي عبد الله بن أبي المقير قِرَاءَة عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَأَنا أسمع سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر السلامى أجَازه قَالَ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الرَّزَّاق الْحَافِظ الزَّاهِد قَالَ أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن مُحَمَّد بن الْأَخْضَر حَدثنَا أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن يحى الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن مُوسَى الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن

هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل الْحجُون كئيبا حَزينًا فَأَقَامَ بِهِ مَا شَاءَ الله عز وَجل ثمَّ رَجَعَ مَسْرُورا وَقَالَ سَأَلت رَبِّي عز وَجل فأحيا لي أُمِّي فآمنت بِي ثمَّ ردهَا

الفصل الثاني في ذكر ميلاده صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر ميلاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة عَام الْفِيل وَقيل بعده بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقيل بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالْأول أصح فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ فِي شهر ربيع الأول وَقيل لليلتين خلتا مِنْهُ وَقيل لثمان وَصَححهُ كثير من

الْعلمَاء وَقيل لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة وَلم يذكر ابْن إِسْحَاق غَيره وَقيل لاثْنَيْنِ مِنْهُ من غير تَيَقّن وَقيل ولد فِي رَمَضَان لاثنتى عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ وحملت بِهِ أمه فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي شعب أبي طَالب عِنْد الْحُجْرَة

الْوُسْطَى وَلَيْلَة ميلاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارتجس إيوَان كسْرَى وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرافة وخمدت نَار فَارس وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام وغاصت بحيرة ساوة وأفزع ذَلِك كسْرَى

الفصل الثالث ذكر نبذ من أحواله صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّالِث ذكر نبذ من أَحْوَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما ولدت آمِنَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي حجر جده عبد الْمطلب فاسترضعته امْرَأَة من بني سعد بن بكر يُقَال لَهَا حليمة بنت أبي ذُؤَيْب السعدية فروى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لما وَضعته فِي حجري أقبل ثدياى بِمَا شَاءَ الله من لبن فَشرب حَتَّى روى وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى روى وناما وَمَا كَانَ ينَام قبل ذَلِك وَمَا كَانَ فِي ثدي مَا يرويهِ وَلَا فِي شارفنا مَا يغذيه وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا تِلْكَ فَنظر إِلَيْهَا فَإِذا بهَا لحافل فَحلبَ مِنْهَا مَا شرب وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بِخَير لَيْلَة وَلما رجعت تعنى إِلَى بَلَدهَا ركبت أَتَانِي وَحَمَلته عَلَيْهَا فوَاللَّه لَقطعت بالركب مَا لَا يقدر عَلَيْهَا شَيْء من حمرهم حَتَّى إِن صواحبي ليقلن لي وَيحك يَا بنت أبي ذُؤَيْب أربعي علينا أَلَيْسَ هَذِه أتانك الَّتِي كنت خرجت عَلَيْهَا فَأَقُول لَهُنَّ بلَى وَالله إِنَّهَا لهي فيقلن وَالله إِن لَهَا لشأنا وَكَانَت قبل ذَلِك قد أذمت بالركب حَتَّى شقّ عَلَيْهِم ضعفا وجعفا فقدمنا مَنَازلنَا وَمَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا وَكَانَت غنمى تروح على حِين قدمنَا بهَا مَعنا شبعا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يحلب

قصة شق بطنه صلى الله عليه وسلم

إِنْسَان قَطْرَة لبن وَمَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِر من قَومنَا يَقُولُونَ لرعيانهم وَيْلكُمْ اسرحوا حَيْثُ يسرح راعي بنت أبي ذُؤَيْب قصَّة شقّ بَطْنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا شب وَبلغ سنتيه فَبَيْنَمَا هُوَ وَأَخُوهُ فِي

بهم لنا إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يشْتَد فَقَالَ لي ولأبيه ذَاك أخي الْقرشِي قد أَخذه رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاه فشقا بَطْنه فهما يسوطانه قَالَت فخرجنا نَحوه فوجدناه قَائِما منتقعا وَجهه قَالَت فالتزمناه وَقُلْنَا مَالك قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاني فشقا بَطْني فَالْتَمَسَا فِيهِ شَيْئا لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَت فرجعنا بِهِ إِلَى أحبائنا فَقَالَ

أَبوهُ يَا حليمة لقد خشيت أَن يكون هَذَا الْغُلَام قد أُصِيب فألحقيه بأَهْله قبل أَن يظْهر بِهِ ذَلِك قَالَت فاحتملناه فقدمنا بِهِ على أمه فَقَالَت مَا أقدمك يَا ظئر وَقد كنت حريصة عَلَيْهِ وَلم تزل بهَا حَتَّى أخْبرتهَا خبْرَة فَقَالَت أمه كلا وَالله مَا للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل وَإِن لِابْني هَذَا لشأنا أَفلا أخْبرك خَبره قَالَت بلَى قَالَت رَأَيْت حِين حملت بِهِ أَنه خرج مني نور أَضَاء لَهُ قُصُور بصرى من أَرض الشَّام ثمَّ حملت بِهِ فوَاللَّه مَا رَأَيْت من حمل قطّ كَانَ

أخف مِنْهُ ثمَّ وَقع حِين وَلدته وَإنَّهُ لواضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافع رَأسه إِلَى السَّمَاء دعيه عَنْك وانطلقي راشدة وأرضعته ثويبة أَيْضا جَارِيَة أبي

حضانته صلى الله عليه وسلم

لَهب وأرضعت مَعَه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبا سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي بِلَبن ابْنهَا مسروح حضانته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحضنته أم أَيمن الحبشية حَتَّى كبر فَأعْتقهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوجهَا زيد بن حَارِثَة

فَولدت لَهُ أُسَامَة وَكَانَ ورثهَا من أَبِيه وَمَات أَبوهُ عبد الله بِيَثْرِب وَكَانَ لما تزوج آمِنَة وحملت مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بِهِ عبد الْمطلب يمتار تَمرا مِنْهَا فتوفى بهَا وَقيل بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة

وَقيل مَاتَ أَبوهُ وَقد أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا وَقيل سَبْعَة أشهر وَقيل شَهْرَان فَلَمَّا بلغ سِتّ سِنِين وَقيل أَرْبعا مَاتَت أمه فَيتم فِي حجر جده عبد الْمطلب فَلَمَّا بلغ ثَمَانِي سِنِين وشهرين وَعشرَة أَيَّام توفى عبد الْمطلب فَوَلِيه عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ أَخ عبد الله لِأَبَوَيْهِ ومنحه الله كل خلق جميل حَتَّى لم يكن يعرف بَين قومه إِلَّا بالأمين

1 - 2 3 4 5 6 نعم فَقَالَ وَالله لَئِن قدمت بِهِ الشَّام لتقتلنه الْيَهُود فَرده خوفًا عَلَيْهِ مِنْهُم ثمَّ

خرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة ثَانِيَة إِلَى الشَّام مَعَ ميسرَة غُلَام خَدِيجَة فِي تِجَارَة لَهَا قبل أَن يَتَزَوَّجهَا فَلَمَّا قدم الشَّام نزل تَحت ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب فَاطلع الراهب إِلَى ميسرَة فَقَالَ من هَذَا الرجل فَقَالَ لَهُ ميسرَة رجل من قُرَيْش من أهل الْحرم فَقَالَ مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي

بيعه وشراؤه

بَيْعه وشراؤه ثمَّ بَاعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلْعَته وَاشْترى مَا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهِ ثمَّ أقبل قَافِلًا إِلَى مَكَّة فَقيل إِن ميسرَة قَالَ كَانَ إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر نزل ملكان يظلانه من الشَّمْس وَهُوَ يسير على بعيره فَلَمَّا قدم مَكَّة باعت خَدِيجَة مَا جَاءَ بِهِ بأضعافه أَو قَرِيبا سَبَب تَزْوِيجه خَدِيجَة وأخبرها ميسرَة بقول الراهب وبإظلال الْملكَيْنِ لَهُ فَبعثت إِلَيْهِ وَعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ فَقَالَت فيمَ يَزْعمُونَ يَا بن الْعم إِنِّي قد رغبت فِيك لقرابتك مني وشرفك فِي قَوْمك وسطتك فيهم وأمانتك عِنْدهم وَحسن خلقك

وَصدق حَدِيثك ثمَّ عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ وَكَانَت رَضِي الله عَنْهَا حازمة لَبِيبَة شريفة وَهِي يَوْمئِذٍ من أَوسط نسَاء قُرَيْش أَي أعدلهن وأفضلهن وأعظمهن شرفا وأكثرهن مَالا كل من قَومهَا قد كَانَ حَرِيصًا على ذَلِك مِنْهَا لَو يقدر عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَت لرَسُول الله ذَلِك (ذكره لأعمامه، فَخرج مَعَه مِنْهُم حَمْزَة بن عبد الْمطلب، حَتَّى دخل على خويلد بن أَسد فَخَطَبَهَا اليه فَقبل)

خطبة أبى طالب

خطْبَة أَبى طَالب وَحضر أَبُو طَالب ورؤساء مُضر فَخَطب أَبُو طَالب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَزرع إِسْمَاعِيل وضئضى معد وعنصر مُضر وَجَعَلنَا حضنة بَيته وسواس حرمه وَجعل لنا بَيْتا محجوبا وحرما آمنا وَجَعَلنَا الْحُكَّام على النَّاس ثمَّ إِن ابْن أخي هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله لَا يُوزن بِهِ رجل إِلَّا رجح بِهِ فَإِن كَانَ فِي المَال فَإِن المَال ظلّ زايل وَأمر حَائِل وَمُحَمّد من قد عَرَفْتُمْ قرَابَته وَقد خطب خَدِيجَة بنت خويلد وبذل لَهَا من الصَدَاق مَا آجله وعاجله من مَالِي كَذَا وَهُوَ وَالله بعد هَذَا لَهُ نبأ عَظِيم وخطب جليل فَتَزَوجهَا سنة يَوْم تَزْوِيجه وَقد بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام وَهِي يَوْمئِذٍ ابْنة ثَمَان وَعشْرين سنة وروى أَنه أصدقهَا اثنتى عشرَة أُوقِيَّة

ذهب فَبَقيت عِنْده قبل الْوَحْي خمس عشرَة سنة وَبعده إِلَى مَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين فَمَاتَتْ ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَكَانَت لَهُ وَزِير صدق وروى أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجل من ذريتي فضل على بِاثْنَتَيْنِ كَانَت زَوجته عونا لَهُ وَكَانَت زَوْجَتي عونا عَليّ وأعانه الله على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني وروى أَن أول من أسلم من النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الرِّجَال أَبُو بكر وَمن الغلمان على بن أبي طَالب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أبشر خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب) وأتى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَقْْرِئ خَدِيجَة من رَبهَا السَّلَام فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا خَدِيجَة هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك من رَبك السَّلَام فَقَالَت الله السَّلَام وَمِنْه السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام)

شهود بنيان الكعبة

شُهُود بُنيان الْكَعْبَة وَلما بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة وتراضت قُرَيْش بِحكمِهِ فِيهَا فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما بَعثه الله بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرِيل بِغَار حراء جبل بِمَكَّة يتعبد فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا أَنا بقارئ فَقَالَ اقْرَأ {باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف بهَا بوادره حَتَّى دخل على خَدِيجَة فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الْوَرع ثمَّ قَالَ أَي خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر وَقَالَ لقد خشيت على نَفسِي قَالَت لَهُ خَدِيجَة أبشر وَالله لَا يخزيك الله أبدا وَالله إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق وَانْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ ابْن عَمها وَكَانَ امْرَءًا قد تنصر فِي

الْجَاهِلِيَّة وشيخا كَبِيرا قد عمى فَقَالَت يَا بن الْعم اسْمَع من ابْن أَخِيك فَقَالَ لَهُ ورقة يَا بن أخي مَاذَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا يَا لَيْتَني أكون حَيا حِين يخْرجك قَوْمك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مخرجي هم قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودى وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزرا ثمَّ لم ينشب ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي فَتْرَة حَتَّى حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا فغدا من أَهله مرَارًا لكَي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِق جبال الْحرم فَكلما أوفى ذرْوَة جبل لكَي يلقِي نَفسه تبدا لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لرَسُول حَقًا فيسكن لذَلِك جأشه وتعز نَفسه فَإِذا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَة الْوَحْي غَدا لمثل ذَلِك فيتبدا لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك وَلما أتم الله نبوته انْصَرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْتِي على حجر وَلَا شجر

حصاره في الشعب

إِلَّا سلم عَلَيْهِ سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَعَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن بِمَكَّة الْآن لحجر كَانَ يسلم على ليَالِي بعثت أَنِّي لَا أعرفهُ الْآن) وَكَانَت نبوته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول فصدع بِأَمْر الله وَبلغ الرسَالَة ونصح الْأمة فشنف لَهُ الْقَوْم حَتَّى حاصروه وَأهل بَيته بِالشعبِ حصاره فِي الشّعب وَخرج من الْحصار وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَأحد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ موت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا

بعده بِثَلَاثَة أَيَّام وَلما بلغ الْخمسين سنة وَثَلَاثَة أشهر قدمت عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا فَلَمَّا أَتَت عَلَيْهِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة وَتِسْعَة أشهر أسرى بِهِ من بَين زَمْزَم وَالْمقَام إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَشرح صَدره واستخرج قلبه فَغسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ ثمَّ حشي إِيمَانًا وَحِكْمَة ثمَّ أَتَى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ وعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لقى فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم وَفِي الثَّانِيَة عِيسَى وَيحيى ابْن الْخَالَة وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس وَفِي الْخَامِسَة هَارُون

عرضه على القبائل

وَفِي السَّادِسَة مُوسَى وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَفرض عَلَيْهِ وعَلى أمته الصَّلَوَات الْخمس فَلَمَّا بلغ ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت هجرته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول ودخوله الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَت إِقَامَته بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة ثَلَاث عشرَة سنة عرضه على الْقَبَائِل وَكَانَ يتبع النَّاس فِي مَنَازِلهمْ بعكاظ ومجن وَفِي المواسم يَقُول (من

مدة صلاته إلى بيت المقدس

يؤويني من ينصرني حَتَّى أبلغ رِسَالَة رَبِّي وَله الْجنَّة) فَيَمْشِي بَين رحالهم وهم يشيرون إِلَيْهِ بالأصابع حَتَّى بعث الله لَهُ الْأَنْصَار فآمنوا بِهِ وَكَانَ الرجل مِنْهُم يسلم ثمَّ يَنْقَلِب إِلَى أَهله فيسلمون بِإِسْلَامِهِ حَتَّى لم يبْق دَار من الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا رَهْط من الْمُسلمين يظهرون الْإِسْلَام مُدَّة صلَاته إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس تِلْكَ الْمدَّة وَلَا يستدبر الْكَعْبَة بل يَجْعَلهَا بَين يَدَيْهِ وَصلى بعد قدومه الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا أَو سِتَّة عشر هجرته مَعَ أبي بكر وَلما هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعَه أَبُو بكر الصّديق وَمولى لَهُ يُقَال لَهُ عَامر بن فهَيْرَة ودليلهم عبد الله بن الْأُرَيْقِط اللَّيْثِيّ وَهُوَ كَافِر وَلم يعرف لَهُ إِسْلَام قَالَ أَبُو بكر

أسرينا ليلتنا ويومنا حَتَّى إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة وَانْقطع الطَّرِيق وَلم يمر أحد رفعت لنا صَخْرَة لَهَا ظلّ لم يَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَ فسويت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَانا فِي ظلها وَكَانَ معي فرو ففرشته وَقلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نم حَتَّى إِذا انفض لَك مَا حولك فَخرجت فَإِذا أَنا براع قد أقبل يُرِيد من الصَّخْرَة مثل الَّذِي أردنَا وَكَانَ يَأْتِيهَا قبل ذَلِك فَقلت يَا راعي لمن أَنْت قَالَ لرجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ قلت هَل فِي شَاتك من لبن قَالَ نعم قَالَ فَجَاءَنِي بِشَاة فَجعلت أَمسَح الْغُبَار هَكَذَا عَن ضرْعهَا قَالَ فحلبت فِي إداوة معي كثبة من لبن وَكَانَ معي مَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إداوة قَالَ فَصَبَبْت على اللَّبن من المَاء وَكنت أكره أَن أُوقِظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فوافيته حِين قَامَ من نَومه فَقلت اشرب يَا رَسُول الله قَالَ فَشرب حَتَّى رضيت وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أما آن الرحيل قَالَ قلت بلَى فارتحلنا حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض صلبة جَاءَ سراقَة بن مَالك بن جشعم فَبكى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ يَا رَسُول الله قد أَتَيْنَا قَالَ كلا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بدعوات فارتطم فرسه إِلَى بَطْنه فَقَالَ قد أعلم أَن قد دعوتما عَليّ فَادعوا لي ولكما عَليّ أَن أرد النَّاس عنكما وَلَا أضركما قَالَ فَدَعَا لَهُ فَرجع ووفا وَجعل يرد النَّاس وروى أَنه قَالَ

مروره بخيمتي أم معبد

وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ سَهْما مِنْهَا فَإنَّك ستمر على إبلي وغلماني بمَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك فَقَالَ لَا حَاجَة لي فِي إبلك مروره بخيمتي أم معبد ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة جلدَة تجْلِس بِفنَاء الْقبَّة تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا يشرونه مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا من ذَلِك شَيْئا وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ (مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد) قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم

قَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ أَن أَحْلَبَهَا قَالَت نعم بِأبي وَأمي أَنْت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فأحلبها فَدَعَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وذرت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ ثَجًّا ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب إِنَاء حَتَّى ملأَهُ ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وبايعها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَال يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول (جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد) (هما نزل بِالْهدى واهتدت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد) (فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسوود) (لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)

غار ثور

(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح صرة الشَّاة مُزْبِد) غَار ثَوْر وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من مَكَّة مُهَاجرا استخفى هُوَ وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل من جبالها يُقَال لَهُ ثَوْر قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَنَظَرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وَهُوَ على رؤوسنا فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ (يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) وَلما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب أكْرمهم بذلك فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون جَاءَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الفصل الرابع في غزواته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الرَّابِع فِي غَزَوَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجمله الْمَشْهُور مِنْهَا اثْنَان وَعِشْرُونَ غزَاة الأولى غَزْوَة ودان حَتَّى بلغ الْأَبْوَاء لسنة من الْهِجْرَة وشهرين وَعشرَة أَيَّام

الثَّانِيَة غزا عيرًا لقريش فِيهَا أُميَّة بن خلف بعد ذَلِك بِشَهْر وَثَلَاثَة أَيَّام الثَّالِثَة خرج فِي طلب كرز بن

جَابر وَكَانَ أغار على سرح الْمَدِينَة بعد ذَلِك بِعشْرين يَوْمًا الرَّابِعَة غَزْوَة بدر لسنة من الْهِجْرَة وَثَمَانِية أشهر وَسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأَصْحَابه يَوْمئِذٍ ثَلَاث مائَة وَبضْعَة عشر رجلا وَالْمُشْرِكُونَ بَين التسع مئة وَالْألف وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْفرْقَان فرق الله فِيهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَفِيه أمده الله تَعَالَى بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين الْخَامِسَة غَزْوَة بنى قينقاع

السَّادِسَة غَزْوَة السويق فِي طلب أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب السَّابِعَة غَزْوَة بني سليم بالكدر الثَّامِنَة غَزْوَة ذِي أَمر وَهِي غطفان وَيُقَال إنمار وَهَذِه الْأَرْبَع فِي بَقِيَّة

السّنة الثَّانِيَة التَّاسِعَة غَزْوَة أحد فِي الثَّالِثَة وفيهَا كَانَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويساره يقاتلان الْعَاشِرَة غَزْوَة بني النَّضِير لسبعة أشهر خلت مِنْهَا وَعشرَة أَيَّام

الْحَادِيَة عشر غَزْوَة ذَات الرّقاع بعد ذَلِك بشهرين وَعشْرين يَوْمًا وفيهَا صلى صَلَاة الْخَوْف

الثَّانِيَة عشر غَزْوَة دومة الجندل بعد ذَلِك بشهرين وَأَرْبَعَة أَيَّام الثَّالِثَة عشر غَزْوَة بني المصطلق 00000

من خُزَاعَة بعد ذَلِك بِخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام وَهِي الَّتِي قَالَ فِيهَا أهل الْإِفْك مَا قَالُوا الرَّابِعَة عشر غَزْوَة الخَنْدَق لأَرْبَع سِنِين وَعشرَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام الْخَامِسَة عشر غَزْوَة بني قُرَيْظَة بعد ذَلِك بِسِتَّة عشر يَوْمًا

السَّادِسَة عشر غَزْوَة بني لحيان بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أشهر السَّابِعَة عشر غَزْوَة الغابة فِي سنة سِتّ وفيهَا اعْتَمر عمْرَة الْحُدَيْبِيَة الثَّامِنَة عشر غَزْوَة خَيْبَر لثَلَاثَة أشهر خلت من السَّابِعَة وَأحد عشر يَوْمًا

وَبعدهَا بِسِتَّة أشهر اعْتَمر عمْرَة الْقَضِيَّة التَّاسِعَة عشر فتح مَكَّة لسبع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا الْعشْرُونَ غَزْوَة حنين بعد ذَلِك بِيَوْم وفيهَا أنزل الله الْمَلَائِكَة لنصرة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ غَزْوَة الطَّائِف فِي تِلْكَ السّنة وفيهَا حج بِالنَّاسِ عتاب ابْن أسيد الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ غَزْوَة تَبُوك لسِتَّة أشهر خلت من التَّاسِعَة وَخَمْسَة أَيَّام

وَفِي هَذِه السّنة حج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ وَعَن زيد بن أَرقم قَالَ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع عشرَة غَزْوَة وسبقني بغزاتين قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو معشر ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهم وَالْمَشْهُور أَنه غزا خمْسا

وَعشْرين غزَاة بِنَفسِهِ وَقيل سبعا وَعشْرين والبعوث والسرايا خَمْسُونَ أَو نَحْوهَا وَلم يُقَاتل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي سبع بدر وَأحد وَالْخَنْدَق وَبني قُرَيْظَة والمصطلق وخيبر والطائف وَقيل قَاتل أَيْضا بوادي الْقرى والغابة وَبني النَّضِير صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الفصل الخامس في حجه وعمرته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْخَامِس فِي حجه وعمرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يحجّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة غير حجَّة وَاحِدَة وودع النَّاس فِيهَا وَقَالَ (عَسى أَن لَا تروني بعد عَامي هَذَا) ثمَّ قيل حجَّة الْوَدَاع وَحج قبل الْهِجْرَة حجَّتَيْنِ وَكَانَت فَرِيضَة الْحَج نزلت فِي سنة سِتّ وَلم تفتح مَكَّة إِلَّا فِي سنة ثَمَان واستخلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا عتاب بن أسيد فحج بِالنَّاسِ تِلْكَ السّنة وَفِي السّنة التَّاسِعَة حج بِالنَّاسِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وأردفه بعلي رَضِي الله عَنهُ يُؤذن فِي النَّاس بِسُورَة بَرَاءَة وَأَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ الْحَرَام عُرْيَان وَأذن فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

حَاج فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل مثل عمله وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَارا بعد أَن ترجل وادهن وتطيب وَبَات بِذِي الحليفة وَقَالَ أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك رَكْعَتَيْنِ وَقل عمْرَة فِي حجَّة) وَأحرم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن صلى فِي مَسْجده بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ وَأوجب فِي مَجْلِسه وَسمع ذَلِك مِنْهُ أَقوام مِنْهُم ابْن عَبَّاس ثمَّ ركب فَلَمَّا اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته أهل ثمَّ لما علا على شرف الْبَيْدَاء أهل فَمن ثمَّ قيل أهل حِين اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته وَحين علا على شرف الْبَيْدَاء وَكَانَ يُلَبِّي بهما تَارَة وبالحج أُخْرَى فَمن ثمَّ قيل إِنَّه مُفْرد وَكَانَ تَحْتَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحل رث وَعَلِيهِ قطيفة لَا تَسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم وَقَالَ اللَّهُمَّ أجعله حجا لَا رِيَاء فِيهِ وَلَا

دخول مكة

سمعة قَالَ جَابر وَنظرت إِلَى مد بصرى بَين يَدَيْهِ من رَاكب وماش وَعَن يَمِينه مثل ذَلِك وَعَن يسَاره مثل ذَلِك وَمن خَلفه مثل ذَلِك وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعرف تَأْوِيله وَمَا عمل من شَيْء عَملنَا بِهِ دُخُول مَكَّة وَدخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد من كداء من الثَّنية الْعليا الَّتِي بالبطحاء وَطَاف للقدوم مضطبعا فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى سبع أَرْبعا ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا فسعى بعض سَعْيه مَاشِيا فَلَمَّا كثر عَلَيْهِ ركب فِي بَاقِيه وَنزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى الْحجُون فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي

الْحجَّة توجه إِلَى منى فصلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَبَات بهَا وَصلى بهَا الصُّبْح فَلَمَّا طلعت الشَّمْس سَار إِلَى عَرَفَة وَضربت قُبَّته بنمرة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَخَطب النَّاس وَصلى بهم الظّهْر وَالْعصر جمع بَينهمَا بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ ثمَّ رَاح إِلَى الْموقف وَلم يزل وَاقِفًا على نَاقَته الْقَصْوَاء يدعوا ويهلل وَيكبر حَتَّى غربت الشَّمْس ثمَّ دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة بعد الْغُرُوب وَبَات بهَا وَصلى بهَا الصُّبْح ثمَّ وقف على قزَح وَهُوَ الْمشعر الْحَرَام يَدْعُو وَيكبر ويسبح ويهلل حَتَّى أَسْفر ثمَّ دفع قبل طُلُوع الشَّمْس حَتَّى أَتَى وَادي محسر فقرع نَاقَته فخبت فَلَمَّا أَتَى منى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِسبع حَصَيَات ثمَّ انْقَلب إِلَى المنحر وَمَعَهُ بِلَال وَأُسَامَة أَحدهمَا أَخذ بِخِطَام

النَّاقة وَالْآخر بِيَدِهِ ثوب يظله من الشَّمْس لَا ضرب وَلَا طرد وَلَا إِلَيْك ثمَّ فِي المنحر وَكَانَ قد أهْدى مائَة بَدَنَة فَنحر مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثمَّ أعْطى عليا فَنحر مَا غبر وأشرك فِي هَدْيه ثمَّ أَفَاضَ إِلَى

الْبَيْت فَطَافَ بِهِ سبعا ثمَّ أَتَى السِّقَايَة فَاسْتَسْقَى ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى وَأقَام بهَا بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام التَّشْرِيق يرْمى فِي كل يَوْم مِنْهَا الجمرات الثَّلَاث مَاشِيا بِسبع سبع يبْدَأ بِالَّتِي تلِي الْخيف ثمَّ بالوسطى ثمَّ بجمرة الْعقبَة ويطيل الدُّعَاء عِنْد الأولى وَالثَّانيَِة ثمَّ نفر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَنزل المحصب فصلى بِهِ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ورقد رقدة من اللَّيْل واعتمرت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من التَّنْعِيم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لما قَضَت عمرتها أَمر بالرحيل ثمَّ طَاف للوداع وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة وَأَيَّام حجه عشرَة أَيَّام أفردنا بِصفة حجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤلفا مستوعبا فِيهِ جَمِيع مَا بلغنَا عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الاحكام والوقائع مُنْذُ خرج من الْمَدِينَة إِلَى أَن رَجَعَ إِلَيْهَا وَأما عمراته فأربع وَكلهَا فِي ذِي الْقعدَة عمْرَة

الْحُدَيْبِيَة قَصده الْمُشْركُونَ عَنْهَا ثمَّ صالحوه على أَن يعود من الْعَام الْمقبل مُعْتَمِرًا وَيحلونَ لَهُ مَكَّة ثَلَاث أَيَّام ولياليها ويصعدون رُؤُوس الْجبَال فَحل من إِحْرَامه بهَا وَنحر سبعين بَدَنَة وَكَانَ سَاق فِيهَا جمل فِي رَأسه بره فضَّة يغِيظ بذلك الْمُشْركُونَ وَعمرَة الْقَضِيَّة من الْعَام الْمقبل أحرم بهَا من ذِي الحليفة وأتى مَكَّة وتحلل مِنْهَا وَأقَام بهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ تزوج مَيْمُونَة الْهِلَالِيَّة رَضِي الله عَنْهَا قبل عمرته وَلم يدْخل بهَا فأنفذ إِلَيْهِم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِن شِئْتُم أَقمت عنْدكُمْ ثَلَاثًا آخر وأولمت لكم وعرست بأهلي فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا فِي وليمتك اخْرُج عَنَّا فَخرج

فَأتى سرف وَهِي على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة فعرس بأَهْله هُنَاكَ وَعمرَة جعرانه فِي سنة ثَمَان لما فتح مَكَّة وَخرج إِلَى الطَّائِف فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ تَركهَا وَرجع على دجناء ثمَّ على قرن الْمنَازل ثمَّ على نَخْلَة حَتَّى خرج إِلَى الْجِعِرَّانَة فَلحقه أهل الطَّائِف بهَا وَأَسْلمُوا وَأحرم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل مَكَّة مُعْتَمِرًا لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة وَفرغ من عمرته لَيْلًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْجِعِرَّانَة وَأصْبح بهَا كبائت وَرجع إِلَى الْمَدِينَة وَعمرَة مَعَ حجَّته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الفصل السادس في أسمائه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل السَّادِس فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وَأَنا الحاشر الَّذِي أحْشر النَّاس وَأَنا العاقب فَلَا نَبِي بعدِي وَفِي رِوَايَة وَأَنا المقفى وَأَنا نَبِي التَّوْبَة وَنَبِي المرحمة وَفِي رِوَايَة وَنَبِي الملحمة وَسَماهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه بشيرا وَنَذِيرا وسراجا منيرا ورؤوفا رحِيما وَرَحْمَة للْعَالمين ومحمدا وَأحمد وطه وَيس ومزملا ومدثرا وعبدا فِي قَوْله {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَعبد الله فِي قَوْله {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} وَنَذِيرا مُبينًا فِي قَوْله {وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين} ومذكرا فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر}

وَقد ذكر لَهُ أَسمَاء كَثِيرَة اقتصرنا على الْمَشْهُور مِنْهُ مِنْهَا المتَوَكل والفاتح والخاتم والضحوك والقتال والأمين والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ الْأمين والقثم وَمَعْلُوم أَن أَكثر هَذِه الْأَسْمَاء صِفَات وَقد تقدم شرح الماحي والحاشر وَالْعَاقِب والمقفي فِي معنى العاقب والمرحمة بِمَعْنى الرَّحْمَة والملاحم الحروب والضحوك صفته فِي التَّوْرَاة قَالَ ابْن فَارس إِنَّمَا سمى بذلك لِأَنَّهُ كَانَ طيب النَّفس

فكها والقثم من مَعْنيين أَحدهمَا الْعَطاء يُقَال قثم لَهُ يقثم قثما إِذا أعطَاهُ عَطاء وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة وَالثَّانِي من القثم الْجمع يُقَال للرجل الْجَامِع للخير قثوم وَقثم

الفصل السابع في صفته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل السَّابِع فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربعَة من الْقَوْم لَا مايل من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر غُصْن بَين غُصْنَيْنِ بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَبيض اللَّوْن مشربا بحمرة وَقيل أزهره لَيْسَ بالأبيض الأمهق وَلَا بِآدَم لَهُ شعر يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ إِذا

طَال وَإِذا قصر إِلَى أنصافها لم يبلغ شَيْبه فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة وَكَأن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة ظَاهر الْوَضَاءَة مليح الْوَجْه يتلألأ وَجهه تلألأ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر حسن الْخلق معتدله لم تَعبه ثجله وَلم ترز بِهِ صَلْعَةٌ وسيما قسيما فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي بياضها عروق رقاق حمر

وَفِي أَشْفَاره وَطف وَفِي صَوته صَهل ودوى صَحِلَ وَفِي عُنُقه سطح وَفِي لحيته كَثَافَة إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وَعلا الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو الْمنطق فصل لَا نذر وَلَا هذر وَكَأن مَنْطِقه خَرَزَات نظم يتحضرن وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب فِي غير قرب بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب أقنى الْعرنِين لَهُ نور

يعلوه يحسبه من لم يتأمله أَشمّ سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان دَقِيق المسربة من لبته إِلَى سرته شعر يجرى كالقضيب لَيْسَ فِي بَطْنه وَلَا صَدره شعر غَيره أشعر الذراعين والمنكبين بأدن متماسك سَوَاء الْبَطن والصدر فسيح الصَّدْر ضخم الكراديس أنور المتجرد عريض الصَّدْر طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين سَائل الْأَطْرَاف سبط الْقصب

خمصان الأخمصين مسيح الْقَدَمَيْنِ ينبوا عَنْهُمَا المَاء إِذا زَالَ زَالَ قلعا ويخطوا تكفيا وَيَمْشي هونا ذريع المشية إِذا مَشى كَأَنَّمَا ينحط من صبب وَإِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة كَأَنَّهُ زر حجلة أَو بَيْضَة حمامة لَونه كلون جسده عَلَيْهِ خيلان كَأَن عرقه اللُّؤْلُؤ ولريح عرقه أطيب من ريح

الْمسك الأذفر يَقُول ناعته لم أر قبله وَلَا بعده مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حلَّة حَمْرَاء لم أر شَيْئا قطّ أحسن مِنْهُ وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ

أَنه قَالَ مَا مسست ديباجا وَلَا حَرِيرًا أَلين من كف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا شممت رَائِحَة قطّ كَانَت أطيب من ريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعنهُ قَالَ كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَمِين مصطفى بِالْخَيرِ يَدْعُو كضوء الْبَدْر زايله الظلام وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ينشد قَول زُهَيْر بن أبي سلمى فِي

هرم بن سِنَان (لَو كنت من شَيْء سوى بشر ... كنت المضيء لليلة الْبَدْر) ثمَّ يَقُول عمر وجلساؤه كَذَلِك كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن كَذَلِك غَيره وَفِيه يَقُول عَمه أَبُو طَالب (وأبيض يستقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) (يطوف بِهِ الهلاف من آل هَاشم ... فهم عِنْده فِي نعْمَة وفواضل)

(وميزان حق لَا يخيس شعيره ... ووزان عدل وَزنه غير عائل) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه وَسلم

الفصل الثامن في صفاته المعنوية وخلقه في صحبته وعشيرته وسيرته في نفسه ومع أصحابه وجلوسه وعبادته ونومه وكلامه وضحكه وأكله وشربه ولباسه وطيبه وكحله وترجله وسواكه وحجامته ومزاحه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّامِن فِي صِفَاته المعنوية وخلقه فِي صحبته وعشيرته وَسيرَته فِي نَفسه وَمَعَ أَصْحَابه وجلوسه وعبادته ونومه وَكَلَامه وضحكه وَأكله وشربه ولباسه وطيبه وكحله وَترَجله وسواكه وحجامته ومزاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت كَانَ خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه وَكَانَ لَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يغْضب لَهَا إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله تَعَالَى فَيكون لله ينْتَقم وَإِذا غضب لم يقم لغضبه أحد وَكَانَ أَشْجَع النَّاس وأجودهم صَدرا قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كُنَّا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس اتقينا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أسخى النَّاس وأجودهم مَا سُئِلَ شَيْء قطّ فَقَالَ لَا وأجود مَا كَانَ فِي رَمَضَان وَكَانَ لَا يبيت فِي بَيته دِينَار وَلَا دِرْهَم فَإِن فضل وَلم يجد من يُعْطِيهِ وفجئه اللَّيْل لم يأوى إِلَى منزله حَتَّى يبرأ مِنْهُ إِلَى من يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يَأْخُذ مِمَّا آتَاهُ الله إِلَّا قوت أَهله عَامه فَقَط من أيسر مَا يجد من التَّمْر وَالشعِير وَيَضَع سَائِر ذَلِك فِي سَبِيل الله وَلَا يدّخر لنَفسِهِ شَيْئا ثمَّ يُؤثر من قوت أَهله حَتَّى رُبمَا احْتَاجَ قبل انْقِضَاء

الْعَام صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أصدق النَّاس لهجة وأوفاهم بِذِمَّة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشر مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُفند فخما مفخما وَكَانَ أحلم النَّاس وَأَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها لَا يثبت نظره فِي وَجه أحد خافض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أطول من نظره إِلَى السَّمَاء جلّ نظره الملاحظة وَكَانَ أَكثر النَّاس تواضعا يُجيب من دَعَاهُ من غَنِي أَو فَقير أَو شرِيف أَو دنيء أَو حر أَو عبد وَلما جَاءَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْم فتح مَكَّة بِأَبِيهِ ليسلم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لما عنيت الشَّيْخ يَا أَبَا بكر أَلا تركته حَتَّى أكون أَنا آتيه فِي منزله) فَقَالَ لَهُ بِأبي وَأمي هُوَ أولى أَن يَأْتِي إِلَى

أحواله مع أصحابه

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أرْحم النَّاس يصفى الْإِنَاء للهرة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا وَيسمع بكاء الصَّغِير مَعَ أمه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فيخفف رَحْمَة لَهَا وَكَانَ أعف النَّاس لم تمس يَده امْرَأَة قطّ لَا يملك رقتها أَو نِكَاحهَا أَو تكون ذَا محرم وَكَانَ أَشد النَّاس كَرَامَة لأَصْحَابه مَا رؤى قطّ مَادًّا رجلَيْهِ بَينهم ويوسع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمَكَان وَلم تكن ركبتاه تتقدمان ركبة جليسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآهُ بديهه هابه وَمن خالطه أحبه لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ إِن قَالَ أَنْصتُوا لقَوْله وَإِن أَمر تبَادرُوا لأَمره يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لقِيه بِالسَّلَامِ وَكَانَ يَقُول (لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أَنا عبد الله وَرَسُوله) يتجمل لأَصْحَابه فضلا عَن تجمله لأَهله وَيَقُول (إِن الله يحب من عَبده إِذا خرج إِلَى إخوانه أَن يتهيأ لَهُم ويتجمل) أَحْوَاله مَعَ أَصْحَابه وَكَانَ يتفقد أَصْحَابه وَيسْأل عَنْهُم فَمن كَانَ مَرِيضا عَاده وَمن كَانَ غَائِبا

دَعَا لَهُ وَمن مَاتَ اسْترْجع فِيهِ وَاتبعهُ بِالدُّعَاءِ وَمن يتخوف أَن يكون وجد فِي نَفسه شَيْئا قَالَ (لَعَلَّ فلَانا وجد علينا فِي شئ أَو رأى منا تقصيرا انْطَلقُوا بِنَا إِلَيْهِ) فَينْطَلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله وَكَانَ يخرج إِلَى أَصْحَابه وَيَأْكُل ضِيَافَة من أَضَافَهُ فِيهَا وَكَانَ يتألف أهل الشّرف وَيكرم أهل الْفضل وَلَا يطوي بشره عَن أحد وَلَا يجفوا عَلَيْهِ وَلَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا من مكافئ وَيقبل معذرة المتعذر إِلَيْهِ وَالْقَوِي والضعيف والقريب والبعيد عِنْده فِي الْحق وَاحِد وَكَانَ لَا يدع أحدا يمشي خَلفه وَيَقُول (خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة) وَلَا يدع أحدا يمشي مَعَه وَهُوَ رَاكب حَتَّى يحملهُ فَإِن أَبى قَالَ (تقدمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي يُرِيد) وَركب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا عريا إِلَى قبَاء وَأَبُو هُرَيْرَة مَعَه فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ مَا شِئْت يَا رَسُول الله فَقَالَ اركب وَكَانَ فِي أبي هُرَيْرَة ثقل فَوَثَبَ ليركب فَلم يقدر فَاسْتَمْسك برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقعا جَمِيعًا ثمَّ ركب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ مَا شِئْت يَا رَسُول الله فَقَالَ اركب فَلم يقدر على ذَلِك فَتعلق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقعا جَمِيعًا ثمَّ قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا صرعتك ثَالِثا وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ عبيد وإماء لَا يترفع عَلَيْهِم فِي مأكل وملبس ويخدم من خدمه قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ

مزاحه صلى الله عليه وسلم

خدمته نَحوا من عشرَة سِنِين فوَاللَّه مَا صحبته فِي سفر وَلَا حضر وَلَا خدمَة إِلَّا وَكَانَت خدمته لي أَكثر من خدمتي لَهُ وَمَا قَالَ لي أُفٍّ قطّ وَلَا قَالَ لشَيْء فعلته لم فعلت كَذَا ولشيء لم أَفعلهُ إِلَّا فعلت كَذَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَأمر بإصلاح شاه فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله عَليّ ذَبحهَا وَقَالَ آخر عَليّ سلخها وَقَالَ آخر عَليّ طبخها فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَعلي جمع الْحَطب) فَقَالُوا يَا رَسُول الله نَحن نكفيك فَقَالَ (قد علمت أَنكُمْ تكفوني وَلَكِنِّي أكره أَن أتميز عَلَيْكُم فَإِن الله يكره من عَبده أَن يرَاهُ متميزا بَين أَصْحَابه) وَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجمع الْحَطب وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَنزل للصَّلَاة فَتقدم إِلَى مُصَلَّاهُ ثمَّ كرّ رَاجعا فَقيل يَا رَسُول الله أَيْن تُرِيدُ قَالَ أَعقل نَاقَتي قَالُوا نَحن نكفيك نَحن نعقلها قَالَ (لَا يَسْتَعِين أحدكُم بِالنَّاسِ وَلَو فِي قضمة من سواك) مزاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَوْمًا جَالِسا يَأْكُل هُوَ وَأَصْحَابه تَمرا فجَاء صُهَيْب وَقد غطى على

عَيْنَيْهِ وَهُوَ أرمد فَسلم وأهوى على التَّمْر يَأْكُل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْكُل الْحَلْوَاء وَأَنت أرمد فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا آكل بشق عَيْني الصَّحِيحَة فَضَحِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَوْمًا يَأْكُل رطبا فَجَاءَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أرمد فَدَنَا ليَأْكُل فَقَالَ أتأكل الحواء وَأَنت أرمد فَتنحّى نَاحيَة فَنظر إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ فَرمى إِلَيْهِ برطبة ثمَّ أُخْرَى ثمَّ أُخْرَى حَتَّى رمى إِلَيْهِ سبعا ثمَّ قَالَ حَسبك فَإِنَّهُ لَا يضر من التَّمْر مَا أكل وترا وأهدت إِلَيْهِ أم سَلمَة قَصْعَة ثريد وَهُوَ عِنْد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وكسرتها فَجعل يجمع ذَلِك فِي الْقَصعَة وَيَقُول غارت أمكُم غارت أمكُم

حديث خرافة

حَدِيث خرافة وَحدث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة نِسَاءَهُ حَدِيثا فَقَالَت امْرَأَة مِنْهُم كَانَ الحَدِيث حَدِيث خرافة فَقَالَ (أَتَدْرُونَ مَا خرافة إِن خرافة كَانَ رجلا من عذرة أسرته الْجِنّ فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَكثَ فيهم دهرا ثمَّ ردُّوهُ إِلَى الْأنس فَكَانَ يحدث النَّاس بِمَا رأى فيهم من الْأَعَاجِيب فَقَالَ النَّاس حَدِيث خرافة وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل منزله جزأ دُخُوله ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْء لله وجزء لنَفسِهِ وجزء لأَهله ثمَّ جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة وَكَانَ من سيرته فِي جُزْء الْأمة إِيثَار أهل الْفضل بِإِذْنِهِ وقسمه على قدر فَضلهمْ فِي الدّين فَمنهمْ ذُو الْحَاجة وَمِنْهُم ذُو الحاجتين وَمِنْهُم ذُو الْحَوَائِج فيتشاغل بهم ويشغلهم فِيمَا يصلحهم ويخبرهم بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُم وَيَقُول (ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وأبلغوني حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغها فَإِنَّهُ من أبلغ سُلْطَانا حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغها ثَبت الله قَدَمَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة لَا يذكر عِنْده إِلَّا ذَلِك) ويدخلون رَوَّادًا وَلَا يتفرقون إِلَّا عَن ذواق يخرجُون أَدِلَّة يَعْنِي على الْخَيْر وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يؤلف أَصْحَابه وَلَا ينفرهُمْ وَيكرم كل كريم قوم ويوليه عَلَيْهِم وَالَّذِي يَلِيهِ من النَّاس خيارهم أفضلهم عِنْده وأعمهم نصيحة وأعظمهم عِنْده منزلَة

أحْسنهم مواساة ومؤازرة وَلَا يجلس وَلَا يقوم إِلَّا على ذكر وَإِذا انْتهى إِلَى قوم جلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس وَيَأْمُر بذلك وَيُعْطى كل جُلَسَائِهِ نصِيبه لَا يحْسب جليسه أَن أحدا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ مِمَّن جالسه وَإِذا جلس إِلَيْهِ أحد لم يقم حَتَّى يقوم الَّذِي جلس إِلَيْهِ إِلَّا أَن يستعجله أَمر أَمر فيستأذن وَلَا يُقَابل أحدا بِمَا يكره وَلَا ضرب خَادِمًا قطّ وَلَا امْرَأَة وَلَا أحدا إِلَّا فِي جِهَاد ويصل ذَا رَحمَه من غير أَن يؤثره على من هُوَ أفضل مِنْهُ وَلَا يجزى السَّيئَة بِمِثْلِهَا بل يعفوا ويصفح وَكَانَ يعود المرضى وَيُحب الْمَسَاكِين ويجالسهم وَيشْهد جنائزهم وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ لَا يذم مِنْهَا شَيْئا ويحفظ جَاره وَيكرم

ضَيفه ويبسط رِدَاءَهُ لَهُ كَرَامَة وجاءته ظئره الَّتِي أَرْضَعَتْه يَوْمًا فَبسط رِدَاءَهُ لَهَا وَقَالَ مرْحَبًا بأمي وأجلسها عَلَيْهِ وَكَانَ أَكثر النَّاس تبسما وَأَحْسَنهمْ بشرا مَعَ أَنه كَانَ متواصل الأحزان دَائِم الفكرة لَا يمْضِي لَهُ وَقت فِي غير عمل لله أَو فِيمَا لَا بُد لَهُ أَو لأَهله مِنْهُ وَمَا خير فِي شَيْء قطّ إِلَّا اخْتَار أيسرهما إِلَّا أَن تكون فِيهِ قطيعة رحم فَيكون أبعد النَّاس مِنْهُ وَكَانَ يخصف نَعله ويرقع ثَوْبه ويخدم فِي مهنة أَهله وَيقطع اللَّحْم مَعَهُنَّ ويركب الْفرس والبغل وَالْحمار ويردف خَلفه عَبده أَو غَيره وَيمْسَح وَجه فرسه بِطرف كمه وبطرف رِدَائه وَكَانَ يتَوَكَّأ على العصى وَقَالَ (التوكأ على الْعَصَا من أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء) ورعى الْغنم وَقَالَ (مَا من نَبِي إِلَّا وَقد رعاها) وعق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه بعد مَا جَاءَتْهُ

النُّبُوَّة وَكَانَ لَا يدع الْعَقِيقَة عَن الْمَوْلُود من أَهله وَيَأْمُر بحلق رَأسه يَوْم السَّابِع وَأَن يتَصَدَّق عَنهُ بزنة شعره فضَّة وَكَانَ يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة وَيَقُول (مَا منا إِلَّا من يجد فِي نَفسه وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل) وَكَانَ إِذا جَاءَهُ مَا يحب قَالَ (الْحَمد لله رب الْعَالمين) وَإِذا جَاءَهُ مَا يكره قَالَ (الْحَمد لله على كل حَال) وَإِذا رفع الطَّعَام بَين يَدَيْهِ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وأوانا وَجَعَلنَا مُسلمين) وروى فِيهِ (الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مُودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا) وَإِذا عطس خفض صَوته واستتر بِيَدِهِ أَو بِثَوْبِهِ ويحمد الله وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر جُلُوسه مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَإِذا جلس فِي الْمجْلس احتبى بِيَدِهِ وَكَانَ يكثر الذّكر ويقل اللَّغْو ويطيل الصَّلَاة وَيقصر الْخطْبَة ويستغفر

فِي الْمجْلس الْوَاحِد مائَة مرّة وَكَانَ ينَام أول اللَّيْل ثمَّ يقوم من السحر ثمَّ يُوتر ثمَّ يَأْتِي فرَاشه فَإِذا سمع الْأَذَان وثب فَإِن كَانَ جنبا أَفَاضَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَوَضَّأ وَخرج إِلَى الصَّلَاة وَكَانَ يُصَلِّي فِي سبحته قَائِما وَرُبمَا صلى قَاعِدا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يمت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته جَالِسا وَكَانَ يسمع لجوفه أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَكَانَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وعاشوراء وَقل مَا كَانَ يفْطر يَوْم الْجُمُعَة وَأكْثر صِيَامه فِي شعْبَان وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه انتظارا للوحي وَإِذا ينَام نفخ وَلَا يغط غطيطا وَإِذا رأى مناما مَا يروعه قَالَ (هُوَ الله لَا شريك لَهُ) وَإِذا أَخذ

مضجعه وضع كَفه الْيُمْنَى تَحت خَدّه وَقَالَ (رب قني عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك) وَكَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَأَحْيَا) وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور) وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تكلم بَين كَلَامه حَتَّى يحفظه من جلس إِلَيْهِ وَيُعِيد الْكَلِمَة ثَلَاثًا لتعقل عَنهُ ويخزن لِسَانه لَا يتَكَلَّم فِي غير حَاجَة وَيتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فضل لَا فضول وَلَا تَقْصِير وَكَانَ يتَمَثَّل ببيتي من الشّعْر ويتمثل بقوله ويأتيك بالأخبار من لم تزَود وَبِغير ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلّ ضحكه التبسم وَرُبمَا ضحك من شَيْء متعجب حَتَّى تبدوا نَوَاجِذه من غير قهقهة وَمَا عَابَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما قطّ إِن اشتهاه أكله وَإِن لم يشتهيه تَركه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا

يَأْكُل متكأ وَلَا على خوان وَلَا يمْتَنع من مُبَاح يَأْكُل الْهَدِيَّة ويكافئ عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَلَا يتأنق فِي مأكل يَأْكُل مَا وجد إِن وجد تَمرا أكله وَإِن وجد لَبَنًا اكْتفى بِهِ وَلم يَأْكُل خبْزًا مرققا حَتَّى مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من خبز الشّعير) من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من خبز الشّعير وَكَانَ يَأْتِي على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّهْر والشهران لَا يُوقد فِي بَيت من بيوته نَار وَكَانَ قوتهم التَّمْر وَالْمَاء وَكَانَ يعصب على بَطْنه الْحجر وَقد أَتَاهُ الله مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض فَأبى أَن يقبلهَا وَاخْتَارَ الْآخِرَة عَلَيْهَا وَكَانَ يَأْتِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَيَقُول أعندك غذَاء فَتَقول لَا فَيَقُول إِنِّي صَائِم فَأَتَاهَا يَوْمًا فَقَالَت يَا رَسُول الله أهدي لنا هَدِيَّة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَت حيس قَالَ أما إِنِّي أَصبَحت صَائِما قَالَت ثمَّ

أكل وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخبز بالخل وَقَالَ (نعم الادام الْخلّ) وَأكل لحم الدَّجَاج وَلحم الحباري وَكَانَ يحب الدبا ويأكله وَيُعْجِبهُ الذِّرَاع من الشاه وَقَالَ (إِن أطيب اللَّحْم لحم الظّهْر) وَقَالَ (كلوا الزَّيْت وادهنوا بِهِ فَإِنَّهُ من شَجَرَة مباركة) وَكَانَ يُعجبهُ الثفل يَعْنِي مَا بَقِي من الطَّعَام وَكَانَ يَأْكُل بأصابعه الثَّلَاث ويلعقهن وَعَن سلمى زَوْجَة أبي رَافع أَن الْحسن وَابْن

عَبَّاس وَابْن جَعْفَر وأتوها فَقَالُوا لَهَا اصنعي لنا طَعَاما مِمَّا كَانَ يعجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحسن أكله فَقَالَت يَا بني لَا تشتهيه الْيَوْم قَالَ بلَى اصنعيه لنا قَالَ فَقَامَتْ فطبخت شَعِيرًا وَجَعَلته فِي خضر وصبت عَلَيْهِ شَيْئا من زَيْت ودقت الفلفل والتوابل وقربته إِلَيْهِم وَقَالَت هَذَا مِمَّا كَانَ يعجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحسن أكله وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبز الشّعير بِالتَّمْرِ وَقَالَ (هَذَا أَدَم هَذَا) وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبِطِّيخ بالرطب والقثاء بالرطب وَالتَّمْر بالزبد وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب قَاعِدا وَرُبمَا شرب قَائِما ويتنفس ثَلَاثًا وَإِذا فضل مِنْهُ فضلَة وَأَرَادَ أَن يسقيها بَدَأَ بِمن عَن يَمِينه وَشرب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَبَنًا وَقَالَ (من أطْعمهُ الله لَبَنًا فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وزدنا مِنْهُ) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ يُجزئ مَكَان الطَّعَام وَالشرَاب بِغَيْر اللَّبن)

وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس الصُّوف وينتعل المخصوف وَلَا يتأنق فِي ملبس يلبس مَا وجده مرّة شملة وَمرَّة برد صبرَة وَمرَّة جُبَّة صوف وَكَانَ يلبس السبتية وَيتَوَضَّأ فِيهَا وَكَانَ لنعليه قبالان وَأول من عقد عقدا وَاحِدًا عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أحب اللبَاس إِلَيْهِ الْحبرَة وَهِي من برود الْيمن فِيهَا حمرَة وَبَيَاض وَكَانَ أحب الثِّيَاب إِلَيْهِ الْقَمِيص وَكَانَ إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه عِمَامَة أَو قَمِيصًا اَوْ رِدَاء يَقُول (اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَمَا ألبستنيه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ وَأَعُوذ بك من شَره وَمن شَرّ مَا صنع لَهُ)

وَكَانَ يُعجبهُ الثِّيَاب الْخضر وَكَانَت قَمِيصه مشدودة الأزار وَكَانَ يلبس كسَاء الصُّوف وَحده فَيصَلي فِيهِ وَرُبمَا لبس الأزار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طَرفَيْهِ بَين كَتفيهِ فَيصَلي فِيهِ وَكَانَ يلبس القلانس تَحت العمائم ويلبسها دون العمائم ويلبس العمائم دونهَا ويلبس القلانس ذَات الآذان فِي الجرب وَرُبمَا نزع قلنسوته وَجعلهَا سترا بَين يَدَيْهِ وَصلى بهَا وَرُبمَا مَشى بِلَا قلنسوة وَلَا عِمَامَة وَلَا رِدَاء رَاجِلا يعود المرضى كَذَلِك فِي أقْصَى الْمَدِينَة وَكَانَ يعتم ويسدل طرفِي عمَامَته بَين كَتفيهِ وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ عممني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعمامته وسدل طرفها على مَنْكِبي وَقَالَ إِن الْعِمَامَة حاجز بَين الْمُسلمين

وَالْمُشْرِكين وَكَانَ يلبس يَوْم الْجُمُعَة برده الْأَحْمَر ويعتم وَكَانَ يلبس خَاتمًا من فضَّة فصه مِنْهُ نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فِي خِنْصره الْأَيْمن وَرُبمَا لبسه فِي الْأَيْسَر وَيجْعَل فصه مِمَّا يَلِي بَاطِن كَفه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الطّيب وَيكرهُ الرّيح الكريهة وَكَانَ يَقُول (إِن الله جعل لذتي فِي النِّسَاء وَجعل قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة) وَكَانَ يتطيب بالغالية والمسك حَتَّى يرى وبيصه فِي مفارقه ويتبخر بِالْعودِ ويطرح مَعَه الكافور وَكَانَ يعرف فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة بِطيب رِيحه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكتحل بالأثمد فِي كل لَيْلَة ثَلَاثًا فِي كل عين وَرُبمَا اكتحل ثَلَاثًا فِي الْيَمين واثنتين فِي الْيَسَار وَرُبمَا اكتحل وَهُوَ صَائِم

آلاته في سفره

وَكَانَ يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بالأثمد فَإِنَّهُ يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر) وَكَانَ يكثر دهن رَأسه ولحيته وَكَانَ يترجل غبا وَكَانَ يحب التَّيَمُّن فِي ترجله وتنعله وَطهُوره وَفِي شَأْنه كُله وَكَانَ ينظر فِي الْمرْآة وَرُبمَا نظر فِي المَاء فِي ركوة فِي حجرَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَسوى لحيته آلاته فِي سَفَره وَكَانَت لَا تُفَارِقهُ قاروه الدّهن فِي سَفَره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والخيوط والإبرة فيخيط ثِيَابه ويخصف نَعله وَكَانَ يستاك بالأراك وَكَانَ إِذا قَامَ من النّوم يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ فِي اللَّيْلَة ثَلَاث مَرَّات قبل النّوم وَبعده وَعند الْقيام لورده وَعند الْخُرُوج لصَلَاة الصُّبْح وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحتجم لسبع عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى

مزاحه

وَعشْرين مزاحه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمزح وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا فَدخل يَوْمًا على أم سليم وَقد مَاتَ نغر ابْنهَا من أبي طَلْحَة فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عُمَيْر مَا فعل النغير وجاءته امْرَأَته فَقَالَت يَا رَسُول الله احملني على جمل فَقَالَ أحملك على ولد النَّاقة قَالَت لَا يطيقني قَالَ لَا أحملك إِلَّا على ولد النَّاقة قَالَت لَا يطيقني فَقَالَ لَهَا النَّاس وَهل الْجمل إِلَّا ولد النَّاقة وجاءته امْرَأَة فَقَالَت

يَا رَسُول الله إِن زَوجي مَرِيض وَهُوَ يَدْعُوك فَقَالَ لَعَلَّ زَوجك الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاض فَرَجَعت الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا وَفتحت عين زَوجهَا لتنظر إِلَيْهِ فَقَالَ مَالك قَالَت أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِي عين زَوجك بَيَاضًا فَقَالَ وَيحك فَهَل أحد إِلَّا وَفِي عَيْنَيْهِ بَيَاض وجاءته أُخْرَى فَقَالَت يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة قَالَ يَا أم فلَان إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز فَوَلَّتْ الْمَرْأَة وَهِي تبْكي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرُوهَا أَنَّهَا لَا تدخل الْجنَّة وَهِي عَجُوز إِن الله تَعَالَى يَقُول {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا} وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سابقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبقته فَلَمَّا كثر لحمي سابقته فَسَبَقَنِي ثمَّ ضرب على كَتِفي وَقَالَ هَذِه بِتِلْكَ وَجَاء صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السُّوق من وَرَاء ظهر رجل إسمه زَاهِر وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبهُ فَوضع يَدَيْهِ على عَيْنَيْهِ وَمَا كَانَ يعرف أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالَ من يَشْتَرِي العَبْد فَجعل يمسح ظَهره برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول إِذا تجدني كاسدا يَا رَسُول الله فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِنَّك عِنْد رَبك لست بكاسد

وَرَأى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُسَيْنًا مَعَ صَبِيه فِي السِّكَّة فَتقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَام الْقَوْم وطفق الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ يفر هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضاحكه حَتَّى أَخذه فَجعل إِحْدَى يَدَيْهِ تَحت ذقنه وَالْأُخْرَى فَوق رَأسه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا والجواري يلعبن عِنْدهَا فَإِذا رأينه تفرقن فيسربهن إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا يَوْمًا وَهِي تلعب مَا هَذِه يَا عَائِشَة فَقَالَت حيل سُلَيْمَان بن دَاوُد فَضَحِك وَطلب الْبَاب فابتدرته واعتنقته فَقَالَ مَالك يَا حميراء فَقَالَت بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله ادْع الله يغْفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تَأَخّر قَالَت فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لعَائِشَة بنت أبي بكر مغْفرَة ظَاهِرَة وباطنة لَا تغادر ذَنبا وَلَا تكسب بعْدهَا خَطِيئَة وَلَا إِثْمًا

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرحت يَا عَائِشَة فَقَالَت أَي وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ فَقَالَ (أما وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا خصصتك بهَا من بَين أمتِي وَإِنَّهَا لصلاتي لأمتي فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فِيمَن مضى مِنْهُم وَمن بَقِي وَمن هُوَ آتٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أَدْعُو لَهُم وَالْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على دعائي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين وَأَتَاهُ الله علم الْأَوَّلين والآخرين لَا يُحْصى مناقبه أحد من الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ صَلَاة دائمة إِلَى يَوْم الدّين وَأنْشد الْأمين العاصمى رَحمَه الله آمين (يَا جاعلا سنَن النَّبِي شعاره ودثاره ... ) (متمسكا بحَديثه متتبعا أخباره ... ) (سنَن الشَّرِيعَة خُذ بهَا متوسما آثاره ... ) (وَكَذَا الطَّرِيقَة فاقتبس فِي سلبها أنواره ... ) (هُوَ قدوة لَك فَاتخذ فِي السنتين شعاره ... ) (قد كَانَ يقري ضَيفه كرما ويحفظ جَاره ... ) (ويجالس الْمِسْكِين يُؤثر قربه وجواره ... ) (الْفقر كَانَ رِدَاءَهُ والجوع كَانَ شعاره ... ) (يلقى بعزه ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا زواره ... ) (يبسط الرِّدَاء كَرَامَة لكريم قوم زَارَهُ ... ) (مَا كَانَ مختالا وَلَا مرحا يجر إزَاره ... ) (وَكَانَ يركب الرديف من الخضوع حِمَاره ... ) (فِي مهنه هُوَ وَصَلَاة ليله ونهاره ... ) (فتراه يحلب شَاة منزله ويوقد ناره ... ) (مازال كَهْف مهاجريه ومكرما أنصاره ... ) (برا لمحسنهم مقيلا للمسيء عثاره ... ) (يهب الَّذِي تحوى يَدَاهُ لطَالب إيثاره ... ) (زكى عَن الدُّنْيَا الدنية ربه مِقْدَاره ... )

(جعل الْإِلَه صلَاته أبدا عَلَيْهِ نثاره ... ) (فاختر من الْأَخْلَاق مَا كَانَ الرَّسُول اخْتَارَهُ ... ) (لتعد سنيا وتوشك أَن تبوء دَاره ... ) صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وآلهم أَجْمَعِينَ

الفصل التاسع في معجزاته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل التَّاسِع فِي معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمِنْهَا الْقُرْآن وَهُوَ أعظمها أعجزت الفصحاء معارضته وَقصرت البلغاء عَن مشاكلته فَلَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا وأيقن الْمُلْحِدُونَ بصدقه لما سئلوا أَن يَأْتُوا بِعشر سور أَو بِسُورَة أَو بِآيَة من مثله وَمِنْهَا حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ وَقَول الْعَالم الَّذِي كَانَ يَأْتِي بَيت الْمُقَدّس فِي كل عَام مرّة لَهُ لَا أعلم فِي الأَرْض أعلم من يَتِيم أخرج من أَرض تهَامَة أَن تَنْطَلِق الْآن توافقه وَفِيه ثَلَاث خلال يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَعند غضروف كتفه الْأَيْمن خَاتم النُّبُوَّة مثل الْبَيْضَة لَوْنهَا لون جلده فَانْطَلق فَوَجَدَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوجد العلامات وَمِنْهَا شرح صَدره لما عرج بِهِ وَإِخْرَاج الْعلقَة الَّتِي هِيَ حَظّ الشَّيْطَان من قلبه ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم وإعادته وَقد تقدم ذكره وَمِنْهَا أخباره عَن بَيت الْمُقَدّس وَمَا فِيهِ وَهُوَ بِمَكَّة حِين ترددوا فِي

عروجه وسألوه أَن يصف لَهُم بَيت الْمُقَدّس فكشف الله لَهُ عَنهُ فوصفه لَهُم وَمِنْهَا انْشِقَاق الْقَمَر فلقَتَيْنِ حِين سَأَلته قُرَيْش آيَة وَأنزل ذكر ذَلِك فِي الْقُرْآن وَمِنْهَا أَن الْمَلأ من قُرَيْش جَلَسُوا فِي الْحجر بعد مَا تعاقدوا على قَتله فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخفضوا أَبْصَارهم وَسَقَطت أذقانهم فِي صُدُورهمْ وَلم يقم لَهُ مِنْهُم رجل وَأَقْبل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَامَ على رؤوسهم فَقبض قَبْضَة من تُرَاب وَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه ثمَّ حصبهم فَمَا أصَاب رجلا مِنْهُم من ذَلِك الْحَصَى حَصَاة إِلَّا قتل يَوْم بدر وَمِنْهَا أَنه رمى الْقَوْم يَوْم حنين بقبضة من تُرَاب فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى وَقَالَ بَعضهم لم يبْق منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عينه تُرَابا وَفِيه نزل {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وَمِنْهَا آيَة الْغَار إِذْ خرج الْقَوْم فِي طلبه فَعمى عَلَيْهِم أَثَره وصدوا عَنهُ وَهُوَ نصب أَعينهم وَبعث الله عنكبوتا فَنسجَتْ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنه مسح على ضرع عنَاق لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل فَدرت وَشرب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا أَنه مسح على ضرع شَاة أم معبد وَهِي حَائِل قد أجهدها الهزال

فَدرت وتحفل ضرْعهَا وَمِنْهَا دَعوته لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يعز الله بِهِ الْإِسْلَام أَو بِأبي جهل بن هِشَام فاستجيب فِي عمر وَمِنْهَا دَعوته لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن يذهب الله عَنهُ الْحر وَالْبرد فاذهبهما الله عَنهُ وَمِنْهَا أَنه دَعَا لَهُ وَهُوَ يشكو وجعا فَلم يشكه بعد وَمِنْهَا أَنه تفل فِي عَيْنَيْهِ وَهُوَ أرمد فبرأ من سَاعَته وَلم يرمد بعد ذَلِك وَمِنْهَا أَن رجل أَنْصَارِي أُصِيبَت فمسحها فبرأت من ساعتها وَمِنْهَا أَن سَلمَة أَصَابَته ضَرْبَة يَوْم

خَيْبَر فنفث فِيهَا ثَلَاث نفاث قَالَ فَمَا اشتكيتها حَتَّى السَّاعَة وَمِنْهَا دَعوته لعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن يفقهه فِي الدّين ويعلمه التَّأْوِيل فَكَانَ يدعى الْبَحْر لسعة علمه وَمِنْهَا دَعوته لجمل جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ فَصَارَ سَابِقًا بعد أَن كَانَ مَسْبُوقا وَمِنْهَا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى بَارك فِي ثَمَر جَابر حَتَّى قضى مِنْهُ دين أَبِيه وَفضل مِنْهُ ثَلَاثَة عشر وسْقا وَكَانَ سَأَلَ غُرَمَائه أَن يَأْخُذُوا التَّمْر بِمَا عَلَيْهِ فَأَبَوا وَمِنْهَا دَعوته لأنس رَضِي الله عَنهُ بطول الْعُمر وَكَثْرَة المَال وَالْولد وَأَن يُبَارك لَهُ فيهمَا فولد لَهُ مائَة وَعِشْرُونَ ولدا لصلبه وَكَانَ نخله يحمل فِي السّنة مرَّتَيْنِ وعاش مائَة سنة أَو نَحْوهَا

وَمِنْهَا أَنه شكى إِلَيْهِ قُحُوط الْمَطَر وَهُوَ على الْمِنْبَر فَدَعَا إِلَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاء قزعة فثارت سَحَابَة مثل الترس ثمَّ انتشرت ومطروا إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى حَتَّى شكوا إِلَيْهِ انْقِطَاع السبل فَدَعَا الله فارتفعت وَمِنْهَا دَعوته على عتبَة بن أبي لَهب أَن يُسَلط الله عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه فَقتله أَسد بالزرقاء من أَرض الشَّام وَمِنْهَا دَعوته على سراقَة لما أتبعه حِين هَاجر فارتطمت فرسه وَقد تقدم وَمِنْهَا شَهَادَة الشّجر لَهُ بالرسالة حِين عرض على أَعْرَابِي الْإِسْلَام فَقَالَ هَل من شَاهد على مَا تَقول فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الشَّجَرَة فَدَعَاهَا فَأَقْبَلت تخد الأَرْض حَتَّى قَامَت بَين يَدَيْهِ فاستشهدها ثَلَاثًا فَشَهِدت أَنه كَمَا قَالَ ثمَّ رجعت إِلَى منبتها وَمِنْهَا أَن أَعْرَابِيًا من بني عَامر قَالَ لَهُ إِنَّك تَقول أَشْيَاء فَهَل لَك أَن أداويك وَكَانَ يداوي ويعالج فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لَك أَن أريك آيَة وَعِنْده نخل وَشَجر فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عذقا مِنْهَا فَأقبل إِلَيْهِ وَهُوَ يسْجد وَيرْفَع رَأسه حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فَقَامَ بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْجع إِلَى مَكَانك فَرجع إِلَى مَكَانَهُ فَقَالَ العامري وَالله لَا أكذبك فِي شَيْء تَقوله أبدا وَمِنْهَا أَنه أَمر شجرتين فاجتمعتا ثمَّ أَمرهمَا فافترقت

وَمِنْهَا أَنه أَمر أنسا رَضِي الله عَنهُ أَن ينْطَلق إِلَى نخلات إِلَى جانبهن رجم من حِجَارَة فَيَقُول لَهُنَّ يَقُول لَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلقفن بَعْضكُم إِلَى بعض حَتَّى تكن سترا ليخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنس فَخرجت فَقلت لَهُنَّ الَّذِي أَمرنِي بِهِ فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ لكَأَنِّي أنظر إِلَى قفزهن بعروقهن وترابهن حَتَّى لصق بَعضهنَّ إِلَى بعض فَكُن كأنهن نَخْلَة وَاحِدَة وَكَأَنِّي أنظر إِلَى الرَّجْم وقفزه حجرا حجرا حَتَّى لصق بالنخلات وَعلا بَعضهم على بعض حَتَّى كن كُلهنَّ جدارا وَلما قضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجته قَالَ انْطلق فَقل لَهُنَّ يأمركن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعدن إِلَى مَا كنتن عَلَيْهِ فَقلت لَهُنَّ فَعَاد كل إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنه نَام فَجَاءَت شَجَرَة تشق الأَرْض حَتَّى قَامَت عَلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذكرت لَهُ فَقَالَ هِيَ شَجَرَة اسْتَأْذَنت رَبهَا فِي أَن تسلم عَليّ فَأذن لَهَا وَمِنْهَا تَسْلِيم الشّجر وَالْحجر عَلَيْهِ ليَالِي بعث وَمِنْهَا حنين الْجذع الَّذِي كَانَ يخْطب عَلَيْهِ حِين اتخذ الْمِنْبَر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا تَسْبِيح الْحَصَى فِي كَفه ثمَّ وَضعه فِي كف أبي بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان فسبح وَمِنْهَا تَسْبِيح طَعَام دَعَا أَصْحَابه إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَمِنْهَا تكليم الذِّرَاع من الشَّاة الَّتِي سمت بِأَنَّهَا مَسْمُومَة وَمِنْهَا شكوى الْبَعِير إِلَيْهِ إيذائه فِي الْعَمَل وَقلة الْعلف وَمِنْهَا أَن ظَبْيَة وَقعت فِي شبكة فَسَأَلته أَن يطلقهَا لترضع أَوْلَادهَا ثمَّ ترجع فأطلقها وَجلسَ حَتَّى رجعت وَجَاء صَاحبهَا فشفع إِلَيْهِ حَتَّى خلا سَبِيلهَا فَاتخذ الْقَوْم ذَلِك الْموضع مَسْجِدا وَمِنْهَا انقياد الفحلين من الْإِبِل لما عجز صَاحبهمَا عَن أخذهما جَاءَ فبركا بَين يَدَيْهِ فخطمهما ودفعهما إِلَيْهِ وَمِنْهَا أَنه أَرَادَ أَن ينْحَر بدنات سِتا أَو سبعا فجعلهن يزدلفن إِلَيْهِ بأيتهن يبْدَأ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا أَن عين قَتَادَة بن النُّعْمَان ندرت وَصَارَت فِي يَده فَردهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ

وَمِنْهَا إخْبَاره يَوْم بدر بمصارع الْمُشْركين فَلم يعد أحد مِنْهُم مصرعه الَّذِي عينه وَمِنْهَا أَنه أخبر أَن طوائف من أمته يغزون فِي الْبَحْر وَإِن أم حرَام بنت ملْحَان مِنْهُم فَكَانَ كَمَا قَالَ وَمِنْهَا قَوْله لعُثْمَان انه ستصيبه بلوى شَدِيدَة فَكَانَت وَقتل وَمِنْهَا قَوْله للْأَنْصَار إِنَّكُم سَتَرَوْنَ بعد إثره فَكَانَت فِي ولَايَة مُعَاوِيَة وَمِنْهَا قَوْله لِلْحسنِ إِن بني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين من الْمُسلمين عظمتين فَكَانَ كَذَلِك وَمِنْهَا أَنه أخبر بقتل الْعَنسِي الْكذَّاب لَيْلَة قَتله وَهُوَ بِصَنْعَاء الْيمن فَكَانَ كَذَلِك

وَمِنْهَا أَنه أخبر عَن الشيماء الْأَزْدِيَّة أَنَّهَا رفعت إِلَيْهِ فِي خمار أسود على بغلة شهباء فَأخذت فِي زمن أبي بكر الصّديق فِي جَيش خَالِد بن الْوَلِيد بِهَذِهِ الصّفة وَمِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (زويت لي الأَرْض مشارفها وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك أمتِي مَا زوى لي مِنْهَا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ملكهم من أول الْمشرق من بِلَاد التّرْك إِلَى بِلَاد الْمغرب وبحر الأندلس وبلاد البربر وَلم يتسعوا فِي الْجنُوب وَلَا فِي الشمَال وَمِنْهَا قَوْله لِثَابِت بن قيس (تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا) فَعَاشَ

حميدا وَقتل يَوْم الْيَمَامَة وَمِنْهَا أَن امْرَأَة أبي لَهب لما نزلت {تبت يدا أبي لَهب} جَاءَتْهُ وَمَعَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا امْرَأَة بذيئة وأخاف أَن تؤذيك فَلَو قُمْت قَالَ (إِنَّهَا لن تراني) فَجَاءَت فَقَالَت يَا أَبَا بكر إِن صَاحبك هجاني قَالَ مَا يَقُول الشّعْر قَالَت أَنْت عِنْدِي مُصدق وانصرفت فَقلت يَا رَسُول الله لم ترك قَالَ (لَا لم يزل ملك يسترني مِنْهَا بجناحه) وَمِنْهَا أَن رجلا ارْتَدَّ وَلحق بالمشركين فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَاتَ فَقَالَ (إِن الأَرْض لَا تقبله) قَالَ أَبُو طَلْحَة فَأتيت تِلْكَ الأَرْض الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَوَجَدته مَنْبُوذًا فَقلت مَا شَأْن هَذَا فَقَالُوا دفناه فَلم تقبله الأَرْض وَمِنْهَا أَن رجلا كَانَ يَأْكُل بِشمَالِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بيمينك فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا اسْتَطَعْت قَالَ فَمَا رَفعهَا بعد إِلَى فِيهِ وَمِنْهَا سُقُوط الْأَصْنَام الَّتِي فِي الْكَعْبَة بإشارته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مَسهَا بِشَيْء

وَهُوَ يَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل {إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} وَمِنْهَا أَن مَازِن بن الغضوبة كَانَ يعبد صنما فَسمع صَوتا من الصَّنَم يبشر بنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحضه على اتِّبَاعه وعَلى ترك عبَادَة الصَّنَم وَمِنْهَا أَن سَواد بن قَارب أَتَاهُ رُؤْيَة فِي ثَلَاث لَيَال مُتَتَابِعَات يضْربهُ بِرجلِهِ

ويوقظه ويخبره ببعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويحرضه على اتِّبَاعه وَمِنْهَا شَهَادَة الذِّئْب بنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا شَهَادَة الضَّب أَيْضا بنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا إطْعَام أهل الخَنْدَق وهم ألف من صَاع شعير فشبعوا وَانْصَرفُوا وَالطَّعَام أَكثر مِمَّا كَانَ وَمِنْهَا أَنه أطْعمهُم من تمر يسير جَاءَت بِهِ بنت بشير بن سعد إِلَى أَبِيهَا وخالها عبد الله بن رَوَاحَة وَمِنْهَا أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استأذنوه فِي نحر ظُهُورهمْ لقلَّة الزَّاد فَقَالَ لَا وَلَكِن ائْتُونِي بِمَا فضل من أزوادكم فبسطوا أنطاعا ثمَّ صبوا

عَلَيْهَا مَا فضل من أَزْوَادهم فَدَعَا لَهُم فِيهَا بِالْبركَةِ فَأَكَلُوا حَتَّى تضلعوا شبعا ثمَّ كفتوا مَا فضل مِنْهَا فِي جربهم وَمِنْهَا أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَتَاهُ بتمرات قد صفهن فِي يَده فَقَالَ يَا رَسُول الله ادْع الله لي فِيهِنَّ بِالْبركَةِ قَالَ فَدَعَا لي فِيهِنَّ بِالْبركَةِ وَقَالَ إِذا أردْت أَن تَأْخُذ شَيْئا فَأدْخل يدك وَلَا تنثره نثرا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فأخرجت من ذَلِك التَّمْر كَذَا وَكَذَا وسْقا فِي سَبِيل الله وَكُنَّا نطعم مِنْهُ ونطعم وَكَانَ فِي حقوى حَتَّى انْقَطع منى ليَالِي عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا أَنه أَتَى بقصعة من ثريد فَدَعَا عَلَيْهَا أهل الصّفة وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَجعلت أتطاول كي يدعوني حَتَّى قَامَ الْقَوْم وَلَيْسَ فِي الْقَصعَة إِلَّا شَيْء يسير فِي نَوَاحِيهَا فَجَمعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَ لقْمَة فوضعها على أَصَابِعه وَقَالَ لي كل بِسم الله فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا زلت آكل مِنْهَا حَتَّى شبعت وَمِنْهَا أَنه أروى أهل الصّفة من قدح لبن ثمَّ فضلت مِنْهُ فضلَة شربهَا أَبُو هُرَيْرَة ثمَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا أَنه أطْعم فِي بنائِهِ بِزَيْنَب من جَفْنَة ثريدا أَهْدَتْهَا لَهُ أم سليم

خلقا كثيرا ثمَّ رفعت وَلَا يدرى أَي الطَّعَام كَانَ فِيهَا أَكثر حِين وضعت أم حِين رفعت وَمِنْهَا أَنه أَتَى بقصعة من ثريد فَوضعت بَين يَدي الْقَوْم فتعاقبوها من غدْوَة إِلَى الظّهْر يقوم قوم وَيجْلس آخَرُونَ وَمِنْهَا أَنه أطْعم ثَمَانِينَ رجلا فِي بَيت أبي طَلْحَة من أَقْرَاص شعير جعلهَا أنس تَحت إبطه حَتَّى شَبِعُوا وبقى الطَّعَام كَمَا هُوَ وَمِنْهَا أَنه أَمر عمر رَضِي الله عَنهُ أَن يزود أَرْبَعمِائَة رَاكب من تمر فزودهم وبقى كَأَنَّهُ لم ينقص تَمْرَة وَاحِدَة وَمِنْهَا عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ حضرت صَلَاة الْعَصْر وَلَيْسَ مَعنا مَاء غير فضلَة فَجَعَلته فِي إِنَاء وأتى بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأدْخل يَده فِيهِ وَفرج بَين أَصَابِعه وَقَالَ (حَيّ على الْوضُوء وَالْبركَة من الله) قَالَ فَلَقَد رَأَيْت المَاء يتفجر من بَين أَصَابِعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَوَضَّأ النَّاس وَشَرِبُوا وَهُوَ ألف وَأَرْبَعمِائَة وَمِنْهَا عَنهُ قَالَ أصَاب النَّاس عَطش يَوْم الْحُدَيْبِيَة فهجش النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع يَده فِي مَاء قَلِيل فِي ركوة فَرَأَيْت المَاء مثل الْعُيُون وَكُنَّا خمس عشرَة مائَة

وَمِنْهَا أَنه أُوتى بقدح فِيهِ مَاء فَوضع أَصَابِعه فِي الْقدح فَمَا وسع أَصَابِعه كلهَا فَوضع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع وَقَالَ هلموا فَتَوضئُوا أَجْمَعِينَ وهم من السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ وَمِنْهَا أَنه أَتَى بِقَعْبٍ فِيهِ مَاء يسير فَوضع كَفه على الْقَعْب فَجعل المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِعه حَتَّى تَوَضَّأ الْقَوْم وهم زهاء ثَلَاثمِائَة وَمِنْهَا قَضِيَّة ذَات المزادتين وَشرب الْقَوْم من مزاديتها وملؤا ظروفهم وَلم ينقص مِنْهَا شَيْء وَمِنْهَا أَنه ورد فِي غَزْوَة تَبُوك على مَاء لَا يرْوى وَاحِدًا وَالْقَوْم عطاش فشكوا إِلَيْهِ فَأخذ سَهْما من كِنَانَته وَأمر من غرزه فِيهِ ففار المَاء وارتوى الْقَوْم وَكَانُوا ثَلَاثِينَ ألفا وَمِنْهَا أَن قوما شكوا إِلَيْهِ ملوحة فِي مَائِهِمْ وَإِنَّهُم فِي جهد من الظمأ لذَلِك ولقلته فجَاء إِلَيْهِم فِي نفر من أَصْحَابه حَتَّى وقف على بئرهم فتفل فِيهَا وَانْصَرف فتفجرت بِالْمَاءِ العذب الْمعِين وَمِنْهَا أَن أَبَا جهل طلب غرَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافاه سَاجِدا فَأخذ صَخْرَة بوسع طاقته وقوته وَأَقْبل بهَا حَتَّى أَرَادَ أَن يَطْرَحهَا عَلَيْهِ ألزقها الله بكفه وحيل بَينه وَبَينه

وَمِنْهَا أَنه كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الطَّائِف فَبَيْنَمَا هُوَ يسير لَيْلًا على رَاحِلَته بواد بِقرب الطَّائِف إِذا غشى سِدْرَة فِي سَواد اللَّيْل وَهُوَ فِي وَسن النّوم فانفجرت السِّدْرَة لَهُ نِصْفَيْنِ فَمر بَين نصفيها وَبقيت منفرجة على حالتها وَمِنْهَا أَن امْرَأَة أَتَتْهُ بصبي لَهَا فِيهِ عاهة فَمسح على رَأسه فَاسْتَوَى شعره وبرأ داؤه فَسمع أهل الْيَمَامَة بذلك فَأَتَت امْرَأَة بصبي لَهَا إِلَى مُسَيْلمَة فَمسح على رَأسه فتصلع شعره وبقى الصلع فِي نَسْله وَمِنْهَا أَن سيف عكاشة بن مُحصن انْكَسَرَ يَوْم بدر فَقَالَ يَا رَسُول الله انْكَسَرَ سَيفي فَأخذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جذلا من حطب وَأَعْطَاهُ إِيَّاه وَقَالَ هزه فهزه فَصَارَ سَيْفا فَتقدم وجالد بِهِ الْكفَّار وَكَانَ لم يزل بعد ذَلِك مَعَه وَمِنْهَا كتاب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة كَانَ قد بَعثه مَعَ امْرَأَة

إِلَيْهِم فاطلعه الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَبعث عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا فأدركاها فاستخرجاه من قُرُونهَا وَمِنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ربعَة من الْقَوْم إِذا مَشى مَعَ الطوَال طالهم وَمِنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سم لَهُ الطَّعَام مَاتَ الَّذِي أكله مَعَه وعاش صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده أَربع سِنِين وَمِنْهَا أَن رجلا كَانَ فِي عسكره لَا يدع شَاذَّة وَلَا فادة إِلَّا اتبعها يضْربهَا بِسَيْفِهِ فَقَالَ أَصْحَابه مَا أجزء منا الْيَوْم أَحَدكُمَا أجزء فلَان فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه من أهل النَّار فَقتل نَفسه وَمِنْهَا أَنه عرضت فِي الخَنْدَق كدية لما حفروه فَأخذ الْمعول فضربها فَصَارَت كثيبا أهيل وَمِنْهَا أَن قَاتل أَبَا رَافع تَاجر أهل الْحجاز لما سقط من علو انْكَسَرت رجله فمسحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَأَنَّهُ لم يشكها قطّ وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المعجزات الظَّاهِرَة والبراهين الباهرة مَا هِيَ أَكثر من أَن تحصى وَالله أعلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم

الفصل العاشر في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من تزوج خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب وَبقيت عِنْده حَتَّى بَعثه الله تَعَالَى فآمنت بِهِ وَكَانَ قد تزَوجهَا قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَانِ أَولهمَا وَهِي بكر عَتيق بن عايذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ جَارِيَة ثمَّ هلك عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا أَبُو هَالة النباش بن زُرَارَة وَقيل هِنْد بنت زُرَارَة التَّمِيمِي فَولدت لَهُ ابْنا وبنتا ثمَّ هلك عَنْهَا فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَاتَتْ عِنْده فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَلم يتَزَوَّج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَت وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أذكر خَدِيجَة لم يكن يسأم من ثَنَاء عَلَيْهَا واستغفار لَهَا فَذكرهَا ذَات يَوْم فاحتملتني الْغيرَة فَقلت لقد عوضك الله من كَبِيرَة السن قَالَت فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غضب غَضبا شَدِيدا وَسَقَطت فِي جلدي وَقلت اللَّهُمَّ أذهب غضب رَسُولك لم أعد أذكرها بِسوء مَا بقيت قَالَ فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لقِيت قَالَ (كَيفَ قلت وَالله لقد آمَنت بِي إِذْ كفر بِي النَّاس وآوتني إِذْ رفضني النَّاس وصدقتني إِذْ كَذبَنِي النَّاس وَرزقت مِنْهَا الْوَلَد حَيْثُ حرمتموه قَالَت فعذر وَرَاح على بهَا شهرا وروى أَنه أول من أسلم من النِّسَاء خَدِيجَة بنت

خويلد وَقد تقدم ذكر ذَلِك ثمَّ تزوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد وَفَاة خَدِيجَة سَوْدَة بنت زَمعَة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة وَكَانَت قبْلَة عِنْد السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سُهَيْل بن عَمْرو وَكَبرت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَرَادَ طَلاقهَا فَوهبت نوبتها من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَت لَا رَغْبَة لي فِي الرِّجَال وَإِنَّمَا أُرِيد أَن أحْشر فِي أَزوَاجك فَأَمْسكهَا وَصَارَ يقسم نِسَاءَهُ دونهَا ونوبتها لعَائِشَة وَتزَوج عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق عبد الله بن أبي 0 قُحَافَة عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب التَّيْمِيّ بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقيل بِثَلَاث وَهِي ابْنة سِتّ سِنِين وَقيل سبع وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِي بنت تسع على رَأس سَبْعَة أشهر من الْهِجْرَة وَقيل ثَمَانِيَة عشر عشرا وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشرَة سنة وَتوفيت بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَخمسين وَقيل سنة سبع وَخمسين ودفنت بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة

وَلم يتَزَوَّج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكرا غَيرهَا وكنيتها أم عبد الله وروى أَنَّهَا أسقطت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سقطا وَلم يثبت وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب بن لوى وَكَانَت قبله تَحت خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي وَكَانَ صحابيا بَدْرِيًّا توفى بِالْمَدِينَةِ وروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تراجع حَفْصَة فَإِنَّهَا قَوَّامَة صَوَّامَة وروى أَنه لما بلغ عمر طَلاقهَا حثى على رَأسه التُّرَاب وَقَالَ مَا يعبأ الله بعمر وَابْنَته بعد هَذَا فَنزل جِبْرِيل من الْغَد وَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَأْمُرك أَن تراجع حَفْصَة رَحْمَة لعمر وَتوفيت حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا فِي شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعين عَام فتحت إفريقية فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَهِي ابْنة سبعين سنة وَقيل سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَتزَوج أم حَبِيبَة رَملَة بنت أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس

ابْن عبد منَاف وَكَانَت قبله تَحت عبيد الله بن جحش وَهَاجَرت مَعَه إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَتَنَصَّرَ بهَا وَأتم الله لَهَا الْإِسْلَام وَتَزَوجهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بِالْحَبَشَةِ وَأصْدقهَا عَنهُ النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَبعث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِيهَا إِلَى الْحَبَشَة وَولى نِكَاحهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَقيل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ توفيت سنة أَربع وَأَرْبَعين

وَتزَوج أم سَلمَة هِنْد بنت أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم بن نفطة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي وَكَانَت قبله تَحت أَبى سلمه عبد الله بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَولدت لَهُ عمر وَزَيْنَب فَكَانَا ربيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عمر مَعَ عَليّ يَوْم الْجمل وولاه الْبَحْرين وَله عقب بِالْمَدِينَةِ توفيت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ودفنت بِالبَقِيعِ وَهِي آخر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفاه وَقيل مَيْمُونَة آخِرهنَّ وَتزَوج زَيْنَب بنت جحش ابْن رِئَاب بن يعمر بن صبرَة بن مرّة بن كثير

بن عثم بن دَاوُود بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَهِي ابْنة عمته أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب وَكَانَت قبله عِنْد مولاة زيد بن حارثه فَطلقهَا فَزَوجهُ الله إِيَّاهَا من السَّمَاء وَلم يعْقد عَلَيْهَا وَصَحَّ أَنَّهَا كَانَت تَقول لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوجكن آباءكن وزوجني الله من فَوق سبع سماوات وَتوفيت بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين ودفنت بِالبَقِيعِ وَهِي أول من مَاتَ من أَزوَاجه بعده وَأول من حمل عَليّ نعش وَتزَوج جوَيْرِية بنت أبي الْحَارِث بن أبي ضرار بن الْحَارِث بن العايد بن مَالك بن المصطلق الْخُزَاعِيَّة سبيت فِي غَزْوَة بني المصطلق فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس فكاتبها فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تستعينه فِي كتَابَتهَا وَكَانَت امْرَأَة ملاحة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَو خير من ذَلِك أؤدي عَنْك وأتزوجك) فَقبلت فقضي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا وَتَزَوجهَا فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَتوفيت فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت يحي بن أَخطب بن أبي يحي بن

كَعْب بن الْخَزْرَج النَّضْرِية من ولد هَارُون بن عمرَان أَخ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِمَا السَّلَام سبيت من خَيْبَر سنة سبع من الْهِجْرَة فاصطفاها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنَفسِهِ وأعتقها وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَكَانَت قبله تَحت كنَانَة بن أبي الْحقيق قَتله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفيت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة خمسين وَقيل إِنَّهَا آخر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ موتا وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة بنت الْحَارِث بن حزن بن بجير بن ألزم بن رويبة بن عبد منَاف بن هِلَال بن عَامر بن صعصعة وَهِي خَالَة خَالِد بن الْوَلِيد وَعبد الله بن عَبَّاس تزَوجهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرف وبنا بهَا فِيهِ وَمَاتَتْ فِيهِ ودفنت فِيهِ وَقد تقدم ذكر ذَلِك وَهِي آخر من تزوج من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَآخر من توفّي مِنْهُنَّ حَكَاهُ الْمُنْذِرِيّ

وَكَانَت قبله تَحت أبي سُبْرَة العامري توفيت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ فَهَؤُلَاءِ غير خَدِيجَة جملَة من مَاتَ عَنْهُن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النِّسَاء وَتزَوج زَيْنَب بنت خُزَيْمَة بن الْحَارِث بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد منَاف ابْن هِلَال وَكَانَت تسمى أم الْمَسَاكِين لِكَثْرَة إطعامها الْمَسَاكِين وَكَانَت قبله تَحت عبد الله بن جحش وَقيل الطُّفَيْل بن الْحَارِث وَتَزَوجهَا سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَلم تلبث إِلَّا يَسِيرا شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة وَمَاتَتْ عِنْده وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك بعد وَفَاة ابْنَته زَيْنَب وَخَيرهَا حِين نزلت آيَة التَّخْيِير فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا ففارقها فَكَانَت بعد ذَلِك تلقط البعر تَقول أَنا

الشقية اخْتَرْت الدُّنْيَا وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إساف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل وَقيل خَوْلَة بنت حَكِيم وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل إِن الواهبة نَفسهَا أم شريك وَيجوز أَن تَكُونَا وهبتا أَنفسهمَا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسمَاء بنت كَعْب الْجَوْنِية وَعمرَة بنت يزِيد إِحْدَى نسَاء بني كلاب ثمَّ من بني الوحيد وطلقهما من قبل أَن يدْخل بهَا وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من غفار فَلَمَّا نزعت ثِيَابهَا رَأْي بهَا بَيَاضًا فَقَالَ

الحقي بأهلك وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة تميمية فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ (منع الله عايذة الحقي بأهلك) وَقيل إِن بعض نِسَائِهِ علمتها ذَلِك وَقَالَت لَهَا إِنَّك تحظين بِهِ عِنْده وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عالية بنت ظبْيَان فَطلقهَا حِين أدخلت عَلَيْهِ وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنا بنت الصَّلْت وَمَاتَتْ قبل أَن يدْخل عَلَيْهَا وَتزَوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مليكَة الليثية فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَ لَهَا هبي لي نَفسك قَالَت وَهل تهب الملكة نَفسهَا للسوقة فسرحها وخطب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من مرّة فَقَالَ أَبوهَا إِن بهَا برصا وَلم يكن بهَا فَرجع

فَإِذا هِيَ برصاء وخطب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من أَبِيهَا فوصفها لَهُ وَقَالَ أزيدك أَنَّهَا لم تمرض قطّ فَقَالَ مَا لهَذَا عِنْد الله من خير فَتَركهَا وَقيل إِنَّه تزَوجهَا فَلَمَّا قَالَ أَبوهَا ذَلِك طَلقهَا وَلم يبن بهَا وَذكر أَبُو سعد فِي شرف النُّبُوَّة أَن جملَة أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى وَعِشْرُونَ امْرَأَة طلق مِنْهُنَّ سِتا وَمَات عِنْده خمس وَتُوفِّي عَن عشرَة وَاحِدَة لم يدْخل بهَا وَكَانَ يقسم لتسْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ صداقه لنسائه خمس مائَة دِرْهَم لكل وَاحِدَة هَذَا أصح مَا قيل إِلَّا صَفِيَّة فَإِنَّهُ جعل عتقهَا صَدَاقهَا لم يرو لَهَا صدَاق غَيره وَأم حَبِيبَة أصدقهَا عَنهُ النَّجَاشِيّ

الفصل الحادي عشر في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي ذكر أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذُكُور أَوْلَاده ولدت لَهُ خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا عبد منَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام الْقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله وَيُسمى الطّيب والطاهر وَقيل الطّيب غير الطَّاهِر وَالْإِنَاث زَيْنَب ورقية

وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَن أَوْلَاده كلهم ولدُوا قبل الْإِسْلَام وَهلك البنون قبل الْإِسْلَام وهم يرضعون وَقيل مَاتَ الْقَاسِم وَهُوَ ابْن سنتَيْن وَقيل بلغ أَن يركب الدَّابَّة ويسير على النجيبه وَأما الْبَنَات فأدركن الْإِسْلَام وآمن بِهِ واتبعنه وهاجرن مَعَه وَقيل ولدُوا كلهم فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا عبد الله وأكبر بنيه الْقَاسِم ثمَّ الطّيب ثمَّ الطَّاهِر وأكبر بَنَاته زَيْنَب ثمَّ رقية وَقيل رقِيه ثمَّ زَيْنَب ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ أم كُلْثُوم وَقيل فَاطِمَة أصغرهن هَؤُلَاءِ كلهم من خَدِيجَة ولدُوا بِمَكَّة

وَولد لَهُ بِالْمَدِينَةِ من جَارِيَته مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِبْرَاهِيم وَمَات بهَا وَهُوَ ابْن سبعين لَيْلَة وَقيل ابْن سَبْعَة أشهر وَقيل ثَمَانِيَة عشر شهرا وكل أَوْلَاده مَاتُوا قبله إِلَّا فَاطِمَة فَإِنَّهَا مَاتَت بعده بِسِتَّة أشهر

الفصل الثاني عشر في ذكر من تزوج ببناته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي ذكر من تزوج ببناته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن أَربع زَيْنَب تزَوجهَا أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس وَهُوَ ابْن خَالَتهَا أمه هَالة بنت خويلد أُخْت خَدِيجَة وَكَانَت خَدِيجَة أشارت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزواجها مِنْهُ وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُخَالِفهَا وَذَلِكَ قبل أَن ينزل عَلَيْهِ وَكَانَ من رجال مَكَّة الْمَعْدُودين فِي المَال وَالتِّجَارَة وَالْأَمَانَة وَلما بَادر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا بِأَمْر الله جَاءُوا إِلَى أبي الْعَاصِ وَقَالُوا لَهُ فَارق صَاحبَتك وَنحن نُزَوِّجك بِأَيّ امْرَأَة شِئْت فَقَالَ لَا أُفَارِق صَاحِبَتي وَمَا يسرني أَن لي بامرأتي أفضل من قُرَيْش وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ الْإِسْلَام قد فرق بَين زَيْنَب وَبَين أبي الْعَاصِ حِين أسلمت إِلَّا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يقدر على أَن يفرق بَينهمَا وَكَانَ مَغْلُوبًا بِمَكَّة وَلما أسر الْمُسلمُونَ أَبَا الْعَاصِ أرسل إِلَى زَيْنَب خذي لي أَمَانًا من أَبِيك فَخرجت فاطلعت رَأسهَا من بَاب حُجْرَتهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقَالَت أَيهَا النَّاس أَنا زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أجرت أَبَا الْعَاصِ فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَيهَا النَّاس أعلم إِنِّي لم أعلم بِهَذَا حَتَّى سمعتموه إِلَّا وَإنَّهُ يجير على الْمُسلمين أَدْنَاهُم)

وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد زَيْنَب على أبي الْعَاصِ بِمهْر وَنِكَاح جَدِيد وَولدت زَيْنَب لأبي الْعَاصِ عليا مَاتَ صَغِيرا وأمامة الَّتِي حملهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة وَعَاشَتْ حَتَّى تزَوجهَا عَليّ بعد موت فَاطِمَة فَكَانَت عِنْده حَتَّى أُصِيب فخلف عَلَيْهَا الْمُغيرَة بن يزِيد بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَتُوُفِّيَتْ عِنْده فَاطِمَة تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِسْلَام فَولدت لَهُ حسنا ومحسنا وَحسَيْنا فَذهب محسن صَغِيرا وَولدت رقية وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم فَهَلَكت رقية وَلم تبلغ وَتزَوج زَيْنَب عبد الله بن جَعْفَر فَمَاتَتْ عِنْده وَولدت لَهُ عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر وَتزَوج أم كُلْثُوم عمر بن الْخطاب فَولدت لَهُ زيد بن عمر ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده عون بن جَعْفَر فَلم تَلد لَهُ شَيْئا حَتَّى مَاتَ وَخلف عَلَيْهَا بعد عون مُحَمَّد بن جَعْفَر فَولدت لَهُ جَارِيَة وَمَات عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا عبد الله بن جَعْفَر فَلم تَلد لَهُ شَيْئا وَمَاتَتْ عِنْده وَقيل توفى عَنْهَا

رقية تزَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ عبد الله وَبِه كَانَ يكنى ثمَّ كنى بِأبي عَمْرو بعد ذَلِك ويكل كَانَ يكنى وَكَانَت قبله عِنْد عتبَة بن أبي لَهب وَلم يبن بهَا حَتَّى بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أنزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ {تبت يدا أبي لَهب وَتب} وَآمَنت رقية قَالَت لَهُ أمه جميلَة بنت حَرْب بن أُميَّة حمالَة الْحَطب طَلقهَا يَا بني فَإِنَّهَا قد صبَّتْ فَطلقهَا فخلف عَلَيْهَا عُثْمَان بن عَفَّان وَقيل إِن نِكَاح عُثْمَان كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَهَاجَر عُثْمَان إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَهَاجَر بهَا مَعَه وَتوفيت رقية يَوْم جَاءَ زيد بن حارثه بشيرا بِفَتْح بدر جَاءَ وَعُثْمَان وَاقِف على قبر رقية يدفنها وَكَانَ تمريضها مَنعه من شُهُود بدر وَضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَهْم من غنيمتها وروى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عزى بابنته رقية قَالَ الْحَمد لله (دفن الْبَنَات من المكرمات)

أم كُلْثُوم تزَوجهَا عُثْمَان بعد موت أُخْتهَا رقية وَكَانَت قبله عِنْد عتيبة بن أبي لَهب خي عتبَة زوج رقية فَلَمَّا نزلت {تبت يدا أبي لَهب وَتب} قَالَ أَبُو لَهب رَأْسِي من رؤوسكما حرَام إِذا لم تطلقَا ابْنَتي مُحَمَّد فطلقاهما وَلم يبنيا بهما وَجَاء عتيبة حِين فَارق أم كُلْثُوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ كفرت بِدينِك وَفَارَقت ابْنَتك وسطا عَلَيْهِ وشق قَمِيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنِّي أسأَل الله إِن يُسَلط عَلَيْك كَلْبا من كلابه وَكَانَ خَارِجا إِلَى الشَّام تَاجِرًا مَعَ نفر من قُرَيْش حَتَّى نزلُوا مَكَانا من الشَّام يُقَال لَهُ الزَّرْقَاء لَيْلًا فأطاف بهم الْأسد تِلْكَ اللَّيْلَة فَجعل عتيبة يَقُول يَا ويل أمه هُوَ وَالله أكله بدعوة مُحَمَّد قاتلي ابْن أبي كَبْشَة وَهُوَ بِمَكَّة وَأَنا بِالشَّام وَقَالَ أَبُو لَهب يَا معشر قُرَيْش أعينوني هَذِه اللَّيْلَة فَإِنِّي أَخَاف دَعْوَة مُحَمَّد فَجمعُوا أحمالهم ففرشوا لعتيبة فِي أَعْلَاهَا وناموا حوله فَقيل إِن الْأسد انْصَرف عَنْهُم حَتَّى نَامُوا وعتيبة فِي وَسطهمْ ثمَّ أقبل الْأسد يَتَخَطَّاهُمْ ويتشممهم حَتَّى أَخذ بِرَأْس عتيبة فقدعه وَلم تَلد أم كُلْثُوم لعُثْمَان شَيْئا وَقيل ولدت لَهُ فَلم يَعش مِنْهَا وَلَا من أُخْتهَا لَهُ ولد وَتوفيت عِنْده فِي شعْبَان سنة تسع وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو كَانَت عندنَا ثَالِثَة زَوَّجْنَاكهَا يَا

عُثْمَان) وَجلسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبرها قَالَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن زُرَارَة فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تدمعان وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل مِنْكُم أحد لم يقارف اللَّيْلَة أَهله قَالَ أَبُو طَلْحَة أَنا يَا رَسُول الله قَالَ انْزِلْ يَعْنِي فوارها

الفصل الثالث عشر في ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي ذكر أَعْمَامه وعماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ من العمومة إِحْدَى عشر أَوْلَاد عبد الْمطلب الْحَارِث وَبِه كَانَ يكني لِأَنَّهُ أكبر وَلَده وَمن وَلَده وَولد جمَاعَة لَهُم صُحْبَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث أسلم عَام الْفَتْح وَشهد حنينا وَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَبُو سُفْيَان سيد فتيَان الْجنَّة) وَلم يعقب وَنَوْفَل بن الْحَارِث هَاجر وَأسلم أَيَّام الخَنْدَق وَله عقب وَعبد شمس وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله وعقبه بِالشَّام الثَّانِي قثم مَاتَ صَغِيرا وَهُوَ أَخُو الْحَارِث لأمه الثَّالِث الزبير وَكَانَ من أَشْرَاف

قُرَيْش وَابْنه عبد الله بن الزبير شهد حنينا وَثَبت يَوْمئِذٍ وَاسْتشْهدَ بأجنادين وروى أَنه وجد إِلَى جنبه سَبْعَة قد قَتلهمْ وقتلوه وضباعة بنت الزبير لَهَا صُحْبَة وَأم الحكم بنت الزبير رَوَت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّابِع حَمْزَة بن عبد الْمطلب أَسد الله وَأسد رَسُوله وَأَخُوهُ من الرضَاعَة أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَشهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا وَلم يكن لَهُ إِلَّا ابْنة الْخَامِس أَبُو الْفضل الْعَبَّاس أسلم وَحسن إِسْلَامه وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ أسن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد الْفضل وَهُوَ أكبر

وَلَده وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله وَعبيد الله وَقثم وَلَهُم صُحْبَة وَكَانَ لَهُ السِّقَايَة وزمزم دَفعهَا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح توفى سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ بعد أَن كف بَصَره السَّادِس أَبُو طَالب واسْمه عبد منَاف وَهُوَ أَخُو عبد الله أبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمه وعاتكة صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي بدر أمّهم فَاطِمَة بنت عَمْرو بن عايذ بن مَخْزُوم وَله من الْوَلَد طَالب مَاتَ كَافِرًا وَعقيل وجعفر وَعلي وَأم هَانِئ لَهُم صُحْبَة وَاسم أم هَانِئ فَاخِتَة وَقيل هِنْد وجمانة ذكرت فِي

أَوْلَاده أَيْضا السَّابِع أَبُو لَهب واسْمه عبد الْعُزَّى كناه أَبوهُ بذلك لحسن وَجهه وَمن أَوْلَاده عتبَة ومعتب ثبتا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين ودره وَلَهُم صُحْبَة وعتيبة قَتله الْأسد بالزرقاء من أَرض الشَّام على كفره بدعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّامِن عبد الْكَعْبَة التَّاسِع حجل واسْمه المغير الْعَاشِر ضرار أَخُو الْعَبَّاس لأمه الْحَادِي عشر الغيداق وَسمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ أكْرم قُرَيْش وَأَكْثَرهم طَعَاما روى ابْن ماجة بِسَنَدِهِ عَن عَليّ بن صَالح قَالَ كَانَ ولد عبد الْمطلب

كل وَاحِد مِنْهُم يَأْكُل جذعه وَكَانَ لَهُ من العمات سِتّ صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب أسلمت وَهَاجَرت وَهِي أم الزبير بن الْعَوام توفيت بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَهِي أُخْت حَمْزَة لأمه الثَّانِيَة عَاتِكَة قيل إِنَّهَا أسلمت وَهِي صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي بدر وَكَانَت عِنْد أبي أُميَّة بن المغير بن عبد الله بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ عبد الله أسلم وَله صُحْبَة وزهيرا وقريبه الْكُبْرَى الثَّالِثَة أروى وَكَانَت عِنْد عميرَة بن وهب بن عبد الدَّار بن قصي فَولدت لَهُ طليب بن عُمَيْر وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أجنادين شَهِيدا لَيْسَ لَهُ عقب الرَّابِعَة أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب كَانَت عِنْد جحش بن رياب

ولدت لَهُ عبد الله قتل بِأحد شَهِيدا وَأَبا أَحْمد الْأَعْمَى الشَّاعِر واسْمه عبد وَزَيْنَب زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحبيبة وَحمْنَة كلهم لَهُم صُحْبَة وَعبيد الله بن جحش أسلم ثمَّ تنصر وَمَات بِالْحَبَشَةِ كَافِرًا الْخَامِسَة برة وَكَانَت عِنْد عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة واسْمه عبد الله وَكَانَ زوج أم سَلمَة قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا بعد عبد الْأسد أَبُو رهم بن عبد الْعُزَّى بن أبي قيس فَولدت لَهُ أَبَا سُبْرَة بن أبي رهم السَّادِسَة أم حَكِيم وَاسْمهَا الْبَيْضَاء وَكَانَت عِنْد كريز بن ربيعَة ابْن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف فَولدت لَهُ أروى بنت كريز وَهِي أم عُثْمَان بن عَفَّان

الفصل الرابع عشر في ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الرَّابِع عشر فِي ذكر موَالِيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موَالِيه الذُّكُور وَله من الرِّجَال أحد وَثَلَاثُونَ الأول زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل الْكَلْبِيّ وَكَانَ لِخَدِيجَة فاستوهبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا بعد أَن تزَوجهَا فَأعْتقهُ الثَّانِي ابْنه أُسَامَة بن زيد وَكَانَ يُقَال لَهُ حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بن حب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّالِث ثَوْبَان بن بجدد وَكَانَ لَهُ نسب فِي الْيمن الرَّابِع أَبُو كَبْشَة من مولدى مَكَّة وَقيل أَرض دوس قيل اسْمه سليم شهد بَدْرًا ابتاعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْتقهُ توفى أول يَوْم اسْتخْلف فِيهِ عمر

الْخَامِس أنيسه من مولدِي السراه اشْتَرَاهُ وَأعْتقهُ السَّادِس شقران واسْمه صَالح وَقيل وَرثهُ من أَبِيه وَقيل اشْتَرَاهُ من عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأعْتقهُ السَّابِع رَبَاح أسود نوبى اشْتَرَاهُ من وَفد عبد الْقَيْس فاعتقه الثَّامِن يسَار نوبى أَصَابَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض غَزَوَاته وَهُوَ الَّذِي قَتله العرنيون قطعُوا يَده وَرجله وغرزوا الشوك فِي عَيْنَيْهِ وَاسْتَاقُوا لقاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأدْخل الْمَدِينَة مَيتا التَّاسِع أَبُو رَافع اسْمه أسلم وَقيل إِبْرَاهِيم وَكَانَ عبدا للْعَبَّاس فوهبه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْتقهُ حِين بشره بِإِسْلَام عَمه الْعَبَّاس وزوجه سلمى مولاته فَولدت لَهُ

عبيد الله وَكَانَ عبيد الله كَاتبا لعَلي رَضِي الله عَنهُ خِلَافَته كلهَا الْعَاشِر أَبُو مويهبة من مولدِي مزينة اشْتَرَاهُ وَأعْتقهُ الْحَادِي عشر فضَالة نزل الشَّام وَمَات بهَا الثَّانِي عشر رَافع كَانَ مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ فورثه وَلَده فَأعْتقهُ بَعضهم وَتمسك بَعضهم فجَاء رَافع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستعينه فوهبه لَهُ وَكَانَ يَقُول أَنا مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّالِث عشر مدعم أسود وهبه لَهُ رِفَاعَة بن زيد الجذامي قتل بوادي الْقرى أَصَابَهُ سهم وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الشملة الَّتِي غلها تشتعل عَلَيْهِ نَارا)

الرَّابِع عشر كركرة وَكَانَ على ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ نوبيا أهداه لَهُ هَوْذَة ابْن على الحنفى فَأعْتقهُ الْخَامِس عشر زيد جد هِلَال ابْن يسَاف ابْن زيد السَّادِس عشر عبيد السَّابِع عشر طهْمَان الثَّامِن عشر مَأْبُور القبطي أهداه إِلَيْهِ الْمُقَوْقس التَّاسِع عشر وَاقد الْعشْرُونَ أَبُو وَاقد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ هِشَام

الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أَبُو ضَمرَة كَانَ مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله فَأعْتقهُ الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أَبُو عبيد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ حنين الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عسيب واسْمه أَحْمَر السَّادِس وَالْعشْرُونَ سفينة كَانَ عبدا لأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْتقهُ وشرطت عَلَيْهِ أَن يخْدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيَاته فَقَالَ لَو لم تشترطي عَليّ مَا فارقته وَكَانَ اسْمه رَبَاح وَقيل مهْرَان فَسَماهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفينة لِأَنَّهُ كَانَ مَعَهم فِي سفر فَكَانَ كل من أعى ألْقى عَلَيْهِ مَتَاعه ترسا أَو سَيْفا فَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَنْت سفينة وَكَانَ أسود من مولدى الْأَعْرَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ أَبُو هِنْد وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (زوجوا أَبَا هِنْد وَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِ) ابتاعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منصرف من الْحُدَيْبِيَة

واعتقه الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أَنْجَشَة وَكَانَ حَادِيًا للجمال وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ (رويدك يَا أَنْجَشَة رفقا بِالْقَوَارِيرِ) التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أنسه وَكَانَ حَبَشِيًّا فصيحا شهد بَدْرًا وَأعْتقهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ الثَّلَاثُونَ أَبُو لبَابَة كَانَ لبَعض عماته فَوَهَبته لَهُ فَأعْتقهُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ رويفع سباه من هوَازن فَأعْتقهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَؤُلَاءِ المشهورون وَقد قيل إِنَّهُم أَرْبَعُونَ موَالِيه الْإِنَاث وَمن الْإِمَاء سبع الأولى سلمى أم رَافع

الثَّانِيَة بركَة أم أَيمن ورثهَا عَن أَبِيه وَكَانَت حاضنته وَهِي أم أُسَامَة بن زيد الثَّالِثَة مَارِيَة الرَّابِعَة رَيْحَانَة الْخَامِسَة مَيْمُونَة بنت سعد السَّادِسَة حَضْرَة السَّابِعَة رضوى

الفصل الخامس عشر في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي ذكر خدمه من الْأَحْرَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم إِحْدَى عشر الأول أنس بن مَالك بن النَّضر الْأنْصَارِيّ الثَّانِي وَالثَّالِث هِنْد وَأَسْمَاء ابْنا حَارِثَة الأسلميان الرَّابِع ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ الْخَامِس عبد الله بن مَسْعُود وَكَانَ صَاحب نَعْلَيْه إِذا قَامَ ألبسهُ إيَّاهُمَا وَإِذا جلس جَعلهمَا فِي ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يقوم السَّادِس عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ وَكَانَ صَاحب بغلته يَقُود بِهِ فِي الْأَسْفَار

السَّابِع بِلَال بن رَبَاح الْمُؤَذّن الثَّامِن سعد مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ التَّاسِع ذُو مخمر بن أخي النَّجَاشِيّ وَقيل ابْن أُخْته وَيُقَال ذُو مخنز الْعَاشِر بكير بن شَدَّاخٍ اللَّيْثِيّ وَقيل بكر الْحَادِي عشر أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ

الفصل السادس عشر فيمن كان يحرسه في غزواته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل السَّادِس عشر فِيمَن كَانَ يَحْرُسهُ فِي غَزَوَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ثَمَانِيَة سعد بن معَاذ حرسه يَوْم بدر حِين نَام بالعريش ذكْوَان بن عبد الله بن قيس مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ حرسه بِأحد الزبير بن الْعَوام حرسه يَوْم الخَنْدَق عباد بن بشير وَكَانَ يَلِي حرسه سعد بن أبي وَقاص

أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ حرسه بِخَيْبَر لَيْلَة بني بصيفة بِلَال حرسه بوادي الْقرى وَلما نزل {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس} ترك الحرس

الفصل السابع عشر في ذكر رسله صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل السَّابِع عشر فِي ذكر رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم أحد عشر الأول عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي أرْسلهُ إِلَى النَّجَاشِيّ واسْمه أَصْحَمَة وَمَعْنَاهُ عَطِيَّة فَأخذ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَنزل على سَرِيره فَجَلَسَ على الأَرْض وَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَصلى عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مَاتَ وروى أَنه كَانَ لَا يزَال يرى النُّور فِي قَبره الثَّانِي دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ بَعثه إِلَى قَيْصر ملك الرّوم واسْمه هِرقل فَسَأَلَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت عِنْده صِحَة نبوته فهم بِالْإِسْلَامِ فَلم توافقه الرّوم وخافهم على ملكه فَأمْسك الثَّالِث عبد الله بن حذافة السَّهْمِي بَعثه إِلَى كسْرَى ملك فَارس فمزق كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مزق الله ملكه) فمزق الله ملكه وَقَومه

الرَّابِع حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ بَعثه الى الْمُقَوْقس ملك الْإسْكَنْدَريَّة ومصر فَقَالَ: خيرا وقارب الْأَمر وَلم يسلم وَأهْدى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَأُخْتهَا سِيرِين البغلة الشَّهْبَاء الْمُسَمَّاة بالدلدل وقنى فوهب سِيرِين لحسان بن ثَابت فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن واستولد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَارِيَة فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم الْخَامِس عَمْرو بن الْعَاصِ بَعثه إِلَى ملكى عمان جَيْفَر وَعبد ابنى الجلندي وهما من الأزد فَأَسْلمَا وصدقا وخليا بَين عَمْرو وَبَين الصَّدَقَة وَالْحكم فِيمَا بَينهم فَلم يزل عِنْدهم حَتَّى توفى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّادِس سليط بن عَمْرو العامري بَعثه إِلَى الْيَمَامَة إِلَى هَوْذَة بن عَليّ الْحَنَفِيّ فَأكْرمه ونزله وَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحسن مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وأجمله وَأَنا خطيب قومِي وشاعرهم فَاجْعَلْ لي بعض الْأَمر فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلم وَمَات زمن الْفَتْح

السَّابِع شُجَاع بن وهب الْأَسدي بَعثه إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من أَرض الشَّام قَالَ شُجَاع فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ بغوطة دمشق فَقَرَأَ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رمى بِهِ وَقَالَ أَنا سَائِر إِلَيْهِ وعزمي على ذَلِك فَمَنعه قَيْصر الثَّامِن المُهَاجر بن أبي أُميَّة المخزمي بَعثه إِلَى الْحَارِث الْحِمْيَرِي أحد مقاولة الْيمن التَّاسِع الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ بَعثه إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى العبدى ملك الْبَحْرين وَكتب إِلَيْهِ يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَصدق الْعَاشِر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بَعثه إِلَى الْيمن

الْحَادِي عشر معَاذ بَعثه مَعَ أبي مُوسَى وَكَانَا جَمِيعًا فِي جملَة الْيمن داعين إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم عَامَّة أهل الْيمن مُلُوكهمْ وعامتهم طَوْعًا من غير قتال

الفصل الثامن عشر في ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّامِن عشر فِي ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ثَلَاثَة عشر أَبُو بكر الصّديق عُثْمَان بن عَفَّان عَليّ بن أبي طَالب عَامر بن فهَيْرَة عبد الله بن الأرقم أبي بن كَعْب ثَابت بن قيس بن شماس خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ حَنْظَلَة بن الرّبيع الْأَسدي زيد بن ثَابت مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان شُرَحْبِيل بن حَسَنَة وَكَانَ مُعَاوِيَة وَزيد بن ثَابت ألزمهم لذَلِك وأخصهم بِهِ

الفصل التاسع عشر في ذكر رفقائه النجباء صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل التَّاسِع عشر فِي ذكر رفقائه النجباء صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم اثْنَا عشر أَبُو بكر وَعمر عَليّ حَمْزَة جَعْفَر أَبُو ذَر الْمِقْدَاد سلمَان حُذَيْفَة ابْن مَسْعُود عمار بن يَاسر بِلَال رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَكَانَ عَليّ وَالزُّبَيْر وَمُحَمّد بن مسلمة وَعَاصِم بن أبي الأقلح والمقداد يضْربُونَ الْأَعْنَاق بَين يَدَيْهِ

الفصل العشرون في دوابه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْعشْرُونَ فِي دوابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَفْرَاس الْكسْب وَهُوَ أول فرس ملكه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأول فرس غزا عَلَيْهِ اشْتَرَاهُ من أَعْرَابِي من بني فَزَارَة وَكَانَ تَحْتَهُ يَوْم أحد وَكَانَ اسْمه عِنْد الْأَعرَابِي الضرس فَسَماهُ الْكسْب وَكَانَ أعز محجلا طلق الْيَمين الثَّانِي المرتجز اشْتَرَاهُ من أَعْرَابِي من بني مرّة وَجحد الْأَعرَابِي وَقَالَ من

يشْهد بذلك فَشهد لَهُ خُزَيْمَة بن ثَابت فَقَالَ كَيفَ تشهد على مَا لم تحضره فَقَالَ نصدقك فِي خبر السَّمَاء وَلَا نصدقك فِيمَا فِي الأَرْض فَسَماهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَا الشَّهَادَتَيْنِ الثَّالِث لزاز أهداه لَهُ الْمُقَوْقس وَكَانَ يُعجبهُ ويركبه فِي أَكثر غَزَوَاته الرَّابِع اللخيف أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء فأثابه عَلَيْهِ فَرَائض من نعم بني كلاب الْخَامِس الظرب أهداه فَرْوَة بن عَمْرو

الجذامي السَّادِس الْورْد أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ فَأعْطَاهُ عمر فَحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله السَّابِع الصرم الثَّامِن ملاح وَكَانَ لأبي بردة بن نيار التَّاسِع سبْحَة وَكَانَ قد جَاءَ سَابِقًا فسبح عَلَيْهِ فَسُمي

سبْحَة الْعَاشِر الْبَحْر اشْتَرَاهُ من تجار قدمُوا من الْيمن فَسبق عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات فَمسح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه وَقَالَ (مَا أَنْت إِلَّا بَحر) وَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغلة شهباء يُقَال لَهَا الدلْدل يركبهَا فِي الْمَدِينَة وَفِي الاسفار أهداها لَهُ الْمُقَوْقس ملك مصر وَهِي أول بغلة ركبت فِي الْإِسْلَام وَعَاشَتْ بعده حَتَّى كَبرت وزالت أضراسها فَكَانَ يجش لَهَا الشّعير وَبقيت إِلَى زمن مُعَاوِيَة وَمَاتَتْ بينبع وَكَانَت لَهُ بغلة أُخْرَى يُقَال لَهَا الأيلية أهداها لَهُ ملك أَيْلَة وَكَانَ لَهُ حمَار يُقَال لَهُ يَعْفُور وعفير مَاتَ فِي حجَّة الْوَدَاع

الفصل الحادي والعشرون في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي ذكر نعمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينْقل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتنى من الْبَقر شَيْئا وَكَانَت لَهُ عشرُون لقحة بِالْغَابَةِ يراح لَهُ مِنْهَا كل لَيْلَة بقربتين عظيمتين من اللَّبن وَكَانَ لَهُ فِيهَا لقاح غزر الْحِنَّاء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والرباء وَكَانَت لَهُ لقحة تدعى بردة أهداها لَهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان كَانَت تحلب كَمَا تحلب لقحتان غزيرتان وَكَانَت لَهُ مهرية أرسلها إِلَيْهِ سعد بن

عبَادَة من نعم بني عقيل وَكَانَت لَهُ الْقَصْوَاء ابتاعها من أبي بكر وَأُخْرَى من بني قُشَيْر بأربعمائة دِرْهَم وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا وَكَانَت إِذْ ذَاك ربَاعِية وَكَانَت لَا تحمله إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي غَيرهَا وَهِي العضباء والجذعاء وَإِن جَاءَ مَا يدل على تعدد الْمُسَمّى بِتَعَدُّد الِاسْم وَهِي الَّتِي سبقت فشق على الْمُسلمين فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن من قدر الله تَعَالَى أَن لَا يرْتَفع شَيْء إِلَّا وَضعه) وَقيل المسبوقة العضباء وَهِي غير الْقَصْوَاء قَالَ أَبُو عبيد وَلم تسم بذلك لشئ أَصَابَهَا وَقيل كَانَ يأذنها شئ فسميت بِهِ وَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة من الْغنم وَكَانَ لَهُ سبع منائح عَجْوَة

وزمزم وسقيا بركَة وورسه وأطلال وأطراف وَكَانَت ترعاهن أم أَيمن وَكَانَت لَهُ شاه يخْتَص بشربه لَبنهَا تدعى غيثة وَكَانَ لَهُ ديك أَبيض ذكره أَبُو سعيد

الفصل الثاني والعشرون في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي ذكر سلاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أرماح ثَلَاثَة أَصَابَهَا من سلَاح بني قينقاع وَوَاحِد يُقَال لَهُ المنثني وَكَانَ لَهُ عنزة وَهِي حربه دون الرمْح كَانَ يشمي بهَا فِي يَده وَتحمل بَين يَدَيْهِ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى تركز أَمَامه فيتخذها ستْرَة يُصَلِّي إِلَيْهَا وَكَانَ لَهُ محجن قدر الذِّرَاع أَو نَحوه يتَنَاوَل بِهِ الشَّيْء وَهُوَ الَّذِي اسْتَلم بِهِ الرُّكْن فِي حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ لَهُ مخصرة تسمى العرجون وقضيب يُسمى الممشوق وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة قسي قَوس من شوحط تدعى الروحاء وَأُخْرَى من شوحط تدعى الْبَيْضَاء وَأُخْرَى من نبع تدعى الصَّفْرَاء وقوس تدعى الكتوم كسرت يَوْم بدر وَكَانَ لَهُ جعبة تدعى الكافور وَكَانَ لَهُ ترس عَلَيْهِ تِمْثَال عِقَاب أهدي

لَهُ فَوضع يَده عَلَيْهِ فأذهبه الله تَعَالَى وَكَانَ لَهُ تِسْعَة أسياف ذُو الفقار تنقله يَوْم بدر وَهُوَ الَّذِي رأى فِيهِ الرُّؤْيَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي ذُبَاب سَيْفه ثلمة فأولها هزيمَة فَكَانَت يَوْم أحد وَكَانَ قبله لمنبه بن الْحجَّاج السَّهْمِي وَثَلَاثَة أسياف أَصَابَهَا من سلَاح بني قينقاع سيف قلعي وَسيف يدعى البتال وَسيف يدعى الحتف وَسيف يدعى المخدم وَآخر يدعى الرسوب وَآخر وَرثهُ من أَبِيه وَآخر يُقَال لَهُ العضب أعطَاهُ إِيَّاه سعد بن عبَادَة وَآخر يدعى الْقَضِيب وَهُوَ أول سيف تقلد بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أنس بن مَالك كَانَ نعل سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فضَّة وقبيعته فضَّة وَمَا بَين ذَلِك حلق الْفضة وَكَانَ لَهُ دِرْعَانِ أصابهما من سلَاح بني قينقاع درع يُقَال لَهُ السعدية وَأُخْرَى يُقَال لَهَا فضه وَعَن مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ رَأَيْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد درعين درعه ذَات الفضول وَدِرْعه فضه وَرَأَيْت عَلَيْهِ يَوْم حنين

درعين ذَات الفضول والسعدية يُقَال كَانَت عِنْده درع دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي لبسهَا لما قتل جالوت وَكَانَ لَهُ مغفر يُقَال لَهَا السبوغ ومنطقة من أَدِيم مَنْظُور فِيهَا ثَلَاث حلق من الْفضة والأزيم من فضَّة والطرف من فضَّة وَكَانَ لَهُ راية سَوْدَاء مخملة يُقَال لَهَا الْعقَاب وَكَانَ لِوَاءُهُ أَبيض وَرُبمَا جعلت الْأَوْلَوِيَّة من خمر نِسَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الفصل الثالث والعشرون في ذكر أثوابه وأثاثه صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي ذكر أثوابه وأثاثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَترك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مَاتَ ثوبي حبره وإزارا عمانيا وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يَمَانِية وخميصة وَكسَاء أَبيض وقلانس صغَار الأطية ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وإزارا طوله خَمْسَة أشبارا وَمِلْحَفَة مورسة وَكَانَ لَهُ ربعَة فِيهَا مرْآة ومشط عاج ومكحلة ومقراض وَسوَاك وَكَانَ لَهُ فرَاش من حشْوَة لِيف وَكَانَ لَهُ قدح مضبب بِثَلَاث ضباب من فضَّة وَقيل من حَدِيد وَفِيه حَلقَة يعلق بهَا أكبر من نصف الْمَدّ وأصغر من الْمَدّ وَكَانَ لَهُ قدح آخر يدعى الريان وتور من حِجَارَة يدعى المخضب ومخضب من شبه يكون فِيهِ الْحِنَّاء والكتم يوضع على رَأسه إِذا وجد فِيهِ حرا وقدح من زجاج ومغتسل من صفر وقصعة وَصَاع يخرج بِهِ فطرته وَمد وَكَانَ لَهُ سَرِير وقطيفة وَكَانَ لَهُ خَاتم من فضَّة فصه مِنْهُ نقشة مُحَمَّد رَسُول الله وَقيل كَانَ من حَدِيد ملوى بِفِضَّة وأهداه لَهُ النَّجَاشِيّ خُفَّيْنِ ساذجين فلبسهما

وَكَانَ لَهُ كسَاء أسود كَسَاه فِي حَيَاته فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة بِأبي أَنْت وَأمي مَا فعل كساؤك قَالَ كسوته قَالَت مَا رَأَيْت شَيْئا كَانَ أحسن من بياضك فِي سوَاده وَكَانَ لَهُ عِمَامَة يعتم بهَا يُقَال لَهَا السَّحَاب فكساها لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَرُبمَا طلع عَليّ فِيهَا فَيَقُول أَتَاكُم عَليّ فِي السَّحَاب وَكَانَ لَهُ ثَوْبَان للْجُمُعَة غير ثِيَابه الَّتِي يلبسهَا فِي سَائِر الْأَيَّام وَكَانَ لَهُ منديل يمسح بِهِ وَجهه من الْوضُوء وَرُبمَا مَسحه بِطرف رِدَائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الفصل الرابع والعشرون في ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم

الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي ذكر وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتوفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بلغ من السن ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَقيل خمْسا وَسِتِّينَ وَقيل سِتِّينَ وَالْأول أصح فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حِين اشْتَدَّ الضُّحَى لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَقيل لليلتين خلتا مِنْهُ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ولد نَبِيكُم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخرج من مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدخل الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَتوفى يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدفن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَقيل لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَكَانَت مُدَّة مَرضه اثنى عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبَعَة عشر وَكَانَ مَرضه بالصداع وَقيل إِن مَرضه بعد نزُول (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح لِأَنَّهَا كَانَت

كالنعي لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْخَمِيس وَقد شدّ رَأسه بعصابة دسماء وَكَانَ قد لبس عِمَامَة فرقى الْمِنْبَر فَجَلَسَ عَلَيْهِ مصفر الْوَجْه ثمَّ دَعَا بِلَال فَأمره أَن يُنَادي فِي النَّاس أَن اجْتَمعُوا لوَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهَا آخر وَصِيَّة لكم فَنَادَى بِلَال فَاجْتمعُوا صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ وَتركُوا أَبْوَاب بُيُوتهم مفتحة وأسواقهم على حَالهَا حَتَّى خرج العذارى من الْبيُوت ليسمعوا وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى غص الْمَسْجِد بأَهْله وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أوسعوا لمن وراءكم ثمَّ قَامَ فخطبهم خطْبَة بليغة طَوِيلَة ثمَّ دخل منزله فَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَلم يخرج بعْدهَا وَلما حَضَره الْمَوْت كَانَ عِنْده قدح فِيهِ مَاء يدْخل يَده فِيهِ وَيمْسَح وَجهه وَيَقُول (اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت) وَلما مَاتَ اقتحموا النَّاس حِين سمعُوا الرنة وسجى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبُرْدَةٍ حبره وَقيل إِن الْمَلَائِكَة سجته فكذب بعض أَصْحَابه بِمَوْتِهِ دهشة مِنْهُم عمر وأخرس بَعضهم فَمَا تكلم إِلَّا بعد الْغَد مِنْهُم عُثْمَان وأقعد آخَرُونَ مِنْهُم عَليّ وَلم يكن فِيهِنَّ أثبت من الْعَبَّاس وَأبي بكر رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ثمَّ إِن النَّاس سمعُوا من بَاب الْحُجْرَة حِين ذكرُوا غسله لَا تغسلوه فَإِنَّهُ طَاهِر مطهر ثمَّ سمعُوا صَوتا بعده أغسله فَإِن ذَلِك إِبْلِيس وَأَنا الْخضر وعزاهم فَقَالَ

إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة وخلفا من كل هَالك ودركا من كل فَائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب وَاخْتلفُوا فِي غسله فَقَالُوا لَا نَدْرِي أنجرده عَن ثِيَابه كَمَا نغسل مَوتَانا أم نغسله فِي ثِيَابه فَأرْسل الله عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا بَقِي مِنْهُم رجل إِلَّا وَاضع لحيته على صَدره ثمَّ قَالَ قَائِل لَا يدْرِي من هُوَ اغسله فِي ثِيَابه فانتبهوا وغسلوه فِي قَمِيصه وَكَانُوا لَا يُرِيدُونَ أَن يتقلب لَهُ عُضْو إِلَّا انْقَلب بِنَفسِهِ وَإِن مَعَهم لحفيفا كَالرِّيحِ يصوت بهم (ارفقوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّكُم ستكفون) وَكَانَ الَّذِي تولى غسله عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس عَمه وَالْفضل وَقثم بن الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران موليَاهُ وحضرهم أَوْس بن خولي الْأنْصَارِيّ ونغضه عَليّ فَلم يخرج مِنْهُ شئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْك لقد طبت حَيا وَمَيتًا

وكفن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من ثِيَاب سحول بَلَده بِالْيمن لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة بل لفائف من غير خياطَة وَكَانَ فِي حنوطه الْمسك أبقى مِنْهُ عَليّ شَيْئا لحنوطه إِذا مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أفرادا لم يؤمهم أحد فَقيل فعل ذَلِك ليَكُون كل مِنْهُم فِي الصَّلَاة أصلا لَا تَابعا لأحد وَقيل ليطول وَقت الصَّلَاة فَيلْحق من يَأْتِي من حول الْمَدِينَة وفرش تَحْتَهُ فِي قَبره قطيفة حَمْرَاء كَانَ يتغطى بهَا نزل بهَا شقران وَدخل قَبره الْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل وقتم وشقران وَقيل أدخلُوا مَعَهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقيل إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي مَكَان الدّفن فَقَالَ بَعضهم ندفنه فِي مُصَلَّاهُ وَقَالَ بَعضهم بِالبَقِيعِ فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا دفن نَبِي قطّ إِلَّا فِي الْمَكَان الَّذِي توفى فِيهِ فَدفن فِي الْموضع الَّذِي توفى فِيهِ حول فرَاشه وحفر لَهُ ولحد وأطبق عَلَيْهِ تسع لبنات وَقيل إِنَّهُم اخْتلفُوا أيلحد لَهُ أم لَا وَكَانَ فِي الْمَدِينَة حفاران أَحدهمَا يلْحد وَهُوَ أَبُو طَلْحَة وَالْآخر يحْفر وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة فاتفقوا على أَن من جَاءَ مِنْهُم أَولا عمل عمله فجَاء الَّذِي يلْحد فلحد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك

فِي بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ثمَّ دفن مَعَه أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَسلم وَشرف وكرم ومجد وَعظم وَبَارك أنعم وَتعطف وتحنن وترحم وَأعَاد من بركاته وَجَعَلنَا من أمته وأنالنا من شَفَاعَته وحشرنا فِي زمرته إِنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَن أَصْحَابه أَجْمَعِينَ وَعَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَنْصَار والمهاجرين وَالتَّابِعِينَ آمين

§1/1